Translate

الخميس، 7 مارس 2024

ج2. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الامة

 

 

ج2.

ج2. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها 

السيئ في الأمة

المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ)

الأول: أن النار لا يخرج منها أحد من الكفار، ولكن الله عز وجل ينفيها، ويزول عذابها. والآخر: أنها لا تفنى، أن عذابها أبدي دائم. وقد ساق فيه أدلة الفريقين وحججهم من المنقول والمعقول، مع مناقشتها، وبيان ما لها وما عليها. والذي يتأمل في طريقة عرضه للأدلة ومناقشته إياها، يستشعر من ذلك أنه يميل إلى القول الأول، ولكنه لم يجزم بذلك، فراجع إن شئت الوقوف على كلامه مفصلا الكتاب المذكور (2 / 167 - 228 طبع الكردي) .

ولكنني وجدته يصرح في بعض كتبه الأخرى بأن نار الكفار لا تفنى وهذا هو الظن به، فقال رحمه الله في " الوابل الصيب " (ص 26) ما نصه:

" وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله. فليس فيها إلا خبيث، ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشوبه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب - كانت دورهم ثلاثة:

دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان. ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقى إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض ". ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار، لم نقف عليها، وإنما ذكرها الشيخ يوسف بن عبد الهادي في " فهرسته " (ق / 26 / 1) .

608 - " ليؤمكم أحسنكم وجها، فإنه أحرى أن يكون أحسنكم خلقا، وقوا بأموالكم عن أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه ".

موضوع.

رواه ابن عدي (97 / 2) وعنه ابن عساكر (5 / 64 / 1) عن حسين بن المبارك الطبراني: حدثنا إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. وقال ابن عدي: " حسين هذا حدث بأسانيد ومتون منكرة عن أهل الشام ". ونقل الذهبي وتبعه المناوي عنه أعني ابن عدي أنه قال فيه: " متهم ". ولم أجد هذا في نسختنا من " الكامل " ثم ساق له الذهبي حديثا قال عقبه: "

وهذا كذب ". وتقدم الكلام عليه برقم (191) . والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 100) من طريق الحضرمي: حدثنا

حسان بن يوسف التميمي حدثنا محمد بن مروان عن هشام بن عروة به وقال: " موضوع. الحضرمي مجهول، ومحمد بن مروان السدي كذاب، وتابعه حسين بن المبارك عن إسماعيل بن عياش عن هشام، والبلاء من حسين، فإنه يحدث بمنكرات ". والحديث رواه الديلمي من طريق الحسين هذا، كما في " اللآلي " (2 / 22) . ورواه ابن عساكر (15 / 240 / 1) من طريق محمد بن صبح بن يوسف: حدثنا إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن أبي البحتري عن هشام بن عروة به. أورده في ترجمة محمد بن صبح ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ومن بينه وبين هشام لم أعرفهم، وسكت السيوطي عنه! ثم ذكر له شاهدا من حديث عمرو بن أخطب نحوه، وسأتكلم عليه عقب هذا إن شاء الله تعالى.

واعلم أنه ليس في الشرع ما يدل على أن هناك ارتباطا بين حسن الوجه وحسن الخلق، فقد يتلازمان وقد ينفكان، وقد روى أحمد في " مسنده " (3 / 492) أن أبا لهب لعنه الله كان وضيء الوجه من أجمل الناس، بل قال ابن كثير: " وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه " ومع ذلك فقد كان من أسوء خلق الله خلقا، وأشدهم إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وازدراء به كما هو مشهور عنه، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: " إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسامكم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " رواه مسلم وغيره.

609 - " إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأكبرهم سنا، فإن كانوا في السن سواء فأحسنهم وجها ".

منكر لا أصل له.

أخرجه البيهقي (3 / 121) عن عبد العزيز بن معاوية بن عبد العزيز أبي خالد القاضي من ولد عتاب بن أسيد: أنبأ أبو عاصم: أنبأ عزرة بن ثابت عن علباء بن أحمر عن أبي زيد الأنصاري (وهو عمرو بن أخطب) مرفوعا. وأشار البيهقي لضعفه بقوله: " إن صح ".

وعلته عبد العزيز هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " واستنكر له هذا الحديث وقال: " هذا منكر لا أصل له، ولعله أدخل عليه، وما عدا هذا من حديثه يشبه حديث الأثبات ".

ذكره الحافظ في " تهذيب التهذيب " وأقره. وقال المناوي: " وفيه عبد العزيز بن معاوية، غمزه الحاكم بهذا الحديث، وقال: هو خبر منكر. ورده في " المهذب " بأن مسلما روى حديثا بهذا السند. انتهى. وبه يعرف أن رمز المصنف لضعفه غير صواب، وأن حكم ابن الجوزي بوضعه تهور ".

قلت: وفيه عديد من الموآخذات:

الأول: أن مسلما لم يحتج بعبد العزيز هذا، وإنما روى له في المقدمة.

الثاني: أن السيوطي نفسه أقر في " اللآلي " (2 / 22) الحاكم على غمزه المذكور.

الثالث: أن ابن الجوزي لم يورد هذا الحديث مطلقا وإنما أورد الجملة الأخيرة منه من طريق أخرى في حديث آخر وهو موضوع باعتراف الذهبي صاحب " المهذب "، وإقرار المناوي نفسه له كما مضى في الحديث الذي قبله. رابعا: أن أبا أحمد الحاكم لميتفرد بإنكار الحديث بل تابعه عليه ابن حبان، وأقره الحافظ، وضعفه البيهقي كما ذكرته عنه آنفا. خامسا: أن هناك أحاديث صحيحة تبين الأحق بالإمامة مثل حديث أبي مسعود البدري مرفوعا: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا ". رواه مسلم وغيره.

وليس فيه ولا في غيره ذكر للأحسن وجها. فهذا من الأدلة على صحة حكم الأئمة المذكورين على هذا الحديث بالإنكار.

فأنى للحديث ما أراده له المناوي من القوة! والله أعلم.

وقد ذهبت بعض المذاهب إلى تقديم الأحسن وجها بعد الاستواء في الشروط الأخرى عملا بهذا الحديث المنكر. بل بالغت بعضها فقالت: " فالأحسن زوجة لشدة عفته، فأكبرهم رأسا، فأصغرهم عضوا "!

610 - " ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (1 / 486) عن قيس أبي عمارة مولى الأنصار قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يحدث عن أبيه عن جده مرفوعا. وهذا سند ضعيف من أجل قيس هذا. قال البخاري: " فيه نظر ". وذكره العقيلي في " الضعفاء " وأورد له حديثين وقال: " لا يتابع عليهما "، أحدهما هذا. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " فلا يلتفت إليه،

بعد جرح إمام الأئمة له، ولهذا قال الحافظ في ترجمته من " التقريب ": " فيه لين ". فمن العجائب أن يسكت الحافظ على الحديث في " التلخيص " (5 / 252) ، وتبعه على ذلك السيوطي في " اللآلي " (2 / 424) . وأعجب منه قول النووي في " الأذكار " (188) : " إسناده حسن " وأقره المناوي! ولعل النووي تنبه فيما بعد لعلته فلم يورده في " الرياض ". والله أعلم.

611 - " ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الصغير " (ص 204) عن عبد القدوس بن عبد السلام بن عبد القدوس: حدثني أبي عن جدي عبد القدوس بن حبيب عن الحسن عن أنس مرفوعا. وقال: " لم يرو هـ عن الحسن إلا عبد القدوس تفرد به ولده عنه ".

قلت: عبد القدوس الجد: كذاب، وابنه اتهمه بالوضع ابن حبان كما سيأتي في الحديث (767) . والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني في " الأوسط " فقط وهو قصور، وكذلك عزاه له الحافظ في " اللسان "، ومنه تبين أن السند واحد. فلم يحسن السيوطي بإيراده في " الجامع " مع تفرد هذا الكذاب به! .

612 - " الأكل مع الخادم من التواضع، فمن أكل معه اشتاقت إليه الجنة ".

موضوع.

الديلمي (1 / 2 / 268) عن أبي علي بن الأشعث: حدثنا شريح بن عبد الكريم: حدثنا جعفر بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي الحسيني أبو الفضل في كتاب " العروس ": حدثنا محمد بن كثير القرشي: حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أم سلمة مرفوعا.

قلت: أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 195) في جملة أحاديث ذكرها من طريق الديلمي بإسناده عن أبي الفضل هذا، وقال السيوطي: " ابن الأشعث كذبوه، وقال الديلمي: أسانيد " كتاب العروس " واهية لا يعتمد عليها، والأحاديث منكرة جدا ". قلت: ومحمد بن كثير القرشي قال أحمد: " حرقنا حديثه "، وقال البخاري: " منكر الحديث ".

وجعفر بن محمد الحسيني قال الجوزقاني في " كتاب الأباطيل ": " مجروح ". وبه أعله ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2 / 267) وقال في ترجمته من المقدمة (1 / 45) : " أشار الديلمي إلى اتهامه ". يعني قول الديلمي المتقدم. والحديث قال المناوي: " سنده ضعيف ". والظاهر أنه اقتصر على تضعيفه بناء منه على قاعدة أن ما تفرد به الديلمي فهو ضعيف، وإلا فإنه لورجع إلى سنده لحكم عليه بالوضع كما صنع السيوطي على تساهله، ومع ذلك فقد تناقض السيوطي، فأورده في " الجامع الصغير " أيضا!

613 - " ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحي بجار السوء ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 354) وأبو عبد الله الفلاكي في " الفوائد " (ق 91 / 1) عن سليمان بن عيسى: حدثنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبي هريرة مرفوعا. وقال أبو نعيم: " غريب لم نكتبه إلا من هذا الوجه ". قلت: وهو موضوع، آفته سليمان هذا وهو السجزي، وهو كذاب كما قال أبو حاتم وغيره، وقال ابن عدي: " يضع الحديث ".

ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال (3 / 237) : " لا يصح، سليمان كذاب، ورواه داود بن الحصين عن إبراهيم بن الأشعث عن مروان بن معاوية الفزاري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا به. قال ابن حبان: داود يحدث عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، يجب مجانبة روايته، والبلية في هذا منه: قال: وهذا خبر باطل لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ومن روى مثل هذا الخبر عن إبراهيم بن الأشعث عن مروان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا.

وجب مجانبة روايته، لأن إبراهيم بن الأشعث يقال له: إمام (1) من أهل بخارى ثقة مأمون، والبلية في هذا الحديث من داود هذا] " (2) .

قلت: لكن تعقبه الدارقطني في تعليقه عليه فقال: " إبراهيم بن الأشعث ضعيف يحدث عن الثقات بما لا أصل له. وزعموا أنه كان من العباد. ومروان الفزاري لم يسمع من سهيل بن أبي صالح ولا روى عنه مما انتهى إلينا ".

__________

(1) كذا الأصل، وفي " الجرح والتعديل ": " ويعرف بـ (لام) ". ولعله الصواب.

(2) زيادة من " كتاب المجروحين " لابن حبان (1 / 286) .

قلت: ويؤيد تضعيف الدارقطني لإبراهيم أن ابن حبان نفسه لما أورد إبراهيم في " الثقات " قال: " يغرب وينفرد فيخطئ ويخالف ".

فهذا منه نقض لوصفه إياه بأنه ثقة مأمون، لأنها لا تلقي مع وصفه إياه بأنه يخطئ ويخالف، بل هذا إلى التضعيف أقرب منه إلى التوثيق فتأمل، لاسيما وقد اتهمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 88) عن أبيه بحديث موضوع وقال: " كنا نظن بإبراهيم الخير فقد جاء بمثل هذا! ".

واعلم أن داود بن الحصين هذا ليس هو الأموي مولاهم فإن ذاك مدني، وهذا من (المنصورة) كما في " ضعفاء ابن حبان " و (المنصورة) عدة مواضع، ولعلها هنا مدينة خوارزم القديمة فراجع " معجم البلدان ".

ثم إن هذا متأخر عن ذاك، فالأموي من أتباع التابعين. وتعقبه السيوطي بما لا يجدي كغالب عادته! فقال في " اللآلي " (2 / 439) : " قلت: له شواهد ... ". ثم ذكرها من حديث علي وابن عباس، عند الماليني في " المؤتلف والمختلف "، ومن حديث أم سلمة عند الديلمي. قلت: وهي شواهد لا تسمن ولا تغني من جوع! ولم يسق السيوطي أسانيدها لننظر فيها إلا الأخير منها، وفيه عبد القدوس بن حبيب الكلاعي وهو متهم بالكذب لا يخفى حاله على مثل السيوطي، قال ابن المبارك وغيره: " كذاب ".

وقال ابن حبان: " كان يضع الحديث " كما يأتي تحت الحديث (767) .

وأما إسناد حديث علي فقد وقفت عليه، أخرجه أبو موسى المديني في " جزء من أدركه الخلال من أصحاب ابن منده " (ق 151 / 2) من طريق سليمان بن عيسى بن نجيح: حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن الحنفية عن علي بن أبي طالب مرفوعا نحوه: وقال:

" غريب من حديث الثوري ".

قلت: بل هو عندي باطل لم يحدث به الثوري، بل ألصقه به سليمان هذا وهو السجزي الكذاب الذي في الطريق الأولى ليضل به الناس كما فعل في الإسناد الأول، قاتل الله الكذابين وقبحهم.

ورواه الطبراني في " جزء منحديثه " (ق 31 / 2) من طريق المقدام بن داود المصري عن عبد الله بن محمد بن المغيرة عن سفيان به. وهذه متابعة لا يفرح بها! فإن ابن المغيرة هذا قال النسائي: " روى عن الثوري ومالك بن مغول أحاديث كانا أتقى لله من أن يحدثا بها ". وقال العقيلي: " يحدث بما لا أصل له ".

وساق الذهبي في ترجمته عدة أحاديث، ثم قال: " وهذه موضوعات "! والمقدام بن داود ليس بثقة كما قال النسائي. فبطلت هذه المتابعة أيضا. وذكر له ابن عراق شاهدا آخر من حديث ابن مسعود وقال (2 / 373) : " أخرجه ابن عساكر في تاريخه ". وسكت عليه.

وهو عند ابن عساكر (16 / 302 / 2) من طريق المظفر بن الحسن بن المهند: أخبرنا أحمد بن عمر بن جوصا: أخبرنا أبو عامر موسى بن عامر: أخبرنا الوليد بن مسلم: أخبرنا شيبان أبو معاوية عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به.

وهذا إسناد واه، وآفته ابن المهند هذا، ففي ترجمته أورده ابن عساكر ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولا ذكر له شيئا من أحواله إلا أنه مات سنة (381) بـ (أشنه) (2) . وأحمد بن عمر بن جوصا، قال الذهبي: " صدوق له غرائب ". وقال الدارقطني: " لم يكن بالقوي ".

وقال مسلمة بن قاسم: " كان عالما بالحديث مشهور ابالرواية، عارفا بالتصنيف، وكانت الرحلة إليه في زمانه، وكان له وراق يتولى القراءة عليه وإخراج كتبه، فساء ما بينهما، فاتخذ وراقا غيره، فأدخل الوراق الأول أحاديث في روايته وليست من حديثه، فحدث بها ابن جوصا، فتكلم الناس فيه، ثم وقف عليها فرجع عنها ". قلت: فلعل هذا الحديث مما دسه عليه ذلك الوراق ليشينه به، هذا إن كان ابن المهند سمعه منه، وحفظه عنه. ثم إن الوليد بن مسلم وإن كان ثقة فقد كان يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن في إسناده فلا تقوم الحجة به، إن سلم ممن دونه! وبالجملة، فهذه الطريق خير طرق هذا الحديث، ومع ذلك فلا يثبت الحديث بها لما علمت من العلل التي فيها. واعلم أن الحافظ السخاوي بعد أن أورد الحديث في " المقاصد " (ص 31) من الطريق الأولى [وأولها] بقوله: " وسليمان متروك، بل اتهم بالكذب والوضع ". استدرك فقال: " ولكن لم يزل عمل السلف والخلف على هذا ".

فينبغي أن يعلم أنه لا يلزم من ذلك أن الحديث صحيح، لأنه تضمن شيئا زائدا على ما جرى عليه العمل، ألا وهو تعليل الدفن وسط القوم الصالحين، وهذا لا يستلزم ثبوت التعليل المذكور

__________

(1) بالضم ثم السكون وضم النون وهاء محضة: بلدة في طرف أذريبجان كما في " معجم البلدان ". اهـ.

فيه، لاحتمال أن يكون شيئا آخر، وعلى كل حال فعلة الحكم أمر غيبي لا يجوز إثباتها بالظن والرجم بالغيب. أو مجرد جريان العمل على مقتضاها. والله أعلم.

614 - " إن لله تعالى في كل يوم جمعة ستمائة ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا النار ".

منكر.

أخرجه ابن حبان في " المجروحين " (1 / 169) وتمام في " الفوائد " (236 / 1) وابن عدي في " الكامل " (26 / 2) والواحدي في " التفسير " (4 / 145 / 1) من طريق يحيى بن سليم الطائفي: حدثنا الأزور بن غالب عن سليمان التيمي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك مرفوعا. وأورده ابن عدي وكذا ابن حبان في ترجمة الأزور هذا، وقال: " كان قليل الحديث إلا أنه روى على قلته عن الثقات ما لم يتابع عليه من المناكير، فكأنه كان يخطيء وهو لا يعلم حتى صار ممن لا يحتج به إذا انفرد ". ثم ساق الحديث وقال: " هذا متن باطل لا أصل له

". وأما ابن عدي فقال: " أحاديثه معدودة يسيرة غير محفوظة، وأرجو أنه لا بأس به ". كذا قال! وفي " الميزان ": " منكر الحديث، أتى بما لا يحتمل، فكذب ".

615 - " التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب ".

ضعيف.

رواه القشيري في " الرسالة " (ص 59 طبع بولاق) ومن طريقه ابن النجار (10 / 161 / 2) : أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن فورك قال: أخبرنا أحمد بن محمود بن {خرزاذ} قال: حدثنا محمد بن فضيل بن جابر قال: حدثنا سعيد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن زكريا قال: حدثني أبي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد مظلم، من دون أنس لم أجد لأحد منهم ذكرا في شيء من كتب التراجم، اللهم إلا ابن {خرزاذ} هذا فهو من شيوخ الدارقطني، وقد ساق له حديثا بسند له إلى مالك عن الزهري عن أنس.

ثم قال الدارقطني: " هذا باطل بهذا الإسناد، ومن دون مالك ضعفاء ". وقال في موضع آخر: " مجهول " كما في " اللسان ". فالظاهر أنه هو آفة هذا الحديث. والله أعلم.

والحديث أورده في " الجامع الصغير " من رواية القشيري وابن النجار، ولم يتكلم عليه المناوي بشيء!

والنصف الأول من الحديث له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود وأبي سعيد الأنصاري. أما حديث ابن مسعود، فأخرجه ابن ماجه (4250) وأبو عروبة الحراني في " حديثه " (ق 100 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 71 / 1) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 210) والقضاعي في " مسند الشهاب " (1 / 2 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (358) من طريق عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة عنه. ورجال إسناده ثقات، لكنه منقطع بين أبي عبيدة - وهو ابن عبد الله بن مسعود - وأبيه.

وأما حديث أبي سعيد الأنصاري، فأخرجه ابن منده في " المعرفة " (2 / 245 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (10 / 398) من طريق يحيى بن أبي خالد عن ابن أبي سعيد الأنصاري عن أبيه مرفوعا به.

وزاد في أوله: " الندم توبة ". وهذه الزيادة لها طريق أخرى صحيحة عن ابن مسعود، وهي مخرجة في " الروض النضير " رقم (642) . وانظر رقم (1150) فإنه فيه من حديث أبي هريرة.

وأما هذا الإسناد فهو ضعيف كما قال السخاوي في " المقاصد " (313) ، وعلته يحيى بن أبي خالد، قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 140) : " مجهول ". وكذا قال الذهبي.

ونقل الحافظ في " اللسان " عن أبي حاتم أنه قال: " وهذا حديث ضعيف، رواه مجهول عن مجهول ". يعني يحيى هذا، وابن أبي سعيد.

(تنبيه) : هكذا وقع في " الحلية " (أبي سعيد) ، وكذا وقع في " المقاصد " و" الجامع الصغير " وغيرهما. ووقع في " المعرفة " (أبي سعد) وفي ترجمته أورد ابن أبي حاتم (4 / 2 / 378) هذا الحديث، فيبدو أنه الصواب.

وجملة القول: أن الحديث المذكور أعلاه ضعيف بهذا التمام. وطرفه الأول منه حسن بمجموع طرقه، وقد قال السخاوي: " حسنه شيخنا - يعني ابن حجر - لشواهده ". والله أعلم. وله شاهد آخر من حديث ابن عباس بزيادة أخرى، وهو:

616 - " التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه، ومن آذى مسلما كان عليه من الأثم مثل منابت النخل ".

ضعيف.

رواه البيهقي في " الشعب " (2 / 373 / 1) وابن عساكر في المجلس الثاني

والثلاثين في التوبة من " الأمالي " (ورقة 4 / 1) من طريق الخطيب بسنده عن سلم بن سالم:

حدثنا سعيد الحمصي عن عاصم الجذامي عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا.

ثم رواه في " التاريخ " (15 / 295 / 2) من طريق أخرى عن سلم: حدثنا سعيد بن عبد العزيز به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، سلم بن سالم وهو البلخي الزاهد أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: قال أحمد والنسائي: ضعيف ". وسعيد الحمصي لم أعرفه، ويحتمل أن يكون سعيد بن سنان أبا مهدي الحمصي وهو ضعيف جدا.

617 - " استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه تندموا ".

موضوع.

رواه الخطيب عن سليمان بن عيسى بسنده المتقدم آنفا برقم (613) عن أبي هريرة مرفوعا. وسليمان كذاب كما سبق، وقد ساق الذهبي في ترجمته هذا الحديث وقال:

" وهذا غير صحيح ". يعني أنه موضوع. قلت: ولم يتفرد به، فقد أخرجه أبو الحسن النعالي في " جزء من حديثه " (127 / 1) والقضاعي في " مسند الشهاب " (61 / 1) عن علي بن زياد المتوثي:

حدثنا عبد العزيز بن أبي رجاء: حدثنا مالك بن أنس به. لكنه قال: عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: وعبد العزيز هذا قال الذهبي: " قال الدارقطني: متروك، له مصنف موضوع كله ".

ثم ساق له حديثين في العقل من طريق المتوثي هذا عنه به هذا أحدهما، وقال في الآخر: " هذا باطل على مالك ". والأول أورده الدارقطني في " غرائب مالك " من هذه الطريق وقال: " هذا حديث منكر ".

ذكره الحافظ في " اللسان ". وقد وجدت له طريقا أخرى عن أبي هريرة. رواه أبو جعفر الطوسي الشيعي في " الأمالي " (ص 94) من طريق داود بن المحبر: حدثنا عباد بن كثير عن سهيل بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا به. وداود هذا وعباد بن كثير كذابان.

وهذا الحديث يكثر من إيراده بعض المشايخ حتى حفظه عنه مريدوه، ولذلك أوردته محذرا منه لعلهم ينتهون عن نسبته إليه صلى الله عليه وسلم خشية أن ينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: " من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ".

618 - " مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش في الحجر، ومثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب على الماء ".

موضوع.

أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الطبراني في " الكبير " عن أبي الدرداء. وقال الشارح المناوي: " قال المصنف في " الدرر ": سنده ضعيف، وقال الهيثمي: فيه مروان بن سالم الشامي، ضعفه الشيخان وأبو حاتم. قلت: البخاري ضعفه جدا فقد قال فيه: " منكر الحديث ".

وكذلك قال مسلم وأبو حاتم، وقد سبق أن ذكرنا أن من قال البخاري فيه: " منكر الحديث " فلا تحل الرواية

عنه، ولذلك فإن الاقتصار على تضعيف الرجل قصور، وكذا الاقتصار على تضعيف حديثه، فإنه يفتح الباب لمن لا علم عنده أن يستشهد به، مع أنه من المتفق عليه أن الحديث إذا اشتد ضعفه لا يجوز أن يستشهد به. وأنا أرى أن هذا الحديث موضوع، لأن ابن سالم هذا متهم كما يشير إلى ذلك قول البخاري فيه: " منكر الحديث ".

ويؤيده قول أبي عروبة الحراني: " كان يضع الحديث ". وقول الساجي: " كذاب يضع الحديث ". وقال ابن حبان (2 / 317) : " يروي المناكير عن المشاهير، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديث الأثبات ". والحديث روي من حديث أبي هريرة بلفظ آخر، وهو:

 

(2/85)

 

 

619 - " من تعلم العلم وهو شاب كان بمنزلة وسم في حجر، ومن تعلمه بعد كبر فهو بمنزلة كتاب على ظهر الماء ".

موضوع.

رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 218) من طريق هناد بن إبراهيم النسفي بسنده عن بقية بن الوليد عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقال:

" لا يصح، هناد بن إبراهيم النسفي لا يوثق به، وبقية بن الوليد مدلس ". وأقره على هذا السيوطي في " اللآليء " (1 / 196) ، لكن تعقبه بقوله: " قلت: له شاهد من مرسل إسماعيل بن رافع.

أخرجه البيهقي في " المدخل " بهذا اللفظ. ومن طريق أبي الدرداء ". ثم ساق إسناد أبي الدرداء ولفظه، وهو موضوع كما بينته قبل هذا، وأما المرسل فلم يذكر إسناده إلى إسماعيل، على أن كونه من مرسله كاف في إنزال حديثه من رتبة الاستشهاد به، لأنه ضعيف جدا، تركه جماعة، وقال ابن حبان (1 / 112) :

 

(2/85)

 

 

" كان رجل صالحا، إلا أنه كان يقلب الأخبار حتى صار الغالب على حديثه المناكير التي يسبق إلى القلب أنه كان المعتمد لها ". على أن حق العبارة أن يقال: " من معضل إسماعيل بن رافع " لأن إسماعيل هذا ليس تابعيا، بل هو يروي عن بعض التابعين، وعليه فقد سقط من السند اثنان فأكثر، فالحديث معضل.

620 - " من أصبح يوم الجمعة صائما، وعاد مريضا، وأطعم مسكينا، وشيع جنازة، لم يتبعه ذنب أربعين سنة ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (122 / 2) ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 107) عن عمرو بن حمزة البصري: حدثنا خليل بن مرة عن إسماعيل بن إبراهيم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر مرفوعا. وقال ابن الجوزي: " موضوع، عمرو، والخليل وإسماعيل كلهم ضعفاء مجروحون ".

وتعقبه السيوطي بقوله (2 / 28) : " قلت: هذا لا يقتضي الوضع، وقد وثق أبو زرعة الخليل فقال: شيخ صالح ... ". قلت: لكن قد أشار البخاري إلى اتهامه بقوله: " منكر الحديث ".

وقال في موضع آخر: " فيه نظر ". ولا يقول هذا إلا فيمن لا تحل الرواية عنه كما تقدم ذكره مرار، وإذا ثبت هذا عن إمام الأئمة فهو جرح واضح. وهو مقدم على التعديل، لاسيما إذا كان المعدل دون البخاري في العلم بالرجال.

ثم إن المحققين من العلماء قديما وحديثا لا يكتفون حين الطعن في الحديث الضعيف سنده على جرحه من جهة إسناده فقط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة أو قواعدها لم يترددوا في الحكم عليه بالوضع، وإن كان السند وحده لا يقتضي ذلك كهذا الحديث، فإن فيه أن فعل هذه الأمور المستحبة في يوم الجمعة سبب في أن لا يسجل عليه ذنب أربعين سنة! وهذا شيء غريب لا مثيل له في الأحاديث الصحيحة فيما أذكر الآن.

ولهذا أقول:

إن الشواهد التي أوردها السيوطي ههنا لا تشهد للحديث إلا في الجملة. أما بخصوص هذه الجملة الأخيرة: " ولم يتبعه ذنب أربعين سنة " فلا، لأنها لم ترد في شيء منها مطلقا، وكلها أطبقت على أن الجزاء: " وجبت له الجنة "، ولا يخفى أن هذا شيء والجملة المتقدمة شيء آخر، إذ لا يلزم من استحقاق الجنة أن لا يتبعه ذنب أربعين سنة فقد يسجل عليه ذنب بل ذنوب ثم يحاسب عليها فقد يستحق بها النار فيدخلها، ثم يخرج منها فيدخل الجنة جزاء هذه الأعمال الفاضلة، أو بإيمانه.

فظهر الفرق بين الشاهد والمشهو د، وهذا مما يؤكد ما ذهب إليه ابن الجوزي من أن الحديث موضوع. فتأمل فأنه شيء خطر في البال، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمن نفسي.

 

(2/86)

 

 

(تنبيه) : لقد اختلط على المناوي إسناد هذا الحديث بإسناد أحد الشواهد التي سبقت الإشارة إليها، وهو وإن كان ضعيفا أيضا ولكنه خير من هذا ضعفا، وبناء عليه رد على ابن الجوزي حكمه على الحديث بالوضع فقال: " إذ قصاراه أن فيه عبد العزيز بن عبد الله الأويسي أورده الذهبي في " الضعفاء "، وفيه ابن لهيعة أيضا ". فأنت ترى أن هذين ليسا في إسناد هذا الحديث الموضوع فاقتضى التنبيه.

ولفظ حديث الأويسي: " من أصبح يوم الجمعة صائما، وعاد مريضا، وشهد جنازة، وتصدق بصدقة فقد أو جب الجنة ". أخرجه البيهقي وقال: " الإسناد الأول يؤكد هذا وكلاهما ضعيف ". قلت: وشيخ الأويسي ابن لهيعة ضعيف أيضا. لكن حديثه صحيح بدون ذكر الجمعة، فانظر " الصحيحة " (88) .

621 - " من أغاث ملهو فا كتب الله له ثلاثا وسبعين مغفرة، واحدة فيها صلاح أمره كله، وثنتان وسبعون له درجات يوم القيامة ".

موضوع.

أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 320) وابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (ص 38 و95) وابن عدي في " الكامل " (143 / 2) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 15) وابن حبان في " المجروحين " (1 / 304) وأبو علي الصواف في " حديثه " (85 / 2) والخطيب (6 / 41) وابن عساكر (6 / 235 / 2) من طريق زياد بن أبي حسان عن أنس مرفوعا. وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 171) من رواية العقيلي ثم قال: " موضوع. آفته زياد ". وقال العقيلي: " لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به ".

وقال ابن حبان: " كان شعبة شديد الحمل عليه، وكان ممن يروي أحاديث مناكير، وأوهاما كثيرة ".

وقال الحاكم والنقاش: " روى عن أنس أحاديث موضوعة، وكان شعبة شديد الحمل عليه وكذبه ". وقال البيهقي: إنه تفرد به. وقد تعقب السيوطي ابن الجوزي على عادته! فذكر (2 / 86) بأن للحديثين طريقين آخرين وشاهدا، وذلك مما لا طائل تحته، فإن أحد الطريقين رواه ابن عساكر (15 / 193 / 2) وفيه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها وفي الطريق إليه أبو محمد عبد الله بن عبد الغفار بن ذكوان تكلم فيه الكتاني، وفيه جماعة لم أعرفهم، وفي هذه الطريق زيادة تؤكد وضع الحديث ولفظها " ومن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، كتب الله له بها أربعين ألف ألف حسنة ".

 

(2/87)

 

 

والطريق الآخر رواه الخطيب (11 / 175) ، وفيه دينار مولى أنس، وهو كذاب، قال ابن حبان (1 / 290) : " كان يروي عن أنس أشياء موضوعة ". ولذلك لم يحسن السيوطي بإيراده الحديث في " الجامع الصغير "، وقد أورده ابن طاهر في " تذكرة الموضوعات " (ص 80) . وأما الشاهد فسيأتي برقم (751) .

622 - " ما جبل ولي الله إلا على السخاء وحسن الخلق ".

موضوع.

رواه أبو القاسم القشيري في " الأربعين " (ق 157 / 2) والقاضي أبو عبد الله الفلاكي في " الفوائد " (ق 89 / 1) وابن عساكر (ج 15 / 407 / 1) من طريق يوسف بن السفر أبي الفيض: حدثنا الأوزاعي: حدثني الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد مركب موضوع، وآفته ابن السفر هذا فإنه كذاب كما سبق مرارا. وقد أورد الحديث من طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 179) وقال: " قال الدارقطني: يوسف يكذب، والحديث لا يثبت ". وأقره السيوطي في " اللآلي " (2 / 91) ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (ق 262 / 2) . قلت: ولا يغتر برواية بقية لهذا الحديث عن الأوزاعي به. أخرجه أبو حامد الشجاعي في " الأمالي " (ق 3 - 4) وكذا رواه ابن عساكر أيضا إلا أنه أسقط من إسناده عائشة فأرسله، لا يغتر بذلك فإنها من تدليسات بقية المشهورة حيث أسقط من بينه وبين الأوزاعي ابن السفر هذا الكذاب.

ويؤيده أن ابن عساكر رواه في رواية أخرى له عن بقية عن يوسف بن السفر عن الأوزاعي به مرسلا. فهذه الرواية تدل على أن بقية تلقاه عن الكذاب المذكور.

والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (3 / 248) من رواية أبي الشيخ عنها. وأشار إلى تضعيفه.

 

(2/88)

 

 

623 - " من أفطر يوما في شهر رمضان في الحضر فليهد بدنة، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعا من تمر المساكين ".

موضوع.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية الدارقطني عن خالد بن عمرو الحمصي: حدثنا أبي: أنبأنا الحارث بن عبيدة الكلاعي: حدثنا مقاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن جابر مرفوعا. وقال (2 / 196) : " مقاتل كذاب. والحارث ضعيف ". وأقره السيوطي في " اللآلي " (2 / 106) ، ومع ذلك فقد أورده في " الجامع الصغير "! وتعقبه المناوي بقوله: " وقال مخرجه الدارقطني: الحارث ومقاتل ضعيفان جدا. اهـ. فقد برىء مخرجه من عهدته

 

(2/88)

 

 

ببيان حاله، فتصرف المصنف بحذف ذلك من كلامه غير جيد، وفي " الميزان ": هذا حديث باطل، يكفي في رده تلف خالد، وشيخه ضعيف، ومقاتل غير ثقة، وخالد كذبه الفريابي، ووهاه ابن عدي ". ثم ذكر كلام ابن الجوزي السابق ثم قال: " وتبعه المؤلف في مختصره ساكتا عليه ".

624 - " من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا ".

موضوع.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق الحاكم عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا. وقال (2 / 204) : " قال الحاكم: أنا ابرأ إلى الله من عهدة جويبر ". وأما السيوطي فكأنه أقره في " اللآلي " فإنه قال

عقبه (2 / 111) : " قلت: أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " عن الحاكم وقال: إسناده ضعيف بمرة، وجويبر ضعيف، والضحاك لم يلق ابن عباس ". ثم ساق له شاهدا من حديث أبي هريرة رواه ابن النجار، وفيه إسماعيل بن معمر قال السيوطي: " قال في " الميزان ": ليس بثقة ".

فالعجب منه كيف سها عن هذا فأورده في " الجامع الصغير "! وقد تعقبه المناوي بما نقله. عن السخاوي أنه قال عقب قول الحاكم السابق: " بل هو موضوع ". ونقل نحوه عن ابن رجب، ونقل الشيخ القاريء في " موضوعاته " (ص 122) عن ابن القيم أنه قال: " وأما أحاديث الاكتحال والادهان والتطيب يوم عاشوراء فمن وضع الكذابين، وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن، والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة، وأهل السنة يفعلون ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع ".

 

(2/89)

 

 

625 - " الإيمان نصفان، نصف في الصبر، ونصف في الشكر ".

ضعيف جدا.

رواه الخرائطي في " كتاب فضيلة الشكر " (129 / 1 من مجموع 98) والديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 2 / 361) عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف جدا، يزيد هو ابن أبان وهو متروك كما قال النسائي وغيره. والحديث ذكره في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي في " الشعب " عن أنس، وقال المناوي: " وفيه يزيد الرقاشي، قال الذهبي وغيره: متروك ".

 

(2/89)

 

 

626 - " من رابط فواق ناقة حرمه الله على النار ".

منكر.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (ص 6) والخطيب (7 / 203) عن محمد بن حميد: حدثنا أنس بن عبد الحميد - أخوجرير بن عبد الحميد - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا وقال العقيلي: " هذا حديث منكر ". ذكره في ترجمة أنس هذا، ثم قال: " وقد رأيت له غير حديث من هذا النحو، فإن كان ابن حميد ضبط عنه، فليس هو ممن يحتج به ". ثم رواه العقيلي (ص 165) من طريق سليمان بن مرقاع الجندعي عن مجاهد عن عائشة مرفوعا. وقال: " سليمان منكر الحديث، ولا يتابع في حديثه ".

 

(2/90)

 

 

627 - " من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية امرأة فرعون ".

لا أصل له بهذا التمام.

أورده هكذا الغزالي في " الإحياء " (2 / 39) وقال مخرجه العراقي: " لم أقف له على أصل ". وأقره الزبيدي في " شرح الإحياء " (5 / 352) وذكر نحوه السبكي في " الطبقات " (4 / 154) .

وأقول: قد وجدت للشطر الأول منه أصلا ولكنه موضوع، رواه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " فقال: حدثنا داود بن المحبر: حدثنا ميسرة بن عبد ربه عن أبي عائشة السعدي عن يزيد بن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وابن عباس قالا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة قبل وفاته ... قلت: فذكر حديثا طويلا جدا في نحواثنتين عشرة صفحة، والصفحة أكبر من هذه، وهو مركب من أحاديث متفرقة، وفيه هذا الشطر، أورده السيوطي بتمامه في " اللآلي " (2 / 361 - 373) ثم قال: " قال الحافظ ابن حجر في " المطالب العالية ": هذا الحديث بطوله موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به ميسرة بن عبد ربه لا بورك فيه ".

 

(2/90)

 

 

628 - " تنقه، وتوقه ".

ضعيف.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 222) والطبراني في " المعجم الكبير " وعنه

 

(2/90)

 

 

أبو نعيم في " الحلية " (7 / 267) وتمام في " الفوائد " (3 / 40) وأبو محمد الخلدي في " جزء من فوائده " (44 / 1) وأبو العباس بن المنير في المجلس الخامس من " الأمالي " (28 / 1) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص 49) وفي " الأمثال " (123 / 2) وأبو الحسن الزعفراني في " فوائد أبي شعيب " (ق 82 / 2) والخطابي في " غريب الحديث " (153 / 1) من طريق عبد الله بن مسعر بن كدام عن مسعر عن وبرة عن عبد الله بن عمر مرفوعا وقال العقيلي: " لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به ". يعني عبد الله هذا.

قلت: قال الذهبي: " تالف، قال أبو حاتم: متروك الحديث ". قلت: وهو راوي حديث انقطاع عذاب جهنم المتقدم برقم (607) . وذكر له السيوطي شاهدا من رواية الباوردي في " المعرفة " عن سنان مرفوعا بلفظ: " تنق وتوق ". وأعله المناوي بالإرسال فقال: " سنان هو ابن سلمة بن المحبق البصري الهذلي، ولد يوم حنين، وله رؤية، وقد أرسل أحاديث ". ولم يتعرض للكلام على إسناده إليه، وما أراه يصح. والله أعلم.

629 - " من بات على طهارة ثم مات من ليلته مات شهيدا ".

موضوع.

رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 729) عن سليمان بن سلمة الخبائري (الأصل: الجنائزي وهو تصحيف) : حدثنا يونس بن عطاء بن عثمان بن سعيد بن زياد بن الحارث الصدائي:

حدثنا سلمة الليثي وشريك بن أبي نمر قالا: حدثنا أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا سند موضوع، سليمان هذا قال ابن الجنيد: " كان يكذب ".

ويونس بن عطاء قال ابن حبان: " يروي العجائب، لا يجوز الاحتجاج بخبره ". وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش وأبو نعيم: " روى عن حميد الطويل الموضوعات ".

قلت: ومع هذا فقد أورد الحديث السيوطي في " الجامع الصغير " عن ابن السني! ولم يتعقبه المناوي بشيء! فلا أدري ما فائدة تسويد الصحيفة بإيراده أحاديث هؤلاء الكذابين؟! .

 

(2/91)

 

 

630 - " قال الله تعالى: الإخلاص سر من سري، استودعته قلب من أحببت من عبادي ".

ضعيف.

ذكره الغزالي في " الإحياء " (4 / 322) عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحافظ العراقي في " تخريجه ": " رويناه في جزء من " مسلسلات القزويني " مسلسلا يقول كل واحد من رواته: سألت فلانا عن الإخلاص؟ فقال: ... ، وهو من رواية أحمد بن عطاء الهجيمي عن عبد الواحد بن زيد عن الحسن عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله تعالى.

وأحمد بن عطاء وعبد الواحد بن زيد كلاهما متروك، ورواه أبو القاسم القشيري في " الرسالة " من حديث علي بن أبي طالب بسند ضعيف ".

(تنبيه) : جاء هذا الحديث في كتاب " من هدي الإسلام " المقرر تدريسه للصف الثامن (ص 74 طبع سنة

1375 - 1955) معزوا للحاكم. ولم أجد من عزاه إليه فهو وهم على الغالب. والله أعلم.

 

(2/92)

 

 

631 - " ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طعموا إذا كان حلالا، الصائم، والمتسحر، والمرابط في سبيل الله ".

موضوع.

الطبراني (3 / 143 / 2) عن عبد الله بن عصمة عن أبي الصباح عن أبي هاشم عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد موضوع، نقل المناوي عن الهيثمي أنه قال: " عبد الله بن عصمة وأبو الصباح مجهولان ". وأقره المناوي! وأقول: كلا فإن أبا الصباح ليس مجهولا بل هو معروف ولكن بالوضع! أورده الحافظ في الكنى من " اللسان " وسماه عبد الغفور، ثم أحال عليه في " الأسماء "، وذكر هناك: " قال يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء، وقال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث " (1) . وقال البخاري: تركوه، وقال ابن عدي: ضعيف منكر الحديث ". ثم ساق له أحاديث، على بعضها آثار الوضع لائحة! فهو المتهم بهذا الحديث.

ولعل من آثار هذا الحديث السيئة ما عليه حال المسلمين اليوم، فإنهم إذا جلسوا في رمضان للإفطار لا يعرف أحدهم أن يقوم عن الطعام إلا قبيل العشاء لكثرة ما يلتهم من أنواع الأطعمة والأشربة والفواكه والحلوى! كيف لا والحديث يقول: إنه من الثلاثة الذين لا حساب عليهم فيما

__________

(1) قلت: وتمام كلامه في " المجروحين " (2 / 141) : " ... على الثقات، كعب وغيره لا يحل كتابة حديثه ولا ذكره إلا على جهة التعجب ". اهـ.

 

(2/92)

 

 

طعموا! فجمعوا بسبب ذلك بين الإسراف المنهي عنه في الكتاب والسنة، وبين تأخير صلاة المغرب المنهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم " صححه الحاكم ووافقه الذهبي وهو كما قالا، فإن له طرقا وشواهد أشرت إليها في " صحيح سنن أبي داود " (رقم 444) . نعم جاء الحض على تعجيل الفطر أيضا في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ".

فيجب العمل بالحديثين بصورة لا يلزم منها تعطيل أحدهما من أجل الآخر، وذلك بالمبادرة إلى الإفطار على لقيمات يسكن بها جوعه ثم يقوم إلى الصلاة، ثم إن شاء عاد إلى الطعام حتى يقضي حاجته منه، وقد جاء شيء من هذا في السنة العملية فقال أنس: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء ". رواه أبو داود والترمذي وحسنه. وهو في " صحيح أبي داود " برقم (2040) وما قبله متفق عليه، وهو مخرج في " الإرواء " (899) .

632 - " أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 57) وفي " الكبير " أيضا و" الأوسط " وأبو الشيخ في " أحاديثه " (16 / 2) وأبو بكر بن أبي علي المعدل في " سبع مجالس من الأمالي " (12 / 1) وأبو نعيم (5 / 69) عن علي بن عاصم: حدثنا قيس بن الربيع عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا.

وقال الطبراني وأبو نعيم: " لم يرو هـ عن حبيب إلا قيس بن الربيع وشعبة بن الحجاج ". زاد الأول: " تفرد به عن شعبة نصر بن حماد الوراق ".

قلت: ثم أخرجه الطبراني في " الصغير " والبغوي في " شرح السنة " (1 / 144 / 2) وكذا الضياء في " المختارة " (7 / 13 / 1) من طريق نصر بن حماد: حدثنا شعبة عن حبيب به. وهذه المتابعة ضعيفة جدا، فإن راويها نصر بن حماد كذاب كما تقدم مرارا. وأما الطريق الأول فضعيف، وفيه ثلاث علل:

الأولى والثانية: ضعف علي بن عاصم، وكذا شيخه قيس بن الربيع. والثالثة: عنعنة حبيب بن أبي ثابت، فإنه مدلس. وقول الطبراني: " لم يرو هـ عن حبيب إلا قيس وشعبة.... " إنما هو بالنسبة لما وقع إليه، وإلا فقد تابعهما عن شعبة سعد بن عامر أخرجه الماليني في " شيوخ الصوفية " (17 - 18) :

أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين بن حمزة الصوفي الزادي: أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد الفقيه بـ (بلخ) : أنبأنا محمد بن فضيل الزاهد: أنبأنا سعد بن عامر عن شعبة به. ومن دون ابن فضيل لم أعرفهما. وتابعهما المسعودي أيضا، أخرجه ابن أبي الدنيا في " الصبر " (50 / 1) والحاكم (1 / 502) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن حبيب بن أبي ثابت به. وقال:

 

(2/93)

 

 

" صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي! وفيه مؤاخذات:

الأول: أن المسعودي لم يخرج له مسلم مطلقا، وإنما أخرج له البخاري تعليقا، فليس هو على شرط مسلم.

الثاني: أن المسعودي ضعيف لاختلاطه، قال ابن حبان (2 / 51) : " اختلط حديثه القديم بحديثه الأخير فلم يميز فاستحق الترك ". وقد وصفه الذهبي نفسه في " الميزان " بأنه سيىء الحفظ، فأنى لحديثه الصحة؟!

الثالث: أن حبيب بن أبي ثابت قد عنعنه وهو مدلس كما تقدم، فأنى للحديث الصحة؟! والحديث أعله الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 70) بقيس بن الربيع قال: " ضعفه الجمهور ". وكأنه خفيت عليه رواية الحاكم هذه! ورواه ابن المبارك في " الزهد " (165 / 1 من الكواكب 575) بسند صحيح عن حبيب عن ابن جبير موقوفا عليه. ولعله الصواب.

633 - " من نظر في الدنيا إلى من هو دونه، ونظر في الدين إلى من هو فوقه كتبه الله صابرا وشاكرا، ومن نظر في الدنيا إلى من هو فوقه وفي الدين إلى من هو دونه لم يكتبه الله صابرا ولا شاكرا ".

لا أصل له بهذا اللفظ.

وإن أورده الغزالي (4 / 108) وعزاه الحافظ العراقي للترمذي من حديث عبد الله بن عمرو، فإن الترمذي إنما رواه (3 / 320) من طريق المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ:

" خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن لم تكن فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا: من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ومن نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا ". وضعفه الترمذي بقوله: " هذا حديث غريب ".

وعلته المثنى هذا، قال العراقي: " ضعيف ". وسكت عليه الحافظ في " الفتح " (11 / 27) وهذا يدل على أن ما يسكت عنه الحافظ في هذا الكتاب ليس حسنا دائما خلافا لظن بعضهم.

ويغني عن هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ". رواه مسلم والترمذي وصححه، وهو عند البخاري (10 / 270) نحوه.

 

(2/94)

 

 

634 - " إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق ".

ضعيف.

رواه علي بن حرب الطائي في " حديثه " (81 / 1) وأبو نعيم (10 / 25) من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة. وعزاه السيوطي للحاكم أيضا والبيهقي. قال المناوي: " قال البيهقي: تفرد به عبد

الله بن سعيد المقبري عن أبيه (كذا) . وروي من وجه آخر ضعيف عن عائشة. اهـ.

وفي " الميزان ": عبد الله بن سعيد هذا واه بمرة، وقال الفلاس: منكر الحديث متروك، وقال يحيى: استبان لي كذبه، وقال الدارقطني، متروك ذاهب.

وساق له أخبارا هذا منها، ثم قال: وقال فيه البخاري: تركوه ". قلت: وأورده الهيثمي في " المجمع " (8 / 22) برواية أبي يعلى والبزار وقال: " وفيه عبد الله بن سعيد المقبري وهو ضعيف ". وأما قول المنذري (3 / 260) : " رواه أبو يعلى والبزار من طرق أحدهما حسن جيد ". فأخشى أن يكون وهما لأمرين: الأول: أنه لوكان له طرق أحدهما حسن. لما اقتصر الهيثمي على ذكر الطريق الضعيف. الثاني: أن البيهقي قد صرح بتفرد المقبري به. والله أعلم.

ثم إنني لم أجد الحديث في " المستدرك ". ثم وجدته فيه (1 / 124) وقال: " عن أبيه ".

 

(2/95)

 

 

635 - " ذروا العارفين المحدثين من أمتي، لا تنزلوهم الجنة ولا النار، حتى يكون الله الذي يقضي فيهم يوم القيامة ".

موضوع.

رواه ابن عدي (208 / 1) والثقفي في " الفوائد العوالي المنتقاة " المعروفة بـ " الثقفيات " (ج 6 رقم 10 من منسوختي) والخطيب (8 / 292) من طريق أيوب بن سويد: حدثني سفيان عن خالد بن أبي كريمة عن عبد الله بن مسور - بعض ولد جعفر بن أبي طالب - عن محمد بن الحنفية عن أبيه مرفوعا.

وهذا إسناد موضوع، المتهم به عبد الله بن مسور قال في " الميزان ": " قال أحمد وغيره أحاديثه موضوعة ". ثم ساق له أحاديث هذا أحدها. وفي " اللسان ": " قال ابن المديني: كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يضع إلا ما فيه أدب أو زهد، فيقال له في ذلك؟ فيقول: إن فيه أجرا "! وقال البخاري: " يضع الحديث ".

وقال النسائي: " كذاب ". وقال ابن حبان (2 / 29) :

 

(2/95)

 

 

" كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ". قلت: ومع هذا فقد أورد السيوطي حديثه هذا في " الجامع الصغير "! وللحديث طريق آخر سيأتي بلفظ: " دعوا المذنبين.... ".

636 - " المتحابون في الله على كراسي من ياقوت أحمر حول العرش ".

منكر.

رواه الطبراني (1 / 198 / 2) وابن عدي (212 / 2) والثقفي في " الثقفيات " (6 / 49 / 2) عن عبد الله بن عبد العزيز الليثي: حدثني سليمان بن عطاء بن يزيد الليثي عن أبيه عن أبي أيوب مرفوعا، وقال ابن عدي: " حديث غير محفوظ ". قلت: وسنده ضعيف جدا، الليثي هذا قال البخاري وأبو حاتم: " منكر الحديث ". وقال ابن حبان في " المجروحين " (2 / 16) : " اختلط بآخره فكان يقلب الأسانيد ولا يعلم، ويرفع المراسيل فاستحق الترك ".

وشيخه سليمان بن عطاء الراوي عن أبيه عطاء، ذكره ابن أبي حاتم (2 / 1 / 133) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (2 / 109) .

والحديث ذكره السيوطي في " الجامع " من رواية الطبراني، وتعقبه المناوي بالليثي هذا، ونقل عن العلائي أنه قال: " لا بأس بإسناده ". وهذا مردود ففيه كل البأس لما عرفت من كلام الأئمة في الليثي، وقد جاءت أحاديث كثيرة ثابتة بمعنى هذا، وليس في شيء منها " على كراسي من ياقوت " إنما " على كراسي من نور " (انظر الترغيب 4 / 47 - 48) فدل هذا على أن الحديث بهذا اللفظ منكر، لتفرد هذا الضعيف به، وخلوه عن جابر يقويه.

 

(2/96)

 

 

637 - " إن الله يحب الملحين في الدعاء ".

باطل.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (467) وأبو عبد الله الفلاكي في " الفوائد " (89 / 2) عن بقية: حدثنا يوسف بن السفر عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا بل موضوع، يوسف بن السفر كذاب بل قال البيهقي: " هو في عداد من يضع الحديث ". وقد ذكر المناوي عن الحافظ أنه قال: " تفرد به يوسف بن السفر عن الأوزاعي، وهو متروك، وكأن بقية دلسه ". وقال ابن عدي في " الكامل " (418 / 1) : " وهذه الأحاديث التي رواها يوسف عن الأوزاعي بواطيل كلها ".

 

(2/96)

 

 

قلت: ولبقية في هذا الحديث روايتان إحدهما صرح فيها بسماعه له من يوسف بن السفر وهي هذه، والأخرى أسقط من الإسناد يوسف هذا الكذاب فدلسه كما سبق عن الحافظ وهذه أخرجها العقيلي وأبو عروبة الحراني في " جزء من حديثه " (100 / 2) والديلمي (1 / 2 / 238 - 239) والسلفي في " معجم السفر " (212 / 2) وعبد الغني المقدسي في " الدعاء " (145 / 2) من طريق كثير بن عبيد: حدثنا بقية عن الأوزاعي به. وبقية متهم بأنه كان يدلس عن الضعفاء والمتروكين، وهذه الرواية من الشواهد على ذلك.

ثم ساقه العقيلي من طريق عيسى بن يونس عن الأوزاعي قال: كان يقال: أفضل الدعاء الإلحاح على الله تبارك وتعالى والتضرع إليه. ثم قال: " حديث عيسى بن يونس أولى، ولعل بقية أخذه عن يوسف بن السفر ".

638 - " الجالس وسط الحلقة ملعون ".

ضعيف.

رواه القطيعي في جزء " الألف دينار " (1 / 16 / 2) من طريق شريك عن شعبة وهمام عن قتادة عن أبي مجلز عن حذيفة رفعه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان: الأولى: شريك وهو ابن عبد الله القاضي، قال الحافظ: "يخطيء كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ". قلت: وقد توبع، لكنه خولف في لفظه كما يأتي. الثانية: الانقطاع بين أبي مجلز وحذيفة فإنه لم يسمع منه كما قال ابن معين، بل قال أحمد: إنه لم يدركه كما يأتي. وقد تابع شريكا عبد الله بن المبارك. أخرجه الترمذي (4 / 7) بلفظ: " قال حذيفة: ملعون على لسان محمد، أولعن الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، من قعد وسط الحلقة ".

وهكذا أخرجه الحاكم أيضا (4 / 281) وأحمد (5 / 384، 398، 401) عن شعبة به وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". والحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي! قلت: وقد ذهلوا جميعا عن الانقطاع الذي ذكرناه، وبه أعله أحمد، فإنه روى بسند الصحيح عن شعبة أنه قال عقب الحديث: " لم يدرك

أبو مجلز حذيفة ". قلت: وتابع شعبة أبان بن يزيد العطار، أخرجه أبو داود (2 / 292) وابن عدي في " الكامل " (26 / 1) بلفظ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة ".

 

(2/97)

 

 

والحديث أورده السيوطي في " الدرر المنتثرة " (ص 139) بلفظ القطيعي ثم قال: " رواه أبو داود والترمذي عن

حذيفة بن اليمان ". كذا قال وفيه موآخذتان: الأولى: أن هذا ليس لفظهما كما سبق. الثانية: أنه سكت عن سنده وهو ضعيف.

639 - " ركعتان من المتزوج أفضل من سبعين ركعة من الأعزب ".

موضوع.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (432) عن مجاشع بن عمرو: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن أنس مرفوعا. وقال: " مجاشع حديثه منكر غير محفوظ، قال يحيى بن معين: وقد رأيته أحد الكذابين ". وقال ابن حبان (2 / 321) : " يضع الحديث على الثقات، لا يحل ذكره إلا بالقدح ". ومن طريق العقيلي ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 257) ، وتعقبه السيوطي بأن له طريقا أخرى، وهو تعقب لا طائل تحته، فإنه طريق باطل لا يصح أن يستشهد به كما يأتي بيانه في الحديث بعده. ثم إن في الحديث علة أخرى فإن عبد الرحمن بن

زيد بن أسلم متهم أيضا، وقد سبق له عدة أحاديث، فإن سلم من مجاشع، فلم يسلم منه. ثم وجدت للحديث طريقا أخرى رواه أبو الحسين الأبنوسي في " الفوائد " (32 / 1) عن أحمد بن مسلم قال: حدثنا أحمد بن محمد يعني ابن عمر بن يونس قال:

حدثنا داود بن عبد الله النمري عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به.

قلت: وهذا سند ساقط، أحمد بن مسلم وداود بن عبد الله النمري لم أجد من ترجمهما. وأما أحمد بن محمد بن عمر بن يونس فهو كذاب، قال الذهبي: " كذبه أبو حاتم وابن صاعد، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال مرة: متروك ". قلت: والتعقب على ابن الجوزي بهذا الطريق أولى (لوصح) من الطريق الآتي بعد، لأن متنه موافق لهذا المتن بخلاف الآتي فإنه مغاير كما سترى.

 

(2/98)

 

 

640 - " ركعتان من المتأهل خير من اثنتين وثمانين ركعة من العزب ".

باطل.

تمام الرازي في " الفوائد " (6 / 118 / 1) وعنه الضياء في " المختارة " (117 / 1) عن

 

(2/98)

 

 

مسعود بن عمرو البكري: حدثنا حميد الطويل عن أنس مرفوعا. قال الذهبي في ترجمة مسعود هذا: " لا أعرفه، وخبره باطل ". ثم ساق له هذا الحديث وأقره الحافظ في " اللسان " إلا أنه قال: " وقد تقدم نحو هذا المتن من حديث أنس من وجه آخر في ترجمة مجاشع بن عمرو، وهو معروف به ".

وحديث مجاشع تكلمت عليه آنفا، وذكرنا أن ابن الجوزي حكم بوضعه، ومن العجيب أن السيوطي تعقبه في " اللآلي " (2 / 160) بأن له طريقا أخرى ثم ساق هذه عن تمام ثم قال: " أخرجه من هذه الطريق الضياء في " المختارة " لكن تعقبه الحافظ ابن حجر في أطرافه فقال: هذا حديث منكر ما لإخراجه معنى "! فما معنى تعقب

السيوطي إذن على ابن الجوزي بهذه الطريق المنكرة باعترافه، بل ما معنى إخراجه للحديث في " الجامع الصغير " مع قول الحافظ فيه: " إنه خبر باطل "؟!

641 - " كان الناس يعودون داود، يظنون أن به مرضا وما به إلا شدة الخوف من الله تعالى ".

موضوع.

أخرجه تمام في " الفوائد " (49 / 2) وعنه ابن عساكر (14 / 338 / 2) وأبو نعيم (7 / 137) وكذا ابن عساكر في ترجمة داود عليه السلام والضياء في " الأحاديث والحكايات " (150 / 2) عن محمد بن عبد الرحمن بن غزوان الضبي: حدثنا الأشجعي عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال ابن عساكر: " غريب جدا، وابن غزوان ضعيف ". وقد أورده السيوطي في " الجامع " عن ابن عساكر وحده فتعقبه المناوي بأن أبا نعيم رواه أيضا ثم قال:

" وفيه عندهما محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، قال الذهبي: قال ابن حبان: يضع (1) ، وقال ابن عدي: متهم بالوضع ".

وقال في " الميزان ": " حدث بوقاحة عن مالك وشريك وضمام بن إسماعيل ببلايا، قال الدارقطني وغيره: كان يضع الحديث. وقال ابن عدي: له عن ثقات الناس بواطيل ". زاد في " اللسان ":

__________

(1) قلت: ولفظ ابن حبان في " المجروحين " (2 / 298) : " يروي عن أبيه وغيره العجائب التي لا يشك من هذا الشأن صناعته أنها معمولة أو مقلوبة ". وقال عن شيخه ابن خزيمة: " أنا خائف أنه كذاب ". اهـ.

 

(2/99)

 

 

" وقال ابن عدي: وهو ممن يضع الحديث. وقال الحاكم: روى عن مالك وإبراهيم بن سعد أحاديث موضوعة ". قلت: والحديث رواه عبد الله بن الإمام أحمد في " زوائد الزهد " (ص 88) عن سعيد بن هلال أن داود النبي كان الحديث نحوه. فهذا كما تراه موقوف ومعضل، فالظاهر أنه من الإسرائيليات. والله أعلم.

642 - " السواك يزيد الرجل فصاحة ".

موضوع.

ابن عدي في " الكامل " (388 / 2) والخطيب في " تلخيص المتشابه " (147 / 2) من طريق أبي يعلى: أخبرنا محمد بن بحر: أخبرنا المعلى بن ميمون أخبرنا عمرو بن داود عن سنان بن سنان عن أبي هريرة مرفوعا. ورواه العقيلي في " الضعفاء " (277) وأبو بكر الختلي في " جزء من حديثه " (44 / 2) وأبو سعيد بن الأعرابي في " المعجم " (122 / 1) وعنه القضاعي (13 / 1) والديلمي (2 / 222) من طريق أخرى عن المعلى به. وقال العقيلي: " روى عن سنان بن أبي سنان، كلاهما مجهول، والحديث معلول ".

وأورده ابن عدي في ترجمة المعلى، وساق له حديثين آخرين يأتيان بعده، ثم قال: " وله غير ما ذكرت وكلها غير محفوظة، مناكير ". وفي " الكشف ": " قال الصغاني: وضعه ظاهر، وقال ابن الجوزي: لا أصل له ".

 

(2/100)

 

 

643 - " إن الملائكة لتفرح بذهاب الشتاء، لما يدخل على فقراء المؤمنين منه من الشدة ".

منكر.

رواه ابن عدي بإسناد الذي قبله، ورواه العقيلي (422) وكذا الطبراني (3 / 112 / 1) من طريق أخرى عن معلى بن ميمون عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا. وقال العقيلي: " معلى بن ميمون بصري منكر الحديث، لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به، وله من هذا النحوأحاديث مناكير لا يتابع عليها ".

وقوله: " ولا يتابع على حديثه " عجيب فإنه نفسه أخرجه (ص 150) من طريق نعيم بن حماد: حدثنا سعيد بن دهثم المقدسي قال: حدثنا عبد الله بن نمير الرحبي عن مجاهد به. ولكن سعيد بن دهثم هذا قال العقيلي: " حديثه غير محفوظ، وعبد الله بن نمير ليس بمعروف بالنقل ". قلت: ونعيم ضعيف.

 

(2/100)

 

 

644 - " حامل كتاب الله له في بيت مال المسلمين في كل سنة مائتا دينار، فإن مات وعليه دين قضى الله ذلك الدين ".

موضوع.

رواه الديلمي عن العباس بن الضحاك: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي عن مقاتل بن سليمان عن خولة الطائي عن سليك الغطفاني مرفوعا.

أورده السيوطي في " اللآلي " شاهدا للحديث الآتي عقبه وقال: " العباس بن الضحاك، دجال، ومقاتل بن سليمان قال وكيع وغيره: كذاب ". قلت: فما فائدة إيراده إذن؟ وكيف استجاز ذكره إياه في " الجامع الصغير " أيضا؟! ومن عجائبه أنه لم يورده فيه بتمامه بل بشطره الأول فقط! ولعله إنما ذكره فيه من أجل أن له شاهدا، أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " لكن لا يخفى أن الموضوع لا يقوى بطرقه مهما كثرت، وهذا شيء نبه عليه السيوطي نفسه في " تدريب الراوي " وغيره. والشاهد المذكور هو: " من قرأ القرآن فله مائتا دينار، فإن لم يعطها في الدنيا أعطيها في الآخرة ".

 

(2/101)

 

 

645 - " من قرأ القرآن فله مائتا دينار، فإن لم يعطها في الدنيا أعطيها في الآخرة ".

موضوع. أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 255) من رواية ابن عدي عن عمرو بن جميع عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي مرفوعا. وقال: " جويبر تالف، وعمرو كذاب ". وتعقبه السيوطي (1 / 246) بما لا يجدي كغالب عادته ثم قال: " وله طريق آخر عن علي موقوفا ". قلت: ثم ساقه من رواية البيهقي بإسناده عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن علي قال: فذكره نحوه. وقال السيوطي: " عبد الملك كذاب وله طريق أخرى ".

ثم ساق الحديث الذي قبله، وفيه دجال، وآخر كذاب كما سبق من كلام السيوطي نفسه، فلا أدري ما فائدة تسويد الصحيفة بإيراده أحاديث هؤلاء الكذابين؟!

 

(2/101)

 

 

646 - " شاب سفيه سخي أحب إلي من شيخ بخيل عابد، إن السخي قريب من الله، قريب من الجنة، بعيد من النار، وإن البخيل بعيد من الجنة، قريب من النار ".

موضوع.

رواه تمام الرازي (3 / 38 - 39 من مجموع الظاهرية رقم 95) من طريق محمد بن زكريا الغلابي: حدثنا العباس بن بكار: حدثنا محمد بن زياد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعا.

 

(2/101)

 

 

قلت: والغلابي وضاع، وقد سبق ذكره مرارا. والشطر الأول من الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الحاكم في " تاريخه " والديلمي في " مسند الفردوس " عن ابن عباس، وسكت عنه شارحه المناوي! وأورده في اللآلي " (2 / 93) بتمامه من طريق تمام، لكن سقط من إسناده بعض رجاله، منهم الغلابي هذا الذي هو آفة الحديث، فخفيت على الناظر علة الحديث. والشطر الثاني من الحديث، أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق أخرى عن أبي هريرة وقال: " قال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل ". وقد سبق الكلام عليه برقم (152) .

647 - " أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ قالوا: الملائكة، قال: وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم عز وجل؟ قالوا: فالنبيون، قال: وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ قالوا: فنحن، قال: وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن أعجب الخلق إلي إيمانا لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيها ".

ضعيف.

رواه الحسن بن عرفة: حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي عن المغيرة بن قيس التميمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. رواه عنه إسماعيل بن محمد الصفار في " جزئه " (90 / 2 مجموع 22) وكذا البيهقي في " الدلائل " (ج 2) والخطيب في " شرف أصحاب الحديث " (26 / 2) وطراد أبو الفوارس في " ما أملاه يوم الجمعة 14 شعبان سنة 478 ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف، إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين وهذه منها، فإن المغيرة بن قيس بصري. وهو ضعيف أيضا. قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 227) : " بصري، روى عن عمرو بن شعيب، روى عنه أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو منكر الحديث ".

قلت: وأما ابن حبان فذكره في " الثقات "! كما في " اللسان ". ورواه البيهقي من طريق مالك بن مغول عن طلحة عن أبي صالح مرفوعا. وقال: " هذا مرسل ". قلت: وهو على إرساله ضعيف وقد وصله أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 308 - 309)

 

(2/102)

 

 

والسهمي (363) من طريق خالد بن يزيد العمري: حدثنا الثوري عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. لكن العمري هذا كذاب وضاع. وقد روي الحديث بلفظ آخر وهو:

648 - " أتدرون أي أهل الإيمان أفضل إيمانا؟ قالوا: يا رسول الله الملائكة؟ قال: هم كذلك، ويحق ذلك لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم. قالوا: يا رسول الله فالأنبياء الذين أكرمهم الله تعالى

بالنبوة والرسالة؟ قال: هم كذلك ويحق لهم ذلك، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم. قال: قلنا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: أقوام يأتون من بعدي في أصلاب الرجال فيؤمنون بي ولم يروني، ويجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا ".

ضعيف جدا.

رواه البغوي في " حديث مصعب الزبيري " (152 / 2) وعنه ابن عساكر (16 / 274 / 1) والخطيب في " شرف أصحاب الحديث " (36 - 37) من طريق أبي يعلى وهذا في " مسنده " (13 / 2) والحاكم (4 / 85 - 86) وعنه الهروي في " ذم الكلام " (148 / 1) عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن

عمر مرفوعا. وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: بل محمد ضعفوه ".

قلت: قد اتهمه البخاري بقوله فيه: " منكر الحديث " وقال النسائي: " ليس بثقة ".

فمثله في مرتبة من لا يستشهد بحديثه ولا يعتبر به كما بينه السيوطي في " تدريب الراوي " (ص 127) . فعلى هذا لا يصلح الحديث شاهدا للذي قبله، فلا أدري لم جزم الحافظ ابن كثير في " اختصار علوم الحديث " (ص 143) بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " فذكره واستدل به على جواز العمل بالوجادة، فلعله ظن أن ابن أبي حميد هذا ممن يستشهد به، أو أنه وقف له على طريق أو طرق أخرى يتقوى الحديث بها.

وحينئذ ينبغي النظر فيها، فإن صلح شيء منها للاستشهاد فبها، وإلا فنحن على ما تبين لنا الآن. والحديث عزاه في " الجامع الكبير " (3 / 170 / 2) لأبي يعلى والعقيلي والمرهبي في " العلم "

 

(2/103)

 

 

والحاكم، وتعقبه الحافظ ابن حجر في أطرافه بأن فيه محمد بن أبي حميد متروك الحديث، وقال في " المطالب العالية ": محمد ضعيف الحديث سيء الحفظ. وقال البزار: الصواب أنه عن زيد بن أسلم مرسل. وقد وجدت لابن أبي حميد متابعا، أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (427) عن المنهال بن بحر قال: حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن أسلم به.

وقال العقيلي: " المنهال في حديثه نظر، وهذا الحديث إنما يعرف لمحمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم وليس بمحفوظ من حديث يحيى بن أبي كثير، ولا يتابع منهالا عليه أحد ".

قلت: والمنهال هذا ذكره ابن عدي في " الكامل "، وأشار إلى تليينه، ووثقه أبو حاتم وابن حبان، فإن كان حفظه بهذا الإسناد، فعلته عنعنة يحيى بن أبي كثير، فإنه كان مدلسا، ولهذا أورده العقيلي في " الضعفاء " (466) فقال: " ذكر بالتدليس ".

وتبعه على ذلك الذهبي في " الميزان " وابن حجر في " التقريب "، ولا أستبعد أن يكون سمعه من ابن أبي حميد هذا فدلسه. والله أعلم.

وجملة القول أن هذا الإسناد ضعيف جدا لا يصلح للاستشهاد به، وقد وجدت للحديث طريقين آخرين، أحدهما تقدم قبل هذا، وهو خير من هذا، والآخر أشدهما ضعفا وهو:

649 - إن أشد أمتي حبا لي قوم يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، يعملون بما في الورق المعلق ".

موضوع بهذا اللفظ.

رواه ابن عساكر " في تاريخه " (ج 11 / 137 / 2) عن أحمد بن القاسم بن الريان اللكي المصري: أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط الأشجعي: حدثني أبي: حدثنا أبي قال: لما نسخ عثمان المصاحف قال له أبوهريرة: أصبت ووفقت، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكره.

قال أحمد بن القاسم بن الريان: أخبرنا الواقدي أخبرنا ابن أبي سبرة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به. كذا قال وقد سقط منه محمد بن سعد كاتب الواقدي. قلت: وهكذا وقع الحديث من الطريقين عن أبي هريرة في " نسخة نبيط بن شريط " (رقم 57 و58) ، وفيها بلايا، كما في ترجمة أحمد بن إسحاق بن إبراهيم هذا من " الميزان " وقال: " لا يحل الاحتجاج به فإنه كذاب ". وأقره الحافظ في " اللسان ". والراوي عنه أحمد بن القاسم بن الريان اللكي بضم اللام وتشديد الكاف نسبة إلى (اللك) بليدة من أعمال برقة الغرب.

وقال الذهبي: " لينه ابن ماكولا، وضعفه الدارقطني ".

 

(2/104)

 

 

ثم وقفت على طريق رابع للحديث ليس فيه الورق المعلق وسوف يأتي بلفظ: " يا أيها الناس من أعجب الخلق ... ". وإنما يصح من هذا الحديث والذي قبله بعضه، وهو في حديث أبي جمعة رضي الله عنه قال: تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال: يا رسول الله أحد منا خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك، قال: نعم قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني. رواه الدارمي (2 / 308) وأحمد (4 / 106)

والحاكم (4 / 85) وصححه ووافقه الذهبي. وأقول: إسناد الدارمي وأحد إسنادي أحمد صحيح إن شاء الله تعالى. وقد عزاه لهؤلاء الثلاثة السيوطي في " تدريب الراوي " (ص 150) بلفظ آخر، وهو سهو منه رحمه الله.

650 - " أحبوا قريشا، فإنه من أحبهم أحبه الله تعالى ".

ضعيف جدا.

رواه الحسن بن عرفة في " جزئه " (107 / 1) : حدثنا عيسى بن مرحوم بن عبد العزيز العطار: حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل الساعدي عن أبيه عن جده مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا. علته عبد المهيمن هذا، قال البخاري وأبو حاتم: " منكر الحديث ".

وقال النسائي (2 / 141) : " ليس بثقة " وفي موضع آخر: " متروك الحديث ". وقال ابن حبان (2 / 141) : " ينفرد عن أبيه بأشياء مناكير لا يتابع عليه من كثرة وهمه، فلما فحش ذلك في روايته بطل الاحتجاج به ". ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الكبير " والبيهقي في " الشعب " كما في " فيض القدير ".

 

(2/105)

 

 

651 - " من أدهن ولم يسم أدهن معه سبعون شيطانا ".

كذب.

أخرجه ابن السني (رقم 170) عن بقية بن الوليد: حدثني مسلمة بن نافع: (1) حدثني أخي دويد بن نافع القرشي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، على إعضاله، فإن دويد بن نافع من أتباع التابعين روى عن عروة بن الزبير ونحوه. قال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث كما نص عليه في المقدمة. وأخوه مسلمة لم أجد له ترجمة، ولم يترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل ". وبقية مدلس وقد عنعنه، ومن عادته أن يروي عن الضعفاء والمتهمين ثم يدلسهم ويسقطهم من الإسناد، فلعل هذا الحديث أخذه عن بعض الوضاعين ثم أسقطه، ووهم بعض الرواة في هذا الإسناد فقال عنه: حدثني مسلمة ... فإن صح أنه سمعه منه فهو من شيوخه المجهولين.

__________

(1) الأصل: " سلمة بن رافع، والتصحيح من " الجرح والتعديل " و" تهذيب التهذيب " وغيرهما. اهـ.

 

(2/105)

 

 

والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 305) : " سألت أبي عن حديث رواه الحارث بن النعمان عن شعبة عن مسلمة بن نافع عن أخيه دويد بن نافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ادهن فلم يذكر اسم الله ادهن معه سبعون شيطانا "؟ قال: الحارث بن النعمان هذا كان يفتعل الحديث، وهذا حديث كذب، إنما روى هذا الحديث بقية عن مسلمة بن نافع ".

وهاتان فائدتان هامتان من هذا الإمام:

الأولى: أن الحارث بن النعمان كان يفتعل الحديث. وهذا مما لا تراه في شيء من كتب الرجال، بل خفي هذا النص على الحافظ الذهبي فقال في ترجمة الحارث هذا من " الميزان " وهو: " الحارث بن النعمان بن سالم الأكفاني " قال: " صدوق "! وأقره الحافظ في " التهذيب " وجزم به في " التقريب ". والله أعلم.

الثانية: الشهادة على هذا الحديث بأنه كذب، وهو حري بذلك.

652 - " ما من عبدين متحابين في الله يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لم يتفرقا حتى يغفر الله لهما ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر ".

منكر جدا بهذا اللفظ.

رواه ابن السني (برقم 190) وابن حبان في " الضعفاء " (1 / 289) والباطرقاني في " جزء من حديثه " (165 / 1) عن درست بن حمزة: حدثنا مطر الوراق عن قتادة عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف درست بن حمزة، ويقال: ابن زياد العنبري قال ابن حبان: " كان منكر الحديث جدا، يروي عن مطر وغيره أشياء تتخايل إلى من يسمعها أنها موضوعة ".

وضعفه الدارقطني. وقتادة فيه تدليس وقد عنعنه. وقد جاءت أحاديث كثيرة عن جمع من الصحابة بمعنى هذا الحديث لكن ليس في شيء منها ذكر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ولا مغفرة ما تأخر أيضا من الذنوب، فدل ذلك على أن هذه الزيادة منكرة. والله أعلم.

والأحاديث المشار إليها أوردها المنذري (3 / 270 - 271) . ثم رأيت النووي قد أورد الحديث في " الأذكار " ساكتا عليه!

 

(2/106)

 

 

653 - " الصائم في عبادة وإن كان راقدا على فراشه ".

ضعيف.

رواه تمام (18 / 172 - 173) : أخبرنا أبو بكر يحيى بن عبد الله بن الزجاج قال: حدثنا أبو بكر محمد بن هارون بن محمد بن بكار بن بلال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن: حدثنا هاشم

 

(2/106)

 

 

بن أبي هريرة الحمصي عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن سلمان بن عامر الضبي مرفوعا. وهذا سند ضعيف يحيى الزجاج ومحمد بن هارون لم أجد من ذكرهما. وبقية رجاله ثقات غير هاشم بن أبي هريرة الحمصي ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 2 / 105) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. قال:

" واسم أبي هريرة عيسى بن بشير ". وأورده في " الميزان " وقال: " لا يعرف، قال العقيلي: منكر الحديث ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " برواية الديلمي في " مسند الفردوس " عن أنس. وتعقبه المناوي بقوله: " وفيه محمد بن أحمد بن سهل، قال الذهبي في " الضعفاء ": قال ابن عدي: [هو] ممن يضع الحديث ". قلت: هو عند الديلمي (2 / 257) لكن طريق تمام ليس فيها هذا الوضاع كما مر، فهي تنقذ الحديث من إطلاق الوضع عليه. والله أعلم.

وقد رواه عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (ص 303) من قول أبي العالية موقوفا عليه بزيادة " ما لم يغتب ". وإسناده صحيح. فلعل هذا أصل الحديث موقوف، أخطأ بعض الضعفاء فرفعه. والله أعلم.

654 - " ثلاث من جاء بهن مع إيمان دخل أي أبواب الجنة شاء، وزوج من الحور العين حيث شاء، من عفا عن قاتله، وأدى دينا خفيا، وقرأ دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات (قل هو الله أحد) قال: فقال أبو بكر: أو إحداهن يا رسول الله؟ قال: أو إحداهن ".

ضعيف جدا.

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 105 / 2) والطبراني في " الأوسط " (ق 186 / 2) وأبو محمد الجوهري في " الفوائد المنتقاة " (4 / 2) وأبو محمد الخلال في " فضائل الإخلاص " (ق 201 / 2) عن عمر بن نبهان عن أبي شداد عن جابر مرفوعا. وقال الطبراني: " لا يروى هذا الحديث إلا بهذا الإسناد ". قلت: وهو ضعيف جدا، عمر بن نبهان، قال ابن معين. " ليس بشيء "، وقال ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 90) : " يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك ". وأبو شداد لم أعرفه. والحديث ساقه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1 / 154 / 1) من طريق أبي يعلى وقال:

 

(2/107)

 

 

" هذا حديث غريب، أخرجه الطبراني في " كتاب الدعاء "، وأبو شداد لا يعرف اسمه ولا حاله، والراوي عنه ضعفه جماعة ". وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 102) : " رواه أبو يعلى وفيه عمر بن نبهان وهو متروك ". وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 208) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورواه أيضا من حديث أم سلمة بنحوه ". وأشار إلى تضعيفه. وحديث أم سلمة أورده الهيثمي أيضا في " المجمع "، (9 / 302) وقال: " رواه الطبراني وفيه جماعة لم أعرفهم ".

قلت: ورواه الدينوري عنها بلفظ " من كانت فيه واحدة ... " وسيأتي برقم (1276) وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا مثل حديث جابر دون قول أبي بكر: " أو إحداهن.... " أخرجه ابن السني (رقم 132) من طريق عمرو بن خالد عن الخليل بن مرة عن إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري عن عطاء عنه. قلت: وهذا أشد ضعفا من سابقه: الأنصاري مجهول، والخليل بن مرة ضعيف جدا، وعمرو بن خالد كذاب.

لكن أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17 / 274 / 1) من طريق حماد بن عبد الرحمن: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري به. إلا أن حمادا هذا مما لا يفرح بمتابعته، قال أبو زرعة: " يروي أحاديث مناكير " وقال أبو حاتم: " شيخ مجهول، منكر الحديث، ضعيف الحديث ".

655 - " إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا علي، يا عباد الله احبسوا علي، فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم ".

ضعيف.

رواه الطبراني (3 / 81 / 1) وأبو يعلى في " مسنده " (254 / 1) وعنه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (500) كلاهما من طريق معروف بن حسان السمرقندي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الله بن بريدة (1) عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف، وفيه علتان:

__________

(1) هكذا هو في " الطبراني " ووقع في ابن السني: " عن ابن بردة عن أبيه " والظاهر أنه خطأ من بعض النساخ كما يشعر بذلك كلام الحافظ الآتي. والله أعلم. اهـ.

 

(2/108)

 

 

الأولى: معروف هذا، فإنه غير معروف! قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 333) عن أبيه إنه " مجهول ".

وأما ابن عدي فقال: إنه " منكر الحديث "، وبهذا أعله الهيثمي (10 / 132) ، فقال بعد أن عزاه لأبي يعلى والطبراني: " وفيه معروف بن حسان وهو ضعيف ". الثانية: الانقطاع، وبه أعله الحافظ ابن حجر فقال: " حديث غريب، أخرجه ابن السني والطبراني، وفي السند انقطاع بين ابن بريدة وابن مسعود ". نقله ابن علان في " شرح الأذكار " (5 / 150) . وقال الحافظ السخاوي في " الابتهاج بأذكار المسافر والحاج " (ص 39) : " وسنده ضعيف، لكن قال النووي: إنه جربه هو وبعض أكابر شيوخه ". قلت: العبادات لا تؤخذ من التجارب، سيما ما كان منها في أمر غيبي كهذا الحديث، فلا يجوز الميل إلى تصحيحه بالتجربة! كيف وقد تمسك به بعضهم في جواز الاستغاثة بالموتى عند الشدائد وهو شرك خالص. والله المستعان.

وما أحسن ما روى الهروي في " ذم الكلام " (4 / 68 / 1) أن عبد الله بن المبارك ضل في بعض أسفاره في طريق، وكان قد بلغه أن من اضطر (كذا الأصل، ولعل الصواب: ضل) في مفازة فنادى: عباد الله أعينوني! أعين، قال فجعلت أطلب الجزء أنظر إسناده. قال الهروي: فلم يستجز. أن يدعو بدعاء لا يرى إسناده ". قلت: فهكذا فليكن الاتباع. ومثله في الحسن ما قال العلامة الشوكاني في " تحفة الذاكرين " (ص 140) بمثل هذه المناسبة: " وأقول: السنة لا تثبت بمجرد التجربة، ولا يخرج الفاعل للشيء معتقدا أنه سنة عن كونه مبتدعا.

وقبول الدعاء لا يدل على أن سبب القبول ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يجيب الله الدعاء من غير توسل بسنة وهو أرحم الراحمين، وقد تكون الاستجابة استدراجا ".

وللحديث طريق آخر معضل، أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 153 / 2) عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه. وهذا مع إعضاله، فيه ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه، والأصح عن أبان عن مجاهد عن ابن عباس موقوفا عليه كما يأتي بيانه في آخر الحديث التالي.

656 - " إذا أضل أحدكم شيئا، أو أراد أحدكم غوثا، وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل: يا عباد الله أغيثوني، يا عباد الله أغيثوني، فإن لله عبادا لا نراهم ".

 

(2/109)

 

 

ضعيف. رواه الطبراني في " الكبير " (مجموع 6 / 55 / 1) : حدثنا الحسين بن إسحاق: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي: حدثنا عبد الرحمن بن شريك قال: حدثني أبي عن عبد الله بن عيسى عن ابن علي عن عتبة بن غزوان عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد في آخره: " وقد جرب ذلك ". قلت: وهذا سند ضعيف. وفيه علل:

1 و2 - عبد الرحمن بن شريك وهو ابن عبد الله القاضي وأبوه كلاهما ضعيف، قال الحافظ في الأول منهما: " صدوق يخطيء ".

وقال في أبيه: " صدوق يخطيء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ". وقد أشار إلى هذا الهيثمي بقوله في " المجمع " (10 / 132) : " رواه الطبراني ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم، إلا أن يزيد (كذا) بن علي لم يدرك عتبة ".

3 - الانقطاع بين عتبة وابن علي، هكذا وقع في أصلنا الذي نقلنا منه الحديث (ابن علي) غير مسمى، وقد سماه الهيثمي كما سبق (يزيد) ، وأنا أظنه وهما من الناسخ أو الطابع، فإنه ليس في الرواة من يسمى (يزيد بن علي) والصواب (زيد بن علي) وهو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولد سنة ثمانين، ومات عتبة سنة عشرين على أوسع الأقوال فبين وفاته وولادة زيد بن علي دهر طويل!

وقال الحافظ ابن حجر في " تخريج الأذكار ": " أخرجه الطبراني بسند منقطع عن عتبة بن غزوان مرفوعا وزاد في آخره " وقد جرب ذلك ". ثم قال الحافظ: " كذا في الأصل، أي الأصل المنقول منه هذا الحديث من كتاب الطبراني، ولم أعرف تعيين قائله، ولعله مصنف المعجم، والله أعلم ".

فقد اقتصر الحافظ على إعلاله بالانقطاع، وهو قصور واضح لما عرفت من العلتين الأوليين.

وأما دعوى الطبراني رحمه الله بأن الحديث قد جرب، فلا يجوز الاعتماد عليها، لأن العبادات لا تثبت بالتجربة، كما سبق بيانه في الحديث الذي قبله. ومع أن هذا الحديث ضعيف كالذي قبله، فليس فيه دليل على جواز الاستغاثة بالموتى من الأولياء والصالحين، لأنهما صريحان بأن المقصود بـ " عباد الله " فيهما خلق من غير البشر، بدليل قوله في الحديث الأول: " فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليهم ". وقوله في هذا الحديث: " فإن لله عبادا لا نراهم ".

 

(2/110)

 

 

وهذا الوصف إنما ينطبق على الملائكة أو الجن، لأنهم الذين لا نراهم عادة، وقد جاء في حديث آخر تعيين أنهم طائفة من الملائكة. أخرجه البزار عن ابن عباس بلفظ:

" إن لله تعالى ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني ".

قال الحافظ كما في " شرح ابن علان " (5 / 151) : " هذا حديث حسن الإسناد غريب جدا، أخرجه البزار وقال: لا نعلم يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ".

وحسنه السخاوي أيضا في " الابتهاج " وقال الهيثمي: " رجاله ثقات ". قلت: ورواه البيهقي في " الشعب " موقوفا كما يأتي.

فهذا الحديث - إذا صح - يعين أن المراد بقوله في الحديث الأول " يا عباد الله " إنما هم الملائكة، فلا يجوز أن يلحق بهم المسلمون من الجن أو الإنس ممن يسمونهم برجال الغيب من الأولياء والصالحين، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، فإن الاستغاثة بهم وطلب العون منهم شرك بين لأنهم لا يسمعون الدعاء، ولوسمعوا لما استطاعوا الاستجابة وتحقيق الرغبة، وهذا صريح في آيات كثيرة، منها قوله تبارك وتعالى:

(والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم، ولوسمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم، ولا ينبئك مثل خبير) (فاطر 13 - 14) .

هذا، ويبدو أن حديث ابن عباس الذي حسنه الحافظ كان الإمام أحمد يقويه، لأنه قد عمل به، فقال ابنه عبد الله في " المسائل " (217) : " سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج منها ثنتين [راكبا] وثلاثة ماشيا، أو ثنتين ماشيا وثلاثة راكبا، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشيا، فجعلت أقول: (يا عباد الله دلونا على الطريق!) فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق.

أو كما قال أبي، ورواه البيهقي في " الشعب " (2 / 455 / 2) وابن عساكر (3 / 72 / 1) من طريق عبد الله بسند صحيح. وبعد كتابة ما سبق وقفت على إسناد البزاز في " زوائده " (ص 303) : حدثنا موسى بن إسحاق: حدثنا منجاب بن الحارث: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد [عن أبان] ابن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

قلت: وهذا إسناد حسن كما قالوا، فإن رجاله كلهم ثقات غير أسامة بن زيد وهو الليثي وهو من رجال مسلم، على ضعف في حفظه، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ".

وموسى بن إسحاق هو أبو بكر الأنصاري ثقة، ترجمه الخطيب البغدادي في " تاريخه " (13 / 52 - 54) ترجمة جيدة.

 

(2/111)

 

 

نعم خالفه جعفر بن عون فقال: حدثنا أسامة بن زيد.... فذكره موقوفا على ابن عباس. أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 455 / 1) . وجعفر بن عون أو ثق من حاتم بن إسماعيل، فإنهما وإن كانا من رجال

الشيخين، فالأول منهما لم يجرح بشيء، بخلاف الآخر، فقد قال فيه النسائي: ليس بالقوي. وقال غيره: كانت فيه غفلة. ولذلك قال فيه الحافظ: " صحيح الكتاب، صدوق يهم ". وقال في جعفر: " صدوق ". ولذلك فالحديث عندي معلول بالمخالفة، والأرجح أنه موقوف، وليس هو من الأحاديث التي يمكن القطع بأنها في حكم المرفوع، لاحتمال أن يكون ابن عباس تلقاها من مسلمة أهل الكتاب. والله أعلم.

ولعل الحافظ ابن حجر رحمه الله لواطلع على هذه الطريق الموقوفة، لانكشفت له العلة، وأعله بالوقف كما فعلت، ولأغناه ذلك عن استغرابه جدا، والله أعلم.

657 - " من ترك أربع جمعات من غير عذر، فقد نبذ الإسلام وراء ظهره ".

ضعيف.

أخرجه ابن الحمامي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " (ق 34 / 1) من طريق شريك عن عوف الأعرابي عن سعيد بن أبي الحسن عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، لأن شريكا هذا وهو ابن عبد الله القاضي ضعفوه لسوء حفظه.

لاسيما وقد خولف في لفظه ورفعه، فقال أبو يعلى في " مسنده " (2 / 719) : حدثنا حميد بن مسعدة: أخبرنا سفيان بن حبيب عن عوف به موقفا على ابن عباس بلفظ:

" من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات، فقد نبذ.... " إلخ.

قلت: وهو إسناد صحيح كما قال المنذري (1 / 261) ، ورجاله ثقات رجال مسلم غير سفيان بن حبيب، وهو ثقة أخرج له البخاري في " الأدب المفرد " ومنه تعلم خطأ الهيثمي في إطلاقه قوله (2 / 193) :

" ورجاله رجال الصحيح ". والحديث أورده الغزالي في " الإحياء " (1 / 160) مرفوعا بلفظ: " ثلاث "، فقال مخرجه الحافظ العراقي: " رواه البيهقي في " الشعب " من حديث ابن عباس ".

قلت: فهذا يدل بظاهره أنه مرفوع عند البيهقي فليراجع من استطاع إسناده في " شعب الإيمان "، فإنه لا يزال غالبه غير مطبوع حتى الآن. وقد أخرجه الشافعي في " مسنده " (رقم 381 - ترتيب السندي) : أخبرنا إبراهيم بن محمد: حدثني صفوان بن سليم عن إبراهيم بن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " من ترك الجمعة من غير ضرورة كتب منافقا في كتاب لا يمحى ولا يبدل ". وفي بعض

 

(2/112)

 

 

الحديث: (ثلاثا) . قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا إبراهيم بن محمد وهو ابن أبي يحيى المدني متروك. وأما إبراهيم بن عبد الله بن سعيد عن أبيه، فلم أعرفهما، ولم يترجمهما الحافظ في " التعجيل ". والله أعلم.

658 - " عج حجر إلى الله تعالى فقال: إلهي وسيدي عبدتك منذ كذا وكذا سنة (وفي رواية: ألف سنة) ، ثم جعلتني في أس كنيف؟ فقال: أو ما ترضى أن عدلت بك عن مجالس القضاة؟ ".

موضوع.

أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " (5 / 58 / 2 من مجموع الظاهرية رقم 92) ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخه " (15 / 324 / 1 - 2) من طريق أبي معاوية عبيد الله بن محمد القري المؤدب قال مرة: حدثنا محمود بن خالد: حدثنا عمر عن الأوزاعي، ومرة قال: عبد الرحمن بن إبراهيم: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا.

وقال الرازي: " هذا حديث منكر، وأبو معاوية القري هذا ضعيف وكان يحدث بهذا الحديث بالإسنادين جميعا ". وأقره الشيخ أحمد بن عز الدين بن عبد السلام في " النصيحة بما أبدته القريحة " (ق 41 / 1) .

والحديث ذكره السيوطي في " الجامع " من رواية تمام وابن عساكر عن أبي هريرة. وتعقبه شارحه المناوي بكلام الرازي هذا، ونقل الحافظ في " اللسان " عن ابن عساكر أنه قال فيه: " كان ضعيفا ".

ثم رأيت السيوطي قد أورد الحديث في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (رقم 632) من رواية تمام وإنكاره للحديث. ووافقه ابن عراق فأورده في " تنزيه الشريعة " (315 / 2) وقال: " قال الذهبي في " تلخيص الواهيات "، وابن حجر في " لسان الميزان ": هذا موضوع ".

 

(2/113)

 

 

659 - " أيما شاب تزوج في حداثة سنه، عج شيطانه: يا ويله عصم مني دينه ".

موضوع.

رواه أبو يعلى في " مسنده " (ق 115 / 1) ومن طريقه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 275) والطبراني في " الأوسط " (1 / 162 / 2 من الجمع بين زوائده وزوائد " الصغير ") وابن زيدان في " مسنده " (20 / 1) والخطيب (8 / 33) وابن عساكر (8 / 506 / 1) عن خالد بن إسماعيل المخزومي: حدثنا عبيد الله بن عمر عن صالح بن أبي صالح مولى التوأمة عن جابر مرفوعا به.

 

(2/113)

 

 

قلت: وهذا موضوع، وله آفتان: الأولى: صالح هذا، فإنه ضعيف، ولكن الحمل فيه على غيره. الثانية: خالد هذا وكنيته أبو الوليد، قال ابن حبان: " روى عن عبيد الله بن عمر العجائب، لا يجوز الاحتجاج به بحال، ولا الرواية عنه ". وقال الذهبي: " قال ابن عدي: كان يضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك ".

ولهذا وصفه الذهبي في " الكنى " من " ميزانه " بأنه " الكذاب ". وقال الحافظ محمد بن عبد الهادي تلميذ ابن تيمية في بعض أبحاثه في التفسير والحديث (1) :

" هذا حديث موضوع، وخالد بن إسماعيل المخزومي متروك " وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 253) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " وفيه خالد بن إسماعيل المخزومي وهو متروك ". قلت: وقد تابعه عصمة بن محمد بن عبيد الله بن عمر به. أخرجه ابن عساكر (18 / 76 / 1) ، ولكنها متابعة لا تسمن ولا تغني من جوع

، فإن عصمة هذا حاله كحال المخزومي، فقال الدارقطني وغيره: " متروك ". وقال يحيى: " كذاب يضع الحديث ".

660 - " كان إذا صلى مسح بيده اليمنى على رأسه ويقول: بسم الله الذي لا إله غيره الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والحزن ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني في " الأوسط " (ص 451 - زوائده نسخة الحرم المكي) والخطيب (12 / 480) عن كثير بن سليم أبي سلمة سمعت أنسا به. قلت: وهذا سند ضعيف جدا من أجل كثير هذا، قال البخاري وأبو حاتم: " منكر الحديث "

. وقال النسائي والأزدي: " متروك ". وضعفه غيرهم. والحديث أورده السيوطي في " الجامع " عن الخطيب ولم يتعقبه الشارح بشيء. وقد وجدت له طريقا آخر، رواه ابن السني (رقم 110) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 301) عن سلامة عن زيد العمي عن معاوية بن قرة عن أنس. وهذا موضوع، سلامة هو الطويل كذاب.

__________

(1) مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق (حديث 405 / 225 / 1) . اهـ.

 

(2/114)

 

 

661 - " كنت أول النبيين في الخلق، وآخرهم في البعث، [فبدأ بي قبلهم] ".

ضعيف.

رواه تمام في " فوائده " (8 / 126 / 1) وأبو نعيم في " الدلائل " (ص 6) والثعلبي في " تفسيره " (3 / 93 / 1) من طريق سعيد بن بشير: حدثنا قتادة عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف، وله علتان: الأولى: عنعنة الحسن. الثانية: سعيد بن بشير، قال الحافظ: " ضعيف ".

وخالفه أبوهلال فقال: عن قتادة مرسلا، فلم يذكر فيه الحسن عن أبي هريرة.

أخرجه ابن سعد (1 / 149) . والحديث أورده ابن كثير من رواية ابن أبي حاتم من الوجه الأول، وفيه الزيادة التي بين القوسين [] ، ثم قال ابن كثير: " سعيد بن بشير فيه ضعف، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به مرسلا، وهو أشبه، ورواه بعضهم عن قتادة موقوفا ".

وعزاه المناوي لابن لال والديلمي كلهم من حديث سعيد بن بشير به، ثم قال: " وسعيد بن بشير ضعفه ابن معين وغيره ".

قلت: وفي ترجمته أورد الذهبي هذا الحديث من غرائبه! ويغني عن هذا الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد ". رواه أحمد في " السنة " (ص 111) عن ميسرة الفجر. وسنده صحيح، ولكن لا دلالة فيه ولا في الذي قبله على أن النبي صلى الله عليه وسلم أول خلق الله تعالى، خلافا لما يظن البعض. وهذا ظاهر بأدنى تأمل.

 

(2/115)

 

 

662 - " صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي، القدرية والمرجئة. قلت يا رسول الله: ما المرجئة؟ قال: قوم يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل. قلت: ما القدرية؟ قال: الذين يقولون المشيئة إلينا ".

موضوع بهذا التمام.

رواه الخطيب في " المتشابه في الرسم " (144 / 1) عن الحسن بن سعيد المطوعي: أخبرنا عبدان العسكري حدثنا الحسن بن علي بن بحر أخبرنا إسماعيل بن داود الجزري: أخبرنا أبو عمران الموصلي عن أنس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، أبو عمران اسمه سعيد بن ميسرة، قال البخاري:

 

(2/115)

 

 

" منكر الحديث ". وقال ابن حبان (1 / 313) : " يقال إنه لم ير أنسا. وكان يروي عنه الموضوعات التي لا تشبه أحاديثه، كأنه كان يروي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يسمع القصاص يذكرونه في القصص ". وقال الحاكم: " روى عن أنس موضوعات ". وكذبه يحيى القطان. وبقية الرواة لم أعرف منهم غير عبدان.

والحديث أورد السيوطي شطره الأول في " الجامع " دون قوله: " قلت: يا رسول الله.... ". وعزاه لأبي نعيم في " الحلية " عن أنس، والطبراني في " الأوسط " عن واثلة وعن جابر، وهو في " الحلية " (9 / 254) من طريق عبد الحكم بن ميسرة: حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس مرفوعا. وهذا سند ضعيف: عبد الحكم هذا ضعفه الدارقطني فقال: " يحدث بما لا يتابع عليه ". وذكره النسائي في " كتاب الضعفاء " كما في " اللسان ". ولم أره في " ضعفاء النسائي " المطبوع في الهند. والله أعلم. وفي حديث واثلة عند الطبراني محمد بن محصن

وهو متهم: وفي حديث جابر عنده بحر بن كنيز السقاء، وهو متروك انظر " المجمع " (7 / 206) .

663 - " لا راحة للمؤمن دون لقاء الله عز وجل ".

لا أصل له مرفوعا.

وإنما رواه الإمام أحمد في " الزهد " (ص 156) من طريق إبراهيم قال: قال عبد الله فذكره. وهذا إسناد رجاله ثقات كلهم وظاهره الانقطاع بين إبراهيم، وهو النخعي وعبد الله وهو ابن مسعود، لكن قال الحافظ أبو سعيد العلائي في النخعي: " هو مكثر من الإرسال، وجماعة من الأئمة صححوا مراسيله، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود ".

قلت: وذلك لما رواه الأعمش قال: قلت لإبراهيم: أسند لي عن ابن مسعود. فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت، وإذا قلت: " قال عبد الله " فهو عن غير واحد عن عبد الله ". ذكره في " التهذيب ". فمثل هذا الإسناد يمكن تحسينه. والله أعلم. وقال السيوطي في " الدرر ": " أورده في " الفردوس "

عن أبي هريرة مرفوعا ولم يسنده ". ثم رأيته في " حديث أبي الحسن الأخميمي " (2 / 63 / 1) من طريق سفيان الثوري عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود:

 

(2/116)

 

 

" ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله، فمن كانت راحته في لقاء الله عز وجل فكأن قد ". فهذه طريق أخرى موقوفة على ابن مسعود، فهو عنه صحيح إن شاء الله تعالى.

664 - " من كنوز البر كتمان المصائب، وما صبر من بث ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 42) عن داود بن المحبر: حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن القرشي: حدثنا عبد الله بن الأسود الأصبهاني عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد موضوع، أورده أبو نعيم في ترجمة عبد الله بن الأسود هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن عنبسة وداود كلاهما كذاب، فأحدهما آفته.

 

(2/117)

 

 

665 - " الصدقة تمنع ميتة السوء ".

ضعيف.

رواه أبو عبد الله القاضي الفلاكي في " فوائده " (87 / 2) : أخبرنا عمر بن القاسم المقري: أخبرنا القاسم بن أحمد الملطي: حدثنا لوين: حدثنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، المتهم به الملطي هذا وهو القاسم بن إبراهيم، وما في الأصل " ابن أحمد " خطأ، فإن الذي يروي عن لوين وعنه عمر بن القاسم هو القاسم بن إبراهيم وهو كذاب، وبقية رجال الإسناد ثقات معروفون، غير عمر بن القاسم المقري وهو صدوق كما قال الخطيب (11 / 269) .

والحديث عزاه في " الجامع " للقضاعي عن أبي هريرة، وقال شارحه المناوي: " قال ابن حجر: فيه من لا يعرف، وبه يرد قول العامري: صحيح ". قلت: ولعل تصحيح العامري من أجل شاهده الذي أخرجه الترمذي (2 / 23) عن أنس مرفوعا بلفظ " تدفع " وقال: " غريب ".

قلت: وفيه عبد الله بن عيسى الخزاز، قال النسائي: " ليس بثقة ". فلا يصلح إذن حديثه للشواهد. وسيأتي إن شاء الله.

 

(2/117)

 

 

666 - " حاكوا الباعة فإنه لا ذمة لهم ".

لا أصل له بهذا اللفظ.

غير أن الحافظ ابن حجر قال: " ورد بسند ضعيف، لكن بلفظ: (ماكسوا الباعة فإنه لا خلاق لهم) ". قال: وورد بسند قوي عن الثوري أنه قال: كان يقال: وذكره ". كذا في " المقاصد الحسنة " للسخاوي (ص 179) .

 

(2/117)

 

 

667 - " غبن المسترسل حرام ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني في " الكبير " عن أبي أمامة مرفوعا. قال الهيثمي (4 / 76) : " وفيه موسى بن عمير الأعمى، وهو ضعيف جدا ". ولهذا قال في " المقاصد ": " وسنده ضعيف جدا ". وزاد عليه في " كشف الخفاء " (1 / 342) : " ورواه أحمد بلفظ: ما زاد التاجر على المسترسل فهو ربا ".

قلت: لم أره في " المسند "، ولم يعزه إليه الهيثمي، وهو على شرطه. فالله أعلم.

وموسى هذا قال الحافظ: " متروك وقد كذبه أبو حاتم " وفي الميزان ": " قال أبو حاتم: ذاهب الحديث كذاب. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات ". ثم ساق الذهبي أحاديث، هذا أحدها. وقد روى الحديث البيهقي في " سننه " (5 / 348 - 349) من هذا الوجه بنحوه ثم قال: " موسى بن عمير تكلموا فيه، وقد روي معناه عن يعيش بن هشام القرقساني عن مالك، واختلف عليه في إسناده، وهو أضعف من هذا ". قلت: يعني الحديث الآتي:

 

(2/118)

 

 

668 - " غبن المسترسل ربا ".

باطل.

رواه البيهقي (5 / 349) عن يعيش بن هشام عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعا. وعنه عن مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا. وعنه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي مرفوعا. وضعفه البيهقي جدا كما سبق في الذي قبله. وعلته يعيش هذا، ضعفه ابن عساكر كما في " الميزان " وكذا الدارقطني فإنه قال - بعد أن أورد له في " غرائب مالك " هذا الحديث -: " هذا باطل بهذا الإسناد، ومن دون مالك ضعفاء ". وقال في موضع آخر: " مجهولون " كما في " اللسان ".

ومنه تعلم أن قول الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 72 - 73) :

" رواه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف، والبيهقي من حديث جابر بسند جيد، وقال: (ربا) بدل (حرام) ". قلت: فهو غير مسلم في الحديثين، أما الأول فلما سبق من شدة ضعفه، وأما الثاني فلقول الحافظ الدارقطني: إنه باطل من هذا الوجه. فمن أين له الجودة؟! .

 

(2/118)

 

 

669 - " عليكم بالعمائم فإنها سيما الملائكة، وأرخوها خلف ظهوركم ".

منكر.

أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 201 / 1) من طريق محمد بن الفرج المصري: حدثنا عيسى بن يونس عن مالك بن مغول عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وأورده الذهبي بإسناده إلى الطبراني، ذكره في ترجمة محمد بن الفرج

هذا وقال: " أتى بخبر منكر ". ثم ساقه. وأقره الحافظ في " اللسان ".

وعيسى بن يونس ليس هو ابن أبي إسحق السبيعي، بل هو عيسى بن يونس الرملي، وكلاهما ثقة. وقول المناوي عن الدارقطني: " ضعيف " فمن الظاهر أنه عنى رجلا آخر غير الرملي، والظاهر عندي ما ذكرته. والله أعلم.

والحديث خولف فيه محمد بن الفرج، فرواه ابن عدي (29 / 1) عن يعقوب بن كعب: حدثنا عيسى بن يونس عن الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبادة مرفوعا.

قلت: وهذا أصح فإن يعقوب بن كعب وهو الحلبي ثقة، فروايته مقدمة على رواية ابن الفرج المجهول، لكن الأحوص بن حكيم ضعيف من قبل حفظه، فهو علة هذه الطريق.

والحديث عزاه السيوطي للبيهقي في " الشعب " عن عبادة قال المناوي: " وكذا رواه ابن عدي كلاهما من حديث الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبادة قال الزين العراقي في " شرح الترمذي ": والأحوص ضعيف ". والحديث ضعفه السخاوي في " المقاصد " في أحاديث ذكرها في فضل العمامة، قال: " وكله ضعيف، وبعضه أوهى من بعض ".

 

(2/119)

 

 

670 - " لواستقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين ".

لا أصل له مرفوعا.

وإنما روي عن عمر، فقال ابن حزم في " المحلى " (6 / 158) " وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه

: فذكره، وقال ابن حزم: وهذا إسناد في غاية الصحة والجلالة ".

وأقول: كلا فإن من شروط الإسناد الصحيح أن يخلو من علة قادحة. وهذا ليس كذلك، فإن حبيب بن أبي ثابت على جلالة قدره قال الحافظ في ترجمته من " التقريب ": " كان كثير الإرسال والتدليس "! وأورده في " طبقات المدلسين " في الطبقة الثالثة وهي في " من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ... " فقال (ص 12) :

 

(2/119)

 

 

" تابعي مشهور يكثر التدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة والدارقطني وغيرهما، ونقل أبو بكر بن عياش عن الأعمش عنه أنه كان يقول: " لوأن رجلا حدثني عنك، ما باليت أن رويته عنك ". يعني وأسقطه من الوسط ". فمثله لا يحتج بروايته، إلا إذا صرح بالتحديث. وهو في هذه الرواية قد عنعن فهي مردودة.

671 - " ذاكر الله في الغافلين مثل الذي يقاتل عن الفارين، وذاكر الله في الغافلين مثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي قد تحات ورقه من الضريب. (قال يحيى بن سليم: يعني بـ " الضريب " البرد الشديد) ، وذاكر الله في الغافلين يغفر له بعدد كل فصيح وأعجم. (قال: فالفصيح بنوآدم، والأعجم البهائم) ، وذاكر الله في الغافلين يعرفه الله عز وجل مقعده من الجنة ".

ضعيف جدا.

رواه الحسن بن عرفة في " جزئه " (96 / 1 - 2) : حدثنا يحيى بن سليم الطائفي قال: سمعت عمران بن مسلم وعباد بن كثير يحدثان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر مرفوعا.

وكذلك رواه الخطابي في " غريب الحديث " (1 / 8 / 2) والحافظ ابن عساكر في " فضيلة ذكر الله عز وجل " (94 / 2 مجموع 24) من طريق أخرى عن الطائفي به، إلا أنه أسقط من إسناده عباد بن كثير، ثم قال:

" هذا حديث غريب ". ورواه أبو نعيم (6 / 181) من طريق الحسن بن عرفة، وإلى أبي نعيم فقط عزاه السيوطي في " الجامع "، فلو عزاه إلى ابن عرفة كان أولى، قال الشارح: " وكذا رواه البيهقي في " الشعب " عن ابن عمر، قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف، أي وذلك لأن فيه عمران بن مسلم القصير، قال في " الميزان ": قال البخاري: منكر الحديث. ثم أورد له هذا الخبر ".

قلت: الذهبي إنما أورد الحديث في ترجمة " عمران بن مسلم " الذي قبل ترجمة " عمران بن مسلم القصير "، وهذا قد روى عنه البخاري في " صحيحه "،

والأول قال فيه: " منكر الحديث ". فهذا دليل على أنه فرق بينهما، وكذا فرق بينهما جماعة، فعليه جرى الذهبي. وقول البخاري فيه " منكر الحديث " يشير إلى أنه ضعيف جدا، ولا يفيده متابعة عباد بن كثير، فإنه متهم كما سبق مرارا. وكذلك لا يعطيه شيئا من القوة الشاهد الذي ذكره السيوطي قبله، لشدة ضعفه وهو الآتي:

 

(2/120)

 

 

672 - " ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني (3 / 49 / 2) وعنه أبو نعيم (4 / 268) عن الواقدي قال: حدثنا هشام بن سعد عن محصن بن علي عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن ابن مسعود مرفوعا.

وقال أبو نعيم: " غريب من حديث عون متصلا مرفوعا لم يرو هـ عنه إلا محصن ولم نكتبه إلا من هذا الوجه ". قلت: وهذا سند موضوع، الواقدي متهم بالكذب كما سبق مرارا، ومحصن بن علي مجهول. لكن قال الهيثمي (10 / 80 - 81) بعد أن ساقه عن ابن مسعود: " رواه الطبراني " الكبير " و" الأوسط " والبزار ورجال " الأوسط " وثقوا ".

وأستبعد جدا أن يقول هذا في سند " الأوسط " وفيه أيضا الواقدي، فالظاهر أنه ليس في سنده الواقدي، ولكن يشكل عليه قول أبي نعيم السابق: " ولم نكتبه إلا من هذا الوجه ". فلعله - أعني أبا نعيم - لم يسمعه من الطبراني من الطريق الثاني. والله أعلم.

ثم رأيته في " زوائد البزار " (ص 295) من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء عن محصن بن علي به نحوه. وقال: " لا نعلمه يروى عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد ".

قلت: وإبراهيم هذا هو ابن محمد بن أبي يحيى الأسلمي متروك. وقد رأيت الحديث في " الزهد " (ص 328) للإمام أحمد رواه بإسناد حسن عن حسان بن أبي سنان قال: فذكره موقوفا عليه. فلعل هذا هو أصل الحديث موقوف، فرفعه بعض الرواة خطأ. والله أعلم.

 

(2/121)

 

 

673 - " قسم من الله عز وجل: لا يدخل الجنة بخيل ".

موضوع.

رواه تمام في " فوائده " (2 / 60 / 1 من مجموع الظاهرية رقم 93) وعنه ابن عساكر (16 / 203 / 1) من طريق محمد بن زكريا الغلابي: حدثنا العباس بن بكار: حدثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.

وقال ابن عساكر: " غريب جدا والغلابي ضعيف ".

قلت: بل موضوع، والغلابي يضع الحديث كما قال الدارقطني. وأبو بكر الهذلي ضعيف جدا، قال ابن معين وغيره: " لم يكن بثقة ". والحديث أورده " الجامع الصغير " من رواية ابن عساكر عن ابن عباس، وهو قصور بين، ولم يتكلم عليه شارحه بشيء.

 

(2/121)

 

 

674 - " المغبون لا محمود ولا مأجور ".

ضعيف.

وله طريقان: الأول: عن علي، أخرجه الخطيب في " تاريخه " (4 / 212) عن أبي القاسم الأبندوني عن أحمد بن طاهر بن عبد الرحمن أبي الحسن البغدادي بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي، وقال الخطيب: "

سمعت الأبندوني وقد سئل عن حال شيخه هذا؟ فقال:

لو قيل [له] حدثكم أبو بكر الصديق، لقال نعم، وضعفه ". وله عنه طريق آخر، أخرجه البغوي في " حديث كامل بن طلحة " (2 / 2) وأبو حفص الكتاني في " جزء من حديثه " (41 / 2) وأبو القاسم السمرقندي في " ما قرب سنده " (4 / 1) وعنه ابن عساكر في " تاريخه " (4 / 265 / 1) والشيخ علي بن الحسن العبدي في " جزئه " (156 - 157) وابن عساكر أيضا (4 / 265 / 1) و (5 / 6 / 1) كلهم من طريق أبي هاشم القناد البصري عن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه مرفوعا. وهكذا أخرجه الخطيب (4 / 180) وكذا أبو يعلى إلا أنه لم يقل: " عن أبيه " فهو عنده من مسند الحسن بن علي كما ذكره الهيثمي (4 / 75 - 76) ومن قبله الذهبي في ترجمة أبي هشام هذا من كنى " الميزان " وقال: " لا يعرف، وخبره منكر ".

ثم ساق هذا الحديث، وأقره الحافظ العراقي (2 / 73) . الثاني: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 152) والطبراني (1 / 272 / 2) عن طلحة بن كامل عن محمد بن هشام عن عبد الله بن الحسن بن الحسن عن أبيه عن جده مرفوعا.

قلت: ورجاله موثقون غير محمد بن هشام فلم أعرفه، ويحتمل أن يكون هو محمد بن هشام بن عروة، فإن يكن هو، فهو مجهول، ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 1 / 116) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقال الهيثمي بعد أن عزاه للطبراني: " وفيه محمد بن هشام، والظاهر أنه محمد بن هشام بن عروة، وليس في " الميزان " أحد يقال له محمد بن هشام ضعيف، وبقية رجاله ثقات ".

قلت: ثم رأيته في " تاريخ ابن عساكر " (15 / 185 / 2) من هذا الوجه وقال: " محمد بن هشام القناد ". فهذا يبين أنه غير ابن عروة، ولكن القناد هذا لم أعرفه، ويحتمل احتمالا قويا أنه هو أبوهشام القناد البصري المتقدم، فيستفاد منه أن اسمه محمد بن هشام، وهذا مما لم يذكروه في ترجمته. والله أعلم.

 

(2/122)

 

 

675 - " أتاني جبريل فقال: يا محمد ماكس عن درهمك، فإن المغبون لا مأجور ولا محمود ".

لا أصل له بهذا التمام.

قال السخاوي:

 

(2/122)

 

 

" رواه الديلمي في " مسند الفردوس " بلا سند عن أنس ". والشطر الأخير منه ضعيف وهو الذي قبله.

676 - " من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرءوا في أذنيه (أفغير دين الله يبغون) الآية ".

موضوع.

رواه أبو الفضل الهمداني في آخر " مجلس من حديث أبي الشيخ " (66 / 1) وابن عساكر (5 / 122 / 2) عن أبي خلف عن أنس بن مالك مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، قال الذهبي: " أبو خلف الأعمى عن أنس كذبه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم: منكر الحديث ". والحديث رواه ابن السني (رقم 504) عن المنهال بن عيسى: حدثنا يونس بن عبيد قال: فذكره مختصرا نحوه موقوفا عليه. ولذلك قال الحافظ: " هو خبر مقطوع والمنهال قال أبو حاتم: مجهول، وقد وجدته عن ابن عباس. أخرجه الثعلبي (في التفسير) ". ولم يذكر الحافظ إسناده بتمامه لينظر فيه. وقد نقلت كلامه عن " شرح الأذكار " (5 / 152) .

 

(2/123)

 

 

677 - " ابن آدم! عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك. ابن آدم! لا من قليل تقنع، ولا من كثير تشبع. ابن آدم! إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنا في سربك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء ".

موضوع.

رواه أبو نعيم (6 / 98) والخطيب (12 / 72) وكذا ابن السني في " القناعة " (3 / 2) وابن عساكر (5 / 263 / 2) عن أبي بكر الداهري: أخبرنا ثور بن يزيد عن خالد ابن مهاجر عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا

موضوع، أبو بكر الداهري. قال الذهبي في الكنى: " ليس بثقة ولا مأمون ".

وقال الجوزجاني: " كذاب ". وقال العقيلي: " لا يقيم الحديث، ويحدث ببواطيل عن الثقات ". وقال أبو نعيم: " روى عن إسماعيل بن أبي خالد والأعمش الموضوعات ".

والحديث عزاه السيوطي لابن عدي والبيهقي في " الشعب " فتعقبه المناوي بقوله: " ونقله عن ابن عدي وسكوته عليه يوهم أنه خرجه وسلمه، والأمر بخلافه بل قال:

 

(2/123)

 

 

أبو بكر الداهري كذاب متروك، وقال الذهبي: متهم بالوضع. وهكذا هو في " شعب البيهقي ". وذكر نحوه الحافظ ابن حجر، فكان ينبغي حذفه ". وقال الحافظ الهيثمي (10 / 289) : " رواه الطبراني في " الأوسط " عن ابن عمر. وفيه أبو بكر الداهري وهو ضعيف "!

678 - " نهى أن تحلق المرأة رأسها ".

ضعيف.

أخرجه النسائي (2 / 276) والترمذي (1 / 172) وتمام في " الفوائد " (رقم 2274 - نسختي) وعبد الغني المقدسي في " السنن " (ق 174 / 2) من طرق عن همام عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي قال: فذكره مرفوعا.

ثم رواه الترمذي من طريق أبي داود الطيالسي عن همام نحوه، ولم يذكر فيه عن علي. وقال: " حديث علي فيه اضطراب، وروي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى ... ".

قلت: والاضطراب المذكور إنما هو من همام، فكان تارة يجعله من مسند علي، وتارة من مسند عائشة، وهذا

أصح، لمتابعة حماد عليه كما ذكره الترمذي. وقال عبد الحق: في " أحكامه " بعد أن ذكره من الوجه الأول عنه: " وخالفه هشام الدستوائي وحماد بن سلمة، فروياه عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ".

قلت: وهذا ظاهره أنه لم يذكر عائشة في إسناده أصلا، وعليه فهو وجه آخر من الاضطراب الذي أشار إليه الترمذي. وعلى الوجه الثاني فهو منقطع. لأن قتادة لم يسمع من عائشة فهذا الاضطراب يمنع من تقوية الحديث، ولذلك لم يحسنه الترمذي، مع ما عرف به من التساهل. ولا يقويه ما أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 389 / 1 - منتخبه) عن معلى بن عبد الرحمن:

حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به، لأن المعلى هذا شديد الضعف، ومن طريقه أخرجه البزار في " مسنده " وقال: " روى عن عبد الحميد أحاديث لم يتابع عليها، ولا نعلم أحدا تابعه على هذا الحديث ". ذكره في " نصب الراية " (3 / 95) . وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 263) : " رواه البزار، وفيه معلى بن عبد الرحمن وقد اعترف بالوضع.

وقال ابن عدي: أرجوأنه لا بأس به "! قلت: هذا رجاء ضائع بعد اعترافه بالوضع، وقد قال فيه الدارقطني: " ضعيف كذاب ". وقال أبو حاتم: " متروك الحديث ". وذهب ابن المديني إلى أنه كان يضع الحديث. وقال أبو زرعة: " ذاهب الحديث " كما في " الميزان ".

 

(2/124)

 

 

فهذه النقول عن هؤلاء الأئمة الفحول، دليل على أن ابن عدي وغيره ممن أثنى عليه لم يعرفه. وروى البزار أيضا قال: حدثنا عبد الله بن يوسف الثقفي: حدثنا روح بن عطاء بن أبي ميمونة: حدثنا أبي عن وهب بن عمير قال: سمعت عثمان يقول: فذكره مرفوعا وقال: " وهب بن عمير لا نعلمه روى غير هذا الحديث، ولا نعلم حدث عنه إلا عطاء بن أبي ميمونة، وروح ليس بالقوي ".

قلت: روح قال فيه أحمد: " منكر الحديث ". وضعفه ابن معين. وأما ابن عدي فقال: ما أرى برواياته بأسا. ووهب ابن عمير، أورده ابن أبي حاتم (4 / 2 / 24) من رواية عطاء عنه عن عثمان ولم يذكر فيه جرحا ولا

تعديلا. فهو مجهول. وعبد الله بن يوسف الثقفي لم أعرفه، فهو إسناد مظلم، ولذلك فلم ينشرح القلب لتقوية الحديث بمثله. والله أعلم.

679 - " إذا كان يوم عرفة، إن الله ينزل إلى السماء الدنيا. فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: يا رب فلان كان يرهق، وفلان وفلانة، قال: يقول الله عز وجل: قد غفرت لهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما من يوم أكثر عتيق من النار من يوم عرفة ".

ضعيف.

رواه ابن منده في " التوحيد " (147 / 1) وأبو الفرج الثقفي في " الفوائد " (78 / 2 و92 / 1) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 221 / 1 مخطوط و7 / 159 - طبع المكتب الإسلامي) عن مرزوق مولى أبي طلحة: حدثني أبو الزبير عن جابر مرفوعا. وقال ابن منده: " هذا إسناد متصل حسن من رسم النسائي، ومرزوق روى عنه الثوري وغيره، ورواه أبوكامل الجحدري عن عاصم بن هلال عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر، ومحمد بن مروان عن هشام عن أبي الزبير عن جابر ".

وقال الثقفي: " إسناد صحيح متصل، ورجاله ثقات أثبات، مرزوق هذا هو أبو بكر مرزوق مولى طلحة بن عبد الرحمن الباهلي ثقة. روى عنه الثوري وأبو داود الطيالسي وغيرهم من الأئمة ".

قلت: لكن قال ابن حبان في " الثقات ": " يخطيء ". وقال ابن خزيمة " أنا بريء من عهدته ".

 

(2/125)

 

 

وقد خولف في بعض سياقه، رواه محمد بن مروان العقيلي: حدثنا هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر به بلفظ: " ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة، قال: فقال رجل: يا رسول الله هن أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال: هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوا شعثا غبرا، ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 116 / 2) وابن حبان (1006) والبزار أيضا كما في " الترغيب " (2 / 126) و" مجمع الزوائد (3 / 253) وقال: " وفيه محمد بن مروان العقيلي وثقه ابن معين، وابن حبان، وفيه بعض كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وقال الحافظ في ترجمة العقيلي هذا: " صدوق له أوهام ". قلت: إنما علة الحديث أبو الزبير، فإنه مدلس، وقد عنعنه في جميع الطرق عنه. قال الحافظ: " صدوق، إلا أنه يدلس ". وقال الذهبي: " وأما ابن حزم فإنه يرد من حديثه ما يقول فيه: عن جابر، ونحوه، لأنه عندهم ممن يدلس ... وفي " صحيح مسلم " عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر ... ففي القلب منها شيء "

. والحديث رواه ابن خزيمة أيضا والبيهقي باللفظ الأول كما في " الترغيب ".

نعم قد صح من الحديث مباهاة الله ملائكته بأهل عرفة، وقوله: " انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثا غبرا " من حديث أبي هريرة وابن عمرو وعائشة، وهي في " الترغيب " (2 / 128 - 129) وقد خرجت حديث عائشة في " الصحيحة " (2551) .

680 - " إن لإبليس مردة من الشياطين يقول لهم: عليكم بالحجاج والمجاهدين فأضلوهم عن السبيل ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني (3 / 119 / 2) وابن شاهين في " رباعياته " (187 / 2) وزاهر الشحامي في " السباعيات " (8 / 18 / 1) وابن عساكر في التجريد " (19 / 1) عن نافع أبي هرمز مولى يوسف بن عبد الله السلمي عن أنس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا. نافع هذا قال أبو حاتم: " متروك الحديث " وقال البخاري: " منكر الحديث "، وقد قيل: إنه نافع بن هرمز، وقيل إنه غيره، وفي ترجمة ابن هرمز

 

(2/126)

 

 

ساق الذهبي هذا الحديث والله أعلم. وأيهما كان فهو ضعيف جدا، وابن هرمز كذبه ابن معين. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (3 / 215) ثم السيوطي في " الجامع " عن ابن عباس رواية الطبراني في " الكبير " وقال الهيثمي: " وفيه نافع بن هرمز أبوهرمز وهو ضعيف ". قلت: ولم ينفرد به فقد رواه ابن عساكر (15 / 1) من طريق جبارة بن مغلس: أخبرنا كثير بن سليم عن أنس به. قلت: وهذا سند واه جدا، كثير بن سليم وهو الأيلي ضعفوه، بل قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال النسائي: " متروك ". وقال ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 223) : " كان ممن يروي عن أنس ما ليس من حديثه ويضع عليه ". وجبارة بن مغلس ضعيف.

681 - " عليكم بالصلاة بين العشاءين، فإنها تذهب بملاغاة أول النهار، وتذهب آخره ".

موضوع.

رواه الديلمي في " مسند الفردوس " من رواية إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن الأعمش: حدثنا أبو العلاء العنبري عن سلمان مرفوعا.

وإسماعيل هذا متروك يضع الحديث، قاله الدارقطني. واسم أبي زياد مسلم، وقد اختلف فيه على الأعمش ". كذا في " تخريج الإحياء " (1 / 309 - 310) . والحديث مما سود به السيوطي " الجامع الصغير " وقد تعقبه المناوي بكلام الحافظ العراقي المذكور ثم قال: " فكان ينبغي للمصنف حذفه "!

 

(2/127)

 

 

682 - " أول من أشفع له من أمتي أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل الطائف ".

ضعيف.

رواه الضياء المقدسي في " المختارة " (129 / 2) عن الطبراني: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة: حدثنا حرمي بن عمارة: حدثني سعيد بن المسيب الطائفي عن عبد الملك بن أبي زهير الثقفي أن حمزة بن عبد الله بن أبي أسماء أخبره أن القاسم بن الحسن الثقفي أخبره أن عبد الله بن جعفر أخبره به مرفوعا.

ثم قال: " ذكر ابن أبي حاتم: سعيد بن السائب الطائفي يروي عن عبد الملك بن أبي زهير.

وذكر حمزة بن عبد الله بن أبي تيماء الثقفي روى عنه عبد الملك بن أبي زهير ". يعني أن سعيد بن السائب هو سعيد بن المسيب المذكور في السند بدليل أن ابن أبي حاتم

 

(2/127)

 

 

ذكر أنه يروي عن شيخه في هذا السند عبد الملك بن أبي زهير، وابن أبي حاتم ذكر ذلك في ترجمة عبد الملك هذا (2 / 2 / 351) ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأما سعيد فوثقه (2 / 1 / 30) .

وأما حمزة بن عبد الله بن أبي أسماء فالظاهر أن ابن أبي تيماء تحرف على بعض الرواة كما يفيده كلام الضياء فيما نقله عن ابن أبي حاتم، وقد ترجمه (1 / 2 / 213) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات " على قاعدته في توثيق المجهولين باعترافه، فقد أورد قبل هذه الترجمة بترجمتين رجلا آخر فقال (2 / 64) : " حمزة شيخ يروي المراسيل لا أدري من هو "! ثم قال في حمزة هذا: " حمزة بن عبد الله الثقفي يروي عن القاسم بن حبيب، روى عنه عبد الملك بن زهير ". كذا وقع فيه: ابن زهير.

وأما القاسم بن حسن الثقفي، فالظاهر أنه الذي في " ثقات ابن حبان " (1 / 186) : " القاسم بن الحسن يروي عن عثمان بن عفان، روى عنه محمد بن إسحاق ".

والخلاصة أن الإسناد ضعيف مسلسل بالمجهولين: القاسم هذا، والراوي عنه حمزة وعنه عبد الملك بن أبي زهير، فإيراد الضياء له في " المختارة " لا يجعله عندنا من الأحاديث المختارة، بل هذا يؤيد ما ذكرته مرارا من أن شرطه في هذا الكتاب قائم على كثير من التساهل من الإغضاء عن جهالة الرواة تارة، وعن ضعفهم تارة أخرى.

683 - " أمان لأهل الأرض من الغرق القوس، وأمان لأهل الأرض من الاختلاف الموالاة لقريش، قريش أهل الله، فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس ".

ضعيف جدا.

رواه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 280) وتمام (3 / 20 / 2) وعنه ابن عساكر (5 / 379 / 1) والحاكم (4 / 75) وكذا الطبراني (3 / 123 / 2) ومن طريقه العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (19 / 2) عن إسحاق بن سعيد بن الأركون: حدثنا خليد بن دعلج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: واه، وفي إسناده ضعيفان ".

قلت: الأول منهما ابن الأركون هذا. وقال الذهبي في " الميزان ": " قال الدارقطني: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بثقة ". والثاني خليد بن دعلج قال ابن حبان:

 

(2/128)

 

 

" كان كثير الخطأ ". وقال الساجي: " مجمع على تضعيفه ". وقال النسائي: " ليس بثقة ".

وعده الدارقطني في جماعة المتروكين. فالإسناد ضعيف جدا، وقد اقتصر العراقي على إعلاله بخليد فقط وهو قصور. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق أخرى عن خليد وقال (1 / 143) : " موضوع، خليد ضعفوه، والراوي عنه منكر الحديث، ووهب كذاب يضع، وهو المتهم به ". وتعقبه السيوطي في " اللآلئ " (1 / 86) بهذه الطريق الخالية من وهب الكذاب فأصاب.

ثم ذكر للشطر الأول منه شاهدا من رواية سعيد بن منصور عن سعيد أن هرقل كتب إلى معاوية يسأله عن القوس؟ فكتب إلى ابن عباس يسأله؟ فكتب إليه ابن عباس: " إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق ".

وسكت السيوطي عن إسناده، وهو صحيح، وقد رواه البخاري أيضا في " الأدب المفرد " (ص 113) ولكن لا يصح عندي شاهدا، لأنه موقوف، فيحتمل أن يكون مما تلقاه ابن عباس عن أهل الكتاب. والله أعلم.

684 - " إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك، ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا ".

ضعيف.

رواه الترمذي (3 / 246) وتمام في " الفوائد " (1 / 10 / 2 رقم 74) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 316) والهروي في " ذم الكلام " (1 / 15 / 1) والسهمي (420) وابن عساكر (15 / 134 / 2) عن نعيم بن حماد: أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا، وضعفه الترمذي بقوله: " غريب لا نعرفه إلا من حديث نعيم بن حماد ".

وقال أبو نعيم: " تفرد به نعيم ".

قلت: وهو ضعيف لكثرة وهمه حتى قال أبو داود: " عنده نحوعشرين حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها أصل ". قال الذهبي: " وقد سرد ابن عدي في " الكامل " جملة أحاديث انفرد بها نعيم، منها هذا الحديث ".

قال المناوي: " وأورده ابن الجوزي في " الواهيات " وقال: قال النسائي: حديث منكر رواه نعيم بن حماد، وليس بثقة ". قلت: لكنه لم ينفرد به كما زعموا، فقد وجدت له طريقين آخرين:

 

(2/129)

 

 

الأول: عن أبي ذر، أخرجه الهروي (14 - 15) من طريقين عن محمد بن طفر بن منصور حدثنا محمد بن معاذ حدثنا علي بن خشرم: حدثنا عيسى بن يونس عن الحجاج بن أبي زياد عن أبي الصديق أو عن أبي نضرة - شك الحجاج - عن أبي ذر مرفوعا به نحوه أتم منه. قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات غير محمد بن طفر هذا فلم أجد من ترجمه، ولعله هو آفة هذا الإسناد النظيف (1) . الثاني: عن الحسن البصري مرفوعا، أخرجه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (10 / 2) عن إبراهيم بن محمد عن ليث بن أبي سليم عن معاوية عن الحسن به. وهذا سند ضعيف جدا، وفيه علل:

1 - إرسال الحسن، ومراسيله قالوا: هي كالريح!

2 - اختلاط ليث بن أبي سليم.

3 - إبراهيم بن محمد إن لم يكن الأسلمي المتروك فلم أعرفه، لكنه قد توبع كما يأتي.

والحديث سئل عنه أحمد فلم يعرفه، وحدث به رجل فلم يعرفه. ذكره ابن قدامة في " المنتخب " (10 / 196) . ثم رأيت ابن أبي حاتم أورده في " العلل " (2 / 429) من طريق نعيم بن حماد، ثم قال: " فسمعت أبي يقول: هذا عندي خطأ رواه جرير وموسى بن أيمن عن ليث عن معروف عن الحسن عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مرسل ".

685 - " لا صرورة في الإسلام ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود (1729) والحاكم (1 / 448) وأحمد (1 / 312) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 128 / 1) والضياء في " المختارة " (65 / 68 / 1) من طريق عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي!

قلت: وهذا من أوهامهما، فإن عمر هذا هو ابن عطاء بن وراز، وهو ضعيف اتفاقا، والذهبي نفسه أورده في " الميزان " وقال: " ضعفه يحيى بن معين والنسائي وقال أحمد: ليس بقوي ".

وهو غير عمر بن عطاء بن أبي الخوار، فهذا ثقة، وهو يروي عن ابن عباس مباشرة، فلعل الأول اشتبه عليهما بهذا فصححا إسناده! وللحديث شاهد مجهول، أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 79 / 1) عن كلاب بن علي الوحيدي - من بني عامر - عن ابن جبير بن مطعم عن أبي مرفوعا به دون قوله " في الإسلام ".

__________

(1) ثم وجدت لابن طفر متابعين، فأخرجت لذلك حديثه هذا في " الصحيحة " (2010) فراجعه، فإن متنه يختلف عن هذا بعض الشيء. اهـ.

 

(2/130)

 

 

وكلاب هذا مجهول كما قال الذهبي والعسقلاني.

686 - " اللهم واقية كواقية الوليد ".

ضعيف.

أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (371 - بتحقيقي) وابن عدي في " الكامل " (ق 11 / 1) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك: حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سالم عن ابن عمر قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره وقال: " لا يحدث به عن يحيى غير ابن عياش ".

قلت: وهو شامي ضعيف في غير روايته عن الشاميين، وهذا منه، وابن الضحاك كذاب. لكن الظاهر أنه روي من غير طريقه، فقد أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 182) بهذا اللفظ وقال: " قال أبو يعلى: يعني المولود. كذا فسر لنا، رواه أبو يعلى، وفيه راولم يسم، وبقية رجاله ثقات ". ثم وقفت على إسناد أبي يعلى في " مسنده " (3 / 1333) : حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الحيري: أخبرنا سفيان: أخبرنا شيخ من أهل المدينة عن سالم به. لكن الحيري هذا لم أعرفه، فلعله في " ثقات ابن حبان ".

 

(2/131)

 

 

687 - " اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة، لقمان الحكيم، والنجاشي، وبلال المؤذن ".

ضعيف جدا.

رواه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 170) والطبراني (3 / 123 / 2) وعنه ابن عساكر (3 / 232 / 2) من طريق عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي: أخبرنا أبي بن سفيان المقدسي عن خليفة بن سلام عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا.

وهذا إسناد ضعيف جدا أبي بن سفيان قال ابن حبان: " كان يقلب الأخبار، وأكثر روايته عن الضعفاء ". قال البخاري: " لا يكتب حديثه ". وقال الدارقطني: " ضعيف له مناكير ". والحديث ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية ابن حبان وقال ابن الجوزي: (2 / 232) : " لا يصح، والمتهم به أبين كان يقلب الأخبار، وعثمان لا يحتج به ". قلت: عثمان صدوق، وإنما ضعف لروايته عن الضعفاء، وهذا لا يقدح فيه، وقد وثقه ابن معين، وعلة الحديث أبين هذا وإعلال ابن الجوزي له بعثمان أيضا قد تبع فيه ابن حبان، فقد قال عقب الحديث:

 

(2/131)

 

 

" وعثمان بن عبد الرحمن قد تبرأت من عهدته، هذا متن باطل لا أصل له ".

ثم ذكر السيوطي شاهدا من حديث واثلة بن الأسقع، أخرجه الحاكم (4 / 284) لكن ليس فيه الأمر باتخاذ السودان، ولا أنهم من سادات أهل الجنة، وذكر مهجعا بدل النجاشي. فهو شاهد قاصر. ويعارض هذا الحديث أحاديث رويت في ذم السودان يأتي بعضها، فانظر الأرقام (726 و727، 3218) .

688 - " أو حى الله عز وجل إلى داود النبي صلى الله عليه وسلم: يا داود! ما من عبد يعتصم بي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السموات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف منه نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه وأرسخت الهوى من تحت قدميه، وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني، وغافر له قبل أن يستغفرني ".

موضوع.

أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " (5 / 58 / 2) من طريق يوسف بن السفر عن الأوزاعي عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع، المتهم به ابن السفر، فإنه ممن يضع الحديث كما تقدم. ولعله من الإسرائيليات التي تلقاها كعب بن مالك عن بعض مسلمة أهل الكتاب، ثم نسبه هذا الكذاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " لابن عساكر وحده. وهذا قصور واضح، ولم يتكلم عليه شارحه المناوي

بشيء.

 

(2/132)

 

 

689 - " زين الصلاة الحذاء ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (292 / 1) : أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا يحيى بن أيوب: أخبرنا محمد بن الحجاج اللخمي: حدثنا عبد الملك بن عمير عن النزال بن سبرة عن علي مرفوعا. وقال: " هذا ليس له أصل عن عبد الملك بن عمير، وهو مما وضعه محمد بن الحجاج على عبد الملك ".

قلت: ومن طريقه رواه تمام في " الفوائد " (138 / 2) . وابن الحجاج هذا هو صاحب حديث الهريسة، وقد روى ابن عدي تكذيبه عن جماعة من الأئمة، ولهذا فقد أساء السيوطي بإيراده لهذا الحديث في " الجامع الصغير " من رواية أبي يعلى، قال المناوي في " شرحه ":

 

(2/132)

 

 

" وقال الهيثمي: فيه محمد بن الحجاج اللخمي وهو كذاب. انتهى.

فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب ". وحديث الهريسة المشار إليه هو الآتي:

690 - " أطعمني جبريل الهريسة من الجنة لأشد بها ظهري لقيام الليل ".

موضوع.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (374) وكذا ابن حبان (2 / 290) وابن عدي (291 / 2) وتمام (29 / 114 - 115) من طريق محمد بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن خراش عن حذيفة، وقال تمام: " لم يرو هذا الحديث إلا محمد بن الحجاج ". وقال ابن عدي: " وهذا حديث موضوع، وضعه محمد بن الحجاج ". وقال فيه ابن حبان: " كان محمد يروي الموضوعات عن الأثبات، لا تحل الرواية عنه ". وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق هذا الكذاب بألفاظ مختلفة ثم قال: (3 / 18) : " هذا حديث وضعه محمد بن الحجاج وكان صاحب هريسة (!) وغالب طرقه تدور عليه، وسرقه منه كذابون ".

وتعقبه السيوطي كعادته في " اللآلي " بأن له شواهد كثيرة (2 / 234 - 237) .

ولو أردنا الكلام عليها لطال بنا المقال فحسبي أن أتكلم على شاهد واحد منها هو خيرها باعتراف السيوطي لتعرف حقيقة أمر هذا الشاهد ثم تقيس عليه ما غاب عنك من الشواهد الأخرى.

قال الأزدي: حدثنا عبد العزيز بن محمد بن زبالة: حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا عمر [و] بن بكر عن أرطاة عن مكحول عن أبي هريرة قال: شكى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل قلة الجماع.

فتبسم جبريل حتى تلألأ مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من بريق ثنايا جبريل، ثم قال: أين أنت عن أكل الهريسة فإن فيها قوة أربعين رجلا؟ قال الأزدي: " إبراهيم ساقط، فنرى أنه سرقه وركب له إسنادا ".

قال السيوطي (2 / 236) : " قلت: إبراهيم روى له ابن ماجه، وقال في " الميزان ": قال أبو حاتم وغيره: صدوق، وقال الأزدي وحده: ساقط.

قال: ولا يلتفت إلى قول الأزدي فإن في لسانه في الجرح رهقا. انتهى.

وحينئذ فهذا الطريق أمثل طرق الحديث ". قلت: لم ينفرد الأزدي بجرح إبراهيم هذا بل سبقه إلى ذلك الساجي فقال كما في " التهذيب ": " يحدث بالمناكير والكذب ".

 

(2/133)

 

 

ولست أشك أن حديثه هذا كذب فإن لم يكن هو آفته فهو شيخه عمرو بن بكر وهو السكسكي قال ابن حبان (2 / 78) : " روى عن الثقات الأو ابد والطامات التي لا يشك من هذا الشأن صناعته أنها معمولة أو مقلوبة، لا يحل الاحتجاج به ". وقال الذهبي: " أحاديثه شبه موضوعة ".

على أن ابن زبالة قريب منه في الضعف، قال ابن حبان (2 / 132) : " يروي عن المدنيين الثقات الأشياء المعضلات ".

691 - " ثلاث من كنوز البر: إخفاء الصدقة، وكتمان الشكوى، وكتمان المصيبة، يقول الله عز وجل: إذا ابتليت عبدي ببلاء فصبر، لم يشكني إلى عواده أبدلته لحما خير من لحمه، ودما خير من دمه، فإن أرسلته أرسلته ولا ذنب له، وإن توفيته فإلى رحمتي ".

موضوع.

تمام (6 / 119 / 2) وعنه ابن عساكر (15 / 120 / 2) والطبراني في " الكبير " وأبو القاسم الحنائي في " الفوائد " (147 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 117) وفي " الأربعين الصوفية " (60 / 2) من طريق الجارود بن يزيد: حدثنا سفيان يعني الثوري عن الأشعث عن ابن سيرين عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال الحنائي وأبو نعيم: " تفرد به الجارود. وزاد الأول: وهو ضعيف الحديث ". وكذا قال ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 199) إلا أنه قال: " وهو متروك وتعقبه السيوطي في " اللآلي " بقوله (4 / 395) : " قلت: لم يتهم الجارود بوضع ".

قلت: بلى، فقد قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 225) : " كان أبو أسامة يرميه بالكذب، وقال أبي: هو كذاب ". وقال العقيلي: " يكذب ويضع الحديث ". وقال الحاكم: " روى عن الثوري أحاديث موضوعة ". ونحوه قول ابن حبان: " ينفرد بالمناكير عن المشاهير، وروى عن الثقات ما لا أصل له ". ثم قال في حديث الترجمة: " لا أصل له ".

ثم ذكر السيوطي له شواهد منها:

 

(2/134)

 

 

692 - " ثلاث من كنوز البر، كتمان الأو جاع، والبلوى والمصيبات، ومن بث لم يصبر ".

 

(2/134)

 

 

ضعيف جدا.

رواه تمام (9 / 140 / 1) من طريق ناشب بن عمرو: حدثنا مقاتل بن حيان عن قيس بن سكن عن ابن مسعود مرفوعا. وهذا إسناد ضعيف جدا، ناشب بن عمرو قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال الدارقطني: " ضعيف ". وقد روي الحديث من وجه آخر نحوه وهو: " من كنوز البر كتمان المصائب والأمراض والصدقه ".

693 - " من كنوز البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة ".

ضعيف.

رواه الروياني في " مسنده " (250 / 1) وابن عدي (151 / 2) وأبو نعيم (8 / 197) والقضاعي (21 / 2) عن زافر بن سليمان عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.

وقال أبو نعيم: " غريب من حديث نافع وعبد العزيز، تفرد به عنه زافر ".

قلت: وهو ضعيف لسوء حفظه، وقال ابن عدي: " عامة ما يرويه لا يتابع عليه ".

وقد نقل ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 332) عن أبي زرعة أنه قال: " هذا حديث باطل ". قال ابن أبي حاتم: " وامتنع أبو زرعة أن يحدث به ".

وقد رواه أبو زكريا البخاري في " فوائده " كما في " اللآلي " (2 / 396) عن هشام بن خالد:

حدثنا بقية عن ابن أبي رواد به نحوه. وهذا إسناد ضعيف، بقية هو ابن الوليد وكان يدلس عن الضعفاء والكذابين وقد عنعنه. ورواه أبو الحسين البوشنجي في " المنظوم " (4 / 2) وأبو علي الهروي في " الفوائد " (7 / 1) عن عبد الله بن عبد العزيز عن أبيه به. وعبد الله هذا هو عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد، قال أبو حاتم وغيره: " أحاديثه منكرة ". وقال ابن الجنيد: " لا يساوي شيئا ".

وقال ابن عدي: " روى أحاديث عن أبيه لا يتابع عليها ". لكن قد رواه أبو نعيم في كتاب " الأربعين " (ق 60 / 2) من طريق منصور بن أبي مزاحم عن عبد العزيز به.

ومنصور هذا ثقة من رجال مسلم. ولكن يغلب على الظن أن السند إليه لا يصح.

ومن المؤسف أنه لا سبيل الآن إلى الرجوع إلى الأربعين " للنظر في إسناده، لأنه مخطوط من مخطوطات الظاهرية، وهي الآن خارج المكتبة في صناديق حديدية مقفلة صيانة لها من الحرق بسبب الحرب القائمة بين العرب واليهود.

ثم أعيدت الكتب إلى المكتبة، فراجعت " الأربعين " فإذا هو يقول: حدثني عيسى بن حامد الرخجي - ببغداد -: حدثنا الحسن بن حمزة: حدثنا منصور بن أبي مزاحم به. والرخجي هذا ثقة، ترجمه الخطيب (11 / 178 - 179) . وأما الحسن بن حمزة فلم أجد له ترجمة، فالظاهر أنه هو علة هذا الإسناد. والله أعلم.

 

(2/135)

 

 

694 - " أنا خاتم الأنبياء، وأنت يا علي خاتم الأولياء ".

موضوع.

رواه الخطيب (10 / 356 - 358) عن عبيد الله بن لؤلؤ السلمي: أخبرنا عمر بن واصل قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول: أخبرني محمد بن سوار خالي: حدثنا مالك بن دينار: أخبرنا الحسن بن أبي الحسن البصري عن أنس مرفوعا في حديث طويل ساقه في فضل علي، هذا منه. ثم قال الخطيب: " هذا الحديث موضوع من عمل القصاص، وضعه عمر بن واصل، أو وضع عليه ". وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 398) ونقل كلام الخطيب هذا واقره هو والسيوطي (1 / 379 - 380) . وذكره الحافظ في " اللسان " في ترجمة ابن لؤلؤ هذا وقال: " روى عن عمر بن واصل حديثا موضوعا ساقه الخطيب في ترجمته ". ثم ذكره. وإن من عجائب السيوطي أن يذكر لهذين المتهمين عنده - فضلا عن غيره حديثا آخر في كتابه " الجامع الصغير "، وهو الآتي بعده.

 

(2/136)

 

 

695 - " بعثت بمداراة الناس ".

موضوع.

رواه أبو سعد الماليني في " الأربعين في شيوخ الصوفية " (6 / 2) عن عبيد الله بن لؤلؤة الصوفي: أخبرني عمر بن واصل قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول: أخبرني محمد بن سوار: أخبرني مالك بن دينار ومعروف بن علي عن الحسن عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت سورة (براءة) : فذكره.

قلت: وهذا موضوع المتهم به ابن لؤلؤة أو شيخه عمر بن واصل فإنهما تفردا برواية الحديث الذي قبله، وهو موضوع قطعا، وأحدهما هو الذي اختلقه، ومع هذا فالسيوطي لا يتورع عن أن يروي لهما هذا الحديث في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي في " الشعب " وقد تعقبه المناوي بهذين المتهمين ثم قال: " وفيه مالك بن دينار الزاهد، أورده الذهبي في " الضعفاء "، ووثقه بعضهم ".

 

(2/136)

 

 

696 - " لا بأس بقضاء شهر رمضان مفرقا ".

ضعيف.

رواه الماليني في " الأربعين " (11 / 1) عن أبي عبيد البسري محمد بن حسان الزاهد: أخبرنا أبو الجماهر محمد بن عثمان: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي: حدثنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، يحيى بن سليم الطائفي ضعيف لسوء حفظه. وبقية رجاله ثقات غير محمد بن حسان الزاهد، فهو غير معروف الحال. قال السمعاني: " من مشاهير الصوفية ". وقال ياقوت في " معجمه ":

 

(2/136)

 

 

" له كلام في الطريقة وكرامات ". وقد حدث عن جمع، وعنه آخرون سماهم ياقوت، ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا، وقد خالفه الحافظ ابن أبي شيبة فقال في " المصنف " (3 / 32) ، وعنه الدارقطني (ص 244) . والبيهقي في " سننه الكبرى " (4 / 259) :

حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء رمضان؟ فقال: فذكره نحوه. وهذا عن الطائفي أصح، وهو مرسل أو معضل قال البيهقي: " وقد وصله غير أبي بكر عن يحيى بن سليم، ولا يثبت متصلا ".

وكأنه يشير إلى هذه الطريق ثم قال: " وقد روي من وجه آخر ضعيف عن ابن عمر مرفوعا، وقد روي في مقابلته عن أبي هريرة في النهي عن القطع مرفوعا، وكيف يكون ذلك صحيحا ومذهب أبي هريرة جواز التفريق، ومذهب ابن عمر المتابعة؟! ".

وأما الوجه الآخر فلعله ما عند الدارقطني أيضا عن سفيان بن بشر: حدثنا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا نحوه. وقال: " لم يسنده غير سفيان بن بشر ".

قلت: وهو في عداد المجهولين فإني لم أجد له ذكرا فيما عندي من كتب الرجال، وكأنه لذلك ضعفه البيهقي كما سبق، وأشار إلى ذلك الحافظ في " التلخيص " حيث قال بعد أن ذكره من طريق الدارقطني: " قال: ورواه عطاء عن عبيد بن عمير مرسلا. قلت: وإسناده ضعيف أيضا ".

وأما قول الشوكاني في " نيل الأوطار " (4 / 98) : " وقد صحح الحديث ابن الجوزي وقال: ما علمنا أحدا طعن في سفيان بن بشر "! فهو تصحيح قائم على حجة لا تساوي سماعها! فإن كل راومجهول عند المحدثين يصح أن يقال فيه: " ما علمنا أحدا طعن فيه "! فهل يلزم من ذلك تصحيح حديث المجهول!؟

اللهم لا، وإنها لزلة من عالم يجب اجتنابها. وأما حديث أبي هريرة المقابل لهذا فلفظه: " من كان عليه من رمضان شيء فليسرده ولا يقطعه ". ولكنه حسن الإسناد عندي تبعا لابن القطان وابن التركماني، ولذلك أوردته في " الأحاديث الصحيحة ".

697 - " الإيمان بالنية واللسان، والهجرة بالنفس والمال ".

موضوع.

رواه عبد الخالق بن زاهر الشحامي في " الأربعين " (260 / 1) عن نوح بن أبي مريم عن يحيى بن سعد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول في خطبته سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: نوح بن أبي مريم معروف بالوضع، وقد سبق مرارا، والمحفوظ عن يحيى بن سعيد

 

(2/137)

 

 

ما رواه عنه جماعة بإسناده الصحيح هذا مرفوعا بلفظ: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ... " الحديث. رواه الشيخان وغيرهما، ولذلك فقد

أساء السيوطي بإيراده هذا الحديث الموضوع في " الجامع "!

698 - " إن فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من (آل عمران) : (شهد الله أنه لا إله إلا هو الملائكة وألوالعلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم. إن الدين عند الله الإسلام) و (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) إلى قوله: (وترزق من تشاء بغير حساب) هن مشفعات، ما بينهن وبين الله حجاب، فقلن: يا رب! تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك؟ قال الله: بي حلفت لا يقرؤهن أحد من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مأو اه على ما كان فيه، وإلا أسكنته حظيرة الفردوس، وإلا قضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ".

موضوع.

رواه ابن حبان في " المجروحين " (1 / 218) وابن السني (رقم 322) وعبد الخالق الشحامي في " الأربعين " (26 / 2) عن محمد بن زنبور عن الحارث بن عمير: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مرفوعا.

وقال ابن حبان: " موضوع لا أصل له، والحارث كان ممن يروي عن الأثبات الموضوعات ". قلت: وثقه المتقدمون مثل ابن معين وغيره، لكن قال الذهبي في " الميزان ": " وما أراه إلا بين الضعف، فإن ابن حبان قال في " الضعفاء ": روى عن الأثبات الأشياء الموضوعات، وقال الحاكم: روى عن حميد وجعفر الصادق أحاديث موضوعة ". زاد في " المغني ": " قلت: أنا أتعجب كيف خرج له النسائي ".

ثم ساق له الذهبي أحاديث هذا أحدها، ثم قال: " قال ابن حبان: موضوع لا أصل له ". وأقره في " الميزان " والحافظ في " التهذيب " ولكنه قال:

 

(2/138)

 

 

" والذي يظهر لي أن العلة فيه ممن دون الحارث "، ومال إليه الشيخ المعلمي رحمه الله في " التنكيل " (2 / 223) . قلت: بل علته الحارث هذا، لأن مدار الحديث على محمد بن زنبور عنه، وابن زنبور لم يتهمه أحد، بخلاف الحارث فقد علمت قول ابن حبان والحاكم فيه، بل كذبه ابن خزيمة كما يأتي فهو آفة هذا الحديث، وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال: (1 / 245) : " تفرد به الحارث قال ابن حبان: كان يروي عن الأثبات الموضوعات، روى هذا الحديث ولا أصل له.

وقال ابن خزيمة: الحارث كذاب، ولا أصل لهذا الحديث ". وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 229 - 230) بأمرين: الأول: ما سبق من توثيق بعضهم للحارث، وهذا لا يجدي شيئا بعد طعن ابن حبان وغيره فيه وروايته لهذا الحديث الذي يعترف ابن حبان والذهبي بوضعه ويوافقهم الحافظ ابن حجر كما يشير إليه قوله السابق في " التهذيب ". الثاني: بقوله: وقد ورد بهذا اللفظ من حديث أبي أيوب. ثم ساقه. وفي إسناده كذاب كما يأتي، فما فائدة الاستشهاد به؟! (فائدة هامة) : قال ابن الجوزي عقب الحديث: " قلت: كنت قد سمعت هذا الحديث في زمن الصبا فاستعملته نحوا من ثلاثين سنة لحسن ظني بالرواة، فلما علمت أنه موضوع تركته، فقال لي قائل: أليس هو استعمال خير؟ قلت: استعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعا، فإذا علمنا أنه كذب خرج عن المشروعية ". أقول: وإذا خرج عن المشروعية فليس من الخير في شيء، فإنه لوكان خيرا لبلغه صلى الله عليه وسلم أمته، ولوبلغه، لرواه الثقات، ولم يتفرد بروايته من يروي الطامات عن الأثبات. وإن فيما حكاه ابن الجوزي عن نفسه لعبرة بالغة، فإنها حال أكثر علماء هذا الزمان ومن قبله، من الذين يتعبدون الله بكل حديث يسمعونه من مشايخهم، دون أي تحقق منهم بصحته، وإنما هو مجرد حسن الظن بهم. فرحم الله امرأ رأى العبرة بغيره فاعتبر. وحديث أبي أيوب المشار إليه هو:

699 - " لما نزلت (الحمد لله رب العالمين) ، وآية (الكرسي) ، و (شهد الله) ، و (قل اللهم مالك الملك) إلى (بغير حساب) ، تعلقن بالعرش وقلن: أنزلتنا على قوم يعملون بمعاصيك؟ فقال: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا يتلوكن عبد دبر كل صلاة مكتوبة إلا غفرت له ما كان فيه وأسكنته جنة الفردوس، ونظرت إليه كل يوم سبعين مرة، وقضيت له سبعين حاجة، أدناها المغفرة ".

 

(2/139)

 

 

موضوع.

رواه الديلمي في " مسند الفردوس " من طريق محمد بن عبد الرحمن بن بحير بن ريسان: حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق: حدثنا يحيى بن أيوب: حدثنا إسحاق بن أسيد عن يعقوب بن إبراهيم عن محمد بن ثابت بن شرحبيل عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن أبي أيوب مرفوعا. ذكره السيوطي في " اللآلي " (1 / 229 - 230) شاهدا للحديث الذي قبله، ثم سكت عليه فأساء، لأن ابن ريسان هذا قال الذهبي: " اتهمه ابن عدي، وقال ابن يونس: ليس بثقة، وقال أبو بكر الخطيب: كذاب ". ثم ساق له حديثين ثم قال: " وهذان باطلان "! وقال ابن حبان (2 / 260) : " كان ممن ينفرد بالمعضلات عن الثقات، ويأتي بالمناكير عن المشاهير ".

700 - " أيما ناشئ نشأ في طلب العلم والعبادة حتى يكبر وهو على ذلك أعطاه الله يوم القيامة ثواب اثنين وسبعين صديقا ".

ضعيف جدا.

رواه تمام (29 / 112 / 1 رقم 2428) وابن عبد البر في " جامع العلم " (1 / 82) من طريق يوسف بن عطية قال: أخبرنا مرزوق - وهو أبو عبد الله الحمصي - عن مكحول عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، من أجل يوسف بن عطية وهو الصفار البصري قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال النسائي والدولابي: " متروك ". ومن طريقه رواه الطبراني في " الكبير " كما في " المجمع " (1 / 125) ثم قال: " وهو متروك الحديث ".

ونقل المناوي في " فيض القدير " عن " ميزان الذهبي " أنه قال: " هذا منكر جدا ". قلت: وهذا صواب ولكن لم أره في ترجمة يوسف بن عطية من " الميزان " فلينظر.

 

(2/140)

 

 

701 - " إن الرجل إذا ولي ولاية تباعد الله عز وجل منه ".

لا أصل له.

ذكره الغزالي في " الإحياء " (2 / 129) من حديث أبي ذر مرفوعا، فقال الحافظ العراقي في " تخريجه ": " لم أقف له على أصل ".

 

(2/140)

 

 

702 - " كان نقش خاتم سليمان: لا إله إلا الله، محمد رسول الله ".

موضوع.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (185) وابن عدي (198 / 1) وتمام الرازي (6 / 111 / 1) وابن عساكر (7 / 288 / 1) من طريق شيخ بن أبي خالد البصري: حدثنا حماد

 

(2/140)

 

 

بن سلمة عن عمرو بن دينار عن جابر مرفوعا. ساقه العقيلي في ترجمة شيخ هذا وساق له حديثين آخرين يأيتان قريبا، ثم قال: " كلها مناكير ليس لها أصل إلا من حديث هذا الشيخ ".

وقال ابن عدي فيها: " بواطيل ". وقال ابن حبان (1 / 360) : " لا يجوز الاحتجاج به بحال ". ثم ساق له ثلاثة أحاديث هذا أحدها. ثم قال: " ثلاثتها موضوعات، لا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، ولا جابر رواه، ولا عمرو حدث به، ولا حماد بن سلمة "، والثاني من الأحاديث الثلاثة يأتي بعد حديث.

وقال الذهبي في ترجمته: " شيخ مجهول دجال، قال الحاكم: روى عن حماد بن سلمة أحاديث موضوعات في الصفات وغيرها ". ثم قال الذهبي: " فمن أباطيله عن حماد ... " فذكر له هذا الحديث والذي بعده.

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية ابن عدي ثم قال: (1 / 201) : " لا يصح، شيخ يروي الأباطيل، لا يحتج به ". وتعقبه السيوطي بأنه ورد من طريق آخر عن عبادة بن الصامت. قلت: وفيه متهم فلا طائل من هذا التعقب كما يأتي بعده. وروي موقوفا على ابن عباس! أخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (169) ، وفيه داود بن سليمان الجرجاني وهو كذاب. وأما حديث عبادة فهو:

703 - " كان فص خاتم سليمان بن داود سماويا، فألقي إليه فأخذه فوضعه في خاتمه، وكان نقشه: أنا الله لا إله إلا أنا، محمد عبدي ورسولي ".

موضوع.

رواه الطبراني وعنه ابن عساكر (7 / 288 / 1) عن مخلد الرعيني: حدثنا حميد بن محمد الحمصي عن أرطاة بن المنذر عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت مرفوعا.

ذكره السيوطي في " اللآليء " (1 / 171) شاهدا للحديث الذي قبله فأساء، لأن الرعيني هذا قال ابن عدي: " حدث بالأباطيل " ثم ذكر له من أباطيله حديثين سبق أحدهما وهو " التراب ربيع الصبيان " رقم (410) . والآخر يأتي بعد برقم (1252) إن شاء الله تعالى. وحميد بن محمد الحمصي لم أجده. والله أعلم.

 

(2/141)

 

 

704 - " أهل الجنة جرد إلا موسى بن عمران، فإن له لحية إلى سرته ".

باطل.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (185) وابن عدي (198 / 1) والرازي في " فوائده " (6 / 111 / 1) عن شيخ بن أبي خالد البصري: حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن جابر مرفوعا.

وقال العقيلي: " منكر ليس له

أصل إلا من حديث هذا الشيخ ". وقال ابن عدي بعد أن ساق له أحاديث أخرى: " وهذه بواطيل كلها ". قلت: وهو متهم بالوضع، وقد ذكر له الذهبي أباطيل هذا أحدها، والثاني سبق قبله بحديث. وهذا الحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية ابن عدي عن شيخ به. وقال (3 / 258) : " قال ابن حبان: موضوع، شيخ بن أبي خالد كان يروي عن الثقات المعضلات لا يحتج به بحال ". وأقره السيوطي في " اللآلئ " (2 / 456) .

 

(2/142)

 

 

705 - " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ".

ضعيف. رواه ابن نصر في " قيام الليل " (38) والطبراني (3 / 92 / 1) وابن عساكر (4 / 296 / 1) عن الحكم بن مصعب: حدثني محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده مرفوعا.

ومن هذا الوجه رواه أبو داود (1518) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " كما في تردمة الحكم هذا من " التهذيب " والحاكم (4 / 226) وأحمد (1 / 248) وابن السني (358) وأبو محمد الحسن بن محمد بن إبراهيم في " أحاديث منتقاة " (145 / 2) والبيهقي (3 / 351) .

قلت: وسنده ضعيف، الحكم بن مصعب مجهول كما قال الحافظ في " التقريب ".

فقول صاحب التاج (5 / 185) : " سنده صحيح " غير صحيح ولعله اغتر برمز السيوطي له بالصحة في " الجامع "، وقول الحاكم: " صحيح الإسناد "! وغفل أو تغافل عن تعقب المناوي للسيوطي بنحوما ذكرنا، وعن تعقب الذهبي للحاكم بقوله:

" قلت الحكم: فيه جهالة " وكذا قال في " المهذب " (ق 128 / 2) أيضا.

وأخرجه ابن ماجه (3819) من هذا الوجه، إلا أنه لم يذكر " عن أبيه "

 

(2/142)

 

 

706 - " كان إذا سمع المؤذن قال: (حي على الفلاح) قال: اللهم اجعلنا مفلحين ".

موضوع.

رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 90) عن أبي داود سليمان بن سيف: حدثنا عبد الله بن واقد عن نصر بن طريف عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن معاوية بن أبي سفيان مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، آفته نصر بن طريف، قال النسائي وغيره: " متروك الحديث ".

وقال يحيى بن معين: " من المعروفين بوضع الحديث ". وقال الفلاس: " وممن أجمع عليه أهل العلم (1) أنه لا يروى عنهم قوم منهم نصر هذا ".

وعبد الله بن واقد هو الحراني، وهو ضعيف جدا، قال البخاري: " تركوه منكر الحديث ". وقال في موضع آخر: " سكتوا عنه ". وقال النسائي: " ليس بثقة ". وضعفه الجريري جدا.

وسليمان بن سيف (وفي الأصل: يوسف خطأ) هو الحراني ثقة، فالآفة ممن فوقه. ومن عجائب السيوطي أنه أورد الحديث برواية ابن السني هذه في " الدرر المنتثرة " (ص 86) وسكت عليه مع أنه ألفه لأجل " بيان حال الأحاديث التي اشتهرت على ألسنة العامة ومن ضاهاهم من الفقهاء الذين لا علم لهم بالحديث "! وأسوأ من ذلك أنه أورده في " الجامع الصغير من حديث البشير النذير "!

__________

(1) وقع في " الميزان " واللسان ": " ... من أهل الكذب ... " وهو خطأ فاحش، صححته من " الجرح والتعديل ". اهـ.

 

(2/143)

 

 

707 - " كان إذا اهتم قبض على لحيته ".

ضعيف.

رواه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 345) وتمام الرازي في " فوائده " (6 / 111) : أخبرنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر بن هشام الكندي ابن بنت عديس: حدثنا أبو زيد الحوطي: حدثنا محمد بن مصعب: حدثنا

الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، جعفر بن محمد هذا لم أجد له ترجمة. وأبو زيد الحوطي اسمه أحمد بن عبد الرحيم قال ابن القطان: " لا يعرف حاله ". ومحمد بن مصعب هو القرقساني ضعيف لكثرة خطأه، وقال ابن حبان: " يروي عن الثقات ما لا أصل له من حديث الأثبات ".

 

(2/143)

 

 

قلت: لكنه عند ابن حبان من طريق أبي حريز سهل مولى المغيرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. وقال: " أبو حريز يروي عن الزهري العجائب ".

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " بنحوه من رواية ابن السني وأبي نعيم في " الطب " عن عائشة، وأبي نعيم عن أبي هريرة ". ولم يتكلم شارحه المناوي على حديث عائشة بشيء، وقد عرفت علته، وإنما حصر كلامه في حديث أبي هريرة فقال: " قال الزين العراقي: إسناده حسن اهـ.

لكن أورده في " الميزان " و" لسانه " في ترجمة سهل مولى المغيرة من حديث أبي هريرة فقال: قال ابن حبان: لا يحتج به، يروي عن الزهري العجائب، ورواه البزار عن أبي هريرة قال الهيثمي: وفيه رشدين ضعفه الجمهور ".

قلت: وهو في " زوائد البزار " (ص 25 - 26) من طريق رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. ورواه ابن عدي (ق 188 / 2) عن سهل المتقدم عن ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة عن عائشة. وقال: " سهل عامة ما يرويه لا يتابع عليه وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق ".

وبالجملة فالحديث ضعيف من جميع طرقه، لضعف رواته واضطرابهم في إسناده. وروى عن عائشة بلفظ: " كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته وتنفس صعداء، وقال حسبي الله ونعم الوكيل، فيعرف بذلك شدة غمه ".

رواه أبو بكر الكلاباذي في " مفاتيح المعاني " (258 / 2) : حدثنا أبو بكر محمد عبد الله الفقيه: حدثنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن علي: حدثنا أبو سفيان الغنوي: حدثنا أحمد بن الحارث: حدثتني أمي أم الأزهر عن سدرة مولاة ابن عامر قالت: سمعت عائشة تقول: فذكره مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، آفته أحمد بن الحارث قال أبو حاتم: " متروك الحديث ". وقال البخاري: " فيه نظر ". ومن فوقه لم أجد من ذكرهما. والحديث حسن إسناده الهيثمي في " أسمى المطالب " (46 / 1) فلعله بزعمه لطرقه! أو تقليدا منه للعراقي!

708 - " كان لا يقعد في بيت مظلم حتى يضاء له بسراج ".

موضوع.

ابن سعد (1 / 387) وتمام (9 / 141 / 1) من طريق يحيى بن يمان عن سفيان عن جابر عن أم محمد عن عائشة مرفوعا.

 

(2/144)

 

 

قلت: وهذا موضوع، وآفته جابر، وهو ابن يزيد الجعفي، وهو كذاب كما قال أبو حنيفة وابن معين والجوزجاني وغيرهم. وأم محمد هذه لم أعرفها، ولعلها زوجة زيد بن جدعان. ويحيى بن يمان ضعيف من قبل حفظه، ولكن الحديث أورده الذهبي عن أبي محمد عن عائشة به. ثم قال: " رواه إبراهيم بن شماس عن يحيى القطان عن سفيان عن جابر الجعفي عن أبي محمد، قال ابن حبان: وجابر قد تبرأنا من عهدته، وأبو محمد هذا لا يجوز الاحتجاج به ". قلت: فقد تابع يحيى بن يمان يحيى القطان، فالآفة من جابر أو شيخه. والحديث أورده في " الجامع الصغير " من رواية ابن سعد في الطبقات " عن عائشة، وتعقبه المناوي بقول ابن حبان المذكور آنفا. وذكر أن البزار رواه أيضا. وبالجملة فالحديث موضوع بهذا الإسناد والله أعلم! ثم رأيت الحديث في " المجمع " (8 / 60 - 61) وقال: " رواه البزار، وفيه جابر بن يزيد الجعفي وهو متروك ".

709 - " إنما حر جهنم على أمتي كحر الحمام ".

موضوع.

رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " قال: " حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن ريسان: حدثنا محمد بن الواقدي: حدثنا شعيب بن طلحة بن (1) عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: حدثني أبي، عن أبيه عن جده عن أبي بكر مرفوعا.

نقلته من " الميزان "، أورده في ترجمة الواقدي. قلت: وهذا سند هالك، وفيه آفات وعلل:

1 - طلحة بن عبد الله، مجهول الحال، قال يعقوب بن شيبة: " لا علم لي به "، ووثقه ابن حبان على قاعدته.

2 - شعيب بن طلحة، مثل أبيه، قال ابن معين: " لا أعرفه ". وقال معن (ابن عيسى) : " لا يكاد يعرف ". وتباين فيه رأي أبي حاتم، والدارقطني فقال الأول: " لا بأس به "! وقال الآخر: " متروك ".

3 - الواقدي وهو كذاب كما قال الإمام أحمد، وقال ابن المديني وابن راهويه وأبو حاتم والنسائي: " يضع الحديث ".

4 - ابن ريسان قال الخطيب ومحمد بن مسلمة: " كذاب ".

__________

(1) الأصل: حدثنا، والتصويب من " المقاصد الحسنة " وتراجم الرجال.

 

(2/145)

 

 

(تنبيه) وما سبق من أقوال الأئمة في الواقدي، جرح مفسر لا خفاء فيه، فلا تلتفت بعد ذلك إلى محالة ابن سيد الناس في مقدمة كتابه " عيون الأثر " (ص 17 - 21) المدافعة عنه اعتمادا منه على توثيق من وثقه، ممن لم يتبين له حقيقة أمره، ولا إلى قول ابن الهمام معبرا عن رأي الحنفية فيه: " والواقدي عندنا حسن الحديث "، كما نقله الشيخ أبو غدة الكوثري (!) في تعليقه على " قواعد في علوم الحديث " للتهانوي (ص 349) ، بمناسبة قول التهانوي هذا في صدد رده على قول الحافظ في " الفتح ": " وقد تعصب مغلطاي للواقدي، فنقل كلام من قواه ووثقه، وسكت عن ذكر من وهاه واتهمه، وهم أكثر عددا وأشد إتقانا، وأقوى معرفة من الأولين ... وقد أسند البيهقي عن الشافعي أنه كذبه ".

فرده التهانوي بقوله: " ولم يتعصب مغلطاي للواقدي، بل استعمل الإنصاف، فإن الصحيح في الواقدي التوثيق "! أقول: فلا تغتر بهؤلاء الذين مالوا إلى توثيقه، فإنهم خالفوا القاعدة المتفق عليها عند المحدثين أن الجرح المفسر مقدم على التعديل، ولعل الحنفية يقولون هنا كما قالوا فيما جرح به أبو حنيفة رحمه الله:

إن مصدر ذلك التعصب! وبذلك طعنوا في أئمة المسلمين بغير حق، في سبيل تخليص رجل منهم مما قيل فيه بحق. فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وبعد كتابة ما سبق رأيت للشيخ زاهد الكوثري كلاما حسنا حول جرح الواقدي اتبع هنا سبيل أئمة الحديث وأقوالهم، فأرى أنه لا بأس من نقل كلامه ملخصا، لا احتجاجا به - فليس هو عندنا في موضع الحجة - وإنما ردا به على متعصبة الحنفية - وهو منهم - الذين لا يبالون بمخالفة أقوال أئمة الحديث ونقاده، إذا كان لهم في ذلك هوى، كما فعل التهانوي، وقلده أبو غدة الكوثري، مع أنه خلاف قول شيخه الكوثري الذي يفخر بالانتساب إليه، فقد قال في " مقالاته " (ص 41 - 44) في صدد رده على من احتج بحديث الواقدي المتقدم برقم (14) : " انفرد بروايته من كذبه جمهرة أئمة النقد بخط عريض، فقال النسائي في " الضعفاء ":

الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: الواقدي بالمدينة.

وقال البخاري: قال أحمد: الواقدي كذاب. وقال ابن معين: ضعيف ليس بثقة. وقال أبو داود: لا أشك أنه كان يفتعل الحديث. وقال أبو حاتم: كان يضع. كما في " تهذيب التهذيب " وغيره. وجرح هؤلاء مفسر لا يحتمل أن يحمل التكذيب في كلامهم على ما يحتمل الوهم كما ترى، وإنما مدار الحكم على الخبر بالوضع أو الضعف الشديد من حيث الصناعة الحديثية هو انفراد الكذاب أو المتهم بالكذب أو الفاحش الخطأ، لا النظر إلى ما في نفس الأمر، لأنه غيب. فالعمدة في هذا الباب هي علم أحوال الرواة، واحتمال أن يصدق الكذاب في هذه الرواية مثلا احتمال لم ينشأ من دليل فيكون وهما منبوذا ".

 

(2/146)

 

 

ومن الغرائب أن يغتر بتوثيق الواقدي بعض متعصبة الشافعية، ما سبب ذلك إلا غلبة الأهواء، والجهل بهذا العلم على كثير من الكتاب كالدكتور البوطي الذي اعتمد على روايات الواقدي وصححها في كتابه " فقه السيرة

"، كما تراه مفصلا في ردي عليه في رسالة مطبوعة، فليراجعها من شاء.

وقد قصر الكلام على الحديث بعض الأئمة! فأعله الهيثمي في " المجمع " (10 / 360) بالواقدي فقط، فقال: " وهو ضعيف جدا ". ونقله عنه المناوي في " الفيض " بإسقاط لفظ " جدا "! وأغرب منه قول الحافظ السخاوي في " المقاصد " (206) :

" ورجاله موثقون، إلا أنه نقل عن الدارقطني في شعيب أنه متروك، والأكثر على قبوله ". قلت: وهذا قصور فاحش من مثل هذا الحافظ، فكيف يصح إعلال الحديث برجل مختلف فيه ولم يتهم، وفي الطريق إليه كذابان؟! وممن قصر فيه أيضا الشيخ العجلوني في " كشف الخفاء " (1 / 213) ، فإنه نقل كلام السخاوي باختصار، وأقره! ولا عجب في ذلك فهو في الحديث ناقل مقلد، وليس بالعالم المجتهد.

أقول: وحري بمثل هذا الحديث الباطل أن لا يرويه إلا مثل هذين الكذابين، فإنه حديث خطير يقضي على باب كبير من أبواب التربية والإصلاح في الشرع، ألا وهو باب الوعيد وما فيه من الآيات والأحاديث في إيعاد العصاة من هذه الأمة بالنار الموقدة (التي تطلع على الأفئدة) ، والأحاديث الصحيحة في بيان هذا كثيرة جدا أذكر بعض ما يحضرني الآن منها على سبيل المثال:

1 - " ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ". رواه مسلم عن أبي ذر وهو مخرج في " إرواء الغليل " (892) و" تخريج الحلال " (170) .

2 - " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب وعائل مستكبر ". رواه مسلم عن أبي هريرة.

3 - قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: " حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الله الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا " (1) رواه الشيخان عن أبي هريرة. وفي حديث أبي سعيد: فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه و ... ". رواه مسلم.

__________

(1) أي احترقوا، والمحش احتراق الجلد وظهور العظم. كذا في " الفتح ". اهـ.

 

(2/147)

 

 

فهذه الأحاديث وغيرها صريحة في بطلان هذا الحديث، إذ كيف يكون العذاب أليما وهو كحر الحمام؟! بل كيف يكون كذلك وقد أحرقتهم النار، وأكلت لحمهم، حتى ظهر عظمهم؟! وبالجملة فأثر هذا الحديث سيء جدا لا يخفى على المتأمل فإنه يشجع الناس على استباحة المحرمات، بعلة أن ليس هناك عقاب إلا كحر الحمام!

710 - " كان يستعط بدهن الجلجان إذا وجع رأسه. يعني دهن السمسم ".

لا يصح.

رواه المخلص (203 / 2) عن عثمان بن عبد الرحمن عن أبي جعفر عن أبيه عن علي مرفوعا. قلت: وعثمان هذا هو الوقاصي وهو كذاب كما مضى مرارا. والحديث ذكره السيوطي في " الجامع " بنحوه من رواية ابن سعد عن أبي جعفر مرسلا. ولم يتكلم عليه المناوي بشيء فإن كان في طريقه الوقاصي هذا فالحديث موضوع، وإلا فينظر فيه. ثم رأيت ابن سعد أخرجه في " الطبقات ": (1 / 448) من طريق إسرائيل عن جابر عن أبي جعفر به نحوه وزاد: " ويغسل رأسه بالسدر ". قلت: وجابر هو ابن يزيد الجعفي، وهو متهم كما تقدم (708) .

 

(2/148)

 

 

711 - " إذا سمعتم النداء فقوموا، فإنها عزمة من الله ".

موضوع.

رواه أبو نعيم (2 / 174) عن أحمد بن يعقوب قال: حدثنا الوليد بن سلمة عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري عن سعيد (الأصل أحمد وهو خطأ) ابن المسيب عن عثمان بن عفان مرفوعا. قلت: وهذا إسناد موضوع آفته الوليد بن سلمة وهو الطبراني قال دحيم وغيره: " كذاب ". وقال ابن حبان: " يضع الحديث على الثقات ". وأحمد بن يعقوب قال المناوي: " هو الترمذي، قال الدارقطني: لا أعرفه ويشبه أن يكون ضعيفا ".

 

(2/148)

 

 

712 - " نعم الرجل الفقيه، إن احيتج إليه انتفع به، وإن استغني عنه أغنى نفسه ".

موضوع.

رواه ابن عساكر (13 / 173 / 1) عن عباد بن يعقوب الرواجني: أنبأنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن

علي رفعه.

 

(2/148)

 

 

قلت: وهذا موضوع آفته عيسى بن عبد الله هذا العلوي، قال الدارقطني: " متروك الحديث "، وقال ابن حبان (2 / 119) : " يروي عن آبائه أشياء موضوعة ". وساق له الذهبي أحاديث ظاهر عليها الوضع، وقال في أحدها:

" هذا لعله موضوع ". ومن تلك الأحاديث: " كان يعجبه النظر إلى الحمام الأحمر والأترج ". وسيأتي برقم (1393) . وقد تساهل في عيسى هذا أبو حاتم الرازي - على خلاف عادته، فقال ابنه في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 280) عنه: " لم يكن بقوي الحديث ".

713 - " كان إذا أخذ من شعره أو قلم أظفاره، أو احتجم بعث به إلى البقيع فدفن ".

باطل.

قال ابن أبي حاتم (2 / 337) : " سئل أبو زرعة عن حديث رواه يعقوب بن محمد الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: فذكره. قال أبو زرعة: " حديث باطل ليس له عندي أصل وكان حدثهم قديما في كتاب " الآداب " فأبى أن يقرأه، وقال: اضربوا عليه، ويعقوب بن محمد هذا واهي الحديث ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء ".

قلت: ولعل الآفة من بعض الضعفاء الذين تلقى هذا الحديث عنه فإنه لم يسمع من هشام بن عروة بل لم يلحقه كما جزم بذلك الذهبي في حديث آخر له موضوع تقدم برقم (104) فراجعه.

 

(2/149)

 

 

714 - " النساء على ثلاثة أصناف، صنف كالوعاء تحمل وتضع، وصنف كالعر - وهو الجرب -، وصنف ودود ولود، تعين زوجها على إيمانه، فهي خير له من الكنز ".

منكر.

رواه تمام في " الفوائد " (206 / 2) عن عبد الله بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن جابر مرفوعا، وقال: " عبد الله بن دينار هو الحمصي ".

قلت: وهو ضعيف كما جزم به الحافظ في " التقريب " تبعا لغير واحد من الأئمة، ومنهم أبو حاتم، فقد قال ابنه في " العلل " (2 / 310) بعد أن ساق الحديث:

 

(2/149)

 

 

" وقال أبي، هذا حديث منكر، عبد الله بن دينار منكر الحديث ". بل قال الدارقطني " ضعيف لا يعتبر به ".

715 - " نعم الفارس عويمر، غير أنه - يعني - غير ثقيل ".

ضعيف.

أورده الحاكم (3 / 337) معلقا، فقال: " وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي الدرداء والناس منهزمون كل وجه يوم أحد، فقال: ... " فذكره. وكذلك علقه ابن سعد في " الطبقات " (7 / 392) فقال: " قال محمد بن عمر: وروى بعضهم أن أبا الدرداء شهد أحدا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إليه ... ". وقد روي مرسلا، فقال الحافظ في ترجمة عويمر من " الإصابة " (5 / 46) : " قال صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: " نعم الفارس عويمر، وقال: هو حكيم أمتي ".

 

(2/150)

 

 

716 - " من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها، وذلك قول الله عز وجل (صفراء فاقع لونها تسر الناظرين) ".

موضوع.

ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 319) فقال: رواه سهل بن عثمان العسكري عن ابن العذراء عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فذكره موقوفا عليه وقال: " قال أبي هذا حديث كذب موضوع ". قلت: وأقره الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث الكشاف " (ص 7 رقم 52) .

وقال السيوطي في " الدر " (1 / 78) : " أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني والخطيب والديلمي عن ابن عباس قال: ... ". فذكره موقوفا أيضا. قلت: والآفة من ابن العذراء هذا، فقد أورده الذهبي في " فصل من عرف بأبيه " وقال: " عن ابن جريج، له حديث في

النعل الأصفر، لا شيء ". وكذا في " اللسان ".

ومن تساهلات ابن كثير رحمه الله في " تفسيره " أنه أورده جازما بقوله (1 / 110) : " وقال ابن جريج ... "! وهذا مما لا يليق به، ما دام أن السند إلى ابن جريج غير ثابت لجهالة ابن العذراء هذا، واتهام الإمام أبي حاتم إياه بهذا الحديث، بل كان من الواجب على ابن كثير أن ينقل كلام الإمام كما فعل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، لكن الظاهر أنه لم يستحضره عند كتابته، والله أعلم.

 

(2/150)

 

 

والحديث أورده الزمخشري في " تفسيره " بلفظ: " من لبس نعلا صفراء قل همه ". فقال ابن حجر في تخريجه: " موقوف لم أجده ".

717 - " من أشرك بالله فليس بمحصن ".

ضعيف.

أخرجه الدارقطني في " سننه " (350) والبيهقي (8 / 216) من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أنبأ عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به، وقال الدارقطني: " لم يرفعه غير إسحاق، ويقال: إنه رجع عنه، والصواب موقوف ".

قلت: الرفع ليس من إسحاق، بل هو تلقاه مرفوعا تارة، وموقوفا تارة أخرى، فروى كما سمع، فقد ساقه الزيلعي في " نصب الراية " (3 / 327) ناقلا إياه من " مسنده " أعني مسند إسحاق بن راهويه وهو ابن إبراهيم الحنظلي وقال عقبه: " قال إسحاق: رفعه مرة، فقال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقفه مرة ".

وقال الزيلعي عقبه وبعد أن نقل كلام الدارقطني المتقدم: " وهذا لفظ إسحاق بن راهويه في " مسنده " كما تراه وليس فيه رجوع، وإنما أحال التردد على الراوي في رفعه ووقفه ".

قلت: وأنا أرى أن التردد المذكور إنما هو من شيخ إسحاق وهو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، فإنه وإن كان ثقة ومن رجال مسلم، ففي حفظه شيء أشار إليه الحافظ بقوله فيه في " التقريب ": " صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر ".

قلت: وهذا من روايته عن عبيد الله كما ترى فهو منكر مرفوعا، والمحفوظ موقوف على ابن عمر، كذلك رواه جمع من الثقات عن نافع. فأخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق موسى بن عقبة، والبيهقي من طريق جويرية كلاهما عن نافع عن ابن عمر موقوفا.

وقال البيهقي: " هكذا رواه أصحاب نافع عن نافع ".

وأما ما رواه الدارقطني والبيهقي من طريق أحمد بن أبي نافع: أخبرنا عفيف بن سالم: أخبرنا سفيان الثوري عن موسى بن عقبة به عن ابن عمر مرفوعا فهو وهم، قال الدارقطني: " وهم عفيف في رفعه والصواب موقوف من قول ابن عمر ".

 

(2/151)

 

 

قلت: عفيف ثقة عند ابن معين وغيره، وإنما الوهم عندي من أحمد بن أبي نافع، فإنه لم تثبت عدالته، وبه أعله ابن عدي فقال: عن أبي يعلى الموصلي: " لم يكن موضعا للحديث ". وذكر له أحاديث أنكرت عليه منها هذا

فقال: " هو منكر من حديث الثوري ". قلت: وجدت له طريقا أخرى. رواه ابن عساكر (13 / 394 / 1) عن الهيثم بن حميد: أخبرنا العلاء بن الحارث:

أخبرنا عبد الله بن دينار: أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، العلاء بن الحارث كان اختلط. وشيخه عبد الله بن دينار إن كان هو الحمصي المتقدم في الحديث (714) فهو ضعيف، وإن كان المدني فهو ثقة، والأول أقرب لأن العلاء دمشقي، والله أعلم.

718 - " من اعتم فله بكل كورة حسنة، فإذا حط فله بكل حطة حطة خطيئة ".

موضوع.

ذكره الهيتمي في " أحكام اللباس " (9 / 2) في جملة أحاديث أوردها في فضل العمامة لم يخرجها ولكنه عقبه بقوله: " ولولا شدة ضعف هذا الحديث لكان حجة في تكبير العمائم ".

قلت: وهذا الحديث وأمثاله من أسباب انتشار البدع في الناس، لأن أكثرهم حتى من المتفقهة لا تمييز عندهم بين الصحيح والضعيف من الحديث، وقد يكون موضوعا، ولا علم عنده بذلك فيعمل به وتمر الأعوام وهو على ذلك فإذا نبه على ضعفه بادرك بقوله: لا بأس، يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال! وهو جاهل بأن الحديث موضوع أو شديد الضعف كهذا، ومثله لا يجوز العمل به اتفاقا، وإني لأذكر شيخا كان يؤم الناس في بعض مساجد حلب، على رأسه عمامة ضخمة تكاد لضخامتها تملأ فراغ المحراب الذي كان يصلي فيه! فإلى الله المشتكى مما أصاب المسلمين من الانحراف عن دينهم بسبب الأحاديث الضعيفة والقواعد المزعومة؟

 

(2/152)

 

 

719 - " مكارم الأخلاق عشرة تكون في الرجل ولا تكون في ابنه، وتكون في الابن ولا تكون في أبيه، وتكون في العبد ولا تكون في سيده، فقسمها الله عز وجل لمن أراد السعادة: صدق الحديث، وصدق البأس، وحفظ اللسان، وإعطاء السائل، والمكافأة بالصنائع، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، وإقراء الضيف، ورأسهن الحياء ".

 

(2/152)

 

 

ضعيف جدا.

تمام في " فوائده " (15 / 102 / 1) من طريق الوليد بن الوليد قال: حدثني ثابت بن يزيد عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.

وهذا إسناد ضعيف جدا، الوليد هذا هو الدمشقي، قال الذهبي: " منكر الحديث وقواه أبو حاتم، وقال غيره: متروك، ووهاه العقيلي وابن حبان، وله حديث موضوع ".

قلت وكأنه يعني هذا الحديث فقد قال الحافظ في ترجمة الوليد هذا من " اللسان " بعد أن ذكر أن ابن حبان أورده في " الضعفاء ": " وأورد له عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة خبرا قال فيه: لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ". والظاهر أنه يعني هذا. ثم تأكدت من هذا الذي استظهرته، فقد رأيت ابن حبان قد ساق الحديث في ترجمة الوليد من كتابه " الضعفاء والمجروحين "، قال في الحديث ما سبق نقله عن الحافظ، وقال في الوليد: " يروي عن ابن ثوبان وثابت بن يزيد العجائب ".

ثم إن الظاهر أيضا من كلامهم أن الوليد كان يرويه تارة عن الأوزاعي مباشرة وتارة يدخل بين نفسه وبين الأوزاعي ثابت بن يزيد، فقد قال الذهبي في ترجمة " ثابت " هذا بعد أن ساق الحديث: " رواه الحاكم والبيهقي في " الشعب " وقال الحاكم: " ثابت بن يزيد الذي أدخله الوليد بينه وبين الأوزاعي مجهول وينبغي أن يكون الحمل عليه ".

وقال البيهقي: وروي من وجه آخر عن عائشة موقوفا وهو أشبه ". وصرح المناوي بشدة ضعف المرفوع، ونقل عن ابن الجوزي أنه قال: " لا يصح، ولعله من كلام بعض السلف، وثابت بن يزيد ضعفه يحيى ".

720 - " لا يدخل ملكوت السماوات من ملأ بطنه "

لا أصل له.

وإن أورده الغزالي في " الإحياء " حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم! فقد قال الحافظ العراقي في " تخريجه " (3 / 69) : " لم أجده ". وكذا قال السبكي في " الطبقات " (4 / 162) .

ثم وجدت له طريقا موقوفا،

فقال ابن وهب في " الجامع " (ص 77) : حدثنا ابن أنعم أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: فذكره موقوفا عليها.

 

(2/153)

 

 

وهذا إسناد معضل، وقد وصل، فقال الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 41، 45، 53) : حدثنا أحمد بن يحيى بن مالك السوسي: حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد: حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم: حدثنا زياد بن أبي منصور عن عائشة به. قلت: وهذا سند ضعيف، زياد هذا لم أجد له ترجمة. وابن أنعم ضعيف. والسوسي مترجم في " تاريخ بغداد " (5 / 202) .

721 - " لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء ".

لا أصل له.

وإن جزم الغزالي بعزوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم! فقد قال مخرجه العراقي (3 / 70) " لم أقف له على أصل ".

 

(2/154)

 

 

722 - " الليل والنهار مطيتان، فاركبوهما بلاغا إلى الآخرة، وإياك والتسويف بالتوبة، وإياك والغرة بحلم الله ".

ضعيف جدا.

رواه أبو الطيب محمد بن حميد الحوراني في " جزئه " (ورقة 70 وجه 1 - من مجموع ظاهرية دمشق رقم 87) من طريق عمرو بن بكر عن سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف جدا من أجل عمرو هذا، قال الذهبي: " واه، قال ابن عدي: له أحاديث مناكير عن الثقات: ابن جريج وغيره، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الطامات ". ثم قال الذهبي في ترجمته: " أحاديثه شبه موضوعة ". وقال الحافظ في " التقريب ": " متروك ".

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " بالشطر الأول فقط وقال: " رواه ابن عدي وابن عساكر عن ابن عباس ". وتعقبه المناوي بقوله: " قضية كلام المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره، والأمر بخلافه، فإنه أورده في ترجمة عبد الله بن محمد بن المغيرة وقال: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وفي " الميزان " قال أبو حاتم: غير قوي، وقال ابن يونس: منكر الحديث، ثم ساق له هذا الخبر ". قلت: ومن طريقه رواه تمام (250 / 2) .

 

(2/154)

 

 

723 - " ما زنى عبد قط فأدمن على الزنا إلا ابتلي في أهل بيته ".

موضوع.

رواه ابن عدي (15 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 278) عن

 

(2/154)

 

 

إسحاق بن نجيح عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا، وقال ابن عدي: " وإسحاق بن نجيح بين الأمر في الضعفاء، وهو ممن يضع الحديث ".

وأورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 149 رقم 728) وقال: " إنه من أباطيل إسحاق بن نجيح ". ومما يؤيد بطلان هذا الحديث أنه يؤكد وقوع الزنى في أهل الزاني، وهذا باطل يتنافى مع الأصل المقرر في القرآن (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) . نعم إن كان الرجل يجهر بالزنا ويفعله في بيته فربما سرى ذلك إلى أهله والعياذ بالله تعالى ولكن ليس ذلك بحتم كما أفاده هذا الحديث، فهو باطل. ومثله: " من زنى زني به ولوبحيطان داره ".

724 - " من زنى زني به ولوبحيطان داره ".

موضوع.

رواه ابن النجار بسنده عن القاسم بن إبراهيم الملطي: أنبأنا المبارك بن عبد الله المختط: حدثنا مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا.

قال ابن النجار: " فيه من لا يوثق به ". قلت: وهو القاسم الملطي كذاب. كذا في " ذيل الأحاديث الموضوعة " للسيوطي (ص 134) و" تنزيه الشريعة " لابن عراق (316 / 1) .

قلت: ومع ذلك فقد أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن النجار هذا!! وخفي أمره على المناوي فلم يتعقبه بشيء! .

 

(2/155)

 

 

725 - " اشتروا الرقيق وشاركوهم في أرزاقهم يعني كسبهم، وإياكم والزنج، فإنهم قصيرة أعمارهم، قليلة أرزاقهم ".

موضوع.

رواه الطبراني (3 / 93 / 1) وفي " الأوسط " (1 / 155 / 1) : حدثنا أحمد بن داود المكي: أخبرنا حفص بن عمر المازني: أخبرنا حجاج بن حرب الشقري: أخبرنا سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد واه مظلم لا تعرف عدالة واحد منهم غير علي بن عبد الله فإنه ثقة، وأما ابنه سليمان فهو كما قال ابن القطان: " هو مع شرفه في قومه لا يعرف حاله في الحديث ". ومن دونه فلم أجد لهم ترجمة، غير حفص بن عمر المازني فقال الحافظ في " اللسان ": " لا يعرف ".

وقد روي من غير طريقة، أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 58) من طريقين عن عبد العزيز بن عبد الواحد: حدثنا عبد الله بن حرب الليثي: حدثنا جعفر بن سليمان بن علي عن أبيه به.

 

(2/155)

 

 

وهذا سند مظلم أيضا فإن من دون سليمان ثلاثتهم لم أجد من ترجمهم، غير أن جعفر بن سليمان أورده الحافظ في الرواة عن أبيه سليمان من " التهذيب ".

هذا حال إسناد الحديث، وأما متنه فإني أرى عليه لوائح الوضع ظاهرة، فإن قصر الأعمار وقلة الأرزاق لا علاقة لها بالأمم، بل بالأفراد، فمن أخذ منهم بأسباب طول العمر وكثرة الرزق التي جعلها الله تبارك وتعالى أسبابا طال عمره وكثرة رزقه، والعكس بالعكس، وسواء كانت هذه الأسباب طبيعية أو شرعية، أما الطبيعية فهي معروفة، وأما الشرعية فمثل قوله صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن ينسأ له في أجله، ويوسع له في رزقه، فليصل رحمه ". رواه البخاري. وقوله: " حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويطيلان الأعمار ".

رواه أحمد وغيره وهو مخرج في " الصحيحة " (519) .

والله تبارك وتعالى سهل لكل أمة لأخذ بأسباب الحياة من الرزق وطول العمر وغير ذلك ولم يخصها بقوم دون قوم ولذلك نجد كثيرا من الأمم التي كانت متأخرة في مضمار الرقي أصبحت في مقدمة الأمم رقيا وثروة كاليابان، وغيرها، فليس من المعقول أن يحكم الشارع الحكيم على أمة كالزنج بالفقر ويطبعهم بطابع قصر العمر، مع أنهم بشر مثلنا وهو يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) . وقصر العمر وقلة الرزق ليسا من التقوى في شيء كما يشير إلى ذلك الحديثان المذكوران، بل إنهما ليصرحان أن خلافهما وهما الغني وطول العمر من ثمار التقوى، فإذن أي أمة أخذت بأسباب طول العمر وسعة الرزق لاسيما إذا كانت من النوع الشرعي فلا شك أن الله تبارك وتعالى يبارك لها في عمرها ورزقها، لا فرق في ذلك بين أمة وأمة، للآية السابقة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) .

وخلاصة القول: إن هذا الحديث موضوع متنا لعدم اتفاقه مع القواعد الشرعية العادلة التي لا تفرق بين أمة وأمة أو قوم وقوم. ولذلك ما كنت أو د للسيوطي أن يورده في " الجامع الصغير " وإن كان ليس في إسناده من هو معروف بالكذب أو الوضع، ما دام أن الحديث يحمل في طياته ما يشهد أنه موضوع، وفي كلام ابن القيم الآتي (ص 158 - 160) ما يشهد لذلك والله أعلم.

726 - " إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الله: (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) في جبهة إسرائيل ".

ضعيف.

أخرجه الطبري في " التفسير " (30 / 90) عن قرة بن سليمان قال: حدثنا حرب بن سريج قال: حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: فذكره موقوفا عليه، وكذلك أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 67) وقال: " قال أبي: هذا حديث منكر، وقرة مجهول ضعيف الحديث ". وقال في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 131) : " قرة بن سليمان الجهضمي الأزدي جليس حماد بن زيد، روى عن هشام بن حسان

 

(2/156)

 

 

ومعاوية بن صالح، روى عنه أبو الوليد الطيالسي وعمرو بن علي، سألت أبي عنه؟ فقال: ضعيف الحديث ". وحرب بن سريج قال الحافظ: " صدوق يخطئ ". والحديث أورده ابن كثير في " تفسيره " (9 / 170 - منار)

ساكتا عليه وأتبعه برواية ابن أبي حاتم - يعني في " التفسير " - بسنده عن أبي صالح: حدثنا معاوية بن صالح أن أبا الأعيس - هو عبد الرحمن بن سلمان - قال: " ما من شيء قضى الله، القرآن فما قبله وما بعده لا وهو في اللوح المحفوظ،

واللوح المحفوظ بين عيني إسرافيل، لا يؤذن له بالنظر فيه ". قلت: وهذا مع كونه مقطوعا موقوفا على أبي الأعيس، ففي السند إليه أبو صالح وهو عبد الله بن صالح كاتب الليث، وفيه ضعف من قبل حفظه، على أن أبا الأعيس نفسه لم يوثقه غير ابن حبان، أورده في " ثقات التابعين " وقال: " يروي عن رجل من أصحاب

النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: والظاهر من ترجمة " التهذيب " له أنه من أتباع التابعين. والله أعلم. وقد ساق له الدولابي في " الكنى " (1 / 118) آثار أخرى، ولم يذكر له حديثا مرفوعا.

727 - " دعوني من السودان، إنما الأسود لبطنه وفرجه ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 122 / 2) والخطيب (14 / 108) من طريق عبد الله بن رجاء: أخبرني يحيى بن سليمان المديني عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: ذكر السودان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف، عبد الله بن رجاء هو الغداني. قال الحافظ:

" يهم قليلا "، فليس هو علة الحديث وإنما شيخه يحيى هذا، قال الحافظ: " لين الحديث ". وبه أعل ابن الجوزي الحديث فأورده في " الموضوعات " وقال: (2 / 233) : " لا يصح، ويحيى قال البخاري: منكر الحديث ". وهو قد تبع البخاري في هذا التجريح، ومن المعلوم أن البخاري لا يقول في الراوي " منكر الحديث " إلا إذا كان متهما عنده. ولهذا فإن تعقب السيوطي في " اللآلي " على ابن الجوزي بأن يحيى هذا روى له أبو داود والترمذي والنسائي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه وليس بالقوي، وذكره ابن حبان في " الثقات " - لا يساوي شيئا،

فإن توثيق ابن حبان في مثل هذا المقام مما لا يعتد به العلماء الأعلام، لاسيما مع تضعيف الأئمة الآخرين لهذا الراوي.

 

(2/157)

 

 

وجملة القول أن هذا الإسناد ضعيف لا تقوم به حجة، وأما المتن فلا أشك في وضعه، ولنعم ما صنع ابن الجوزي في إيراده إياه في " الموضوعات "، وتعقب السيوطي إياه إنما هو جمود منه على السند دون أن ينعم النظر في المتن وما يحمله من معنى تتنزه الشريعة عنه، إذ كيف يعقل أن تذم هذه الشريعة العادلة أمة السودان بحذافيرها وفيهم الأتقياء الصالحون العفيفون كما في سائر الأمم، وليت شعري ما يكون موقف من كان غير مسلم من السودان إذا بلغه هذا الذم العام لبني جنسه من شريعة الإسلام؟! فلا جرم أن ابن القيم قال كما يأتي بعد حديث:

" أحاديث ذم الحبشة والسودان كلها كذب ".

وأقره الشيخ ملا علي القاري في " موضوعاته " (ص 119) ، بل إن ابن القيم رحمه الله قال في صدد التنبيه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا، قال (صفحة 48 - 49) : " ومنها ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها بحيث يمجها السمع ويسمج معناها الفطن ".

ثم ساق أحاديث عدة هذا آخرها. وللحديث طريق آخر عن ابن عباس وهو:

 

(2/158)

 

 

728 - " لا خير في الحبش، إذا جاعوا سرقوا، وإذا شبعوا زنوا، وإن فيهم لخلتين حسنتين: إطعام الطعام، وبأس عند البأس ".

موضوع.

رواه الطبراني (3 / 152 / 1) عن محمد بن عمرو بن العباس الباهلي: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله ما يمنع حبش بن المغيرة أن يأتوك إلا أنهم يخشون أن تردهم قال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف رجاله كلهم ثقات غير عوسجة وهو المكي مولى ابن عباس ليس بالمشهور كما في " التقريب "، ومن طريقه أخرجه ابن عدي (261 / 1) وروى عن البخاري أنه قال: " لم يصح حديثه ". ثم ساقه.

قلت: وذكره السيوطي شاهدا للحديث الذي بعده فلم يصب، فإنه حديث موضوع المتن كما سبق بيانه في الذي قبله. وقد روي من حديث عائشة وهو:

 

(2/158)

 

 

729 - " الزنجي إذا شبع زنى، وإذا جاع سرق، وإن فيهم لسماحة ونجدة ".

موضوع.

رواه أبو سعيد الأشج في " حديثه " (114 / 2) : حدثنا عقبة بن خالد: حدثني عنبسة البصري عن عمرو بن ميمون عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.

 

(2/158)

 

 

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، آفته عنبسة هذا وهو ابن مهران البصري الحداد، قال أبو حاتم: " منكر الحديث ". وقال أبو داود: " ليس بشيء ".

وقال ابن حبان (2 / 167) : " كان يروي عن الزهري ما ليس من حديثه، وفي حديثه المناكير التي لا يشك من الحديث صناعته أنها مقلوبة ". ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية ابن عدي عن أبي سعيد الأشج به. ثم قال ابن الجوزي (2 / 233) : " لا يصح، عنبسة قال النسائي: متروك ".

وتعقبه السيوطي بالحديث الذي قبله وسبق الجواب عنه. وقد وافق ابن الجوزي على وضع الحديث الإمام ابن القيم فقال في " المنار " (ص 49) : " أحاديث ذم الحبشة والسودان كلها كذب ". " ثم ذكر أحاديث هذا أحدها، وثانيها الحديث الآتي: "

730 - " تخيرو النطفكم، وأنكحوا في الأكفاء، وإياكم والزنج فإنه خلق مشوه ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 314) عن روح بن جبر: حدثنا الهيثم بن عدي عن هشام مولى عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. قلت: وروح هذا لم أعرفه. وأما الهيثم فكذاب، كذبه ابن معين والبخاري وأبو داود وغيرهم. وأما هشام مولى عثمان فلم أعرفه أيضا.

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية ابن حبان وهذا في " الضعفاء " (2 / 281) بسنده عن محمد بن مروان السدي عن هشام بن عروة به وقال (2 / 233) : " السدي كذاب، وتابعه عامر بن صالح الزبيري عن هشام وليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة ".

وتعقبه السيوطي في " اللآلي " (ص 272) فقال: " قلت: له طريق آخر ". ثم ساقه من رواية أبي نعيم في " الحلية " (3 / 377) : حدثنا أحمد بن إسحاق: حدثنا أحمد بن عمرو بن الضحاك: حدثني عبد العظيم بن إبراهيم السالمي: حدثنا عبد الملك بن يحيى: حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس مرفوعا، وقال:

 

(2/159)

 

 

غريب من حديث زياد والزهري، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ". قلت: وسكت عليه السيوطي في " اللآلي " وأورده في " الجامع " من هذا الوجه، وإسناده مظلم، فإن من دون ابن عيينة لم أجد لهم ترجمة، غير عبد العظيم هذا فأورده الحافظ في " اللسان " وقال: " يغرب، من ثقات ابن حبان ".

قلت: فهو أو شيخه أو من دونه آفة هذا الحديث، فإن شطره الثاني منكر جدا، وقد سبق قول ابن القيم: " أحاديث ذم الحبشة والسودان كلها كذب ". ثم ذكر أحاديث هذا أحدها.

وأما الجملة الأولى من الحديث، فقد وجدت لها طريقا أخرى، رواه الضياء في " المختارة " (223 / 2) من طريق تمام الرازي: حدثنا أبو عبد الرحمن ضحاك بن يزيد السكسكي بـ (بيت لهيا) : حدثنا محمد بن عبد الملك: حدثنا سفيان بن عيينة به مقتصرا على قوله " تخيرو النطفكم ".

قلت: وهذا سند ضعيف، الضحاك هذا مجهول الحال أورده ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8 / 230) وقال: " روى عن وزيرة بن محمد وأبي زرعة الدمشقي، روى عنه تمام بن محمد وعبد الرحمن بن عمر بن نصر، مات سنة 347 "، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

وشيخه محمد بن عبد الملك لم أعرفه، ويحتمل أن يكون ابن أبي الشوارب الأموي البصري. والله أعلم. ولهذه الجملة شواهد لا تخلوأسانيدها من مقال، ولعلنا نتفرغ لتتبعها وتحقيق القول فيها إن شاء الله، وهي على كل حال لا تبلغ أن تكون موضوعة (1) ، بخلاف الجملة الأخيرة " وإياكم والزنج ... " فإنها ظاهرة البطلان كسائر الأحاديث التي تقدمت بمعناها، وقد ذكر هذه الجملة ابن معين في " التاريخ والعلل " (29 / 1) من حديث عائشة موقوفا عليها، ولعله أشبه فقال: " مسلمة بن محمد ليس حديثه بشيء يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:.... " فذكره. ونحو هذه الزيادة في الضعف ما يرويه عيسى بن ميمون عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعا بلفظ: " تخيرو النطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن، وأشباه أخواتهن ".

__________

(1) بل هي صحيحة بمجموع طرقها، وقد جمعتها وخرجتها في " الصحيحة " (1067) . اهـ.

 

(2/160)

 

 

أخرجه ابن عدي في ترجمة عيسى هذا (ق 294 / 2) وقال: " وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد ".

وروى عن البخاري أنه قال فيه: " صاحب مناكير وقال في موضع آخر: " منكر الحديث " وعن النسائي: " متروك الحديث ". وقال ابن حبان (2 / 116) : " منكر الحديث جدا، يروي عن الثقات أشياء كأنها موضوعات ".

731 - " تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز له العرش ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان " (1 / 157) وعنه الديلمي (2 / 1 / 30) والخطيب في " تاريخه " (12 / 191) من طريق عمرو بن جميع عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي بن أبي طالب مرفوعا. ساقه الخطيب في ترجمة عمرو هذا بعد أن قال فيه: " كان يروي المناكير عن المشاهير، والموضوعات عن الأثبات ".

وروى عن ابن معين أنه قال فيه: " كان كذابا خبيثا ". والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق الخطيب وقال: " لا يصح فيه آفات، الضحاك مجروح، وجويبر ليس بشيء، وعمرو قال ابن عدي: كان يتهم

بالوضع ". وأقره السيوطي في " اللآليء " (رقم 1916 بترقيمي) ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " (301 / 1) ، ومع ذلك فقد أورده السيوطي في " الجامع الصغير "!

قلت: وهذا الحديث يلهج به كثير من الخطباء الذين يكادون يصرحون بتحريم الطلاق الذي أباحه الله تبارك وتعالى، وبعضهم يضع القيود العملية لمنع وقوع الطلاق، ولوكان بمحض اختيار الزوج! فإلى الله المشتكى.

 

(2/161)

 

 

732 - " أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب، ثم الأنصار، ثم من آمن بي واتبعني، ثم اليمن، ثم سائر العرب، ثم الأعاجم، ومن أشفع له أولا أفضل ".

 

(2/161)

 

 

موضوع.

رواه الطبراني (3 / 205 / 2) وابن عدي (100 / 2) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (6 / 69 / 1) عن حفص بن أبي داود عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه الخطيب في " الموضح " (2 / 27) من طريق الدارقطني بسنده عن حفص وقال الدارقطني: " غريب من حديث ليث عن مجاهد تفرد به حفص بن أبي داود عنه، وهو حفص بن سليمان بن المغيرة أبو عمر المقريء صاحب عاصم بن أبي النجود "، وقال ابن عدي: " لا يرويه عن الليث غير حفص، وعامر حديثه غير محفوظ ". ومن طريق الدارقطني أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال (3 / 250) : " قال الدارقطني: تفرد به حفص عن ليث.

قلت: أما ليث فغاية في الضعف عندهم. إلا أن المتهم به حفص. قال ابن خراش: متروك يضع الحديث ". ووافقه السيوطي (2 / 450) ، ثم ابن عراق (392 / 1 - 2) .

733 - " أول من أشفع له من أمتي العرب الذين رأو ني وآمنوا بي وصدقوني، ثم أشفع للعرب الذين لم يروني وأحبوني وأحبوا رؤيتي ".

موضوع.

رواه ابن عدي (258 / 1) عن زهير بن العلاء: حدثنا عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك مرفوعا. أورده في ترجمة عطاء، وهو ثقة محتج به في الصحيحين، فكان الأولى إيراده في ترجمة زهير بن العلاء. قال الذهبي: " روي عن أبي حاتم الرازي أنه قال: أحاديثه موضوعة منها ... " فذكر له حديثا يأتي قريبا بلفظ " كثرة العرب.... ".

 

(2/162)

 

 

734 - " ألا أنبئكم بالفقيه؟ قالوا: بلى، قال: من لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤيسهم من روح الله، ولا يؤمنهم من مكر الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا في علم ليس فيه تفهم، ولا قراءة ليس فيها تدبر ".

منكر.

رواه ابن وهب في " المسند " (8 / 165 / 1) : أخبرني عقبة بن نافع عن إسحاق بن أسيد عن أبي مالك وأبي إسحاق عن علي بن أبي طالب مرفوعا.

 

(2/162)

 

 

وأخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (2 / 44) من طريق ابن وهب، وقال: " لا يأتي هذا الحديث مرفوعا إلا من هذا الوجه وأكثرهم يوقفونه على علي ".

قلت: وهو الأشبه فإن هذا الإسناد المرفوع فيه علتان: الأولى: إسحق بن أسيد وهو أبو محمد المروزي نزيل مصر، قال الحافظ: " فيه ضعف ". والأخرى: عقبة بن نافع فإنه مجهول، أورده ابن أبي حاتم (3 / 1 / 317) برواية ابن وهب فقط عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

735 - " كثرة العرب وإيمانهم قرة عين لي، فمن أقر بعيني أقررت بعينه ".

موضوع.

رواه ابن عدي (258 / 1) عن زهير بن العلاء: حدثنا عطاء بن أبي ميمونة عن أوس بن ضمعج عن ابن عباس مرفوعا. أورده في ترجمة عطاء هذا وكان حقه أن يورده في ترجمة زهير، فإنه المتهم بوضع هذا الحديث كما سبق ذكره قريبا في " أول من أشفع له من أمتي العرب ... " رقم (733) . وقد ذكر ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 367) أن أباه سئل عن حديثه هذا؟ فقال: " هذا حديث موضوع، وذكر له أحاديث من روايته. فقال: هذه أحاديث موضوعة، وهذا شيخ لا يشتغل به ".

 

(2/163)

 

 

736 - " تزوجوا الأبكار فإنهن أعذب أفواها، وأفتح أرحاما، وأثبت مودة ".

موضوع.

رواه الواحدي في " الوسيط " (3 / 115 / 2) عن إسحاق بن بشر الكاهلي: حدثني عبد الله بن إدريس المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا. قلت: وهذا إسناد موضوع آفته الكاهلي وهو كذاب كما قال جماعة، وقال الدارقطني: " هو في عداد من يضع الحديث ". وقد روي الحديث بإسناد خير من هذا بلفظ قريب منه إلا أنه قال: " وأنتق أرحاما، وأرضى باليسير ". والباقي مثله سواء وهو مخرج في الصحيحة " برقم (623) .

 

(2/163)

 

 

737 - " من ولد له مولود فليحسن أدبه واسمه، فإذا بلغ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما باء بإثمه ".

ضعيف.

رواه ابن بكير الصيرفي في " فضائل من اسمه أحمد ومحمد " (60 / 2) : حدثنا

 

(2/163)

 

 

محمد بن عبد الله العسكري: حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي (الأصل: وميمون الحربي وهو خطأ) : حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا شداد بن سعيد الراسبي عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف، رجاله ثقات معرفون من رجال " التهذيب " غير الحربي وهو ثقة وله ترجمة في " تاريخ بغداد " (6 / 382) . والراوي عنه محمد بن عبد الله العسكري لم أعرفه، وفي شيوخ ابن بكير عند الخطيب

(8 / 13) محمد بن عبد الله بن علم الصفار، وقد ترجمه الخطيب (5 / 454) وقال: " لم أسمع أحدا من أصحابنا يقول فيه إلا خيرا ". فلعله هو. والراسبي مختلف فيه، أورده العقيلي في " الضعفاء " (180) وقال: " قال البخاري: ضعفه عبد الصمد، ولكنه صدوق في حفظه بعض الشيء ". وذكره الذهبي في " الضعفاء والمتروكين " وقال: " قال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا، وقال العقيلي: له أحاديث لا يتابع عليها ". وفي " التقريب ": " صدوق يخطيء ". قلت: فلعله علة الحديث.

738 - " تزوجوا الزرق فإن فيهن يمنا ".

موضوع.

رواه الواحدي في " الوسيط " (3 / 115 / 2) عن إسحاق بن بشر الكاهلي: حدثني عبد الله بن إدريس المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع آفته الكاهلي وهو وضاع كما سبق قبل حديث.

 

(2/164)

 

 

739 - " شر الحمير الأسود القصير ".

موضوع.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (426) وأبو محمد المخلدي في " الفوائد " (245 / 2) عن بقية: حدثنا مبشر بن عبيد عن زيد بن أسلم عن ابن عمر مرفوعا. وقال العقيلي: " مبشر بن عبيد قال أحمد: " أحاديثه أحاديث

موضوعة كذب " وقال مرة: " ليس بشيء، يضع الحديث ". وقال البخاري: منكر الحديث ". ثم ساق له حديثين هذا أحدهما. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 221) من رواية العقيلي هذه وأصاب. وتعقبه السيوطي (رقم 1728) فما أجاد، لأنه لم يزد على قوله: " إن مبشرا هذا روى له ابن ماجة ".

قلت: فكان ماذا؟! قال:

 

(2/164)

 

 

" وقال البخاري: منكر الحديث ". قلت: وهذا لا ينافي قول أحمد: " يضع الحديث " لأنه أفاد زيادة علم على ما أفادته عبارة البخاري على أن هذه العبارة منه تفيد أنه متهم عنده كما سبق بيانه مرارا.

740 - " شر المال في آخر الزمان المماليك ".

موضوع.

رواه أبو الحسن الحلبي في " الفوائد المنتقاة " (1 / 11 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 94) عن أبي فروة يزيد بن سنان بن يزيد الرهاوي:

أخبرنا أبي: أخبرنا محمد بن أيوب عن ميمون بن مهران عن عبد الله بن عمر

مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه ابن عدي (311 / 2) وقال: " لا يرويه بهذا الإسناد، إلا يزيد بن سنان عن محمد بن أيوب، وقد أتي هذا الحديث من الرهاوي لا من ابن أيوب، وفي حديث الرهاوي ما لا يوافقه الثقات عليه ". وقال أبو نعيم: " تفرد به محمد بن أيوب ".

قلت: وقد ضعفه أبو حاتم لكن الراوي عنه يزيد بن سنان أشد ضعفا فقد قال النسائي فيه: " ضعيف متروك الحديث ". وقال مرة: " ليس بثقة ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من راية أبي نعيم وحده، وتعقبه المناوي بقوله: " أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال:

يزيد متروك، وتبعه على ذلك المؤلف في مختصره الكبير فأقره ولم يتعقبه بشيء ". قلت: وقد أصاب السيوطي هناك في " اللآليء " (2 / 140) ، وأخطأ في إيراده في " الجامع "، فقد جزم المحقق ابن القيم في " المنار " (ص 49) بأنه حديث موضوع، وسبقه ابن الجوزي (2 / 235) .

 

(2/165)

 

 

741 - " الصمت أرفع العبادة ".

ضعيف.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 73) معلقا عن عبد الله بن محمد بن موسى البازيار: حدثنا أشعث بن شداد السجستاني: حدثنا يحيى بن يحيى: حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. أورده في ترجمة عبد الله هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

قلت: وشيخه أشعث بن شداد لم أجد من ذكره. ويحيى بن يحيى الظاهر أنه أبو زكريا الحنظلي النيسابوري وهو ثقة من رجال الشيخين، لكن قال المناوي تعليقا على قول السيوطي في " الجامع ": رواه الديلمي في " مسند الفردوس " عن أبي هريرة: " وفيه يحيى بن يحيى الغساني، قال الذهبي: جرحه ابن حبان ".

 

(2/165)

 

 

فإن كان قوله " الغساني " جاء في طريق الديلمي فلا كلام، وإن كان من اجتهاد المناوي فأنا أرجح أنه خطأ، وأن الصواب ما ذكرته، لأن الحافظ ذكر في الرواة عن المغيرة بن عبد الرحمن " يحيى بن يحيى " فإطلاقه يبعد أن يريد به هذا الغساني المجروح، ولا يريد الحنظلي الثقة، والله أعلم. وأما المغيرة هذا فهو الحزامي المدني قال الحافظ: " ثقة له غرائب ". والحديث في " مسند الفردوس " (4 / 260) لكني لا أطول مصورته الآن، لأتحقق من نسبة " الغساني " هل هي فيه أم لا؟

742 - " عاقبوا أرقاءكم على قدر عقولهم ".

باطل.

رواه عبد الرحمن بن نصر الدمشقي في " الفوائد " (2 / 230 / 1) وتمام في " الفوائد " (207 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (10 / 268 / 1) من طريق الدارقطني وغيره عن سليمان بن عبد الرحمن: أخبرنا عبد الملك بن مهران عن عبيد بن نجيح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا.

وقال الدارقطني: " تفرد به عبيد بن نجيح عن هشام، وتفرد به سليمان عن عبد الملك عنه ". قلت: وعبد الملك بن مهران قال فيه العقيلي في " الضعفاء " (ص 248) : " صاحب مناكير، غلب على حديثه الوهم، لا يقيم شيئا من الحديث ". ثم ساق له أحاديث ثم قال: " كلها ليس لها أصل، ولا يعرف منها شيء من وجه يصح ". وساق له ابن عدي في " الكامل " (316 / 1) حديثا وقال: " متنه منكر، وله غير ما ذكرت وهو مجهول ليس بالمعروف ". وروى ابن عساكر عن ابن السكن أنه قال فيه:

" منكر الحديث ". وعن ابن أبي حاتم: أنه مجهول، وذكر له الذهبي حديثين قال: " إنهما باطلان " وما أرى أنا إلا أن هذا الحديث من أباطيله. وقد أورده السيوطي في " الجامع " فأساء، ولم يتكلم عليه شارحه المناوي بشيء!

 

(2/166)

 

 

743 - " عجبت لطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، ولضاحك ملء فيه ولا يدري أأرضى الله أم أسخطه ".

ضعيف جدا.

رواه تمام في " الفوائد " (94 / 1) وابن عدي (79 / 2) عن يحيى بن علي الأسلمي عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود يرفعه، وقال: " أحاديث ليست بمستقيمة، ولا يتابع عليها ". وفي " الميزان ":

 

(2/166)

 

 

" متروك "، وقال ابن حبان: " يروي عن ابن الحارث عن ابن مسعود نسخة كأنها موضوعة ". وقال النسائي: " ليس بالقوي ". ومن مناكيره ... ".

ثم ذكر أحاديث هذا أحدها. وقال الدارقطني: " متروك وأحاديثه تشبه الموضوعة ". قلت: وحميد هذا هو ابن عطاء الأعرج الكوفي، وليس هو بصاحب الزهري، ذاك حميد ابن قيس الأعرج كما قال ابن حبان (1 / 257) . ورواه القضاعي (49 / 1) عن إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال: أخبرنا سفيان بن وكيع قال: أخبرنا أبي حميد به. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " لابن عدي والبيهقي في " الشعب ". وبيض له المناوي!

744 - " من توضأ ومسح عنقه لم يغل بالأغلال يوم القيامة ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 115) : حدثنا محمد بن أحمد بن محمد: حدثنا عبد الرحمن بن داود حدثنا: عثمان بن خرزاذ: حدثنا عمرو بن محمد بن الحسن المكتب: حدثنا محمد بن عمرو بن عبيد الأنصاري عن أنس بن سيرين عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ مسح عنقه ويقول: فذكره مرفوعا.

أورده في ترجمة عبد الرحمن بن داود هذا وهو أبي محمد الفارسي وقال فيه: " كان من الفقهاء كثير الحديث "، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولم أجده عند غيره. وشيخه محمد بن أحمد بن محمد هو إما أبو بكر المعدل فهو ثقة أمين كما قال أبو

نعيم في ترجمته (2 / 900) ، وإما أبو عثمان بن أبي هريرة قال في ترجمته (2 / 296) : " أحد العباد والأخيار، سمع الكثير صاحب أصول وكتب كثيرة ". والأقرب الأول. والله أعلم.

وبعد كتابة ما تقدم رأيت ابن عراق قال في " تنزيه الشريعة " بعد أن ساق الحديث عن أبي نعيم: " وفيه أبو بكر المفيد شيخ أبي نعيم، قال الحافظ العراقي: وهو آفته ". قلت: وهذا متهم كما قال الذهبي وتبعه الحافظ ابن حجر في " اللسان ". وقد كنت ذكرت عند حديث " مسح الرقبة أمان من الغل " رقم (69) أنه محمد بن أحمد بن علي المحرم، والآن رجعت عنه لما وقفت على إسناد الحديث عند أبي نعيم، وإنما أو قعني في ذلك الخطأ

أنني كنت نقلته بواسطة الحافظ ابن حجر وهو لم يذكر في سند الحديث اسم جد هذا الشيخ، فلما وقفت عليه عند أبي نعيم إذا باسم جده (محمد) ، فتيقنت أنه ليس ذلك المحرم،

 

(2/167)

 

 

فهو أحد هؤلاء الثلاثة الذين ذكرتهم هنا، وقد رأيت أن الحافظ العراقي جزم بأنه أبو بكر المفيد، وهو حجة في هذا العلم. فالعمدة عليه في تعيين الرجل. والله أعلم. وفي السند رجل آخر ضعيف جدا، وهو محمد بن عمرو

بن عبيد الأنصاري وهو بصري، وقد حكيت أقوال العلماء في تضعيفه هناك.

وقد تبين لي الآن علة ثالثة وهي عمرو بن محمد بن الحسن ترجمه الخطيب فقال (12 / 204) : " هو الزمن المعروف بالأعسم، بصري سكن بغداد ". ثم روى عن الدارقطني أنه قال فيه: " منكر الحديث " وفي رواية أخرى عنه: " كان ضعيفا كثير الوهم ". وفي " اللسان ": " قال الحاكم: ساقط روى أحاديث موضوعة عن قوم لا يوجد في حديثهم منها شيء ". وذكر عن ابن حبان والنقاش نحوه. قلت: فتعصيب التهمة به في هذا الحديث أولى من تعصيبها بشيخ أبي نعيم، لأنه فوقه في السند، وأوهى منه، والله أعلم.

745 - " من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ".

ضعيف.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 111 / 2) عن أبي معاوية: حدثنا محمد بن إسحاق عن جميل بن أبي ميمونة عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة مرفوعا وقال: " لم يرو هـ عن عطاء إلا جميل، ولا عنه إلا ابن إسحاق تفرد به أبو معاوية ". ومن هذا الوجه رواه الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (33 / 1) وزاد: " ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة ".

وهكذا أورده المنذري في " الترغيب " (2 / 112) وقال: " رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق، وبقية رواته ثقات ". قلت: يعني أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه. فهذه علة، وفيه علة أخرى، فقال الهيثمي (3 / 208 - 209) بعد أن عزاه للطبراني وحده: " وفيه جميل بن أبي ميمونة، وقد ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في (الثقات) ".

قلت: وتساهل ابن حبان في التوثيق معروف، فالرجل مجهول الحال، والله أعلم.

 

(2/168)

 

 

746 - " لا هم إلا هم الدين، ولا وجع إلا وجع العين ".

موضوع.

رواه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 346) والطبراني في " الأوسط " (68 / 1 و145 / 1) وفي " الصغير " (ص 176) وعنه القضاعي (72 / 2) وابن عدي (188 / 1) قالا:

 

(2/168)

 

 

حدثنا محمد بن يونس البصري العصفري: حدثنا قرين بن سهل بن قرين: حدثني أبي: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا.

وقال الطبراني: " لم يرو هـ عن ابن المنكدر إلا ابن أبي ذئب، تفرد به سهل ". قلت: وقال ابن حبان: " يروي عن ابن أبي ذئب وغيره من الثقات ما ليس من حديثهم ".

ولذا قال الذهبي: " غمزه ابن حبان وابن عدي، وكذبه الأزدي ". وذكر له ابن عدي ثلاثة أحاديث هذا أحدها وقال: " منكر باطل إسناده ومتنه ". ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 244) .

وتعقبه السيوطي بما لا ينفع فقال: (393 - طبع الهند) : " قلت: أخرجه أبو نعيم في " الطب " والبيهقي في " شعب الإيمان " وقال: " حديث منكر ". وله طريق آخر، قال الشيرازي في " الألقاب ": ... فساق إسناده من طريق يحيى بن عبد الله خاقان: حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به ثم قال السيوطي: " وأخرجه الخطيب في " رواة مالك " وقال: منكر عن مالك، وخاقان مجهول، وقال الذهبي في " الميزان ": " يحيى بن عبد الله خاقان يكنى أبا سهل عن مالك - ثم ساق الحديث ثم قال: فهذا موضوع ".

ولم يتعقبه السيوطي بشيء إلا أنه قال: " وله شاهد موقوف ".

قلت: وفيه ابن لهيعة، ولوصح فهو شاهد على الحديث لا له، لأن الموقوف لا يصح أن يشهد للمرفوع كما لا يخفى، ولذلك قال المناوي في " الفيض ": " وحكم ابن الجوزي عليه بالوضع، ونوزع بما لا طائل فيه ". والموقوف المشار إليه وجدته في " الفوائد المنتقاة الحسان العوالي " لابن الديباجي (20 / 85 / 1) من طريق ابن لهيعة عن خالد بن يزيد قال: قال عمرو بن العاص ... فذكره. والحديث أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 295) من طريق الحسين بن معاذ - مستملي عمرو بن علي -: حدثنا ابن أخي الربيع بن مسلم عن الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا غم إلا غم الدين، ولا ... ". قلت: والحسن بن معاذ هو ابن داود بن معاذ. قال الذهبي: " ليس بثقة، حديثه موضوع ".

747 - " قال الله تعالى: من لم يرض بقضائي وقدري فليلتمس ربا غيري ".

ضعيف جدا.

عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للبيهقي في " الشعب " عن أنس. ولم

 

(2/169)

 

 

يتكلم عليه شارحه المناوي بشيء، وكأنه لم يقف على سنده، وقد وجدته في الجزء الرابع من " التجريد " لابن عساكر، رواه (4 / 1 - 2) من طريق البيهقي عن الحاكم بسنده عن علي بن يزداد الجرجاني - وكان قد أتي عليه مائة وخمس وعشرون سنة - قال: سمعت عصام بن الليث الليثي السدوسي - من بني فزارة في البادية - قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، علي بن يزداد الجرجاني قال الذهبي في ترجمة شيخه عصام بن الليث: " لا يعرفان ".

وساق له في " اللسان " هذا الحديث من طريق الحاكم ثم قال: " أخرجه أبو سعد ابن السمعاني في " الأنساب " وقال: " هذا إسناد مظلم لا أصل له ".

وقال الذهبي أيضا في ترجمة علي بن يزداد الجرجاني: " شيخ لابن عدي متهم، روى عن الثقات أو ابد ". وأقره في " اللسان ". فالإسناد ضعيف جدا، وقد روي بإسناد آخر مثله في الضعف، وقد مضى برقم (494) .

748 - " الجمال صواب القول بالحق، والكمال حسن العفاف بالصدق ".

ضعيف جدا.

رواه أبو نعيم في " فضائل الخلفاء الأربعة " (2 / 2 / 2) والسلفي في " أحاديث وحكايات " (78 / 1) وابن النجار (10 / 174 / 1) والديلمي (2 / 81) وابن عساكر (8 / 471 / 2) عن عمر بن إبراهيم عن أيوب بن سيار عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: جاء العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثياب بياض، فلما نظر تبسم، قال العباس: يا رسول الله ما الجمال؟ قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، آفته أيوب بن سيار فإنه ليس بثقة كما قال النسائي وغيره، وقال ابن حبان (1 / 159) : " يقلب الأسانيد،

ويرفع المراسيل ". والراوي عنه عمر بن إبراهيم وهو الكردي الهاشمي مثله في الضعف، لكنه قد توبع عليه، أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 86 - 87) عن همام بن مسلم عن أيوب به. لكن هماما هذا مثله في الضعف قال الدارقطني: "

متروك ". قلت: فلا يستشهد به لاسيما وقد قال ابن حبان: " يسرق الحديث ".

فلعله سرقه من الكردي هذا.

 

(2/170)

 

 

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الحكيم عن جابر. وتعقبه المناوي في شرحه عليه بقوله: " قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز، وهو عجيب! فقد رواه أبو نعيم في " الحلية " والديلمي في " الفردوس " والبيهقي في " الشعب " فعدوله للحكيم واقتصاره عليه الموهم غير لائق، ثم إن فيه أيوب بن سيار (الأصل يسار وهو خطأ مطبعي) الزهري قال الذهبي: ضعيف جدا تفرد به عنه عمر بن

إبراهيم وهو ضعيف جدا ". وفي قول الذهبي أن عمر تفرد به عن أيوب نظر، للمتابعة التي ذكرتها، وعزوه للحلية فيه وقفة، فإني لم أجده في " الحلية ". والله أعلم.

749 - " من أغاث ملهو فا كتب الله له ثلاثة وسبعين مغفرة واحدة منها صلاح أمره كله، واثنتان وسبعون درجات له يوم القيامة ".

موضوع.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (140) وكذا ابن حبان (1 / 304) وأبو نعيم في " الأخبار " (2 / 74) عن عبد العزيز بن عبد الصمد العمي قال: حدثنا زياد بن أبي حسان عن أنس مرفوعا.

وقال العقيلي: " لا يعرف إلا به ". يعني زيادا هذا. وقال ابن حبان: " كان شعبة شديد الحمل عليه، وكان ممن

يروي أحاديث مناكير، وأوهاما كثيرة ". وقال البخاري: " كان شعبة يتكلم فيه ".

وفي " الميزان ": " قال الحاكم: روى عن أنس وغيره أحاديث موضوعة، وكان شعبة شديد الحمل عليه وكذبه، قال الدارقطني: متروك، وقال أبو حاتم وغيره: لا يحتج به ". وقال النقاش فيه مثل قول الحاكم المتقدم. ومن طريق زياد رواه أبو يعلى والبزار كما في " المجمع " (8 / 191) .

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق العقيلي ثم قال (2 / 171) : " موضوع، والمتهم بوضعه زياد ".

وتعقبه السيوطي في " اللآلي " (ص 352) بأن له طريقين آخرين وشاهدا من حديث ثوبان.

أما الطريق الأول فساقه من رواية ابن عساكر بسنده عن القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الغفار بن ذكوان: حدثنا أبو علي محمد بن سليمان بن حيدرة: حدثنا أبو سليم إسماعيل بن معن (الأصل: حصني وهو خطأ) : حدثنا [أبو] المغيرة: حدثنا إسماعيل بن عياش: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره.

قلت: وسكت عليه السيوطي فما أحسن، فإن ابن ذكوان هذا أورده الذهبي في " الميزان " ثم ابن حجر في " اللسان " وقالا: " تكلم فيه عبد العزيز الكتاني ".

 

(2/171)

 

 

ومحمد بن سليمان بن حيدرة مجهول الحال، وحيدرة اسم أحد جدوده، واسم جده الأدنى الحر بن سليمان. هكذا ذكره ابن عساكر في " تاريخه " (15 / 193 / 2) وفي ترجمته ساق له هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وتمام الحديث عنده. "

ومن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحدا صمدا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، كتب الله له بها أربعين ألف حسنة ". وبقية رجال الإسناد ثقات غير أن إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين وهذه منها، وإسماعيل بن معن له ترجمة في ابن عساكر (2 / 415 / 2) .

وجملة القول: أن سند هذه الطريق مظلم فلا يدفع بمثله حكم ابن الجوزي عليه بالوضع، لاسيما وفيها تلك الزيادة التي تؤكد هذا الحكم لما فيها من المبالغة في الأجر لمجرد النطق بتلك الجملة المباركة، وهذه المبالغة من أمارات وضع الحديث كما هو مقرر في محله.

وأما الطريق الثاني: فساقه السيوطي من رواية أبي طاهر الحنائي بسنده عن عيسى بن يعقوب بن جابر الزجاج: حدثنا دينار مولى أنس بن مالك: حدثني أنس بن مالك به.

وهكذا رواه الخطيب في " التاريخ " (11 / 175) في ترجمة الزجاج هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وهذا إسناد تالف دينار هذا قال ابن حبان (1 / 290) : " يروي عن أنس أشياء موضوعة ".

وقال الحاكم: " روى عن أنس قريبا من مائة حديث موضوعة ". فإيراد السيوطي لهذا الطريق التالف، وسكوته عليه من العجائب! وقد فاته طريق ثالث، أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 350) عن أبان عن أنس مرفوعا.

لكن أبان هذا وهو ابن أبي عياش كذاب فلا يفرح به! وأما الشاهد فهو الحديث الآتي:

750 - " من فرج عن مؤمن لهفان غفر الله له ثلاثا وسبعين مغفرة، واحدة يصلح بها أمر دنياه وآخرته، وثنتين وسبعين يوفيها الله تعالى يوم القيامة ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 49 - 50) من طريق إسماعيل بن أبان الأزدي (الأصل الأو دي وهو تصحيف) قال: حدثنا حماد بن عثمان القرشي - مولى الحسن بن علي - قال: حدثني يزيد بن أبي زياد البصري عن فرقد عن شميط - مولى ثوبان - عن ثوبان مرفوعا، وقال: " غريب من حديث فرقد، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ".

 

(2/172)

 

 

قلت: وهو مظلم، فإن فرقدا هذا وهو ابن يعقوب السبخي قال البخاري: " في حديثه مناكير ". وقال النسائي: " ليس بثقة ". ويزيد بن أبي زياد البصري لم أعرفه، وفي طبقته بهذا الاسم والنسب ثلاثة أحدهم شامي،

وهو ضعيف جدا، والآخران كوفيان، أحدهما من رجال " التهذيب " وهو ضعيف. والآخر من رجال " الميزان " ولا تقوم به حجة. فلعله أحدهم ويكون نسبته بصريا خطأ من أحد الرواة ولعله من الراوي عنه: حماد بن عثمان القرشي، ولم أجد له ترجمة. ويراجع له " الجرح والتعديل ". فإني لا أطوله الآن. ثم رجعت إليه

فلم أجد فيه سوى حماد بن عثمان الذي روى عن الحسن البصري وهو مجهول. فكأنه غير هذا. وهذا الحديث أورده السيوطي شاهدا للحديث الذي قبله فلم يحسن لشدة ضعفه ونكارة لفظه. والله أعلم.

751 - " من قضى لأخيه حاجة كنت واقفا عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت له ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 353) عن عبد الله بن إبراهيم بن الهيثم الغفاري: حدثنا مالك بن أنس والعمري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وقال: " غريب من حديث مالك، تفرد به الغفاري ". قلت: قال الذهبي: "

نسبه ابن حبان إلى أنه يضع الحديث. وقال الحاكم: " يروي عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة ".

 

(2/173)

 

 

752 - " وجبت محبة الله على من أغضب فحلم ".

موضوع.

رواه ابن عدي (331 / 2) : حدثنا ابن أبي صالح. حدثنا أبو مصعب: حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن عروة عن عائشة مرفوعا. وقال: " وهذا عن مالك منكر ". قلت: أورده في ترجمة أبي مصعب هذا وسماه مطرفا، وقال: " يحدث عن ابن أبي ذئب ومالك وغيرهما بالمناكير ".

قلت: مطرف هذا من شيوخ البخاري في " الصحيح " وهو ثقة كما قال ابن سعد والدارقطني وغيرهما، وبه جزم الحافظ في " التقريب " وقال: " لم يصب ابن عدي في تضعيفه ".

وقد ساق الذهبي له أحاديث في " الميزان " من طريق ابن عدي عن ابن أبي صالح هذا

 

(2/173)

 

 

وهو أحمد بن داود ومنها هذا الحديث ثم قال: " قلت: وهذه أباطيل حاشا مطرفا من روايتها، وإنما البلاء من أحمد بن داود! فكيف خفي هذا على ابن عدي فقد كذبه الدارقطني؟! ولوحولت هذه إلى ترجمته كان أولى ".

وكذا قال الحافظ في " التهذيب "، وقد فعل الذهبي ما أشار إليه، فنقل الحديث إلى ترجمة أحمد هذا وقال: " وهذا موضوع ".

ووافقه الحافظ ابن حجر في " اللسان " وذكر أن أحمد هذا قال فيه ابن حبان وابن طاهر: " كان يضع الحديث ".

قلت: ومن طريقه أخرج الحديث أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (5 / 135) والقضاعي في " مسند الشهاب " (46 / 2) والقاضي أبو بكر الشهرزوري في " جزء فيه مجلسان " (4 / 2) وابن عساكر (5 / 84 / 2) .

وأورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (167 - 168) من طريق أبي نعيم، ثم قال السيوطي: " قال في " الميزان ": هذا موضوع، من أكاذيب ابن داود ". قلت: وأقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (359 / 1 - 2) .

ومع هذا كله فقد سود به السيوطي كتابه " الجامع الصغير "! فتعقبه المناوي بكلام الذهبي على الحديث وبقول ابن طاهر في راويه: " كان يضع الحديث ". وكذا قال ابن حبان (1 / 134) .

753 - " من قضى لأخيه المسلم حاجة كان له من الأجر كمن خدم الله عمره ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 254 - 255) والخطيب في " التاريخ " (5 / 130 - 131) والسلفي في " أحاديث منتخبة " (135 / 1) عن أحمد بن محمد النوري قال: أخبرنا سري السقطي عن معروف الكرخي عن ابن السماك عن الأعمش عن أنس مرفوعا. وفي لفظ للخطيب: " ... كمن حج واعتمر ".

قلت: وهذا سند ضعيف مسلسل بجماعة من الصوفية لا تعرف أحوالهم في الحديث وهم النوري والسقطي والكرخي، وفي ترجمة الأول من " التاريخ " أمور مخالفة للشرع كنذره أن لا يقعد على الأرض أربعين يوما! وقد وفى فلم يقعد! وكطلبه من الله أن يخرج له سمكة وزن ثلاثة أرطال لا تزيد ولا تنقص! وإلا رمى بنفسه في الفرات! فزعموا أن السمكة أخرجت له على ما أراد، فقال له الجنيد: لو لم تخرج كنت ترمي بنفسك؟ قال: نعم. فهذا يدل على أنه كان جاهلا،

 

(2/174)

 

 

أو أنه كان من غلاة الصوفية الذين لا يقيمون لنصوص الشريعة وزنا. أعاذنا الله من ذلك بمنه وكرمه.

ثم إن في الحديث علة أخرى وهي الانقطاع بين الأعمش وأنس، قال في " التهذيب ": " لم يثبت له منه سماع ". وابن السماك اسمه محمد بن صبيح ولا بأس به كما قال الدارقطني.

والحديث أورده السيوطي باللفظين كحديثين مستقلين! عزى الأول للحلية، والآخر للتاريخ، وقال المناوي فيه: " وفيه من لم أعرفه ". يعني الصوفية الثلاثة.

ثم قال في اللفظ الأول عطفا على رواية " الحلية " له: "

وكذا الخطيب عن إبراهيم بن شاذان عن عيسى بن يعقوب بن جابر الزجاج عن دينار مولى أنس، وقضية كلام المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا لأعلى من أبي نعيم وإلا لما عدل إليه واقتصر عليه، والأمر بخلافه، فقد خرجه البخاري في " تاريخه " ولفظه: " من قضى لأخيه حاجة فكأنما خدم الله عمره ".

وكذا الطبراني والخرائطي عن أنس يرفعه بسند قال الحافظ العراقي ضعيف. وأورده ابن الجوزي في (الموضوع) ".

قلت: طريق دينار هذه ليست لهذا الحديث بهذا اللفظ، بل هو من طريق الصوفية المتقدم، ولفظ حديث دينار: " من قضى لأخيه حاجة من حوائج الدنيا قضى الله له اثنتين وسبعين حاجة أسهلها المغفرة " فهذا حديث آخر وقد تقدم الكلام عليه في الحديث (750) وليس هو عند أبي نعيم من هذا الوجه بل هو عند الخطيب كما سبق.

ثم إن ابن الجوزي لم يورد هذا الحديث في " الموضوع " وإنما أورد فيه الحديث المشار إليه آنفا برقم (750) ، فتأمل كم في كلام المناوي من أخطاء. والعصمة لله وحده. وللحديث طريق آخر عن أنس، أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 43) وابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (77 - 78) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 225) والخرائطي في " المكارم " (ص 17) والخطيب (3 / 114) عن بقية عن متوكل بن يحيى القنسريني عن حميد بن العلاء عنه مرفوعا. قلت: وهذا ساقط، وبقية وهو ابن الوليد مدلس وقد عنعنه.

والمتوكل هذا قال الأزدي: " حديثه ليس بالقائم ". وحميد بن العلاء قال الأزدي: " لا يصح حديثه ".

وكأنه يعني هذا.

ووجدت له شاهدا من حديث عبد الله بن عمر. أخرجه أبو العباس الأصم في " حديثه " (رقم 130 من نسختي) عن أبي مسلم محمد بن مخلد الرعيني:

حدثنا سعيد بن عبد الجبار عن محمد بن جابر عن خصيف بن عبد الرحمن عنه مرفوعا.

 

(2/175)

 

 

وهذا إسناد هالك، الرعيني قال ابن عدي: " حدث بالأباطيل ". وقال الدارقطني: " متروك الحديث ". وسعيد بن عبد الجبار قال الذهبي: " لا يعرف ".

وفرق بينه وبين سميه الذي قبله وهو الزبيدي الحمصي وكان جرير يكذبه.

ولا مانع عندي من أن يكونا واحدا ويؤيده أن الحافظ بعد أن ترجم للزبيدي في " التهذيب " لم يورد هذا الذي نحن في صدده تمييزا كما هي عادته، وكذلك لم يورده في " اللسان " اكتفاء منه بإيراده إياه في " التهذيب " بناء على أنهما واحد. والله أعلم.

ومحمد بن جابر وخصيف بن عبد الرحمن ضعيفان.

754 - " نعم الشيء الهدية أمام الحاجة ".

موضوع.

رواه الطبراني (1 / 294 / 1) : حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي: أخبرنا الهيثم بن خارجة أخبرنا يحيى بن سعيد العطار عن يحيى بن العلاء عن طلحة بن عبيد الله عن الحسين بن علي مرفوعا.

ورواه الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (31 / 1) من طريق يزيد بن سنان البصري - بمصر - حدثنا يحيى بن سعيد العطار به.

قلت: وهذا إسناد تالف يحيى بن سعيد قال ابن حبان: " يروي الموضوعات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به ". ويحيى بن العلاء كذاب يضع الحديث كما تقدم عن الإمام أحمد تحت الحديث (321) .

وذكره ابن قدامة في " المنتخب " (10 / 195 / 1) من طريق عبد الله: حدثني أبي أخبرنا عباد بن العوام: حدثني شيخ عن الزهري مرفوعا. قال أبي: يقولون إنه سليمان بن أرقم، وسليمان لا يساوي حديثه شيئا.

ثم رأيت هذا في " كتاب الضعفاء " (156) للعقيلي قال: حدثنا عبد الله به.

قلت: وقد وصله أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 75) عن عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعيد بن أبي وقاص عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.

وهذا سند ساقط أيضا، عثمان هذا قال ابن معين: " كان يكذب ". وقال ابن المديني: " ضعيف جدا ". وهذا معنى قول البخاري: " تركوه ".

وقال فيه ابن حبان (2 / 98) مثل ما سبق في يحيى بن سعيد.

ومن طريقه رواه الحاكم في " تاريخه " كما في " اللآليء " (ص 492) للسيوطي وقد تعقب به وبحديث الحسين الذي قبله حكم ابن الجوزي على الحديث بالوضع، فلم يصنع شيئا لأن مدارهما على كذابين كما علمت.

وله طريق أخرى عن عروة. رواه الخطيب (8 /166) عن عمرو بن خالد الأعشى: حدثنا

 

(2/176)

 

 

هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا.

لكن عمرو هذا كذاب وضاع، رماه بذلك غير واحد من الأئمة. وقد أورده ابن الجوزي من طريقه في " الموضوعات " وقال (2 / 91) : " لا يصح، عمرو بن خالد كذبه العلماء، منهم أحمد ويحيى، وقال ابن راهويه: كان يضع الحديث ". وقد روي من حديث أنس، رواه الدارقطني في " غرائب مالك " من طريق خداش بن مخلد: حدثنا يعيش بن هشام: حدثنا مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا ذكره ابن الجوزي وقال: " قال الدارقطني: هو باطل عن مالك، وقد روي عن الموقري عن الزهري عن أنس، والموقري ضعيف ". قلت: وخداش بن مخلد لم أجد له ترجمة. وأما الموقري وهو الوليد بن محمد فهو ساقط كذبه ابن معين وقال النسائي: " متروك الحديث ". وقال ابن حبان: " روى عن الزهري أشياء موضوعة لم يرو ها الزهري قط ".

755 - " إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال: لا ينبغي لأحد من خلقه أن يفعل هذا ".

منكر جدا.

رواه أبو نصر الغازي في جزء من " الأمالي " (77 / 1) من طرق عن إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا محمد بن فليح بن سليمان عن أبيه عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين قال: بينا أنا جالس إذ جاءني قتادة بن النعمان

رضي الله عنه فقال: انطلق بنا يا ابن حنين إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فإني قد أخبرت أنه قد اشتكى، فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد، فوجدناه مستلقيا رافعا رجله اليمنى على اليسرى، فسلمنا وجلسنا، فرفع قتادة بن النعمان يده إلى رجل أبي سعيد فقرصها قرصة شديدة، فقال أبو سعيد: سبحان الله يا ابن أم أوجعتني! فقال له: ذلك أردت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

فقال أبو سعيد: لا جرم والله لا أفعل أبدا. وقال: " قال الإمام أبو موسى (يعني المديني الحافظ) : رواه ابن الأصفر عن إبراهيم بن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن قتادة، ورواه محمد بن المبارك الصوري عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد كلاهما عن قتادة، ورواه عن قتادة أيضا سوى عبيد بن حنين وأبي الحباب وبسر بن سعيد - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.

ورواه عن إبراهيم بن المنذر محمد بن إسحاق الصغاني

 

(2/177)

 

 

ومحمد بن المصفى ومحمد بن المبارك الصوري وجعفر بن سليمان النوفلي وأحمد بن رشدين وأحمد بن داود المكي وابن الأصفر وغيرهم، وحدث به من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي عاصم وأبو القاسم الطبراني، وروي عن شداد بن أوس أيضا مرفوعا. وروي عن عبد الله بن عباس وكعب بن عجرة رضي الله عنهما موقوفا، وعن كعب الأحبار أيضا، وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) هذا المعنى، ورواة هذا الحديث من طريق قتادة وشداد عامتهم من رجال الصحيح، وذلك كله بعد قول الله تعالى (أفمن يخلق كمن لا يخلق) إنما يوافق الاسم الاسم، ولا تشبه الصفة الصفة ".

قلت: مع التنزيه المذكور فإن الحديث يستشم منه رائحة اليهودية الذين يزعمون أن الله تبارك وتعالى بعد أن فرغ من خلق السموات والأرض استراح! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وهذا المعنى يكاد يكون صريحا في الحديث فإن الاستلقاء لا يكون إلا من أجل الراحة سبحانه وتعالى عن ذلك.

وأنا أعتقد أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات وقد رأيت في كلام أبي نصر الغازي أنه روي عن كعب الأخبار، فهذا يؤيد ما ذكرته، وذكر أبو نصر أيضا أنه روي موقوفا عن عبد الله بن عباس وكعب بن عجرة، فكأنهما تلقياه - إن صح عنهما - عن كعب كما هو الشأن في كثير من الإسرائيليات، ثم وهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إن قول أبي نصر " إن رواة طريق قتادة من رجال الصحيح " صحيح، وكذلك قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 100) بعد أن عزاه للطبراني، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون سند الحديث بالذات صحيحا لجواز أن يكون فيه من تكلم فيه، وإن كان صاحب الصحيح احتج به، فإنه يجوز أن ذلك لأنه لم يثبت جرحه عنده، أو أنه كان ينتقي من حديثه مع اعتقاده أن فيه ضعفا يسيرا لا يسقط به حديثه جملة عنده، خلافا لغيره.

وإسناد هذا الحديث من هذا القبيل، فإن محمد بن فليح بن سليمان وأباه، وإن أخرج لهما البخاري فإن فيهما ضعفا وخاصة الأب، فقد ضعفه ابن معين حتى جعله دون الدراوردي وهذا حسن الحديث! وقال في رواية: " فليح ليس بثقة ولا ابنه "، وكذلك ضعفه ابن المديني والنسائي والساجي وقال: " هو من أهل الصدق، ويهم ". ولذلك لم يسع الحافظ إلا الاعتراف بضعفه فقال في " التقريب ": " صدوق كثير الخطأ ". وأما ابنه محمد فهو أحسن حالا من أبيه، ففي " الميزان ": " قال أبو حاتم: ما به بأس، وليس بذاك القوي. ووثقه بعضهم وهو أو ثق من أبيه. وقال ابن معين ليس بثقة ". وقال الحافظ: " صدوق يهم ". وإن مما يدل على ضعفهما وضعف حديثهما اضطرابهما في إسناده.

 

(2/178)

 

 

فتارة يقولان: عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين عن قتادة. وتارة: عن سالم أبي النضر بدل سعيد بن الحارث، ويقرن مع ابن حنين بسر بن سعيد وتارة يجعل مكانهما أبا الحباب سعيد بن يسار، وهذا كله من فوائد أبي نصر رحمه الله في هذا الجزء من " الأمالي ". حيث حفظ لنا فيه ما ينير السبيل على البحث في حال هذا الحديث. وأما إسناد حديث شداد فلم أقف عليه لننظر فيه، وغالب الظن أن فيه علة تقدح في صحته. والله أعلم. ومما يوهن من شأن هذا الحديث أنه صح عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد، واضعا إحدى رجليه على الأخرى. رواه البخاري (1 / 466 بفتح الباري طبع بولاق) وترجم له بـ " باب الاستلقاء في المسجد " ثم روى عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر وعثمان يفعلان ذلك، فلوكان الاستلقاء المذكور لا ينبغي لأحد من خلقه سبحانه كما زعم الحديث لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه من بعده، كما لا يخفى. ولا يعارض هذا ثبوت النهي عن الاستلقاء في صحيح مسلم (6 / 154) وغيره لأنه غير معلل بهذه العلة المذكورة في هذا الحديث المنكر، وللعلماء مذهبان في الجمع بين هذا النهي وبين فعله صلى الله عليه وسلم المخالف للنهي:

الأول: ادعاء نسخ النهي.

الثاني: حمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة، والجواز حيث يؤمن ذلك (1) وفي كل من المذهبين إشارة إلى رد هذا الحديث،

فإنه لا يتمشى معهما البتة، أما على المذهب الأول فلأن الحديث صريح في أن الاستلقاء المذكور فيه من خصوصيات الله عز وجل فكيف يجوز ذلك؟! وأما على المذهب الثاني فلأنه صريح في أن العلة عنده هو انكشاف العورة أو عدم انكشافها، فلو كان يصح عنده أن العلة كون الاستلقاء من خصوصياته سبحانه لم يجز التعليل

بغيرها وهذا ظاهر لا يخفى أيضا. وجملة القول إن هذا الحديث منكر جدا عندي، ولقد قف شعري منه حين وقفت عليه، ولم أجد الآن من تكلم عليه من الأئمة النقاد غير أن الحافظ الذهبي أورده في ترجمة " فليح "، كأنه يشير بذلك إلى أنه مما أنكر عليه كما هي عادته في " ميزانه ". والله أعلم.

ثم وجدت في بعض الآثار ما يشهد لكون الحديث من الإسرائيليات، فروى الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 361) بسند حسن أنه قيل للحسن (وهو البصري) : قد كان يكره أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى؟ فقال: ما أخذوا ذلك إلا عن اليهود ". ثم رأيت البيهقي سبقني إلى الكلام على الحديث بنحو ما ظهر لي، فقال في " الأسماء والصفات " (ص 355) بعد أن ساقه من طريق إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح:

" فهذا حديث منكر، ولم أكتبه إلا من هذا الوجه، وفليح بن سليمان مع كونه من شرط البخاري ومسلم، فلم يخرجا حديثه هذا في " الصحيح "، وهو عند بعض الحفاظ غير محتج به ".

__________

(1) وهذا هو الذي رجحه الحافظ في " الفتح ". اهـ.

 

(2/179)

 

 

ثم روى بسنده عن ابن معين قال: لا يحتج بحديثه. وفي رواية: قال: ضعيف. قال: وبلغني عن النسائي أنه قال: ليس بالقوي. قال: " فإذا كان فليح بن سليمان المدني مختلفا في جواز الاحتجاج به عند الحفاظ لم يثبت

بروايته مثل هذا الأمر العظيم. وفيه علة أخرى، وهي أن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وصلى عليه عمر، وعبيد بن حنين مات سنة خمس ومائة، وله خمس وسبعون سنة في قول الواقدي وابن بكير، فتكون روايته عن قتادة منقطعة، وقول الراوي: وانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد لا يرجع إلى عبيد بن حنين، وإنما يرجع إلى من أرسله عنه، ونحن لا نعرفه، فلا تقبل المراسيل في الأحكام، فكيف في هذا الأمر العظيم؟! ".

756 - " الأمر المفظع، والحمل المضلع، والشر الذي لا ينقطع إظهار البدع ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني (1 / 327 / 1) وابن أبي عاصم في " السنة " رقم (36) وابن بطة في " الإبانة " (1 / 173 / 1 - 2) عن بقية: حدثنا عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير الثمالي مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف جدا، عيسى هذا هو الهاشمي، قال البخاري والنسائي: " منكر الحديث ". وقال أبو حاتم والنسائي أيضا: " متروك الحديث ". وموسى بن أبي حبيب ضعفه أبو حاتم. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 268 - 269) من رواية الحاكم وقال: " لا يصح، قال الحاكم: عيسى واهي الحديث بمرة ".

وأقره السيوطي (رقم 652) من " اللآليء "، ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (136 / 1) ، ومع ذلك فقد أورده السيوطي في " الجامع الصغير "، من رواية الطبراني هذه، واقتصر المناوي في شرحه على قوله: " والحديث ضعيف "! .

 

(2/180)

 

 

757 - " من وطيء امرأة وهي حائض، فقضى بينهما ولد، فأصابه جذام، فلا يلومن إلا نفسه ".

ضعيف.

رواه أبو العباس الأصم في " حديثه " (ج 2 رقم 147) والطبراني في " الأوسط " (1 / 169 / 1) : حدثنا بكر بن سهل: أخبرنا محمد بن أبي السري العسقلاني: أخبرنا شعيب بن إسحاق عن الحسن بن الصلت عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الطبراني:

 

(2/180)

 

 

" لم يرو هـ عن الزهري إلا الحسن بن الصلت - شيخ من أهل الشام - تفرد به ابن أبي السري ".

قلت: وهو صدوق له أوهام كثيرة كما في " التقريب ". والحسن بن الصلت لم أجد له ترجمة ولم يذكره الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " مع أنه على شرطه! والحديث أعله الهيثمي (4 / 299) ببكر هذا فقال: " ضعفه النسائي وقال الذهبي: قد حمل الناس عنه وهو مقارب الحديث ".

758 - " من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني (1 / 32 / 2) : حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق الحمصي: حدثني أبي: حدثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن عياش بن مؤنس أن أبا الحسن نمران بن مخمر حدثه أن أوس بن شرحبيل أحد بني المجمع حدثه به مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف جدا عمرو بن إسحاق لم أعرفه ولم يورده ابن عساكر في " تاريخه " مع أنه على شرطه. وأبو إسحاق بن إبراهيم بن زبريق ضعيف جدا، قال النسائي: " ليس بثقة ". وقال أبو داود: " ليس بشيء " وكذبه محدث حمص محمد بن عوف الطائي وهو أعرف بأهل بلده، وأما

أبو حاتم فقال: لا بأس به! وعياش بن مؤنس وشيخه أبو الحسن نمران بن مخمر لم أعرفهما.

 

(2/181)

 

 

759 - " أربع من سعادة المرء: أن تكون زوجته موافقة، وأولاده أبرارا، وإخوانه صالحين، وأن يكون رزقه في بلده ".

ضعيف جدا.

رواه النسائي في " حديثه " (132 / 2) وابن عساكر في " تاريخه " (15 / 325 / 2) من طريقين عن بقية بن الوليد عن أبي يعقوب المدني عن عبد الله بن الحسين عن أبيه عن جده. وقال ابن عساكر: " غريب جدا ". قلت: وهذا سند ضعيف جدا، أبو يعقوب المدني لم أعرفه، فهو من شيوخ بقية المجهولين الذين كان يدلسهم، قال ابن معين: " إذا لم يسم بقية شيخه وكناه فاعلم أنه لا يساوي شيئا ". وقال ابن المبارك: " نعم الرجل بقية لولا أنه يكني الأسماء، ويسمي الكنى "!

 

(2/181)

 

 

وعبد الله بن الحسين لم أعرفه، ولا نعلم للحسين بن علي بن أبي طالب ابنا اسمه عبد الله و (الحسين) كذلك وقع في الطريقين، ولعله خطأ من بعض الرواة أو النساخ، ويؤيده أن الحديث أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (ج 73 / 258 / 1) والديلمي (1 / 1 / 166) من طريق عمرو بن جميع عن عبد الله بن حسن عن أبيه عن جده مرفوعا. وعلى هذا فالحديث من مسند الحسن بن علي بن أبي طالب لا من مسند علي، فإن عبد الله هذا هو ابن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، وهو ثقة مأمون، لكن الراوي عنه عمرو بن جميع كذاب: قد وجدت له طريقا أخرى عن الحسين عن علي رضي الله عنهما، فقال الدنيوري في " المجالسة " كما في " المنتقى منها " (21 / 2 نسخة حلب) : حدثنا محمد بن الحسين حدثني علي بن الحسين بن موسى عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب مرفوعا. وهذا إسناد ساقط من دون موسى (وهو ابن عبد الله بن حسن المتقدم) لم أعرفهم، لكن الدينوري نفسه متهم واسمه أحمد بن مروان، قال الذهبي: " اتهمه الدارقطني، ومشاه غيره ". وقال الحافظ في " اللسان ": " وصرح الدارقطني في " غرائب مالك بأنه يضع الحديث ".

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية ابن عساكر والديلمي عن علي، وابن أبي الدنيا في " كتاب الإخوان " عن عبد الله بن الحكم عن أبيه عن جده.

ولم يتعقبه المناوي بشيء غير أنه قال: " رمز المصنف لضعفه ".

وقد عرفت أنه ضعيف جدا من طريق ابن عساكر، وباطل من الطريقين الآخرين، وقوله " عبد الله بن الحكم " أظنه تصحيف من " عبد الله بن الحسن " كما سبق في رواية أبي بكر الشافعي، وكذلك هو في " الجامع الكبير " (1 / 90 / 1) لكن وقع فيه " ... ابن أبي الحسن "! .

760 - " المؤمن كيس فطن حذر ".

موضوع.

رواه القضاعي (2 / 2 / 2) عن سليمان بن عمرو النخعي عن أبان عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا موضوع، النخعي هذا كان يضع الحديث كما قال أحمد وغيره. وأبان هو ابن أبي عياش متروك متهم، ولهذا فقد أساء السيوطي بإيراده إياه في " الجامع الصغير " من رواية القضاعي هذه.

وقد تعقبه المناوي بقوله: " قال العامري: " حسن غريب "، وليس فيما زعمه بمصيب. بل فيه أبو داود النخعي

 

(2/182)

 

 

كذاب، قال في " الميزان " عن يحيى: كان أكذب الناس. ثم سرد له عدة أخبار هذا منها. قال ابن عدي: أجمعوا على أنه كان وضاعا ".

761 - " المدينة قبة الإسلام، ودار الإيمان، وأرض الهجرة، ومبوأ الحلال والحرام ".

ضعيف.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 124 / 1) عن عيسى بن مينا - قالون -: حدثنا عبد الله بن نافع عن أبي المثنى القاريء عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا، وقال السيوطي في " الحجج المبينة " (69 / 2) : " سنده

حسن ".

وكأنه أخذه من قول الهيثمي في " المجمع " (3 / 258) : " وفيه عيسى بن مينا قالون، وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات "، وفي هذا نظر من وجهين:

الأول: أن عيسى بن مينا لم يوثقه غير ابن حبان، وقد قال فيه الذهبي: " أما في القراءة فثبت، وأما في الحديث فيكتب حديثه في الجملة، سئل عنه أحمد بن صالح المصري عن حديثه فضحك وقال: تكتبون عن كل أحد! ". قلت: ففي كلام أحمد بن صالح هذا إشارة إلى ضعف هذا الرجل إلى درجة أنه لا يكتب حديثه!

الثاني: أن أبا المثنى القاريء واسمه سليمان بن يزيد ضعيف كما قال الدارقطني وتبعه الحافظ في " التقريب ".

وقال أبو حاتم: " منكر الحديث ليس بالقوي ". وأما ابن حبان فأورده في " الثقات " (2 / 112) فهو عمدة الهيثمي في توثيقه.

لكن توثيق ابن حبان لا قيمة له لاسيما مع مخالفة من هو أعرف منه بالرجال كأبي حاتم والدارقطني، لاسيما وهو أعني ابن حبان قد تناقض، فإنه قد ذكره في " الضعفاء " أيضا فقال (3 / 151) : " يخالف الثقات في الروايات لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا للاعتبار ".

 

(2/183)

 

 

762 - " من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء ".

ضعيف.

رواه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 55) وابن ماجة (2 / 343) والدولابي (1 / 185) والعقيلي في " الضعفاء " (248) وابن بشران في " الأمالي " (169 / 2) وابن عدي (150 / 1) عن سعيد بن زكريا عن الزبير بن سعيد الهاشمي عن عبد الحميد بن سالم عن أبي هريرة مرفوعا. وقال العقيلي:

 

(2/183)

 

 

" وقال البخاري: عبد الحميد بن سالم لا يعرف له سماع من أبي هريرة ".

ثم قال العقيلي: " ليس له أصل عن ثقة ". وقال الذهبي: " ما حدث عنه غير الزبير ".

قلت: ومعنى هذا أن عبد الحميد مجهول، وقد صرح بهذا الحافظ في " التقريب "، وقال في " الزبير " هذا: " إنه لين الحديث ". والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق العقيلي وقال (3 / 215) : " لا يصح، قال يحيى: " الزبير ليس بشيء ... " ثم ذكر كلام العقيلي. قلت: ولم يتعقبه السيوطي في " اللآليء " إلا بأن له شاهدا. وسيأتي بيان ما فيه، وأما ابن عراق فقال في " تنزيه الشريعة " (384 / 1) : " ورأيت بخط الحافظ ابن حجر على هامش " تلخيص الموضوعات " ما نصه: الزبير بن سعيد لم يتهم بكذب فكيف يحكم على حديثه بالوضع؟! والله أعلم.

والحديث من طريقه أخرجه ابن ماجه في " سننه " والبيهقي، وله طريق آخر عن أبي هريرة. أخرجه أبو الشيخ في الثواب ". قلت: ساقه السيوطي في " اللآليء " (562) شاهدا، وذلك تساهل كبير فإن فيه وضاعا. ثم إن لفظه مغاير في بعض أطرافه وهو: " من شرب العسل ثلاثة أيام في كل شهر على الريق عوفي من الداء الأكبر، الفالج والجذام والبرص ".

763 - " من شرب العسل ثلاثة أيام في كل شهر على الريق عوفي من الداء الأكبر، الفالج والجذام والبرص ".

موضوع.

رواه أبو الشيخ في " الثواب " بسنده " عن علي بن عروة عن عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا موضوع، وآفته علي بن عروة قال ابن حبان (2 / 105) : " كان يضع الحديث على قلة روايته ".

وكذبه صالح جزرة وغيره. ومن العجائب أن السيوطي ثم ابن عراق أوردا هذا الحديث شاهدا للحديث الذي قبله مع أنه مما لا يخفى عليهما أن الحديث الشديد الضعف لا يصلح في الشواهد! فكأنهما لم يتنبها لحال ابن عروة هذا، وكذلك المناوي، فإنه قال: " إن السيوطي لم يتعقب ابن الجوزي إلا بأن له هذا الشاهد ".

ثم ساقه وسكت عليه. ولذلك رأيت أنه لابد من بيان حاله حتى لا يغتر بهم غافل.

 

(2/184)

 

 

764 - " إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده، فإنه خرج من الجنة ".

 

(2/184)

 

 

ضعيف.

رواه الترمذي (4 / 18) عن حنان عن أبي عثمان النهدي مرفوعا، وقال: " هذا حديث غريب حسن، ولا نعرف لحنان غير هذا الحديث، وأبو عثمان النهدي قد أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، ولم يسمع منه ".

قلت: وحنان في عداد المجهولين، فالحديث له علتان: الجهالة والإرسال، فهو ضعيف فتحسين الترمذي له مع استغرابه إياه مستغرب! ، والمناوي إنما نقل عنه الاستغراب فقط، وكذلك هو في نسخة بولاق من " الترمذي " (2 / 130) فلعله الصواب، والله أعلم.

(تنبيه) : ثم إنني أقول: قد يشكل على بعض القراء استغرابي المذكور، وجوابا عليه أقول: وجه ذلك أن جمع الترمذي بين لفظتي " غريب " و" حسن " إنما يعني في اصطلاحه أنه حسن لذاته بخلاف ما لو قال: " حديث حسن " فقط، دون لفظة " غريب " فإنه يعين أنه حسن لغيره، وبخلاف ما لو قال: " حديث غريب " فقط، فإنما يعني أن إسناده ضعيف ولذلك رجحت الاستغراب فقط، لأن الإرسال ينافي الحسن لذاته عند المحدثين، لاسيما إذا كان في الإسناد جهالة. فاحفظ هذا فإنه هام.

765 - " تذهب الأرضون كلها يوم القيامة إلا المساجد، فإنها تنضم بعضها إلى بعض ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " (21 / 1) : حدثنا علي بن سعيد: حدثنا نصار بن حرب: حدثنا أصرم بن حوشب الهمداني: حدثنا قرة بن خالد عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس مرفوعا. ورواه ابن عدي (27 / 2) من طريق آخر عن أصرم به. ثم قال بعد أن ساق له أحاديث أخرى: " وهذه الأحاديث بواطيل عن قرة بن خالد، لا يحدث بها عنه غير أصرم هذا ". قلت: قال فيه ابن معين: " كذاب خبيث " وقال ابن حبان (1 / 172) : " كان يضع الحديث على الثقات ". ولهذا أورده ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (235 / 1) من رواية ابن عدي عنه تبعا للسيوطي في " اللآليء " (2 / 17) مقرا لابن الجوزي على وضعه. وكذلك جزم بوضعه ابن القيم في كلامه المنقول في مخطوط (5485 / 114 / 2) . ومع هذا أورده السيوطي في " الجامع الصغير "!

 

(2/185)

 

 

766 - " أربع لا يشبعن من أربع: أرض من مطر، وأنثى من ذكر، وعين من نظر، وعالم من علم ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 281) ومن طريقه ابن الجوزي في

 

(2/185)

 

 

" الموضوعات " (1 / 234) عن محمد يعني ابن الفضل عن التيمي عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: " غريب، تفرد به محمد بن الفضل، وهو ابن عطية ". قلت: وهو كذاب كما قال الفلاس، وقال أحمد: " حديثه حديث أهل الكذب ".

وقال ابن حبان (2 / 274) : " كان يروي الموضوعات عن الأثبات ".

وله طريق أخرى، رواه العقيلي في " الضعفاء " (220) وكذا ابن حبان (2 / 26) عن محمد بن الحسن بن زبالة: حدثنا عبد الله بن محمد بن عجلان عن أبيه عن جده عن أبي هريرة، وقال العقيلي: " لا أصل له، عبد الله بن محمد بن عجلان منكر الحديث، لا يتابع على هذا الحديث ".

قلت: وقال ابن حبان: " لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب، وروى عن أبيه نسخة موضوعة ".

قلت: ومحمد بن الحسن بن زبالة كذاب أيضا، وقول السيوطي في " اللآليء " (1 / 210) : " محمد بن الفضل روى له الترمذي وابن ماجه، وابن زبالة روى له أبو داود "، فهو مما لا يساوي شيئا بعد تكذيب الأئمة لهما.

وروي الحديث عن عائشة، أخرجه ابن عدي (251 / 1) وابن حبان (2 / 143) وعبد الرحمن بن نصر الدمشقي في " الفوائد " (3 / 231 / 1) وابن عساكر (3 / 275 / 2، 13 / 195 / 1) وكذا الطبراني في " الأوسط " عن عبد السلام بن عبد القدوس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا.

وقال ابن عدي: " لا يرويه عن هشام غير عبد السلام، وهو بهذا الإسناد منكر، وعبد السلام عامة ما يرويه غير محفوظ ". وقال ابن حبان: " يروي الأشياء الموضوعة ".

ويبدو أنه قد توبع ولكن من كذاب مثله أو أكذب منه، فقد أورده الحافظ محمد بن طاهر المقدسي في " تذكرة الموضوعات " (ص 11) وقال: " فيه حسين بن علوان وعبد السلام بن عبد القدوس وهما ضعيفان ".

ونقل السيوطي عنه أنه قال في " تذكرة الحفاظ ": " رواه عن هشام بن حسين بن علوان الكوفي، وكان يضع الحديث، وعبد السلام هذا لعله سرقه منه فإنه بحسين أشهر ". قلت: وفيه ترجمة ابن علوان ساق الذهبي الحديث في جملة أحاديث له، ثم قال:

 

(2/186)

 

 

" وذكر له ابن حبان أحاديث من هذا النمط مما يعلم وضعه على هشام ". ولما ساق الذهبي هذا الحديث عقبه بقوله: " قلت: وكذاب من كذب! ". قلت: وأما السيوطي فلم يعلم وضعه لأنه أورده في الجامع الصغير " من رواية أبي نعيم عن أبي هريرة، وابن عدي والخطيب في " التاريخ " عن عائشة، وتعقبه المناوي بنحوما سبق منا، وأقره ابن الجوزي على ذكره في " الموضوعات "! وأما السيوطي فتعقب ابن الجوزي في " اللآليء " (1 / 210 - 211) بما لا طائل تحته وقد ذكرنا قريبا نموذجا من تعقبه.

وذكر أن الخرائطي رواه في " اعتلال القلوب " عن محمد بن كعب القرظي من قوله نحوه. وهذا مع أنه موقوف وفي سنده أبا معشر وهو ضعيف فإنه يدل على أن الحديث لا أصل له مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل أولئك الكذابين سرقوه ورفعوه إليه صلى الله عليه وسلم. والحديث أورده ابن القيم في " المنار " فقال (ص 48) : " ومما يعرف كون الحديث موضوعا ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها بحيث يمجها السمع ويسمج معناها الفطن ". ثم ساق أحاديث هذا أولها.

767 - " خلق الورد الأحمر من عرق جبريل ليلة المعراج، وخلق الورد الأبيض من عرقي، وخلق الورد الأصفر من عرق البراق ".

موضوع.

رواه ابن عساكر (4 / 236 / 1) عن الحسن بن عبد الواحد القزويني: أخبرنا هشام بن عمار: أخبرنا مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا.

قلت: وهذا حديث موضوع آفته القزويني هذا قال الذهبي: " روى في خلق الورد الأحمر خبرا كذبا، وهو غير معروف ". وقال ابن عساكر عقب الحديث: " قرأت بخط عبد العزيز الكتاني: قال لي أبو النجيب الأرموي: " هذا حديث موضوع، وضعه من لا علم له، وركبه على هذا الإسناد الصحيح ". وأقره الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان ".

 

(2/187)

 

 

768 - " إن أحسن الحسن الخلق الحسن ".

موضوع.

رواه أبو بكر الطريثيثي في " مسلسلاته " (1 / 2) والقضاعي (83 / 1) عن أبي العباس جعفر بن محمد المستغفري عن محمد بن زكريا الغلابي قال: أخبرنا الحسن عن الحسن عن الحسن بن أبي الحسن عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره قال أبو العباس:

 

(2/187)

 

 

" أما الحسن الأول فهو الحسن بن زياد.

والحسن الثاني فهو الحسن بن حسان. والحسن الثالث هو الحسن بن أبي الحسن البصري. والحسن الرابع هو الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ".

ومن طريق الطريثيثي رواه ابن الجوزي في " مسلسلاته " (الحديث 36) لكنه قال: " الحسن الأول هو الحسن بن حسان العبدي، والثاني ابن دينار ... ". والباقي مثله ولعله الصواب فقد ساقه من طريق أخرى عن محمد بن زكريا الغلابي قال: حدثنا الحسن بن حسان العبدي عن الحسن بن دينار عن الحسن البصري قال: قال الحسن بن علي بن طالب.

فذكره موقوفا عليه ثم قال: " هذا الحديث لا أصل له موقوفا، أنبأنا أبو زرعة بن محمد بن طاهر عن أبيه: هذا حديث مصنوع لا أصل له، والحسن بن دينار قد كذبه أحمد ويحيى، وإنما أراد التسلسل وتكلف من بعده هذه

القاعدة ". قلت: والغلابي يضع الحديث كما قال الدارقطني، وساق له الذهبي حديثا ثم عقب عليه بقوله: " فهذا كذب من الغلابي ". قلت: ومدار الحديث مرفوعا، وموقوفا عليه فهو موضوع على كل حال، وهو مما سود به السيوطي كتابه " الجامع الصغير " فقد أورده فيه من رواية المستغفري في " مسلسلاته " وابن عساكر عن الحسن بن علي. ولم يتعقبه المناوي إلا بأن فيه الحسن بن دينار أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " النسائي وغيره متروك ". وهذا تقصير منه فالغلابي مثل ابن دينار أو شر منه، لأن ابن دينار وإن كذب فلم ينسب للوضع.

769 - " من ذهب في حاجة أخيه المسلم فقضيت حاجته كتب له حجة وعمرة، وإن لم تقض كتبت له عمرة ".

موضوع.

رواه ابن عساكر في " التاريخ - ترجمة الحسن بن علي " من طريق البيهقي بسنده عن عمرو بن خالد الأسدي: أنبأنا أبو حمزة الثمالي عن علي بن الحسن قال: " خرج الحسن يطوف بالكعبة، فقام إليه رجل فقال: يا أبا محمد!

اذهب معي في حاجتي إلى فلان، فترك الطواف وذهب معه، فلما ذهب خرج إليه رجل حاسدا للرجل الذي ذهب معه، فقال: يا أبا محمد تركت الطواف وذهبت مع فلان إلى حاجته؟ قال: فقال له حسن: كيف لا أذهب معه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره: فاكتسبت حجة وعمرة، ورجعت إلى طوافي.

 

(2/188)

 

 

قلت: وهذا سند واه بمرة، أبو حمزة الثمالي ضعيف، واسمه ثابت ابن أبي صفية. وعمرو بن خالد الأسدي هو أبو يوسف ويقال: أبو حفص الأعشى قال ابن حبان (2 / 79) : " يروي عن الثقات الموضوعات، لا تحل الرواية عنه إلى على جهة الاعتبار ". وقال ابن عدي: " منكر الحديث ".

وساق له حديثا حكم بوضعه وأن البلاء منه. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي عن الحسن بن علي. وهو مما بيض له المناوي.

770 - " إذا كان عشية عرفة هبط الله عز وجل إلى السماء الدنيا فيطلع إلى أهل الموقف: مرحبا بزواري والوافدين إلى بيتي، وعزتي لأنزلن إليكم ولأساوي مجلسكم بنفسي، فينزل إلى عرفة فيعمهم بمغفرته ويعطيهم ما يسألون إلا المظالم، ويقول: يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت لهم، ولا يزال كذلك إلى أن تغيب الشمس، ويكون إمامهم إلى المزدلفة، ولا يعرج إلى السماء تلك الليلة، فإذا أشعر الصبح وقفوا عند المشعر الحرام غفر لهم حتى المظالم، ثم يرجع إلى السماء وينصرف الناس إلى منى ".

موضوع.

رواه ابن عساكر (4 / 240 / 1) عن أبي علي الأهوازي بسنده عن الحسن بن سعيد: أخبرنا أبو علي الحسين بن إسحاق الدقيقي: أخبرنا أبو زيد حماد بن دليل، عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة الباهلي مرفوعا. وقال: " هذا حديث منكر، وفي إسناده غير واحد من المجهولين ".

قلت: بل هو حديث موضوع، ولوائح الوضع عليه لائحة، ولعل آفته أبو علي الأهوازي، واسمه الحسن بن علي، وهو إن وثقه بعضهم، فقد قال الخطيب. " كذاب في الحديث وفي القراآت جميعا ".

وقال ابن عساكر عقب كلامه السابق: " وللأهوازي أمثاله في كتاب جمعه في " الصفات " سماه " كتاب البيان في شرح عقود أهل الإيمان "، أودعه أحاديث منكرة كحديث " إن الله تعالى لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل، فأجراها حتى عرقت، ثم خلق نفسه من ذلك العرق "! مما لا يجوز أن يروى ولا يحل أن يعتقد، وكان مذهبه مذهب السالمية يقول بالظاهر، ويتمسك بالأحاديث الضعيفة التي تقوي له رأيه (1) .

__________

(1) قلت: لعل ابن عساكر يعني بـ (رأيه) غلوه في إثبات الصفات كما يدل عليه هذا الحديث ونحوه مما اتهم بوضعه. وإلا فالتمسك بظاهر النصوص دون تأويل أو تعطيل هو مذهب السلف الصالح والأئمة الأربعة وغيرهم، لا يرغب عنه إلا كل هالك. ثم إن (السالمية) نسبة إلى أحمد بن محمد بن سالم الزاهد البصري شيخ السالمية، قال في " الشذرات " (3 / 36) : " كان له أحوال ومجاهدات، وعنه أخذ الأستاذ أبو طالب صاحب " القوت "، وقد خالف أصول السنة في مواضع، وبالغ في الإثبات في مواضع، وعمر دهرا وبقي إلى سنته بضع وخمسين وثلاثمائة ".

 

(2/189)

 

 

وحديث إجراء الخيل موضوع، وضعه بعض الزنادقة ليشنع على أصحاب الحديث في روايتهم المستحيل، فقبله بعض من لا عقل له ورواه، وهو مما يقطع ببطلانه شرعا وعقلا.

قلت: وهذا الحديث الباطل من وضع محمد بن شجاع الثلجي الحنفي كما صرح به علماء الحديث، وقد قال ابن عدي في ترجمته (376 / 1) : " كان يضع أحاديث في التشبيه ينسبه إلى أصحاب الحديث ليثلبهم به، روى عن حبان بن هلال - وهو ثقة - عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر حديث الخيل هذا، ثم قال: مع أحاديث كثيرة وضعها من هذا النحو، فلا يجب أن يشتغل به لأنه ليس من أهل الرواية. حمله التعصب على أن وضع أحاديث ليثلب أهل الأثر بذلك ".

قلت: وهذا الحديث الباطل هو أول حديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال (1 / 105) : " موضوع اتهم به محمد بن شجاع، ولا يضع مثل هذا مسلم ".

قال السيوطي (1 / 3) : " ولا عاقل ".

وقد أورده ابن الجوزي من طريق الحاكم: أنبأنا إسماعيل بن محمد الشعراني قال: أخبرت عن محمد بن شجاع الثلجي بإسناده الذي ذكره ابن عدي. وابن شجاع هذا اتفق أئمة الحديث على تركه، بل كذبه بعضهم كالساجي وغيره وعلمت آنفا اتهام ابن عدي له بالوضع. فمن عجائب تعصب الشيخ زاهد الكوثري على أهل الحديث انتصارا لأهل مذهبه أنه يبرئ ابن شجاع هذا من عهدة هذا الحديث ويتهم به حماد بن سلمة رحمه الله المتفق على جلالته وصدقه، والذي قال فيه بعضهم: " إذا رأيت الرجل يقع في حماد فاتهمه على الإسلام ".

انظر تعليقه على " السيف الصقيل " (ص 96 - 97) . وهو حين يبرئ ابن شجاع منه يحتج على ذلك بأن السند منقطع بينه وبين شيخ الحاكم: الشعراني، ثم سرعان ما يتناسى هذا حين يتهم به حماد بن سلمة مع أن الطريق هو هو! ثم هو يفتري على ابن عدي لأنه اتهم ابن شجاع هذا بوضع هذا الحديث وغيره فينسب إليه ما لم يقله فاسمع إليه حيث يقول في تعليقه على " تبيين كذب المفتري " لابن عساكر (ص 370) : " ومن غريب التعدي ما يقوله ابن عدي أنه (يعني ابن شجاع) كان يضع الأحاديث ويدسها في كتب أهل الحديث ليفضحهم فيرونها بسلامة باطن ". فإن قوله: " ويدسها في كتب أهل الحديث " ليس من كلام ابن عدي كما يظهر لك

 

(2/190)

 

 

بمقابلته بنص كلامه الذي نقلته آنفا من كتابه " الكامل ".

وغرضه من هذا الدس إقناع القاري بما زعمه من تعدي ابن عدي والرد عليه بقوله: " لأن ابن شجاع ما كان خادما ولا ربيبا عند راو من الرواة حتى يتصور أن يدس بين كتب أحدهم شيئا ... فإذا لم يبرهن الجارحة على كتب من دس ابن شجاع وماذا دس وكيف دس لا ينجيه من هذه الوقيعة إذا وقعت الواقعة كونه يرويها عن عامي (يعني ابن عدي) مثله ... فلعنة الله على الكاذبين ".

هذا مما علقه وهذى به حول ما نسبه لابن عدي من دس ابن شجاع في كتب الحديث، وإذا عرفت أن هذا مدسوس على ابن عدي فعلى من يعود دعاؤه " فلعنة الله على الكاذبين "؟

771 - " يبعث الله الأنبياء على الدواب، ويبعث صالحا على ناقته، كما يوافي بالمؤمنين من أصحابه المحشر، ويبعث بابني فاطمة: الحسن والحسين على ناقتين، وعلي بن أبي طالب على ناقتي، وأنا على البراق ويبعث بلالا على ناقة ينادي بالأذان وشاهده، حقا حقا، حتى إذا بلغ " أشهد أن محمدا رسول الله " شهدتها جميع الخلائق من المؤمنين الأولين والآخرين، فقبلت ممن قبلت منه ".

موضوع.

رواه الخطيب في " التاريخ " (3 / 140 - 141) وعنه ابن عساكر (3 / 231 / 1 - 2) عن محمد بن عائذ: حدثنا علي بن داود القنطري: حدثنا عبد الله بن صالح: حدثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف وله علل:

الأولى: عنعنة ابن جريج، فإنه مدلس.

الثانية: ضعف عبد الله بن صالح.

الثالثة: جهالة محمد بن عائذ وهو ابن الحسين بن مهدي الخلال وفي ترجمته ساق له الخطيب هذا الحديث ولم يذكر فيها غير ذلك! والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق الخطيب وقال (3 / 246) : " موضوع.

عبد الله بن صالح كاتب الليث منكر الحديث جدا كان له جار يضع الحديث على شيخ عبد الله، ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله ويرميه في داره بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به ".

وتعقبه السيوطي في " اللآلي " (2 / 446) بأن له طريقا آخر، أخرجه الحاكم في " المستدرك " (3 / 152) من طريق أبي مسلم قائد الأعمش: حدثنا الأعمش عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا وقال الحاكم:

 

(2/191)

 

 

" صحيح على شرط مسلم ". ورده الذهبي فقال: " أبو مسلم لم يخرجوا له، قال البخاري: فيه نظر. وقال غيره: متروك ". وتعقبه أيضا بأن له شواهد من حديث بريدة، وعلي، وأنس. قلت: لكن كلها من رواية الكذابين فلا يستشهد بها، ولا يخرج الحديث عن كونه موضوعا، لاسيما ولوائح الوضع عليه ظاهرة.

772 - " يبعث الله ناقة صالح فيشرب من لبنها هو ومن آمن به من قومه، ولي حوض كما بين عدن إلى عمان، أكوابه عدد نجوم السماء، فيستسقي الأنبياء، ويبعث الله صالحا على ناقته، قال معاذ بن جبل: يا رسول الله وأنت على العضباء؟ [قال: أنا] على البراق، يخصني الله به من الأنبياء، وفاطمة ابنتي على العضباء، ويؤتى بلال على ناقة من نوق الجنة فيركبها، وينادي بالأذان فيصدقه من سمعه من المؤمنين حتى يوافي المحشر، ويوتى بلال بحلتين من حلل الجنة فيكساهما، فأول من يكسى من المسلمين بلال، وصالح المؤمنين بعد ".

موضوع.

رواه ابن عساكر (3 / 231 / 2) عن محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا. قلت: ومحمد بن الفضل كذاب. ثم رواه ابن عساكر من طريق سلام بن سليم: حدثنا خليفة بن عثمان عمن حدثه عن مكحول عن كثير بن مرة الحضرمي مرفوعا. وهذا إسناد تالف، وله علل:

الأولى: الإرسال، فإن الحضرمي هذا تابعي، ووهم من عده من الصحابة كما في " التقريب ".

الثانية: جهالة الراوي عن مكحول، فإنه لم يسم.

الثالثة: خليفة بن عثمان هذا لم أعرفه. الرابعة: سلام بن سليم وهو المدائني الطويل متهم بالكذب والوضع، فهو آفة الحديث.

 

(2/192)

 

 

773 - " إذا كان يوم القيامة حملت على البراق، وحملت فاطمة على ناقة العضباء، وحمل بلال على ناقة من نوق الجنة، وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر إلى آخر الأذان، يسمع الخلائق ".

 

(2/192)

 

 

موضوع.

رواه ابن عساكر (3 / 231 / 2) عن إسحاق بن محمد الفروي: حدثنا عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف جدا، عيسى هذا قال الدارقطني: " متروك ". وقال ابن حبان (2 / 119) : " يروي عن آبائه أشياء موضوعة ". ذكره الذهبي وساق له أحاديث هذا أحدها وقال: " هذا لعله موضوع ". وأقره الحافظ في " اللسان ". وإسحاق الفروي صدوق، كف فساء حفظه. ثم إن الإسناد معضل على ما وقع في " التاريخ " وكذلك نقله السيوطي في " اللآليء " (2 / 447) مع اختلاف يسير في السند، لكن الظاهر أنه موصول، فقد ذكره في " الميزان " من طريق الفروي، وفيه بعد قوله عن جده: " عن أبيه عمر بن علي عن علي مرفوعا ".

774 - " يحشر المؤذنون يوم القيامة على نوق من نوق الجنة يقدمهم بلال، رافعي أصواتهم بالأذان ينظر إليهم الجمع، فيقال: من هؤلاء؟ فيقال: مؤذنوأمة محمد صلى الله عليه وسلم، يخاف الناس ولا يخافون، ويحزن الناس ولا يحزنون ".

موضوع.

رواه الخطيب (13 / 38) وعنه ابن عساكر (3 / 232 / 1 - 2) عن موسى بن إبراهيم المروزي: حدثنا داود بن الزبرقان عن محمد بن جحادة عن أنس مرفوعا.

قلت: هذا موضوع آفته إما داود، وإما موسى المروزي وكلاهما كذاب، والكذب في الثاني أكثر.

 

(2/193)

 

 

775 - " يجيء بلال يوم القيامة على راحلة رحلها ذهب وزمامها در وياقوت، يتبعه المؤذنون حتى يدخلهم الجنة، حتى إنه ليدخل من أذن أربعين يوما يطلب بذلك وجه الله ".

موضوع.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 90) من طريق الدارقطني عن أبي الوليد المخزومي: حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال: " قال الدارقطني: تفرد به أبو الوليد خالد بن إسماعيل قال ابن عدي: كان يضع الحديث على الثقات ". وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 13) . قلت: ومن طريقه رواه ابن عساكر (3 / 232 / 1) مختصرا ومطولا.

 

(2/193)

 

 

776 - " صلوا قراباتكم ولا تجاوروهم، فإن الجوار يورث بينكم الضغائن ".

موضوع.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (149) والديلمي (2 / 247) عن داود بن المحبر قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن عبد الجبار القرشي عن سعيد بن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه عن جده مرفوعا وقال العقيلي: " حديث منكر لا

يحفظ إلا من هذا الشيخ، ولا أصل له ". يعني سعيد بن أبي بكر هذا، وقال فيه: " حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا بهذا، وعبد الله بن عبد الجبار مجهول ".

قلت: وداود بن المحبر هو صاحب " كتاب العقل " وأكثر أحاديثه موضوعات كما قال الحافظ، فلعله آفة الحديث، وقد أشار لهذا الذهبي فقال في ترجمة سعيد هذا وقد ذكر له هذا الحديث: " حديث منكر، والآفة ممن بعده ".

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 88) من رواية العقيلي هذه، وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 298) وأيده بكلام الذهبي السابق، فاعجب منه بعد هذا كيف أورد الحديث في " الجامع الصغير " من رواية العقيلي أيضا! وتعقبه المناوي بنحوما ذكرنا وأنهى كلامه بقوله: " ولهذا حكم ابن الجوزي على الحديث بالوضع ".

وأقره المناوي. وكأنه خفي عليه إقرار السيوطي أيضا له.

 

(2/194)

 

 

777 - " ما أذنب عبد ذنبا فساءه إلا غفر الله له، وإن لم يستغفر منه ".

موضوع.

رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (114 / 1) وابن حبان في " الضعفاء " (1 / 180) عن بشر بن إبراهيم أبي سعيد القرشي (الأصل القزويني وهو تصحيف) : أخبرنا الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عائشة مرفوعا.

ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر (3 / 154 / 2) . وهذا موضوع. وآفته بشر هذا قال الذهبي: " قال العقيلي: " روى عن الأوزاعي أحاديث موضوعة لا يتابع عليها ". وقال ابن عدي: " هو عندي ممن يضع الحديث ". وقال ابن حبان: " كان يضع الحديث على الثقات ". فمن مصائبه ... ". ثم ذكر له أحاديث هذا منها.

وللحديث طريق أخرى بلفظ " ما علم الله من عبد ندامة ... " مضى برقم (323) .

 

(2/194)

 

 

778 - " لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، كما لا تصلح الرياضة إلا في نجيب ".

ضعيف جدا.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (468) وابن الأعرابي في معجمه (32 / 1) والخطيب في " التاريخ " (14 / 164) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (291 / 1) وأبو الخطاب نصر القاري في " حديث أبي بكر بن طلحة " (163 / 1) وابن عساكر (4 / 295 / 2) عن يحيى بن هاشم السمسار: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. وقال العقيلي: " السمسار كان يضع الحديث على الثقات، ولا يصح في هذا شيء ". قلت: ولهذا أورد الحديث ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 167) من طريق الخطيب وحكى كلام العقيلي الذي نقلته آنفا.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 82) ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (265 / 2) بأن السمسار لم يتفرد به بل له متابعون: عبيد بن القاسم والمسيب بن شريك وأبو المطرف المغيرة بن المطرف، وبأن له شاهدا عند الطبراني. قلت: أما عبيد بن القاسم فهو كذاب يضع الحديث كما قال صالح جزرة وأبو داود، ومثله قول ابن حبان (2 / 165) : " روى عن هشام بن عروة نسخة موضوعة، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ". فلا قيمة لمتابعته. وروايته عند البزار وكذا القضاعي (74 / 1) .

وأما المسيب بن شريك فضعيف جدا قال البخاري: " سكتوا عنه " وقال مسلم وجماعة: " متروك ". فلا يعتد بمتابعته أيضا وروايته عند ابن عدي كما ذكر في " اللآلي " والبيهقي في " الشعب " كما في تنزيه الشريعة وقال البيهقي: " حديث ضعيف، ورواه جماعة من الضعفاء عن هشام، ويقال إنه من قول عروة ".

قلت: وهذا هو الأشبه أنه من قول عروة بن الزبير، فقد رواه كذلك الخطيب (13 / 139) من طريق علي بن المديني قال: " المسيب بن شريك كتبت عنه كتابا كثيرا، ولم أترك عندي عنه إلا ثلاثة أحاديث: حدثنا المسيب عن هشام عن أبيه قال: لا تكون الصنيعة.... إلخ ".

وأما أبو المطرف المغيرة بن المطرف فلم أعرفه، والطريق إليه لا يصح، فقال السيوطي: " وقال ابن لال: حدثنا عبد الله بن أوس: حدثنا إبراهيم بن سعيد الشاهيني: حدثنا محمد بن عباد بن موسى العكلي: حدثنا أبو المطرف المغيرة بن المطرف عن هشام به ". قلت: وهذا سند مظلم لم أعرف أحدا ممن دون هشام غير العكلي هذا، ولم يحمد ابن معين أمره، وقال ابن عقده: " في أمره نظر ".

 

(2/195)

 

 

ورواه ابن عدي (97 / 2) من طريق حسين بن المبارك الطبراني حدثنا إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة به. وقال: " منكر المتن، والبلاء فيه من الحسين هذا، وأحاديثه مناكير ". وأما الشاهد الذي سبقت الإشارة إليه من رواية الطبراني فهو: " إن المعروف لا يصلح إلا لذي دين، أولذي حسب، أولذي حلم ".

779 - " إن المعروف لا يصلح إلا لذي دين، أولذي حسب، أولذي حلم ".

ضعيف جدا.

رواه ابن عساكر (3 / 111 / 1) عن سليمان بن سلمة الحمصي: حدثنا منيع بن السري الحوازي: حدثنا عبد الله بن حميد المزني عن مريج بن مسروق الهو زني عن أبي زكريا عن أبي أمامة مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ساقط من دون أبي زكريا لم أعرفهم غير سليمان بن سلمة الحمصي وهو متهم بالكذب وهو الخبائري. وأما أبو زكريا فقد ترجمه ابن عساكر وسماه إياس بن زيد الخزاعي والد عبد الله بن أبي زكريا وقال: أدرك عمر بن الخطاب، وروى أن عمر وصفه بالرجل الصالح. والحديث أشار إليه السيوطي في " اللآليء " (2 / 82) على أنه شاهد للحديث الذي قبله. ولا يجوز عندي الاستشهاد به لشدة ضعفه، كما قرره العلماء في " المصطلح " منهم السيوطي نفسه في " تدريب الراوي " وأورده في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني وابن عساكر، فكشف المناوي عن حال إسناده فقال: " قال الهيثمي: فيه عند الطبراني سليمان بن سلمة الخبائري وهو متروك انتهى (1) . فكان ينبغي للمصنف الإشارة لضعفه، واستيعاب مخرجيه إشارة إلى اكتسابه بعض القوة، إذ منهم البيهقي، رواه باللفظ المزبور عن أبي أمامة وقال: في إسناده من يجهل ".

قلت: كثرة المخرجين للحديث لا تعطيه قوة إذا انتهت أسانيدهم إلى طريق واحدة، فقد رأيت أن إسناد الطبراني يدور على الخبائري الذي في طريق ابن

عساكر، والظاهر أن إسناد البيهقي ينتهي إليه أيضا بدليل قوله: " في إسناده من يجهل "، فإنهم فوق الخبائري عند ابن عساكر كما رأيت، وإن كان يحتمل أن يقال: إنه ليس بحتم أن يكون فيه الخبائري هذا، ولكنه عندي بعيد. والله أعلم.

__________

(1) مجمع الزوائد (8 / 183) . اهـ.

 

(2/196)

 

 

780 - " من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له: اللهم أنت حي لا تموت، وخالق لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع لا تشك، وصادق لا تكذب ... (الحديث وفيه!) والذي بعثني بالحق لودعي

 

(2/196)

 

 

بهذه الدعوات والأسماء على صفائح الحديد لذابت، ولودعا بها على ماء جار لسكن، ومن بلغ إليه الجوع والعطش ثم دعا ربه أطعمه الله وسقاه، ولوأن بينه وبين موضع يريده جبل لانشعب له الجبل حتى يسلكه إلى الموضع، ولودعي على مجنون لأفاق، ولودعا على امرأة قد عسر عليها ولدها لهو ن عليها ولدها. (الحديث وفيه) ومن قام ودعا فإن مات شهيدا، وإن عمل الكبائر، وغفر لأهل بيته، ومن دعا بها قضى الله له ألف ألف حاجة ".

موضوع.

رواه ابن عساكر (3 / 97 / 1 - 2) وابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 175) عن أحمد بن عبد الله النيسابوري عن شقيق بن إبراهيم البلخي عن إبراهيم بن أدهم عن موسى بن يزيد عن أو يس القرني عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب مرفوعا.

ومن هذا الوجه رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 175 - 177) وقال: " موضوع، أحمد بن عبد الله النيسابوري هو الجويباري، ورواه الحسين بن داود البلخي عن شقيق، ورواه سليمان بن عيسى عن سفيان الثوري

عن إبراهيم بن أدهم، والجويباري والحسين وسليمان وضاعون، والله أعلم أيهم وضعه أولا وسرقه منه الآخران وبدلا وغيرا، وقد روي من طريق مظلم فيه مجاهيل وفيه زيادات ونقصان ".

ورواية الحسين البلخي وسليمان بن عيسى أخرجها أبو نعيم في الحلية " (8 / 55 - 56) ومن طريقه وطريق ابن النجار أورده السيوطي في " اللآليء " (2 / 350 - 352) وأقر ابن الجوزي على قوله: " موضوع.

وفي متنه كلمات ركيكة، يتنزه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثلها ".

781 - " أربع لا يصبن إلا بعجب: الصمت - وهو أول العبادة -، والتواضع، وذكر الله، وقلة الشيء ".

موضوع.

رواه ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 185) والطبراني (1 / 65 / 2) وابن عدي في " الكامل " (81 / 1) وأبو طاهر الزيادي في " ثلاثة مجالس " (193 / 1) والحاكم في " المستدرك " (4 / 311) وتمام في " الفوائد " (153 / 2، 267 / 1) عن العوام بن جويرية عن الحسن عن أنس بن مالك مرفوعا.

وقال ابن عدي: " الأصل فيه موقوف من قول أنس ". قلت: وعلة المرفوع ابن جويرية هذا، قال ابن حبان:

 

(2/197)

 

 

" كان يروي الموضوعات عن الثقات ". ثم ساق له هذا الحديث هو والذهبي ثم قال هذا: " قلت: والعجب أن الحاكم أخرجه في (المستدرك) ".

قلت: ورد عليه في " تلخيص المستدرك " أيضا بقول ابن حبان المذكور. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية ابن عدي وقال (3 / 135) : " لا يصح، العوام يروي الموضوعات عن الثقات، وكان يأتي بالشيء على التوهم لا التعمد، فلا يحتج به ". ولم يتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 319 - 320

) إلا بأن الحاكم أخرجه في " المستدرك " والبيهقي في " الشعب " من هذا الوجه!

وهذا تعقب لا طائل تحته كما هو بين، فمن العجيب أن يورد السيوطي الحديث في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني والحاكم والبيهقي! فتعقبه المناوي بما خلاصته: " سكت المصنف عليه فأوهم أنه لا علة فيه، وهو اغترار بقول الحاكم " صحيح ".

وغفل عن تشنيع الذهبي في " التلخيص " والمنذري والحافظ العراقي عليه بأن فيه العوام بن جويرية ". ثم ذكر كلام ابن حبان فيه، وتعجب الذهبي من إخراج الحاكم للحديث. ثم قال: " ومن ثم أورده ابن الجوزي في " الموضوعات ". وتعقبه المصنف فلم يأت بطائل كعادته! ".

قلت: وجزم ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 114) بأنه موقوف على الحسن أو أنس.

782 - " المتعبد بلا فقه كالحمار في الطاحونة ".

موضوع.

رواه ابن عدي (345 / 1) عن محمد بن رزق الله الكلوذاني: حدثنا نعيم بن حماد: حدثنا بقية عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن واثلة بن الأسقع مرفوعا. وقال: " وهذا حديث لا أعلم رواه عن بقية غير نعيم ". قلت

: قد تابعه محمد بن إبراهيم: حدثنا بقية به.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 219) وقال: " لم نكتبه إلا من حديث بقية ".

قلت: وبقية مدلس وقد عنعنه، وكان يدلس عن الثقات ما أخذه عن مثل مجاشع بن عمرو وعمر بن موسى الوجيهي وغيرهما من الكذابين والوضاعين كما قال ابن حبان، فهو آفة هذا الحديث عندي، وأما ابن الجوزي فقد أورده في " الموضوعات " فأصاب، لكنه أعله بمحمد بن إبراهيم هذا - وهو الشامي فقال (1 / 262) : " لا يصح، والمتهم به محمد بن إبراهيم، قال ابن حبان: كان يضع الحديث، لا يحل الاحتجاج به ".

 

(2/198)

 

 

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 219) بمتابعة نعيم بن حماد. أخرجه الطيالسي (1) في " ترغيبه ".

وفاته أن ابن عدي أخرجه أيضا من طريقه كما ذكرنا، ونعيم ضعيف، لكن الآفة من تدليس بقية كما بينت، وإنما لم يعله به ابن الجوزي لأنه إنما وقع الحديث عنده من رواية أبي نعيم عن الشامي هذا، وهو وضاع، فاقتصر عليه، وإلا لووقعت له متابعة نعيم بن حماد هذه لأعله إن شاء الله بالتدليس المذكور، والله أعلم.

ومن عجائب السيوطي أنه أورد الحديث في " الجامع الصغير " من رواية أبي نعيم التي فيها ذاك الوضاع، وأعرض عن رواية ابن عدي والطيالسي التي ليس فيها هذا الوضاع! .

783 - " تناصحوا في العلم، فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله، وإن الله عز وجل مسائلكم يوم القيامة ".

موضوع.

رواه الطبراني (3 / 132 / 2) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة قالا: أخبرنا عبيد بن يعيش: أخبرنا مصعب بن سلام عن أبي سعد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أبي سعد هذا، وقد جزم السيوطي في " اللآلي " (1 / 207 - 208) بأنه سعيد بن المرزبان البقال، قال: " وهو صدوق مدلس ". سبقه إلى ذلك الحافظ المنذري (1 / 75) والهيثمي في " المجمع " (1 / 141) ، وليس به بل هو عبد القدوس ابن حبيب أبو سعيد الكلاعي، ومن الحجة على ذلك:

1 - أن الحديث من رواية

الطبراني عن الحضرمي (وهو مطين) ومحمد بن أبي شيبة معا، وقد روى الخطيب (3 / 43) قصة الخلاف بينهما في هذا السند، وخلاصة ذلك أن مطينا قال فيه: " عن أبي سعد " يريد البقال. وقال ابن أبي شيبة: " عن أبي سعيد " يريد عبد القدوس بن حبيب.

وحكى الخطيب عن أبي نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي أن الصواب رواية ابن أبي شيبة، لأن أبا نعيم هذا سمع الحديث من مطين بهذا السند قال فيه: " أبي سعيد ".

قال أبو نعيم: " وهذا سماعي من مطين قديما، ثم سمعت منه

هذا الحديث بعد ذلك بعشرين سنة في " فوائد الحاج " قال: حدثنا عبيد بن يعيش: حدثنا مصعب بن سلام عن أبي سعد. قال أبو جعفر الحضرمي: يعني عبد القدوس بن حبيب الدمشقي عن عكرمة عن ابن عباس. كأن الحضرمي ينبه بذلك، وقال: " يعني عبد القدوس ". ولم يقل " عن أبي سعيد "، وقال: " عن أبي سعد، فأقر سعدا على حاله ولم يقر الاسم ". فهذا يدل على رجوع مطين إلى أن راوي الحديث عن عكرمة هو عبد القدوس هذا وإن أصر

__________

(1) ليس هو أبا داود الطيالسي صاحب " المسند "، فإنه متأخر عنه. اهـ.

 

(2/199)

 

 

على تكنيته بأبي سعد، وإنما هي أبو سعيد، كما رواه الخطيب عن ابن أبي شيبة عن شيخيه إبراهيم بن محمد بن ميمون وعمار بن رجاء عن عبيد بن يعيش. وتابعهما أبو العباس أحمد بن إسحاق الخشاب المصري عند مشرق بن عبد الله الحنفي في " حديثه " (61 / 1) .

وتابعهم القاسم بن محمد بن حماد الدلال في " أمالي أبي جعفر الطوسي " (ص 79) أربعتهم قالوا: " أبي سعيد " وهو عبد القدوس ويؤيده. 2 - أن الخطيب رواه (6 / 356 - 357، 389) وابن عساكر (2 / 399 / 1) عن إسحاق بن أبي إسرائيل عن عامر بن سيار كلاهما:

أخبرنا عبد القدوس بن حبيب عن عكرمة به. فهذا كله يبين أن راوي الحديث عن عكرمة هو عبد القدوس هذا وكنيته أبو سعيد كما سبق في رواية ابن أبي شيبة عند الخطيب ومشرق عن غيره. وعليه فقول الطبراني من رواية ابن أبي شيبة والحضرمي: " أبي سعد " تأوله بعضهم على أنه حمل رواية ابن أبي شيبة على رواية الحضرمي، ولوعكس لأصاب! وإذا عرفت أن الراوي هو عبد القدوس بن حبيب الكلاعي يتبين لك أن السند واه بمرة، لأن الكلاعي هذا قال فيه ابن المبارك: " كذاب ".

وصرح ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 126) بأنه: " كان يضع الحديث ". ولذلك أورد ابن الجوزي الحديث من رواية الخطيب عن إسحاق عن الكلاعي في " الموضوعات " وقال (1 / 232) : " تفرد به عبد القدوس وكان يضع على الثقات. قاله ابن حبان ".

وتعقبه السيوطي بأمرين:

أولا: برواية الطبراني عن أبي سعد. بناء على أن أبا سعد هو سعيد بن المرزبان البقال! وقد عرفت أنه وهم، وأن الصواب أنه الكلاعي هذا الكذاب.

وثانيا: وبما أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 20) : حدثنا الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي: حدثنا علي بن عبد الحميد الغضائري: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا الحسن زياد عن يحيى بن سعيد الحمصي عن إبراهيم بن مختار (الأصل: محمد) عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا.

وقال السيوطي: " إبراهيم روى له الترمذي وابن ماجة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال أبو داود: لا بأس به. وقال ابن معين: ليس بذاك، ويحيى بن سعيد صاحب حديث، وله رحلات، قال ابن مصفى: ثقة، وضعفه ابن معين، وغيره ".

 

(2/200)

 

 

قلت: وفي " التقريب ": " إبراهيم بن المختار صدوق ضعيف الحفظ، ويحيى بن سعيد ضعيف ". قلت: واتهمه ابن حبان فقال: " يروي الموضوعات عن الأثبات ". ثم إن السيوطي قد أبعد النجعة، فإن آفة الحديث، إنما هو الحسن بن زياد وهو اللؤلؤي، فقد قال أبو داود والفسوي والعقيلي والساجي: " كذاب ". وضعفه الآخرون. وللحديث علة أخرى وهي الانقطاع، فقد قال شعبة وغيره: إن الضحاك (وهو ابن مزاحم الهلالي) ما رأى ابن عباس قط.

784 - " قريش خالصة الله، فمن نصب لها حربا، أو فمن حاربها سلب، ومن أرادها بسوء خزي في الدنيا والآخرة ".

موضوع.

رواه ابن عساكر (2 / 398 / 2) عن أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى السلمي: أنبأنا جعفر بن محمد بن الحارث المراغي: أخبرنا أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب الدمشقي: أخبرنا أحمد بن أنس بن مالك الدمشقي: أخبرنا إسحاق بن سعيد بن الأركون عن أبي مسلم سلمة بن العيار عن عبد الله بن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عمرو بن العاص مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد تالف: مشرح مختلف فيه، ولا أدري إذا كان سمع من عمرو بن العاص أولا؟ والأقرب الثاني فإن بين وفاتيهما نحوثمانين سنة! وعبد الله بن لهيعة ضعيف. وإسحاق بن سعيد بن

الأركون قال الدارقطني: " منكر الحديث ". وقال أبو حاتم: " ليس بثقة ". وأحمد بن أنس لم أجد له ترجمة وهو من شرط ابن عساكر في " تاريخه " فيراجع فإن نسختنا منه ناقصة. وإسحاق بن يعقوب الدمشقي في ترجمته ساق ابن عساكر هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وجعفر بن محمد بن الحارث المراغي لم أعرفه. وأبو عبد الرحمن السلمي هو الصوفي المشهور قال الذهبي: " تكلموا فيه وليس بعمدة. قال الخطيب: " قال لي محمد بن يوسف القطان: كان يضع الحديث

للصوفية ". قال الذهبي: وفي القلب مما ينفرد به ".

 

(2/201)

 

 

قلت: أفلا يعجب القاريء الكريم معي من الحافظ السيوطي كيف أورد هذا الحديث المظلم في كتابه " الجامع الصغير " من رواية ابن عساكر هذه التالفة؟! وأما المناوي فقد بيض له ولم يتكلم عليه بشيء! وفي فضل قريش من الأحاديث الصحيحة ما يغنيهم عن مثل هذا الحديث الباطل كقوله صلى الله عليه وسلم: " الناس تبع لقريش في هذا الشأن "، وقوله: " الأئمة من قريش " وهو حديث متواتر، كما قال الحافظ ابن حجر: فيما نقله الشيخ علي القاري في " شرح النخبة ".

785 - " لوأن بكاء داود وبكاء جميع أهل الأرض يعدل ببكاء آدم ما عدله ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 257) وابن عساكر (2 / 318 / 1) من طريق الطبراني: أخبرنا أحمد بن يحيى بن خالد الرقي: أخبرنا يحيى بن سليمان الجعفي: أخبرنا أحمد بن بشر الهمداني: أخبرنا مسعر بن كدام عن علقمة

بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه يرفعه. وعزاه الهيثمي في " المجمع " (8 / 198) للطبراني في " الأوسط " وقال: " ورجاله ثقات ". وأقره المناوي في " الفيض ". وفيه نظر فإن أحمد بن بشر (1) هذا أورده الحافظ في " اللسان " وقال: " مجهول، قاله مسلمة في (الصلة) ".

قلت: وقد خالفه محمد بن بشر العبدي وهو ثقة حافظ فأوقفه على ابن بريدة، أخرجه ابن عساكر وقال: " قال ابن عدي ولم يذكر فيه بريدة، ولا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الرواية أصح ".

قلت: وكذلك رواه موقوفا أحمد في " الزهد " (ص 47) من طريق المسعودي عن علقمة ابن مرثد قال: فذكره موقوفا عليه.

وكذلك رواه ابن أبي الدنيا في " الرقة " (137 / 1) عن مسعر عمن حدثه عن ابن سابط موقوفا عليه. وهذا هو الصواب موقوف، ورفعه منكر، بل هو عندي باطل موضوع، لأنه لا يشبه كلام النبوة لما فيه من المبالغة، فالظاهر أنه من الإسرائيليات السمجة التي دست في كتب أهل الكتاب مر القرون، ثم أخطأ بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو منه بريء! والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن عساكر هذه. وتعقبه المناوي بأنه رواه الطبراني أيضا والديلمي فاقتصاره على ابن عساكر غير جيد.

__________

(1) في " اللسان ": " بشير ". اهـ.

 

(2/202)

 

 

قلت: لاسيما وهو عند ابن عساكر من طريق الطبراني كما رأيت. ثم نقل المناوي كلام الهيثمي المتقدم في توثيق رجال الإسناد وسكت عليه! وفيه ما علمت من الجهالة والوقف والنكارة. والله ولي التوفيق.

786 - " دعاء الوالد لولده مثل دعاء النبي لأمته ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 185) عن إبراهيم بن معمر: حدثنا أبو أيوب بن أخي زبريق بن الحمصي: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي: حدثنا خلف بن حبيب الرقاشي: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا. أورده في ترجمة إبراهيم هذا وكنيته أبو إسحاق الجوزجاني، روى عنه جماعة ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك صنع الحافظ ابن عساكر (2 / 275 / 2) .

وأبو أيوب هذا لم أعرفه ولم يورده الدولابي في " الكنى " وكذا لم أعرف خلف بن حبيب الرقاشي، وأخشى أن يكون وقع في السند تحريف، وأنه تحريف قديم من بعض رواة " أخبار أصبهان "، فإن الإسناد هو في " تاريخ ابن عساكر "، من طريق أبي نعيم كما ذكرته عن أبي نعيم. أما الحامل على الخشية المذكورة فهو أنني رأيت ابن قدامة ذكر في " المنتخب " (11 / 214 / 2) :

" قال إسحاق بن إبراهيم (هو ابن هانئ) : عرضت على أبي عبد الله: يحيى بن سعيد عن سعد أبي حبيب عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا به؟ فقال: حديث باطل منكر، وسمعته يقول: سعد أبو حبيب ليس بشيء ". ثم رأيته في " مسائل ابن هاني " (ص 156 مخطوطة المكتب الإسلامي) (1) فصواب الإسناد إذن " سعد أبي حبيب عن يزيد الرقاشي " وهكذا وقع في " اللآلي " (2 / 295) . ويؤيده ما في " الميزان ": " سعد أبو حبيب عن يزيد الرقاشي، قال أحمد: ليس حديثه بشيء ". وقد سقطت هذه الترجمة من " لسان الميزان " للحافظ ابن حجر، مع أنها ليست في كتاب " تهذيب التهذيب " له.

ثم إن الحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 87) مستندا على حكم الإمام أحمد عليه بالبطلان كما سبق، وأقره السيوطي في " اللآلي " ثم تناقض، فأورده في " الجامع الصغير " من رواية الديلمي عن أنس! وتعقبه المناوي بقوله:

__________

(1) وقد قام الأخ زهير الشاويش بطبعه، ثم حالت الحرب القائمة في لبنان دون نشره. فرج الله عن عباده. اهـ.

 

(2/203)

 

 

" ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه أورده الديلمي مصرحا، فلو عزاه المصنف للأصل لكان أحسن، قال الزين العراقي في شرح " الترمذي ": " هذا حديث منكر ". وحكم ابن الجوزي بوضعه، وقال: قال أحمد: هذا حديث باطل منكر. وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات ".

787 - " العباس وصيي ووارثي ".

موضوع.

رواه الخطيب (13 / 137) وابن عساكر (2 / 306 / 2) من طريقين عن جعفر بن عبد الواحد قال: أخبرنا سعيد بن سلم الباهلي عن المسيب بن زهير بن المسيب عن المنصور أبي جعفر عن أبيه عن جده مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع آفته جعفر هذا قال الدارقطني: " يضع الحديث ". وقال أبو زرعة: " روى أحاديث لا أصل لها ". وسعيد بن سلم الباهلي لم أعرفه. ثم وجدته في " تاريخ بغداد " (9 / 74 - 75) وذكر أنه كان عالما بالحديث والعربية ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ووقع في " تاريخ ابن عساكر " " سعيد بن سلام " وهو تصحيف. والمسيب بن زهير مجهول الحال لم أجد له ترجمة إلا في " التاريخ " للخطيب، وساق له هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية الخطيب هذه ومن رواية ابن حبان عن محمد بن الضوء بن الصلصال بن الدلهمس عن أبيه عن جده مرفوعا به، وقال (2 / 31) : " موضوع، جعفر كذاب يضع، ومحمد بن الضوء يروي عن أبيه المناكير ". وأقره السيوطي في " اللآليء " (1 / 429 - 430) ، ومع ذلك فقد أورده في " الجامع الصغير " من رواية الخطيب فما أكثر تناقضه! ومحمد بن الضوء هذا له ترجمة في " الضعفاء " لابن حبان (2 / 303 - 304) وقال " روى عن أبيه المناكير ". ثم ساق له الحديث. وترجمه الخطيب في " تاريخ بغداد " (5 / 374 - 376) وقال فيه: " ليس بمحل لأن يؤخذ عنه العلم لأنه كان كذابا، وكان أحد المتهتكين المشتهرين بشرب الخمور، والمجاهرة بالفجور ". وقال الجوزقاني في " الموضوعات ": " محمد بن الضوء كذاب ".

 

(2/204)

 

 

788 - " آخر ما تكلم به إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل ".

 

(2/204)

 

 

موضوع.

رواه أبو القاسم الحرفي في " الفوائد " (2 / 2) والخطيب (9 / 118) وابن عساكر (2 / 164 / 1) عن سلام بن سليمان: حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.

وقال الخطيب والحرفي: " هذا حديث غريب من رواية أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة مسندا، لا أعلم رواه غير سلام بن سليمان عن إسرائيل، والمحفوظ ما رواه الناس عن إسرائيل وأبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: " لما ألقي إبراهيم في النار.

الحديث ". قلت: وسلام بن سليم هو سلام بن سلم ويقال: ابن سليم أو ابن سليمان والصواب الأول كما في " التهذيب " وهو سلام الطويل المدائني كذاب

متهم بالوضع كما تقدم مرارا، فكان على السيوطي أن لا يورده في الجامع " على ما شرطه في مقدمته أنه " صانه عما تفرد به كذاب أو وضاع ". وقد خالفه عثمان بن عمر فرواه عن إسرائيل به موقوفا على أبي هريرة.

رواه الخطيب (5 / 228 - 229) ومن قبله البخاري. ولا يفيد هنا قول المناوي: " إن الموقوف صحيح أخرجه البخاري، ومثله لا يقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع ". لأننا نقول: إنه يحتمل أن يكون هذا مما تلقاه ابن عباس من أهل الكتاب، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، فلا يجوز أن ينسب إليه صلى الله عليه وسلم، وهذا بين ظاهر إن شاء الله تعالى.

789 - " عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب ".

باطل.

رواه الخطيب في " تاريخه " (4 / 410) ومن طريقه ابن عساكر (2 / 55 / 2) عن أبي الفرج أحمد بن محمد بن جوري العكبري: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مهران الرملي: حدثنا ميمون بن مهران بن مخلد بن أيان الكاتب: حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل: حدثنا قدامة بن النعمان عن الزهري قال: سمعت أنس بن مالك يقول: والله الذي لا إله إلا هو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.

أورداه في ترجمة أبي الفرج هذا وقالا: " وفي حديثه غرائب ومناكير ". وقال الذهبي في ترجمته: " عن خيثمة بحديث موضوع ". قال المناوي عقبه: " كأنه يشير إلى هذا ". قلت: كلا، فإن هذا الحديث ليس من روايته عن خيثمة كما ترى، ثم قال المناوي: " وقال ابن الجوزي: حديث لا أصل له ". وإنما أشار الذهبي إلى هذا الحديث في ترجمة قدامة بن النعمان فقال:

 

(2/205)

 

 

" عن الزهري، لا يعرف، والخبر باطل، ثم إن سنده مظلم إليه ". قال الحافظ في " اللسان ": " والخبر المذكور رواه الخطيب ... " ثم ذكر هذا الحديث.

790 - " تلمد الفقير عند الشهو ة لا يقدر على إنفاذها أفضل من عبادة الغني سبعين سنة ".

موضوع.

رواه ابن النجار في " الذيل " من طريق أحمد بن محمد بن جوزي عن أحمد بن زكريا عن إبراهيم بن أخي عبد الرزاق عن عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عباس رفعه. فذكره. أورده الحافظ في ترجمة ابن جوزي هذا من " اللسان " وقال: " حديث موضوع ".

قلت: واتهمه الذهبي بوضع حديث آخر كما سبق في الحديث الذي قبله. لكن فوقه في إسناد هذا الحديث إبراهيم بن أخي عبد الرزاق وهو كذاب كما قال الدارقطني، وقال ابن حبان (1 / 104) : " روى عن عبد الرزاق المقلوبات الكثيرة، لا يجوز الاحتجاج بها ". فتعصيب الجناية بابن جوزي ليس بأولى من تعصيبها بإبراهيم هذا. ومن أكاذيبه الحديث الآتي:

 

(2/206)

 

 

791 - " الضيافة على أهل الوبر، وليست على أهل المدر ".

موضوع.

رواه ابن عدي (7 / 1) والقضاعي في " مسند الشهاب " (19 / 1) عن إبراهيم بن عبد الله بن أخي عبد الرزاق - أظنه عن عبد الرزاق - عن سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. ساقه في ترجمة إبراهيم هذا مع أحاديث أخرى له. ثم قال ابن عدي: " وهذه الأحاديث مناكير، مع سائر ما يروي ابن أخي عبد الرزاق هذا ".

وقال الذهبي بعد أن ساقها ونقل عن الدارقطني أنه كذاب: " فهذه الأشياء من وضع هذا المدبر ". وأقره الحافظ، فاعجب بعد هذا كيف أورد السيوطي الحديث في " الجامع " من رواية القضاعي هذه مع شهادة هذين الإمامين الذهبي والعسقلاني بوضعه! ولهذا تعقبه المناوي بقول الدارقطني وغيره في إبراهيم هذا، ثم قال: " ومن ثم قال القاضي حسين: " إنه موضوع "، فمن شنع عليه فكأنه لم يقف على ما رأيت ".

 

(2/206)

 

 

قلت: والضيافة واجبة شرعا على كل مستطيع، سواء كان بدويا أو مدنيا. لعموم الأحاديث، ولا يجوز تخصيصها بمثل هذا الحديث الموضوع، ومدتها ثلاثة أيام حق لازم، فما زاد عليها فهو صدقة.

792 - " سوء الخلق شؤم ".

ضعيف.

رواه ابن شاهين في " ثلاثة مجالس " من " الأمالي " (97 / 1) : سعيد بن نفيس المصري: سهل بن سوادة: أخبرنا عبد الله بن صالح - كاتب الليث - قال: حدثني الليث عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف، عبد الله بن صالح فيه ضعف. ومن دونه لم أجد من ترجمهما. والحديث عزاه في " الجامع " لابن شاهين في " الأفراد " عن ابن عمر، ولم يتكلم المناوي على إسناده بشيء! وقد روي الحديث من طرق أخرى لا يصح منها شيء، ولذلك قال الحافظ العراقي: " حديث لا يصح ". نقله المناوي وأقره. ومن المفيد أن أسوق هذه الطرق هنا، وأتكلم على عللها، وأبين ألفاظها.

 

(2/207)

 

 

793 - " الشؤم سوء الخلق ".

ضعيف.

رواه ابن عدي (37 / 2) عن أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف، أبو بكر هذا كان اختلط، ثم هو منقطع بين ضمرة وعائشة فإن بين وفاتيهما (73) سنة.

ثم رأيت الحديث في " الحلية " (6 / 103) رواه في ترجمة حبيب بن عبيد من هذا الوجه إلا أنه جعل حبيبا هذا بدل ضمرة، وكذلك أخرجه أحمد (6 / 85) ، وكلاهما يروي عنه أبو بكر بن أبي مريم، فمن الصعب الجزم بالصواب من الروايتين، بل لعل هذا الاختلاف من اختلاط أبي بكر هذا وضعفه.

ومن طريقه رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " (8 / 25) . وله شاهد من حديث جابر، أخرجه أبو القاسم السهمي في " تاريخ جرجان " (99) عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم اليزيدي، حدثنا موسى بن عمر بن علي بن عمران: حدثنا عبيد الله بن عائشة البصري: حدثنا إسماعيل بن حكيم: أخبرنا الفضل بن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا. بيد أن هذا إسناد ضعيف من أجل الفضل هذا.

 

(2/207)

 

 

ومن طريقه رواه الطبراني أيضا في " الأوسط " وقال الهيثمي: " وهو ضعيف ".

ورواه ابن وهب في " الجامع " (76 / 77) : أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن أيوب عن ابن أبي حسين عن زيد بن الأخنس الكعبي عن سعيد بن المسيب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشؤم؟ قال: سوء الخلق. قلت: وهذا مرسل، ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير زيد بن الأخنس أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 556) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات " (2 / 88) ! وذكر هو وابن أبي حاتم أنه روى عنه إسماعيل بن أمية، فقد روى عنه ثقتان هذا أحدهما، والآخر ابن أبي حسين راوي هذا الحديث عنه، وهو إما عبد الله بن عبد الرحمن، وإما عمر بن سعيد وكلاهما مكيان ثقات محتج بهما في الصحيحين، فابن الأخنس مستور. والله أعلم.

ثم رأيته في " تاريخ ابن عساكر " (18 / 92 / 2) من طريق إسماعيل بن الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر به. وإسماعيل بن الفضل لم أعرفه. لكن يبدو أنه محرف عن " إسماعيل عن الفضل " بدليل رواية السهمي. والله أعلم.

794 - " سوء الخلق شؤم، وحسن الملكة نماء، والصدقة تدفع ميتة السوء ".

ضعيف.

رواه أحمد (3 / 502) وعباس الدوري في " التاريخ والعلل " لابن معين (41 / 1 - 2) وابن عساكر (6 / 95 / 2 و11 / 48 / 1) وأبو داود (5162) بالشطر الأول عن عثمان بن زفر عن بعض ولد رافع بن مكيث عن رافع بن مكيث مرفوعا.

ولفظ أحمد: " حسن الخلق نماء، وسوء الخلق شؤم، والبر زيادة في العمر، والصدقة تمنع ميتة السوء ". قلت: وهذا سند ضعيف عثمان هذا مجهول كما في " التقريب " مات سنة (218) .

ورافع بن مكيث صحابي، وبعض ولده لم أعرفه. وقد اضطرب فيه عثمان، فمرة رواه هكذا، ومرة قال: حدثني محمد بن خالد بن رافع بن مكيث عن عمه الحارث بن رافع بن مكيث، - وكان رافع من جهينة، قد شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشطر الأول.

أخرجه أبو داود (5163) . ورواه ابن منده في " المعرفة " (14 / 2 - 4443 عام) عن عثمان بن عبد الرحمن قال: أخبرنا عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان عن أم سعد بنت الربيع عن أبيها مرفوعا به. وزاد: " وطاعة النساء ندامة ".

 

(2/208)

 

 

قلت: وهذا سند واه جدا، عنبسة بن عبد الرحمن متروك، وعثمان بن عبد الرحمن هو الحراني، ضعيف.

795 - " سوء الخلق شؤم، وشراركم أسوءكم خلقا ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 249) وعنه الخطيب (4 / 276) وعن هذا ابن عساكر (2 / 31 / 2) عن أبي سعيد أحمد بن عيسى الخراز البغدادي الصوفي: أخبرنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري: حدثنا جابر بن سليم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد تالف، الغفاري هذا نسبه ابن حبان (2 / 39) إلى أنه يضع الحديث. وأبو سعيد الخراز صوفي مشهور وقد ترجم له الخطيب ثم ابن عساكر ترجمة طويلة ولم يذكروا حاله في الرواية. والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الخطيب هذه فأساء

، لما عرفت من حال الغفاري، ولم يتكلم المناوي على إسناده بشيء!

 

(2/209)

 

 

796 - " ليس للدين دواء إلا القضاء والوفاء والحمد ".

ضعيف جدا.

رواه الخطيب (7 / 198) وابن عساكر (2 / 21 / 1) من طريقه عن جعفر بن عامر بن أبي الليث البغدادي: حدثنا أحمد بن عمار بن نصير الشامي: حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. أورده الخطيب في ترجمة جعفر هذا وقال: " شيخ مجهول، روى عن الحسن بن عرفة أحاديث منكرة ". ثم ساق له هذا الحديث.

وأما ابن عساكر فأورده في ترجمة أحمد بن عمار، وهو أخو هشام بن عمار، وقال عقبه: " قال الشيخ أبو بكر الخطيب: أحمد بن عمار بن نصير الشامي شيخ مجهول، وهذا حديث منكر ". وإنما قال الخطيب: " شيخ مجهول " في حق جعفر هذا كما رأيت، فلعل ما نقله ابن عساكر عنه في موضع آخر من كتب الخطيب.

ثم روى عن الدارقطني أنه قال: " أحمد هذا متروك الحديث ". والحديث أورده الذهبي في ترجمة ابن عمار هذا وقال: " وهذا منكر ". ثم قال في ترجمة جعفر بن عامر هذا: " عن أحمد بن عمار أخي هشام بخبر كذب، واتهمه ابن الجوزي ". وأقره الحافظ.

 

(2/209)

 

 

797 - " الإحصان إحصانان: إحصان عفاف، وإحصان نكاح ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 182 / 1 - 2) وابن عساكر (2 / 15 / 1 و14 / 358 / 1) عن مبشر بن عبيد قال: سمعت الزهري يحدث عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا، زاد ابن عساكر في رواية: " فمن قرأها (والمحصنات) بكسر الصاد فهن العفائف، ومن قرأها (المحصنات) فهن المتزوجات ". وهذا مدرج في الحديث بلا شك. وقال الطبراني: " لم يرو هـ عن الزهري إلا مبشر ".

قلت: قال الهيثمي (4 / 263) : " وهو متروك ". وعزاه للبزار أيضا. قلت: وقد قال فيه الإمام أحمد: " كان يضع الحديث ". قلت: ولهذا كان على السيوطي أن لا يورده في " الجامع الصغير " وفاء بوعده أنه صانه عما تفرد به وضاع أو كذاب.

 

(2/210)

 

 

798 - " عليكم بغسل الدبر، فإنه يذهب بالباسور ".

موضوع.

رواه ابن حبان في " المجروحين " (2 / 99) وابن عدي (87 / 1) وأبو نعيم في " الطب " (2 / 25 / 1) من طريق أبي يعلى عن عثمان بن مطر الشيباني: حدثنا الحسن بن أبي جعفر: حدثنا علي بن الحكم عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال ابن عدي: " هذا يرويه ابن أبي جعفر عن علي بن الحكم وعن ابن أبي جعفر عثمان بن مطر، ولعل البلاء من عثمان ".

قلت: وقال ابن حبان: " كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ".

وقال البخاري: " منكر الحديث ". وضعفه غيره. وشيخه الحسن بن أبي جعفر ضعيف، وفي ترجمته ساقه ابن عدي مع أحاديث (أخرى) ، ثم قال: " وهو عندي ممن لا يتعمد الكذب، وهو صدوق، ولعل هذه الأحاديث التي (أنكرت) عليه توهمها توهما، أو شبه عليه فغلط ".

 

(2/210)

 

 

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية ابن السني وأبي نعيم عن ابن عمر. وقال المناوي: " ورواه عنه أيضا أبو يعلى والديلمي، وأورده في " الميزان " في ترجمة عثمان بن مطر الشيباني من حديثه، ونقل عن جمع تضعيفه، وأن حديثه منكر، ولا يثبت. وساقه في " اللسان " في ترجمة عمر بن عبد العزيز الهاشمي، وقال: شيخ مجهول، له أحاديث مناكير لا يتابع عليها ".

قلت: وهو من روايته بإسناده عن الحارث عن علي مرفوعا. والحارث وهو الأعور متهم كما تقدم مرارا.

799 - " ما الميت في قبره إلا كالغريق المستغيث ينتظر دعوة تلحقه من أب أو أم أو أخ أو صديق، فإذا لحقته كانت أحب أليه من الدنيا وما فيها، وإن الله عز وجل ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الدور أمثال الجبال، وإن هدية الأحياء إلى الأموات الاستغفار ".

منكر جدا.

رواه الضياء في " المنتقى من حديث الأمير أبي أحمد وغيره " (268 / 1) من طريق ابن شاذان: حدثنا محمد بن الفضل العطار قال: أخبرنا محمد بن جابر بن أبي عياش المصيصي: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يعقوب بن القعقاع عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا. ورواه الضياء في " السنن " أيضا (86 / 2) عن الفضل بن محمد الباهلي: حدثنا محمد بن جابر به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، علته ابن أبي عياش هذا، قال الذهبي: " لا أعرفه، وخبره منكر جدا ". ثم ساق له هذا الحديث. وقال الحافظ في " اللسان ": " أورده البيهقي في " الشعب " ونقل عن أبي علي الحافظ، أنه غريب من حديث ابن المبارك، لم يقع عند أهل خراسان، قال: ولم أكتبه إلا عن هذا الشيخ. يعني الفضل بن محمد.

قال البيهقي: وتابعه محمد بن خزيمة عن ابن أبي عياش، وابن أبي عياش تفرد به ".

 

(2/211)

 

 

800 - " إن الله خلق الجنة بيضاء، وإن أحب الزي إلى الله عز وجل البياض، فألبسوها أحياءكم، وكفنوها موتاكم، ثم جمع الرعاء، فقال: من كان فيكم ذا غنم سود فليخلطها ببيض ".

موضوع.

رواه أبو جعفر البختري في " ستة مجالس " (115 / 1 - 2) وأبو نعيم في " صفة الجنة " (ق 20 / 2) عن هشام بن أبي هشام قال: أخبرنا عبد الرحمن بن حبيب مولى بني

 

(2/211)

 

 

مخزوم عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا عبد الرحمن بن حبيب هو ابن أدرك، قال النسائي: " منكر الحديث، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وفي " الميزان ": " صدوق، وله ما ينكر ". وهشام بن أبي هشام هو ابن زياد متفق على تضعيفه. وقال ابن معين والنسائي: " ليس بثقة ".

وقال ابن حبان: " يروي الموضوعات عن الثقات ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية البزار عن ابن عباس دون قوله: " فألبسوها إلخ " فقال المناوي: " قال الهيثمي عقب عزوه للبزار: " فيه هشام بن زياد وهو متروك ". وظاهر حال المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه، وإنه لشيء عجاب، فقد خرجه ابن ماجه عن ابن عباس المذكور بلفظ: " إن الله خلق الجنة بيضاء، وأحب الزي إليه البياض فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم ".

انتهى بلفظه ". قلت: وأنا في شك كبير من وجود هذا الحديث في " سنن ابن ماجه " فقد راجعته في مظانه: " الجنائز "، و" اللباس " و" صفة الجنة " فلم أجده، ويؤيده أنه ليس في مسند ابن العباس من " ذخائر المواريث " للنابلسي، ولا في أصله " تحفة الأشراف " للحافظ المزي، ولا في فهرست ابن ماجه الذي وضعه محمد عبد الباقي في آخر " السنن " التي قام هو على تحقيقها. ولم يعزه لابن ماجه ابن القيم في " حادي الأرواح " (1 / 218 - 219) ، ولا دل على شيء منه كتاب " المعجم المفهرس لألفاظ الحديث " للمستشرقين. والله أعلم. ثم رأيت الحديث في " زوائد مسند البزار " (ص 170) من طريق هشام أبي المقدام عن حبيب بن الشهيد عن عطاء به. وقال الهيثمي عقبه: " هشام ضعيف متروك ".

ثم أخرجه أبو نعيم عن أبي شهاب عن حمزة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس نحوه، وحمزة هذا هو ابن أبي حمزة الجعفي النصيبي قال الحافظ: " متروك متهم بالوضع ".

801 - " إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ".

موضوع.

رواه الطبراني (1 / 258 / 2) : عن عبادة بن زياد الأسدي: حدثنا يحيى بن العلاء الرازي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعا.

 

(2/212)

 

 

قلت: وهذا موضوع، آفته يحيى بن العلاء، كذاب يضع كما تقدم مرارا.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع "، من رواية الطبراني عن جابر، والخطيب في " التاريخ " عن ابن عباس، فقال المناوي في رواية الطبراني: " قال الهيثمي (9 / 172) :

فيه يحيى بن العلاء وهو متروك. وقال ابن الجوزي قال أحمد: يحيى بن العلاء كذاب يضع.

وقال الدارقطني: " أحاديثه موضوعة ". وذكر في " الميزان " نحوه في ترجمة العلاء، وأورد له أخبارا هذا منها ". ثم قال في رواية الخطيب: " قال ابن الجوزي: " حديث لا يصح، فيه ابن المرزبان، قال ابن الكاتب: كذاب، ومن فوقه إلى المنصور ما بين مجهول وغير موثوق ". وفي " الميزان " في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحاسب: " لا يدرى من ذا؟ وخبره كذب، رواه الخطيب ". ثم ساق هذا الخبر ".

802 - " كل بني أنثى، فإن عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم ".

ضعيف.

رواه الطبراني (1 / 258 / 2) : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي: حدثنا بشر بن مهران: حدثنا شريك بن عبد الله عن شبيب بن غرقدة عن المستظل بن حصين عن عمر مرفوعا.

ثم رواه عن شيبة بن نعامة عن فاطمة بنت حسين عن فاطمة الكبرى مرفوعا. قلت: والطريق الأول واه بمرة: شريك هو القاضي وهو ضعيف. وبشر بن مهران قال ابن أبي حاتم: " ترك أبي حديثه ". وبه أعل المناوي الحديث تبعا للهيثمي. وخفي عليهما أنه من رواية محمد بن زكريا الغلابي، وهو كذاب. وأما الطريق الثاني: فهو خير من هذا، فإن شيبة بن نعامة، ضعفه يحيى بن معين و" يروي عن أنس ما لا يشبه حديثه، وعن غيره من الثقات ما يخالف حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به ". ثم تناقض فأورده في " الثقات " أيضا! والمعتمد أنه ضعيف.

والحديث قال الهيثمي (9 / 173) : " رواه الطبراني وأبو يعلى وفيه شيبة بن نعامة لا يجوز الاحتجاج به ".

قال المناوي: " وأورده ابن الجوزي في " الأحاديث الواهية " وقال: " لا يصح ".

فقول المصنف (يعني السيوطي) : " هو حسن " غير حسن ".

 

(2/213)

 

 

803 - " كل من ورد القيامة عطشان ".

موضوع.

رواه الخطيب (3 / 356) من طريق محمد بن هارون بن برية الهاشمي قال: حدثنا السري بن عاصم: حدثنا ابن السماك: حدثنا الهيثم بن جماز قال: دخلت على يزيد الرقاشي في يوم شديد حر. فقال: ادخل يا هيثم! ادخل ادخل، حتى نبكي على الماء البارد، وقد عطش نفسه أربعين سنة، ثم قال: حدثني أنس بن مالك فذكره مرفوعا. وقال: " ابن برية في حديثه مناكير كثيرة، قال الدارقطني: لا شيء ".

قلت: وقال الخطيب في مكان آخر (7 / 403) : " ذاهب الحديث يتهم بالوضع ". وقال ابن عساكر: " يضع الحديث ". كما يأتي قريبا تحت الحديث (806) .

قلت: لكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 54، 8 / 216) عن علي بن المبارك المسروري (وفي الموضع الآخر، المروزي وهو تصحيف) حدثنا السري بن عاصم به. لكن المسروري هذا لا يستشهد به، فقد ترجمه الخطيب (12 / 105 - 106) وأشار إلى سوء حفظه، ولكن الذهبي اتهمه بخبر كذب. قال الحافظ في " اللسان ": " والخبر المذكور في " الفضائل " من كتاب " الموضوعات " لابن الجوزي ".

ثم إن السري بن عاصم كذبه ابن خراش، واتهمه النقاش بأنه وضع حديثا. وذكر له الذهبي أحاديث وصفها بأنها من بلاياه ومصائبه، منها الحديث الآتي عقب هذا. والهيثم بن جماز متروك كما قال النسائي والساجي، بل ذكره البرقي في الكذابين. ويزيد الرقاشي ضعيف.

فلا أدري كيف استجاز السيوطي أن يورد هذا الحديث في " الجامع الصغير " من رواية أبي نعيم، مع ما في سنده من هؤلاء الكذابين والضعفاء! ومن هذا الوجه أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (18 / 115 / 1) . ثم رواه من طريق أخرى عن السري بن عاصم به. فهذه ثلاث طرق إلى السري فهو آفة الحديث، إن سلم من الهيثم. والله أعلم.

 

(2/214)

 

 

804 - " الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن ".

ضعيف.

رواه القضاعي في " مسند الشهاب " (18 / 1) عن أبي سعيد الحسن بن أحمد الطوسي قال: أخبرنا جماهر بن محمد قال: أخبرنا علي بن الحسين قال: أخبرنا المزاحم بن عوام عن الأوزاعي عن عمرو بن أبي لبابة عن أبي هريرة

مرفوعا. قلت: وهذا إسناد مظلم لم أعرف منه أحدا من رواته غير الأوزاعي، ولا أعرف في

 

(2/214)

 

 

الرجال (عمرو) فلعل في النسخة تصحيفا. ثم وقفت على الحديث عند الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 2 / 359) من طريق الحاكم، فرأيته فيه " عبدة بن أبي لبابة " وهو ثقة، فالآفة ممن دونه. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الحاكم في " تاريخه " والقضاعي عن أبي هريرة، فقال المناوي: " وفيه السري بن عاصم الهمداني مؤدب المعتز، قال في " الميزان ": وهاه ابن عدي وقال: يسرق الحديث، وكذبه ابن خراش، قال: ومن بلاياه هذا الخبر، وأورده ابن الجوزي في " الواهيات " وقال: السري قال ابن حبان: " لا يحل الاحتجاج به ". قلت: وسبقت ترجمته بأتم منه في الحديث الذي قبله، لكنه ليس هو في إسناد القضاعي والحاكم كما رأيت، وهو يرويه عن محمد بن مصعب: حدثنا الأوزاعي به كما في " الميزان ".

805 - " إن الله إذا أراد أن يجعل عبدا للخلافة مسح يده على جبهته ".

موضوع.

رواه الخطيب في " التاريخ " (2 / 150) من طريق مسرة بن عبد الله - مولى المتوكل على الله - قال: نبأنا الحسن بن يزيد قال: نبأنا عبد الله بن المبارك قال: نبأنا سليمان بن مهران: قال إبراهيم بن جعفر الأنصاري المعروف بالراهب عن أنس بن مالك مرفوعا، وقال: " مسرة بن عبد الله ذاهب الحديث ". قلت: وساق له الذهبي في ترجمته حديثا قال: إنه موضوع، ونقل الحافظ في " اللسان " عن الخطيب أنه قال: " هذا الحديث كذب، والحمل فيه على مسرة. قلت: ومن موضوعاته.... ".

قلت: ثم ساق الحافظ له حديثا ثالثا فيظهر مما ذكرنا أن مسرة كذاب وضاع. فما كان يحسن بالسيوطي أن يورد هذا الحديث من رواية الخطيب هذه في " الجامع الصغير "! لاسيما مع قول الخطيب: " إنه حديث كذب ". ولا يبرر له ذلك إتباعه إياه بحديث ابن عباس الآتي بعده، لأن فيه وضاعا أيضا، وإن خفي ذلك على بعضهم.

وكذلك ما رواه العقيلي في " الضعفاء " (417) وابن عدي في " الكامل " (327 / 2) وابن النجار (10 / 183 / 1) عن مصعب النوفلي عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا به. فقد قال العقيلي: " مصعب النوفلي مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ، ولا يتابع عليه ". وقال ابن عدي: " وهذا حديث منكر بهذا الإسناد، والبلاء فيه من مصعب بن عبد الله النوفلي هذا، ولا أعلم له شيئا آخر ". وأما حديث ابن عباس فهو:

 

(2/215)

 

 

806 - " إن الله إذا أراد أن يخلق خلقا للخلافة مسح يده على ناصيته، فلا تقع عليه عين أحد إلا أحبه ".

موضوع.

رواه الحاكم (3 / 331) : حدثنا أبو بكر بن أبي دارم الحافظ - بالكوفة -: حدثنا أبو إسحاق محمد بن هارون بن عيسى الهاشمي: حدثنا موسى بن عبد الله بن موسى الهاشمي: حدثنا يعقوب بن جعفر بن سليمان قال: سمعت أبي يقول: " دخلت على أبي جعفر المنصور فرأيت له جمة، فجعلت أنظر إلى حسنها، فقال: كان لأبي محمد بن علي جمة، وحدثني أن أباه علي بن عبد الله كانت له جمة، وحدثني أن أباه عبد الله بن عباس كانت له جمة، وكان للعباس جمة، وحدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له جمة، وكان لهاشم بن عبد مناف جمة، فقلت

لأبي إني لأعجب من حسنها، قال: ذلك نور الخلافة، قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده قال: فذكره.

وقال: " رواة هذا الحديث عن آخرهم كلهم هاشميون معروفون بشرف الأصل ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: ليسوا معتمدين ".

قلت: وهذا كلام مجمل، وهاك تفصيله: أبو جعفر المنصور هو الخليفة العباسي المعروف، وحاله في الحديث غير معروف. ويعقوب بن جعفر بن سليمان وأبوه، لم أجد من ترجمهما. وأما محمد بن هارون بن عيسى الهاشمي، فهو آفة الحديث، ويعرف بابن برية، ترجمه الخطيب (3 / 356) وقال: " في حديثه مناكير كثيرة ". ثم روى عن الدارقطني أنه قال: " لا شيء ".

وقال الخطيب في مكان آخر (7 / 403) :

" ذاهب الحديث، يتهم بالوضع ". قلت: وقال الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 328 / 2) : " هو من ولد أبي جعفر المنصور، يضع الحديث ". قلت: فهذا من وضعه ولا شك، ولا أدري كيف فات هذا الحافظ ابن حجر فقد أعله بشيخ الحاكم كما في " فيض القدير " وقال: " إنه ضعيف، وهو من الحفاظ "! ولا يستقيم هذا الإعلال لوجهين: الأول: ما عرفته من حال ابن برية.

 

(2/216)

 

 

الثاني: أن شيخ الحاكم لم يتفرد به، فقد أخرجه ابن الجوزي في " المسلسلات " (الحديث - 43) والكازروني في " مسلسلاته " أيضا (ق 331 / 2) من طريق أحمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن هارون به دون قوله: " فلا تقع عليه ... ". وأحمد بن يعقوب هذا هو أبو الحسن المعدل، ترجمه الخطيب (5 / 227) وذكر أنه روى عن جماعة منهم ابن برية هذا، ثم روى عن أبي نعيم أنه قال فيه: " ثقة ". فبرئت منه عهدة شيخ الحاكم، وانحصرت التهمة في ابن برية، والله الموفق.

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 97) من طريقين آخرين من حديث أبي هريرة وأنس، وسيأتي تحقيق الكلام عليهما برقم (2217) .

807 - " أبغض العباد إلى الله عز وجل من كان ثواباه خيرا من عمله، أن تكون ثيابه ثياب الأنبياء، وعمله عمل الجبارين ".

موضوع.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (172) عن أبي صالح كاتب الليث: حدثنا سليم بن عيسى أبو يحيى عن سفيان الثوري عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن عائشة مرفوعا. ذكره في ترجمة سليم هذا وقال: " مجهول في النقل، حديثه (هذا) منكر غير محفوظ ". وقال الذهبي: " روى عن الثوري خبرا منكرا، ساقه العقيلي ". ثم ساقه من طريقه ثم قال: " قلت: هذا باطل ".

قلت: وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 51) من طريق العقيلي هذه وأعله بكلامه الذي نقلته آنفا وبكاتب الليث، وقال: قال أحمد: ليس بشيء، وأقره السيوطي في " اللآليء " (برقم 2287) على وضعه، وزاد عليه أنه نقل كلمة الذهبي أنه باطل. وأقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (335 / 2) .

ومع ذلك أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية العقيلي والديلمي! فتعقبه شارحه المناوي بما خلاصته أن ابن الجوزي قال: " موضوع ". وأقره عليه السيوطي في الأصل (يعني الجامع الصغير) " وممن جزم بوضعه ابن عراق والهندي. قلت: وسليم بن عيسى هذا الذي جهلوه، إنما هو - فيما أرى - سليمان بن عيسى بن نجيح المعروف بالكذب، فقد أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 80 من مختصره للحافظ) هكذا: عن سليمان بن عيسى بن نجيح عن الثوري به. وقال الحافظ عقبه: " قلت: سليمان متروك ". وقال الذهبي في " الميزان ":

 

(2/217)

 

 

" هالك، قال الجوزجاني: كذاب مصرح. وقال أبو حاتم: كذاب. وقال ابن عدي: يضع الحديث ". ثم ذكر له عدة أحاديث من بلاياه!

808 - " أو حى الله إلى الدنيا: أن اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك ".

موضوع.

رواه الخطيب في " التاريخ " (8 / 44) عن الحسين بن داود البلخي: حدثنا الفضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مرفوعا.

وقال: " تفرد بروايته الحسين عن الفضيل وهو موضوع، ورجاله كلهم ثقات سوى الحسين بن داود ولم يكن ثقة ". وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 136) من طريق الخطيب هذه ومن طريق أخرى عن الحسين البلخي به وذكر كلام الخطيب محتجا به. وتعقبه السيوطي بأن له شاهدا عن قتادة بن النعمان، ولكن فيه مجاهيل، وهو: " أنزل الله إلي جبريل في أحسن ما كان يأتي صورة فقال: إن الله عز وجل يقرئك السلام يا محمد! ويقول لك: إني أو حيت إلى الدنيا أن تمرري وتكدري وتضيقي وتشددي على أوليائي، كي يحبوا لقائي، وتسهلي وتوسعي وتطيبي لأعدائي، حتى يكرهو القائي، فإن خلقتها سجنا لأوليائي، وجنة لأعدائي ".

 

(2/218)

 

 

809 - " أنزل الله إلي جبريل في أحسن ما كان يأتي صورة فقال: إن الله عز وجل يقرئك السلام يا محمد! ويقول لك: إني أو حيت إلى الدنيا أن تمرري وتكدري وتضيقي وتشددي على أوليائي، كي يحبوا لقائي، وتسهلي وتوسعي وتطيبي لأعدائي، حتى يكرهو القائي، فإن خلقتها سجنا لأوليائي، وجنة لأعدائي ".

منكر.

رواه الطبراني، وعنه ابن المرزبان في " الفوائد " (1 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (17 / 409 / 1 - 2) من طريق البيهقي وهذا في " الشعب "، قال الطبراني: حدثنا الوليد بن حماد الرملي: أنبأنا أبو محمد عبد الله بن

الفضل (الأصل المفضل وهو خطأ) بن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري: حدثني أبي، الفضل عن أبيه عاصم عن أبيه عن قتادة بن النعمان مرفوعا. وقال البيهقي: " لم نكتبه إلا بهذا الإسناد، وفيهم مجاهيل ". وأورده السيوطي في " اللآليء " (ص 506) شاهدا للحديث الذي قبله.

ومن غرائبه أنه أورده في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي فقط دون رواية الطبراني! والمجاهيل الذين أشار إليهم البيهقي هم الفضل بن عاصم، وابنه عبد الله، وشيخ الطبراني الوليد الرملي، وقد أورده الحافظ ابن حجر في " اللسان " وساق له هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، إشارة منه إلى أنه مجهول، ولكنه قال:

 

(2/218)

 

 

" أخرجه الطبراني عن الوليد، وقد أشار العلائي في " الموشى " إلى أن عبد الله وأباه لا يعرفان ". قلت: وفي متن الحديث عندي نكارة ظاهرة، والله أعلم، ثم رأيت الحديث في " المجموع " (6 / 76 / 1) ساق فيه كاتبه إسناد الحديث نقلا عن الطبراني كما في " اللآليء " مع التصحيح الذي ذكرناه في اسم الفضل.

810 - " إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض ".

ضعيف جدا.

رواه ابن عدي في " الكامل " (34 / 1) وابن مردويه في " ثلاثة مجالس من الأمالي " (192 / 1) عن بشر بن عبيد الدارسي: أخبرنا عمار بن عبد الرحمن عن المسعودي عن عبد الله بن أبي ملكية عن عائشة مرفوعا. ومن هذا

الوجه رواه أبو مطيع المصري في " الأمالي " أيضا (1 / 33 / 2) والديلمي (1 / 2 / 320) . وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " (2 / 90) للحكيم الترمذي وابن عدي بسند فيه متروك. وقال ابن عدي: " بشر بن عبيد منكر الحديث، وهو بين الضعف ولم أجد للمتقدمين فيه كلاما، وهو إذا روى إنما يروي عن ضعيف مثله أو مجهول أو محتمل، أو يروي عمن يرويه عن أمثالهم ". وكذبه الأزدي. وساق له الذهبي أحاديث منها هذا، ثم عقبها بقوله: " وهذه الأحاديث غير صحيحة، والله المستعان ".

 

(2/219)

 

 

811 - " بعثت بمدارة الناس ".

موضوع.

رواه أبو سعد الماليني في " الأربعين الصوفية " (8 / 2) عن عبيد الله بن لؤلؤ الصوفي: أخبرني عمر بن واصل قال: سمعت سهل بن عبيد الله يقول: أخبرني محمد بن سوار: أخبرني مالك بن دينار، ومعروف بن علي عن الحسن عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أنزلت سورة براءة: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، وآفته ابن لؤلؤ هذا أو شيخه، وهما بغداديان، وقد ترجم لهما الخطيب في " تاريخه "، وساق في ترجمة الأول منهما حديثا ظاهر الوضع ثم قال (10 / 358) : " هذا الحديث موضوع من عمل القصاص وضعه عمر بن واصل، أو وضع عليه. والله أعلم ".

ولما ترجم لابن واصل لم يقل فيه شيئا سوى أنه ساق له حديثا آخر من طريق ابن لؤلؤ هذا عنه، وسكت عليه، ولوائح الوضع عليه ظاهرة كهذا الحديث. والله أعلم.

 

(2/219)

 

 

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية البيهقي في " الشعب " عن جابر.

وتعقبه المناوي بقوله: " وفيه عبيد الله بن لؤلؤ عن عمر بن واصل، قال في " لسان الميزان ": يروي عنه الموضوع وعمر بن واصل اتهمه الخطيب بالوضع، وفيه أيضا مالك بن دينار الزاهد، أورده الذهبي في " الضعفاء "، ووثقه بعضهم ".

812 - " يا عائشة! أما تعلمين أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وامرأة فرعون ".

منكر.

رواه أبو الشيخ في " التاريخ " (ص 288) بسند صحيح عن أبي الربيع السمتي: حدثنا عبد النور بن عبد الله بن سنان عن يونس بن شعيب عن أبي أمامة مرفوعا. ذكره من حسان حديث أبي عبيد الله محمد بن أحمد بن عمرو الأبهري. ورواه العقيلي في " الضعفاء " (469) عن إبراهيم بن عرعرة: حدثنا عبد النور به.

وقال: " يونس بن شعيب حديثه غير محفوظ، قال البخاري: منكر الحديث ". وقال ابن عدي كما في اللسان ": " هذا الحديث هو الذي أنكره عليه البخاري ".

قلت: لكن الراوي عنه مثله أو شر منه، فقد قال فيه الذهبي: " كذاب ". ثم اتهمه بوضع الحديث. لكن الحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الطبراني في " الكبير " عن سعد بن جنادة وقال المناوي: " قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه ".

 

(2/220)

 

 

813 - " إن الله تبارك وتعالى كتب الغيرة على النساء، والجهاد على الرجال، فمن صبر منهن كان لها مثل أجر الشهيد ".

منكر.

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 61 / 2) والعقيلي (ص 268) وابن الأعرابي في " معجمه " (82 / 1) وعنه القضاعي (93 / 1) والدولابي (2 / 100) وابن عدي (279 - 280) والبزار عن عبيد بن الصباح عن كامل بن العلاء عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود مرفوعا، قال المناوي: " قال البزار لا نعلمه إلا من هذا الوجه، وعبيد لا بأس به، وكامل كوفي مشهور، على أنه لم يشاركه أحد فيه ". وقال الهيثمي (4 / 320) :

 

(2/220)

 

 

" رواه البزار والطبراني وفيه عبيد بن الصباح، ضعفه أبو حاتم، ووثقه البزار، وبقية رجاله ثقات ". قلت: وأورد ابن أبي حاتم حديثه هذا في " العلل " (1 / 313) وقال: " سألت أبي عنه؟ قال: هذا حديث منكر، وقال مرة أخرى: هذا حديث موضوع بهذا الإسناد ". قلت: وساقه الذهبي في ترجمة عبيد بن الصباح من مناكيره، وكأنه نسي هذا فصحح له حديثا آخر تبعا للحاكم: بلفظ: " إذا أردت أن تغزو ... " وهو في " الترغيب " (2 / 162) .

814 - " ما تشهد الملائكة من لهو كم إلا الرهان والنضال ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني (3 / 203 / 1) عن عمرو بن عبد الغفار عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف جدا، عمرو هذا قال الذهبي: " متهم، قال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال ابن عدي: اتهم بوضع الحديث. وقال العقيلي وغيره: منكر الحديث ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الطبراني هذه، وبيض له المناوي فلم يتكلم عليه بشيء!

 

(2/221)

 

 

815 - " إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ".

ضعيف جدا.

رواه ابن جرير في " التفسير " (5 / 574 / 5753) والعقيلي في " الضعفاء " (463) والواحدي في تفسيره " الوسيط " (1 / 91 / 2) عن يحيى بن سعيد العطار: حدثنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن عمر مرفوعا، ثم قرأ عبد الله بن عمر (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) .

وقال العقيلي: " يحيى بن سعيد العطار شامي منكر الحديث لا يتابع على حديثه، وليس بمشهور بالنقل، قال ابن معين: ليس بشيء ". ورواه ابن عدي (100 / 2) من هذا الطريق في ترجمة حفص وقال: " لا يرويه عن ابن سوقة غير حفص، وعامة حديثه غير محفوظ ".

قلت: وهو أبو عمر الأسدي القاريء، وهو ضعيف جدا، بل قال ابن خراش: " كذاب يضع الحديث ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع " برواية الطبراني فقد، وقال شارحه المناوي: " ضعفه المنذري، وقال الهيثمي: فيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف. وفي " الميزان ":

 

(2/221)

 

 

يحيى هذا ضعفه ابن معين ووهاه أبو داود، وقال ابن خزيمة: لا يحتج به، ثم أورد له هذا الخبر ". قلت: إعلال الحديث بحفص بن سليمان كما فعل ابن عدي أولى من إعلاله بالعطار لشدة ضعفه كما عرفت، ولأنه فوقه في الطبقة.

816 - " شهيد البر يغفر له كل ذنب إلا الدين والأمانة، وشهيد البحر يغفر له كل ذنب والدين والأمانة ".

ضعيف.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 51) وابن النجار (10 / 167 / 2) عن نجدة ابن المبارك: حدثنا حسن المرهبي عن طالوت عن إبراهيم بن أدهم عن هشام بن حسان عن يزيد الرقاشي عن بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف، نجدة هذا قال الحافظ: " مقبول ". ويزيد الرقاشي زاهد ضعيف. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أبي نعيم فقط، وتعقبه المناوي بقوله: " قضية صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه، والأمر بخلافه، فقد عزاه في " الفردوس " وغيره إلى ابن ماجة من حديث أنس مرفوعا. قال ابن حجر: " وسنده ضعيف ". وقال جدنا الأعلى الإمام الزين العراقي: وفيه يزيد الرقاشي ضعيف ". قلت: وما تعقب به السيوطي لا وجه له، بل هو ذهول عن أن السيوطي قد ساق حديث ابن ماجه عن أنس عقب هذا الحديث مباشرة! وهو حديث طويل، هذا الحديث قطعه منه. وسنده أشد ضعفا من هذا وهو الحديث الآتي:

 

(2/222)

 

 

817 - " شهيد البحر مثل شهيد البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله، وإن الله عز وجل وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر، فإنه تولى قبض أرواحهم، ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين، ولشهيد البحر الذنوب والدين ".

موضوع بهذا التمام.

رواه ابن ماجه رقم (2778) والطبراني في " المعجم الكبير " (ق 25 / 1 مجموع 6) عن قيس بن محمد الكندي: حدثنا عفير بن معدان الشامي عن سليم بن

 

(2/222)

 

 

عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، بل الغالب أنه موضوع على سليم بن عامر الثقة، فإن في متن الحديث من المبالغة ما لا نعرفه في الأحاديث الصحيحة، وآفته عندي عفير هذا، فإنه متهم. قال أبو حاتم: " يكثر عن سليم عن أبي أمامة بما لا أصل له ". قلت: وهذا منه، وتقدم له حديث آخر موضوع برقم (291) .

والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " لابن ماجه والطبراني في الكبير ". وذكر المناوي أن الطبراني رواه عن الكندي أيضا ثم قال: " قال الزين العراقي: وعفير بن معدان ضعيف جدا ". واعلم أن هذا الحديث والذي قبله مخالف لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ". أخرجه مسلم وغيره من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما، وهو مخرج عندي في " إرواء الغليل " (118) و" تخريج مشكلة الفقر " (67) و" تخريج الحلال والحرام " (348) .

 

(2/223)

 

 

818 - " لا تتؤضؤوا في الكنيف الذي تبولون فيه، فإن وضوء المؤمن يوزن مع حسناته ".

موضوع.

رواه ابن النجار (10 / 129 / 1) عن يحيى بن عنبسة حدثنا حميد عن أنس مرفوعا. قلت: ويحيى هذا قال ابن حبان: " دجال وضاع ". وقال ابن عدي: " منكر الحديث مكشوف الأمر ". ذكره الذهبي. ثم ساق له أحاديث منها هذا ثم قال: " هذا كله من وضع هذا المدبر ".

 

(2/223)

 

 

819 - " آفة الدين ثلاثة: فقيه فاجر، وإمام جائر، ومجتهد جاهل ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 328) وعنه الديلمي في " المسند " (1 / 1 / 76) عن نهشل بن سعيد الترمذي عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد واه بمرة، وفيه علتان:

1 - الانقطاع بين الضحاك وابن عباس.

 

(2/223)

 

 

2 - نهشل بن سعيد كذاب كما قال ابن راهويه والطيالسي، وقال ابن حبان: " يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم ". وقال أبو سعيد النقاش: " روى عن الضحاك الموضوعات ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الديلمي عن ابن عباس. فقال المناوي: " ورواه عنه أبو نعيم. ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي، ونهشل قال الذهبي في " الضعفاء ": " قال ابن راهويه:

كان كذابا، والضحاك لم يلق ابن عباس، ومن ثم قال المؤلف في درر البحار: " سنده واه ". قلت: فكان على السيوطي أن لا يورده في " الجامع " وفاء بشرطه!

820 - " أجوع الناس طالب العلم، وأشبعهم الذي لا يبتغيه ".

موضوع.

رواه ابن حبان في " كتاب المجروحين " (2 / 261 - 262) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 259) وعنه الديلمي (1 / 1 / 85) عن محمد بن الحارث عن ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أجوع؟ قال: طالب العلم. قال: فأيهم أشبع؟ قال: الذي لا يبتغيه ". قلت: آفته ابن البيلماني، واسمه محمد بن عبد الرحمن، قال الذهبي: " ضعفوه، قال النسائي وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: حدث عن أبيه بنسخة شبيها بمائتين حديث كلها موضوعة ".

قلت: ثم ساق له أحاديث هذا أحدها. وقال ابن عدي: " كل ما يرويه البيلماني فإن البلاء فيه منه، ومحمد بن الحارث أيضا ضعيف ". وقال الحافظ ابن حجر في " الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس ": " قلت: محمد بن الحارث وشيخه ضعيفان ". قلت: وتقدم لهما حديث آخر برقم (54) .

 

(2/224)

 

 

821 - " احبسوا على المؤمنين ضالتهم، قالوا: وما ضالة المؤمنين؟ قال: العلم ".

موضوع.

رواه الديلمي في " المسند " (1 / 1 / 20) وعفيف الدين أبو المعالي في " فضل العلم " (114 / 1) عن عمرو بن حكام عن بكر عن زياد بن أبي حسان عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا موضوع، زياد هذا قال الحاكم والنقاش: " روى عن أنس وغيره أحاديث موضوعة ". وكان شعبة شديد الحمل عليه وكذبه، وقال الدارقطني:

 

(2/224)

 

 

" متروك ". وبكر هو ابن خنيس، قال النسائي وغيره: ضعيف.

وقال ابن حبان في " المجروحين " (1 / 186) : " يروي عن البصريين والكوفيين أشياء موضوعة يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها ". وعمرو بن حكام ضعيف، وإنما آفة الحديث ممن فوقه. والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الديلمي وابن النجار في " تاريخه " عن أنس فتعقبه المناوي بقوله: " وفيه إبراهيم بن هاني أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " مجهول أتى بالبواطيل ". عن عمرو بن حكام تركه أحمد والنسائي. عن بكر بن خنيس قال الدارقطني: متروك عن زياد بن أبي حسان تركوه ". فاعجب من السيوطي كيف سود كتابه بحديث هذا حال إسناده، ثم ازدد عجبا منه حين تعلم أنه هو نفسه أورد الحديث في ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 42) من رواية الديلمي!!

822 - " إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده، فإن يك حقا كنتم شريكا في الأجر، وإن يك باطلا كان وزره عليه ".

موضوع.

رواه عثمان بن محمد المحمي في " حديثه " (208 / 1) عن بعاد بن يعقوب قال: حدثنا سعيد بن عمرو العنبري عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف جدا، آفته مسعدة بن صدقة هذا، قال الدارقطني: " متروك ". ذكره الذهبي ثم ساق له هذا الحديث ثم قال: " هذا موضوع ". ووافقه الحافظ في " اللسان ".

وأما السيوطي فذهل عن قول هذين الحافظين فأورده في " الجامع الصغير " من رواية الحاكم في " علوم الحديث " وأبي نعيم وابن عساكر عن علي. فتعقبه المناوي بقوله: " رمز لضعفه، وليس بضعيف فقط، بل قال في " الميزان ": موضوع ".

 

(2/225)

 

 

823 - " اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها ".

ضعيف جدا.

رواه السهمي في " تاريخ جرجان " (170، 350) عن أبي هرمز: سمعت أنسا يقول فذكره مرفوعا.

 

(2/225)

 

 

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، أبوهرمز هذا اسمه نافع بن هرمز قال أبو حاتم: " متروك ذاهب الحديث ". وقال النسائي: " ليس بثقة ". واختلف فيه قول ابن معين، فكذبه مرة، وقال مرة: لا يكتب حديثه. وقال مرة: لا أعرفه. وقال مرة: ليس بشيء.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن عدي والديلمي عن أنس. وتعقبه المناوي بقوله: " وفيه أبو عبد الرحمن السلمي سبق أنه وضاع للصوفية، ومحمد بن أحمد بن هارون قال الذهبي في " الضعفاء ": متهم بالوضع، ونافع بن هرمز أبوهرمز قال في " الميزان ": كذبه ابن معين. وتركه أبو حاتم وضعفه أحمد انتهى. وبه يعرف أن سنده مهلهل بالمرة فكان ينبغي للمصنف حذفه ".

قلت: السلمي وابن هارون ليس بشيء في سند السهمي، وكذا ابن عدي، فإن الجرجاني رواه عنه في أحد الموضعين المشار إليهما، فآفة الحديث أبوهرمز هذا فقط، وحينئذ فلا يصل الأمر إلى الحكم على الحديث بالوضع، والله أعلم.

824 - " بجلوا المشايخ، فإن تبجيل المشايخ من إجلال الله تعالى ".

موضوع.

رواه ابن حبان في " المجروحين " (2 / 4) وابن عدي (203 / 2) وابن منده في " تاريخ أصبهان " (ق 235 / 2) عن صخر بن محمد الحاجبي: حدثنا الليث بن سعد عن الزهري عن أنس مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه لاحق بن محمد الإسكافي في " شيوخه " (115 / 1) . قلت: وهذا إسناد موضوع، آفته صخر هذا قال ابن حبان عقبه: " لا تحل الرواية عنه ". وقال فيه ابن طاهر: " كذاب ".

وقال ابن عدي: " كان يضع الحديث، حدث عن الثقات بالبواطيل ". وقال أيضا:

" وهذا حديث موضوع على الليث ". وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 182) من رواية ابن حبان عنه، وأقره السيوطي في " اللآلئ " (1 / 149) . ورواه الخطيب من هذا الوجه في الجزء الثاني من " الجامع " كما في " المنتقى منه " (18 / 2) .

 

(2/226)

 

 

825 - " جبل الخليل جبل مقدس، وإن الفتنة لما ظهرت في

 

(2/226)

 

 

بني إسرائيل أو حى الله تعالى إلى أنبيائهم أن يفروا بدينهم إلى جبل الخليل ".

منكر.

رواه ابن عساكر (1 / 172 / 1) عن إبراهيم بن ناصح: أنبأنا نعيم بن حماد: أنبأنا محمد بن حميد عن الوضين بن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد واه جدا، فإنه مع إرساله فيه نعيم

بن حماد وهو ضعيف جدا. وإبراهيم بن ناصح وهو الأصبهاني قال أبو نعيم: " متروك الحديث ". وقال ابن مردويه في " تاريخه ": " حدث بمناكير ".

قلت: وهذا من منكراته، بل أخشى أن يكون موضوعا، وإن أورده السيوطي في " الجامع الصغير "، ولم يعله المناوي بأكثر من الإرسال وهذا تقصير ظاهر!

826 - " دخلت الجنة، فرأيت فيها جنابذ من لؤلؤ، ترابها المسك، فقلت: لمن هذا يا جبريل؟ فقال: هذا للمؤذنين والأئمة من أمتك ".

موضوع.

رواه ابن عدي (313 / 1) عن محمد بن إبراهيم الشامي: حدثنا محمد بن العلاء الأيلي عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب مرفوعا، وقال: " لا أعلم يرويه غير محمد بن إبراهيم الشامي وهو منكر الحديث، وعامة أحاديثه غير محفوظة ". قلت: وقال الدارقطني: " كذاب ".

قال الذهبي: " قلت: صدق الدارقطني رحمه الله، وابن ماجه فما عرفه، قال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، كان يضع الحديث " (1) . والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أبي يعلى عن أبي، وسكت عليه المناوي!

__________

(1) في " الضعفاء " (2 / 295) بتقديم الجملة الأخرى على الأولى. اهـ.

 

(2/227)

 

 

827 - " ذهاب البصر مغفرة للذنوب، وذهاب السمع مغفرة للذنوب، وما نقص من الجسد فعلى مقدار ذلك ".

موضوع. رواه ابن عدي (128 / 2) أبو الحسن النعالي في جزء من " حديثه "

 

(2/227)

 

 

(128 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 296) وعنه الخطيب في " تاريخه " (2 / 152) عن داود بن الزبرقان عن مطر عن هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود مرفوعا.

وقال ابن عدي: وهذا منكر المتن والإسناد، يرويه داود بن الزبرقان، وعامة ما يرويه عن كل من روى عنه مما لا يتابعه أحد عليه ". قلت: وهو متروك كما قال الحافظ.

ومطر هو الوراق فيه ضعف. وهارون بن عنترة لا بأس به، فآفة الحديث من ابن الزبرقان. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 204) من طريق الخطيب ونقل قول ابن عدي المتقدم: " منكر المتن والإسناد " وقال: " وهارون لا يحتج به، وداود ليس بشيء ". وأقره السيوطي في " اللآلي " (2 / 402) وكذا ابن عراق، فإنه أورده في " الفصل الأول " من " تنزيه الشريعة " (379 - 380) وقال: " وقد أورد الحافظ الذهبي في طبقات الحفاظ هذا الحديث من جهة الخطيب وقال: غريب. والله أعلم ".

ومع اعتراف السيوطي بوضعه فقد أورده في " الجامع الصغير " من رواية ابن عدي والخطيب عن ابن مسعود، وتعقبه المناوي بحكم ابن الجوزي بوضعه ومتابعة السيوطي له في " مختصر الموضوعات "! وفي الباب حديث آخر نحوه وهو موضوع أيضا، وهو:

828 - " ذهاب إحدى رجلي الرجل غفران نصف ذنوبه، وذهابهما كلاهما غفران ذنوبه كلها، وذهاب إحدى عينيه غفران نصف ذنوبه، وذهابهما كليهما استحلال الجنة ".

موضوع.

رواه النرسي أبو نصر في " منتقى من الجزء الثاني من حديثه " (72 / 1) عن عبد الرحمن بن قريش قال: أخبرنا أبو العباس الفضل بن عبد الله قال: حدثنا مالك بن سليمان قال: أخبرنا قيس عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود مرفوعا. قلت: وهذا إسناد موضوع، المتهم به ابن قريش هذا، قال الذهبي: " اتهمه السليماني بوضع الحديث ".

 

(2/228)

 

 

829 - " رأس الدين الورع ".

 

(2/228)

 

 

موضوع.

رواه ابن عدي: (57 / 1) عن جعفر بن عبد الواحد قال: قال لنا حكام بن مسلم: حدثنا أبي عن مالك بن دينار عن أنس مرفوعا. ذكره في ترجمة جعفر هذا وهو الهاشمي وساق له أحاديث أخر ثم قال: " وهذه الأحاديث

التي ذكرتها عن جعفر بن عبد الواحد كلها بواطيل، وكان يتهم بوضع الحديث "، ثم قال: " وعامة أحاديثه موضوعة ". قلت: وقال ابن حبان (1 / 209) : "

كان يسرق الحديث، ويقلب الأخبار، حتى لا يشك من الحديث صناعته أنه كان يعملها، وكان لا يقول: " حدثنا " في روايته، كان يقول: قال لنا فلان ابن فلان ".

وقال الدارقطني: " كان يضع الحديث ". وقال أبو زرعة: " روى

أحاديث لا أصل لها ". قلت: ومع ذلك أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن عدي نفسه! ولم يتكلم عليه المناوي بشيء!

830 - " رد جواب الكتاب حق كرد السلام ".

موضوع.

رواه ابن عدي (90 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 289) عن [أحمد بن] عبد الله بن حكيم الفرياناني - قرية بمرو- المروزي - وهو شيخ ضعيف -: حدثنا الحسن بن محمد أبو محمد البلخي - قاضي مرو- عن حميد عن أنس مرفوعا. وقال ابن عدي: " منكر مسندا، وإنما يرويه العباس بن ذريح عن الشعبي عن ابن عباس قوله. والحسن هذا ليس بمعروف، منكر الحديث عن الثقات ".

قلت: وقال ابن حبان (1 / 232 - 233) : " يروي الموضوعات عن الثقات، لا يجوز الرواية عنه بحال ". ثم غفل فأورده أيضا في " الثقات "! وقال أبو سعيد النقاش: " حدث عن حميد عن أنس أحاديث موضوعة ". قال الذهبي ثم العسقلاني: " هذا أحدهما، والآخر: " من زوج كريمته.... ".

قلت: وسيأتي بإذنه تعالى برقم (5084) مع آخر بعده. (تنبيه) : وقعت هذه الكلمة " الفرياناني " في ابن عدي محرفة هكذا " الفرناياني "

 

(2/229)

 

 

كما سقط منه " أحمد بن " والتصويب من " المجروحين " و" الميزان " و" اللسان " و" معجم البلدان ". ثم إن أحمد بن عبد الله هذا ليس بثقة أيضا، بل قال أبو نعيم الحافظ: " مشهور بالوضع ".

وقال ابن حبان (1 / 133) :

" كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، وعن غير الأثبات ما لم يحدثوا ". قلت: فهو آفة الحديث أو شيخه.

ورواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (9 / 107 / 1) عن شريك عن العباس بن ذريح عن عامر

عن ابن عباس موقوفا عليه ولعله الصواب، وبه جزم ابن عدي كما تقدم آنفا.

831 - " رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان فيما سواها من البلدان، وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعة فيما سواها من البلدان ".

باطل.

رواه الطبراني (1 / 111 / 2) وابن عساكر (8 / 510 / 2) عن عبد الله بن أيوب المخرمي: أخبرنا عبد الله بن كثير بن جعفر عن أبيه عن جده عن بلال بن الحارث مرفوعا. قلت: وهذا سند واه، عبد الله هذا أورده الذهبي في " الميزان " وساق له هذا الحديث وقال: " لا يدرى من ذا؟ وهذا باطل، والإسناد مظلم، تفرد به عنه عبد الله بن أيوب المخرمي، لم يحسن ضياء الدين بإخراجه في (المختارة) ".

وأقره الحافظ في " اللسان ". وعبد الله بن أيوب المخرمي هو عبد الله بن محمد بن أيوب وهو صدوق، وله ترجمة في تاريخ بغداد (10 / 81 - 82) . والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني والضياء عن بلال. وتعقبه المناوي بأن الهيثمي قال: (3 / 145، 301) : " فيه عبد الله بن كثير وهو ضعيف ".

وبكلام الذهبي المذكور. وقد وجدت له شاهدا من حديث ابن عمر، أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 337 - 338) عن الهيثم بن بشر بن حماد: حدثنا عمرو بن عثمان: حدثنا عبد الله بن نافع عن عاصم بن عمر العمري عن عبد الله بن دينار عنه مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف، عاصم بن عمر العمري ضعيف. بل قال ابن حبان (2 / 123) : " منكر الحديث جدا، يروي عن الثقات مالا يشبه حديث الأثبات ".

 

(2/230)

 

 

وعبد الله بن نافع هو الصائغ، قال الحافظ: " ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين من كبار العاشرة ". وعمرو بن عثمان إن كان الحمصي فصدوق، وإن كان الرقي فضعيف. والهيثم بن بشر بن حماد لم أجد فيه جرحا ولا تعديلا، ولعله آفة هذه الطريق.

ووجدت له طريق آخر عن ابن عمر. أخرجه ابن عساكر (12 / 349 / 1) عن عمر بن أبي بكر الموصلي (1) عن القاسم بن عبد الله العمري عن كثير المزني عن نافع عنه مرفوعا به. وفيه زيادة صحيحة في أوله وهي: " صلاة في مسجدي كألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " الحديث. أورده في ترجمة الموصلي هذا وروى عن أبي حاتم أنه قال فيه: " ذاهب الحديث متروك الحديث ".

وعن أبي زرعة أنه قرنه بابن زبالة والواقدي في الضعف في الحديث وعن الحافظ سعيد بن أبي عمر البردعي أنه قال: " هو آفة من الآفات ". قلت: والقاسم بن عبد الله العمري مثله أو شر منه، فقد قال الإمام أحمد: " كان يكذب ويضع الحديث ".

وكثير المزني هو ابن عبد الله بن عمرو بن عوف متهم أيضا بالكذب. وبهذا التمام أورده السيوطي أيضا في " الجامع " من رواية البيهقي في " الشعب " عن ابن عمر، وتعقبه المناوي بقوله: " ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه سكت عليه، والأمر بخلافه، فإنه عقبه بالقدح في سنده فقال: هذا إسناد ضعيف بمرة انتهى بلفظه، فحذف المصنف له من سوء الصنيع ".

قلت: وعليه فمن حسن الصنيع أن لا يورده السيوطي في كتابه أصلا، ولوساق القدح المذكور فيه! هذا، ورواه البزار مختصرا عن ابن عمر بلفظ: " رمضان بمكة أفضل من ألف رمضان بغير مكة ". أورده السيوطي أيضا. وأعله الهيثمي في " المجمع " (3 / 145) بعاصم بن عمر، وهو ضعيف كما سبق. قلت: وإسناده عند البزار (ص 102 - زوائده) هكذا: حدثنا عمرو بن حماد بن بنت حماد بن مسعدة: حدثنا عبد الله بن نافع: حدثنا عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر به. وقال:

__________

(1) الأصل: (المؤملي) والتصويب من " الجرح " (3 / 1 / 100) . اهـ.

 

(2/231)

 

 

" تفرد به عاصم بن عمر، لا نعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وعاصم متفق على ضعفه ". قلت: وعبد الله بن نافع هو الصائغ المدني قال الحافظ: " ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين ". وعمرو بن حماد بن بنت حماد بن مسعدة لم أجد له الآن ترجمة. وروي الحديث عن ابن عباس بلفظ: " ... مائة ألف "، وإليك لفظه بتمامه معه بيان حاله:

832 - " من أدرك رمضان بمكة فصام وقام منه ما تيسر له، كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواها، وكتب الله له بكل يوم عتق رقبة، وكل ليلة عتق رقبة، وكل يوم حملان فرس في سبيل الله، وفي كل يوم حسنة، وفي كل ليلة حسنة ".

موضوع.

رواه ابن ماجة (رقم 3117) عن عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا موضوع، ولوائح الوضع عليه ظاهرة، وآفته عبد الرحيم هذا، فقد قال ابن معين فيه: " كذاب خبيث ". وقال النسائي: " ليس بثقة ولا مأمون ". وقال ابن حبان (2 / 152) : " يروي عن أبيه العجائب مما لا يشك من الحديث صناعته أنها معمولة أو مقلوبة كلها ". ثم رأيت الحديث في " العلل " لابن أبي حاتم، وقال (1 / 250) : " هذا حديث منكر، وعبد الرحيم بن زيد متروك الحديث ".

 

(2/232)

 

 

833 - " العبد المطيع لوالديه، والمطيع لرب العالمين في أعلى عليين ".

موضوع.

رواه الديلمي في " مسند الفردوس " من طريق أبي نعيم بسنده عن الخضر بن أبان: حدثنا إبراهيم بن هدبة عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا سند موضوع، آفته إبراهيم هذا، فإنه كذاب مشهور.

والخضر بن أبان ضعفه الحاكم وغيره، ولهذا أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (رقم 1146 - بترقيمي) وابن عراق في " تنزيه الشريعة " (ق 404 / 1) . ومع ذلك أورده السيوطي في " الجامع الصغير " أيضا من رواية الديلمي عن أنس! ولم يتعقبه المناوي بشيء سوى أنه قال:

 

(2/232)

 

 

" ورواه عنه أبو نعيم أيضا وعنه تلقاه الديلمي مصرحا، فلو عزاه للأصل لكان أولى ". فيا عجبا منه، فإذا لم يخف عليه أن الديلمي تلقاه عن أبي نعيم فكيف خفي عليه أن فيه ذلك الكذاب، وكيف عرف أنه تلقاه عنه؟! ، وإن لم يخف عليه فكيف سكت عنه؟!

834 - " العنبر ليس بركاز، بل هو لمن وجده ".

موضوع.

رواه ابن النجار في " الذيل " (10 / 21 / 2) عن سلام الطويل عن إبراهيم بن (الأصل: " عن " وهو تحريف) إسماعيل بن مجمع عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ساقط، إبراهيم بن إسماعيل ضعيف، لكن الآفة من سلام الطويل فإنه ضعيف جدا، بل قال ابن خراش: " كذاب ". وقال ابن حبان والحاكم: " روى أحاديث موضوعة ". قلت: فلهذا يستنكر على السيوطي إيراده لهذا الحديث في " الجامع الصغير " من رواية ابن النجار هذه: وبيض له المناوي فلم يتكلم عليه بشيء! فالظاهر أنه لم يقف على إسناده.

 

(2/233)

 

 

835 - " الغيبة تنقض الوضوء والصلاة ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 279) وعنه الديلمي (2 / 325) عن سهل بن صقير الخلاطي: حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله [عن] ابن أبي مليكة: حدثنا مالك بن أنس عن صفوان بن سليم عن ابن عمر مرفوعا.

قلت: هذا موضوع، آفته إسماعيل هذا، وهو أبو يحيى التيمي كذاب وضاع، قال الدارقطني: " كان يكذب على مالك والثوري وغيرهما ". وقال الحاكم: " روى عن مالك ومسعر وابن أبي ذئب أحاديث موضوعة ". وسهل بن صقير، قال الخطيب:

" يضع الحديث ". وقال ابن ماكولا: " فيه ضعف ". والحديث مما سود به السيوطي " الجامع الصغير " فأورده فيه من رواية الديلمي عن ابن عمر، وعلق عليه المناوي بقوله: " ورواه عنه أبو نعيم، وعنه تلقاه الديلمي، فإهمال

المصنف للأصل، واقتصاره على الفرع غير مرضي ". قلت: لقد انشغل المناوي بالقشر عن اللب، فسكت عن الحديث مع ظهور آفته، بل إنه ذكر ما يشعر بثبوته عنده فقال:

 

(2/233)

 

 

" تمسك بظاهره قوم من المتنسكين والعباد، فأو جبوا الوضوء من النطق المحرم، وهو غلولا يوافق عليه الجمهور، والحديث عندهم خرج مخرج الزجر عن الغيبة ". قلت: التأويل فرع التصحيح، فكيف هذا والحديث موضوع؟! ولوصح إسناده لكان أسعد الناس به أولئك المتنسكون. ولكن هذا من ثمرة الجهل بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، فإن الجهال بها يشرعون في الدين ما ليس منه!

ثم رأيت في " المشكاة " (4873) من رواية البيهقي في " الشعب " عن ابن عباس: إن رجلين صليا صلاة الظهر أو العصر، وكانا صائمين، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: أعيدوا وضوءكما وصلاتكما، وامضيا في صومكما، واقضياه يوما آخر، قالا: لم يا رسول الله؟ قال: اغتبتم فلانا ". ولم أقف على إسناده حتى الآن، وما أراه يصح.

836 - " لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا - أراه قال - من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله إلى أهله سالما لم تكتب عليه سيئة ألف سنة، وتكتب له الحسنات، ويجرى له أجر الرباط إلى يوم القيامة ".

موضوع.

رواه ابن ماجة (2 / 175) عن محمد بن يعلى السلمي: حدثنا عمر بن صبيح عن عبد الرحمن بن عمرو عن مكحول عن أبي بن كعب مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، والمتهم به ابن صبيح هذا، قال الذهبي: " ليس بثقة ولا مأمون، قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث، وقال الأزدي: كذاب ". والراوي عنه محمد بن يعلى السلمي ضعيف جدا.

ثم هو منقطع بين مكحول وأبي، وقد قال الحافظ المنذري في " الترغيب " (2 / 151) بعد أن عزاه لابن ماجه: " وآثار الوضع ظاهرة عليه، ولا عجب فراويه عمر بن صبيح الخراساني، ولولا أنه في الأصول لما ذكرته ".

 

(2/234)

 

 

ونقل أبو الحسن السندي في " حاشيته على ابن ماجه " عن الحافظ ابن كثير أنه قال: " أخلق بهذا الحديث أن يكون موضوعا، لما فيه من المجازفة، ولأنه من رواية عمر بن صبيح أحد الكذابين المعروفين بوضع الحديث ".

837 - " من أرضى السلطان بما يسخط الله فقد خرج من دين الله ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " الأخبار " (2 / 348) والحاكم (4 / 104) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (99 / 1) عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي: حدثنا علاق بن أبي مسلم عن جابر مرفوعا.

وقال الحاكم: " تفرد به علاق بن أبي مسلم، والرواة إليه ثقات "! ووافقه الذهبي! وتبعه المناوي! وهو ذهو ل فاحش منهم جميعا، وبخاصة الذهبي، فقد أورد في " الميزان " عنبسة هذا وقال: " قال البخاري: تركوه، وروى الترمذي عن البخاري: ذاهب الحديث.

وقال أبو حاتم: كان يضع [الحديث] ". وقال ابن حبان (2 / 168) : " هو صاحب أشياء موضوعة لا يحل الاحتجاج به ". قلت: وعلاق بن أبي مسلم ما روى عنه غير عنبسة هذا، فهو مجهول العين، وقد صرح بجهالته الحافظ في " التهذيب "، و" التقريب ". وقال الذهبي: " وهاه: الأزدي، وما لينه القدماء "! قلت:

فهل وثقوه؟!

 

(2/235)

 

 

838 - " من أدرك رمضان، وعليه من رمضان شيء لم يقضه، لم يتقبل منه، ومن صام تطوعا وعليه من رمضان شيء لم يقضه، فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه ".

ضعيف.

أخرجه أحمد (2 / 352) : حدثنا حسن: حدثنا ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرج الشطر الأول منه الطبراني في " الأوسط " (99 / 2) من طريق عبد الله بن يوسف: حدثنا ابن لهيعة به. وقال: " لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة ". قلت: وهو سيء الحفظ، وقد اضطرب في إسناده ومتنه، أما السند، فرواه حسن وعبد الله بن يوسف عنه كما ذكرنا. وتابعهما جماعة كما يأتي.

 

(2/235)

 

 

وخالفهم ابن وهب فقال: عنه عن أبي الأسود عن عبد الله بن أبي رافع مولى أم سلمة عنه. وابن المبارك فقال عنه.... عن عبد الله عن أبي هريرة. وخالف الجماعة عمرو بن خالد عنه فأوقفه! قال ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 259) : " سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن لهيعة، فاختلف على ابن لهيعة، رواه عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي أبي الأسود فقال: عن عبد الله بن أبي رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ... (فذكره) .

ورواه عبد الله بن عبد الحكم، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم وعمرو بن خالد الحراني وأبو صالح كاتب الليث والنضر بن عبد الجبار عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا عمرو بن خالد فإنه أوقفه ولم يرفعه.

ورفع الباقون الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورواه ابن المبارك فقال: أخبرنا عبد الله بن عقبة - نسب ابن لهيعة إلى جده، لأن ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة - عن أبي الأسود عن عبد الله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينسب عبد الله. فقال أبو زرعة: الصحيح عبد الله بن رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

قلت: ويتلخص من ذلك أن ابن لهيعة كان يضطرب فيه على وجوه، فتارة يسمي تابعي الحديث عبد الله بن أبي رافع. وتارة يسميه عبد الله بن رافع. وتارة: عبد الله، لا ينسبه. وتارة يرفع الحديث، وتارة يوقفه. والاضطراب علامة على أن الراوي لم يضبط حفظ الحديث.

ولذلك كان المضطرب من أقسام الحديث الضعيف في " علم المصطلح ". ولا يقال: لعل هذا الإضطراب من الرواة عن ابن لهيعة، لا منه. لأننا نقول: هذا مردود لأنهم جميعا ثقات، وفيهم عبد الله بن وهب وعبد الله بن المبارك، وهما ممن سمعا من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، فذلك يدل على أن الاضطراب منه، وأنه قديم لم يعرض له بعد احتراق الكتب، والله أعلم.

وإن مما يؤكد ضعف الحديث ما رواه البيهقي (4 / 253) عن عبد الوهاب ابن عطاء: سئل سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن رجل تتابع عليه رمضانان وفرط فيما بينهما؟ فأخبرنا عن قتادة عن

صالح أبي الخليل عن مجاهد عن أبي هريرة أنه قال: " يصوم الذي حضر، ويقضي الآخر، ويطعم لكل يوم مسكينا ". وإسناده صحيح. ورواه من طرق أخرى عن عطاء به. ثم قال: " وروى هذا الحديث إبراهيم بن نافع الجلاب عن عمر بن موسى بن وجيه عن الحكم

 

(2/236)

 

 

عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا. وليس بشيء، إبراهيم وعمر متروكان. وروينا عن ابن عمر وأبي هريرة في الذي لم يصم حتى أدركه رمضان آخر؟ يطعم ولا قضاء عليه. وعن الحسن وطاووس والنخعي، يقضي ولا كفارة عليه. وبه نقول، لقوله تعالى: (فعدة من أيام أخر) ".

قلت: فلوكان هذا الحديث عند أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل بالقضاء، لأنه يتنافى مع قوله فيه " لم يتقبل منه ". وهذا ظاهر بين. والله أعلم.

ومن هذا التحقيق يتبين لك ما هو الصواب في قول الهيثمي في " المجمع " (3 / 179) : رواه أحمد والطبراني في " الأوسط " باختصار، وهو حديث حسن ".

وقوله في مكان آخر (3 / 149) عقب رواية الطبراني: " رواه الطبراني في " الأوسط " وأحمد أطول منه، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح "!

839 - " من أسبغ الوضوء في البرد الشديد كان له من الأجر كفلان ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني في " الأوسط " (3 / 1) عن إبراهيم بن موسى البصري: حدثنا أبو حفص العبدي عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن علي مرفوعا. وقال: لم يرو هـ عن علي بن زيد إلا أبو حفص، واسمه عمر بن حفص ".

قلت: قال أحمد: " تركنا حديثه وحرقناه ". وقال علي: " ليس بثقة ".

وقال النسائي: " متروك ". والحديث أورده الهيثمي في المجمع " (1 / 237) من رواية الطبراني هذه وقال: " وفيه عمر بن حفص العبدي وهو متروك ". قلت: وعلي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف. وإبراهيم بن موسى البصري لم أعرفه، ولعله من أولئك الرواة الذين رووا عن العبدي وقال فيهم أبو زرعة الرازي وقد سئل عن العبدي: " واهي الحديث، لا أعلم حدث عنه كبير أحد، إلا من لا يدري الحديث ". رواه الخطيب في " تاريخه " (11 / 194) ، ولم يرد في " الميزان "، ولا في " اللسان "! وقد توبع العبدي ممن هو أسوأ منه حالا بزيادة في متنه وهو الآتي:

 

(2/237)

 

 

840 - " من أسبغ الوضوء في البرد الشديد كان له من الأجر كفلان، ومن أسبغ الوضوء في الحر الشديد كان له من الأجر كفل ".

 

(2/237)

 

 

موضوع.

رواه ابن النجار (10 / 209 / 2) عن محمد بن الفضل عن علي بن زيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن علي رضي الله عنه مرفوعا.

قلت: هذا سند واه بمرة، علي بن زيد هو ابن جدعان وهو ضعيف كما سبق. ومحمد بن الفضل هو ابن عطية المروزي وهو كذاب. وقد تابعه على الشطر الأول منه عمر بن حفص العبدي عن علي بن زيد به. قلت: وهو متروك كما تقدم آنفا مع تخريجه.

841 - " من كرم أصله، وطاب مولده، حسن محضره ".

باطل.

رواه ابن عدي في " الكامل " (57 / 1) عن جعفر بن نصر بن سويد أبي ميمون: حدثنا علي بن عاصم: حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن أبي هريرة مرفوعا وقال: " جعفر بن نصر حدث عن الثقات بالبواطيل، وليس بالمعروف، وهذا الحديث بهذا الإسناد باطل، ولجعفر غير ما ذكرت من الأحاديث، موضوعات على الثقات ". وذكر نحوه ابن حبان في " المجروحين " (1 / 208) وساق له حديثين آخرين وقال: " وهذان متنان موضوعان ". وقال الذهبي: في هذا الحديث: " باطل ". وأقره الحافظ.

قلت: ومع ذلك كله فقد سود به السيوطي كتابه " الجامع " فأورده فيه من رواية ابن النجار عن أبي هريرة، وتعقبه المناوي بقول ابن عدي أنه باطل، نقله عن ابن الجوزي عنه ثم قال: " رواه الديلمي عن ابن عمر ".

 

(2/238)

 

 

842 - " لا تستشيرو االحاكة ولا المعلمين، فإن الله سلب عقولهم، ونزع البركة من أكسابهم ".

موضوع.

رواه ابن النجار (10 / 197 / 1) عن علي بن جعفر بن صالح البغدادي بسنده عن زيد بن أسلم عن عطاء بن أبي ربحا عن أبي هريرة مرفوعا. وقال في علي هذا: " روى حديثا منكرا ". ثم ساقه.

وللحديث طريق آخر، أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 224) عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا به وقال: " موضوع. عبيد الله بن زحر قال ابن حبان: " يروي الموضوعات عن الأثبات. وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم ".

وذكر السيوطي في " اللآلي " (1 / 200) نقلا عن الذهبي أن الآفة فيه من أحمد بن

 

(2/238)

 

 

يعقوب الحذاء، فإنه الذي رواه بإسناد له عن يحيى بن أيوب به. أخرجه الديلمي. قلت: وجزم الذهبي بأنه حديث موضوع، وله طريق آخر عن علي بن يزيد، رواه الخطيب في " تاريخه " (12 / 124) والسلفي في " الطيوريات " (133 / 2) عن علي بن يوسف بن أيوب الدقاق: حدثنا أحمد بن محمد بن غالب - غلام خليل -: حدثنا محمود بن غيلان: حدثنا الوليد بن مسلم عن معان بن رفاعة عن علي بن يزيد (1) به. أورده الخطيب في ترجمة الدقاق هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولذلك قال ابن الجوزي عقبه: " موضوع، غلام خليل يضع، والراوي عنه لا يعرف ".

843 - " لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد ".

ضعيف جدا.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (267) وابن عدي (241 / 1) وابن حبان في " صحيحه " (2398 - موارد) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 232) والحاكم (1 / 493 - 494) والضياء في " المختارة " (50 / 1) عن معلى بن أسد العمي: حدثني عمر (وفي " المستدرك ": عمرو) بن محمد عن ثابت البناني عن أنس مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! وتعقبه الذهبي بقوله: " لا أعرف عمرا (!) ، تعبت عليه ".

قلت: كذا وقع في " المستدرك ": " عمرو " بزيادة الواو، وهو من أوهامه، والصواب: " عمر " بدونها كما عند الآخرين هو معروف، ولكن بالضعف! قال العقيلي: " عمر بن محمد لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به ".

قلت: وهو عمر بن محمد بن صهبان، كذلك وقع منسوبا في رواية أبي نعيم، ويؤيده أنه وقع في رواية " المستدرك " " الأسلمي " وابن صهبان أسلمي، ولذلك أورد ابن عدي الحديث في ترجمة عمر بن محمد بن صهبان وقال عقبه: " وعمر بن صهبان عامة أحاديثه لا يتابعه الثقات عليه، والغالب على حديثه المناكير ".

قلت: وعمر بن محمد بن صهبان قال أبو زرعة واه. قال الذهبي: " هو عمر بن صهبان نسب إلى جده ". وقال هناك. " عمر بن صهبان الأسلمي ... قال أحمد: لم يكن بشيء، وقال ابن معين لا يساوي فلسا، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم والدارقطني: متروك الحديث ". وقال ابن حبان (2 / 81) : " وكان محمد يروي عن الثقات المعضلات، التي إذا سمعها من الحديث صناعته لم يشك أنها معمولة ".

__________

(1) الأصل " زيد " في المصدرين المذكورين وهو خطأ. اهـ.

 

(2/239)

 

 

وأما الضياء المقدسي، فإنه ظن أن عمر بن محمد هذا هو غير ابن صهبان وأنه ثقة، ولذلك أورده في " المختارة "، وإنما غره في ذلك قول ابن حبان في رواية الضياء عنه، " عمر بن محمد هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ". قلت: ابن زيد هذا ثقة اتفاقا، ولوصح أنه هو لكان الحديث صحيحا، ولكن هيهات، فقد صرحت رواية أبي نعيم أنه ابن صهبان، ونحوه رواة الحاكم، والأخذ بما جاء في صلب الرواية أولى من الأخذ بتفسير مخرج الحديث، كابن حبان، لأن هذا كالنص مع القياس في الفقه، ومن المعلوم أنه لا قياس ولا اجتهاد في مورد النص!

ويؤيد أنه ابن صهبان أنه هو الذي ذكروا في ترجمته أن من شيوخه ثابت البناني، ومن الرواة عنه معلى بن أسد، وهذا من روايته عنه كما رأيت، بينما لم يذكروا ذلك في ترجمة ابن زيد، فتعين أن صاحب هذا الحديث إنما هو ابن صهبان، وهو ضعيف جدا كما علمت من أقوال العلماء فيه، وبذلك يسقط الحديث من درجة الاعتبار، ويظهر خطأ تصحيح الحاكم والضياء له، والله الموفق.

844 - " من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفي ثمنه درهم حرام لم يقبل له صلاة ما كان عليه ".

ضعيف جدا.

رواه أبو العباس الأصم في " حديثه " (1 / 140) : حدثنا أبو عتبة: أخبرنا بقية: أخبرنا يزيد بن عبد الله الجهني عن ابن جعونة عن هاشم الأو قص قال: سمعت ابن عمر يقول: فذكره مرفوعا. وكذا رواه ابن أبي الدنيا في " الورع " (273 / 2) والأكفاني في " حديثه " (68 / 2) .

ورواه الضياء في " المنتقى من المسموعات بمرو" (21 / 2) من طريق عيسى بن أحمد: أخبرنا بقية: حدثنا زيد بن عبد الله الجهني عن أبي معاوية عن هاشم به. ورواه أحمد (2 / 98) من طريق أسود بن عامر عن بقية عن عثمان بن زفر عن هاشم به. ورواه الخطيب (14 / 21) وعنه ابن عساكر (4 / 1 / 2) من طريق أبي العباس الأصم به. ثم روياه من طريق هارون بن أبي هارون - وهو صدوق -: حدثنا بقية بن الوليد عن مسلمة الجهني: حدثني هاشم الأو قص به. فأسقط رجلين، يزيد بن عبد الله الجهني وابن جعونة، وجعل مكانهما مسلمة الجهني.

ثم رواه الخطيب وابن عساكر عن مؤمل بن الفضل،: حدثنا بقية عن جعونة عن هاشم. ثم رواه ابن عساكر من طرق أخر عن بقية على وجوه أخرى من الاضطراب عن هاشم وقال: " وهذا الاضطراب في الحديث من بقية فإنه كان يخلط فيه ". قلت: ومداره على هاشم الأوقص، وقد قال البخاري فيه: " ضال غير ثقة "، كما رواه ابن عدي عنه (353 / 2) .

 

(2/240)

 

 

845 - " ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم ".

موضوع.

رواه الشريف أبو القاسم علي الحسيني في " الفوائد المنتخبة " (18 / 256 / 2) ، ومن طريقه الحافظ ابن عساكر في " تاريخه " (4 / 282 / 1) وعنه ابن أخيه أبو منصور بن عساكر في " الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين " (ص 101 الحديث 39) من طريق أبي عبد الغني الحسن بن علي بن عيسى الأزدي: نا عبد الرزاق بن همام: أنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن داود بن الحصين عن عكرمة بن خالد عن علي بن أبي طالب مرفوعا. وقال الشريف: " هذا حديث غريب ... لا أعلمه رواه إلا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي ". وكذا قال أبو منصور وزاد: " ولم يكتب عنه إلا من هذا الوجه ". قلت: وهذا إسناد واه بمرة، وفيه علل:

1 - داود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة كما قال الحافظ في " التقريب" ومستنده قول ابن المديني: " ما رواه عن عكرمة فمنكر ". وكذا قال أبو داود.

2 - إبراهيم الأسلمي كذاب كما قال يحيى القطان وابن معين وابن المدني، وروى أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (34 / 1) بسند صحيح عن يحيى بن سعيد قال:

" لم يترك إبراهيم بن أبي يحيى للقدر، وإنما للكذب ". وفي رواية أخرى عنه:

" أشهد على إبراهيم أنه يكذب ". وقال ابن حبان (1 / 92) : " كان يرى القدر ويذهب إلى كلام جهم، ويكذب مع ذلك في الحديث ". قلت: ومن الغرائب أن يخفى حال هذا الكذاب على الإمام الشافعي وهو من شيوخه! ولعل سبب ذلك ما قال ابن حبان: إنه كان يجالسه في حداثته ويحفظ عنه حفظ الصبي، والحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، فلما دخل مصر في آخر عمره، وصنف الكتب المبسوطة احتاج إلى الأخبار، ولم تكن معه كتب، فأكثر عنه، وربما كنى عنه ولا يسميه في كتبه ".

3 - أبو عبد الغني الأزدي متهم بالوضع، وفي ترجمته ساق ابن عساكر هذا الحديث، وقال فيها: " وكان ضعيفا ". ثم روى عن أبي نعيم أنه قال: " حدث عن مالك أحاديث موضوعة ". وكذا قال الحاكم، ثم تعقب ابن عساكر أبا نعيم بقوله: " ولا أعلم روى عن مالك ولا أدركه ".

 

(2/241)

 

 

قلت: وهو إنما يروي عن مالك بواسطة عبد الرزاق، وقد ساق له الدارقطني من هذا الوجه حديثا وقال:

" باطل وضعه أبو عبد الغني على عبد الرزاق ". وكذا رواه ابن عساكر في ترجمته. لكن قد ساق له ابن حبان (1 / 235) حدثنا آخر صرح فيه بقوله: " حدثنا مالك ... " فهو من أكاذيبه عليه. وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات، لا تحل الرواية عنه بحال ". (تنبيه) : أول الحديث عندهم: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ". وإنما لم أورد هذه الزيادة لمجيئها من طرق بعضها صحيح وبعضها حسن، وقد خرجتها في " آداب الزفاف " (ص 151) ، ولأن الحديث اشتهر في العصر الحاضر بدون هذه الزيادة فإفراده عنها أدعى إلى تيسير الوقوف عليه، وقد أورده السيوطي في " الجامع الصغير " بتمامه من رواية ابن عساكر وحده عن علي، وهذا على خلاف شرطه في أول الكتاب حيث قال: " وقد صنته عما تفرد به كذاب أو وضاع " فكيف هذا وقد اجتمع فيه كذاب ووضاع معا؟! ومن الغرائب أن المناوي بيض له فلم يتكلم عليه بشيء!

846 - " إن الله تعالى فضل المرسلين على المقربين، فلما بلغت السماء السابعة لقيني مالك من نور، على سرير من نور، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فأوحى الله إليه: يسلم عليك صفيي ونبيي فلم تقم إليه، وعزتي وجلالي لتقومن فلا تقعدن إلى يوم القيامة ".

موضوع.

رواه الخطيب في " تاريخه " (3 / 306 - 307) عن محمد بن مسلمة الواسطي حدثنا يزيد بن هارون: حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابن عباس مرفوعا.

وقال: " هذا الحديث باطل موضوع، رجال إسناده كلهم ثقات سوى محمد بن مسلمة، رأيت هبة الله بن الحسن الطبري يضعف محمد بن مسلمة، وسمعت الحسن بن محمد الخلال يقول: محمد بن مسلمة ضعيف جدا ". والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 292) من طريق الخطيب، واحتج بكلامه المذكور في وضعه، وأقره الذهبي في " الميزان " وكذا السيوطي في " اللآليء " (1 / 274 - 275) .

ومع ذلك فقد أورد في كتابه " الجامع الصغير " حديثا آخر للواسطي هذا، فوجب بيانه وهو:

 

(2/242)

 

 

847 - " إياك وقرين السوء فإنك به تعرف ".

موضوع.

رواه سليم بن أيوب الفقيه في جزئه " عوالي مالك " وهو آخر حديث فيه وأخرجه بإسناده عن طريق مالك - عن محمد بن مسلمة الواسطي: حدثنا موسى الطويل عن أنس مرفوعا.

 

(2/242)

 

 

ومن طريق سليم هذا رواه ابن عساكر في " التاريخ " (4 / 333 / 1) وكذا في " التجريد " (4 / 21 / 2) وفي المجلس الثالث والخمسين من " الأمالي " (46 / 1) وقال: " هذا حديث سباعي غريب ".

قلت: وإسناده موضوع آفته إما محمد بن مسلمة الواسطي فإنه متهم بالوضع كما سبق في الحديث الذي قبله. وإما شيخه موسى الطويل وهو ابن عبد الله، فقال ابن حبان (2 / 242) : " روى عن أنس أشياء موضوعة، كان يضعها، أو وضعت له فحدث بها ". وقال أبو نعيم: " روى عن أنس المناكير، لا شيء ". والحديث مما سود به السيوطي " الجامع الصغير "! فأورده فيه من رواية ابن عساكر وحده. وبيض له المناوي فلم يتكلم عليه بشيء! وبهذا الإسناد الحديث الآتي: " من أذن سنة على نية صادقة، لا يطلب عليها أجرا حشر يوم القيامة فأو قف على باب بالجنة فقيل له: اشفع لمن شئت ".

848 - " من أذن سنة على نية صادقة، لا يطلب عليها أجرا حشر يوم القيامة فأوقف على باب بالجنة فقيل له: اشفع لمن شئت ".

موضوع.

رواه ابن شاهين في " رباعياته " (176 / 1) وتمام (147 / 1) وابن عساكر (5 / 2 / 2) عن محمد بن مسلمة الواسطي: حدثنا موسى الطويل: حدثنا مولاي أنس بن مالك مرفوعا. وهذا موضوع كما عرفت مما سبق بيانه في الحديث السابق، ومن العجائب أن السيوطي أورده أيضا في " الجامع الصغير " من رواية ابن عساكر وحده عن أنس، مع أنه أورده أيضا في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 104) من رواية ابن النجار عن محمد بن مسلمة هذا به وقال: " قال ابن حبان: موسى روى عن أنس موضوعات ". وأقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة (256 / 1) . ولما أورده في " الجامع الصغير " تعقبه المناوي بقوله: " قال ابن الجوزي: حديث لا يصح، فيه موسى الطويل كذاب، قال ابن حبان: زعم أنه رأى أنسا، وروى عنه أشياء موضوعة، ومحمد بن مسلمة غاية في الضعف ".

 

(2/243)

 

 

849 - " من حافظ على الأذان سنة وجبت له الجنة ".

موضوع.

رواه الخطيب البغدادي في " الموضح " (2 / 186) عن أبي قيس الدمشقي عن عبادة بن نسي عن أبي مريم السكوني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعا. وقال: " أبو قيس هذا هو محمد بن عبد الرحمن القرشي " وذكر له أسماء وكنى كثيرة جدا، ثم روى عن ابن نمير أنه ذكر له رواية الكوفيين عن محمد بن سعيد الذي يقال له: ابن أبي قيس، فقال: لم يعرفوه، إنما العيب على من روى عنه من أهل الشام بعد المعرفة، من يروي عن هذا العدو لله؟! (1) كذاب يضع الحديث، صلب في الزندقة، ولقد حدث الناس، قبحه الله!

وقال ابن سعيد: سمعت عبد الله بن أحمد بن سوادة أبا طالب يقول: قلب أهل الشام اسم محمد بن سعيد الزنديق

__________

(1) الأصل (والله) ، والتصويب من " التهذيب ". اهـ.

 

(2/243)

 

 

على مائة اسم وكذا وكذا اسما، قد جمعتهن في كتاب، وهو الذي أفسد كثيرا من حديثهم ". وهذه فائدة هامة من كلام الحافظ الخطيب أن أبا قيس هذا هو محمد بن سعيد المصلوب، وبذلك جزم ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 436) ، وكأن الذهبي لم يقف على كلامه حيث قال في الكنى من " الميزان ": " أبو قيس الدمشقي عن عبادة بن نسي، أظنه المصلوب، هالك ".

وأما الحافظ فجزم في " الكنى " من " التهذيب " و" التقريب " أنه المصلوب، وخفي هذا كله على السيوطي وبعضه على المناوي، فأما الأول فقد أورد الحديث في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي عن ثوبان وفيها أبو قيس كما سيأتي، فلوكان يظن على الأقل أنه محمد بن سعيد الكذاب لما استجاز إن شاء الله أن يرويه له، لعلمه بقول النبي صلى الله عليه وسلم " من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ". وأما المناوي فقال في شرحه على الجامع ": " وفيه أبو قيس الدمشقي عن عبادة بن نسي، أورده الذهبي في " الضعفاء والمتروكين " فقال: كأنه المصلوب، متهم ".

فوقف المناوي عند ظن الذهبي، وهو المصلوب يقينا كما سبق. واعلم أن العلماء مطبقون على تكذيب هذا المصلوب، فقال أحمد: " حديثه حديث موضوع ".

وقال: " عمدا كان يضع ". وقال ابن حبان (2 / 247) : " كان يضع الحديث على الثقات، لا يحل ذكره إلا على وجه القدح فيه ". وقال أبو أحمد الحاكم: " كان يضع الحديث، صلب على الزندقة ".

وقال ابن الجوزي (1 / 47) : " والوضاعون خلق كثير فمن كبارهم وهب بن وهب القاضي، ومحمد بن السائب الكلبي، ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب ... ". وحكاه السيوطي في " اللآليء " (2 / 473) وأقره. ثم رأيت الحديث رواه ابن عدي في " ترجمة محمد بن سعيد بن أبي قيس المصلوب من " الكامل " (ق 291 / 1) بسنده عنه عن عبادة بن نسي به وقال: " عامة ما يرويه لا يتابع عليه ".

وأما أبو مريم السكوني فأورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 436) وساق له هذا الحديث ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر الحافظ في " الإصابة " في ترجمة أبي مريم الفلسطيني: " وأبو مريم السكوني، آخر، تابعي معروف، يروي عن ثوبان، وعنه عبادة بن نسي، ذكره البخاري وغيره ".

وهكذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 273) ، فيبدو أنه مجهول الحال. وقد وجدت للحديث طريقا أخرى عن أبي مريم، رواه ابن عساكر (15 / 286 / 1) عن محمد بن عبد الله بن نمران الذماري: أخبرنا أبو عمرو العنسي عن أبي مريم مولى السكوني

 

(2/244)

 

 

أنه سمع ثوبان به. وقال: " أبو عمرو هو شراحيل بن عمرو العنسي ".

قلت: وهو ضعيف جدا، وكذا الراوي عنه ابن نمران، فقد روى ابن عساكر بسنده عن محمد بن عوف الحمصي الحافظ أنه ضعفهما جدا، وعن أبي زرعة أنه قال في ابن نمران: " منكر الحديث لا يكتب حديثه " وعن الدارقطني: " ضعيف ". وقال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 307) : " سألت أبي عنه فقال: هو ضعيف الحديث جدا ".

850 - " من أذن سبع سنين محتسبا كتب الله له براءة من النار ".

ضعيف جدا.

رواه الترمذي (1 / 267 - 206 طبع حمص) وابن ماجه (1 / رقم 727) والطبراني (3 / 109 / 2) وابن السماك في " التاسع من الفوائد " (3 / 1) وابن بشران في " الأمالي الفوائد " (2 / 125 / 1) والخطيب في " تاريخه "، (1 / 247) من طريقين عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.

وقال الترمذي: " حديث غريب ". يعني ضعيف، وقال العقيلي في " الضعفاء ": (ص 155) : " وفي إسناده لين ". وقال البغوي في " شرح السنة " (1 / 58 / 1) : " وإسناده ضعيف ". وأشار المنذري في " الترغيب " (1 / 111) لتضعيفه.

قلت: وعلته جابر هذا، وهو ابن يزيد الجعفي، وهو ضعيف بل كذبه بعض الأئمة، وكان رافضيا يؤمن أن عليا لم يمت، وأنه في السحاب وسيرجع! ورواه ابن عدي (99 / 2) عن محمد بن الفضل عن مقاتل بن حيان وحمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. قلت: ومحمد بن الفضل، هو ابن عطية كذاب.

 

(2/245)

 

 

851 - " من أذن خمس صلوات إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن أم أصحابه خمس صلوات إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ".

ضعيف.

رواه رزق الله التميمي الحنبلي في جزء من " أحاديثه " (2 / 1) والأصبهاني في " الترغيب " (40 / 1) الجملة الأولى فقط، عن إبراهيم بن رستم قال: أنبأ حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا.

ومن هذا الوجه رواه البيهقي في " سننه " (1 / 433) إلا أنه جمع الجملتين في جملة واحدة فقال:

 

(2/245)

 

 

" من أذن خمس صلوات وأمهم ... " الحديث وقال: " لا أعرفه إلا من حديث إبراهيم بن رستم ". قلت: وهو ضعيف، ومحله الصدق وله حديث آخر في فضل المؤذن المحتسب يأتي بعد هذا، واعلم أنه لم يأت حديث صحيح في فضل المؤذن يؤذن سنين معينة، إلا حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بكل أذان ستون حسنة، وبكل إقامة ثلاثون حسنة ". رواه الحاكم بإسنادين، وصححه، ووافقه الذهبي وهو كما قالا، فإن أحد إسناديه صحيح، كما بينته في " الصحيحة " (42) .

852 - " المؤذن المحتسب كالشهيد المتشحط في دمه، يتمنى على الله ما يشتهي بين الأذان والإقامة ".

ضعيف.

رواه الطبراني في " الأوسط " (25 / 2 مجمع البحرين في زوائد المعجمين) عن إبراهيم بن رستم عن قيس بن الربيع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عمر مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه أبو بكر المطرز في " الأمالي

القديمة " (1 / 172 / 1) .

قلت: وهذا سند ضعيف من أجل قيس بن الربيع وإبراهيم بن رستم وهو الخراساني، وكلاهما ضعيف، وقد تفرد به عن قيس كما قال الحاكم على ما في " اللسان ". والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (1 / 111) والهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 3) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا بلفظ: " المؤذن المحتسب كالشهيد المتشحط في دمه، إذا مات لم يدود في قبره ". وقالا: " رواه الطبراني في " الكبير ".

قال الهيثمي: " وفيه إبراهيم بن رستم وهو مختلف في الاحتجاج به، وفيه من لم نعرف ترجمته ".

قلت: وهو في " المعجم الكبير " أيضا من طريق أخرى عن سالم الأفطس عن مجاهد عن ابن عمر بأتم منه وهو:

 

(2/246)

 

 

853 - " المؤذن المحتسب كالشهيد يتشحط في دمه حتى يفرغ من أذانه، ويشهد له كل رطب ويابس، وإذا مات لم يدود في قبره ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني في " الكبير " (3 / 205 / 2) : حدثنا أحمد بن الجعد الوشا: أخبرنا محمد بن بكار: أخبرنا محمد بن الفضل عن سالم الأفطس عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا.

 

(2/246)

 

 

ورواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 113) عن محمد بن عبسى العطار: حدثنا محمد بن الفضل بن عطية بن سالم الأفطس به.

قلت: وهذا سناد ضعيف بمرة، آفته محمد بن الفضل بن عطية، وهو كذاب، وقال الهيثمي (2 / 3) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه محمد بن الفضل القسطاني ولم أجد من ذكره ".

قلت: لم يقع في نسختنا من المعجم الكبير ": (القسطاني) ، وهي نسخة جيدة، عليها سماعات كثيرة، لعلماء مشهور ين، منهم الضياء المقدسي، إلا أن يكون وقع ذلك في مكان آخر من " المعجم "، ومحمد بن الفضل هذا هو ابن عطية كما سبق، والدليل على ذلك أمور:

1 - أن الخطيب ذكر (3 / 147) في الرواة عنه محمد بن بكار بن الريان، وهذا الحديث من روايته عنه كما ترى.

2 - أن أبا نعيم صرح بأنه ابن عطية في روايته، وهي وأن كان فيها محمد بن عيسى العطار وهو ابن حبان المدائني ضعيف، فهي في الشواهد لا بأس بها.

3 - قال الذهبي في " الميزان: " محمد بن بكار، روى عن محمد بن الفضل بن عطية عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه: " الحج جهاد، والعمرة تطوع ". قال ابن حزم: ابن بكار وابن الفضل مجهولان. قلت: أما ابن بكار فصحيح أنه مجهول، وأما ابن الفضل فتكلم فيه أحمد و.... وهو ضعيف متروك بالإجماع ". قلت: فهذا يدل على أن ابن الفضل معروف بالرواية عن سالم الأفطس، وقد خفي على الذهبي أن ابن بكار هذا هو ابن الريان وليس مجهولا، بل هو ثقة من رجال مسلم في " صحيحه ". هذا وأما محمد بن الفضل القسطاني فهو راوآخر غير ابن عطية، وهو متأخر عنه. قال ابن أبي حاتم: " كتبت عنه وهو صدوق ". وله ترجمة في " تاريخ بغداد " (3 / 152 - 153) .

(تنبيه) : الجملة الثانية من الحديث " ويشهد له كل رطب ويابس " صحيحة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، جاءت من حديث ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما. انظر " الترغيب ".

854 - " اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون بعدي، يرو ون أحاديثي وسنتي، ويعلمونها الناس ".

باطل.

رواه الرامهرمزي في " الفاصل " (ص 5) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 81) والخطيب في " شرف أصحاب الحديث " (1 / 36 / 1) والهروي في " ذم الكلام " (4 / 82 / 2) وكذا القاضي عياض في " الإلماع " (3 / 4) وعبد الغني المقدسي في " كتاب العلم " (50 / 2) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (74 / 1) ومحمد بن طولون في

 

(2/247)

 

 

" الأربعين " (5 / 1) كلهم من طريق أحمد بن عيسى بن عبد الله الحواني: حدثنا ابن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: سمعت علي بن أبي طالب يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. ومن هذا الوجه رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " (1 / 126) ، وأورده أبو نعيم في ترجمة أحمد بن عيسى هذا وقال: " توفي بأصبهان في خلافة الرشيد "، ولم يذكر فيه جرحا، وهذا عجب فقد قال الدارقطني فيه " كذاب ". كما في " الميزان " للذهبي. وساق له هذا الحديث، وقال: " وهذا باطل ". وأقره الحافظ ابن حجر في " اللسان "، ومع ذلك فقد أورده السيوطي في " الجامع الصغير ".

وتعقبه المناوي بما

نقلناه عن الدارقطني والذهبي وأتبع ذلك بقوله: " فكان ينبغي حذفه من الكتاب ". وذكر المناوي أن مخرجه الطبراني قال: " تفرد به أحمد بن عيسى هذا ".

قلت: وفيه نظر، فقد قال الخطيب: وأخبرني علي بن أبي علي البصري قال: حدثنا أبو العباس عبيد الله بن الحسن بن جعفر بن أبي موسى القاضي الموصلي، قال: حدثنا سعيد بن علي بن الخليل قال: حدثنا عبد السلام بن عبيد: قال ابن أبي فديك به. ومن طريق الخطيب رواه الكازروني في " المسلسلات " (99 / 2) . لكن عبد السلام هذا قال الدارقطني: " ليس بشيء " وقال الأزدي: " لا يكتب حديثه " وقال ابن حبان (2 / 144) : " كان يسرق الحديث ويروي الموضوعات ".

قلت: فالظاهر أن هذا الحديث مما سرقه من أحمد بن عيسى! وللحديث طرق أخرى:

2 - أخرجه الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (49 / 2) وعفيف الدين في " فضل العلم " (124 / 2) عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي: حدثني أبي: حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا ... قلت: فساق إسناده عن آبائه من أهل البيت إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم. وعبد الله هذا متهم بالوضع، له بهذا السند نسخة موضوعة باطلة ما تنفك عن وضعه أو وضع أبيه، كما قال الذهبي.

3 - أخرجه السلفي في " الطيوريات " (34 / 1) عن إبراهيم بن ميمون: أخبرنا عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي مرفوعا. وآفة هذه الطريق عيسى بن عبد الله وهو ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال ابن حبان (2 / 119) : " يروي عن أبيه عن آبائه أشياء موضوعة ".

 

(2/248)

 

 

4 - أخرجه ابن بطة في " الإبانة " (1 / 129 / 2) وابن عساكر (14 / 347 / 2) عن عبيد بن هشام

الحلبي قال: حدثنا ابن أبي فديك عن عمر بن كثير عن الحسن رفعه نحوه. وهذا مع إرساله واه، عبيد بن هشام هذا قال أبو داود: " ثقة إلا أنه تغير في آخر أمره، لقن أحاديث ليس لها أصل ". قلت: فالظاهر أن هذا الحديث من جملة ما لقنوه فتلقنه!

5 - أخرجه أبو نعيم وغيره بسند موضوع عن علي بلفظ آخر وهو: " ألا أدلكم على الخلفاء مني ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي؟ هم حفظة القرآن والأحاديث عني وعنهم، في الله ولله ".

855 - " ألا أدلكم على الخلفاء مني ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي؟ هم حفظة القرآن والأحاديث عني وعنهم، في الله ولله ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 134) والخطيب في " شرف أصحاب النبي " (1 / 36 / 1) عن عبد الغفور عن أبي هاشم عن زاذان عن علي مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع آفته عبد الغفور هذا وهو أبو الصباح الأنصاري الواسطي قال ابن معين: " ليس حديثه بشيء ". وقال ابن حبان (2 / 141) : " كان ممن يضع الحديث على الثقات، كعب وغيره، لا يحل كتابة حديثه ولا ذكره إلا على جهة التعجب ".

 

(2/249)

 

 

856 - " طلب الحق غربة ".

موضوع.

رواه ابن عساكر في " التاريخ " (5 / 161 / 1 - 2) في ترجمة حمزة بن محمد بن عبد الله الجعفري الطوسي الصوفي: أنبأنا أبو القاسم عبد الواحد بن أحمد الهاشمي الصوفي: أخبرنا أحمد بن منصور بن يوسف الواعظ الصوفي قال: سمعت أبا محمد بن جعفر بن محمد الصوفي يقول: سمعت الجنيد بن محمد الصوفي يقول: سمعت السري بن المغلس السقطي الصوفي، عن معروف الكرخي الصوفي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد مظلم مسلسل بالصوفية، وغالبهم غير معروفين، ومنهم حمزة هذا فإن ابن عساكر لم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد قال الذهبي في " الميزان ": " علان بن زيد الصوفي، لعله واضع هذا الحديث الذي في " منازل السائرين " فقال: سمعت الخلدي: سمعت الجنيد: سمعت السري عن معروف ... (قلت: فذكره) رواه عنه عبد الواحد بن أحمد الهاشمي، ولا أعرف الآخر ".

وأقره الحافظ في " اللسان " والمناوي في " الفيض ". قلت: وأنت ترى أنه ليس في إسناد الحديث عند ابن عساكر " علان بن زيد "، فلعله سقط من قلم أحد النساخ. والله أعلم.

 

(2/249)

 

 

857 - " من حبس طعاما أربعين يوما، ثم أخرجه فطحنه وخبزه وتصدق به لم يقبله الله منه ".

موضوع.

رواه ابن عدي (ق 130 / 2) والخطيب في " تاريخه " (8 / 382) وابن عساكر (7 / 55 - 56) من طريق عبد الله بن محمد بن ناجية قال: سمعت دينارا أبا مكيس يقول: خدمت أنس ثلاث سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره. قلت: وهذا موضوع آفته دينار هذا، قال الذهبي: " حدث في حدود الأربعين ومائتين بوقاحة عن أنس بن مالك! تالف متهم، قال ابن حبان: يروي عن أنس أشياء موضوعة ". ثم ساق له الذهبي أحاديث هذا أحدها.

ثم قال: " قال القناص: أحفظ عن دينار مائتين وخمسين حديثا ". قال الذهبي: " قلت: إن كان من هذا الضرب، فيقدر أن يروي عنه عشرين ألفا كلها كذب! ".

وقال الحاكم: " روى عن أنس قريبا من مائة حديث موضوع ". قلت: ولذلك أورد ابن الجوزي حديثه هذا في " الموضوعات " وقال (2 / 244) : " لا يصح دينار روى عنه أشياء موضوعة ". وتعقبه السيوطي في " اللآلي " (2 / 146 - 147) بأنه ورد من حديث معاذ وعلي. قلت: وهذا لا شيء، فإن فيهما من هو متهم، ولابد من بيانهما. أما حديث معاذ فهو:

 

(2/250)

 

 

858 - " من احتكر طعاما على أمتي أربعين يوما وتصدق به لم يقبل منه ".

موضوع.

رواه ابن عساكر (5 / 346 / 2) عن خلاد بن محمد بن هانيء بن واقد الأسدي: حدثني أبي: أخبرنا عبد العزيز بن عبد الرحمن الطيالسي (!) أخبرنا خصيف عن سعيد بن جبير عن معاذ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: كذا الأصل (الطيالسي) وقال ابن عساكر الصواب: (البالسي) .

قلت: وهو متهم، قال الذهبي: " اتهمه الإمام أحمد ". وقال ابن حبان (2 / 132) : " كتبنا عن عمر بن سنان عن إسحاق بن خالد البالسي عنه نسخة شيبها بمائة حديث مقلوبة، منها ما لا أصل له، ومنها ما هو ملزق بإنسان ليس يروي ذلك الحديث بتة، لا يحل الاحتجاج به بحال ". وقال النسائي وغيره: " ليس بثقة، وضرب أحمد على حديثه ".

 

(2/250)

 

 

قلت: فالعجب من السيوطي كيف يتعقب ابن الجوزي في الحديث السابق بمثل هذا الحديث الذي ضرب عليه الإمام أحمد، وراويه متهم. مع أنه يعلم أن مثله لا يفيد في الشواهد، وإنما يفيد فيها الراوي الصدوق الذي ضعف من قبله حفظه كما قرره هو في " التقريب شرح التدريب ". ومحمد بن هانيء لم أجد له ترجمة. وابنه خلاد ترجمه ابن عساكر ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

فهذا هو الشاهد الأول الذي استشهد به السيوطي في " اللآليء " للحديث الذي قبله وقد عرفت وضعه، وأما الشاهد الآخر فهو:

859 - " من احتكر طعاما أربعين يوما على المسلمين ثم تصدق به لم يكن له كفارة ".

موضوع.

رواه الديلمي في " مسند الفردوس " من طريق محمد بن مروان السدي عن يحيى بن سعيد التيمي عن أبيه عن علي رفعه.

قلت: ومحمد بن مروان كذاب كما قال ابن نمير وغيره، وأشار إلى ذلك البخاري بقوله: " سكتوا عنه ". وقال ابن معين: " ليس بثقة ". وقال ابن حبان (2 / 281) : " كان محمد يروي الموضوعات عن الأثبات ".

قلت: وهذا الحديث أورده السيوطي في " اللآليء " مع الحديث الذي قبله شاهدا للحديث الذي قبلهما، وقد علمت من الحديث الذي قبله أن مثله لا ينفع في الشواهد، لشدة ضعفه.

على أن هذا الحديث لوثبت لا يصلح شاهدا، لأنه يقول: " لم يكن له كفارة ". وذاك يقول: " لم يقبله الله منه " وفرق واضح بين الأمرين، فإنه لا يلزم من عدم صلاحية العمل ليكون كفارة لجرم أو ذنب أن لا يقبل منه مطلقا، بل قد يقبل ويثاب عليه صاحبه ومع ذلك لا يصلح أن يكون كفارة لذلك الذنب.

وهذا بين إن شاء الله تعالى. ولما سبق من حال السدي والبالسي راوي الحديث الذي قبله تعقب ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2 / 193) السيوطي في استشهاده بالحديثين بقوله: " إنهما لا يصلحان شاهدين ".

 

(2/251)

 

 

860 - " إذا أراد الله بأهل بيت خيرا فقههم في الدين، ووقر صغيرهم كبيرهم، ورزقهم الرفق في معيشتهم، والقصد في نفقاتهم، وبصرهم عيوبهم فيتوبوا منها، وإذا أراد الله بهم غير ذلك تركهم هملا ".

موضوع.

رواه ابن عساكر (6 / 111 / 2) من طريق الدارقطني بسنده عن موسى بن محمد بن عطاء: أخبرنا المنكدر بن محمد عن أبيه عن أنس بن مالك مرفوعا.

وقال الدارقطني:

 

(2/251)

 

 

" غريب من حديث ابن المنكدر عن أنس، تفرد به ابنه المنكدر عنه، ولم يرو هـ عنه غير موسى بن محمد بن عطاء ".

قلت: وهو الدمياطي البلقاوي، وكان يضع الحديث كما قال ابن حبان وغيره، وساق له الذهبي أحاديث قال في أحدها: " هذا موضوع ". وفي غيره: " وهذا باطل ". وفي ثالث: " وهذا كذب "! قلت: فالعجب من السيوطي كيف سود " الجامع الصغير " بهذا الحديث!

وقد عزاه للدارقطني في " الأفراد "! وأخرجه الخطيب في " الفقيه والمتفقه " (3 / 2) عن الفضل بن محمد العطار: أخبرنا سليم بن منصور بن عمار: أخبرنا أبي: أخبرنا المنكدر بن محمد به، دون قوله: " وبعدهم.... "، فهذه متابعة لموسى بن محمد بن عطاء من منصور بن عمار، وهذا مع كونه مضعفا فالسند إليه هالك، فإن الفضل هذا قال الدارقطني: " يضع الحديث ". وقال ابن عدي: " يسرق الحديث ". فالظاهر أنه مما سرقه من ابن عطاء.

861 - " ضع القلم على أذنك، فإنه أذكر للمملي ".

موضوع.

رواه الترمذي (3 / 391) وابن حبان في " المجروحين " (2 / 169) وابن عدي (232 / 2) وابن عساكر (16 / 19 / 1) عن عنبسة عن محمد بن زاذان عن أم سعد عن زيد بن ثابت قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه كاتب، فسمعته يقول: فذكره وقال: " إسناده ضعيف وعنبسة ومحمد ضعيفان ".

قلت: والأول شر من الآخر، وهو عنبسة بن عبد الرحمن الأموي، قال أبو حاتم: " كان يضع الحديث ". وقال ابن حبان: " هو صاحب أشياء موضوعة، لا يحل الاحتجاج به ". وأشار البخاري إلى اتهامه فقال: " تركوه ". وقال النسائي: " متروك ". قلت: ولهذا أورد ابن الجوزي الحديث في " الموضوعات " (1 / 259) من رواية الترمذي هذه ثم قال: " لا يصح، عنبسة متروك، وقال أبو حاتم الرازي: كان يضع الحديث ". وتعقبه السيوطي بأنه ورد من حديث أنس. ثم ساقه من طريقين فيهما متهمان كما سيأتي

 

(2/252)

 

 

عقب هذا، فلا يصلح الاستشهاد بهما كما هو مقرر في محله من علم المصطلح. ومن الغرائب قول المناوي: " وزعم ابن الجوزي وضعه، ورده ابن حجر بأنه ورد من طريق أخرى لابن عساكر، ووروده بسندين مختلفين يخرجه عن الوضع ". قلت: كيف هذا وفي السند الأول من كان يضع الحديث كما عرفت، وفي الآخر مثله كما يأتي. ولهذا لم يصب السيوطي في تعقبه على ابن الجوزي، كما لم يحسن صنعا في إيراده لهذا الحديث في " الجامع الصغير "!

862 - " إذا كتبت فضع قلمك على أذنك، فإنه أذكر لك ".

موضوع.

رواه الديلمي (1 / 1 / 146) وابن عساكر (8 / 251 / 2) عن عمرو بن الأزهر عن حميد عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا موضوع آفته عمرو هذا كذبه ابن معين وغيره، وقال أحمد: " كان يضع الحديث ". وكذا قال ابن حبان (2 / 78) . ثم وجدت للحديث طرقا أخرى عن أنس.

1 - قال أبو نعيم " في أخبار أصبهان " (2 / 337) : حدثنا أحمد بن إسحاق: حدثنا أحمد بن سمير بن نصر: حدثنا أبو عبد الرحمن الراعي: حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف: حدثنا إبراهيم بن زكريا: حدثني عثمان بن عمرو بن عثمان البصري عنه مرفوعا به. ورواه الديلمي كما في " اللآليء " (1 / 216) من طريق أخرى عن إبراهيم بن محمد القرشي عن إبراهيم بن زكريا الواسطي عن عمرو بن أبي زهير عن حميد عن أنس به. كذا وقع فيها " عمرو بن أبي زهير عن حميد " فلا أدري هل هو تحريف من بعض النساخ أو هكذا هو في رواية الديلمي، وأيا ما كان فمدار هذا الطريق على إبراهيم بن زكريا الواسطي وقد قال فيه ابن حبان (1 / 102) : " يأتي عن مالك بأحاديث موضوعة ".

وقال: " يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، إن لم يكن المتعمد لها فهو المدلس عن الكذابين ". وضعفه غيره أيضا. وشيخه عمرو، أو عثمان بن عمرو ولم أعرفه. ومثله إبراهيم بن محمد القرشي. ورواه تمام (29 / 102 / 1 رقم 2427) عن عثمان بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن محمد عن حميد عن أنس مرفوعا. وعثمان هذا

هو القرشي الوقاصي وهو كذاب كما سبق مرارا.

2 - رواه الباطرقاني في " مجلس من الأمالي " (266 / 2) عن إسماعيل بن عمرو البلخي حدثنا عثمان البري عن ابن غنام عن أنس به. قلت: وعثمان هذا هو ابن مقسم قال ابن معين: " هو من المعروفين بالكذب ووضع الحديث ". والحديث مما سود به السيوطي كتابه " الجامع الصغير " فأورده فيه من رواية ابن عساكر

 

(2/253)

 

 

هذه! وبيض لها المناوي فلم يتكلم عليه بشيء!

863 - " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا ".

ضعيف.

أخرجه أحمد (3 / 64 - 165) من طريق سفيان عمن سمع أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف لجهالة الواسطة بين سفيان، وأنس، وبقية الرجال ثقات. والحديث عزاه الأستاذ سيد سابق في " فقه السنة " (4 / 60) لأحمد والترمذي، فأخطأ من وجهين:

الأول: أنه سكت عليه، ولم يبين علته، فأوهم صحته. الثاني: أنه عزاه للترمذي وهذا خطأ فليس في " سنن

الترمذي " ولا عزاه السيوطي في " الفتح الكبير " إلا لأحمد فقط، وكذا فعل الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 328 - 329) ، ولوكان في الترمذي لما أورده فيه كما هو شرطه. وله شاهد من حديث أبي أيوب الأنصاري ولكنه ضعيف جدا، وهو الحديث الآتي:

 

(2/254)

 

 

864 - " إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها من أهل الرحمة من عباده كما يتلقون البشير من الدنيا، فيقولون: أنظروا صاحبكم يستريح، فإنه قد كان في كرب شديد، ثم يسألونه ماذا فعل فلان؟ وما فعلت فلانة هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبل فيقول: أيهات (1) قد مات ذلك قبلي! فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية. وقال: وإن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من أهل الآخرة، فإن كان خيرا فرحوا واستبشروا، وقالوا: اللهم هذا فضلك ورحمتك، وأتمم نعمتك عليه وأمته عليها، ويعرض عليهم عمل المسيء فيقولون: اللهم ألهمه عملا صالحا ترضى به عنه وتقربه إليك ".

ضعيف جدا. رواه الطبراني في " الكبير " (1 / 194 / 2) وفي " الأوسط " (1 / 72 / 1 - 2 من الجمع بينه وبين الصغير) وعنه عبد الغني المقدسي في " السنن " (198 / 1) عن مسلمة بن علي عن زيد بن واقد عن مكحول عن عبد الرحمن بن سلامة عن أبي رهم السماعي

__________

(1) كذا الأصل، وفي " المجمع ": " هيهات " والمعنى واحد. قال ابن الأثير: وهي كلمة تبعيد مبنية على الفتح، وناس يكسرونها، وقد تبدل الهاء همزة فيقال: (أيهات) . اهـ.

 

(2/254)

 

 

عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا، وقال الطبراني: " لم يرو هـ عن مكحول إلا زيد وهشام تفرد به مسلمة ". قلت: وهو متهم قال الحاكم: " روى عن الأوزاعي والزبيدي المناكير والموضوع ".

والحديث قال الهيثمي (2 / 327) : " رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، وفيه مسلمة بن علي، وهو ضعيف ". قلت: ورواه سلام الطويل عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي رهم به. ذكره ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 336) في ترجمة سلام الطويل، وقال: " روى عن الثقات الموضوعات ". والنصف الأول من الحديث له طريق أخرى عن عبد الرحمن بن سلامة، بلفظ " إن نفس المؤمن إذا مات ... " وسندها ضعيف أيضا، فيها محمد بن إسماعيل بن عياش، قال أبو داود: " ليس بذاك ". وقال أبو حاتم: " لم يسمع من أبيه شيئا ".

865 - " يجلسني على العرش ".

باطل.

ذكره الذهبي في " العلو" (55 طبع الأنصار) من طريقين عن أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأ عليه حتى بلغت (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال: فذكره.

وقال الذهبي: " هذا حديث منكر لا يفرح به، وسلمة هذا متروك الحديث، وأشعث لم يلحق ابن مسعود ". قلت: قد وجدت له طريقا أخرى موصولا عن ابن مسعود مرفوعا نحوه، ولا يصح أيضا كما سيأتي بيانه برقم (5160) إن شاء الله تعالى.

ثم ذكره الذهبي نحوه عن عبد الله بن سلام موقوفا عليه وقال: " هذا موقوف ولا يثبت إسناده، وإنما هذا شيء قاله مجاهد كما سيأتي ".

ثم رواه (ص 73) من طريق ليث عن مجاهد نحوحديث ابن مسعود موقوفا على مجاهد. وكذلك رواه الخلال في " أصحاب ابن منده " (157 / 2) ، ثم قال الذهبي: " لهذا القول طرق خمسة، وأخرجه ابن جرير في " تفسيره "، وعمل فيه المروزي مصنفا "! ثم رواه (ص 78) من طريق عمر بن مدرك الرازي: حدثنا مكي بن إبراهيم عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس موقوفا مثله.

قال: " إسناده ساقط، وعمر هذا متروك، وجويبر (سقط الخبر من الأصل ولعله. مثله) ، وهذا مشهور من قول مجاهد، ويروى مرفوعا، وهو باطل ".

قلت: ومما يدل على ذلك أنه ثبت في " الصحاح " أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم. ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائرا أن يفتي بعض العلماء من المتقدمين بأثر مجاهد

 

(2/255)

 

 

هذا كما ذكره الذهبي (ص 100 - 101 و117 - 118) عن غير واحد منهم، بل غلا بعض المحدثين فقال: لوأن حالفا حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على العرش واستفتاني، لقلت له: صدقت وبررت!

قال الذهبي رحمه الله: " فأبصر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم فيردن الأحاديث الصريحة في العلو، بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) ".

قلت: وإن مثل هذا الغلو لمما يحمل نفاة الصفات على التشبث بالاستمرار في نفيها، والطعن بأهل السنة المثبتين لها، ورميهم بالتشبيه والتجسيم، ودين الحق بين الغالي فيه والجافي عنه، فرحم الله امرءا آمن بما صح عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم كهذا الحديث، فضلا عن مثل هذا الأثر!

وبهذه المناسبة أقول: إن مما ينكر في هذا الباب ما رواه أبو محمد الدشتي في " إثبات الحد " (144 / 1 - 2) من طريق أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش: أنشدنا أبو طالب محمد بن علي الحربي: أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله قال: حديث الشفاعة في أحمد، إلى أحمد المصطفى نسنده.

فأما حديث إقعاده على العرش فلا نجحده. أمروا الحديث على وجهه ولا تدخلوا فيه ما يفسده. ولا تنكروا أنه قاعد ولا تجحدوا أنه يقعده. فهذا إسناد لا يصح، من أجل أبي العز هذا، فقد أورده ابن العماد في وفيات سنة (526) من " الشذرات " (4 / 78) وقال: " قال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلطا ".

وأما شيخه أبو طالب وهو العشاري فقد أورده في وفيات سنة (451) وقال (3 / 289) : " كان صالحا خيرا عالما زاهدا ". فاعلم أن إقعاده صلى الله عليه وسلم على العرش ليس فيه إلا هذا الحديث الباطل، وأما قعوده تعالى على العرش فليس فيه حديث يصح، ولا تلازم بينه وبين الاستواء عليه كما لا يخفى. وقد وقفت فيه على حديثين، أنا ذاكرهما لبيان حالهما:

866 - " إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنه يقعد عليه، ما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله ".

منكر.

رواه أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني في فتياله حول الصفات (100 / 1) من

 

(2/256)

 

 

طريق الطبراني عن عبيد الله بن أبي زياد القطواني: حدثنا يحيى بن أبي بكير: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب عز وجل، ثم قال: فذكره.

ورواه الضياء المقدسي في " المختارة " (1 / 59) من طريق الطبراني به، ومن طرق أخرى عن ابن أبي بكير به. وكذلك رواه أبو محمد الدشتي في " كتاب إثبات الحد " (134 - 135) من طريق الطبراني وغيره عن ابن أبي بكير به ولكنه قال: " هذا حديث صحيح، رواته على شرط البخاري ومسلم ".

كذا قال: وهو خطأ بين مزدوج فليس الحديث بصحيح، ولا رواته على شرطهما، فإن عبد الله بن خليفة لم يوثقه غير ابن حبان، وتوثيقه لا يعتد به كما تقدم بيانه مرارا، ولذلك قال الذهبي في ابن خليفة هذا: " لا يكاد يعرف "، فأنى للحديث الصحة؟ ! بل هو حديث منكر عندي.

ومثله حديث ابن إسحاق في " المسند " وغيره، وفي آخره: " إن عرشه لعلى سماواته وأرضه هكذا مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب ". وابن إسحاق مدلس، ولم يصرح بالسماع في شيء من الطرق عنه، ولذلك قال الذهبي في " العلو" (ص 23) : " هذا حديث غريب جدا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا؟ وأما الله عز وجل فليس كمثله شيء جل جلاله، وتقدست أسماؤه، ولا إله غيره. (قال:) . " الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل. ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت ".

هذا حال الحديث وهو الأول من حديثي القعود على العرش، وأما الآخر فهو:

867 - " يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده: إني لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم، على ما كان فيكم، ولا أبالي ".

موضوع بهذا التمام.

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 137 / 2) : حدثنا أحمد بن زهير التستري، قال: حدثنا العلاء بن مسلمة، قال: حدثنا إبراهيم الطالقاني، قال: حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن سماك بن حرب عن ثعلبة بن الحكم مرفوعا.

ورواه أبو الحسن الحربي في " جزء من حديثه " (35 / 2) : حدثنا الهيثم بن خلف: حدثنا العلاء بن مسلمة أبو مسلمة أبو سالم: حدثنا إسماعيل بن المفضل، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك به.

قلت: وهذا سند موضوع فإن مداره على العلاء بن مسلمة بن أبي سالم، قال في " الميزان ":

 

(2/257)

 

 

" قال الأزدي: لا تحل الرواية عنه، كان لا يبالي ما روى. وقال ابن طاهر: كان يضع الحديث، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات ". وكذا في " التهذيب "، فلم يوثقه أحمد ولذا قال الحافظ في " التقريب ": " متروك، ورماه ابن حبان بالوضع ".

وقد اختلف عليه في شيخه، فأحمد بن زهير سماه إبراهيم الطالقاني، والهيثم بن خلف سماه إسماعيل بن المفضل، وأيهما كان فإني لم أعرفهما.

ومع ظهور سقوط إسناد هذا الحديث، فقد تتابع كثير من العلماء على توثيق رجاله وتقوية إسناده، وهو مما يتعجب منه العاقل البصير في دينه، فهذا المنذري يقول في " الترغيب " (1 / 60) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورواته ثقات ".

ومثله وإن كان دونه خطأ قول الهيثمي في " المجمع " (1 / 26) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله موثقون ". وذلك لأن قوله " موثقون " وإن كان فيه إشارة إلى أن في رجاله من وثق توثيقا غير معتبر مقبول، فهو صريح بأن ثمة من وثقه، وقد عرفت آنفا أنه متفق على تضعيفه!

وأبعد من هذين القولين عن الصواب قول الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (3 / 141) : " إسناده جيد ".

ونحوه قول السيوطي في " اللآلي " (1 / 221) : " لا بأس به "، ثم حكى قول الهيثمي المتقدم. فهذا القول من ابن كثير والسيوطي نص في تقوية الحديث، وليس كذلك قول المنذري والهيثمي، أما قول الهيثمي فقد عرفت وجهه، وأما المنذري فقوله: " رواته ثقات " غاية ما فيه الإخبار عن أن سند الحديث فيه شرط واحد من شروط صحته، وهو عدالة الرواة وثقتهم، وهذا وحده لا يستلزم الصحة، لأنه لابد من اجتماع شروط الصحة كلها المذكورة في تعريف الحديث الصحيح سنده عند أهل الحديث.

والخلاصة أن الحديث موضوع بهذا السياق، وفيه لفظة منكرة جدا وهي قعود الله تبارك وتعالى على الكرسي، ولا أعرف هذه اللفظة في حديث صحيح، وخاصة أحاديث النزول وهي كثيرة جدا بل وهي متواترة كما قطع بذلك الحافظ الذهبي في " العلو" (ص 53، 59) ، وذكر أنه ألف في ذلك جزءا.

وقد روي الحديث بدون هذه اللفظة من طرق أخرى كلها ضعيفة، وبعضها أشد ضعفا من بعض، فلابد من ذكرها لئلا يغتر بها أحد لكثرتها فيقول: بعضها يقوي بعضا! كيف وقد أورد بعضها ابن الجوزي في " الموضوعات "؟! . اهـ.

 

(2/258)

 

 

868 - " يبعث الله العباد يوم القيامة، ثم يميز العلماء، ثم يقول: يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمي بكم، ولم أضع علمي فيكم لأعذبكم، انطلقوا فقد غفرت لكم ".

ضعيف جدا.

رواه ابن عدي (205 / 2) وأبو الحسين الكلابي في " نسخة أبي العباس طاهر التميمي " (5 - 6) وابن عبد البر في " الجامع " (1 / 48) وأبو المعالي عفيف الدين في " فضل العلم " (114 / 2) عن صدقة بن عبد الله عن طلحة بن زيد عن موسى بن عبيدة عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري مرفوعا.

ومن هذا الوجه رواه أبو بكر الآجري في " الأربعين " (رقم 16) إلا أنه وقع فيه " يونس بن عبيد " بدل " موسى بن عبيدة "، ولعله تصحيف. وقال ابن عدي: " وهذا الحديث بهذا الإسناد باطل، وإن كان الراوي عنه صدقة بن عبد الله ضعيف، فابن شابور ثقة وقد رواه عنه ". يعني أن طلحة بن زيد تفرد به، فلزمه الحديث كما قال ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 263) .

قلت: وطلحة هذا متهم بالوضع، فهو آفة الحديث، وإن كان شيخه موسى بن عبيدة ضعيفا جدا كما قال ابن كثير في " التفسير " (3 / 141) والهيثمي في " المجمع " (1 / 127)

، واقتصرا على إعلاله به، وهو قصور بين إذا علمت أن الراوي عنه متهم. ومن هذا القبيل قول الحافظ العراقي في " المغني " (1 / 7) : " سنده ضعيف "! وعزاه هو والهيثمي وغيرهما للطبراني. وقد روي الحديث عن ثعلبة بن الحكم وابن عباس وأبي أمامة أو واثلة بن الأسقع (هكذا على الشك) وأبي هريرة وابن عمر وجابر بن عبد الله الأنصاري والحسن البصري موقوفا عليه.

أما حديث ثعلبة فسنده ضعيف جدا بل موضوع، وفيه زيادة منكرة ليست في جميع طرق الحديث، وقد تقدم الكلام عليه قبل هذا.

2 - وأما حديث ابن عباس فأخرجه العقيلي في " الضعفاء " (332) عن عدي بن أرطاة ابن الأشعث عن أبيه عن مجالد عن الشعبي عنه مرفوعا.

وقال: " عدي حديثه غير محفوظ، والرواية في هذا فيها لين وضعف ". قلت: وهو غير عدي بن أرطاة الفزاري الشامي، فإنه تابعي أكبر من هذا كما صرح بذلك الحافظ. وأبوه أرطاة بن الأشعث لم أعرفه. ومجالد وهو ابن سعيد ضعيف أيضا.

 

(2/259)

 

 

3 - وأما حديث أبي أمامة أو واثلة بن الأسقع، فرواه ابن عدي في " الكامل " (288 / 1) وابن عساكر (12 / 219 / 1) عن عثمان بن عبد الرحمن القرشي عن مكحول عن أبي أمامة أو واثلة بن الأسقع مرفوعا. وهذا سند ضعيف جدا بل موضوع. عثمان هذا هو الوقاصي قال ابن معين: " يكذب ".

وقال ابن حبان (2 / 98) : " يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات ". وضعفه ابن المديني جدا. وقال ابن عدي عقب الحديث: " منكر لم يتابعه الثقات ". أورده في ترجمة عثمان بن عبد الرحمن الجمحي مشيرا إلى أن الحديث حديثه. وتعقبه الذهبي بأنه ليس من حديثه وإنما هو من حديث القرشي الوقاصي. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية ابن عدي وترجم للقرشي بما يدل على أنه ليس من حديثه وإنما هو من حديث القرشي الوقاصي. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية ابن عدي وترجم للقرشي بما يدل على أنه عنده الطريفي، وليس الجمحي، ولا الوقاصي! فراجعه مع كلام ابن حبان على الطريفي (2 / 96 - 97) . وتعقبه السيوطي في " اللآلي " (1 / 221 - 222) بالطرق الآتية وطريق ثعلبة! وليس بشيء، لشدة ضعفها كما سبق ويأتي.

4 - وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبسي في " ترغيبه " بسنده عن نصر بن أحمد البورجاني: حدثنا عبد السلام بن صالح: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا له ثلاث علل:

الأولى: عنعنة ابن جريج فإنه مدلس.

الثانية: ضعف ابن صالح وهو أبو الصلت الهروي، والأكثرون على تضعيفه، بل اتهمه ابن عدي وغيره بالكذب والوضع.

الثالثة: نصر بن أحمد البورجاني لم أجد له ترجمة، ووقع اسمه في حديث آخر يأتي بعد هذا بحديث: " نصر بن محمد بن الحارث " ولم أجده أيضا.

الرابعة: الاختلاف في سنده، فقد رواه البورجاني عن أبي الصلت كما رأيت، وخالفه يعقوب بن يوسف المطوعي: حدثنا أبو الصلت الهروي: حدثنا عباد بن العوام عن عبد الغفار المدني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به. أخرجه ابن النجار كما في " اللآلي ". والمطوعي هذا ثقة كما قال الدارقطني، وترجمته في " التاريخ " (14 / 289) ، وحينئذ فروايته أصح من رواية البورجاني، وفيها عبد الغفار المدني قال العقيلي في " الضعفاء " (ص 263) :

 

(2/260)

 

 

" مجهول بالنقل حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به ". ثم ساق له حديثا آخر يأتي بعد حديث. وقال الذهبي في " الميزان ": " لا يعرف، وكأنه أبو مريم، فإن خبره موضوع ". واسم أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الأنصاري صرح غير واحد من الأئمة بأنه كان يضع الحديث، ولكنه معدود في أهل الكوفة كما في " ضعفاء ابن حبان " (2 / 136) ، وصاحب هذا الحديث مدني.

5 - وأما حديث ابن عمر فرواه ابن صرصري في " أماليه " بسنده عن محمد بن يونس بن موسى القرشي: حدثنا حفص بن عمر بن دينار الأبلي: حدثني سعيد بن راشد السماك: حدثني عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر مرفوعا.

سكت عنه السيوطي مع وضوح بطلانه فإن سعيد السماك متروك، وحفص كذاب، ومحمد بن يونس القرشي وهو الكديمي وضاع!

6 - وأما حديث جابر فأخرجه الطبسي أيضا بسنده عن عبد القدوس: حدثنا إسماعيل بن عياش عن أبي الزبير عن جابر. عبد القدوس هذا هو ابن حبيب الكلاعي وهو كذاب يضع. وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين، وهذه منها. وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه.

7 - وأما حديث الحسن فأخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (ص 160) عن حماد بن زيدك عن جويبر عن أبي معاوية سهل عن الحسن قال: فذكره. قلت: وهذا مع وقفه ففيه سهل أبو معاوية هذا ولم أعرفه، ولعله سهل بن معاذ بن أنس الجهني، وهو مختلف فيه. وجويبر وهو متروك. وحماد بن زيدك أورده السهمي ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ورواه ابن عساكر (5 / 94 / 1) عن عبد الله بن داود قال: سمعت أبا عمر الصنعاني وهو يقول: فذكره موقوفا عليه.

وهذا مع وقفه فإنه منقطع فإن أبا عمر الصنعاني واسمه حفص بن ميسرة الشامي توفي سنة (181) . ومما سبق يتبين أن طرق الحديث كلها ضعيفة جدا، لا يصلح شيء منها لتقوية الحديث، فلم يبعد ابن الجوزي بإيراده إياه في " الموضوعات ". والله أعلم. اهـ.

869 - " إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وأهله وليا يذب عنه ويتكلم بعلاماته، فاغتنموا تلك المجالس بالذب عن الضعفاء، وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا ".

 

(2/261)

 

 

موضوع.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (263) : حدثنا محمد بن أيوب قال: حدثنا عبد السلام بن صالح: حدثنا عباد بن العوام قال: حدثنا عبد الغفار المدني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا.

وقال العقيلي: " عبد الغفار مجهول بالنقل، حديثه هذا غير محفوظ ولا يعرف إلا به ".

وقال الذهبي: " لا يعرف، وكأنه أبو مريم فإن خبره موضوع ". يشير إلى هذا الحديث، وأبو مريم اسمه عبد الغفار بن القاسم الأنصاري صرح غير واحد من الأئمة بأنه كان يضع الحديث وقال ابن حبان (2 / 136) : " كان ممن يروي المثالب في عثمان بن عفان، ويشرب الخمر حتى يسكر، ومع ذلك يقلب الأخبار، لا يجوز الاحتجاج به، تركه أحمد وابن معين ". والحديث رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 322) والهروي في " ذم الكلام " (4 / 80 / 2) عن عبد السلام به. اهـ.

870 - " إن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه إلا العلماء بالله، فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله عز وجل ".

ضعيف جدا.

رواه أبو عبد الرحمن السلمي في " الأربعين الصوفية " (8 / 2) وأبو عثمان النجيرمي في " الفوائد " (2 / 7 / 2) عن نصر بن محمد بن الحارث: حدثنا عبد السلام بن صالح: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا.

ومن طريق السلمي رواه الديلمي في " مسند الفردوس " كما في " ذيل ثبت الشيخ إبراهيم الكوراني " (12 / 1) ورواه الطبسي عن نصر بن محمد به كما في " اللآلي " (1 / 221) .

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، وله ثلاثة علل تقدم بيانها في الحديث الذي قبله بحديث، رقم الشاهد (4) . وقد أشار لضعفه المنذري في " الترغيب " (1 / 62) وصرح بتضعيفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 35 طبع لجنة نشر الثقافة الإسلامية) . اهـ.

 

(2/262)

 

 

871 - " يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، ومن فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. قالوا: يا رسول

 

(2/262)

 

 

الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة من ماء، ومن أشبع (1) صائما سقاه الله من الحوض شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما، فتسألون الجنة، وتعوذون من النار ".

منكر.

رواه المحاملي في " الأمالي " (ج 5 رقم 50) وابن خزيمة في " صحيحه " (1887) وقال: " إن صح "، والواحدي في " الوسيط " (1 / 640 / 1 - 2) والسياق له عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان فقال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف من أجل علي بن زيد بن جدعان، فإنه ضعيف كما قال أحمد وغيره، وبين السبب الإمام ابن خزيمة فقال: " لا أحتج به لسوء حفظه ".

ولذلك لما روى هذا الحديث في صحيحه قرنه بقوله: " إن صح الخبر ". وأقره المنذري في " الترغيب " (2 / 67) وقال: إن البيهقي رواه من طريقه. قلت: وفي إخراج ابن خزيمة لمثل هذا الحديث في " صحيحه " إشارة قوية إلى أنه قد يورد فيه ما ليس صحيحا عنده منبها عليه، وقد جهل هذه الحقيقة بعض من ألف في " نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة "، وفيهم من وصفوه على ظهر الغلاف بقولهم: " وخرج أحاديثها العالم الفاضل المحقق خادم الحديث الشريف ... " فقالوا (ص 34 القسم الثاني) : " رواه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه "! وهذا يقال فيما إذا لم يقفوا على كلمة ابن خزيمة عقب الحديث، أما إذا كانوا قد وقفوا عليها، فهو كذب مكشوف على ابن خزيمة! وليس هذا بالغريب منهم فرسالتهم هذه كسابقتها محشوة بالبهت والافتراء الذي لا حدود له، مما يعد الاشتغال بالرد عليهم إضاعة للوقت مع أناس لا ينفع فيهم التذكير!

وحسبنا على ذلك مثال واحد قالوا (ص د) : "فهو يعترف من جديد بصحة رواية صلاة التراويح بعشرين ركعة الثابتة من فعل عمر رضي الله عنه وجمع الناس عليها بعد أن كان ينكرها، فها هو يقول في صفحة (259 من رسالته الثانية من تسديد الإصابة ": " وحمل فعل عمر رضي الله عنه على موافقة سنته صلى الله عليه وسلم أولى من حمله على مخالفتها ".

__________

(1) وقع في " الترغيب " (2 / 67) برواية أبي الشيخ: " ومن سقى صائما " والصواب ما أثبتنا كما جزم بذلك الناجي، انظر " التعليق الرغيب ". اهـ.

 

(2/263)

 

 

فإذا رجع القاريء إلى قولنا هذا وجده مقولا في ترجيح رواية الثمان على العشرين هذا الترجيح الذي ألفت الرسالة كلها من أجله، ومع ذلك يجهرون بقولهم أنني اعترفت من جديد بصحة العشرين! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت ".

ولقد أصدروا رسالتهم هذه الثانية في هذا الشهر المبارك الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "! رواه البخاري وغيره (1) ثم إن الحديث قال ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 249) عن أبيه أنه: " حديث منكر ". اهـ.

872 - " لا تقولوا قوس قزح، فإن قزح شيطان، ولكن قولوا: قوس الله عز وجل، فهو أمان لأهل الأرض من الغرق ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم (2 / 309) والخطيب (8 / 452) من طريق زكريا بن حكيم الحبطي عن أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس مرفوعا. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث أبي رجاء، لم يرفعه فيما أعلم إلا زكريا بن حكيم ".

قلت: وفي ترجمته ساقه الخطيب ثم عقبه بقول ابن معين فيه وكذا النسائي: " ليس بثقة ". وقال ابن حبان (1 / 311) : " يروي عن الأثبات ما لا يشبه أحاديثهم، حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها ".

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 144) من رواية الخطيب ثم قال: " لم يرفعه غير زكريا، قال فيه يحيى والنسائي: ليس بثقة، قال أحمد: ليس بشيء، قال ابن المديني: هالك ". وتعقبه السيوطي في " اللآلي " فقال (1 / 87) : " قلت: أخرجه أبو نعيم في " الحلية "، قال النووي في " الأذكار ": يكره أن يقال: قوس قزح، واستدل بهذا الحديث، وهذا يدل على أنه غير موضوع ".

قلت: وهذا تعقب يغني حكايته عن رده! لأن الحديث في " الحلية " من هذه الطريق التي فيها ذلك الهالك المتفق على تضعيفه، فمثله لا يكون حديثه إلا ضعيفا جدا، فكيف يستدل به على حكم شرعي وهو الكراهة؟! بل لا يجوز الاستدلال به عليه ولوفرض أنه ضعيف فقط، أي ليس موضوعا ولا ضعيفا جدا، لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بالحديث الضعيف اتفاقا.

وما أرى النووي رحمه الله تعالى أتي إلا من قبل تلك القاعدة الخاطئة التي تقول: " يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال "! وهي قاعدة غير صحيحة كما أثبت ذلك في مقدمة كتابنا " تمام المنة في التعليق على فقه السنة "، ولعله يطبع قريبا إن شاء الله تعالى، فإنه - أعني النووي - ظن أن الحديث ضعيف فقط! وهو أشد من ذلك كما رأيت. والله المستعان.

__________

(1) وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2045) . اهـ.

 

(2/264)

 

 

ومن مساويء هذه القاعدة المزعومة إثبات أحكام شرعية بأحاديث ضعيفة، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا وحسبك منها الآن هذا الحديث، بل إن بعضهم يثبت ذلك بأحاديث موضوعة اعتمادا منه على تضعيف مطلق للحديث من بعض الأئمة، بينما هو في الحقيقة موضوع، ولا ينافي القول به الاطلاق المذكور. وهذا باب واسع لا مجال لتفصيل الكلام فيه في هذا المكان.

هذا ويغلب على الظن أن أصل الحديث موقوف، تعمد رفعه ذلك الهالك، أو على الأقل المتقدم عن ابن عباس موقوفا عليه، وقد رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 85 - 86) من طريق أخرى عنه موقوفا عليه مختصرا بلفظ: " إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق ". ورجاله كلهم ثقات، وقال الحافظ ابن كثير في " البداية " (1 / 38) : " إسناده صحيح ". وفيه عندي نظر لأن في سنده عارما أبا النعمان واسمه محمد بن الفضل وكان تغير بل اختلط في آخر عمره.

ويؤيده أيضا أن ابن وهب رواه في " الجامع " (ص 8) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (1 / 176 - 177) من حديث علي موقوفا عليه أيضا.

ثم رواه ابن وهب عن القاسم بن عبد الرحمن من قوله. وإذا ثبت أن الحديث موقوف، فالظاهر حينئذ أنه من الإسرائيليات التي تلقاها بعض الصحابة عن أهل الكتاب، وموقف المؤمن تجاهها معروف، وهو عدم التصديق ولا التكذيب، إلا إذا خالفت شرعا أو عقلا. والله أعلم. اهـ.

873 - " إن من الجفاء أن يمسح الرجل جبينه قبل أن يفرغ من صلاته، وأن يصلي لا يبالي من إمامه؟ وأن يأكل مع رجل ليس من أهل دينه، ولا من أهل الكتاب في إناء واحد ".

ضعيف جدا.

رواه تمام (ج 29) وابن عساكر (2 / 236 / 2) عن أبي عبد الله نجيح بن إبراهيم النخعي: أخبرنا معمر بن بكار: حدثني عثمان بن عبد الرحمن عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، بل موضوع، عثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي متهم، قال البخاري: " سكتوا عنه ". وقال ابن حبان (2 / 99) : " كان يروي عن الثقات الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به ".

ثم ساق له الطرف الأول من الحديث نحوه. ومعمر بن بكار، قال العقيلي: " في حديثه وهم، ولا يتابع على أكثره ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات "!

 

(2/265)

 

 

ونجيح بن إبراهيم النخعي قال مسلمة بن قاسم: " ضعيف ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " أيضا! والشطر الأول من الحديث أخرجه ابن ماجه (رقم 964) عن هارون بن عبد الله بن الهدير التيمي عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف من أجل ابن الهدير هذا واسمه هارون بن هارون بن عبد الله. قال البخاري: " لا يتابع في حديثه ". وقال النسائي: " ضعيف ".

وقال ابن حبان: " يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به ". وقال البوصيري في " الزوائد ": " اتفقوا على ضعف هارون ". ونقل المناوي عن مغلطاي أنه قال: " حديث ضعيف، لضعف هارون ".

874 - " أصلحوا دنياكم، واعملوا لآخرتكم، كأنكم تموتون غدا ".

ضعيف جدا.

رواه القضاعي (60 / 2) عن مقدام بن داود قال: أخبرنا علي بن معبد قال: أخبرنا عيسى بن واقد الحنفي عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، سليمان بن أرقم ومقدام بن داود ضعيفان جدا. وعيسى بن واقد لم أعرفه. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للديلمي في " مسند الفردوس " عن أنس.

وتبعه نجم الدين الغزي في " حسن التنبه فيما ورد في التشبه " (8 / 70) وقال المناوي: " وفيه زاهر بن طاهر الشحامي، قال في " الميزان " كان يخل بالصلوات فترك الرواية عنه جمع. وراويه عن أنس مجهول ".

ثم رأيته في " مختصر الديلمي " للحافظ ابن حجر (1 / 1 / 27) من طريق زاهر بن أحمد: حدثنا البغوي: حدثنا زهير بن حرب عن رجل عن قتادة عن أنس. فالراوي عن قتادة هو المجهول، وليس راويه عن أنس!

قلت: وهذا الحديث نحو الحديث المتقدم بلفظ " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ... ". (رقم 7) .

وإنما قلت: " نحو" لأن هذا أقل إغراقا في الحض على العمل للدنيا من ذاك، بل هذا لا تأباه الشريعة، وأما ذاك فلا أعتقد أن في الشرع هذه المبالغة في الحض على السعي للدنيا، بل الأحاديث متضافرة على الترغيب في التفرغ للعبادة، وعدم الانهماك في الدنيا، كقوله صلى الله عليه وسلم " ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ". فراجع لهذا الموضوع " الترغيب والترهيب " (4 / 81 - 83) للمنذري.

 

(2/266)

 

 

875 - " لوأن الدنيا كلها بحذافيرها بيد رجل من أمتي ثم قال: الحمد لله، لكانت الحمد لله أفضل من ذلك كله ".

موضوع.

رواه ابن عساكر (15 / 276 / 2) عن أبي المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن همام بن المطلب الشيباني: حدثني محمد بن عبد الحي بن سويد الحربي الحافظ: أخبرنا زريق: أخبرنا عمران بن موسى الجنديسابوري - نزل بردعة -: أخبرنا سورة بن زهير العامري - من أهل البصرة - حدثني هشيم عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك مرفوعا. وهذا موضوع، آفته أبو المفضل هذا، قال الخطيب (5 / 466 - 467) :

" كان يروي غرائب الحديث وسؤالات الشيوخ فكتب الناس عنه، بانتخاب الدارقطني، ثم بان كذبه فمزقوا حديثه، وأبطلوا روايته، وكان بعد يضع الأحاديث للرافضة. قال حمزة محمد بن طاهر الدقاق: كان يضع الحديث، وكان له سمت ووقار! وقال لي الأزهري: كان أبو المفضل دجالا كذابا "، ورواه ابن عساكر عنه في ترجمة أبي المفضل هذا. ومن بينه وبين هشيم لم أعرفهم غير زريق، والظاهر أنه ابن محمد الكوفي. روى عن حماد بن زيد. قال الذهبي: " ضعفه الأمير ابن ماكولا ".

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية ابن عساكر هذه، وهذا مما يؤكد إخلاله بشرطه الذي نص عليه في أول الكتاب، وهو أنه صانه عما تفرد به كذاب أو وضاع، فإن هذا الحديث إنما ساقه ابن عساكر في ترجمة أبي المفضل هذا وقد سمعت ما قالوا فيه، فهذا يؤيد تساهل السيوطي عفا الله عنه، فإنه لم تخف عليه هذه الترجمة، ومع ذلك أخرج لصاحبها هذا الحديث! وأما المناوي فبيض له! فكأنه لم يقف على إسناده! وقد روى الحديث بإسناد آخر نحوه وهو:

 

(2/267)

 

 

876 - " لو أن الدنيا كلها بيضة واحدة فأكلها المسلم أو قال: حساها، ثم قال: الحمد لله، كان الحمد لله أفضل من ذلك ".

ضعيف.

رواه أبو محمد السراج القاريء في " منتخب الفوائد " (4 / 117 / 1 - 2) عن محمد بن أحمد القرشي أبي عبد الله قال: حدثنا علي بن غراب الكوفي قال: حدثنا جعفر بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن جابر - كذا قال - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

وقال: " هذا الحديث غريب جدا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه، ومن رواية حفص بن غياث، لا أعلم روي إلا من هذا الوجه ".

قلت: وهذا سند ضعيف ورجاله ثقات غير محمد بن أحمد القرشي ضعفه الدارقطني، وهو محمد بن أحمد بن أنس القرشي النيسابوري وقال الحافظ في " اللسان ": " قرأت بخط الحسيني أن الذهبي اتهمه بالوضع ".

 

(2/267)

 

 

877 - " أولاد الزنا يحشرون يوم القيامة على صورة القردة والخنازير ".

منكر.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (139) عن زيد بن عياض عن عيسى بن حطان الرقاشي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. وقال: " لا يحفظ من وجه يثبت ".

ثم روى عن سلام بن أبي مطيع قال: حدث رجل أيوب يوما حديثا، فأنكره أيوب، فقال أيوب: من حدثك بهذا؟ قال: محمد بن واسع. قال: بخ، ثقة. قال: عن من؟ قال: عن زيد بن عياض: قال لا تزده ".

وللحديث علة أخرى وهي الرقاشي هذا، فهو وإن ذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 162) فقد قال ابن عبد البر: " ليس ممن يحتج بحديثه ". والحديث عندي ظاهر النكارة مخالف لأصل إسلامي عظيم وهو قوله تبارك وتعالى: (لا تزر وازرة وزر أخرى) . فما ذنب أولاد الزنا حتى يحشروا على صورة القردة والخنازير؟! ورحم الله من قال: غيري جنى وأنا المعذب فيكم فكأنني سبابة المتندم!

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق العقيلي هذه، وقال (3 / 109) : " موضوع لا أصل له ". ووافقه السيوطي في " اللآلي " (1971) . وأما ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (310 / 1) فقد تعقبهما بقوله: " لم أر من اتهمهما بكذب ووضع، وقال الذهبي في زيد بن عياض: قلت: كأن أيوب رحمه الله يغمز من زيد بن عياض، فيقول للرجل حينما ذكره: " لا تزده ". أي لا تزد في ذكر من فوقه من الإسناد لأنه سقط ما دام أنه من طريق ابن عياض ذكره ابن أبي حاتم مختصرا ولم يضعفه، والله أعلم ".

قلت: وكأنه ذهل عن الأصل القرآني العظيم الذي ذكرناه، والله أعلم.

 

(2/268)

 

 

878 - " لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش ".

ضعيف.

رواه أحمد وابنه في زوائده (4 / 235) وابن أبي خيثمة في " التاريخ " (2 / 10 / 101 - مخطوطة الرباط) والبخاري في " التاريخ الصغير " (ص 139) والطبراني في " الكبير " (ج 1 / 119 / 2) وابن قانع في " المعجم " (ق 15 / 2) والحاكم (4 / 422) والخطيب في " التلخيص " (ق 91 / 1) وابن عساكر (16 / 223 / 2) عن زيد بن الحباب قال: حدثني الوليد بن المغيرة: حدثني عبد الله بن بشر الغنوي: حدثني أبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (فذكره) ، قال عبد الله: فدعاني مسلمة

 

(2/268)

 

 

ابن عبد الملك فسألني عن هذا الحديث؟ فحدثته، فغزا القسطنطينية. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وقال الخطيب: " تفرد به زيد بن الحباب ".

قلت: وهو ثقة إلا في حديثه عن الثوري ففيه ضعف، وليس هذا منه، وفي " التقريب ": " صدوق يخطيء في حديث الثوري " وعبد الله بن بشر الغنوي لم أجد من ترجمه، وإنما ترجموا لسميه " عبد الله بن بشر الخثعمي "، وهذا أورده ابن حبان في " ثقات أتباع التابعين " وقال (2 / 150) : " من أهل الكوفة، يروي عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير روى عنه شعبة والثوري ".

وأخرج له الترمذي والنسائي. فهو متأخر عن الغنوي هذا فليس به، ومن الغريب أن الإمام أحمد أورد الحديث في مسند " بشر بن سحيم " مشيرا بذلك إلى أنه بشر الغنوي في هذا الحديث، ولم أجد من وافقه على ذلك والله أعلم. وكذلك وقع في روايته " عبد الله بن بشر الخثعمي " بينما وقع عند الآخرين " الغنوي ".

ثم رجعت إلى " تعجيل المنفعة " للحافظ ابن حجر فرأيته ترجم لعبد الله بن بشر الغنوي هذا ترجمة طويلة وذكر الاختلاف في نسبه وفي اسمه أيضا، وحكى أقوال المحدثين في ذلك ثم جنح إلى أنه غير الخثعمي الثقة الذي أخرج له الترمذي والنسائي، وأنه وثقه ابن حبان وحده، والله أعلم. وجملة القول أن الحديث لم يصح عندي لعدم الاطمئنان إلى توثيق ابن حبان للغنوي هذا، وهو غير الخثعمي كما مال إليه العسقلاني، والله أعلم.

879 - " ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا اغتسال جمعة ولا تقدمهن امرأة ولكن تقوم في وسطهن ".

موضوع.

رواه ابن عدي في " الكامل " (65 / 1) وابن عساكر (16 / 159 / 2) عن الحكم عن القاسم عن أسماء (يعني بنت يزيد) ، مرفوعا.

وقال ابن عدي بعد أن ساق أحاديث أخرى للحكم هذا وهو ابن عبد الله بن سعد الأيلي: " أحاديثه كلها موضوعة، وما هو منها معروف المتن فهو باطل بهذا الإسناد، وما أمليت للحكم عن القاسم بن محمد والزهري وغيرهم كلها مما لا يتابعه الثقات عليه، وضعفه بين على حديثه ". وقال أحمد: " أحاديثه كلها موضوعة ". وقال السعدي وأبو حاتم: " كذاب ". وقال النسائي والدارقطني وجماعة: " متروك الحديث ". كما في " الميزان " ثم ساق له أحاديث هذا منها.

 

(2/269)

 

 

والحديث رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (1 / 408) من طريق ابن عدي، ثم قال عقبه: " هكذا رواه الحكم بن عبد الله الأيلي، وهو ضعيف، ورويناه في الأذان والإقامة عن أنس بن مالك موقوفا ومرفوعا، ورفعه ضعيف، وهو قول الحسن وابن المسيب وابن سيرين والنخعي ".

(تنبيه) : أخطأ في هذا الحديث عالمان جليلان: أحدهما أبو الفرج ابن الجوزي فإنه قال في " التحقيق " (79 / 1) : " وقد حكى أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس على النساء أذان ولا إقامة ".

وهذا لا نعرفه مرفوعا، إنما رواه سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم والشعبي وسليمان بن يسار، وحكى عن عطاء أنه قال: يقمن ". قلت: فلم يعرفه ابن الجوزي مرفوعا، وقد روي كذلك كما سبق.

والآخر الشيخ سليمان بن عبد الله حفيد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى فقال الشيخ سليمان في حاشيته على " المقنع " (1 / 96) : " رواه البخاري عن أسماء بنت يزيد "! وهذا خطأ فاحش لا أدري منشأه، وهو الذي حملني على تحقيق القول في هذا الحديث ونشره على الناس، وخاصة إخواننا النجديين، خشية أن يغتروا بهذا القول ثقة منهم بالشيخ رحمه الله تعالى، والعصمة لله وحده.

ثم تبين أن البخاري محرف من " النجاد " فقد عزاه إليه بعض الحنابلة كما حدثني أحد أساتذة الجامعة الإسلامية في المدينة في (17 / 9 / 1381) . و" النجاد " هذا أحد محدثي فقهاء الحنابلة وحفاظهم، واسمه أحمد بن سلمان بن الحسن أبو بكر الفقيه، ولد سنة 253، وتوفي سنة 348.

ثم إن الحديث أخرج الشطر الأول منه عبد الرزاق في " المصنف " (5022) والبيهقي من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: فذكره موقوفا.

وهذا سند ضعيف مع وقفه، فإن عبد الله بن عمر هذا هو العمري المكبر وهو ضعيف. وأما قول الشوكاني في " النيل " (2 / 27) : " إسناد صحيح " فليس بصحيح. ولعله توهم أن العمري هذا هو المصغر، فإن ثقة وليس به، فإن اسمه عبيد الله، على أنه أوهم أن الحديث مرفوع عن ابن عمر، وليس كذلك كما عرفت. وقد روي عن ابن عمر خلافه، فقال أبو داود في " مسائله " (29) : " سمعت أحمد سئل عن المرأة تؤذن وتقيم؟ قال: سئل ابن عمر عن المرأة تؤذن وتقيم؟ قال: أنا أنهى عن ذكر الله عز وجل؟! أنا أنهى عن ذكر الله عز وجل؟! استفهام ".

 

(2/270)

 

 

وهذا أولى من الذي قبله وإن كنت لم أقف على إسناده، وغالب الظن أنه لو لم يكن ثابتا عند أحمد لما احتج به. ثم صدق ظني، فقد وجدت الأثر المذكور أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (1 / 223) بسند جيد عن ابن عمر، ويؤيده، ما عند البيهقي عن ليث عن عطاء عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم، وتؤم النساء وتقوم وسطهن. ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة مختصرا. وليث هو ابن أبي سليم، وهو ضعيف. ثم روى البيهقي عن عمرو بن أبي سلمة قال: سألت ابن ثوبان: هل على النساء إقامة؟ فحدثني أن أباه حدثه قال: سألت مكحولا؟ فقال: إذا أذن فأقمن فذلك أفضل، وإن لم يزدن على الإقامة أجزأت عنهن، قال ابن ثوبان: وإن لم يقمن فإن الزهري حدث عن عروة عن عائشة قالت: " كنا نصلي بغير إقامة ".

قلت: وابن ثوبان هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي الدمشقي وليس هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان كما ذكر المعلق على " سنن البيهقي "، وهو العامري المدني، فإن هذا العامري متقدم على العنسي هذا من التابعين، والعنسي من أتباع التابعين، وهو حسن الحديث، وبقية الرجال ثقات، فالسند حسن، وقد جمع البيهقي بين هذا وبين رواية ليث المقدمة بقوله: " وهذا إن صح مع الأول، فلا يتنافيان، لجواز أنها فعلت ذلك مرة، وتركته أخرى لبيان الجواز، والله أعلم.

ويذكر عن جابر بن عبد الله أنه قيل له: أتقيم المرأة؟ قال: نعم ". والحق في هذه المسألة ما قاله أبو الطيب صديق خان في " الروضة الندية " (1 / 79) : " ثم الظاهر أن النساء كالرجال لأنهن شقائقهن، والأمر لهم أمر لهن، ولم يرد ما ينتهض للحجة في عدم الوجوب عليهن، فإن الوارد في ذلك في أسانيده متروكون لا يحل الاحتجاج بهم، فإن ورد دليل يصلح لإخراجهن فذاك، وإلا فهن كالرجال ".

880 - " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وابن ماشطة بنت فرعون ".

باطل بهذا اللفظ.

رواه الحاكم في " المستدرك " (2 / 295) : حدثنا أبو الطيب محمد بن محمد الشعيري: حدثنا السري بن خزيمة: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا جرير بن حازم: حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا - وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي وهو عجب، فإن السري بن خزيمة لم أجد له ترجمة، وكذلك محمد بن محمد الشعيري لم أجده إلا أن يكون، هو الذي أورده السمعاني في " الأنساب ": محمد بن جعفر الشعيري، قال (335 / 2) :

 

(2/271)

 

 

" حدث عن عثمان بن صالح الخياط، روى عنه علي بن هارون الحربي ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وهذا الحديث بهذا الإسناد باطل عندي، وذلك لأمرين: الأول: أنه حصر المتكلمين في المهد في ثلاثة، ثم عند التفصيل ذكرهم أربعة! والثاني: أن الحديث رواه البخاري في " صحيحه - أحاديث الأنبياء " من الطريق التي عند الحاكم فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم بسنده عند الحاكم تماما إلا أنه خالفه في اللفظ فقال: " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج (قلت فذكر قصته وفيها: ثم أتى الغلام فقال: من أبو ك يا غلام؟ فقال: الراعي، ثم قال:) وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: " اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها فأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله ". الحديث.

وأخرجه مسلم أيضا (8 / 4 - 5) من طريق يزيد بن هارون: أخبرنا جرير بن حازم به ورواه أحمد (2 / 307 - 308) من طريقين آخرين عن جرير به.

والظاهر أن أصل حديث الترجمة موقوف، فقد أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (12 / 115) : حدثنا ابن وكيع: قال: حدثنا العلاء بن عبد الجبار عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " تكلم أربعة في المهد وهم صغار ... ".

قلت: فذكرهم كما في رواية الحاكم الباطلة! ورجال هذا الموقوف موثقون ولكن فيه علتان:

الأولى: عطاء بن السائب، فإنه كان قد اختلط، وحماد بن سلمة روى عنه قبل الاختلاط وبعده، خلافا لمن يظن خلافه من المعاصرين! الثانية: ابن وكيع هذا وهو سفيان، قال الحافظ: " كان صدوقا إلا أنه ابتلي بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه ".

قلت: لكنه لم يتفرد به، فقال ابن جرير: " حدثنا الحسن بن محمد قال: أخبرنا عفان قال: حدثنا حماد قال: أخبرني عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكلم أربعة وهم صغار، فذكر فيهم شاهد يوسف ". قلت: وأخرجه الحاكم (2 / 496 - 497) من طريق أخرى عن عفان به وقال: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي مع أنه قال في عطاء في " الضعفاء " (187 / 2) : " مختلف فيه، من سمع منه قديما فهو صحيح ".

 

(2/272)

 

 

وقد علمت مما سبق أن حماد بن سلمة سمع منه في اختلاطه أيضا، ولا يمكن تمييز ما سمعه في هذا الحال عن ما سمعه قبلها، فلذا يتوقف عن تصحيح روايته عنه. ثم إن السيوطي قد أورد حديث أبي هريرة من طريق الحاكم في " الجامع الصغير " بلفظ: " لم يتكلم في المهد إلا عيسى ابن مريم ... " فحذف منه كما ترى لفظة " ثلاثة " لمعارضتها للتفصيل المذكور في الحديث عقبها كما سبق بيانه، وهذا تصرف من السيوطي غير جيد عندي، بل الواجب إبقاء الرواية كما هي، مع التنبيه على ما فيها من التناقض، فلربما دل هذا التناقض على ضعف أحد رواة الحديث كما فعلنا نحن حيث بينا أن الحديث في " البخاري " من الطريق التي أخرجها الحاكم بغير هذا اللفظ.

هذا، ولم أجد في حديث صحيح ما ينافي هذا الحصر الوارد في حديث الصحيحين إلا ما قصة غلام الأخدود ففيها أنه قال لأمه: " يا أمه اصبري فإنك على الحق " رواه أحمد (6 / 17 - 18) من حديث صهيب مرفوعا بسند صحيح على شرط مسلم. وفيه عنده زيادة أن أمه كانت ترضعه، والقصة عند مسلم أيضا (8 / 231) دون هذه الزيادة، وقد عزاها الحافظ في " الفتح " (6 / 371) لمسلم، وهو وهم إن لم تكن ثابتة في بعض نسخ مسلم.

وقد جمع بين هذا الحديث وحديث الصحيحين بأن حمل هذا على أنه لم يكن في المهد. والله أعلم. ومن تخاليط عطاء بن السائب أنه جعل قول هذا الغلام: " اصبري ... " من كلام ابن ماشطة بنت فرعون!

وسيأتي في لفظ: " لما أسري بي.... ". ثم إن ظاهر القرآن في قصة الشاهد أنه كان رجلا لا صبيا في المهد، إذ لوكان طفلا لكان مجرد قوله إنها كاذبة كافيا وبرهانا قاطعا، لأنه من المعجزات، ولما احتيج أن يقول: " من أهلها "، ولا أن يأتي بدليل حي على براءة يوسف عليه السلام وهو قوله: (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من الدبر) الآية، وقد روى ابن جرير بإسناد رجاله ثقات عن ابن عباس أن الشاهد كان رجلا ذا لحية، وهذا هو الأرجح، والله أعلم.

(فائدة) ما يذكر في بعض كتب التفسير وغيرها أنه تكلم في المهد أيضا، إبراهيم ويحيى ومحمد صلى الله عليه وسلم أجمعين. فليس له أصل مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فاعلم ذلك.

881 - " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ".

منكر.

أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (1 / 286 - منحة المعبود) وكذا أحمد (5 / 230، 242) وأبو داود في " السنن " (2 / 116) والترمذي (2 / 275) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 347 و584 - طبع بيرو ت) والعقيلي في " الضعفاء " (76 - 77) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (93 / 1 و112 - 113 مخطوطة الظاهرية، 154 - 155 و188 - 189 - مطبوعة الرياض) والبيهقي في " سننه " (10 / 114) وابن عبد البر

 

(2/273)

 

 

في " جامع بيان العلم " (2 / 55 - 56) وابن حزم في " الإحكام " (6 / 26، 35، 7 / 111 - 112) من طرق عن شعبة عن أبي العون عن الحارث بن عمرو - أخي المغيرة بن شعبة - عن أصحاب معاذ بن جبل عن

معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي لا آلو، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: فذكره. وقال العقيلي: " قال البخاري: لا يصح، ولا يعرف إلا مرسلا ".

قلت: ونصه في " التاريخ " (2 / 1 / 275) : " لا يصح، ولا يعرف إلا بهذا، مرسل ". قلت: يعني أن الصواب أنه عن أصحاب معاذ بن جبل ليس فيه " عن معاذ ".

وقال الذهبي: " قلت: تفرد به أبو عون محمد بن بن عبيد الله الثقفي عن الحارث بن عمرو الثقفي أخوالمغيرة بن شعبة، وما روى عن الحارث غير أبي عون فهو مجهول، وقال الترمذي: ليس إسناده عندي بمتصل ". قلت: ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأن الحارث هذا مجهول. ثم رواه أحمد (5 / 236) وأبو داود وابن عساكر (16 / 310 / 2) من طريقين آخرين عن شعبة، إلا أنهما قالا: " عن رجال من أصحاب معاذ أن رسول الله لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن ". الحديث. لم يذكر: " عن معاذ ".

قلت: هذا مرسل وبه أعله البخاري كما سبق، وكذا الترمذي حيث قال عقبه: " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل ". وأقره الحافظ العراقي في " تخريج أحاديث منهاج الأصول " للبيضاوي (ق 76 / 1) . قلت: فقد أعل هذا الحديث بعلل ثلاث:

الأولى: الإرسال هذا.

الثانية: جهالة أصحاب معاذ. الثالثة: جهالة الحارث بن عمرو.

قال ابن حزم: " هذا حديث ساقط، لم يرو هـ أحد من غير هذا الطريق، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين، لم يسموا، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو؟ وفيه الحارث بن عمرو، وهو مجهول لا يعرف من هو؟ ولم يأت هذا الحديث قط من غير طريقه ". وقال في موضع آخر بعد أن نقل قول البخاري فيه: " لا يصح ".

 

(2/274)

 

 

" وهذا حديث باطل لا أصل له ". وقال الحافظ في " التلخيص " (ص 401) عقب قول البخاري المذكور: " وقال الدارقطني في " العلل ": رواه شعبة عن أبي عون هكذا. وأرسله ابن مهدي وجماعات عنه. والمرسل أصح. قال أبو داود (يعني الطيالسي) : وأكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ أن رسول الله. وقال مرة: عن معاذ. وقال ابن حزم: " لا يصح لأن الحارث مجهول، وشيوخه لا يعرفون، قال: وادعى بعضهم فيه التواتر، وهذا كذب، بل هو ضد التواتر، لأنه ما رواه أحد غير أبي عون عن الحارث، فكيف يكون متواترا؟! ". وقال عبد الحق: " لا يسند، ولا يوجد من وجه صحيح ".

وقال ابن الجوزي في " العلل المتناهية ": " لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه، وإن كان معناه صحيحا ". وقال ابن طاهر في تصنيف له مفرد، في الكلام على هذا الحديث: " اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل، فلم أجد غير طريقين: أحدهما: طريق شعبة. والأخرى: عن محمد بن جابر عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ وكلاهما لا يصح. قال: وأقبح ما رأيت فيه قول إمام الحرمين في كتاب " أصول الفقه ": " والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ " قال: " وهذه زلة منه، ولوكان عالما بالنقل لما ارتكب هذه الجهالة "، (قال الحافظ رحمه الله تعالى) : " قلت: أساء الأدب على إمام الحرمين، وكان يمكنه أن يعبر بألين من هذه العبارة مع كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه! فإنه قال: " والحديث مدون في " الصحاح " متفق على صحته (!) لا يتطرق إليه التأويل ".

كذا قال رحمه الله، وقد أخرجه الخطيب في كتاب " الفقيه والمتفقه " من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل، فلو كان الإسناد إلى عبد الرحمن ثابتا لكان كافيا في صحة الحديث ". قلت: لم يخرجه الخطيب، بل علقه (ص 189) بقوله: " وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ. وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة ".

قلت: وهيهات، فإن في السند إليه كذابا وضاعا، فقد أورده ابن القيم في " تهذيب السنن " تعليقا على هذا الحديث فقال (5 / 213) : " وقد أخرجه ابن ماجه في " سننه " من حديث يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن حسان عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم: حدثنا معاذ بن جبل قال: " لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم، وإن

 

(2/275)

 

 

أشكل عليك أمر فقف حتى تبينه، أو تكتب إلي فيه ". وهذا أجود إسنادا من الأول، ولا ذكر للرأي فيه ". قلت: كيف يكون أجود إسنادا من الأول وفيه محمد بن سعيد بن حسان وهو الدمشقي المصلوب؟! قال في " التقريب ": " قال أحمد بن صالح: وضع أربعة آلاف حديث، وقال أحمد: قتله المنصور على الزندقة وصلبه ". وقد سبق نحوه (ص 244) عن غيره من الأئمة.

قلت: ولعله اشتبه على ابن القيم رحمه الله بمحمد بن سعيد بن حسان الحمصي، وليس به، فإنه متأخر عن المصلوب، ولم يذكروا له رواية عن ابن نسي، ولا في الرواة عنه يحيى بن سعيد الأموي، وإنما ذكروا ذلك في الأول، على أنه مجهول كما قال الحافظ، وأيضا فإن هذا ليس من رجال ابن ماجه، وإنما ذكروه تمييزا بينه وبين الأول. والحديث في " المقدمة " من سنن " ابن ماجه " (1 / 28) ، وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 5 / 2) : " هذا إسناد ضعيف، محمد بن سعيد هو المصلوب اتهم بوضع الحديث ".

على أن قول ابن القيم: " ولا ذكر للرأي فيه ". إنما هو بالنظر إلى لفظ رواية ابن ماجه، وإلا فقد أخرجه ابن عساكر في " تاريخه " (16 / 310 / 1) من طريق المصلوب هذا بلفظ: " قال معاذ: يا رسول الله: أرأيت ما سئلت عنه مما لم أجده في كتاب الله ولم أسمعه منك؟ قال: اجتهد رأيك ".

ثم رواه ابن عساكر (16 / 310 / 2) من طريق سليمان الشاذكوني: أخبرنا الهيثم بن عبد العفار عن سبرة بن معبد عن عبادة بن نسي به بلفظ: " اجتهد رأيك، فإن الله إذا علم منك الحق وفقك للحق ". والهيثم هذا قال ابن مهدي: " يضع الحديث ". والشاذكوني كذاب.

قلت: وأجاب ابن القيم عن العلة الثانية، وهي جهالة أصحاب معاذ بقوله في " إعلام الموقعين " (1 / 243) : " وأصحاب معاذ وإن كانوا غير مسمين فلا يضره ذلك، لأنه يدل على شهرة الحديث، وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى.... " أقول: فهذا جواب صحيح لو أن علة الحديث محصورة بهذه العلة، أما وهناك علتان أخريان قائمتان، فالحديث ضعيف على كل حال، ومن العجيب أن ابن القيم رحمه الله لم يتعرض للجواب عنهما مطلقا. فكأنه ذهل عنهما لانشغاله بالجواب عن هذه العلة والله أعلم.

ثم تبين لي أن ابن القيم اتبع في ذلك كله الخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه " (113 /

 

(2/276)

 

 

1 - 2 من المخطوطة، 189 - من المطبوعة) ، وهذا أعجب، أن يخفى على مثل الخطيب في حفظه ومعرفته بالرجال علة هذا الحديث القادحة!

(تنبيه) أورد ابن الأثير هذا الحديث في " جامع الأصول " (10 / 551) عن الحارث بن عمرو باللفظ الذي ذكرته، ثم قال: " وفي رواية: " أن معاذا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بما أقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم أجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال فإن لم أجد، قال استدق الدنيا، وتعظم في عينيك ما عند الله واجتهد رأيك فيسددك الله للحق. ثم قال عقبه: " وأخرجه أبو داود ".

قلت: وليست عنده هذه الرواية، ولا رأيت أحدا عزاها إليه غيره، ولا وجدت لها أصلا في شيء من المصادر التي وقفت عليها، فهي منكرة شديدة النكارة، لمخالفتها لجميع الروايات المرسلة منها والموصولة، وجميعها معلة بالجهالة. ومر على هذا العزولأبي داود المحقق الفاضل لـ " جامع الأصول " (10 / 177 - 178 - طبعة دمشق) دون أي تعليق أو تحقيق!

تنبيه آخر: ذهب الشيخ زاهد الكوثري المعروف في مقال له إلى تقوية هذا الحديث، وليس ذلك بغريب منه ما دام أنه قد سبق إليه، ولكن الغريب حقا أنه سلك في سبيل ذلك طريقا معوجة، لا يعرفها أهل الجرح والتعديل، فرأيت أن أنقل خلاصة كلامه فيه، ثم أرد عليه وأبين خطأه وزغله.

قال في " مقالاته " (ص 60 - 61) : " وهذا الحديث رواه عن أصحاب معاذ الحارث بن عمرو الثقفي، وليس هو مجهول العين بالنظر إلى أن شعبة بن الحجاج يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة، ولا مجهول الوصف من حيث أنه من كبار التابعين، في طبقة شيوخ أبي عون الثقفي المتوفى سنة 116، ولم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه، ولا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته، بل يكفي في عدالة وقبول روايته ألا يثبت فيه جرح مفسر من أهل الشأن، لما ثبت من بالغ الفحص على المجروحين من رجال تلك الطبقة. أما من بعدهم فلا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم وهكذا.

والحارث هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " وإن جهله العقيلي وابن الجارود وأبو العرب، وقد روى هذا الحديث عن أبي عون عن الحارث - أبو إسحاق الشيباني وشعبة بن الحجاج المعروف بالتشدد في الرواية والمعترف له بزوال الجهالة وصفا عن رجال يكونون في سند روايته ".

قلت: وفي هذا الكلام من الأخطاء المخالفة لما عليه علماء الحديث، ومن المغالطات والدعاوى الباطلة، ما لا يعرفه إلا من كان متمكنا في هذا العلم الشريف، وبيانا لذلك أقول:

1 - قوله: " ليس هو مجهول العين بالنظر إلى أن شعبة يقول عنه ابن أخي المغيرة ".

فأقول: بل هو مجهول وتوضيحه من ثلاثة وجوه:

الأول: أن أحدا من علماء الحديث - فيما علمت - لم يقل أن الراوي المجهول إذا عرف

 

(2/277)

 

 

اسم جده بله اسم أخي جده خرج بذلك عن جهالة العين إلى جهالة الحال أو الوصف. فهي مجرد دعوى من هذا الجامد في الفقه، والمجتهد في الحديث دون مراعاة منه لقواعد الأئمة، وأقوالهم الصريحة في خلاف ما يذهب إليه! فإنهم أطلقوا القول في ذلك، قال الخطيب: " المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء ولا يعرف حديثه إلا من جهة واحد ... ".

الثاني: أنه خلاف ما جرى عليه أئمة الجرح والتعديل في تراجم المجهولين عينا، فقد عرفت مما سبق ذكره في ترجمة الحارث هذا أنه مجهول عند الحافظين الذهبي والعسقلاني وكفى بهما حجة، لاسيما وهما مسبوقون إلى ذلك من ابن حزم وغيره ممن ذكرهم الكوثري نفسه كما رأيت! ومن الأمثلة الأخرى على ذلك ذهيل بن عوف بن شماخ التميمي أشار الذهبي إلى جهالته بقوله في " الميزان ": " ما روى عنه سوى سليط بن عبد الله الطهو ي " وصرح بذلك الحافظ فقال في " التقريب ": " مجهول من الثالثة ".

ومن ذلك أيضا زريق بن سعيد بن عبد الرحمن المدني، أشار الذهبي أيضا إلى جهالته وقال الحافظ: " مجهول ". والأمثلة على ذلك تكثر، وفيما ذكرنا كفاية، فأنت ترى أن هؤلاء قد عرف اسم جد كل منهم، ومع ذلك حكموا عليهم بالجهالة.

الثالث: قوله: " شعبة يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة ". فأقول: ليس هذا من قول شعبة، وإنما هو من قول أبي العون كما مر في إسناد الحديث، وشعبة إنما هو راوعنه، وهو في هذه الحالة لا ينسب إليه قول ما جاء في روايته، حتى ولوصحت عنده لأنه قد يقول بخلاف ذلك، ولذلك جاء في علم المصطلح، " وعمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكما بصحته، ولا مخالفته قدح في صحته ولا في رواته ". كذا في " تقريب النووي " (ص 209 بشرح التدريب) . وكأن الكوثري تعمد هذا التحريف ونسبة هذا القول لشعبة - وليس له - ليقوي به دعوى كون الحارث بن عمرو هذا ابن أخي المغيرة، لأن أبا العون - واسمه محمد بن عبيد الله ابن الثقفي الأعور وإن كان ثقة، فإنه لا يزيد على كونه راويا من رواة الحديث، وأما شعبة فإمام نقاد. على أننا لوسلمنا بأنه من قوله، فذلك مما لا يفيد الكوثري شيئا من رفع الجهالة كما سبق بيانه.

2 - قوله: " ولا مجهول الوصف من حيث أنه من كبار التابعين في طبقة شيوخ أبي عون ... ".

فأقول: الجواب من وجهين:

الأول: بطلان هذه الدعوى من أصلها، لأن شيوخ أبي عون ليسوا جميعا من كبار التابعين حتى يلحق بهم الحارث هذا، فإن من شيوخه أبا الزبير المكي وقد مات سنة (126) ، ولذلك جعله الحافظ من الطبقة الرابعة، وهم الذين جل روايتهم عن كبار التابعين، ومن شيوخه والده عبيد الله بن سعيد، ولا تعرف له وفاة، لكن ذكره ابن حبان في " أتباع التابعين "، وقال: يروي المقاطيع.

 

(2/278)

 

 

قال الحافظ: فعلى هذا فحديثه عن المغيرة مرسل. يعني منقطع، ولذلك جعله في " التقريب " من الطبقة السادسة، وهم من صغار التابعين الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج. إذا عرفت هذا فادعاء أن الحارث بن عمرو من كبار التابعين افتئات على العلم، وتخرص لا يصدر من مخلص، والصواب أن يذكر ذلك على طريق الاحتمال، فيقال: يحتمل أنه من كبار التابعين، كما يحتمل أنه من صغارهم.

فإن قيل: فأيهما الأرجح لديك؟ قلت: إذا كان لابد من اتباع أهل الاختصاص في هذا العلم، وترك الاجتهاد فيما لا سبيل لأحد اليوم إليه، فهو أنه من صغار التابعين، فقد أورده الإمام البخاري في " التاريخ الصغير " في فصل " من مات ما بين المائة إلى العشرة " (ص 126 - هند) وأشار إلي حديثه هذا وقال: " ولا يعرف الحارث إلا بهذا، ولا يصح ".

ولذلك جعله الحافظ في " التقريب " من الطبقة السادسة التي لم يثبت لأصحابها لقاء أحد من الصحابة فقال: " مجهول، من السادسة ". فإن قيل: ينافي هذا ما ذكره الكوثري (ص 62) أن لفظ شعبة في رواية علي بن الجعد قال: سمعت الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة يحدث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاذ بن جبل.

كما أخرجه ابن أبي خيثمة، في " تاريخه " ومثله في " جامع بيان العلم " لابن عبد البر. فهذا صريح في أنه لقي جمعا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو تابعي.

فأقول: نعم والله إن هذه الرواية لتنافي ذلك أشد المنافاة، ولكن يقال للكوثري وأمثاله: أثبت العرش ثم انقش، فإنها رواية شاذة، تفرد بها علي بن الجعد مخالفا في ذلك لسائر الثقات الذين لم يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم مضافا إلى (الأصحاب) ، وإنما قالوا: أصحاب معاذ كما تقدم في الإسناد عند جميع من عزونا الحديث إليهم، إلا في رواية لابن عبد البر، وهي من روايته عن أحمد بن زهير قال: حدثنا علي بن الجعد.... وأحمد بن زهير هو ابن أبي خيثمة. وإليك أسماء الثقات المخالفين لابن الجعد في روايته تلك:

الأول: أبو داود الطيالسي نفسه في " مسنده " وعنه البيهقي.

الثاني: محمد بن جعفر عند أحمد والترمذي.

الثالث: عفان بن مسلمة عند أحمد أيضا.

الرابع: يحيى بن سعيد القطان، عند أبي داود وابن عبد البر في الرواية الأخرى.

الخامس: وكيع بن الجراح عند الترمذي.

السادس: عبد الرحمن بن مهدي عند الترمذي.

السابع: يزيد بن هارون عند ابن سعد. الثامن: أبو الوليد الطيالسي عند ابن سعد.

 

(2/279)

 

 

فهؤلاء ثمانية من الثقات وكلهم أئمة أثبات، لاسيما وفيهم يحيى القطان الحافظ المتقن لوأن بعضهم خالفوا ابن الجعد لكان كافيا في الجزم بوهمه في نسبته (الأصحاب) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا إلى معاذ، فكيف بهم مجتمعين؟! ومثل هذا لا يخفى على الكوثري، ولكنه يتجاهل ذلك عمدا لغاية في نفسه، وإلا فإن لم تكن رواية ابن الجعد هذه شاذة فليس في الدنيا ما يمكن الحكم عليه بالشذوذ، ولذلك لم يعرج على هذه الرواية كل من ترجم للحارث هذا.

فثبت مما تقدم أن الحارث بن عمرو هو من صغار التابعين، وليس من كبارهم، وقد صرح بسماعه من جابر بن سمرة في رواية الطيالسي في " مسنده " (216) عن شعبة عنه.

والآخر: هب أنه من كبار التابعين، فذلك لا ينفي عنه جهالة العين فضلا عن جهالة الوصف عند أحد من أئمة الجرح والتعديل، بل إن سيرتهم في ترجمتهم للرواة يؤيد ما ذكرنا، فهذا مثلا حريث بن ظهير من الطبقة الثانية عند الحافظ، وهي طبقة كبار التابعين، فإنه مع ذلك أطلق عليه الحافظ بأنه مجهول. وسبقه إلى ذلك الإمام الذهبي فقال: " لا يعرف ". ومثله حصين بن نمير الكندي الحمصي.

قال الحافظ: " يروي عن بلال، مجهول من الثانية ". ونحوه خالد بن وهبان ابن خالة أبي ذر.

قال الحافظ: " مجهول، من الثالثة ".

3 - قوله: " ولم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه ".

قلت: لا ضرورة إلى هذا الجرح، لأنه ليس بمثله فقط يثبت الجرح، بل يكفي أن يكون جرحا غير مفسر إذا كان صادرا من إمام ذي معرفة بنقد الرواة، ولم يكن هناك توثيق معتمر معارض له، كما هو مقرر في علم المصطلح، فمثل هذا الجرح مقبول، لا يجوز رفضه، ومن هذا القبيل وصفه بالجهالة، لأن الجهالة علة في الحديث تستلزم ضعفه، وقد عرفت أنه مجهول عند جمع من الأئمة النقاد ومنهم الإمام البخاري، فأغنى ذلك عن الجرح المفسر، وثبت ضعف الحديث.

4 - قوله: " ولا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيق عن أهل طبقته ". فأقول: فيه أمور:

أولا: أن الحارث هذا لم يثبت أنه تابعي كبير كما تقدم فانهار قوله من أصله.

وثانيا: أنه لا قائل بأن الراوي سواء كان تابعيا أو ممن دونه بحاجة إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته، بل يكفي في ذلك أن يوثقه إمام من أئمة الجرح والتعديل سواء كان من طبقته أو ممن دونها، فلما كان الحارث هذا لم يوثقه أحد ممن يوثق بتوثيقه بل جهلوه فقد سقط حديثه.

5 - قوله: " بل يكفي في عدالته.... (إلى قوله) من رجال تلك الطبقة ". قلت: هذه مجرد دعوى، فهي لذلك ساقطة الاعتبار، فكيف وهي مخالفة للشرط الأول من شروط الحديث الصحيح: " ما رواه عدل ضابط ... " فلو سلمنا أن عدالته تثبت بذلك،

 

(2/280)

 

 

فكيف يثبت ضبطه وليس له من الحديث إلا القليل بحيث لا يمكن سبره وعرضه على أحاديث الثقات ليحكم له بالضبط أو بخلافه، أو بأنه وسط بين ذلك. كما هو طريق من طرق الأئمة النقاد في نقد الرواة الذين لم يرو فيهم جرح أو تعديل ممن قبلهم من الأئمة.

ويكفي في إبطال هذا القول مع عدم وروده في " علم المصطلح " أنه مباين لما جاء فيه: أن أقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهور ين كما تقدم عن الخطيب. ولما تعقبه بعضهم بأن البخاري روى عن مرداس الأسلمي، ومسلما عن ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنهما غير واحد.

رده النووي في " التقريب " بقوله (ص 211) : " والصواب نقل الخطيب، ولا يصح الرد عليه بمرداس وربيعة فإنهما صحابيان مشهور ان، والصحابة كلهم عدول ".

وأيده السيوطي في " التدريب " فقال عقبه: " فلا يحتاج إلى رفع الجهالة عنهم بتعداد الرواة، قال العراقي: هذا الذي قاله النووي متجه إذا ثبتت الصحبة، ولكن بقي الكلام في أنه هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أولا تثبت إلا برواية اثنين عنه، وهو محل نظر واختلاف بين أهل العلم، والحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات أو في من وفد من الصحابة أو نحوذلك فإنه تثبت صحبته ".

قلت: فتأمل كلام العراقي هذا يتبين لك بطلان قول الكوثري، لأنه تساهل في إثبات عدالة التابعي الكبير فلم يشترط فيه ما اشترطه العراقي في إثبات الصحبة المستلزمة لثبوت العدالة! فإنه اشترط مع رواية الواحد عنه أن يكون معروفا بذكره في الغزوات أو الوفود. وهذا ما لم يشترط الكوثري مثله في التابعي!

فاعتبروا يا أولي الأبصار. ولعله قد وضح لك أنه لا فرق بين التابعي الكبير ومن دونه في أنه لا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم. وتثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة. كما هو معلوم.

6 - قال: " أما من بعدهم فلا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم وهكذا ". قلت: بل والتابعي الكبير كذلك كما حققناه في الفقرة السابقة.

7 - قال: " والحارث هذا ذكره ابن حبان في " الثقات "، وإن جهله العقيلي وابن الجارود وأبو العرب ". قلت: فيه أمران:

الأول: أنه تغافل عن أئمة آخرين جهلوه، منهم الإمام البخاري والذهبي والعسقلاني وغرضه من ذلك واضح وهو الحط من شأن هذا التجهيل!

والآخر: اعتداده بتوثيق ابن حبان هنا خلاف مذهبه الذي يصرح في بعض تعليقاته (1) بأن ابن حبان يذكر في " الثقات من لم يطلع على جرح فيه، فلا يخرجه ذلك عن حد الجهالة عند الآخرين، وقد رد شذوذ ابن حبان هذا في (لسان الميزان) ".

__________

(1) انظر " مقالات الكوثري " (ص 309) ، و" شروط الأئمة الخمسة " (ص 45) .

 

(2/281)

 

 

وهذا من تلاعبه في هذا العلم الشريف، فتراه يعتد بتوثيق ابن حبان حيث كان له هوى في ذلك كهذا الحديث، وحديث آخر في التوسل كنت خرجته فيما تقدم برقم (23) ، ولا يعتد به حين يكون هو اه على نقيضه كحديث الأوعال وغيره، وقد شرحت حاله هذا هناك بما فيه كفاية. ولكن لابد لي هنا من أن أنقل كلامه في راوي حديث الأوعال وهو عبد الله بن عميرة راويه عن العباس بن عبد المطلب، فهو تابعي كبير، لتتأكد من وجود التشابه التام بينه وبين الحارث بن عمرو الراوي للحديث عن معاذ، ومع ذلك يوثق هذا بذاك الأسلوب الملتوي، ويجهل ذاك وهو فيه على الصراط السوي! قال في " مقالاته " (ص 309) : " وقال مسلم في " الوحدان " (ص 14) : " انفرد سماك بن حرب بالرواية عن عبد الله بن عميرة ". فيكون ابن عميرة مجهول العين عنده، (يعني مسلما) لأن جهالة العين لا تزول إلا برواية ثقتين، (تأمل) وقال إبراهيم الحربي - أجل أصحاب أحمد - عن ابن عميرة لا أعرفه. وقال الذهبي في " الميزان " عن عبد الله بن عميرة: فيه جهالة ".

قلت: ثم وصفه الكوثري بأنه شيخ خيالي! وبأنه مجهول عينا وصفة! ونحوه قوله في " النكت الطريفة " (ص 101) وقد ذكر حديثا في سنده عبد الرحمن بن مسعود: " وهو مجهول. قال الذهبي: " لا يعرف " وإن ذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته في التوثيق "! وقال في (قابوس) . " وإنما وثقه ابن حبان على طريقته في توثيق المجاهيل إذا لم يبلغه عنهم عنهم جرح، وهذا غاية التساهل "!! (ص 48 منه) .

فقابل كلامه هذا بالقاعدة التي وضعها من عند نفسه في قبول حديث التابعي الكبير حتى ولونص الأئمة على جهالته تزداد تأكدا من تلاعبه المشار إليه. نسأل الله السلامة. ولوكانت القاعدة الموضوعة صحيحة لكان قبول حديث ابن عميرة هذا أولى من حديث الحارث، لأنه روى عن العباس فهو تابعي كبير قطعا، ولذلك جعله ابن حجر من الطبقة الثانية، بينما الحارث إنما يروي عن بعض التابعين كما سبق، ولكن هكذا يفعل الهوى بصاحبه. نسأل الله العافية.

8 - قال أخيرا: " وقد روى هذا الحديث عن أبي عون عن الحارث - أبو إسحاق الشيباني، وشعبة بن الحجاج المعروف بالتشدد في الرواية، والمعترف له بزوال الجهالة وصفا عن رجال يكونون في سند روايته "! قلت: فيه مؤاخذتان: الأولى: أن كون شعبة معروفا بالتشدد في الرواية لا يستلزم أن يكون كل شيخ من شيوخه ثقة، بله

من فوقهم، فقد وجد في شيوخه جمع من الضعفاء، وبعضهم ممن جزم الكوثري نفسه بضعفه! ولا بأس من أن أسمي هنا من تيسر لي منهم ذكره:

1 - إبراهيم بن مسلم الهجري.

 

(2/282)

 

 

2 - أشعث بن سوار.

3 - ثابت بن هرمز.

4 - ثوير بن أبي فاختة.

5 - جابر الجعفي.

6 - داود بن فراهيج.

7 - داود بن يزيد الأودي.

8 - عاصم بن عبيد الله (قال الكوثري في " النكت " (ص 74) : ضعيف لا يحتج به) .

9 - عطاء بن أبي مسلم الخراساني.

10 - علي بن زيد بن جدعان.

11 - ليث بن أبي سليم.

12 - مجالد بن سعيد: قال الكوثري في " النكت " (ص 63) : " ضعيف بالاتفاق " وضعف به حديث: " زكاة الجنين زكاة أمه "! ثم ضعف به فيه (ص 95) حديث " لعن الله المحلل والمحلل له "! فلم يتجه من تضعيفه إياه أنه من شيوخ شعبة! (1) .

13 - مسلم الأعور.

14 - موسى بن عبيدة.

15 - يزيد بن أبي زياد.

16 - يزيد بن عبد الرحمن الدالاني.

17 - يعقوب بن عطاء.

18 - يونس بن خباب.

من أجل ذلك قالوا في لم المصطلح: وإذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلا عند الأكثرين، وهو الصحيح كما قال النووي في " التدريب " (ص 208) وراجع له شرحه " التقريب " وإذا كان هذا في شيوخه فبالأولى أن لا يكون شيوخ شيوخه عدولا إلا إذا سموا، فكيف إذا لم يسموا؟!

الأخرى: قوله: " والمعترف له بزوال الجهالة.... ". أقول: إن كان يعني أن ذلك معترف به عند المحدثين، فقد كذب عليهم، فقد عرفت مما سردناه آنفا طائفة من الضعفاء من شيوخ شعبة مباشرة، فبالأولى أن يكون في شيوخ شيوخه من هو ضعيف أو مجهول، وكم من حديث رواه شعبة، ومع ذلك ضعفه العلماء بمن فوقه من مجهول أو ضعيف، من ذلك حديثه عن أبي التياح: حدثني شيخ عن أبي موسى مرفوعا بلفظ: " إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا ".

فضعفوه بجهالة شيخ أبي التياح كما سيأتي برقم (2320) ، ومن ذلك حديث " من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ... " الحديث. رواه شعبة بإسناده عن أبي المطوس عن أبي هريرة مرفوعا: فضعفه البخاري وغيره بجهالة أبي

__________

(1) ولا يفوتني التنبيه على أن الحديثين المذكورين صحيحان رغم أنف الكوثري، وتعصبه المذهبي، وهما مخرجان في " إرواء الغليل " (2606 و1955) . اهـ.

 

(2/283)

 

 

المطوس فراجع " الترغيب والترهيب " (2 / 74) ، و" المشكاة " (2013) ، و" نقد الكتاني " (35) . وإن كان يعني بذلك نفسه، أي أنه هو المعترف بذلك، فهو كاذب أيضا - مع ما فيه من التدليس والإيهام -، لأن طريقته في إعلال الأحاديث بالجهالة تناقض ذلك، وإليك بعض الأمثلة:

1 - عبد الرحمن بن مسعود، صرح في " النكت الطريفة " (ص 101) بأنه " مجهول " مع أنه من رواية شعبة عنه بالواسطة! وقد قمت بالرد عليه عند ذكر حديثه الآتي برقم (2556) وبيان تناقضه، وإن كان الرجل فعلا مجهولا.

2 - عمرو بن راشد الذي في حديث وابصة في الأمر بإعادة الصلاة لمن صلى وراء الصف وحده. قال الكوثري في " النكت " (ص 28) : " ليس معروفا بالعدالة فلا يحتج بحديثه ". مع أنه يرويه شعبة بإسناده عنه، وهو

مخرج في " صحيح أبي داود " (683) ، و" إرواء الغليل " (534) . وراجع تعليق أحمد شاكر على الترمذي (1 / 448 - 449) ".

3 - وكيع بن حدس الراوي عن أبي رزين العقيلي حديث كان في عماء ما فوقه هو اء، وما تحته هو اء ... " قال الكوثري في تعليقه على " الأسماء " (ص 407) : " مجهول الصفة ". مع أنه يعلم أن شعبة قد روى له حديثا آخر عند الطيالسي (1090) وأحمد (4 / 11) . فما الذي جعل هؤلاء الرواة مجهولين عند الكوثري، وجعل الحارث بن عمرو معروفا عنده وكلهم وقعوا في إسناد فيه شعبة؟! الحق، والحق أقول: إن هذا الرجل لا يخشى الله، فإنه يتبع هو اه انتصارا لمذهبه، فيبرم أمرا أو قاعدة من عند نفسه لينقضها في مكان آخر متجاوبا مع مذهبه سلبا وإيجابا. وفي ذلك من التضليل وقلب الحقائق ما لا يخفى ضرره على أهل العلم. نسأل الله العصمة من الهوى. وبعد، فقد أطلت النفس في الرد على هذا الرجل لبيان ما في كلامه من الجهل والتضليل نصحا للقراء وتحذيرا، فمعذرة إليهم.

هذا ولا يهولنك اشتهار هذا الحديث عن علماء الأصول، واحتجاجهم به في إثبات القياس، فإن أكثرهم لا معرفة عندهم بالحديث ورجاله، ولا تمييز لديهم بين صحيحه وسقيمه، شأنهم في ذلك شأن الفقهاء بالفروع، إلا قليلا منهم، وقد مر بك كلام إمام الحرمين في هذا الحديث - وهو من هو في العلم بالأصول والفروع، فماذا يقال عن غيره ممن لا يساويه في ذلك بل لا يدانيه، كما رأت نقد الحافظ ابن طاهر إياه، ثم الحافظ ابن حجر من بعده، مع إنكاره على ابن طاهر سوء تعبيره في نقده. ثم وجدت لكل منهما موافقا، فقد نقل الشيخ عبد الوهاب السبكي في ترجمة الإمام من " طبقاته " عن الذهبي أنه قال فيه: " وكان أبو المعالي مع تبحره في الفقه وأصوله، لا يدري الحديث! ذكر في كتاب

 

(2/284)

 

 

" البرهان " حديث معاذ في القياس فقال: هو مدون في " الصحاح " متفق على صحته. كذا قال، وأنى له الصحة، ومداره على الحارث بن عمرو وهو مجهول، عن رجال من أهل حمص لا يدري من هم؟ عن معاذ ".

ثم تعقبه السبكي بنحو ما سبق من تعقب الحافظ لابن طاهر، ولكنه دافع عنه بوازع من التعصب المذهبي، لا فائدة كبرى من نقل كلامه وبيان ما فيه من التعصب، فحسبك أن تعلم أنه ذكر أن الحديث رواه أبو داود الترمذي، والفقهاء لا يتحاشون من إطلاق لفظ " الصحاح " عليها.

فكأن السبكي يقول: فللإمام أسوة بهؤلاء الفقهاء في هذا الإطلاق! فيقال له: أو لوكان ذلك أمرا منكرا عند العلماء بالحديث؟! وفي الوقت نفسه فقد تجاهل السبكي قول الإمام في الحديث " متفق على صحته "، فإنه خطأ محض لا سبيل إلى تبريره أو الدفاع عنه بوجه من الوجوه، ولذلك لم يدندن السبكي حوله ولو بكلمة.

ولكنه كان منصفا حين اعترف بضعف الحديث، وأن الإمام صحح غيره من الأحاديث الضعيفة فقال: " وما هذا الحديث وحده ادعى الإمام صحته وليس بصحيح، بل قد ادعى ذلك في أحاديث غيره، ولم يوجب ذلك عندنا الغض منه ".

وأقول أخيرا: إن وصف الرجل بما فيه ليس من الغض منه في شيء، بل ذلك من باب النصح للمسلمين، وبسبب تجاهل هذه الحقيقة صار عامة المسلمين لا يفرقون بين الفقيه والمحدث، فيتوهمون أن كل فقيه محدث، ويستغربون أشد الاستغراب حين يقال لهم الحديث الفلاني ضعيف عند المحدثين وإن احتج به الفقهاء، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، تجدها مبثوثة في تضاعيف هذه " السلسلة "، وحسبك الآن هذا الحديث الذي بين يديك.

وجملة القول أن الحديث لا يصح إسناده لإرساله، وجهالة راويه الحارث بن عمرو، فمن كان عنده من المعرفة بهذا العلم الشريف، وتبين له ذلك فبها، وإلا فحسبه أن يستحضر أسماء الأئمة الذين صرحوا بتضعيفه، فيزول الشك من قلبه، وها أنها ذا أسردها وأقربها إلى القراء الكرام:

1 - البخاري.

2 - الترمذي.

3 - العقيلي.

4 - الدارقطني.

5 - ابن حزم.

6 - ابن طاهر.

7 - ابن الجوزي.

8 - الذهبي.

9 - السبكي.

10 - ابن حجر كل هؤلاء - وغيرهم ممن لا نستحضرهم - قد ضعفوا هذا الحديث، ولن يضل بإذن الله من اهتدى بهديهم، كيف وهم أولى الناس بالقول المأثور: " هم القوم لا يشقى جليسهم ". هذا ولما أنكر ابن الجوزي صحة الحديث أتبع ذلك قوله: " وإن كان معناه صحيحا " كما تقدم.

 

(2/285)

 

 

فأقول: هو صحيح المعنى فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص، وهذا مما لا خلاف فيه، ولكنه ليس صحيح المعنى عندي فيما يتعلق بتصنيف السنة مع القرآن وإنزاله إياه معه، منزلة الاجتهاد منهما. فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب والسنة، فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يجد في الكتاب.

وهذا التفريق بينهما مما لا يقول به مسلم بل الواجب النظر في الكتاب والسنة معا وعدم التفريق بينهما، لما علم من أن السنة تبين مجمل القرآن، وتقيد مطلقه، وتخصص عمومه كما هو معلوم. ومن رام الزيادة في بيان هذا فعليه برسالتي " منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن ". وهي مطبوعة، وهي الرسالة الرابعة من " رسائل الدعوة

السلفية ". والله ولي التوفيق.

882 - " لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها، فإنكم إن لا تعجلوها قبل نزولها، لا ينفك المسلمون، وفيهم إذا هي نزلت من إذا قال وفق وسدد، وإنكم إن تعجلوها تختلف بكم الأهواء، فتأخذوا هكذا وهكذا، وأشار بين يديه وعلى يمينه وعن شماله ".

ضعيف.

أخرجه الدارمي في " سننه " (1 / 49) عن أبي سلمة الحمصي أن وهب بن عمرو الجمحي حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ثم روى عن أبي سلمة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمر يحدث ليس في كتاب ولا سنة؟ فقال: " ينظر فيه العابدون من المؤمنين ".

قلت: وهذا معضل لأن أبا سلمة واسمه سليمان بن سليم الكلبي الشامي من أتباع التابعين. والأول مرسل ضعيف، لأن وهب بن عمرو الجمحي لم أعرفه، ويحتمل أنه وهب بن عمير.

قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 24) : " روى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، روى عنه عطاء بن أبي ميمونة ". ولم يذكر فيه غير ذلك فهو مجهول.

وقد روى نحوه من حديث علي وسيأتي برقم (4854) . قلت: وهذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد، فالعمل عليه عند السلف، فقد صح عن مسروق أنه قال: " سألت أبي بن كعب عن شيء؟ فقال: أكان هذا؟ قلت: لا، قال: فأجمنا حتى يكون، فإذا كان، اجتهدنا لك رأينا ". أخرجه ابن عبد البر في " الجامع " (2 / 58) . وإسناده صحيح. وروى الدارمي عن زيد المنقري

 

(2/286)

 

 

قال: " جاء رجل يوما إلى ابن عمر فسأله عن شيء لا أدري ما هو؟ فقال له ابن عمر: لا تسأل عما لم يكن فإني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عما لم يكن.

أخرجه الدارمي (1 / 50) بإسناد صحيح عنه، وهو والد حماد بن زيد بن درهم الأزدي الحافظ، وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه ابناه حماد هذا وسعيد. ثم روى الدارمي بإسناده الصحيح عن طاووس، قال: قال عمر: على المنبر: " أحرج بالله على رجل سأل عما لم يكن، فإنه الله قد بين ما هو كائن ". وعن الزهري قال: بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصاري كان يقول: إذا سئل عن الأمر: أكان هذا؟ فإن قالوا: نعم قد كان، حدث فيه بالذي يعلم والذي يرى، وإن قالوا: لم يكن، قال: فذرون حتى يكون. وإسناده إلى الزهري صحيح.

وعن عامر (وهو الشعبي) قال: سئل عمار بن ياسر عن مسئلة؟ فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا، قال: دعونا حتى تكون، فإذا كانت تجشمناها لكم. وإسناده صحيح، وعن ابن عون قال: قال القاسم: إنكم تسألون عن أشياء ما كنا نسأل عنها، وتنقرون عن أشياء ما كن ننقر عنها، وتسألون عن أشياء ما أدري ما هي؟ ولوعلمناها ما حل لنا أن نكتمكموها. وإسناده صحيح.

قلت: ولذلك كان مما أخذه الأئمة على أبي حنيفة رحمه الله فرضه المسائل التي لا تقع أولما تقع، وجوابه عليها، ثم قلده أتباعه على ذلك، فشحنوا كتبهم العديدة بها، ولذلك قال الحافظ ابن عبد البر في " باب ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والظن والقياس على غير أصله، وعيب الإكثار من المسائل دون اعتبار ". من كتابه " الجامع " (2 / 145) : " وسئل رقبة بن مصقلة عن أبي حنيفة؟ فقال: " هو أعلم الناس بما لم يكن وأجهلهم بما قد كان ". وقد روي هذا القول عن حفص بن غياث في أبي حنيفة، يريد أنه لم يكن له علم بآثار من مضى. والله أعلم.

وانظر ما يشبه هذا الكلام في أبي حنيفة وأصحابه في (ص 148 منه) .

883 - " قال ربكم عز وجل: لوأن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أسمعتهم صوت الرعد ".

ضعيف.

رواه الطيالسي (2586) وعنه أحمد (2 / 359) وكذا الحاكم (4 / 256) من طريق صدقة بن موسى السلمي الرقيقي: حدثنا محمد بن واسع عن شتير بن نهار عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الحاكم:

 

(2/287)

 

 

" صحيح الإسناد "! وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: صدقة ضعفوه ". قلت: وشتير ويقال فيه سمير، قال الذهبي في " الميزان ": " نكرة ". قلت: وصدقة بن موسى السلمي الدقيقي، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال أيضا: " ضعفوه ". وقال في " الميزان ":

" ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما، قال أبو حاتم: يكتب حديثه وليس بالقوي ". ثم ساق له مما أنكر عليه ثلاثة أحاديث هذا أحدها.

884 - " ما ينفعكم أن أصلي على رجل روحه مرتهن في قبره، ولا تصعد روحه إلى الله، فلوضمن رجل دينه قمت فصليت عليه، فإن صلاتي تنفعه ".

ضعيف.

رواه البيهقي في " سننه " (6 / 75) من طريق أبي الوليد الطيالسي: حدثنا عيسى بن صدقة عن عبد الحميد بن أبي أمية قال: شهدت أنس بن مالك وهو يقول: الحمد لله الذي حبس السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه. فقال له رجل: يا أبا حمزة: لوحدثتنا حديثا عسى الله أن ينفعنا به، قال: من استطاع منكم أن يموت وليس عليه دين فليفعل، فإني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتي بجنازة رجل ليصلي عليه، فقال: عليه دين؟ قالوا: نعم قال: فما ينفعكم ... ".

ثم روى عن البخاري أنه قال: " قال أبو الوليد (يعني الطيالسي) : هو ضعيف، يعني عيسى بن صدقة هذا ". قلت: وكذا ضعفه أبو حاتم. وقال الدارقطني: " متروك ". وقال ابن حبان (2 / 117) : " منكر الحديث جدا، لا يجوز الاحتجاج به لغلبة المناكير عليه ".

قلت: وعبد الحميد بن أبي أمية قال الدارقطني: " لا شيء ". وبه أعل الحديث الهيثمي فقال في " مجمع الزوائد " (3 / 40) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبد الحميد بن أمية - كذا الأصل وهو ضعيف ".

قلت: وهذا إعلال قاصر لما عرفت من حال ابن صدقة، لاسيما وأن بعض الرواة عنه قد أسقط عبد الحميد هذا من الإسناد، وجعله من رواية ابن صدقة عن أنس! أخرجه البيهقي من طريق يونس بن محمد: حدثنا عيسى بن صدقة قال:

 

(2/288)

 

 

دخلت أنا وأبي وإمام الحي على أنس بن مالك، فقالوا له: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفعنا الله به: قال: مات رجل فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا يا رسول الله أتصلي عليه؟ فقال: هل عليه دين؟ الحديث. دون قوله: " ولا تصعد روحه.... " وزاد " حتى يبعثه الله يوم القيامة فيحاسبه ".

وقد تابعه على إسقاطه عبيد الله بن موسى إلا أنه قلب اسم عيسى بن صدقة فقال: عن صدقة بن عيسى قال: سمعت أنسا يقول: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل يصلي عليه، فقال: عليه دين؟ قالوا: نعم، قال: " إن ضمنتم دينه صليت عليه ". أخرجه البيهقي، فهذا يرجح رواية إسقاط عبد الحميد من الإسناد لاتفاق ثقتين عليه، وتنحصر علة الحديث في عيسى بن صدقة هذا، وهو الصحيح في اسمه كما قال أبو حاتم والذهبي وغيرهما، وقول عبيد الله فيه: " صدقة بن عيسى " خطأ انقلب عليه، والله أعلم.

والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (2 / 198 / 1) للباوردي والبيهقي. وسقط (البيهقي) من " كنز العمال " (3 / 235) . والله أعلم. واعلم أن في ضمان الدين عن الميت أحاديث صحيحة في البخاري والسنن وغيرها وكذلك في ترك الصلاة على من عليه دين وعلى الغال.

وإنما حملني على تخريج هذا وبيان ضعفه أنني رأيت ابن الجوزي جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه " صيد الخاطر " (ص 350) ! .

885 - " لا تمنوا الموت، فإن هو ل المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد، ويرزقه الله الإنابة ".

ضعيف.

رواه أحمد (3 / 332) عن الحارث بن يزيد (وفي رواية: الحارث بن أبي يزيد) قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: فذكره مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، الحارث هذا لم يوثقه غير ابن حبان، وقد اضطرب في اسمه على الوجهين المذكورين، وثمة وجه ثالث فقيل فيه " سلمة بن أبي يزيد " بدل " الحارث "، قال البخاري: " ولا يصح ". فالسند ضعيف عندي، وأما المنذري فقال (4 / 136) : " رواه أحمد بإسناد حسن، والبيهقي ".

 

(2/289)

 

 

886 - " يدعوالله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه، فيقول: عبدي! إني أمرتك أن تدعوني، ووعدتك أن أستجيب لك، فهل كنت تدعوني؟ فيقول: نعم يا رب! فيقول: أما إنك لم تدعني بدعوة إلا استجيب لك، فهل ليس دعوتني يوم كذا وكذا

 

(2/289)

 

 

لغم نزل بك أن أفرج عنك، ففرجت عنك؟ فيقول: نعم يا رب! فيقول: فإني عجلتها لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجا؟ قال: نعم يا رب! فيقول: إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا يدع الله دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له، إما أن يكون عجل له في الدنيا وإما أن يكون ادخر له في الآخرة، قال: فيقول المؤمن في ذلك المقام، يا ليته لم يكن عجل له في شيء من دعائه ".

ضعيف.

أخرجه الحاكم (1 / 494) عن الفضل بن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنهما مرفوعا، وقال: " هذا حديث تفرد به الفضل بن عيسى الرقاشي، ومحله محل من لا يتهم بالوضع ". وأقره الذهبي، ووافقه من قبله المنذري (2 / 272) .

قلت: ولم يصنعا شيئا، فإنه إن لم يكن متهما فقد اتفقوا على تضعيفه، والذهبي نفسه أورده في " الميزان " وقال فيه: " ضعفوه ". ثم ساق أقول الأئمة في ترجيحه وقال في كتابه " المغني ": " مجمع على ضعفه ". وقال فيه الحافظ في " التقريب ": " منكر الحديث ".

قلت: فمثله لا يحسن إيراد حديثه في " المستدرك على الصحيحين " كما لا يخفى. والحديث رواه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 208) من هذا الوجه بلفظ: " إن الله يدعو بعبده يوم القيامة ... " الحديث مختصرا وفي آخره: " حتى يقول العبد ليته لم يستجب لي في الدنيا دعوة ".

887 - " كان فيمن كان قبلكم رجل مسرف على نفسه، وكان مسلما، كان إذا أكل طعاما طرح تفالة طعامه على مزبلة، فكان يأو ي إليها عابد، فإن وجد كسرة أكلها وإن وجد بقلة أكلها، وإن وجد عرقا تعرقه.... (الحديث وفيه) : فأمر الله عز وجل بذلك الملك فأخرج من النار جمرة ينفض فأعيد كما كان، فقال: يا رب هذا الذي كنت آكل من مزبلته قال: فقال الله عز وجل: خذ بيده فأدخله الجنة من معروف كان منه إليك لم يعلم به، أما لوعلم به ما أدخلته النار ".

 

(2/290)

 

 

باطل.

رواه تمام في " الفوائد " (2329) من طريق منصور بن عبد الله الوراق: حدثني علي بن جابر بن بسر الأو دي: حدثنا حسين بن حسن بن عطية: حدثنا أبي عن مسعر بن كدام عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد واه جدا، وفيه علل:

الأولى: عطية وهو ابن سعد العوفي ضعيف، وكان يدلس تدليسا خبيثا، فكان يقول: عن أبي سعيد يوهم أنه الخدري وهو يعني الكلبي الكذاب، وقد سبق تفصيل ذلك في الحديث (24 ص 32 ج 1) .

الثانية: حسن بن عطية وهو ابن العوفي المذكور آنفا، قال البخاري: " ليس بذاك ". وقال ابن حبان (1 / 1 / 22) : " منكر الحديث، فلا أدري البلية في أحاديثه منه أو من ابنه أو منهما معا ".

الثالثة: ابنه الحسين بن الحسن بن عطية، قال أبو حاتم: " ضعيف الحديث " كما في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 48) . وقال ابن معين: كان ضعيفا في القضاء، ضعيفا في الحديث ". وله ترجمة واسعة في " تاريخ بغداد " (8 / 29 - 32) وذكر له أخبارا طريفة في لحيته التي كانت تبلغ إلى ركبته!

الرابعة: علي بن جابر ومنصور الوراق لم أجد من ترجمهما. والحديث مع ضعف إسناده الشديد، فهو منكر بل باطل ظاهر البطلان، يشهد القلب بوضعه، ولعله من الإسرائيليات التي تلقها الكلبي من أهل الكتاب ثم دلسه عنه عطية العوفي، فإن من غير المعقول أن يثاب ذلك الرجل المجرم بعمل عمله لا يقصد به نفع الناس ولو قصده لم ينفعه حتى يبتغي به وجه الله، كما هو معلوم، مع أن العمل نفسه قد يمكن إدخاله في باب الإسراف وتضييع المال، فتأمل.

وإن مثل هذا الحديث ليفتح بابا كبيرا على الناس من التواكل والتكاسل عن القيام بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى عنه، والاعتماد على الأعمال العادية التي لا يقصد بها التقرب إلى الله، متعللين بأنه عسى أن ينتفع بها بعض الناس فيغفر الله لنا!! .

888 - " مصر كنانة الله في أرضه، ما طلبها عدوإلا أهلكه الله ".

لا أصل له.

أورده السخاوي في " المقاصد " (1029) وقال: " لم أره بهذا اللفظ في مصر، ولكن عند أبي محمد الحسن بن زولاق في " فضائل مصر " له بمعناه، ولفظه: " مصر خزائن الأرض كلها، من يردها بسوء قصمه الله ". وعزاه المقريزي في " الخطط " لبعض الكتب الإلهية ". قلت: وابن زولاق هذا لا أعرف عنه شيئا، ولا عن كتبه، وهل هو على طريقة المحدثين في سوق الأحاديث بالأسانيد أم هو

 

(2/291)

 

 

على طريقة المتأخرين في ذكر الأحاديث تعليقا بدون إسناد؟ فإذا كان الأول، فلا أدري لماذا سكت عليه الحافظ السخاوي، ولقد كان من الواجب عليه أن يسوق إسناده على الأقل ليمكن النظر فيه والحكم على الحديث به، وإن كان يغلب على الظن أنه لا يصح، بل هو مأخوذ من بعض أهل الكتاب كما أشار إلى ذلك المقريزي، فهو مثل حديث: " الشام كنانتي.... " وقد تقدم برقم (15) .

889 - " الجيزة روضة من رياض الجنة، ومصر خزائن الله في الأرض ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " نسخة نبيط بن شريط " (ق 158 / 2) عن أحمد بن إبراهيم بن نبيط بن شريط أبي جعفر الأشجعي قال: حدثني أبي إسحاق بن إبراهيم بن نبيط قال: حدثني أبي إبراهيم بن نبيط عن جده نبيط بن شريط مرفوعا. وأورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 87) من طريق أبي نعيم، ثم قال: " قال في " الميزان ": أحمد هذا حدث عن أبيه عن جده بنسخة فيها بلايا، منها هذا الحديث، لا يحل الاحتجاج به فإنه كذاب ". وأقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2 / 57) ، وذكر العجلوني هذا الحديث في " كشف الخفاء " (ص 212) وقال: " قال في " اللآلي ": كذب ". والله أعلم.

 

(2/292)

 

 

890 - " من لم يكثر ذكر الله تعالى قد برىء من الإيمان ".

موضوع.

قال المنذري في " الترغيب " (2 / 231) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و" الصغير " من حديث أبي هريرة، وهو حديث غريب ". وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 79) : " رواه الطبراني في " الصغير، و" الأوسط " عن شيخه محمد بن سهل بن المهاجر عن مؤمل بن إسماعيل، وفي " الميزان ": " محمد بن سهل عن مؤمل بن إسماعيل يروي الموضوعات ".

فإن كان هو ابن المهاجر فهو ضعيف، وإن كان غيره فالحديث حسن "! قلت: وعلق عليه الحافظ ابن حجر بما نصه: " بل هو موضوع على الحالين، والمجهول إذا انفرد (الأصل إذ) لم يكن حديثه حسنا بحال ". وهذا كلام جيد. وما قاله الذهبي في " الميزان " في ابن سهل هذا أقره عليه الحافظ في " اللسان ". وزاد عليه أنه ساق له هذا الحديث، وهو ظاهر الوضع.

 

(2/292)

 

 

مما ينبغي أن يعلم أن الحديث لم يرو هـ الطبراني في " الصغير " بهذا اللفظ، خلافا لما يوهمه صنيع المنذري ثم الهيثمي، بل بلفظ: " من أكثر ذكر الله فقد بريء من النفاق ". ص (203) وفرق ظاهر بين اللفظين، وإن كان مدارهما على إسناد واحد عند الطبراني، يرويهما عن شيخ واحد هو محمد بن سهل هذا المتهم، ولكنه لم ينفرد باللفظ الثاني، فقد أخرجه أبو محمد المخلدي في " الفوائد المنتخبة " (3 / 1 / 2) ومحمد بن الحسن الأزدي في " أحاديث منتقاة " (ق 2 / 1 - 2) وأبو موسى المديني في " اللطائف " (ق 81 / 2) من طرق أخرى عن مؤمل بن إسماعيل به، فبرئت عهدة ابن سهل من هذا اللفظ الثاني، وانحصرت التهمة به في اللفظ الأول. وعلة اللفظ الثاني هو هذا الذي دارت عليه الطرق:

مؤمل ابن إسماعيل فإنه ضعيف لسوء حفظه وكثرة خطإه، قال أبو حاتم: " صدوق شديد في السنة كثير الخطأ ". وقال البخاري: " منكر الحديث ". وقال أبو زرعة: " في حديثه خطأ كثير "، ومن هذا التحقيق يتلخلص أن الحديث بلفظه الأول موضوع، كما قال الحافظ بن حجر، وبلفظه الثاني ضعيف. ولقد أحسن السيوطي صنعا حيث أورده في " الجامع الصغير " من رواية " صغير الطبراني " دون اللفظ الآخر، والله الموفق.

وفي باب ذكر الله تعالى والإكثار منه وفضله أحاديث كثير مجموعة في " الترغيب " وغيره تغني عن مثل هذا الحديث.

891 - " كان بلال إذا أراد أن يقيم الصلاة قالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، يرحمك الله ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 27 / 1 - مجمع البحرين) : حدثنا مقدام بن داود: حدثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة: حدثنا كامل أبو العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة به. وقال: " لم يرو هـ عن كامل إلا عبد الله ". قلت: وهذا موضوع، آفته ابن المغيرة هذا، فقد ساق له الذهبي أحاديث وقال: " هذه موضوعات ".

ومقدام بن داود ليس بثقة كما قال النسائي: وفي " مجمع الزوائد " (2 / 75) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبد الله بن محمد بن المغيرة، وهو ضعيف ".

 

(2/293)

 

 

قلت: وهذا إعلال قاصر من جهتين:

الأولى: أنه ألان القول في تضعيف ابن المغيرة وقد عرفت أنه صاحب موضوعات، وقد قال النسائي: " روى عن الثوري ومالك بن مغول أحاديث كانا أتقى لله من أن يحدثا بها ".

الأخرى: أنه عصب التهمة بابن المغيرة مع أن الراوي عنه المقدام مثله أو قريب منه.

وهذا الحديث كأنه الأصل لتلك البدعة الفاشية التي رأيناها في حلب وإدلب وغيرها من بلاد الشمال، وهي الصلاة والسلام على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم جهرا قبيل الإقامة. وهي كالبدعة الأخرى وهي الجهر بها عقب الأذان كما بينه العلماء المحققون - وذكرناه في الرسالة الأولى من " تسديد الإصابة ".

على أن الظاهر من الحديث - لوصح - أن بلالا كان يدخل على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو في حجرته ليخبره بأنه يريد أن يقيم حتى يخرج عليه الصلاة والسلام فيقيم بلال، أولعله لا يسمع الإقامة فيخبر بها.

(تنبيه) : إن العلماء إذا أنكروا مثل هذه البدعة، فلا يتبادرن إلى ذهن أحد أنهم ينكرون أصل مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم! بل إنما ينكرون وضعها في مكان لم يضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، أو أن تقترن بصفات وهيئات لم يشرعها الله على لسان نبيه، كما صح عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا عطس فقال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،! قل: الحمد لله رب العالمين أو قال: على كل حال.

فانظر كيف أنكر ابن عمر رضي الله عنه وضع الصلاة بجانب الحمد بحجة أنه صلى الله عليه وسلم لم يصنع ذلك، مع تصريحه بأنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم دفعا لما عسى أن يرد على خاطر أحد أنه أنكر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم جملة! كما يتوهم البعض الجهلة حينما يرو ن أنصار السنة ينكرون هذه البدعة وأمثالها، فيرمونهم بأنهم ينكرون الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، هداهم الله تعالى إلى اتباع السنة.

892 - " من أحب أن يحيا حياتي، ويموت موتتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي عز وجل، غرس قضبانها بيديه، فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 349 - 350 و350) والحاكم (3 / 128) وكذا الطبراني في " الكبير " وابن شاهين في " شرح السنة " (18 / 65 / 2) من طرق عن يحيى

 

(2/294)

 

 

بن يعلى الأسلمي قال: حدثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم - زاد الطبراني: وربما لم يذكر زيد بن أرقم - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث أبي إسحاق، تفرد به يحيى ". قلت: وهو شيعي ضعيف، قال ابن معين: " ليس بشيء ". وقال البخاري: " مضطرب الحديث ". وقال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 196) عن أبيه: " ليس بالقوي، ضعيف الحديث ". والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (9 / 108) : " رواه الطبراني، وفيه يحيى بن يعلى الأسلمي، وهو ضعيف ".

قلت: وأما الحاكم فقال: " صحيح الإسناد "! فرده الذهبي بقوله: " قلت: أنى له الصحة والقاسم متروك، وشيخه (يعني الأسلمي) ضعيف، واللفظ ركيك، فهو إلى الوضع أقرب ".

وأقول: القاسم - وهو ابن شيبة - لم يتفرد، بل تابعه راويان آخران عند أبي نعيم فالحمل فيه على الأسلمي وحده دونه. نعم للحديث عندي علتان أخريان:

الأولى: أبو إسحاق، وهو السبيعي فقد كان اختلط مع تدليسه، وقد عنعنه.

الأخرى: الاضطراب في إسناده منه أو من الأسلمي، فإنه يجعله تارة من مسند زيد بن أرقم وتارة من مسند زياد بن مطرف، وقد رواه عنه مطين والباوردي وابن جرير وابن شاهين في " الصحابة " كما ذكر الحافظ ابن حجر في " الإصابة " وقال: " قال ابن منده: " لا يصح ".

قلت: في إسناده يحيى بن يعلى المحاربي، وهو واه ".

قلت: وقوله " المحاربي " سبق قلم منه، وإنما هو الأسلمي كما سبق ويأتي.

(تنبيه) لقد كان الباعث على تخريج هذا الحديث ونقده والكشف عن علته، أسباب عدة، منها أنني رأيت الشيخ المدعو بعبد الحسين الموسوي الشيعي قد خرج الحديث في " مرجعاته " (ص 27) تخريجا أوهم به القراء أنه صحيح كعادته في أمثاله، واستغل في سبيل ذلك خطأ قلميا وقع للحافظ ابن حجر رحمه الله، فبادرت إلى الكشف عن إسناده، وبيان ضعفه، ثم الرد على الإيهام المشار إليه، وكان ذلك منه على وجهين، فأنا أذكرهما، معقبا على كل منهما ببيان ما فيه فأقول:

الأول: أنه ساق الحديث من رواية مطين ومن ذكرنا معه نقلا عن الحافظ من رواية زياد بن مطرف، وصدره برقم (38) . ثم قال: " ومثله حديث زيد بن أرقم.... " فذكره، ورقم له بـ (39) ، ثم علق عليهما مبينا

 

(2/295)

 

 

مصادر كل منهما، فأوهم بذلك أنهما حديثان متغايران إسنادا! والحقيقة خلاف ذلك، فإن كلا منهما مدار إسناده على الأسلمي، كما سبق بيانه، غاية ما في الأمر أن الراوي كان يرويه تارة عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم، وتارة لا يذكر فيه زيد بن أرقم، ويوقفه على زياد ابن مطرف وهو يؤكد ضعف الحديث لاضطرابه في إسناده كما سبق. والآخر أنه حكى تصحيح الحاكم للحديث دون أن يتبعه بيان علته، أو على الأقل دون أن ينقل كلام الذهبي في نقده.

وزاد في إيهام صحته أنه نقل عن الحافظ قوله في " الإصابة ": " قلت: في إسناده يحيى بن يعلى المحاربي وهو واه ". فتعقبه عبد الحسين (!) بقوله: " أقول هذا غريب من مثل العسقلاني، فإن يحيى بن يعلى المحاربي ثقة بالاتفاق، وقد أخرج له البخاري ... ومسلم ... ".

فأقول: أغرب من هذا الغريب أن يدير عبد الحسين كلامه في توهيمه الحافظ في توهينه للمحاربي، وهو يعلم أن المقصود بهذا التوهين إنما هو الأسلمي وليس المحاربي، لأن هذا مع كونه من رجال الشيخين، فقد وثقه الحافظ نفسه في " التقريب " وفي الوقت نفسه ضعف الأسلمي، فقد قال في ترجمة الأول: " يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي الكوفي ثقة، من صغار التاسعة مات سنة ست عشرة ". وقال بعده بترجمة: " يحيى بن يعلى الأسلمي الكوفي شيعي ضعيف، من التاسعة ". وكيف يعقل أن يقصد الحافظ تضعيف المحاربي المذكور وهو متفق على توثيقه، ومن رجال " صحيح البخاري " الذي استمر الحافظ في خدمته وشرحه وترجمة رجاله قرابة ربع قرن من الزمان؟! كل ما في الأمر أن الحافظ في " الإصابة " أراد أن يقول " ... الأسلمي وهو واه "، فقال واهما: " المحاربي وهو واه "! . فاستغل الشيعي هذا الوهم أسوأ الاستغلال، فبدل أن ينبه أن الوهم ليس في التوهين، وإنما في كتب " المحاربي مكان الأسلمي "، أخذ يوهم القراء عكس ذلك وهو أن راوي الحديث إنما هو المحاربي الثقة وليس هو الأسلمي الواهي!

فهل في صنيعه هذا ما يؤيد من زكاه في ترجمته في أول الكتاب بقوله: " ومؤلفاته كلها تمتاز بدقة الملاحظة.... وأمانة النقل ". أين أمانة النقل يا هذا وهو ينقل الحديث من " المستدرك " وهو يرى فيه يحيى بن يعلى موصوفا بأنه " الأسلمي " فيتجاهل ذلك، ويستغل خطأ الحافظ ليوهم القراء أنه المحاربي الثقة، وأين أمانته أيضا وهو لا ينقل نقد الذهبي والهيثمي للحديث بالأسلمي هذا؟! فضلا عن أن الذهبي أعله بمن هو أشد ضعفا من هذا كما رأيت، ولذلك ضعفه السيوطي في " الجامع الكبير " على قلة عنايته فيه بالتضعيف فقال: " وهو واه ".

 

(2/296)

 

 

وكذلك وقع في " كنز العمال " برقم (2578) . ومنه نقل الشيعي الحديث، دون أن ينقل تضعيفه هذا مع الحديث، فأين الأمانة المزعومة أين؟!

(تنبيه) أورد الحافظ بن حجر الحديث في ترجمة زياد بن بن مطرف في القسم الأول من " الصحابة " وهذا القسم خاص كما قال في مقدمته: " فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره، سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان، وقد كنت أولا - رتبت هذا القسم الواحد على ثلاثة أقسام، ثم بدا لي أن أجعله قسما واحدا، وأميز ذلك في كل ترجمة ".

قلت: فلا يستفاد إذن من إيراد الحافظ للصحابي في هذا القسم أن صحبته ثابتة ما دام أنه قد نص على ضعف إسناد الحديث الذي صرح فيه بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو هذا الحديث، ثم لم يتبعه بما يدل على ثبوت صحبته من طريق أخرى، وهذا ما أفصح بنفيه الذهبي في " التجريد " بقوله: (1 / 199) : " زياد بن مطرف، ذكره مطين في الصحابة، ولم يصح ".

وإذا عرفت هذا فهو بأن يذكر في المجهولين من التابعين، أولى من أن يذكر في الصحابة المكرمين وعليه فهو علة ثالثة في الحديث. ومع هذه العلل كلها في الحديث يريدنا الشيعي أن نؤمن بصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عابئ بقوله صلى الله عليه وسلم: " من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ". رواه مسلم في مقدمة " صحيحه ". فالله المستعان.

وكتاب " المرجعات " للشيعي المذكور محشو بالأحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل علي رضي الله عنه، مع كثير من الجهل بهذا العلم الشريف، والتدليس على القراء والتضليل عن الحق الواقع، بل والكذب الصريح، مما لا يكاد القارىء الكريم يخطر في باله أن أحدا من المؤلفين يحترم نفسه يقع في مثله، من أجل ذلك قويت الهمة في تخريج تلك الأحاديث - على كثرتها - وبيان عللها وضعفها، مع الكشف عما في كلامه عليها من التدليس والتضليل، وذلك مما سيأتي بإذن الله تعالى برقم (4881 - 4975) .

893 - " من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده، ثم قال لها: " كوني فكانت " فليتول علي بن أبي طالب من بعدي ".

موضوع.

رواه أبو نعيم (1 / 86 و4 / 174) من طريق محمد بن زكريا الغلابي: حدثنا بشر بن مهران: حدثنا شريك عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة مرفوعا، وقال: " تفرد به بشر عن شريك ".

 

(2/297)

 

 

قلت: هو ابن عبد الله القاضي وهو ضعيف لسوء حفظه. وبشر بن مهران قال ابن أبي حاتم: " ترك أبي حديثه ". قال الذهبي: " قد روى عنه محمد بن زكريا الغلابي، لكن الغلابي متهم ".

قلت: ثم ساق هذا الحديث. والغلابي قال فيه الدارقطني: " يضع الحديث ". فهو آفته. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 387) من طرق أخرى، وأقره السيوطي في " اللآلي " (1 / 368 - 369) ، وزاد عليه طريقين آخرين أعلهما، هذا أحدهما وقال: " الغلابي متهم ". وقد روي بلفظ أتم منه، وهو:

894 - " من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم (1 / 86) من طريق محمد بن جعفر بن عبد الرحيم: حدثنا أحمد بن محمد بن زيد بن سليم: حدثنا عبد الرحمن بن عمران بن أبي ليلى - أخومحمد بن عمران -: حدثنا يعقوب بن موسى الهاشمي عن ابن أبي رواد عن إسماعيل بن أمية عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وقال: " وهو غريب ".

قلت: وهذا إسناد مظلم كل من دون أبي رواد مجهولون، لم أجد من ذكرهم، غير أنه يترجح عندي أن أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم إنما هو ابن مسلم الأنصاري الأطرابلسي المعروف بابن الحناجر، قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 73) : " كتبنا عنه وهو صدوق ". وله ترجمة في " تاريخ ابن عساكر " (2 / ق 113 - 114 / 1) .

وأما سائرهم فلم أعرفهم فأحدهم هو الذي اختلق هذا الحديث الظاهر البطلان والتركيب، وفضل علي رضي الله عنه أشهر من أن يستدل عليه بمثل هذه الموضوعات، التي يتشبث الشيعة بها، ويسودون كتبهم بالعشرات من أمثالها، مجادلين بها في إثبات حقيقة لم يبق اليوم أحد يجحدها، وهي فضيلة علي رضي الله عنه.

 

(2/298)

 

 

ثم الحديث عزاه في " الجامع الكبير " (2 / 253 / 1) للرافعي أيضا عن ابن عباس، ثم رأيت ابن عساكر أخرجه في " تاريخ دمشق " (12 / 120 / 2) من طريق أبي نعيم ثم قال عقبه: " هذا حديث منكر، وفيه غير واحد من المجهولين ".

قلت: وكيف لا يكون منكرا وفيه مثل ذاك الدعاء! " لا أنالهم الله شفاعتي " الذي لا يعهد مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتناسب مع خلقه صلى الله عليه وسلم ورأفته ورحمته بأمته. وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها صاحب " المرجعات " عبد الحسين الموسوي نقلا عن كنز العمال (6 / 155 و217 - 218) موهما أنه في مسند الإمام أحمد، معرضا عن تضعيف صاحب الكنز إياه تبعا للسيوطي! .

وكم في هذا الكتاب " المراجعات " من أحاديث موضوعات، يحاول الشيعي أن يوهم القراء صحتها وهو في ذلك لا يكاد يراعي قواعد علم الحديث حتى التي هي على مذهبهم! إذ ليست الغاية عنده التثبت مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في فضل علي رضي الله عنه، بل حشر كل ما روي فيه! وعلي رضي الله عنه كغيره من الخلفاء الراشدين والصحابة الكاملين أسمى مقاما من أن يمدحوا بما لم يصح عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.

ولو أن أهل السنة والشيعة اتفقوا على وضع قواعد في " مصطلح الحديث " يكون التحاكم إليها عند الاختلاف في مفردات الروايات، ثم اعتمدوا جميعا على ما صح منها، لو أنهم فعلوا ذلك لكان هناك أمل في التقارب والتفاهم في أمهات المسائل المختلف فيها بينهم، أما والخلاف لا يزال قائما في القواعد والأصول على أشده فهيهات هيهات أن يمكن التقارب والتفاهم معهم، بل كل محاولة في سبيل ذلك فاشلة. والله المستعان.

895 - " لا تسبوا عليا، فإنه ممسوس في ذات الله تعالى ".

ضعيف جدا.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 68) : حدثنا سليمان بن أحمد: حدثنا هارون بن سليمان المصري: حدثنا سعد بن بشر الكوفي حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن يزيد بن أبي زياد عن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه مرفوعا.

قلت: وهذا سند واه جدا، مسلسل بعلل عدة:

الأولى: إسحاق بن كعب فإنه " مجهول الحال " كما قال ابن القطان والحافظ.

الثانية: يزيد بن أبي زياد وهو الدمشقي، قال الحافظ: " متروك ".

الثالثة: سعد بن بشر الكوفي لم أعرفه، وأخشى أن يكون وقع في اسمه تحريف، فقد أورد الحديث الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 130) وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " وفيه سفيان بن بشر أو بشير، متأخر، ليس

 

(2/299)

 

 

هو الذي روى عن أبي عبد الرحمن الحبلي، ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا، وفي بعضهم ضعف ".

الرابعة: هارون بن سليمان المصري لم أجد من ذكره. ومما سبق تعلم تقصير الهيثمي في الكلام عليه، والإفصاح عن علله التي تقضي على الحديث بالضعف الشديد، إن سلم من الوضع الذي يشهد به القلب، والله أعلم.

896 - " جددوا إيمانكم، قيل: يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول: لا إله إلا الله ".

ضعيف.

أخرجه الحاكم (4 / 256) وأحمد (2، 359) من طريق صدقة بن موسى السلمي الدقيقي: حدثنا محمد بن واسع عن شتير بن نهار عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: صدقة ضعفوه ".

قلت: وشتير نكرة كما في " الميزان "، فقول المنذري في " الترغيب " (2 / 239) : " رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن " ليس بحسن، وكذا قول الهيثمي (10 / 82) : " رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات ". وفي موضع آخر (1 / 52) : " رواه أحمد وإسناده جيد، وفيه سمير بن نهار وثقه ابن حبان ".

فقد تبين منه أن توثيقه في الموضع الأول لبعض رجاله إنما عمدته في ذلك توثيق ابن حبان، وقد بينا في " ردنا على الشيخ الحبشي " وفي غيره أن توثيق ابن حبان مما لا ينبغي الاعتماد عليه، لأن من قاعدته فيه توثيق المجهولين!

 

(2/300)

 

 

897 - " أعظم الناس هما المؤمن الذي يهتم بأمر دنياه وآخرته ".

ضعيف.

رواه ابن ماجه (2 / 2143) وابن أبي الدنيا في " الهم والحزن " (74 / 2) عن إسماعيل بن بهرام: حدثنا الحسن بن محمد بن عثمان - زوج بنت الشعبي -: حدثنا سفيان عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعا، وقال ابن ماجه: " غريب، تفرد به إسماعيل ". قلت: وهو صدوق كما في " التقريب " لكن شيخه الحسن محمد بن عثمان لم يوثقه أحد، وقال الأزدي: " منكر الحديث ".

ويزيد الرقاشي ضعيف كما في " التقريب " وقال المناوي في " الفيض ": " قال في " الميزان " عن النسائي وغيره: متروك، وعن شعبة: لأن أزني أحب إلي من أن أحدث عنه! انتهى. ورواه عن أنس أيضا البخاري في " الضعفاء " فكان ينبغي للمصنف

 

(2/300)

 

 

ذكره للتقوية، وبه يصير حسنا لغيره "!

قلت: بل لا يزال الحديث واهيا، لأن البخاري رواه في " الضعفاء " من هذا الوجه كما في " الميزان "، فلا أدري

كيف غفل المناوي عن هذا؟ ولئن كان علم ذلك وحسنه، فالأمر أدهى وأمر، لأن إخراج البخاري للطريق الواهي لاسيما في " الضعفاء " لا يقويه كما هو بدهي.

898 - " كل معروف صدقة، وما أنفق الرجل في نفسه وأهله كتب له صدقة، وما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقة، وما أنفق المؤمن من نفقة فإن خلفها على الله، فالله ضامن إلا ما كان في بنيان، أو معصية، فقلت لمحمد بن المنكدر: وما وقى به الرجل عرضه؟ قال: ما يعطي الشاعر وذا اللسان المتقى ".

ضعيف.

أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (117 / 2) وابن عدي (249 / 2) والدارقطني (ص 300) والحاكم (2 / 50) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 188 / 1) والثعلبي في " تفسيره " (3 / 145 / 1) من طرق عن عبد الحميد بن الحسن الهلالي: حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: عبد الحميد ضعفه الجمهور ".

قلت: أنه كان يخطىء حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد، كما قال ابن حبان (2 / 135 - 136) وقال الساجي: " ضعيف يحدث بمناكير ".

قلت: فهذا جرح مفسر، فهو مقدم على توثيق ابن معين له، مع تفرده به. ونقل المناوي عن الذهبي أنه قال في " الميزان ": " غريب جدا ". قلت: لكن الجملتان الأوليان من الحديث صحيحتان، لأن لهما شواهد كثيرة في الصحيحين وغيرهما، وإنما أوردناه هنا للزيادة التي بعدهما، وقد ساق لها الحاكم شاهدا بلفظ آخر ولكنه موضوع وهو:

 

(2/301)

 

 

899 - " من استطاع منكم أن يقي دينه وعرضه بماله فليفعل ".

موضوع.

أخرجه الحاكم (2 / 50) عن حامد بن آدم: حدثنا أبو عصمة نوح، عن عبد الرحمن بن بديل عن أنس بن مالك مرفوعا.

 

(2/301)

 

 

ذكره الحاكم شاهدا.. للحديث الذي قبله وقال: " ليس من شرط هذا الكتاب ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: أبو عصمة هالك ".

قلت: وهو نوح بن أبي مريم الجامع، كذاب وضاع مشهور، وقد قيل فيه: " جمع كل شيء إلا الصدق "! والراوي عنه حامد بن آدم كذبه ابن عدي وغيره، وقال ابن معين: " كذاب لعنه الله ". وعده السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث.

قلت: ومع هذا كله فقد سود السيوطي " جامعه " بهذا الحديث!

900 - " إني لأعلم أنك لا تضر ولا تنفع، ولكن هكذا فعل أبي إبراهيم ".

منكر.

أخرجه ابن قانع في " حديث مجاعة بن الزبير أبي عبيدة " (ق 72 / 2) : حدثنا أبو عبيدة عن القاسم بن عبد الرحمن عن منصور بن السود عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة هرول، ومشى أربعا، واستلم، ثم بكى وقال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف أبو عبيدة هذا ضعيف، والحديث منكر رفعه، والصحيح أنه من قول عمر بن الخطاب كما هو مشهور في " الصحيحين " وغيرهما دون قوله " ولكن ... " وقال بدلها: " ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ". وقد ذكره السيوطي في " الجامع الكبير " (3 / 118 / 1) عن عمر مرفوعا، وعن أبي بكر موقوفا، وقال: " رواه ابن أبي شيبة والدارقطني في " العلل " "، وسكت على إسناده كما هي عادته، وما أراه يصح، والله أعلم.

 

(2/302)

 

 

901 - " خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين: صلاتهم وصيامهم ".

موضوع.

رواه ابن ماجه رقم (712) عن بقية عن مروان بن سالم عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.

قلت: قال البوصيري في " الزوائد " (ق 47 / 2) : " هذا إسناد ضعيف، لتدليس بقية بن الوليد ".

قلت: شيخه مروان شر منه، قال فيه البخاري وغيره: " منكر الحديث ". وقال أبو عروبة الحراني: " يضع الحديث "، وقال ابن حبان (2 / 317) : " كان ممن يروي عن المشاهير المناكير، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديث الأثبات ".

 

(2/302)

 

 

902 - " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أقطع أبتر، مسحوق من كل بركة ".

موضوع.

رواه السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " (1 / 8) من طريق إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. وقال (1 / 10) : " لا يثبت ".

قلت: بل هو موضوع بهذا السياق، وآفته إسماعيل هذا، قال الدارقطني: " متروك الحديث ". قلت وقد روي الحديث من طريق أخرى عن الزهري به دون ذكر الصلاة، ودون قوله " أبتر.... " وهو ضعيف الإسناد كما حققته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " (رقم 1 و2) .

 

(2/303)

 

 

903 - " إذا توضأتم فأشربوا أعينكم الماء، ولا تنفضوا أيديكم من الماء، فإنها مراوح الشيطان ".

موضوع.

أخرجه ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 36 رقم 73) وابن حبان في " المجروحين " (1 / 194) وابن عدي في " الكامل " (40 / 1) من طريق البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا، وقال ابن أبي حاتم: " سألت أبي عنه؟ فقال: هذا حديث منكر، والبختري ضعيف الحديث، وأبوه مجهول ". وكذا قال ابن عدي أن الحديث منكر. قلت: والبختري هذا متهم، قال أبو نعيم: " روى عن أبيه عن أبي هريرة موضوعات "، وكذا قال الحاكم والنقاش، وقال ابن حبان: " روى عن أبيه عن أبي هريرة نسخة فيها عجائب، كان يسرق الحديث، وربما قلبه ".

قلت: وحديثه هذا من الأدلة على ذلك، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم ما يقطع كل عارف بهديه صلى الله عليه وسلم في طهوره أنه لم يكن يفعل بمقتضى هذا الحديث، بل صح عنه ما يخالفه في شطره الثاني، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا فسترته بثوب، وصب على يديه فغسلها، ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه، فضرب بيده الأرض فمسحها، ثم غسلها، فمضمض واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم صب على رأسه، وأفاض على جسده، ثم تنحى فغسل قدميه، فناولته ثوبا، فلم يأخذه، فانطلق وهو ينفض يديه.

 

(2/303)

 

 

ومن تراجم البخاري لهذا الحديث: " باب نقض اليدين من الغسل عن الجنابة ". قال الحافظ: " استدل به على جواز نقض ماء الغسل والوضوء، وهو ظاهر قال: وفيه حديث ضعيف أورده الرافعي وغيره "، ثم ذكر هذا ثم قال: " قال ابن الصلاح: " لم أجده ". وتبعه النووي، وقد أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " وابن أبي حاتم في " العلل " من حديث أبي هريرة، ولو لم يعارضه هذا الحديث الصحيح لم يكن صالحا لأن يحتج به ". وقال ابن عدي في " الكامل " في ترجمة البختري (ق 140 / 1) : " روى عن أبيه عن أبي هريرة قدر عشرين حديثا، عامتها مناكير، فمنها: أشربوا أعينكم الماء ". وقال الذهبي: " هذا أنكرها ".

إذا عرفت هذا فمن العجائب قول بعضهم: أن الأولى ترك النفض لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم "! فاحتج بالحديث الضعيف! وتأول بعضهم من أجله الحديث الصحيح الذي ذكرته فحمل النقض المذكور فيه على تحريك اليدين في المشي، حكاه القاضي عياض ورده بقوله: " وهو تأول بعيد ". فتعقبه الشيخ علي القاري في " المرقاة " بقوله (1 / 325) : " قلت: وإن كان التأويل بعيدا فالحمل عليه جمعا بين الحديثين أولى من الحمل على ترك الأولى "! قلت: وكأنه خفي عليه ضعف هذا الحديث وإلا فمثله لا يخفى عليه أنه لا يسوغ تأويل النص الصحيح من أجل الضعيف، فهذا من آثار الأحاديث الضعيفة والجهل بها، فتأمل. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (ج 1 / 50 / 1) بهذا السياق من رواية الديلمي في " مسند الفردوس " عن أبي هريرة. وأورده فيه (1 / 101 / 2) وفي " الصغير " بلفظ " أشربوا أعينكم الماء عند الوضوء، ولا تنفضوا ... " الحديث من رواية أبي يعلى وابن عدي، وزاد في " الكبير ": " وابن عساكر " وقال فيه: " والبختري ضعفه أبو حاتم، وتركه غيره " ثم ذكر قول ابن عدي المتقدم أن الحديث من مناكيره.

904 - " نسخ الأضحى كل ذبح وصوم رمضان كل صوم والغسل من الجنابة كل غسل، والزكاة كل صدقة ".

ضعيف جدا.

رواه الدارقطني في " سننه " (ص 543) من طريق الهيثم بن سهل: المسيب بن شريك: أخبرنا عبيد المكتب عن عامر عن مسروق عن علي مرفوعا، وقال: " خالفه المسيب بن واضح عن المسيب - هو ابن شريك - وكلاهما ضعيفان، والمسيب ابن شريك متروك ".

 

(2/304)

 

 

ثم ساقه من طريق ابن واضح: أخبرنا المسيب بن شريك عن عتبة بن يقظان عن الشعبي عن مسروق به وقال: " عتبة بن يقظان متروك أيضا ". ورواه البيهقي (9 / 261 - 262) عن ابن شريك بالوجهين، ونقل عن الدارقطني ما سبق من التضعيف الشديد، وأقره عليه، ونقل الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 208) عنه أنه قال: إسناده ضعيف بمرة ". وأقره عليه.

ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه صرف جما غفيرا من هذه الأمة، عن سنة صحيحة مشهورة، ألا وهي العقيقة، وهي الذبح عن المولود في اليوم السابع، عن الغلام شاتين وعن الأنثى شاة واحدة، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة تراجع في كتاب " تحفة الودود في أحكام المولود " للعلامة ابن القيم، أجتزئ هنا بإيراد واحد منها وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " مع الغلام عقيقه، فأهريقوا عنه دما ". رواه البخاري (9 / 486) وغيره من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعا.

لقد تُرَك العمل بهذا الحديث الصحيح وغيره مما في الباب حتى لا تكاد تسمع في هذه البلاد وغيرها أن أحدا من أهل العلم والفضل - دع غيرهم - يقوم بهذه السنة! ولو أنهم تركوها إهمالا كما أهملوا كثيرا من السنن الأخرى لربما هانت المصيبة، ولكن بعضهم تركها إنكارا لمشروعيتها! لا لشيء إلا لهذا الحديث الواهي! فقد استدل به بعض الحنفية على نسخ مشروعية العقيقة! فإلى الله المشتكى من غفلة الناس عن الأحاديث الصحيحة، وتمسكهم بالأحاديث الواهية والضعيفة.

905 - " كان إذا أتي بطعام أكل مما يليه، وإذا أتي بالتمر جالت يده ".

موضوع.

رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (106 / 1) وابن حبان (2 / 165) وابن عدي في " الكامل " (254 / 2) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 222) والخطيب في " تاريخ بغداد " (11 / 95) واللفظ له من طريق عبيد بن القاسم: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا.

قلت: وهذا سند موضوع، آفته عبيد هذا وهو ابن أخت سفيان الثوري كذبه ابن معين. وقال صالح جزرة: " يضع الحديث ". وكذا قال أبو داود كما في " الميزان ". ثم ساق له أحاديث هذا أحدها وقال ابن حبان: " كان يروي عن هشام بنسخة موضوعة لا يحل كتابة حديثه إلا على وجه التعجب ".

والحديث مما سود به السيوطي كتابه " الجامع الصغير " أورده فيه من رواية الخطيب فقط! وتعقبه المناوي فأجاد قائلا:

 

(2/305)

 

 

" وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه وسكت عليه وهو تلبيس فاحش، فقد تعقبه بما نصه: قال أبو علي (صالح بن محمد جزرة) : هذا كذب وعبيد بن أخت سفيان كان يضع الحديث، وله أحاديث مناكير اهـ كلامه ".

أورده الهيثمي (5 / 27) وقال: " رواه البزار وفيه خالد بن إسماعيل وهو متروك ". قلت: والشطر الثاني منه رواه أبو الشيخ من طريق رجل من بني ثور عن هشام بن عروة به.

وهذا الرجل الذي لم يسم هو عبيد بن القاسم الكذاب المذكور في الطريق الأولى لأنه ابن أخت سفيان الثوري كما سبق، وهذا من الأدلة الكثيرة على عدم الاحتجاج بحديث المجهولين لاحتمال أن يكونوا من الضعفاء، أو الكذابين، فلا يجوز الاحتجاج بهم حتى ينكشف حقيقة أمرهم.

ولعل ما يتداوله أهل الشام فيما بينهم وهم يتفكهون: " كل شيء بحشمة إلا التوت " أصله هذا الحديث الموضوع! وله شاهد ضعيف من قوله صلى الله عليه وسلم، سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى برقم (1127) .

906 - " كرسيه موضع قدمه، والعرش لا يقدر قدره ".

ضعيف.

رواه الضياء في " المختارة " (252 / 1 - 2) عن شجاع بن مخلد الفلاس عن أبي عاصم عن سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله (وسع كرسيه السموات والأرض) قال: فذكره.

ورواه من طرق أخرى عن أبي عاصم به موقوفا على ابن عباس وقال: " إنه الأولى ". والموقوف أخرجه الطبراني في " معجمه الكبير " (ج 3) وقد فاتني موضعه منه، وغالب الظن أنه بين الورقة (150 والورقة 170) وقال الهيثمي (6 / 323) : " ورجاله رجال الصحيح ".

وكذلك أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في " العرش " (114 / 2) والحاكم (2 / 282) عن أبي عاصم به موقوفا وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. ورواه ابن مردويه من طريق شجاع بن مخلد به مرفوعا كما في " تفسير ابن كثير " وقال: " وهو غلط.

ورواه ابن مردويه من طريق الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ولا يصح أيضا ". وروى ابن أبي شيبة أيضا (114 / 1 - 2) وابن جرير في تفسيره (5 / 398 طبع ... ) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 290 - هند) عن عمارة بن عمير عن أبي موسى قال:

 

(2/306)

 

 

" الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرجل ". قلت: وإسناده صحيح إن كان عمارة بن عمير سمع من أبي موسى، فإنه يروي عنه بواسطة ابنه إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، ولكنه موقوف، ولا يصح في الأطيط حديث مرفوع، كما تقدم تحت رقم (866) ، وانظر تفسير ابن كثير (2 / 13 - 14 طبع المنار) .

907 - " أعتقوا عنه، يعتق الله بكل عضومنه، عضوا منه من النار ".

ضعيف.

رواه أبو داود (2964) وعنه الخطيب في " الفقيه والمتفقه " (2 / 45 - طبع الرياض) والطحاوي في " المشكل " (1 / 315) والحاكم (2 / 212) وعنه البيهقي (8 / 132 - 133 و133) وأحمد (3 / 471) عن ضمرة بن ربيعة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريف بن الديلمي قال: " أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له: حدثنا حديثا ليس فيه زيادة ولا نقصان، فغضب وقال: إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته فيزيد وينقص! قلنا: إنما أردنا حديثا سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أو جب - يعني النار - بالقتل، فقال: فذكره.

ثم رواه الطحاوي (1 / 314) وأحمد (4 / 107) من طريق عبد الله بن المبارك، والخطيب من طريق يحيى بن حمزة، كلاهما عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريق بن عياش به مختصرا بلفظ: أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم، فقالوا: إن صاحبا لنا أو جب، قال: " فليعتق رقبة، يفدي الله بكل عضومنها عضوا منه من النار ".

ثم رواه أحمد (3 / 490) من طريق أبي علاثة قال: حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن واثلة بن الأسقع به. وأسقط من الإسناد الغريق هذا. وابن علاثة فيه ضعف. قلت والإسناد ضعيف من أجل الغريق فإنه لم يرو عنه غير إبراهيم بن أبي عبلة، ولم يوثقه غير ابن حبان (1 / 183) . قال الحافظ في " التهذيب ": " وقال ابن حزم: مجهول. وذكره بالعين المهملة ".

قلت: وكذلك وقع في " مستدرك الحاكم " وقال: " عريف هذا لقب عبد الله بن الديلمي، حدثنا بصحة ما ذكرته أبو إسحاق إبراهيم ابن فراس الفقيه: حدثنا بكر بن سهل الدمياطي: حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسي: حدثنا عبد الله بن سالم: حدثني إبراهيم بن أبي عبلة قال: كنت جالسا بـ (ريحاء) فمر بي واثلة بن الأسقع متوكئا على عبد الله بن الديلمي، فأجلسه، ثم جاء إلي فقال: عجب ما حدثني هذا الشيخ، يعني واثلة، قلت: ما حدثك؟ فقال: حدثني: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتاه نفر من بني سليم فقالوا.... ".

 

(2/307)

 

 

قلت: فذكر الحديث مثل رواية ضمرة ثم قال الحاكم: " فصار الحديث بهذه الروايات صحيحا على شرط الشيخين ". قلت: ووافقه الذهبي، وليس كذلك لأمرين: الأول: أن هذه الرواية التي ساقها مستدلا على صحة ما ذكر، فيها الدمياطي وهو ضعيف. لكنه قد توبع فقال الطحاوي (1 / 316) : حدثنا علي بن عبد الرحمن: حدثنا عبد الله بن يوسف الدمشقي: حدثنا عبد الله بن سالم به. وعلي بن عبد الرحمن هو المعروف بـ (علان) المصري، قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 195) : " صدوق ".

وتابعه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: حدثنا عبد الله بن يوسف به. أخرجه ابن حبان (1206) . ثم رواه الطحاوي من طريق الوليد بن مسلم: حدثني مالك بن أنس وغيره عن إبراهيم بن أبي عبلة أنه حدثهم عن عبد الله بن الديلمي عن واثلة نحوحديث ابن المبارك. قلت: فهذا كله يصحح ما ذكره الحاكم أن الغريف لقب لعبد الله بن الديلمي، أو على الأصح يدل على أن اسم الغريف عبد الله، وهي فائدة لا تجدها في كتب الرجال، ولكن هل يصير الحديث بذلك صحيحا؟ ذلك ما سترى الجواب عنه فيما يأتي. الأمر الثاني: أن عبد الله بن الديلمي المذكور في هذه الروايات ليس هو الذي عناه الحاكم: عبد الله بن فيروز الديلمي أبو بشر وهو الذي وثقه ابن معين والعجلي وغيرهما، وروى له أصحاب السنن إلا الترمذي، بل هو ابن أخي هذا، فقد تقدم في بعض الرويات أنه الغريف بن عياش، وفي أخرى عند الطحاوي والخطيب " الغريف بن عياش بن فيروز الديلمي "، ولذلك قال في ترجمة أبي بشر من " التهذيب ": " هو أخو الضحاك بن فيروز وعم الغريف بن عياش بن فيروز ".

فإذا ثبت أنه عبد الله بن عياش بن فيروز وهو غير عبد الله بن فيروز، وجب أن نتطلب معرفة حاله، وإذا عرفت مما سبق في ترجمته أنه مجهول، نستنتج من ذلك أن الحديث ضعيف لا يصح وأن الحاكم والذهبي وهما في تصحيحهما إياه، لاسيما وقد صححاه على شرط الشيخين، والعصمة لله وحده.

وفي الحديث علة أخرى، وهي الاضطراب في متنه، ففي رواية ضمرة وعبد الله بن سالم: " أعتقوا عنه "، وفي رواية ابن المبارك ومالك: " فليعتق رقبة ". وتابعهما عليها يحيى بن حمزة وهانىء بن عبد الرحمن عند الطحاوي، ولفظ هانىء: " مروه فليعتق رقبة ". فهذه الرواية أرجح لاتفاق هؤلاء الأربعة عليها، وفيهم مالك وابن المبارك وهما في التثبت والحفظ على ما هما عليه، كما قال الطحاوي.

 

(2/308)

 

 

ثم ذكر أن الرواية الأولى تعارض القرآن فقال: " ووجدنا كتاب الله قد دفع مثل هذا المعنى عن ذوي الذنوب، وهو قوله تعالى في الجزاء عن كفارة الصيد المقتول في الإحرام في (سورة المائدة) على ما ذكر فيها، ثم أعقبه بقوله: (ليذوق وبال أمره) فأخبر أنه جعل الكفارة في الصيد في الإحرام على قاتله ليذوق وبال قتله، فمثل ذلك على كل كفارة عن ذنب، إنما يراد بها ذوق المذنب وبالها، وفي ذلك ما يمنع تكفير غيره عنه في ذلك بعتاق عنه أو بغيره ".

ثم ختم الطحاوي كلامه على الحديث بأن ذكر وجها للتوفيق بين الروايتين لا أرى فائدة من حكايته، لسببين:

الأول: أن الحديث من أصله ضعيف.

الثاني: أنه لوصح فإحدى الروايتين خطأ قطعا، لأن الحادثة واحدة لم تكرر، وبالتالي فاللفظ الذي نطق به عليه السلام واحد، اختلف الرواة في تحديده، فلابد من المصير إلى الترجيح، وقد فعلنا، وذلك يغني عن محاولة التوفيق، والله أعلم.

(تنبيه) : الحديث سكت عليه المنذري في " مختصر السنن " (5 / 424) وقال: " أخرجه النسائي ". والظاهر أنه يعني في " الكبرى " له فإني لم أجده في " الصغرى "، ولا عزاه إليه النابلسي في " ذخائر المواريث " (2 / 125 - 126) ، وعزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 107 / 1) لأبي داود وابن حبان والطبراني في " الكبير " والحاكم والبيهقي.

هذا وقد يستدل بالحديث من يقول بوصول ثواب العمل إلى غير عامله إذا وهبه له، وهو خلاف قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وما في معناه من الأحاديث ولوصح هذا الحديث لكان من جملة المخصصات للآية، وقد حقق الإمام الشوكاني القول في هذا الموضوع وذكر ما وقف عليه من المخصصات المشار إليها، فراجعه في " نيل الأوطار " (3 / 333 - 336) ، مع فصل " ما ينتفع به الميت " من كتابي " أحكام الجنائز " (ص 168 - 178) .

908 - " إن عيسى بن مريم كان يقول: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، فإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية ".

لا أصل له مرفوعا.

وإنما أورده الإمام مالك في " الموطأ " (2 / 986 / 8) بدون إسناد أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقوله. وليس من عادتي أن أورد مثل هذا الكلام لأن راويه لم يعزه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكني

 

(2/309)

 

 

رأيت الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي كتب تحت هذا الكلام في نسخة " الموطأ " التي قام هو على تصحيحها وتخريج أحاديثها ما نصه: " مرسل، وقد وصله العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة، أخرجه مسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 20 - باب تحريم الغيبة، حديث 7 ".

ولما وقف على هذا بعض من لا علم عنده، نقل هذا الكلام المنسوب إلى عيسى عليه السلام في كتاب له، وعزاه للموطأ ومسلم! فلما وقفت عليه (قبل أن يطبع كتابه، وخير له أن لا يطبعه لكثرة أوهامه) استنكرت عزوه لمسلم أشد الاستنكار، ولما نبهته على ذلك احتج بتخريج فؤاد عبد الباقي - وهو يظنه لبالغ جهله بهذا العلم أنه من تخريج الإمام مالك نفسه! - فأكدت له أنه خطأ، ثم رأيت من الواجب أن أنبه عليه هنا، كي لا يغتر به آخرون، فيقعون في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث لا يريدون ولا يشعرون.

وقد تبين لي فور رجوعي إلى تخريج عبد الباقي أن الخطأ - فيما أظن - ليس منه مباشرة، بل من الطابع، فإن هذا التخريج كان حقه أن يوضع في الباب الذي يلي كلام عيسى عليه السلام، ففيه أورد مالك حديثا مرسلا في الغيبة، وهو الذي وصله مسلم في الباب الذي ذكره فؤاد عبد الباقي، فيبدو أن التخريج كان مكتوبا في ورقة مفصولة عن الحديث، فسها الطابع وطبعه تحت كلام عيسى عليه السلام، فكان هذا الخطأ الفاحش، وبقي حديث الغيبة بدون تخريج، ثم لا أدري إذا كان الأستاذ فؤاد أشرف على تصحيح الكتاب بنفسه وهو يطبع، فذهل عن هذه الخطيئة، أو وكل أمر التصحيح إلى من لا علم عنده بالحديث إطلاقا، فبدهي أن تنطلي عليه الخطيئة، والعصمة لله وحده. نعم قد روي الحديث مرفوعا مختصرا، وإسناده ضعيف كما سيأتي بيانه برقم (920) .

909 - " يا عم! والله لووضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ".

ضعيف.

أخرجه ابن إسحاق في " المغازي " (1 / 284 - 285 سيرة ابن هشام) : حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث: أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة (1) بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤني فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق علي وعلى نفسك،

__________

(1) يعني قولهم - كما ذكره في السيرة قبيل هذا الحديث: " يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا لا نصبر على هذا من شتم آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين ". اهـ.

 

(2/310)

 

 

ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء ... ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب: أقبل يا ابن أخي! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا. قلت: وهذا إسناد ضعيف معضل، يعقوب بن عتبة هذا من ثقات أتباع التابعين، مات سنة ثمان وعشرين ومائة. وقد وجدت للحديث طريقا أخرى بسند حسن لكن بلفظ: " ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك، على أن تستشعلوا لي منها شعلة يعني الشمس ". وقد خرجته في " الأحاديث الصحيحة " رقم (92) .

910 - " يا جبريل صف لي النار، وانعت لي جهنم، فقال جبريل: إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأو قد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر بها فأو قد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأو قد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء شررها، ولا يطفأ لهبها، والذي بعثك بالحق لوأن خازنا من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه، ومن نتن ريحه، والذي بعثك بالحق لوأن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لارفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي يا جبريل لا يتصدع قلبي، فأموت، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل وهو يبكي، فقال: تبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت به، فقال: مالي لا أبكي؟ أنا أحق بالبكاء! لعلي ابتلى بما ابتلي به إبليس، فقد كان من الملائكة، وما أدري لعلي ابتلي مثل ما ابتلي به هاروت وماروت، قال: فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان حتى نوديا: أن يا جبريل ويا محمد إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه، فارتفع جبريل عليه السلام، وخرج

 

(2/311)

 

 

رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون، فقال: أتضحكون ووراءكم جهنم؟! لوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل.. فنودي: يا محمد! لا تقنط عبادي، إنما بعثتك ميسرا ولم أبعثك معسرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " بسنده عن عمر بن الخطاب قال: " جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا جبريل: مالي أراك متغير اللون؟ فقال: ما جئتك حتى أمر الله بمفاتيح النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل صف لي النار. الحديث، أورده المنذري في " الترغيب والترهيب " (4 / 225 - 226) وأشار لضعفه أو وضعه، وقد بين علته الهيثمي في " المجمع " فقال (10 / 387) : " وفيه سلام الطويل وهو مجمع على ضعفه ".

قلت: وذلك لأنه كان كذابا كما قال ابن خراش، وقال ابن حبان: (1 / 335 - 336) : " روى عن الثقات الموضوعات، كأنه كان المعتمد لها ". وقال الحاكم - على تساهله -: " روى أحاديث موضوعة ". قلت: وهذا منها بلا شك فإن التركيب والصنع عليه ظاهر، ثم إن فيه ما هو مخالف للقرآن الكريم في موضعين منه:

الأول: قوله في إبليس: " كان من الملائكة " والله عز وجل يقول فيه: (كان من الجن ففسق عن أمر ربه) ، وما يروى عن ابن عباس في تفسير قوله: (من الجن) أي من خزان الجنان، وأن إبليس كان من الملائكة، فمما لا يصح إسناده عنه، ومما يبطله أنه خلق من نار كما ثبت في القرآن الكريم، والملائكة خلقت من نور كما في " صحيح مسلم " عن عائشة مرفوعا، فكيف يصح أن يكون منهم خلقة، وإنما دخل معهم في الأمر بالسجود لآدم عليه السلام لأنه كان قد تشبه بهم وتعبد وتنسك، كما قال الحافظ ابن كثير، وقد صح عن الحسن البصري أنه قال: " ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر ".

الموضع الثاني: قوله: " ابتلي به هاروت وماروت ". فإن فيه إشارة إلى ما ذكر في بعض كتب التفسير أنهما أنزلا إلى الأرض، وأنهما شربا الخمر وزنيا وقتلا النفس بغير، فهذا مخالف لقول الله تعالى في حق الملائكة: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) ، ولم يرد ما يشهد لما ذكر، إلا في بعض الإسرائيليات التي لا ينبغي

 

(2/312)

 

 

أن يوثق بها، وإلا في حديث مرفوع، قد يتوهم - بل أوهم - بعضهم صحته، وهو منكر بل باطل كما سبق تحقيقه برقم 170، ويأتي بعد حديث من وجه آخر.

911 - " اللهم اجعلني صبورا، اللهم اجعلني شكورا، اللهم اجعلني في عيني صغيرا وفي أعين الناس كبيرا ".

منكر.

رواه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 2 / 191) وذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 184) كلاهما من طريق عقبة بن عبد الله الأصم عن ابن بريدة عن أبيه: " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: علمني دعوة، فقال:.. فذكره، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: " هذا حديث منكر لا يعرف، وعقبة لين الحديث ".

والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 181) من دعائه صلى الله عليه وسلم لا من تعليمه وقال: " رواه البزار، وفيه عقبة بن عبد الله الأصم، وهو ضعيف، وحسن البزار حديثه ".

قلت: لعل تحسين البزار لحديثه يعني حديثا خاصا غير هذا، وأراد الحسن المعنوي لا الاصطلاحي، فقد قال هو نفسه في عقبة هذا: " غير حافظ، وإن روى عنه جماعة فليس بالقوي ". وقال ابن حبان (2 / 188) : " كان ممن ينفرد بالمناكير عن الثقات المشاهير، حتى إذا سمعها من الحديث صناعته شهد لها بالوضع ".

 

(2/313)

 

 

912 - " إن الملائكة قالت: يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال: إني ابتليتهم وعافيتكم، قالوا لوكنا مكانهم ما عصيناك، قال فاختاروا ملكين منكم، فلم يألوا أن يختاروا، فاختاروا هاروت وماروت، فنزلا، فألقى الله تعالى عليهما الشبق، قلت: وما الشبق؟ قال: الشهو ة، قال: فنزلا، فجاءت امرأة يقال لها الزهرة، فوقعت في قلوبهما، فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه، فرجع إليها، ثم جاء الآخر، فقال: هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي؟ قال: نعم، فطلباها نفسها، فقالت: لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان، فأبيا، ثم سألاها أيضا فأبت، ففعلا فلما استطيرت

 

(2/313)

 

 

طمسها الله كوكبا وقطع أجنحتها، ثم سألا التوبة من ربهما، فخيرهما، فقال: إن شئتما رددتكم إلى ما كنتما عليه، فإذا كان يوم القيامة عذبتكما، وإن شئتما عذبتكما في الدنيا فإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه، فقال أحدهما لصاحبه: أن عذاب الدنيا ينقطع ويزول، فاختارا عذاب الدنيا على الآخرة، فأو حى الله إليهما أن ائتيا بابل، فانطلقا إلى بابل فخسف بهما، فهما منكوسان بين السماء والأرض معذبان إلى يوم القيامة ".

باطل مرفوعا.

رواه الخطيب في تاريخه (8 / 42 - 43) وكذا ابن جرير في تفسيره (2 / 364) من طريق الحسين: سنيد بن داود: حدثنا الفرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع قال: سافرت مع ابن عمر، فلما كان آخر الليل قال: يا نافع طلعت الحمراء؟ قلت: لا (مرتين أو ثلاثة) ، ثم قلت: قد طلعت، قال: لا مرحبا بها وأهلا، قلت: سبحان الله، نجم سامع مطيع؟ قال: ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بتمامه، لكن ليس عند ابن جرير: " فنزلا.... " إلخ، وقال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (1 / 255) : " غريب جدا ". قلت: وآفته الفرج بن فضالة أو الراوي عنه سنيد، فإنهما ضعيفان كما في " التقريب "، والحديث أصله موقوف خطأ في رفعه أحدهما، والدليل على ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد قال: كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه (الظاهر أنه نافع) : انظر هل طلعت الحمراء؟ لا مرحبا بها ولا أهلا، ولا حباها الله، هي صاحبة الملكين، قالت الملائكة، يا رب كيف تدع عصاة بني آدم....؟ قال: إني ابتليتهم ... الحديث نحوه، قال ابن كثير: " وهذا إسناد جيد وهو أصح من حديث معاوية بن صالح هذا، ثم هو مما أخذه ابن عمر عن كعب الأحبار كما تقدم بالسند الصحيح عنه في الحديث الذي قبله بحديث، والله أعلم، ثم قال ابن كثير: " وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن

 

(2/314)

 

 

الهوى. وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أورده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال ".

قلت: وقد زعمت امرأة من أهل دومة الجندل أنها رأتهما معلقين بأرجلهما ببابل، وأنها تعلمت منهم السحر، وهما في هذه الحالة، في قصة طويلة حكتها لعائشة رضي الله تعالى عنها، رواها ابن جرير في " تفسيره " (2 /366 - 367) بإسناد حسن عن عائشة، ولكن المرأة مجهولة فلا يوثق بخبرها، وقد قال ابن كثير (1 / 260) : " إنه أثر غريب وسياق عجيب ". وقد اكتفيت بالإشارة إليه، فمن شاء الوقوف على سياقه بتمامه فليرجع إليه. ومما يتصل بما سبق الحديث الآتي:

913 - " لعن الله الزهرة، فإنها هي التي فتنت الملكين: هاروت وماروت ".

موضوع.

رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (648) وابن منده في " تفسيره " كما في " تفسير ابن كثير " (1 / 256) من طريق جابر عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحافظ ابن كثير: " لا يصح، وهو منكر جدا ".

قلت: وآفته جابر وهو ابن يزيد الجعفي وهو متهم بالكذب، وكان يؤمن برجعة علي ويقول: إنه دابة الأرض

المذكورة في القرآن! والحديث أورده السيوطي في " الدر المنثور " (1 / 97) وكذا في " الجامع الصغير " من رواية ابن راهويه وابن منده، وبيض له المناوي فلم يتعقبه بالشيء، ومن العجيب، أن السيوطي لم يورده في " الجامع الكبير " وهو كان أحق به!

 

(2/315)

 

 

914 - " أرشدوا أخاكم ".

ضعيف.

رواه الحاكم (2 / 439) عن سعد بن عبد الله بن سعد عن أبيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قرأ فلحن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي.

وأقول: كلا، فإن عبد الله بن سعد والد سعد وهو الأيلي غير معروف، ولم يترجموا له، مع أنهم ترجموا لابنه، ولم يذكروا له رواية عن أبيه، والله أعلم.

 

(2/315)

 

 

915 - " إن العبد ليموت والداه أو أحدهما وإنه لعاق، فلا يزال يدعولهما حتى يكتب عند الله بارا ".

 

(2/315)

 

 

ضعيف.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 88) من طريق لاحق بن الحسين بسنده عن إسماعيل بن محمد بن جحادة عن أبيه عن أنس مرفوعا قال: " لا أصل له، لاحق كذاب يضع ".

وتعقبه السيوطي في " اللآلىء المصنوعة " (2 / 297) بأن له طريق آخر، أخرجه البيهقي في " الشعب " قال: أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي ... عن يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن جحادة عن أنس بن مالك به وقال السيوطي: " ويحيى بن عقبة ضعيف ".

قلت: بل هو شر من ذلك فقد قال أبو حاتم: " يفتعل الحديث ". وقال ابن حبان: " يروي الموضوعات عن الأثبات ". وقال ابن معين: " كذاب خبيث عدوالله ". وقد أورده ابن عراق في " الوضاعين " من مقدمة كتابه " تنزيه الشريعة " ثم نسي ذلك فتابع السيوطي في تعقبه على ابن الجوزي! وأورد الحديث من أجل ذلك في " الفصل الثاني " (2 / 297) . قلت: وأبو عبد الرحمن السلمي متهم أيضا، فالسند هالك، لكن قال السيوطي بعد ذلك: " وقال ابن أبي الدنيا في " كتاب القبور ": حدثني خالد بن خداش: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليموت.... " الحديث. قال خالد: فحدثت حماد بن زيد فأعجب بذلك، أخرجه البيهقي وقال: هذا على إرساله أصح من الأول. وقال العراقي في " تخريج الإحياء ": " هذا مرسل صحيح الإسناد ".

قلت: كلا، فإن خالد بن خداش مخدوش! قال الذهبي في " الميزان ": " وثق وقال أبو حاتم وغيره، صدوق، وقال ابن معين ينفرد عن حماد بأحاديث، وقال ابن المديني وزكريا الساجي: ضعيف ".

ثم ساق الذهبي له حديث: " لا يولد مولود بعد ستمائة لله فيه حاجة " وقال: " منكر ". قلت: فالإسناد على إرساله ضعيف من أجله، فالحديث لا يصح بوجه من الوجوه، والله أعلم.

916 - " التوكؤ على العصا من أخلاق الأنبياء، كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عصا يتوكأ عليها، ويأمرنا بالتوكأ عليها ".

موضوع.

رواه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 259) وابن عدي في " الكامل " (ق 330 / 1) من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن المعلى بن هلال عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: " التوكؤ. . . " الحديث.

أورده ابن عدي في ترجمة المعلى هذا، وقال:

 

(2/316)

 

 

" هو في عداد من يضع الأحاديث ".

وعثمان بن عبد الرحمن هو الحراني الطرائفي، وهو صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، وضعف بسبب ذلك حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب، وقد وثقه ابن معين كما في " التقريب ".

917 - " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ".

لا أصل له مرفوعا.

فيما علمت. إلا قول أبي يوسف في " كتاب الآثار " له رقم (296) : " وزعم أبو حنيفة أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال.... " فذكره مرفوعا، وهذا وهم، وإليه أشار أبو يوسف بقوله: " وزعم أبو حنيفة " مع أنه إمام، على أنه معضل، وقد أشار إلى ما ذكرنا الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " بقوله (2 / 159) : " غريب مرفوعا، وإنما وجدناه موقوفا على علي ". وأوهم الحافظ ابن حجر أنه مرفوع، فقال في " التلخيص " (132) " حديث علي: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر، ضعفه أحمد ". وقال النووي في " المجموع " (4 / 488) : " ضعيف جدا ". كذا قالا، ولم يذكرا من خرجه، ولا إسناده لينظر فيه، وما أظنه إلا وهما منهما، ومما يؤيد ذلك أن الإمام أحمد إنما ضعف الموقوف على علي، وأما المرفوع فما ذكره، ولا أعتقد أنه سمع به! .

قال إسحاق بن منصور المروزي في " مسائله عن الإمام أحمد " (ص 219) : " ذكرت له قول علي: " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع "؟ قال: الأعمش لم يسمعه من سعد ".

قلت: سعد هذا هو ابن عبيدة، وقد أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 204 / 1) : " أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: فذكره. ورواه علي بن الجعد الجوهري في " حديثه " (12 / 178 / 1) من طريق أبي جعفر الرازي عن الأعمش به، وأعله أحمد بالانقطاع بين الأعمش وسعد بن عبيدة. قلت: لكن لم يتفرد به الأعمش، بل تابعه طلحة وهو ابن مصرف عند ابن أبي شيبة، وزبيد اليامي عند الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 54) والبيهقي أيضا في " السنن " (3 / 179) كلاهما عن سعد بن عبيدة به. وسعد بن عبيدة ثقة من رجال الستة، ومثله أبو عبد الرحمن السلمي فالسند صحيح موقوفا، وصححه ابن حزم في " المحلى " (5 / 53) وهو مقتضى كلام أبي جعفر الطحاوي، ولكنه قال: " لم يقله علي رضي الله عنه رأيا، إذ كان مثله لا يقال بالرأي، وإنما قاله بتوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!

 

(2/317)

 

 

كذا قال، وفيه نظر واضح، فإن القلب يشهد أن ذلك يقال بالرأي والاجتهاد، ولذلك ظلت المسألة من موارد النزاع، وقد صح خلافه عن عمر بن الخطاب أفيقال: إنه توقيف أيضا مع أنه هو الصواب؟! فروى ابن أبي شيبة في باب من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها، من طريق أبي رافع عن أبي هريرة أنهم كتبوا إلى عمر يسألونه عن الجمعة، فكتب: " جمعوا حيثما كنتم ".

قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وأبو رافع هذا اسمه نفيع بن رافع الصائغ المدني، واحتج بهذا الأثر الإمام أحمد على تضعيف أثر علي وزاد: " وأول جمعة جمعت بالمدينة، جمع بهم مصعب بن عمير، فذبح لهم شاة، فكفتهم، وكانوا أربعين، وليس ثم أحكام تجري ". قال إسحاق المروزي: " قلت له: أليس ترى في قرى مرولو

جمعوا؟ قال: نعم ". ثم روى ابن أبي شيبة (1 / 204 / 2) بسند صحيح عن مالك قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في هذه المياه بين مكة والمدينة يجمعون ". وروى البخاري (2 / 316 بشرح الفتح) وأبو داود (1068) وغيرهما عن ابن عباس قال: لجمعة جمعت بـ (جوثاء) ، قرية من قرى البحرين، وفي رواية: قرية من قرى عبد القيس ". وترجم له البخاري وأبو داود بـ " باب الجمعة في القرى ".

قال الحافظ: " ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، ولأنه لوكان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن، كما استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه والقرآن ينزل، فلم ينهو اعنه ".

قلت: وفي هذه الآثار السلفية عن عمر ومالك وأحمد من الاهتمام العظيم اللائق بهذه الشعيرة الإسلامية الخالدة: صلاة الجمعة حيث أمروا بأدائها والمحافظة عليها حتى في القرى وما دونها من أماكن التجمع، وهذا - دون أثر علي - هو الذي يتفق مع عمومات النصوص الشرعية وإطلاقها، وبالغ التحذير من تركها وهي معروفة، وحسبي الآن أن أذكر بآية من القرآن: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) ، وصلاة الظهر بعدها ينافي تمامها: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) .

ولما سافرت في رمضان سنة 1396 إلى بريطانيا سرني جدا أنني رأيت المسلمين في لندن يقيمون صلاة الجمعة والعيد أيضا، وبعضهم يصلون الجمعة في بيوت اشتروها أو استأجروها وجعلوها (مصليات) يصلون فيها الصلوات الخمس والجمعات، فقلت في نفسي: لقد أحسن

 

(2/318)

 

 

هؤلاء بالمحافظة على هذه العبادة العظيمة هنا في بلاد الكفر، ولو تعصبوا لمذهبهم وجلهم من الحنفية - لعطلوها وصلوها ظهرا! فازددت يقينا بأنه لا سبيل إلى نشر الإسلام والمحافظة عليه إلا بالاستسلام لنصوص الكتاب والسنة، واتباع السلف الصالح، المستلزم الخروج عن الجمود المذهبي إلى فسيح دائرة الإسلام، الذي بنصوصه التي لا تبلى يصلح لكل زمان ومكان، وليس بالتعصب المذهبي، والله ولي التوفيق.

918 - " أخروهن من حيث أخرهن الله. يعني النساء ".

لا أصل له مرفوعا.

وقد أشار إلى ذلك الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " (2 / 36) بقوله: " حديث غريب مرفوعا. وهو في " مصنف عبد الرزاق " (1) موقوف على ابن مسعود فقال: أخبرنا سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا، فكانت المرأة (لها الخليل) تلبس القالبين فتقوم عليهما، تقول بهما لخليلها، فألقي عليهن الحيض، فكان ابن مسعود يقول: أخروهن من حيث أخرهن الله. قيل: فما القالبان؟ قال: أرجل من خشب يتخذها النساء يتشرفن الرجال في المساجد، ومن

طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في (معجمه) ".

قلت: ورواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 36 / 2) من طريق زائدة أيضا عن الأعمش به، إلا أنه لم يذكر أبا معمر في سنده. ثم ذكر الزيلعي أن بعض الجهال (كذا) من فقهاء الحنفية كان يعزوه إلى " مسند رزين " و" دلائل النبوة " للبيهقي. قال: " وقد تتبعته فلم أجده فيه لا مرفوعا ولا موقوفا ". وأفحش من هذا الخطأ أن بعضهم عزاه للصحيحين كما نبه عليه الزركشي، ونقله السخاوي (41) وغيره عنه، ونقل الشيخ علي القاريء في " الموضوعات " عن ابن الهمام أنه قال في شرح الهداية ": لا يثبت رفعه، فضلا عن شهرته، والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود كما في " كشف الخفاء " (1 / 67) . قلت: والموقوف صحيح الإسناد، ولكن لا يحتج به لوقفه، والظاهر أن القصة من الإسرائيليات.

ومن العجائب أن الحنفية أقاموا على هذا الحديث مسألة فقهية خالفوا فيها جماهير العلماء، فقالوا: إن المرأة إذا وقفت بجانب الرجل أو تقدمت عليه في الصلاة أفسدت عليه صلاته، وأما المرأة فصلاتها صحيحة، مع أنها هي المعتدية! بل ذهب بعضهم إلى إبطال الصلاة ولوكانت على السدة فوقه محاذية له! وقد استدلوا على ذلك بالأمر في هذا الحديث بتأخيرهن، ولا يدل على ما ذهبوا إليه البتة، وذلك من وجوه: أولا: أن الحديث موقوف فلا حجة فيه كما سبق.

__________

(1) (ج 3 / 149 رقم 5115 - طبع المكتب الإسلامي) ، والزيادة منه، مع تصحيح بعض الألفاظ. اهـ.

 

(2/319)

 

 

ثانيا: أن الأمر وإن كان يفيد الوجوب فهو لا يقتضي فساد الصلاة، بل الإثم كما سيأتي عن الحافظ. ثالثا: أنه لو اقتضى فساد الصلاة فإنما ذلك إذا خالف الرجل الأمر ولم يؤخر المرأة أولم يتقدم عليها، أما إذا دخل في الصلاة ثم اعتدت المرأة ووقفت بجانبه، أو تقدمت عليه، فلا يدل على بطلان صلاته بوجه من الوجوه، بل لوقيل ببطلان صلاة المرأة في هذه الحالة لم يبعد، لوكان صح رفع الحديث، ومع ذلك فهم لا يقولون ببطلان صلاتها! وهذا من غرائب أقوال الحنفية التي لا يشهد لصحتها أثر ولا نظر! نعم من السنة أن تتأخر المرأة في الصلاة عن الرجال كما روى البخاري وغيره عن أنس بن مالك قال: " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا ". قال الحافظ في " شرحه " (2 / 177) : " وفيه أن المرأة لا تصف مع الرجل، وأصله ما يخشى من الافتتان بها، فإذا خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور.

وعن الحنفية: تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب، وفي توجيهه تعسف، حيث قال قائلهم، دليله قول ابن مسعود هذا، والأمر للوجوب، وحيث ظرف مكان، ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة، فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل، لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها! وحكاية هذا تغني عن تكلف جوابه.

والله المستعان، فقد ثبت النهي عن الصلاة في الثوب المغصوب، وأمر لابسه أن ينزعه، فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك، وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته، ولاسيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه ".

919 - " ما قال عبد لا إله إلا الله مخلصا إلا صعدت لا يردها حجاب، فإذا وصلت إلى الله عز وجل نظر إلى قائلها، وحق على الله أن لا ينظر إلى موحد إلا رحمه ".

منكر.

رواه ابن بشران في " الأمالي " (70 / 1 و108 / 2) عن علي بن الحسين بن يزيد الصدائي: حدثنا أبي حدثنا الوليد بن القاسم عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا.

ومن طريق ابن بشران رواه الخطيب في ترجمة علي بن الحسين هذا (11 / 394) وذكر أن وفاته كانت سنة (286) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأنه روى عنه أبو بكر الشافعي وأبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة. قلت: وقد خالفه في متنه الإمام الترمذي فرواه عن الحسين بن يزيد به، بلفظ:

 

(2/320)

 

 

".... إلا فتحت له أبواب السماء حتى تقضي إلى العرش، ما اجتنبت الكبائر ". قلت: فهذا يدل على ضعف علي بن الحسين عندي، لمخالفته الترمزي في لفظ حديثه على قلة روايته، ولذلك أوردت الحديث بلفظ الترمذي في " الأحاديث الصحيحة " و" المشكاة " (2314) . والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (2 / 175 / 2) للخطيب وحده.

920 - " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي ".

ضعيف.

أخرجه الترمذي (2 / 66) والواحدي في " الوسيط " (1 / 27 / 2) وأبو جعفر الطوسي الفقيه الشيعي في " الأمالي (ص 2) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 65 / 1 - 2) من طريق إبراهيم بن عبد الله بن حاطب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم ".

قلت: وهو ابن عبد الله بن الحارث بن حاطب الجمحي، ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 110 / 1) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأورده الذهبي في " الميزان " وساق له هذا الحديث من غرائبه، وقال: " ما علمت فيه جرحا ". قلت: فقد يقال فهل علمت فيه توثيقا؟ فإن عدم الجرح لا يستلزم التوثيق كما لا يخفى، ولذلك فالأحسن في

الإفصاح عن حاله قول ابن القطان: " لا يعرف حاله ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " على قاعدته! واغتر به الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فصحح إسناده في " عمدة التفسير " (1 / 168) .

والحديث رواه الإمام مالك في " الموطأ " (2 / 986 / 8) أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول: فذكره بأتم منه من قول عيسى عليه السلام، وقد مضى قريبا (908) .

وهذا هو اللائق بمثل هذا الكلام أن يكون مما يرويه أهل الكتاب عن عيسى عليه الصلاة والسلام، وليس من حديث نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

(تنبيه) : هذا الحديث لم يورده السيوطي في " الجامع الكبير " مع أنه ذكره في " الزيادة على الجامع الصغير "، ووقع لبعض الأفاضل فيه وهم فاحش، سبق بيانه هناك.

 

(2/321)

 

 

921 - " إذا انتهى أحدكم إلى الصف وقد تم، فليجبذ إليه رجلا يقيمه إلى جنبه ".

ضعيف.

رواه الطبراني في " الأوسط " (33 / 1 - مجمع البحرين) عن حفص بن عمر

 

(2/321)

 

 

الربالي: حدثنا بشر بن إبراهيم: حدثني الحجاج بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وقال: " لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد تفرد به بشر ".

قلت: وهو الأنصاري المفلوج، قال ابن عدي: " وهو عندي ممن يضع الحديث ".

وقال بن حبان (1 / 180) : " كان يضع الحديث على الثقات ". قلت: فقول الهيثمي 2 / 96) : " وهو ضعيف جدا " فيه تساهل ظاهر، وأسوأ منه سكوت الحافظ عنه في " بلوغ المرام " (2 / 25 - بشرح السبل) مع أنه قال في " التلخيص " (2 / 37) : " إسناده واه ".

وقد خالفه في إسناده يزيد بن هارون الثقة الحافظ فرواه عن الحجاج بن حسان عن مقاتل بن حيان مرسلا نحوه.

رواه البيهقي (3 / 105) . وقد روي من طريق أخرى عن عكرمة عن ابن عباس موصولا به نحوه، وليس فيه الجبذ، بل قال له: " أعد صلاتك ". قلت: وهو بهذا اللفظ صحيح لأن له شواهد كثيرة من حديث وابصة بن معبد وغيره وقد تكلمت عليها وتتبعت طرقها في " إرواء الغليل " (534) وللحديث شاهد واه من رواية وابصة بلفظ: " ألا دخلت في الصف، أو جذبت رجلا صلى معك؟! أعد صلاتك ".

922 - " ألا دخلت في الصف، أو جذبت رجلا صلى معك؟! أعد صلاتك ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن الأعرابي في " المعجم " وأبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " من طريق يحيى بن عبدويه: حدثنا قيس بن الربيع عن السدي عن زيد بن وهب عن وابصة بن معبد: " أن رجلا صلى خلف الصف وحده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "، فذكره.

قلت: ولكن إسناده واه جدا، فلا يصلح للشهادة، فإن قيسا ضعيف، وابن عبدويه أشد ضعفا منه، كما بينته في المصدر المشار إليه آنفا، فأغنى عن الإعادة، فإعلال الحافظ إياه بقيس وحده قصور.

وأفاد أن الطبراني أخرجه أيضا في " الأوسط " فرفعه السري بن إسماعيل وهو متروك، وأما الهيثمي فعزاه لأبي يعلى من طريق السري هذا وهو في " مسنده " (2 / 445) . (فائدة) : إذا ثبت ضعف الحديث فلا يصح حينئذ القول بمشروعية جذب الرجل من الصف ليصف معه، لأنه تشريع بدون نص صحيح، وهذا لا يجوز، بل الواجب أن ينضم إلى الصف إذا أمكن وإلا صلى وحده، وصلاته صحيحة، لأنه (لا يكلف الله نفس إلا وسعها) ،

 

(2/322)

 

 

وحديث الأمر بالإعادة محمول على ما إذا قصر في الواجب وهو الإنضمام في الصف وسد الفرج وأما إذا لم يجد فرجة، فليس بمقصر، فلا يعقل أن يحكم على صلاته بالبطلان في هذه الحالة، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في الاختيارات " (ص 42) : " وتصح صلاة الفذ لعذر، وقاله الحنفية، وإذا لم يجد إلا موقفا خلف الصف، فالأفضل أن يقف وحده ولا يجذب من يصافه، لما في الجذب من التصرف في المجذوب، فإن كان المجذوب يطيعه، فأيهما أفضل له وللمجذوب؟ الاصطفاف مع بقاء فرجة، أو وقوف المتأخر وحده؟ وكذلك لوحضر اثنان، وفي الصف فرجة، فأيهما أفضل وقوفهما جميعا أوسد أحدهما الفرجة، وينفرد الآخر؟ الراجح الاصطفاف مع بقاء الفرجة، لأن سد الفرجة مستحب، والاصطفاف واجب ". قلت: كيف يكون سد الفرج مستحبا فقط، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: " من وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله "! (1) فالحق أن سد الفرج واجب ما أمكن، وإلا وقف وحده لما سبق. والله أعلم.

(تنبيه) : هذا الحديث لم يورده السيوطي في " الجامع الكبير " البتة!! .

923 - " إن لله ملائكة وهم الكروبيون، من شحمة أذن أحدهم إلى ترقوقته مسيرة سبعمائة عام للطائر السريع في انحطاطه ".

ضعيف جدا.

رواه ابن عساكر (12 / 231 / 2) عن محمد بن أبي السري: أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله القرشي عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا وقال: " روى إبراهيم بن طهمان عن

موسى بن عقبة شيئا من هذا ". قلت: وهذا سند واه جدا، وله علتان:

الأولى: محمد بن أبي السري، وهو متهم.

والأخرى: صدقة هذا وهو الدمشقي السمين وهو ضعيف، ووقع في السند " القرشي، ولم ترد هذه النسبة في ترجمته من " التهذيب "، فلعله تحرف على الناسخ نسبته " الدمشقي " بالقرشي، والله أعلم.

وقد خالفه إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة به بلفظ: " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة ". وهو بهذا اللفظ صحيح كما قد بينته في " الأحاديث الصحيحة " رقم (151) .

__________

(1) انظر المشكاة (1102) . اهـ.

 

(2/323)

 

 

924 - " إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة. قال: فما يكفرها يا رسول الله؟ قال: الهموم في طلب المعيشة ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 134 / 1) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 235) والخطيب في " التلخيص " (61 / 2) وابن عساكر (15 / 332 / 1) عن محمد بن سلام المصري: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير: حدثنا مالك بن أنس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الطبراني: " لم يرو هـ عن مالك إلا يحيى، تفرد به محمد ".

وقال الخطيب: " روى عن يحيى بن بكير حديثا منكرا ". ثم ساقه، وقال ابن عساكر: " غريب جدا ". قلت: اتهمه الذهبي بهذا الحديث فقال: " حدث عن يحيى بن بكير عن مالك بخبر موضوع ". قلت: وهو هذا، قال الحافظ في " اللسان ": " والخبر المذكور عن أبي هريرة رفعه، قلت: فذكره من رواية الطبراني ثم قال: وأخرجه الدارقطني في " الغرائب من طريقين آخرين عن محمد بن سلام، قال: الحمل فيه على محمد بن سلام الحمراوي البزار ".

قلت: وقد أغرب ابن الملقن في " الخلاصة " (171 / 1) حيث عزى الحديث للخطيب فقط في كتابه " تلخيص المتشابه " من حديث يحيى بن بكير ... ". ووجه الإغراب أنه عزاه للخطيب فأوهم أنه لم يروه من هو أعلى طبقة منه، ثم هو لم يذكر من السند ما هو موضع العلة منه، بل طوى صفحا عنها، وذكر من السند من هم فوقها، مما لا فائدة من ذكره مطلقا، اللهم إلا إيهام أن ما لم يذكره من السند ليس فيهم من ينظر فيه! والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 219 / 1) لابن عساكر فقط! وقال: " وفيه محمد بن يوسف بن يعقوب الرقي ضعيف ". قلت: بل هو كذاب وضاع، قال الدارقطني: " وضع من الأحاديث ما لا يضبط ". قلت: لكنه لم يرد له ذكر في إسناد الحديث هذا عند من ذكرنا.

ثم إن الحديث عزاه السيوطي للخطيب في " المتفق والمفترق " عن أبي عبيد عن أنس. قال الأزدي: " أبو عبيد رضي الله عنه (!) عن أنس لا شيء ". وروي بلفظ آخر وهو:

 

(2/324)

 

 

925 - " إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها صيام ولا صلاة، ولا حج، ولا جهاد، إلا الغموم والهموم في طلب العلم ".

ضعيف.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 287) عن أحمد بن علي بن زيد الدينوري: حدثنا يزيد بن شريح بن مسلم الخوارزمي: حدثنا علي بن الحسين بن واقد: حدثني أبي: حدثنا أبو غالب عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف، أحمد بن علي ويزيد بن شريح لم أجد من ترجمهما. ومن فوقهما ثقات معرفون وفيهم كلام يسير لا يضر. وهذا الحديث مما فات السيوطي فلم يورده في " الجامع الكبير ": بله " الصغير "!

 

(2/325)

 

 

926 - " يا أيها الناس إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي ".

ضعيف جدا.

رواه ابن عساكر (3 / 203 / 2) عن العلاء بن سالم: أخبرنا قرة بن عيسى الواسطي: أخبرنا أبو بكر الذهلي عن مالك بن أنس الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فقال: هذا الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل فما بال هذا؟ فقام إليه معاذ بن جبل فأخذ بتلبيبه، ثم أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بمقالته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم قائما يجر ردائه حتى دخل المسجد ثم نودي: أن الصلاة جامعة، وقال: (ذكره) ، فقام معاذ بن جبل وهو آخذ بتلبيبه، قال: فما تأمرنا بهذا المنافق يا رسول الله؟ قال: دعه إلى النار، فكان قيس ممن ارتد في الردة، فقتل. قلت وهذا سند ضعيف جدا أبو بكر الذهلي (كذا الأصل، والصواب الهذلي) وهو متروك كما قال الدارقطني والنسائي وغيرهما وكذبه غندر. ثم رأيت الحديث في موضع آخر من " تاريخ ابن عساكر " (8 / 190 - 191) من هذا الوجه " وفيه " الهذلي على الصواب.

وقال: " هذا حديث مرسل، وهو مع إرساله غريب، تفرد به أبو بكر سلمى بن عبد الله الهذلي البصري، ولم يرو هـ عنه إلا قرة ".

قلت: ولم أجد من ترجمه، فهذه علة أخرى. ومثله الراوي عنه: العلاء. وعلى الصواب ذكره ابن تيمية في " الاقتضاء " (169 - طبع الأنصار) من رواية السلفي، ثم قال ابن تيمية:

 

(2/325)

 

 

" هذا الحديث ضعيف، وكأنه مركب على مالك، لكن معناه ليس ببعيد، بل هو صحيح من بعض الوجوه ".

927 - " لا يشربن أحد منكم قائما، فمن نسي فليستقىء ".

منكر بهذا اللفظ.

أخرجه مسلم في " صحيحه " (6 / 110 - 111) من طريق عمر بن حمزة: أخبرني أبو غطفان المري أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: وعمر هذا وإن احتج به مسلم فقد ضعفه الإمام أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم، ولذلك أورده الذهبي في " الميزان " وذكره في " الضعفاء " وقال: " ضعفه ابن معين لنكارة حديثه ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ".

قلت: وقد صح النهي عن الشرب قائما في غير ما حديث، عن غير واحد من الصحابة، ومنهم أبوهريرة، لكن بغير هذا اللفظ، وفيه الأمر بالاستقاء، لكن ليس فيه ذكر النسيان، فهذا هو المستنكر من الحديث، وإلا فسائره محفوظ. ولذلك أوردته في " الأحاديث الصحيحة " تحت رقم (177) .

 

(2/326)

 

 

928 - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، ليس بينه وبين الكعبة سترة. (وفي رواية) : طاف بالبيت سبعا، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطواف أحد ".

ضعيف.

أخرجه أحمد (6 / 399) والسياق له وعنه أبو داود (1 / 315) والأزرقي في " أخبار مكة " (ص 305) والبيهقي في " سننه الكبرى " (1 / 273) عن سفيان بن عيينة قال: حدثنا كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة سمع بعض أهله يحدث عن جده به. قلت وهذا سند ضعيف لجهالة الواسطة بين كثير وجده. وفيه علة أخرى وهي الاختلاف في إسناده، فقد رواه سفيان مرة عن كثير، هكذا، وقال مرة أخرى: حدثني كثير بن كثير عمن سمع جده، وقال سفيان: وكان ابن جريج أنبأ عنه قال: حدثنا كثير عن أبيه فسألته؟ فقال: ليس من أبي سمعته ولكن من بعض أهلي عن جدي! قلت: ورواية ابن جريج أخرجها النسائي (1 / 123 و2 / 40) وابن ماجه (4958) وهي الرواية الثانية وهي رواية لأحمد وابن حبان (415 - موارد) وكذا البيهقي وقال: " وقد قيل عن ابن جريج عن كثير عن أبيه قال: حدثني أعيان بني المطلب عن المطلب، ورواية ابن عيينة أحفظ ".

قلت: ويحتمل عندي أن يكون الاختلاف من نفس كثير بن كثير، بل لعل هذا أولى من

 

(2/326)

 

 

نسبة الوهم إلى ابن جريج لأن كثيرا ينزل عن ابن جريج في العدالة والضبط كثيرا! ومما يؤيد الاحتمال المذكور أنه قد تابع ابن جريج زهير بن محمد العنبري عند ابن حبان (414) . وأي الأمرين كان فالحديث ضعيف لجهالة الواسطة كما سبق. ثم رأيت الحديث في " فوائد محمد بن بشر الزبيري " (28 / 1) من طريق سالم بن عبد الله، رجل من أهل البصرة عن كثير بن كثير أن المطلب بن أبي وداعة رأى النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الكعبة وقام بحيال الركن الأسود فصلى ركعتين، والناس يمرون بين يديه: النساء والرجال ".

فهذا اختلاف آخر يؤكد ضعف الحديث. وإذا عرفت ذلك فقد استدل بعضهم بالحديث على جواز المرور بين يدي المصلي في مسجد مكة خاصة، وبعضهم أطلق، ومن تراجم النسائي للحديث " باب الرخصة في ذلك " يعني المرور بين يدي المصلي وسترته، ولا يخفى عليك فساد هذا الاستدلال، وذلك لوجوه:

الأول: ضعف الحديث.

الثاني: مخالفته لعموم الأحاديث التي توجب على المصلي أن يصلي إلى سترة وهي معروفة، وكذا الأحاديث التي تنهى عن المرور كقوله صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا من أن يمر بين يديه ". رواه البخاري ومسلم وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (698) .

الثالث: أن الحديث ليس فيه التصريح بأن الناس كانوا يمرون بينه صلى الله عليه وسلم وبين موضع سجوده، فإن هذا هو المقصود من المرور المنهي عنه على الراجح من أقوال العلماء. ولذلك قال السندي في " حاشيته على النسائي ": " ظاهره أنه لا حاجة إلى السترة في مكة. وبه قيل، ومن لا يقول به، يحمله على أن الطائفين كانوا يمرون وراء موضع السجود، أو وراء ما يقع فيه نظر الخاشع ".

ولقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما حججت لأول مرة سنة (1369) ، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا، ثم جئت المقام، فافتتحت الصلاة، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة بيني وبين موضع سجودي، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره صلى الله عليه وسلم حتى يأتي آخر " فأصده وهكذا!! ولقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا فوقف قريبا مني حتى انتهيت من الصلاة، ثم أقبل علي منكرا، فلما احتججت عليه بالأحاديث الواردة في النهي عن المرور، والآمرة بدفع المار، أجاب بأن مكة مستثناة من ذلك، فرددت عليه، واشتد النزاع بيني وبينه، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل العلم، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون! واحتج بعضهم بهذا الحديث، فطلبت إثبات صحته فلم يستطيعوا، فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث، وبيان علته.

فتأمل فيما ذكرته يتبين لك خطر الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ في الأمة.

 

(2/327)

 

 

ثم وقفت بعد ذلك على بعض الآثار الصحيحة عن غير واحد تؤيد ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وأنها تشمل المرور في مسجد مكة، فإليك ما تيسر لي الوقوف عليه منها:

1 - عن صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة ولا يدع أحدا يمر بين يديه، رواه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (91 / 1) وابن عساكر (8 / 106 / 2) بسند صحيح.

2 - عن يحيى بن أبي كثير قال: رأيت أنس بن مالك دخل المسجد الحرام، فركز شيئا، أو هيأ شيئا يصلي إليه. رواه ابن سعد في " الطبقات " (7 / 18) بسند صحيح. (تنبيه على وهم نبيه) : اعلم أن لفظ رواية ابن ماجه لهذا الحديث: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي بالركن، فصلى ركعتين.... ". وقد ذكر العلامة ابن الهمام في " فتح القدير " هذه الرواية، لكن تحرف عليه قوله " سبعه " إلى " سعيه "! فاستدل به على استحباب صلاة ركعتين بعد السعي، وهي بدعة محدثة لا أصل لها في السنة كما نبه على ذلك غير واحد من الأئمة كأبي شامة وغيره كما ذكرته في ذيل " حجة النبي صلى الله عليه وسلم " الطبعة الثانية، وكذلك في رسالتي الجديدة " مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف " فقرة (69) .

929 - " كان يخر على ركبتيه، ولا يتكىء ".

ضعيف.

أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (رقم 497 - موارد) من طريق معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف مسلسل بالمجهولين، قال ابن المديني: " لا نعرف محمد بن معاذ هذا، ولا أباه، ولا جده في الرواية، وهذا إسناد مجهول ". كذا في " الميزان " و" اللسان ". وقال الحافظ في ترجمة محمد هذا من " التقريب ". " مجهول ". وقال في ابنه معاذ: " مقبول ".

قلت: وأما ابن حبان فأوردهم في " الثقات " على قاعدته في توثيق المجهولين، ثم أخرج حديثهم في صحيحه كما ترى، فلا تغتر بذلك، فإنه قد شذ في ذلك عن التعريف الذي اتفق عليه جماهير المحدثين في الحديث الصحيح وهو: " ما رواه عدل، ضابط، عن مثله ". فأين العدالة، وأين الضبط في مثل هؤلاء المجهولين. لاسيما وقد رووا منكرا من الحديث خالفوا به الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من غير طريق كما سيأتي بيانه.

ولقد بدا لي شيء جديد يؤكد شذوذ ابن حبان المذكور، ذلك أنني حصلت نسخة من كتابه القيم " المجروحين " في موسم حج السنة الماضية (1396) فلم أر له فيه راويا واحدا جرحه

 

(2/328)

 

 

بالجهالة حتى الآن فهذا يؤكد أن الجهالة عنده ليست جرحا! هذا، وفي معناه حديث وائل بن حجر قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ". أخرجه أبو داود (1 / 134) والنسائي (1 / 165) والترمذي (2 / 56) والطحاوي (1 / 150) وابن حبان في " صحيحه " (رقم 487 - موارد) والدارقطني (131 - 132) والحاكم (1 / 226) وعنه البيهقي (2 / 98) كلهم من طريق يزيد بن هارون: أخبرنا شريك (1) عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه.

قلت: وهذا سند ضعيف، وقد اختلفوا فيه، فقال الترمذي عقبه: " هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحدا رواه مثل هذا عن شريك ". وقال الحاكم: " احتج مسلم بشريك "! ووافقه الذهبي! وليس كما قالا، على ما يأتي بيانه، وقال ابن القيم في " الزاد " (1 / 79) وقد ذكر الحديث: " هو الصحيح "، وخالفهم الدارقطني فقال عقبه: " تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به ".

وخالفهم أيضا البخاري ثم البيهقي فقال هذا في " سننه " (2 / 99) : " هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلا، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تعالى ".

وهذا هو الحق الذي لا يشك فيه كل من أنصف، وأعطى البحث حقه من التحقيق العلمي، أن هذا الإسناد ضعيف، وله علتان: الأولى: تفرد شريك به. والأخرى: المخالفة. وقد سمعت آنفا الدارقطني يقول في شريك: إنه ليس بالقوي فيما يتفرد به، وفي " التقريب ": " صدوق، يخطىء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ". قلت: فمثله لا يحتج به إذا تفرد فكيف إذا خالف كما يأتي بيانه، وقول الحاكم والذهبي: " احتج به مسلم " من أوهامهما، فإنما أخرج له مسلم في المتابعات كما صرح بذلك المنذري في خاتمة " الترغيب والترهيب ".

وكثيرا ما يقع الحاكم في مثل هذا الوهم ويتبعه عليه الذهبي على خلاف ما يظن به، فيصححان أحاديث شريك على شرط مسلم، وهي

__________

(1) وقع في " الموارد " " إسرائيل " بدل " شريك "، وهو خطأ من الناسخ وليس من الطابع، فقد رجعت إلى الأصل المخطوط في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة فرأيته في (ق 35 / 1) : " إسرائيل " كما في المطبوعة عنه. فتنبه.

 

(2/329)

 

 

لا تستحق التحسين فضلا عن التصحيح، فكيف على شرط مسلم؟ ! فليتنبه لهذا من أراد البصيرة في دينه، وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم.

وأما المخالفة التي سبقت الإشارة إليها فهي من جهتين: المتن والسند.

فأما المتن، فقد روى الحديث جماعة من الثقات عن عاصم بن كليب به، فذكروا صفة صلاته صلى الله عليه وسلم بأتم مما ذكره شريك عن عاصم، ومع ذلك فلم يذكروا كيفية السجود والنهوض عنه إطلاقا كما أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم عن زائدة وابن عيينة وشجاع بن الوليد كلهم عن عاصم به (1) . فدل ذلك على أن ذكر الكيفية في حديث عاصم منكر لتفرد شريك به دون الثقات.

وأما المخالفة في السند، فهو أن هماما قال: حدثنا شقيق أبو الليث قال: حدثني عاصم بن كليب عن أبيه. " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه ". أخرجه أبو داود والبيهقي وقال: " قال عفان: وهذا الحديث غريب " (2) .

قلت: فقد خالف شريكا شقيق فأرسله، ولكن شفيقا هذا ليس خيرا من شريك، فإنه مجهول لا يعرف، كما قال الذهبي وغيره. ولهمام فيه إسناد آخر، ولكنه معلول أيضا، فقال: حدثنا محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه ... فلما أراد أن يسجد وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن تقع كفاه ... فإذا نهض، نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه ". أخرجه أبو داود والبيهقي (3) وعلته الانقطاع، فقال النووي في " المجموع شرح المهذب " (3 / 446) : " حديث ضعيف لأن عبد الجبار بن وائل اتفق الحفاظ على أنه لم يسمع من أبيه شيئا، ولم يدركه ".

وفي الباب حديث آخر معلول أيضا، رواه أبو العلاء بن إسماعيل العطار: حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه ".

أخرجه الدارقطني (132) والحاكم (1 / 226) وعنه البيهقي (2 / 99) والحازمي في " الاعتبار " (55) وابن حزم في " المحلى " (4 / 129) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة ". وقال الدارقطني والبيهقي:

__________

(1) " صحيح أبي داود " (714 - 718)

(2) " ضعيف أبي داود " (121) .

(3) المصدر نفسه (151) . اهـ.

 

(2/330)

 

 

" تفرد به العلاء بن إسماعيل ". قلت: وهو مجهول كما قال ابن القيم في " الزاد " (1 / 81) ومن قبله البيهقي كما في " التلخيص " لابن حجر، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 188) عن أبيه: " هذا حديث منكر ". قلت: وأما قول الحاكم والذهبي: " حديث صحيح على شرط الشيخين " فغفلة كبيرة منهما عن حال العلاء هذا

، مع كونه ليس من رجال الشيخين! وقال الحافظ في ترجمته من " اللسان ": " وقد خالفه عمر بن حفص بن غياث، وهذا من أثبت الناس في أبيه، فرواه عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وغيره عن عمر موقوفا عليه، وهذا هو المحفوظ ".

قلت: أخرجه الطحاوي (1 / 151) بالسند المذكور عن إبراهيم عن أصحاب عبد الله علقمة والأسود فقالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير، وضع ركبتيه قبل يديه. وسنده صحيح.

قلت: وقد صرح الأعمش عنده بالتحديث، ورواه عبد الرزاق (2955) نحوه. وفي هذا الأثر تنبيه هام، وهو أن البعير يبرك على ركبتيه، يعني اللتين في مقدمتيه، وإذا كان كذلك لزم أن لا يبرك المصلي على ركبتيه كما يبرك البعير، لما ثبت في أحاديث كثيرة من النهي عن بروك كبروك الجمل، وجاء في بعضها توضيح ذلك من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه ".

رواه أبو داود بسند جيد، وفي رواية عن أبي هريرة بلفظ: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد بدأ بوضع يديه قبل ركبتيه ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 149) هو الذي قبله بالسند المشار إليه آنفا، وروى له شاهدا من حديث ابن عمر من فعله وفعل النبي صلى الله عليه وسلم. وسنده صحيح، وصححه الحاكم والذهبي.

فهذه الأحاديث الثابتة تدل على نكارة الأحاديث المتقدمة جميعها، ومما يدل على ضعف بعضها من جهة ما فيها من الزيادة في هيئة القيام إلى الركعة الثانية، حديث أبي قلابة قال: " كان مالك بن الحويرث يأتينا فيقول: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيصلى في غير وقت الصلاة، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول ركعة استوى قاعدا، ثم قام فاعتمد على الأرض ". أخرجه الإمام الشفاعي في " الأم " (1 / 101) والنسائي (1 / 173) والبيهقي

 

(2/331)

 

 

(2 / 124 - 135) بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (2 / 241) من طريق أخرى عن أبي قلابة نحوه. ففيه دلالة صريحة على أن السنة في القيام إلى الركعة الثانية إنما هو الاعتماد، أي باليد، لأنه افتعال من العماد، والمراد به الإتكاء وهو باليد كما في " الفتح " قال: " وروى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه قبل أن يرفعهما "، قلت: وفيه عنده (2964، 2969) العمري وهو ضعيف، لكن الاعتماد فيه شاهد قوي سأذكره بإذن الله تحت الحديث الآتي برقم (967) .

فقد ثبت مما تقدم أن السنة الصحيحة إنما هو الاعتماد على اليدين في الهو ي إلى السجود وفي القيام منه، خلافا لما دلت عليه هذه الأحاديث الضعيفة، فكان ذلك دليلا آخر على ضعفها.

930 - " من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها، فعل به كذا وكذا من النار ".

ضعيف.

رواه أبو داود (249) وابن أبي شيبة في " المصنف " (35 / 2) وعنه ابن ماجه (599) والدارمي (1 / 192) والبيهقي (1 / 175) وأحمد (1 / 94 و101) وابنه في " زوائده عليه " (1 / 133) من طرق عن حماد بن سلمة: حدثنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي بن أبي طالب مرفوعا به.

قال علي: فمن ثم عاديت شعري، وكان يجزه. قال الحافظ في " التلخيص " (ص 52) : " وإسناده صحيح، فإنه من رواية عطاء بن السائب وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل الاختلاط، لكن قيل: إن الصواب وقفه على علي ". وقال الشوكاني في " نيل الأوطار " (1 / 239) عقب كلام الحافظ هذا: " وقال النووي، ضعيف، وعطاء قد ضعفه، قبل اختلاطه، ولحماد أوهام، وفي إسناده أيضا زاذان وفيه خلاف ". وقال الصنعاني في " سبل السلام " (1 / 127) مستدركا على الحافظ: " ولكن قال ابن كثير في " الإرشاد ": إن حديث علي هذا من رواية عطاء بن السائب وهو سيء الحفظ، وقال النووي: إنه حديث ضعيف ".

قلت: وسبب اختلاف الأئمة في تصحيحه وتضعيفه أن عطاء بن السائب اختلط في آخر عمره، فمن روى عنه قبل اختلاطه فروايته عنه صحيحة، ومن روى عنه بعد اختلاطه فروايته عنه ضعيفة، وحديث علي هذا اختلفوا هل رواه قبل الاختلاط أو بعده، فلذا اختلفوا في تصحيحه وتضعيفه، والحق الوقف على تصحيحه وتضعيفه حتى يتبين الحال فيه ".

قلت: وهذا هو الصواب بلا ريب كما يأتي بيانه. ويتلخص مما تقدم أن الحديث أعل بأربع علل:

 

(2/332)

 

 

الأولى: الخلاف في زاذان.

الثانية: أن حماد له أوهاما.

الثالثة: أن عطاء بن السائب ضعف مطلقا، بعد الاختلاط وقبله. الرابعة: أنه صحيح الرواية قبل الاختلاط، ولكن لا يدرى هل روى هذا الحديث قبل الاختلاط أم بعده. وإذ الأمر كذلك، فلابد من تحقيق القول في هذه العلل كلها، والنظر إليها من زاوية علم الحديث ومصطلحه، وتراجم رواته، ووزنها بميزانها الذي هو القسطاس

المستقيم، فأقول:

1 - هذا الخلاف لا يضر في زاذان فقد وثقه الجمهور من الأئمة الفحول، الذين عليهم العمدة في باب الجرح والتعديل، وحسبك منهم يحيى بن معين، فقد قال فيه: " ثقة لا يسأل عن مثله ". ووثقه أيضا أبو سعد وابن عدي والعجلي والخطيب، وكذا ابن حبان، ولكنه قال: " كان يخطىء كثيرا "!

قلت: وهذا من أفراده وتناقضه، إذ لوكان يخطىء كثيرا لم يكن ثقة! ولعل قول ابن حبان هذا هو عمدة قول الحاكم أبي أحمد فيه: " ليس بالمتين عندهم ". ولا نعلم أحدا تكلم فيه غير هذين، وهو كلام مردود لأنه غير مدعم بالدليل، مع مخالفته لتوثيق من سمينا من الأئمة، وبالإضافة إلى ذلك فقد احتج به مسلم، وأشار الذهبي في أول ترجمته إلى أن حديثه صحيح، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ".

2 - وهذا التعليل واه كالذي قبله، فإن حماد بن سلمة إمام من أئمة المسلمين ثقة حجة ما في ذلك شك ولا ريب، ولا يخرجه من ذلك أن له أوهاما، وإلا فمن الذي ليس له أوهام؟ ! ولوكان الراوي الثقة يرد حديثه لمجرد أوهام له

، لما سلم لنا إلا القليل من جماهير الثقات من رجال الصحيحين فضلا عن غيرهما.

ولذلك جرى علماء الحديث سلفا وخلفا - ومنهم النووي - على الاحتجاج بحديث حماد بن سلمة إلا إذا ثبت وهمه، وهيهات أن يثبت هنا، على أنه قد روي له متابع، وإن كان السند بذلك واهيا كما يأتي.

3 - إن هذا التضعيف لا حجة عليه، فإن المعروف عند الأئمة أن عطاء بن السائب ثقة في نفسه، لم يصرح أحد منهم بتضعيفه مطلقا، وإنما وصفوه بأنه اختلط في آخر عمره، فمن عرف من الرواة عنه أنه سمع منه قبل الاختلاط فحديثه عنه صحيح، وإلا فلا، أنظر " تهذيب التهذيب " وغيره.

4 - وهذا التعليل أو الإعلال - كما هو الأصح - هو الذي يمكن التمسك به في تضعيف هذا الحديث، فإنه ليس لدينا ما يصح أن يعتمد عليه في ترجيح أنه حدث به قبل

 

(2/333)

 

 

الاختلاط، وجزم الحافظ ابن حجر رحمه الله بأن حماد بن سلمة قد سمع منه قبل الاختلاط، لا يصح أن يكون مرجحا، ذلك لأن حمادا هذا قد سمع منه بعد الاختلاط أيضا، كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في " التهذيب "، فقد قال في آخر ترجمة عطاء بعد أن نقل أقوال العلماء في اختلاطه وفيمن روى عنه في هذه الحالة وقبلها: " فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري وشعبة وزهير وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيح، ومن عداهم يتوقف فيهم، إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم، والظاهر أنه سمع منه مرتين، يعني قبل الاختلاط وبعده ". وقال قبيل ذلك: " فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب وحماد (يعني ابن سلمة) وأبي عوانة عنه في جملة ما يدخل في الاختلاط ".

قلت: وهذا تحقيق دقيق يجب أن لا ينساه - كما وقع للحافظ نفسه - من يريد أن يكون من أهل التحقيق، ولازم ذلك أن لا يصحح حديث حماد بن سلمة عن عطاء لاحتمال أن يكون سمعه منه في حالة الاختلاط، فلقد أصاب الصنعاني كبد الحقيقة حين قال بعدما تقدم نقله عنه: " والحق الوقف عن تصحيحه وتضعيفه حتى يتبين الحال فيه ".

نعم لو صح ما أشرنا إليه من المتابعة لصح الحديث، ولكن هيهات! فقال أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران المعروف بـ (ابن الجندي) في " الفوائد الحسان الغرائب " (8 / 1) : حدثنا علي بن محمد بن عبيد: أخبرنا عيسى بن جعفر الوراق قال: أنبأنا عفان، قال: أنبأنا شعبة وحماد، أو قال: شعبة وحماد حدثانا عن عطاء بن السائب به.

قلت: وهذا سند ظاهره الصحة، فإن رجاله من شيخ الجندي فمن فوقه كلهم ثقات من رجال الصحيح غير عيسى بن جعفر الوراق فإنه صدوق وله ترجمة في " تاريخ بغداد " (11 / 168 - 169) ، وعلي بن محمد بن عبيد ثقة حافظ ترجمه الخطيب أيضا ترجمة طيبة (12 / 73 - 74) ولكن علة الحديث من صاحب " الفوائد " وهو ابن الجندي، فقد ترجمه الخطيب بقوله (5 / 77) : " كان يضعف في روايته، ويطعن عليه في مذهبه، سألت الأزهري عنه؟ فقال: ليس بشيء ". وقال الحافظ في " اللسان ": " وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " في فضل علي حديثا بسند، رجاله ثقات إلا الجندي: فقال: هذا موضوع، ولا يتعدى الجندي " (1) .

قلت: ومما يؤيد ضعف هذا الرجل، أنه روى الحديث عن طريق عفان - وهو ابن مسلم -

__________

(1) " الموضوعات " لابن الجوزي (1 / 368 - 379) . اهـ.

 

(2/334)

 

 

عن شعبة، وقد رواه الإمام أحمد عن عفان - وهو شيخه فيه - فلم يذكر شعبة فيه! وكذلك رواه البيهقي من طريق أخرى عن عفان، وكذلك رواه الآخرون عن غير عفان وهم جماعة عن حماد وحده، فدل ذلك على أن ذكر شعبة في هذا السند منكر، تفرد به ابن الجندي هذا، ولولا ذلك لكانت متابعة قوية من شعبة لحماد، ولصح بذلك

الحديث، ولكن هيهات هيهات!! وقد ثبت في غير ما حديث صحيح أنه لا يجب على المرأة أن تنقض شعرها في غسل الجنابة، فالرجل مثلها إن كان له شعر مضفور كما هو معروف من عادة بعض العرب قديما، واليوم أيضا عند بعض القبائل.

وأما في الحيض فيجب نقضه، هذا هو الأرجح الذي تقتضيه الأحاديث الواردة في هذا الباب، فانظر " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (رقم 188) ، وما يأتي تحت الحديث (937) .

931 - " ما رفع أحد صوته بغناء، إلا بعث الله عز وجل إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك ".

ضعيف جدا.

رواه ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " (165 / 1) عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، علته علي بن يزيد وهو الآلهاني أبو عبيد الله بن زحر. أما الآلهاني، فقال البخاري: " منكر الحديث ". وقال النسائي: " ليس بثقة ". وقال أبو زرعة: " ليس بالقوي ". وقال الدارقطني: " متروك ". وأما ابن زحر، فقال أبو مسهر: " صاحب كل معضلة، وإن ذلك على حديثه لبين ". وقال ابن المديني: " منكر الحديث ". وقال ابن حبان (2 / 63) : " يروي الموضوعات على الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله، وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم "!

قلت: القاسم أبو عبد الرحمن خير منهما، وليس هو محلا للتهمة إن شاء الله تعالى، بل الراجح فيه عند المحققين أنه حسن الحديث، فالعلة في هذا الحديث ممن دونه. والله أعلم. والحديث عزاه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (6 / 165 - طبع لجنة نشر الثقافة الإسلامية) للطبراني أيضا في " الكبير " وقال:

 

(2/335)

 

 

" وهو ضعيف ". وقال تلميذه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 119 - 120) : " رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها وثقوا وضعفوا "! كذا قال، وكأنه يشير بذلك إلى رجال هذا الإسناد، وهو واه جدا كما

بينا. والله أعلم.

932 - " من أفطر (يعني في السفر) فرخصة، ومن صام فالصوم أفضل ".

ضعيف شاذ.

رواه أبو حفص الكناني في " الأمالي " (1 / 10 / 1) : حدثنا محمد بن هارون الحضرمي: حدثنا أبوهاشم زياد بن أيوب: حدثنا معاوية الضرير: أخبرنا عاصم الأحول عن أنس بن مالك قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه

وسلم عن الصوم في السفر؟ قال: فقال: فذكره.

قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات على شرط البخاري، غير الحضرمي، وهو ثقة كما قال الدارقطني وغيره، وله ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد "، فظاهر الإسناد الصحة، وقد اغتررت به برهة يسيرة من الزمن، ثم بدا لي أنه معلول بالوقف، فقد قال ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 149 / 2) : حدثنا أبو معاوية ومروان بن معاوية عن عاصم قال: سئل أنس عن الصوم في السفر؟ فقال: فذكره بالحرف الواحد هكذا موقوفا على أنس.

قلت: وهذا هو الصواب، لأن أبا معاوية - واسمه محمد بن حازم - وإن كان ثقة وأحفظ الناس لحديث الأعمش، فهو قد يهم في حديث غيره كما قال الحافظ في " التقريب "، فمثله يحتج به إذا لم يخالف، أولم يختلف عليه كما وقع في هذا الإسناد، فأبوهاشم زياد بن أيوب رفعه، وابن أبي شيبة أوقفه، ولابد من مرجح، وهو أعني ابن أبي شيبة قد قرن مع أبي معاوية مروان بن معاوية وهو ثقة حافظ كما في " التقريب " فأوقفه أيضا، ولم يختلف عليه فيه، فروايته أولى، لاسيما مع موافقة إحدى الروايتين عن أبي معاوية له، وهذا ظاهر لا يخفى إن شاء الله تعالى. ومما يرجح أن الحديث موقوف على أنس وليس بمرفوع، ما روى ابن أبي شيبة أيضا: قال مروان بن معاوية: عن عاصم عن ابن سيرين قال: كان عثمان بن أبي العاص يقول في ذلك مثل قول أنس بن مالك.

قلت: وهذا سند صحيح أيضا موقوفا. فتبين أن الصواب في هذا الحديث الوقف، وأنه شاذ مرفوعا، ولعل هذا هو السر في عدم وروده في شيء من كتب " السنن " و" المسانيد " وغيرها، ككتب التخريجات، مثل " نصب الراية " للزيلعي، و" تلخيص الحبير " للعسقلاني، ونحوها.

وقد اختلف العلماء، في صوم رمضان في السفر على أقوال معروفة، ولا شك أن الإفطار فيه رخصة، والأخذ بها أحب إلينا إذا كان المفطر لا يتحرج من القضاء، وإلا فالأحب لدينا

 

(2/336)

 

 

حينئذ الصيام، والله أعلم. ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليراجع " نيل الأوطار "، أو غيره من كتب أهل العلم والتحقيق.

933 - " سارعوا إلى تعليم العلم والسنة والقرآن، واقتبسوهن من صادق، من قبل أن يخرج أقوام في أمتي من بعدي يدعونكم إلى تأسيس البدعة والضلالة، فوالذي نفسي بيده لباب من العلم من صادق خير لكم من الذهب والفضة تنفقونها في سبيل الله تعالى بغير هدى من الله، من مشى في تعليم العلم والسنة والقرآن فعمل بما أمر الله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا عمل بذلك فله بكل خطوة يخطوها حسنة، وتحط عنه سيئة، وترفع له درجة في الجنة ".

موضوع.

رواه الخطيب في " تلخيص المتشابه " (2 / 51 / 2) عن محمد بن عبيدة المروزى: حدثنا حسان بن إبراهيم: حدثنا سعيد بن مسروق الثوري: حدثنا يزيد بن حيان: حدثنا زيد بن أرقم قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا حديث موضوع، ولوائح الوضع عليه ظاهرة، وآفته محمد بن عبيدة المروزي. قال الذهبي: " قال ابن ماكولا: صاحب مناكير ". وأورد قبله " محمد بن عبيدة عن (بياض في الأصل) وضع أحاديث، قاله أبو سعيد النقاش ". قال الحافظ في " اللسان ": " وأنا أظنه الذي بعده ".

قلت: يعني المروزي المذكور. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " و" الكبير " من رواية الرافعي في " تاريخه " عن جابر بلفظ: " سارعوا في طلب العلم، فالحديث من صادق خير من الدنيا وما عليها من ذهب وفضة ". قلت: وسكت عليه المناوي.

 

(2/337)

 

 

934 - " لا تبل قائما ".

ضعيف.

رواه ابن حبان في " صحيحه " (135) عن هشام بن يوسف عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: وهذا سند ظاهره الصحة، فإن رجاله ثقات، لكنه معلول بعنعنة ابن جريج فإنه كان مدلسا، وقد تبين أنه تلقاه عن بعض الضعفاء، فقال الترمذي في " سننه " (1 /17) :

 

(2/337)

 

 

" وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال: " يا عمر لا تبل قائما ". فما بلت قائما بعده ". قال الترمذي: " وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أبو أيوب السختياني ". قلت: وقد أخرجه ابن ماجه (1 / 130) وتمام في " الفوائد " (ق 123 / 2) والبيهقي في " السنن الكبرى " (1 / 102) عن عبد الرزاق حدثنا ابن جريج عن عبد الكريم أبي أمية به. وعبد الكريم أبو أمية هو ابن أبي

المخارق، قال البوصيري في " الزوائد " (ق 23 / 2) : خبر عبيد الله بن عمر العمري الثقة المأمون المجمع على تثبته، ولا يغتر بتصحيح ابن حبان هذا الخبر، فإنه قال بعده: أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمعه من نافع.

وقد صح ظنه، فإن ابن جريج إنما سمعه من ابن المخارق كما ثبت من رواية ابن ماجه والحاكم في " المستدرك "، واعتذر عن تخريجه بأنه إنما أخرجه في المتابعات، وحديث عبيد الله العمري أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه والبزار في مسنده ". قلت: ولم أعرف حديث عبيد الله الذي أشار إليه، و" المصنف " لا أطوله الآن، فإني

أكتب هذا وأنا في المدينة المنورة، وهو في المكتبة الظاهرية بدمشق، لكن الظاهر أنه يعني مثل حديث عبد الله بن دينار أنه رأى عبد الله بن عمر بال قائما. أخرجه البيهقي (1 / 102) وقال: " وهذا يضعف حديث عبد الكريم، وقد روينا البول قائما عن عمر وعلي وسهل بن سعد وأنس بن مالك ".

وإذا عرفت ضعف الحديث فلا شيء في البول قائما إذا أمن الرشاش، وقد قال الحافظ في " الفتح ": " ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء ". ثم وقفت على حديث عبيد الله العمري في " مصنف ابن أبي شيبة " (1 / 124 - طبع الهند) و" مسند البزار " (ص 31 - زوائده) ، فإذا هو لا يعارض حديث الترجمة - كما ادعى البوصيري - فإنه رواه عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: " ما بلت قائما منذ أسلمت ". وإسناده صحيح. فالأولى المعارضة بأثر عبد الله بن دينار المتقدم عن ابن عمر، على اعتبار أنه هو الذي روى الحديث عنه كما هو ظاهر، ثم بما روى ابن أبي شيبة أيضا قبيل الموضع المشار إلى صفحته آنفا من طريق أخرى عن زيد قال: " رأيت عمر بال قائما ". وزيد هو ابن وهب الكوفي وهو

 

(2/338)

 

 

ثقة كسائر من دونه، فالإسناد صحيح أيضا، ولعل هذا وقع من عمر رضي الله عنه بعد قوله المتقدم، وبعد ما تبين له أنه لا شيء في البول قائما.

935 - " خيار أمتي في كل قرن خمسمائة، والأبدال أربعون، فلا الخمسمائة ينقصون، ولا الأربعون، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه، وأدخل من الأربعين مكانه، قالوا: يا رسول الله! دلنا على أعمالهم، قال: يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويتواسون فيما آتاهم الله عز وجل ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 8) من طريق الطبراني، وعنه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 151) : عن سعيد بن زيدون: حدثنا عبد الله بن هارون الصوري: حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.

قلت: وهذا سند مظلم، سعيد بن أبي {زيدون} وعبد الله بن هارون لم أعرفهم، إلا أن الثاني منهما أورده الذهبي في " الميزان " وقال: " عن الأوزاعي لا يعرف، والخبر كذب في أخلاق الأبدال ". قلت: وهو هذا، وأقره الحافظ ابن حجر في " اللسان ". والحديث أورده السيوطي في الجامع الصغير " فأساء، لاسيما وقد وقع في بعض النسخ مرموزا له بالحسن! واغتر بذلك بعض المتأخرين (1) فقال: " حديث حسن "! وأما المناوي فقد تنبه لعلته، فقال بعد نقل كلام الذهبي السابق: " ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه، ووافقه عليها المؤلف في " مختصر

الموضوعات " فأقره ولم يتعقبه ".

واعلم أن أحاديث الأبدال لا يصح منها شيء، وكلها معلولة، وبعضها أشد ضعفا من بعض، وأنا ذاكر لك بعضها، وكاشف عن عللها، إن شاء الله تبارك وتعالى.

__________

(1) هو السيد إسماعيل بن مهدي الغرباني في كتابه " نفس الرحمن فيما لأحباب الله من علو الشان "، ينتصر فيه للمستغيثين فيه بغير الله، ويرد على المنكرين عليهم، وما رأيت أجهل منه فيمن كتب في هذا المواضيع، إلا أن يكون الشامي! فإنه يظن أن " الخلال في كرامات الأولياء " كتاب ألفه الإمام أحمد! أنظر تعليقه على الصفحة (24) من الكتاب المذكور. وإنما هو كتاب للخلال باسم " كرامات الأولياء " كما ستراه في الحديث الآتي.

 

(2/339)

 

 

936 - " الأبدال في هذه الأمة ثلاثون، مثل إبراهيم خليل الرحمن عز وجل، كلما مات رجل أبدل الله تبارك وتعالى مكانه رجلا ".

 

(2/339)

 

 

منكر.

رواه الإمام أحمد (5 / 322) والهيثم بن كليب في " مسنده " (159 / 1 - 2) والخلال في " كرامات الأولياء " (ق 1 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 180) وعنه ابن عساكر في " التاريخ " (1 / 67 / 2) عن الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت مرفوعا، وقال أحمد عقبه: " هو حديث منكر ". قلت: وفيه علتان:

الأولى: عبد الواحد بن قيس، مختلف فيه، فوثقه ابن معين في رواية وأبو زرعة. وقال ابن معين في رواية أخرى: لم يكن بذاك ولا قريب، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وكذا قال صالح بن محمد البغدادي وزاد: " روى عن أبي هريرة ولم يسمع منه ". وقال الذهبي: " لم يلق أبا هريرة، إنما روايته عنه مرسلة، إنما أدرك عروة ونافعا ".

قلت: فعلى هذا فهو لم يدرك عبادة بن الصامت، فالسند مع ضعفه منقطع!

الثانية: الحسن بن ذكوان مختلف فيه أيضا، وقد ضعفه الجمهور، وقال أحمد: " أحاديثه أباطيل ". وقال ابن معين: " كان صاحب أو ابد ". وقال ابن حجر في " التقريب ": " صدوق يخطىء وكان يدلس ". ورمز له بأنه من رجال البخاري.

قلت: وقد عنعن هنا. ومما تقدم تعلم ما في قول الهيثمي من الإيهام فقال في " مجمع الزوائد " (10 / 62) وقلده السيوطي في " الحاوي " (2 / 461) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الواحد بن قيس، وقد وثقه العجلي وأبو زرعة، وضعفه غيرهما ". ولم يذكر السيوطي: " وضعفه غيرهما "! فقد أوهم شيئين: الأول: أن لا انقطاع بين عبد الواحد وعبادة وليس كذلك كما بينا.

الثاني: أن الحسن بن ذكوان ثقة، لوصفه إياه بأنه من رجال الصحيح، وسكوته عما قيل فيه من التضعيف، والوصف بالتدليس! قلت: وبهذا التحقيق يتبين لك خطأ قول السيوطي في " اللآلي " (2 / 332) : " وسنده حسن "! وقول ابن عراق (2 / 307 - طبع مصر) : " وسنده صحيح "! وقد روي الحديث عن عبادة بلفظ آخر وهو: " لا يزال في أمتي ثلاثون، بهم تقوم الأرض، وبهم تمطرون، وبهم تنصرون ". قلت: وهو ضعيف أيضا فيه من لا يعرف، فقد قال الهيثمي (10 / 63) :

 

(2/340)

 

 

" رواه الطبراني من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص وكلاهما لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني أيضا عن عبادة بلفظ: " الأبدال في أمتي ثلاثون ... " فلعل ما نقلته عن " المجمع " محرف عنه. وقال الشارح المناوي: " قال المصنف: سنده صحيح "!

ولم يتعقبه المناوي بشيء! وكأنه لم يقف على كلام الهيثمي فيه، ولا على إسناد، وقد ساق السيوطي في " الحاوي " (2 / 461) فقال: قال الطبراني في " الكبير ": حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني محمد بن الفرج: حدثنا زيد بن الحباب: أخبرني عمر البزار عن عبيسة الخواص عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت.... فذكره بلفظ " الجامع الصغير ".

قلت: كذا في نقله: " عمر " بدون الواو، " عبيسة "، ولعل هذا الثاني تحريف، وأما الأول فمحتمل، فإن في شيوخ زيد بن الحباب عن المزي في " تهذيبه " (1 / 227 / 1) عمر بن عبد الله بن أبي خثعم اليمامي، وعمرو بن عبد الله بن وهب النخعي، وعمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعد بن يربوع المخزومي، فإن كان الأول - بدون الواو- فهو ضعيف جدا، وإن كان أحد الآخرين فهو ثقة، ولكن

لم يصفوا جميعا بـ (البزار) . فالله أعلم من هو منهم، أو هو غيرهم وعلى كل حال فتصحيح مثل هذا الإسناد لا وجه له مطلقا، ولا أدري من أين نقل المناوي تصحيح السيوطي له، وهو مرموز له في بعض نسخ " الجامع " بالحسن، وللذي قبله بالصحة!! على أن رموز الجامع لا يوثق بها لأسباب ذكرتها في مقدمة كتابي " صحيح الجامع الصغير " وضعيف الجامع الصغير "، وهو مطبوعان، فليرجع إليهما من شاء.

وأخرج ابن عساكر في " التاريخ " (1 / 277) من طريق الطبراني وغيره عن عمرو بن واقد عن يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب قال: " لما فتحت مصر سبوا أهل الشام، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ثم قال: يا أهل مصر! أنا عوف بن مالك، لا تسبوا أهل الشام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فيهم الأبدال وبهم ينصرون وبهم ترزقون ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، شهر بن حوشب سيء الحفظ، وعمرو بن واقد متروك كما في " التقريب ". وقال الهيثمي: " رواه الطبراني " وفيه عمرو بن واقد، وقد ضعفه جمهور الأئمة، ووثقه محمد بن المبارك الصوري، وشهر اختلفوا فيه، وبقية رجاله ثقات ".

قلت: وروي الحديث عن علي مرفوعا بلفظ آخر، سيأتي تخريجه إن شاء الله برقم (2993) .

 

(2/341)

 

 

937 - " إذا اغتسلت المرأة من حيضها، نقضت شعرها، وغسلت بالخطمي والأشنان، وإذا اغتسلت من الجنابة لم تنقض رأسها، ولم تغسل بالخطمي والأشنان ".

ضعيف.

أخرجه الخطيب في " تلخيص المتشابه " (2 / 34 / 1) والبيهقي في " السنن الكبرى " (1 / 182) من طريقين عن مسلم بن صبيح: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه الدارقطني أيضا في " الأفراد " كما في نصب الراية " (1 / 80) .

وقال الخطيب: " قال علي بن عمر (يعني الدارقطني) : هذا حديث غريب من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد ولم نكتبه إلا من هذا الوجه ". قلت: وهو ضعيف لتفرد ابن صبيح به، وهو في عداد المجهولين، فإني لم أجد من ترجمه، وقد يشتبه بمسلم بن صبيح الهمداني الذي أخرج له الستة، وليس به، فإن هذا متأخر، من طبقة شيوخ الإمام أحمد، وذاك الهمداني تابعي يروي عن ابن عباس وغيره، وهو معروف ثقة، وله ترجمة في " التهذيب " للحافظ ابن حجر، وكان يحسن به أن يورد بعده مسلم بن صبيح هذا المجهول تميزا له عن الذي قبله، كما هي عادته في أمثاله، ولكنه لم يفعل، والله أعلم، ثم قد ميزه في " تبصير المنتبه " (3 / 833) ولم يذكره بعدالة أو جرح، وقيده بضم الصاد المهملة.

وقد أخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (ق 23 / 2 - مسند أنس) من طريق الطبراني وهذا في " المعجم الكبير " (1 / 37 / 2) قال حدثنا أحمد بن داود المكي: حدثنا سلمة بن صبيح اليحمدي حدثنا حماد بن سلمة به. كذا سماه ابن داود " سلمة " بدل مسلم "، وليس هو تصحيفا، فقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 273) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه سلمة بن صبيح اليحمدي ولم أجد من ذكره ".

قلت: ولعل " سلمة " وهم من ابن داود فإني لا أعرفه أيضا، وقد خالفه عثمان بن خرزاذ وهو ثقة، أخرجه الخطيب. وأيهما كان فالرجل مجهول لا يعرف، فهو علة الحديث، وخفي هذا على الصنعاني فقال في " السبل " (1 / 138) بعد أن عزاه لمن ذكرنا: " فهذا الحديث مع إخراج الضياء له، وهو يشترط الصحة فيما يخرجه، يثمر الظن في العمل به ". قلت: وهذا مسلم بالنسبة لمن لم يقف على إسناده، وأما من وقف عليه فقد يختلف الحكم

 

(2/342)

 

 

بالنسبة له، ويرى خلاف ما ذهب الضياء إليه، وعول عليه، كما هو الشأن في هذا الحديث، ورواية مسلم بن صبيح، وهو من الأدلة الكثيرة على أن الضياء رحمه الله متساهل في التصحيح كالحاكم، وإن كان هو أحسن حالا منه كما شهد بذلك ابن تيمية رحمه الله. والحديث سكت عليه الشوكاني في " نيل الأوطار " (1 / 217) فأوهم سلامته من العلة، فاقتضى التنويه بها، وتحقيق الكلام على الحديث، والله سبحانه هو الموفق.

وقد استدل الصنعاني بالحديث على أن نقض الشعر من المرأة الحائض في غسلها ليس واجبا عليها، بل هو على الندب لذكر الخطمي والأشنان فيه، قال: " إذ لا قائل بوجوبهما فهو قرينة على الندب ". قلت: وإذا عرفت ضعف الحديث فالاستدلال به على ما ذكره الصنعاني غير صحيح، لاسيما وقد ثبت من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في الحيض: " انقضي شعرك واغتسلي ". ولهذا كان أقرب المذاهب إلى الصواب التفريق بين غسل الحيض فيجب فيه النقض، وبين غسل الجنابة فلا يجب، كما بيت ذلك في الكلام على حديث عائشة هذا في " الأحاديث الصحيحة " رقم (188) .

938 - " لا تضربوا إماءكم على كسر إنائكم، فإن لها آجالا كآجال الناس ".

كذب.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 26) : حدثنا أبو دلف عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجلي: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الدعاء: حدثنا جعفر بن عاصم: حدثنا أحمد بن أبي الحواري: حدثنا عباس بن الوليد قال: حدثني علي بن المديني عن حماد بن زيد عن مالك بن دينار عن الحسن عن كعب بن عجرة مرفوعا. قلت: وهذا سند واه جدا، وفيه علل:

أولا: أبو دلف هذا، أورده الخطيب في " تاريخ بغداد " (10 / 465) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

ثانيا: يعقوب بن عبد الرحمن الدعاء وهو أبو يوسف الجصاص، قال الخطيب (12 / 294) : " في حديثه وهم كثير، قال أبو محمد بن غلام الزهري: ليس بالمرضي، مات سنة (331) ".

ثالثا: جعفر بن عاصم لم أجد له ترجمة.

رابعا: عنعنة الحسن وهو البصري، فقد كان يدلس.

قلت: وبقية رجال الإسناد ثقات معرفون مترجم لهم في " التهذيب " وعباس بن الوليد هو ابن مزيد أبو الفضل البيروني مات سنة (270) ، وقد روى عنه جماعة، وكتب عنه

 

(2/343)

 

 

أحمد بن أبي الحواري وهو أكبر منه، توفي سنة (246) فهو من رواية الأكابر عن الصاغر. هذا ما تبين لي فيه وأما المناوي فقال في هذا الحديث: " أورده في " الميزان " في ترجمة العباس بن الوليد الشرقي، وقال: ذكره الخطيب في " الملخص " (1) فقال: روى عن ابن المديني حديثا منكرا، رواه عنه أحمد بن أبي الحواري من حديث

كعب بن عجرة مرفوعا، ثم ساق هذا بعينه ".

قلت: ولم أجد هذا الترجمة في " الميزان " للذهبي، ولا في " الضعفاء " له، ولا في " لسان الميزان " للحافظ بن حجر، فالله أعلم من أين وقع ذلك للمناوي. والحديث أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 295 - 296) بسنده عن ابن أبي الزرقاء عن ميمون بن مهران قال: فذكره موقوفا عليه وقال: " قال أبي هذه الحكاية كذب ". قلت: وفيه وهب بن داود قال الخطيب: " لم يكن بثقة ". وفيه أيضا من لم أعرفه.

939 - " استاكوا وتنظفوا، وأوتروا فإن الله وتر يحب الوتر ".

ضعيف.

رواه ابن أبي شيبة (1 / 63 / 1) : وكيع قال: حدثنا سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن سعد مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير سليمان بن سعد وهو تابعي مجهول، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 118) فقال: " روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل، روى عنه موسى بن أبي عائشة ".

قلت: ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد أخطأ بعض الضعفاء فسماه سليمان بن صرد، وأسنده، لأن ابن صرد هذا صحابي! وهو إسماعيل بن عمرو البجلي: فقال: حدثنا الحسن بن صالح عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن صرد مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 59 / 2 - زوائد المعجمين) وقال: " لا يروى عن سليمان إلا بهذا الإسناد ".

قلت: وهو ضعيف لأن البجلي هذا ضعفه غير واحد كما قال الذهبي في " الضعفاء ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 240) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي، ضعفه أبو حاتم والدارقطني وابن عدي، ووثقه ابن حبان وإذا عرفت الفرق بين رواية ابن أبي شيبة والطبراني يتبن لك خطأ عزو السيوطي في " الجامع " الحديث إلى المذكورين من رواية سليمان بن صرد ثم خطأ رمزه له بالحسن، وقد فات الأمر الأول على المناوي فلم يتنبه له، أما الآخر، فقد تعقبه بقول الهيثمي الذي ذكرته ثم قال:

__________

(1) كذا، ولعل الصواب " التلخيص ". اهـ.

 

(2/344)

 

 

" وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه إلا أن يراد أنه حسن لغيره ". وهذا الكلام يشعر بأن المناوي لم يطلع

على سند الحديث عند ابن أبي شيبة فإنه عنده من غير طريق البجلي، ولكن ذلك لا يقوي حديثه بل يضعفه، للمخالفة التي سبق بيانها.

940 - " إذا شربتم فاشربوا مصا، وإذا استكتم فاستاكوا عرضا ".

ضعيف.

رواه البيهقي (1 / 40) من طريق أبي داود في " مراسيله " عن هيثم عن محمد بن خالد القرشي عن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا سند ضعيف لإرساله، وعنعنة هشيم، فإنه مدلس، وجهالة القرشي هذا، ومن ثم رمز له السيوطي بالضعف، فأصاب، وتعقبه المناوي بقوله فما أصاب: " رمز لضعفه اغترارا بقول ابن القطان: " فيه محمد بن خالد لا يعرف " وفاته أن الحافظ ابن حجر رده على ابن القطان بأن محمد هذا وثقه ابن معين وابن حبان ".

وهذا تعقب واه جاءه من التقليد والاستسلام لرد الحافظ ابن حجر دون تبصر، وهو في كتابه " التلخيص " (ص 23) كما نقله المناوي، وفاته أن الجواد قد يكبو، فإن توثيق ابن معين المذكور مما لم يذكره أحد، حتى ولا الحافظ نفسه في " التهذيب "، فأخشى أن يكون وهما منه، ويؤيده أنه صرح في " تقريب التهذيب " أن القرشي هذا " مجهول " فوافق في ذلك قول ابن القطان: " لا يعرف "، وكذلك قال الذهبي في " الميزان " فمع اتفاق هؤلاء على تجهيله، هل يعقل أن يكون توثيق ابن معين له ثابتا عنه؟! ثم لو سلمنا جدلا ثبوت ذلك عنه، فهل يسلم السند من العلتين الأوليين: التدليس والإرسال؟! وبذلك يتبين أن لا وجه لذلك التعقب على السيوطي، بل هو من تعصب المناوي عليه، عفا الله عنا وعنهم. وروي في الاستياك عرضا حديثا آخر، وهو بلفظ:

 

(2/345)

 

 

941 - " كان يستاك عرضا، ويشرب مصا، ويقول: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ ".

ضعيف.

رواه ابن حبان في " المجروحين " (1 / 199) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 123 / 1 - 2) وابن شاهين في " الخامس من الأفراد " (31 - 32) والبيهقي في " سننه " (1 / 40) وابن عساكر (4 / 63 / 2) عن اليمان بن عدي حدثنا ثبيت بن كثير الضبي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن بهز مرفوعا، وقال ابن شاهين: " حديث غريب الإسناد، حسن المتن، وبهز لا أعرف له نسبا ولا أعرف له غير هذا الحديث ".

 

(2/345)

 

 

قلت: وعلته ثبيت هذا وهو ضعيف، كما قال الهيثمي (2 / 100) بعدما عزاه للطبراني وحده، وتناقض فيه ابن حبان، فذكره في " الثقات " وذكره في " الضعفاء " أيضا وقال: " منكر الحديث على قلته، لا يجوز الاحتجاج به ". وقال ابن عدي: " غير معروف ". وقال الحافظ في " التلخيص " (ص 23) : " وهو ضعيف، واليمان بن عدي أضعف منه ".

قلت: وقد تابعه ضعيف مثله إلا أنه خالفه في إسناده، وهو علي بن ربيعة القرشي المدني فقال: عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ربيعة بن أكثم به، فجعل ربيعة هذا بدل " بهز ". أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (10 / 110 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (295) والبيهقي، وقال العقيلي: " ولا يصح، علي بن ربيعة القرشي مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ، ولا يتابعه إلا من هو دونه ". قلت: يشير إلى ثبيت بن كثير، والقرشي هذا قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 185) عن أبيه: هو مثل يزيد بن عياض في الضعف ".

ويزيد هذا ضعيف الحديث، منكر الحديث عند أبي حاتم، وغيره يكذبه، وقال الحافظ في " التلخيص " (ص 23) بعدما عزاه للعقيلي والبيهقي: " إسناده ضعيف جدا " ثم ذكر الاختلاف الذي ذكرته، ثم قال ابن عبد البر: " ربيعة قتل بخيبر فلم يدركه سعيد، وقال في " التمهيد ": لا يصحان من جهة الإسناد ". ولم يحرر المناوي القول في هذين الطريقتين فظن أن أحدهما يقوي الآخر، فصرح أن الحديث صار بذلك حسنا!

وفي الباب حديث آخر، وهو:

942 - " " كان يستاك عرضا، ولا يستاك طولا ".

ضعيف جدا.

رواه أبو نعيم في " كتاب السواك " من حديث عائشة مرفوعا.

قال الحافظ (23) : " وفي إسناده عبد الله بن حكيم وهو متروك ". وقال ابن حبان (2 / 27) : " كان يضع الحديث على الثقات، ويروي عن مالك والثوري ومسعر ما ليس من أحاديثهم ".

 

(2/346)

 

 

943 - " كان يرفع يده إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود ".

باطل موضوع.

رواه البيهقي في " الخلافيات " من حديث محمد بن غالب حدثنا أحمد بن

 

(2/346)

 

 

محمد البرتي (1) حدثنا عبد الله بن عون الخراز (2) : حدثنا مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا سند ظاهره الجودة، وقد اغتر به بعض الحنفية، فقال الحافظ مغلطاي: " لا بأس بسنده ".

ولا أدري كيف يقول ذلك مثل هذا الحافظ مع اشتهار الحديث في " الصحيحين " و" السنن الأربعة " و" المسانيد " عن مالك بإسناده المذكور عن ابن عمر برفع اليدين في الركوع أيضا، لاسيما وقد نبه على ذلك مخرجه البيهقي وشيخه الحاكم فقالا: " هذا باطل موضوع لا يجوز أن يذكر إلى على سبيل التعجب والقدح فيه، وقد روينا بالأسانيد الزاهرة عن مالك خلاف هذا ". نقلت هذا وسند الحديث وقول مغلطاي من " ما تمس إليه الحاجة لمن يطالع سنن ابن ماجه " للشيخ محمد عبد الرشيد النعماني (ص 48 - 49) وهو متعصب جدا للحنفية على أهل الحديث، ولا يعبأ بقواعدهم العلمية، ومما يدلك على هذا تعقبه لقول الحافظين المذكورين وحكمهما على الحديث بالبطلان، فقال: " قلت: تضعيف الحديث لا يثبت بمجرد الحكم، وإنما يثبت ببيان وجوه الطعن، وحديث ابن عمر هذا رجاله رجال الصحيح، فما أرى له ضعفا بعد ذلك، اللهم إلا أن يكون الراوي عن مالك مطعونا، لكن الأصل العدم، فهذا الحديث عندي صحيح لا محالة "!

قلت: هذا الكلام يدل على أحد شيئين: إما أن الرجل لا يعبأ بما هو مقرر عند المحدثين من القواعد، أو أنه جاهل بها، وغالب الظن أنه الأول، فمثله مما لا أظن يبلغ به الجهل إلى أن لا يعلم تعريف الحديث الصحيح عندهم، وهو " ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معلا "، وإذا كان الأمر كذلك فقوله ".... لا يثبت بمجرد الحكم.... " جهل منه أو تجاهل بشرط من شروط الحديث الصحيح، وهو عدم الشذوذ وقد أشار الحاكم والبيهقي إلى أن الحديث لم يسلم من الشذوذ وذلك قولهما: " فقد روينا بالأسانيد الزاهرة عن مالك خلاف هذا ".

قلت: فالحاكم والبيهقي لم يحكما على الحديث بالبطلان بمجرد الدعوى كما زعم النعماني، بل قرنا ذلك بالدليل لمن يريد أن يفهم، وهو الشذوذ، على أن هناك أدلة أخرى تؤيد الحكم المذكور على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ولولم يكن ثمة دليل على بطلان الحديث إلا وروده في كتاب الإمام مالك " الموطأ " (1 / 97) على خلاف هذا اللفظ لكفى، فكيف وقد رواه جمع كثير من المصنفين والرواة عن مالك على خلافه؟

__________

(1) الأصل " البراني " والصواب ما أثبته وهو بكسر الباء الموحدة وسكون الراء ثم مثناة فوقية نسبة إلى (برت) قرية بنواحي بغداد.

(2) الأصل " الخزار " والتصويب من " التقريب ".

 

(2/347)

 

 

فأخرجه البخاري (3 / 174) وأبو عوانة في " صحيحه (2 / 91) والنسائي (1 / 140 و161 - 162) والدارمي (1 / 285) والشافعي (رقم 199) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 131) وأحمد (4674 و5279) من طرق كثيرة عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذومنكبيه، إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما كذلك ". الحديث والسياق للبخاري عنه.

والواقع أن الحديث بهذا اللفظ المخالف لهذا الحديث الباطل متواتر عن مالك رحمه الله، فقد سرد ابن عبد البر أسماء من رواه عن مالك من الرواة فجاء عددهم نحوالثلاثين! وقد وافقه جماعة من الثقات في روايته عن ابن شهاب به. أخرجه البخاري (2 / 175 و176) ومسلم (2 / 6 و7) وأبو عوانة (2 / 90) أبو داود (1 / 114)) والترمذي (2 / 35) وابن ماجه (1 / 281) والطحاوي والدارقطني (ص 108) وكذا الشافعي (198) وأحمد (5081 و4540 و6345) من طرق كثيرة عن ابن شهاب به.

وتابع الزهري جابر وهو الجعفي قال: " رأيت سالم بن عبد الله رفع يديه حذاء منكبيه في الصلاة ثلاث مرات، حين افتتح الصلاة، وحين ركع، وحين رفع رأسه، قال جابر! فسألت سالما عن ذلك؟ فقال سالم رأيت ابن عمر يفعل ذلك، وقال ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ".

رواه الطحاوي وأحمد (5054) ، والجعفي ضعيف، لكن سكت على الحديث الطحاوي وكأن ذلك لطرقه. وتابع سالما نافع مولى ابن عمر: أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري في " صحيحه " (2 / 176) وفي " رفع اليدين " (ص 14) وأبو داود (1 / 118) والبيهقي (2 / 136) عن عبيد الله عنه، ورواه مالك (1 / 98 - 99) عن نافع به دون قوله " وإذا ركع رفع يديه " ودون الرفع عند القيام، ومن طريقه رواه الشافعي وأبو داود وتابعه أيوب عن نافع به المرفوع فقط، دون الرفع عند القيام. أخرجه البخاري في " جزئه " (17) والبيهقي (2 / 24 و70) وأحمد (5762) وتابعه صالح بن كيسان عن نافع به أخرجه أحمد (6164) . وتابع سالما أيضا محارب بن دثار قال: " رأيت ابن عمر يرفع يديه كلما ركع، وكلما رفع رأسه من الركوع، قال: فقلت له: ما هذا؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه ".

 

(2/348)

 

 

أخرجه أحمد (6328) بإسناد صحيح.

إذا عرف هذا فهذه الروايات والطرق الصحيحة عن ابن عمر رضي الله عنه تدل على بطلان هذا الحديث من وجوه:

الأول ما أشار إليه الحاكم والبيهقي من مخالفة راويه عن مالك لجميع من رواه عنه من الثقات على خلاف هذا الحديث وإثبات الرفع الذي نفاه، لاسيما وقد بلغ عددهم مبلغ التواتر كما سبق، ومخالفة الفرد لأقل منهم بكثير يجعل حديثه شاذ مردودا عند أهل العلم، فكيف وهم جمع غفير؟ !

الثاني: أن مالكا رحمه الله لوكان عنده علم بهذا الحديث المنسوب إليه لرواه في كتابه " الموطأ " وعمل به، وكل من الأمرين منفي، أما الأول، فلما سبق بيانه أنه روى فيه الحديث المخالف له بسنده هذا. والآخر أنه عمل بخلافه، وقال بمشروعية الرفع بعد الرفع في تكبيرة الإحرام كما حكاه عنه الترمذي في " سننه " (2 / 37) ولم يحك عنه خلافه، ونقل الخطابي والقرطبي أنه آخر قولي مالك وأصححها كما في " الفتح " (2 / 174) .

الثالث: أن ابن عمر رضي الله عنه كان يحافظ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: على الرفع المذكور كما سبق ذلك عنه صريحا، فلوكان هذا الحديث ثابتا عنه لما رفع وهو من أحرص أصحابه صلى الله عليه وسلم على اتباعه كما هو معلوم، كيف لا وقد صح عنه أنه كان إذا رأى رجلا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى! أخرجه البخاري في " رفع اليدين " (ص 8) وعبد الله بن الإمام أحمد في " مسائله عن أبيه " والدارقطني (108) بسند صحيح عنه (1) .

الرابع: أن الذي روى هذا الحديث عن ابن عمر إنما هو سالم ابنه - فيما زعموا - ومن الثابت عنه أنه كان يرفع يديه أيضا كما حكاه الترمذي أيضا عنه، وسبق ذلك في بعض الروايات عنه - فلوكان هذا الحديث مما رواه عن أبيه حقا لم خالفه أصلا، كما هو ظاهر. فدل ذلك كله على صحة قول الحاكم والبيهقي في الحديث: إنه باطل، وأن قول الشيخ النعماني: " فهذا الحديث عندي صحيح لا محالة " محال!

ومما سبق تعلم بطلان قول الشيخ المذكور عقب جملته المذكورة: " وغاية ما يقال فيه: أن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم حينا يرفع، فأخبر عن تلك الحالة، وأحيانا لا يرفع، وأخبر عن تلك الحالة، وليس في كل من حديثه ما يفيد الدوام والاستمرار على شيء معين منهما، ولفظ: " كان " لا يفيد الدوام إلا على سبيل الغالب ".

قلت: وهذا الجمع بين الروايتين، باطل أيضا، لأن الشرط في الجمع إنما هو ثبوت الروايتين، أما وإحداهما صحيحة، والأخرى باطلة، فلا يجوز الجمع حينئذ، وكيف يعقل أن الراوي الواحد يقول مرة: كان لا يرفع، وأخرى: كان يرفع، ولا يجمع هو نفسه بينهما في عبارة

__________

(1) وأما ما رواه الطحاوي (1 / 133) من طريق بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد قال صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة، فهو شاذ أيضا للخلاف المعروف في أبي بكر بن عياش. اهـ.

 

(2/349)

 

 

واحدة ولومرة واحدة؟ هذا مما لا نعرف له مثيلا في شيء من الأحاديث! وإنما يقال مثل هذا الجمع في روايتين صحيحتين عن صحابيين مختلفين،

مثل حديث ابن عمر هذا في الرفع وحديث ابن مسعود بمعنى هذا الحديث الباطل عن ابن عمر. فإن قال قائل: قد عرفنا بطلان هذا الحديث من الوجوه السابقة، فممن العلة فيه؟ هل هي من عبد الله بن عون الخراز الذي رواه عن مالك أم ممن دونه!

والجواب: أنه ليس في إسناده من يمكن الظن بأن الخطأ منه غير محمد بن غالب، وهو الملقب بـ (تمتام) فإنه وإن كان الدارقطني وثقه، فقد قال: " إلا أنه يخطىء، وكان وهم في أحاديث ". وقال ابن المناوي: " كتب عنه الناس، ثم رغب أكثرهم عنه لخصال شنيعة في الحديث وغيره ". فالظاهر أنه هو الذي أخطأ في هذا الحديث، فلعله من الأحاديث التي أشار إليها الدارقطني. وأما شيخه البرتي فهو ثقة ثبت حجة كما قال الخطيب (5 / 61) ، وكذا شيخ هذا وهو الخراز ثقة من رجال مسلم، فانحصرت الشبهة في (تمتام) . والله أعلم.

944 - " نهى أن يبول الرجل وفرجه باد إلى الشمس والقمر ".

باطل.

رواه الحكيم الترمذي في " كتاب المناهي " عن عباد بن كثير عن عثمان الأعرج عن الحسن: حدثني سبعة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبوهريرة، وجابر، وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين ومعقل بن يسار وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك يزيد بعضهم على بعض في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى.... قلت: فذكر حديثا طويلا جدا في النواهي، ساقه في " تنزيه الشريعة " بتمامه في نحوخمس صفحات! (2 / 397 - 401) ، وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه " التلخيص " (37) قطعة من أوله، هذا بعضه وقال: " وهو حديث باطل لا أصل له، بل هو من اختلاق عباد ".

وتبعه السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 199) ، ثم ابن عراق وقال: " وذكر النووي في " شرحه على المهذب " من هذا الحديث النهي عن استقبال الشمس والقمر، وقال: حديث باطل لا يعرف ". قلت: ومن الغرائب أن يذكر هذا الحكم الوارد في هذا الحديث الباطل في بعض كتب الحنابلة مثل " المقنع " لابن قدامة (1 / 25 - 26) و" منار السبيل " لابن ضويان (1 / 19) ، وقال هذا معللا: " تكريما لهما "! وفي حاشية الأول منهما: " لأنه روي أن معهما ملائكة، وأن أسماء الله مكتوبة عليها "! قلت: وهذا التعليل مما لا أعرف له أصلا في السنة، وكم كنت أود أن لا يذكر مثل هذا

 

(2/350)

 

 

الحكم وتعليله في مثل مذهب الإمام أحمد رحمه الله الذي هو أقرب المذاهب إلى السنة، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، فقد أصاب مذهبه من بعض أتباعه نحوما أصاب المذاهب الأخرى من الملحقات والبدعات. ولذلك كان لزاما على جميع الأتباع الرجوع إلى السنة الصحيحة، وهذا لا سبيل إليه إلا بدراسة هذا العلم الشريف، ولعلهم يفعلون.

ومما يبطل هذا الحكم حديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعا: " لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول ولكن

شرقوا أو غربوا ". أخرجه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (رقم 7) ، وذلك أن قوله: " ولكن شرقوا أو غربوا " صريح في جواز استقبال القمرين واستدبارهما إذ لابد أن يكونا في الشرق أو الغرب غالبا. ويبطله أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة ". أخرجه الطحاوي والبخاري مختصرا كما بينته في " الأحاديث الصحيحة " (123) . قلت: فهذا يبطل تعليل ابن ضويان، فإن إلقاءهما في النار وإن لم يكن تعذيبا لهما، فليس من باب إكرامهما كما هو ظاهر لا يخفى!

945 - " كان يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال ".

منكر.

رواه أبو داود (1 / 201) من طريق ابن إسحاق عن محمد بن عمرو عن عطاء عن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان.... الحديث. قلت: وهذا سند ضعيف رجاله ثقات كلهم، لكن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه، وقد صح ما يعارض حديثه هذا، وهو ما أخرجه أحمد (6 / 125) عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: " سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر؟ فقالت: صل، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومك أهل اليمن عن الصلاة إذا طلعت الشمس ". قلت: وسنده صحيح على شرط مسلم. ووجه المعارضة واضح منه، وهو قولها " صل " فلوكان عندها علم بالنهي الذى رواه ابن إسحاق عنها لما أفتت بخلافه إن شاء الله تعالى، بل لقد ثبت عنها أنها كانت تصلي بعد صلاة العصر ركعتين، أخرجه البخاري (3 / 82) ومسلم (2 / 210) . فهذا كله يدل على خطأ حديث ابن إسحاق ونكارته. وهذا من جهة الصلاة، وأما من حيث الوصال، فالنهي عنه صحيح ثابت في الصحيحين وغيرهما عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إن الحديث يخالف من جهة ثانية حديث أم سلمة المشار إليه، فإن فيه؟ :

 

(2/351)

 

 

" فقالت أم سلمة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما (تعني الركعتين بعد العصر) ثم رأيته يصليهما، أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية، فقلت: قومي بجنبه فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما، فإن أشار بيده، فاستأخري عنه، قال: ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف، قال: يا بنت أبي أمية! سألت عن الركعتين بعد العصر، إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان ".

ووجه المخالفة هو أن النهي عن الصلاة بعد العصر في الحديث متأخر عن صلاته صلى الله عليه وسلم بعدها، وفي حديث أم سلمة أن النهي متقدم وصلاته بعده متأخر، وهذا مما لا يفسح المجال لادعاء نسخ صلاة الركعتين بعد العصر، بل إن صلاته صلى الله عليه وسلم إياهما دليل عن تخصيص النهي السابق بغيرهما، فالحديث دليل واضح على مشروعية قضاء الفائتة لعذر، ولو كانت نافلة بعد العصر، وهو أرجح المذاهب، كما هو مذكور في المبسوطات.

والحديث سكت عليه الحافظ في " الفتح " (2 / 51) وتبعه الصنعاني في " سبل السلام " (1 / 171) ثم الشوكاني في " نيل الأوطار " (3 / 24) وسكوتهم الموهم صحته هو الذي حملني على تحرير القول فيه والكشف عن علته، والله الموفق. ثم رأيت ابن حزم ذكره (2 / 265) من طريق أبي داود ولم يضعفه، بل صنيعه يشعر بصحته عنده، فإنه أجاب عنه (2 / 268) بما يتعلق به من جهة دلالته ووفق بينه وبين ما يعارضه من جواز الركعتين بعد العصر عنده، ولو كان ضعيف لضعفه وما قصر، ولكنه قد قصر! ورأيت أبا الطيب الشهير بشمس الحق العظيم آبادي قد تنبه في كتابه " إعلام أهل العصر، بأحكام ركعتي الفجر " (ص 55) لعلة أخرى في الحديث فقال: " وهذا معارض بما أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عائشة أنها قالت: وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها، فإنما مفاد كلامه في رواية ذكوان (يعني في حديث ابن إسحاق) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر، ومفاد كلامها في رواية طاووس أن النهي يتعلق بطلوع الشمس وغروبها، لا يرفع صلاة الفجر والعصر ". قلت: وهذه معارضة أخرى تضاف إلى المعارضتين السابقتين، وهي مما تزيد الحديث ضعفا على ضعف.

946 - " قدم علي مال فشغلني عن الركعتين كنت أركعهم بعد الظهر، فصليتهما الآن، فقلت: يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا ".

 

(2/352)

 

 

منكر.

رواه أحمد (6 / 315) الطحاوي (1 / 180) وابن حبان في " صحيحه " (623) عن يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن أم سلمة قالت: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، ثم دخل بيتي فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليهما، فقال: فذكره.

وهذا سند ظاهره الصحة، ولكنه معلول، فقال ابن حزم في " المحلى " (2 / 271) : " حديث منكر، لأنه ليس هو في كتب حماد بن سلمة، وأيضا فإنه منقطع لم يسمعه ذكوان من أم سلمة، برهان ذلك أن أبا الوليد الطيالسي روى هذا الخبر عن حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن عائشة عن أم سلمة أن " النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها ركعتين بعد العصر فقلت: ما هاتان الركعتان؟ قال: كنت أصليهما بعد الظهر، وجاءني مال فشغلني، فصليتهما الآن "، فهذه هي الرواية المتصلة وليس فيها: " أفنقضيهما نحن؟ قال: لا "، فصح أن هذه الزيادة لم يسمعها ذكوان من أم سلمة، ولا ندري عمن أخذها، فسقطت ".

قلت: ورواية أبو الوليد عبد الملك بن إبراهيم التي علقها ابن حزم وصلها الطحاوي (1 / 178) . وتابع أب الوليد عبد الملك بن إبراهيم الجدي: حدثنا حماد بن سلمة به دون الزيادة. أخرجه البيهقي (2 / 475) . ونقل الحافظ في " التلخيص " (70) عنه أنه ضعف الحديث بهذه الزيادة، ونص كلام البيهقي وهو في كتابه " المعرفة

" كما نقله صاحب " إعلام أهل العصر " (ص 55) : " ومعلوم عند أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث يرويه حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن عائشة عن أم سلمة دون هذه الزيادة، فذكوان إنما حمل الحديث عن عائشة، وعائشة حملته عن أم سلمة، ثم كانت ترويه مرة عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وترسله أخرى، وكانت ترى مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، وكانت تحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أثبتهما، قالت: " وكان إذا صلى صلاة أثبتها ". وقالت: " ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عندي بعد العصر قط "، وكانت تروي أنه " كان يصليهما في بيوت نسائه ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته، وكان يحب ما خفف عنهم " فهذه الأخبار تشير إلى اختصاصه بإثباتهما، لا إلى أصل القضاء. هذا وطاووس يروي أنها قالت: " وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها ".

وكأنها لما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبتهما بعد العصر ذهبت في النهي هذا المذهب، ولوكان عندها ما يرو ون عنها في رواية ذكوان وغيره من الزيادة في حديث القضاء لما وقع هذا الاشتباه، فدل على خطأ تلك اللفظة، وقد روي عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال ". وهذا يرجع إلى استدامته لهما لا أصل القضاء ". قلت: والتأويل فرع التصحيح، وحديث محمد بن عمرو هذا لا يصح إسناده كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله، فتنبه.

 

(2/353)

 

 

947 - " استقبلوا بمقعدتي القبلة ".

منكر.

أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 143) وابن ماجه (1 / 136) والطحاوي (2 / 336) والدارقطني (22) والطيالسي (1 / 46 - من ترتيبه) وأحمد (6 / 137 و219) وابن عساكر (5 / 537 / 1) من طريق موسى ووكيع وبهز ويحيى بن إسحاق وأسد بن موسى خمستهم عن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك ابن مالك عن (وقال موسى سمعت) عائشة قالت: " ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يكرهو ن أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: أراهم قد فعلوها؟ ! (وفي لفظ: أو قد فعلوها؟ !) استقبلوا.... " الحديث.

قلت: وهذا سند ضعيف وفيه علل كثيرة:

الأولى: الاختلاف على حماد بن سلمة.

الثانية: الاختلاف على خالد الحذاء وهو ابن مهران.

الثالثة: جهالة خالد بن أبي الصلت. الرابعة: مخالفته للثقة.

الخامسة: الانقطاع بين عراك وعائشة.

السادسة: النكارة في المتن.

العلة الأولى الاختلاف على حماد بن سلمة، فرواه الخمسة الذين سميناهم عنه خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك عنها، وخالفهم أبو كامل اسمه الفضيل بن حسين فقال: حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت أن عراك بن مالك حدث عن عمر بن عبد العزيز أن عائشة قالت ... الحديث، فأدخل عمر بن عبد العزيز. أخرجه أحمد (6 / 227) . وخالفهم يزيد بن هارون، فقال: أنبأنا حماد عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فذكروا الرجل يجلس على الخلاء فيستقبل القبلة، فكرهو اذلك، فحدث عن عراك بن مالك عن عائشة، فجعل عمر بن عبد العزيز بين ابن أبي الصلت وعراك. أخرجه أحمد (6 / 239) : حدثنا يزيد به. وخالفه علي بن شيبة فقال: حدثنا يزيد ابن هارن ... فساق سنده مثل رواية الخمسة عن حماد إلا أنه زاد في الإسناد فقال: " فحدث عراك عن عروة بن الزبير عنها، فأدخل بينه وبينها عروة بن الزبير! أخرجه الطحاوي (2 / 336) .

قلت: فهذا اختلاف شديد على حماد، ولعل الأرجح الوجه الأول، لاتفاق الجماعة عليه، مع احتمال أن يكون حماد نفسه مصدر الاختلاف، فقد كان يخطىء أحيانا.

 

(2/354)

 

 

الثانية وهي الاختلاف على خالد الحذاء فهو على وجوه: الأول: قال أبو عوانة ويحيى بن مطر والقاسم بن مطيب ثلاثتهم عن خالد الحذاء عن عراك بن مالك عن عائشة. أخرجه الدارقطني. الثاني: عن عبد الوهاب الثقفي عن

خالد عن رجل عن عراك عنها فزاد رجلا بين الحذاء وعراك أخرجه أحمد (6 / 183) والدارقطني. وتابعه وهيب عن خالد به. رواه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 143) . الثالث: عن علي بن عاصم: حدثنا خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز في خلافته وعنده عراك بن مالك، فقال عمر: ما استقبلت القبلة ولا استدبرتها ببول ولا غائط منذ كذا وكذا، فقال عراك: حدثتني عائشة.... أخرجه الدارقطني وأحمد (6 / 184) والبيهقي (1 / 92 - 93) وقال: " تابعه حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في إقامة إسناده ".

قلت: يعني رواية حماد المتقدمة من رواية الجماعة عنه، وإلا فقد اختلفوا عليه كما سبق بيانه، وقال الدارقطني: " هذا أضبط إسناد، وزاد فيه خالد بن أبي الصلت، وهو الصواب ". قلت: وتابعه عبد العزيز بن المغيرة عن خالد الحذاء به، لكنه لم يصرح بسماع عراك من عائشة أخرجه أبو الحسن القطان في " زيادته على ابن ماجه " (1 / 136) . قلت: وهذا الوجه من الاختلاف على خالد الحذاء أرجح لاتفاق علي بن عاصم - على ضعف فيه لسوء حفظه - وعبد العزيز بن المغيرة عليه، ومتابعة حماد بن سلمة لهما في رواية الجماعة عنه كما تقدم. فهذا الاضطراب في إسناد الحديث وإن كان من الممكن ترجيح الوجه الأخير منه كما ذكرنا، فإنه لشدته لا يزال يبقى في النفس منه شيء، وعلى التسليم بهذا الترجيح يظهر فيه علة أخرى وهي: الثالثة: جهالة خالد بن أبي الصلت، وذلك أنه لم يكن مشهورا بالعدالة، ولا معروفا بالضبط، عند علماء الجرح والتعديل، فأورده ابن أبي حاتم (1 / 336 - 337) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، بل صرح الإمام أحمد بجهالته فقال: " ليس معروفا ". وقال عبد الحق الإشبيلي: " ضعيف ". ولعله يعني بسبب جهالته. وقال الذهبي في " الميزان " وقد ساق له هذا الحديث:

 

(2/355)

 

 

" لا يكاد يعرف، تفرد عنه خالد الحذاء، وهذا منكر، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وما علمت أحد تعرض إلى لينه، ولكن الخبر منكر ". قلت: ولعل الذهبي أراد بقوله: " وما علمت ... " يعني من القدامى، وإلا فقد ضعفه عبد الحق كما سبق، وأما توثيق ابن حبان إياه، فمما لا يقام له وزن - وإن اغتر به بعض المتقدمين والمعاصرين كما يأتي - لما عرف أنه متساهل في التوثيق، وقد بينت ذلك في " الرد على التعقيب الحثيث "، وهذا إذا انفرد بالتوثيق ولم يخالف، فكيف إذا خالف؟ وقال ابن حزم في " المحلى " (1 / 196) : " حديث ساقط وخالد بن أبي الصلت مجهول لا يدرى من هو؟ ". وفي " التهذيب ": " وتعقب ابن مفوز كلام ابن حزم فقال: هو مشهور بالرواية، معروف، بحمل العلم، ولكن حديثه معلول ". قلت: وهذا القدر من الوصف لا يقتضي أن يكون الموصوف ثقة ضابطا إلا عند بعض المتساهلين، فكم من المعروفين بحمل العلم والرواية لا يحتج بهم إما للجهالة بضبطهم وحفظهم أولظهور ضعفهم، ولذلك نجد الحافظ ابن حجر الذي من كتابه " التهذيب " نقلت التعقب المذكور لم يتبنه، فلم يوثقه في " التقريب " بل قال فيه: " مقبول " أي عند المتابعة، وإلا فلين الحديث، كما نص عليه في المقدمة.

إذا عرفت ذلك، فمن كان حاله ما ذكرنا من الجهالة فحري بحديثه أن لا يحتج به، وهذا إذا لم يخالف الثقات، فكيف مع المخالفة؟! وهذه علة أخرى وهي:

الرابعة: مخالفة ابن أبي الصلت للثقة، وهو جعفر بن ربيعة، فقد رواه عن عراك عن عروة عن عائشة أنها كانت تنكر قولهم، لا تستقبل القبلة. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 143) وابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 29) وابن عساكر (5 / 237 / 1) . وقال البخاري: " وهذا أصح ". وكذا قال ابن عساكر. وقال ابن أبي حاتم: " سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت ... (قلت: فذكره، ثم قال:) قال أبي: فلم أزل أقفوأثر هذا الحديث، حتى كتبت بمصر عن.... جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة موقوف، وهذا أشبه ".

قلت: ولا يشك حديثي أن ترجيح هؤلاء الأئمة الثلاثة وقف الحديث هو الصواب، ذلك لأن الذي أوقفه إنما هو جعفر بن عراك، وهو ثقة اتفاقا، وقد احتج به الشيخان، بينما الذي خالفه وهو خالد بن أبي الصلت لم يوثقه أحد من الأئمة المعروفين والموثوق بتوثيقهم، ولو سلمنا. لا أن توثيق ابن حبان المتقدم مما يعتد به فهل من المعقول أن ترجح رواية من وثقه هو وحده.... آخرون على رواية من وثقه الجماعة من الأئمة، واحتج به الشيخان؟ !

 

(2/356)

 

 

وإذا تبين لك ما ذكرنا تعرف سقوط تعقب البوصيري للإمام البخاري بقوله في " الزوائد " (ق 25 / 1) : " وهذا الذي علل به البخاري ليس بقادح، فالإسناد الأول حسن (1) ، رجاله ثقات معرفون، وقد أخطأ من زعم أن خالد بن أبي الصلت مجهول، وأقوى ما أعل به هذا الخبر أن عراكا لم يسمع من عائشة، نقلوه عن الإمام أحمد، وقد ثبت سماعه منها عند مسلم ".

قلت: والجواب على هذا من وجوه: الأول: أن المخالفة التي أعل البخاري الحديث بها لم يجب عنها البوصيري بشيء عنها أصلا، إلا مجرد الدعوى " ليس بقادح "! مع أنه ساق كلامه للرد عليه، فانصرف عنه إلى الرد على غيره! وذلك دليل على ضعف رده وسلامة الحجة عند المردود عليه!

الثاني: أن رجال الإسناد كلهم ثقات رجال مسلم غير ابن أبي الصلت فإن كان ثقة فلماذا اقتصر البوصيري على تحسين الإسناد ولم يصححه؟ ! أليس في هذا وحده ما يدل على أن في ابن أبي الصلت شيئا يمنع حتى الموثقين له من تصحيح حديثه! فما هو هذا الشيء؟ ليس هو إلا عدم الاطمئنان لتوثيق ابن حبان، وإن تظاهروا بالاعتداد بتوثيقه! الثالث: جزمه بخطإ من جهل ابن أبي الصلت مردود عليه بما سبق بيانه في العلة (الثالثة) ، فأغنى عن

الإعادة. الرابع: دعواه أن الانقطاع الذي ذكره هو أقوى ما أعل به الحديث، ليس مسلما عندي، بل الأقوى هو المخالفة التي لم يستطع الإجابة عنها، ثم الجهالة.

الخامس: أن رده للانقطاع بقوله: " ثبت سماعه منه عند مسلم "، خطأ مبني على خطأ، وذلك أنه ليس عند مسلم ما زعمه من سماع عراك من عائشة، وما علمت أحدا سبقه إلى هذا الزعم، وإنما ذكر الشيخ ابن دقيق العيد أن مسلما أخرج في " صحيحه " حديث عراك عن عائشة: " جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ... " الحديث (2) ، نقله الزيلعي في " نصب الراية " (2 / 107) ، وليس فيه السماع المدعى كما ترى. السادس: أنه لوفرضنا أن عراكا سمع من عائشة بعض الأحاديث، فلا يلزم من ذلك أنه سمع منها كل حديث يروى من طريقه عنها، لاحتمال عدم ثبوت السند بذلك عنه، كما هو الشأن في هذا الحديث، وهذه علة أخرى فيه وهي:

الخامسة: الانقطاع بين عراك وعائشة، والدليل على ذلك مجموع أمرين:

1 - أن أكثر الروايات التي سبق ذكرها لم يقع فيها تصريح عراك بالسماع من عائشة.

__________

(1) سبقه إلى تحسينه النووي، ثم تبعهما الصنعاني في " سبل السلام " (1 / 116) وفي " العدة شرح العمدة " (1 / 131) أيضا لكنه عقب ذلك بقوله " إلا أنه أشار البخاري في تاريخه إلى أن فيه علة ".

(2) وهو في مسلم (8 / 38) وتمامه " فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منها تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها قد ذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أو جب لها الجنة، أو أعتقها من النار ".

 

(2/357)

 

 

وإنما وقع في رواية علي بن عاصم وهو ضعيف الحفظ كما سبق، وقول الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المحلى " (1 / 197) وقد تابعه على ذلك حماد بن سلمة فارتفعت شبهة الغلط "، ليس مسلما، لأن هذه المتابعة مشكوك في ثبوتها، فإن كل ما رواه عن حماد لم يصرح بالسماع سوى موسى وهو التبوذكي، وأما الثقات الآخرون فرووه معنعنا، وهم وكيع ابن الجراح وبهز بن أسد ويحيى ابن إسحاق وأسد بن موسى ويزيد بن هارون في رواية عنه، وعبد العزيز بن المغيرة، كلهم قالوا: " عن عائشة " وروايتهم أرجح من رواية الفرد ولوكان ثقة، مع أنه يمكن أن تكون المخالفة ليست منه بل من حماد نفسه، لما سبق ذكره من أنه كان يخطىء أحيانا، فكان في الغالب يرويه معنعنا، فحفظ ذلك منه الجماعة، ونادرا يرويه بالسماع فحفظ ذلك منه موسى، وهذا اضطراب من حماد نفسه، كما كان يضطرب في إسناده على ما سبق بيانه.

ومما يرجح رواية العنعنة، رواية جماعة آخرين لها مثل أبي عوانة ويحيى بن مطر والقاسم بن مطيب وعبد الوهاب الثقفي ووهيب عن خالد الحذاء على خلاف بينهم وبين الجماعة الأولى كلهم أجمعوا على روايته بالعنعنة. فهؤلاء عشرة أشخاص وزيادة رووه بالعنعنة فلا يشك كل من وقف عليها أنها هي الصواب، وأن رواية السماع منكرة أو شاذة، وقد صرح بهذا الإمام أحمد فقال إبراهيم بن الحارث: " أنكر أحمد قول من قال: عن عراك سمعت عائشة، وقال: عراك من أين سمع من عائشة ".

وقال أبو طالب عن أحمد: " إنما هو عراك عن عروة عن عائشة، ولم يسمع عراك منها " وذكر ابن أبي حاتم في " المراسيل " (ص 103 - 104 - طبع بغداد) بعد أن ساق الحديث أن الإمام أحمد قال: " مرسل، عراك بن مالك من أين سمع عن عائشة، إنما يروي عن عروة، هذا خطأ، ثم قال: من يروي هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، فقال: قال غير واحد: عن خالد الحذاء ليس فيه سمعت وقال غير واحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه سمعت ".

فقد أشار الإمام أحمد رحمه الله إلى أن ذكر السماع غير محفوظ عن حماد من جهة، ولا عن خالد الحذاء من جهة أخرى، وذلك ما فصلناه آنفا. ولو أن الذين خالفوا الإمام أحمد ورجحوا رواية السماع تأملوا في كلامه ثم تتبعوا الروايات التي ذكرناها لما أقدموا إن شاء الله على مخالفته، لأن الحجة الواضحة معه، ولكنه رحمه الله اكتفى بالإشارة إليها وقد فصلناه لك تفصيلا لا يدع مجالا للشك في خطإ المخالفين، وقال موسى بن هارون: " لا نعلم لعراك سماعا من عائشة ". وليس من السهل في نظر الباحث المحقق تخطئة هذين الإمامين، كما فعل المعلق على " المحلى "، ومن قبله البوصيري بمجرد ذكر السماع في بعض الروايات مع شذوذها، ثم هي

 

(2/358)

 

 

كلها مدارها على خالد بن أبي الصلت الذي لا دليل عندنا على ثقته وضبطه كما سبق، وما يدرينا ولعل هذا الاختلاف عنه في السماع والعنعنة إنما هو منه، وذلك دليل على تردده وعدم حفظه، ويؤيد هذا ما يأتي:، وهو: الأمر الثاني: أن جعفر بن ربيعة قد خالف خالد بن أبي الصلت، فأدخل بين عراك وعائشة عروة، كما تقدم وهو أرجح من وجهين: أولا: أن جعفر بن أبي ربيعة أو ثق من ابن أبي الصلت كما تقدم بيانه. ثانيا: أن روايته موافقة لبعض الروايات عن خالد وهي رواية يزيد بن هارون عن حماد ابن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت

عن عراك عن عروة بن الزبير عنها. أخرجه الطحاوي كما تقدم، فهذا يؤكد وهم ابن أبي الصلت أو بعض من دونه في ذكر السماع من عراك لعائشة. وقد خالف جعفر خالدا في موضع آخر من السند وهو أنه أوقفه ولم يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق بيان ذلك في العلة (الرابعة) .

العلة السادسة: النكارة. وقد بقي الكلام على العلة الأخيرة وهي السادسة، وهي النكارة في المتن، وبيان ذلك في ما يأتي: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهى أصحابه عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط نهيا عاما لم يقيده بالصحراء، فإذا روي في حديث ما كهذا الذي نحن في صدد الكلام عليه أن الصحابة كرهو ااستقبال القبلة، فما يكون ذلك منهم إلا اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعا يستحقون عليه الأجر والمثوبة، لأنهم على أقل الدرجات مجتهدون مخطئون مأجرون أجرا واحدا، وسبب خطئهم عملهم بالنص على عمومه، أو عملهم بالمنسوخ الذي لم يعرفوا نسخه، وأي الأمرين فرض، فلا يعقل أن ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه طاعتهم إياه فيما كان نهاهم عنه قبل أن يبلغهم النص المخصص أو الناسخ، كيف وهو المعروف بتلطفه مع أصحابه في تأديبهم وتعليمهم، كما يدل على ذلك سيرته الشريفة معهم، كحديث الأعرابي الذي بال في المسجد، وحديث معاوية بن الحكم السلمي الذي تكلم في الصلاة جاهلا، وغير ذلك مما هو معروف، فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم نكارا شديدا مع أنهم فعلوا أشياء لم يسبق أن جوزها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما في هذا الحديث فهو ينكر عليهم أشد الإنكار عملهم، وما هو؟ كراهيتهم لاستقبال القبلة، التي كانوا تلقوها عنه صلى الله عليه وسلم، فهل يتفق هذا الإنكار مع هديه صلى الله عليه وسلم في التلطف في الإنكار؟ كلا ثم كلا، بل لوأراد صلى الله عليه وسلم أن يبدل شيئا من الحكم السابق أو أن ينسخه من أصله لقال لهم كما قال في أمثاله: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الأو عية فانتبذوا، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ألا فادخروها ". أخرجه مسلم وغيره وهو مخرج في " الصحيحة " (2048) .

 

(2/359)

 

 

فلو أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استمروا على العمل بهذا النهي لعدم بلوغ الرخصة إليهم، أفكان ينكر صلى الله عليه وسلم عليهم أم يكتفي بتعليمهم؟ لا شك أن الجواب إنما هو تعليمهم فقط، فكذلك الأمر في كراهة الاستقبال، كان يكتفي معهم بتعليمهم، وأما أن ينكر عليهم بقوله " أو قد فعلوها " فإنه شيء

ثقيل لا أكاد أتخيل صدوره منه صلى الله عليه وسلم، وقد أراحنا الله تعالى من التصديق به بعد أن علمنا ثبوته بالطريق التي أقام الحجة بها على عباده في تعريفهم بتفاصيل شريعته، وأعني الإسناد. واعلم أن كلامنا هذا إنما هو قائم على أساس ما ذهب إليه بعض العلماء من الاستدلال بالحديث على نسخ النهي عن استقبال القبلة، وأما على افتراض أنه كان قبل النهي عن استقبال القبلة فلا يرد الاستنكار المذكور، وعليه حمل ابن حزم الحديث على فرض صحته فقال (1 / 197 - 198) : " ثم لوصح لما كان لهم فيه حجة، لأن نصه يبين أنه إنما كان قبل النهي، لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن استقبال القبلة بالبول والغائط، ثم ينكر عليهم طاعته في ذلك المجال، هذا ما لا يظنه مسلم ولا ذوعقل، وفي هذا الخبر إنكار ذلك عليهم، لوصح لكان

منسوخا بلا شك ". قلت: لكن يرد على هذا الافتراض أنه يبعد أن يكره الصحابة شيئا دون توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، وافتراض ثبوت ذلك عنهم فيه إساءة الظن بهم وأنهم يشرعون بآرائهم، وهذا ما لا يجوز أن نظنه بهم، ولذلك فالحديث كيف ما أول فهو منكر عندي. والله أعلم.

948 - " إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة، أو إذخرة. (يعني المني) ".

منكر مرفوعا.

رواه الدارقطني (46) والبيهقي (2 / 418) من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق: أخبرنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب؟ قال: " فذكره، وقال الدارقطني: " لم يرو هـ غير إسحاق الأزرق عن شريك (يعني مرفوعا) ، محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ثقة في حفظ شيء ". وقال البيهقي: " ورواه وكيع عن ابن أبي ليلى موقوفا على ابن عباس، وهو الصحيح ".

قلت: وهذا وصله الدارقطني: حدثنا محمد بن مخلد: أخبرنا الحساني: أخبرنا وكيع به. ويرجح هذا أنه ورد موقوفا من طريقين آخرين عن عطاء، فقال الشافعي في " سننه " (1 / 24) : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن جريج كلاهما يخبره عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في المني يصيب الثوب، قال:

 

(2/360)

 

 

" أمطه عنك - قال أحدهما - بعود أو إذخرة، فإنما هو بمنزلة البصاق والمخاط ".

قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البيهقي من طريق الشافعي ثم قال: " هذا صحيح عن ابن عباس من قوله، وقد روي مرفوعا، ولا يصح رفعه ". قلت: وجملة القول أن المرفوع فيه ثلاث علل: الأولى: ضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى كما أشار إلى ذلك الدارقطني بقوله " في حفظه شيء " على تسامح منه في التعبير!

الثانية: ضعف شريك أيضا وهو ابن عبد الله القاضي، وأستغرب من الدارقطني سكوته عنه هنا، مع أنه قال فيه وقد ساق له حديث وضع الركبتين قبل اليدين عند الهو ي للسجود: " وشريك ليس بالقوي فيما تفرد به ". (انظر الحديث المتقدم 929) .

الثالثة: تفرد إسحاق الأزرق بروايته عن شريك مرفوعا، وهو - أعني الأزرق - وإن كان ثقة، فقد خالفه وكيع وهو أو ثق منه، ولذلك رجح روايته البيهقي كما تقدم، لكن يبدو لي أن الراجح صحة الروايتين معا عن شريك، الموقوفة والمرفوعة، وأن هذا الاختلاف إنما هو من شريك أو شيخه ابن أبي ليلى، لما عرفت من سوء حفظهما، فهذا الإعلال أولى من تخطئة إسحاق الأزرق الثقة، وهذا أولى من نصب الخلاف بين الثقتين كما فعل البيهقي من جهة، وابن الجوزي من جهة أخرى، أما البيهقي فقد رجح رواية وكيع على إسحاق، وعكس ذلك ابن الجوزي فقال بعد أن ذكر قول الدارقطني " لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك ": " قلنا إسحاق إمام مخرج عنه في " الصحيحين "، ورفعه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ومن وقفه لم يحفظ ".

كذا قال: وقد عرفت أن الصواب تصحيح الروايتين وأن كلا من الثقتين حفظ ما سمع من شريك، وأن هذا أو شيخه هو الذي كان يضطرب في رواية الحديث عن عطاء، فتارة يرفعه، وتارة يوقفه، فسمع الأزرق منه الرفع

، وسمع وكيع منه الوقف، وكل روى ما سمع، وكل ثقة.

ومن العجيب أن ابن الجوزي يتغافل عن العلتين الأوليين، ويجادل في العلة الثالثة، وقد عرفت ما في كلامه فيها، ولوسلم له ذلك، فلم يسلم الحديث من العلتين، وأعجب من ذلك أن العلة الأولى قد نبه عليها الدارقطني في جملته التي ذكرنا عنه في أول هذا التحقيق، فلما نقلها ابن الجوزي عنه اقتصر منها على الشطر الأول الذي فيه إعلال الحديث بالوقف، ولم يذكر الشطر الثاني الذي فيه الإشارة إلى العلة الأولى وهي ضعف ابن أبي ليلى! وهذا شيء لا يليق بأهل التحقيق والعلم.

ومن الأوهام حول هذا الحديث قول الإمام الصنعاني - في " العدة على شرح العمدة " (1 / 404) :

 

(2/361)

 

 

" ثبت عنه (يعني ابن عباس) مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه بمنزلة البصاق والمخاط.... أخرجه الدارقطني من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق: حدثنا شريك.... ". ثم أعاده قائلا (1 / 405) : " وإسناده صحيح كما قال ابن القيم في (بدائع الفوائد) " (1) .

قلت: وهذا هو السبب الذي دفعني إلى كتابة هذا التحقيق حول هذا الحديث، وبيان أن رفعه وهم وإن كان ما تضمنه من الحكم على المني بالطهارة هو الصواب، وحسبنا في ذلك جزم ابن عباس رضي الله عنه بأنه بمنزلة المخاط والبصاق، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، ولا ما يعارضه من الكتاب والسنة، وقد حقق القول في المسألة ابن قيم الجوزية في المصدر السابق تحت عنوان " مناظرة بين فقيهين في طهارة المني ونجاسته " (3 / 119 - 126) وهو بحث هام جدا في غاية التحقيق.

949 - " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة (2) فقال لنا: أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ".

ضعيف بهذا السياق.

أخرجه ابن ماجة (1 / 232) وابن أبي حاتم في " العلل " (رقم 376 و378) وابن حبان في " صحيحه " (269 - موارد) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 111) والبيهقي (1 / 439) وأحمد (4 / 250) من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة قال: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف، علته شريك وهو بن عبد الله القاضي وهو ضعيف لسوء حفظه كما تقدم آنفا، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطيء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ".

قلت: ومن ذلك تعلم أن قول الحافظ في " الفتح " (2 / 13) : " رجاله ثقات، رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان "، وهم أو تساهل منه، وإن قلده فيه الصنعاني في " العدة " (2 / 485) ، وأشد منه في الوهم قول البوصيري في " الزوائد " (ق 46 / 1) : " إسناده صحيح، ورجاله ثقات "!! وليت شعري كيف يكون ثقة صحيح الإسناد وفيه من كان يخطيء كثيرا، وهو معروف بذلك لدى أهل العلم؟! ولاسيما وقد اضطرب في إسناد هذا الحديث، فرواه مرة هكذا، ومرة قال: " عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ".

__________

(1) البدائع (3 / 123) . اهـ.

(2) الهاجرة اشتداد الحر في نصف النهار

 

(2/362)

 

 

رواه على الوجهين أبو حاتم الرازي، فقال ابنه (1 / 136 / 378) : " سمعت أبي يقول: سألت يحيى بن معين وقلت له: حدثنا أحمد بن حنبل بحديث إسحاق الأزرق عن شريك عن بيان ... (قلت: فذكره ثم قال:) وذكرته للحسن بن شاذان الواسطي فحدثنا به، وحدثنا أيضا عن إسحاق عن شريك عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: بمثله؟ قال يحيى: ليس له أصل إني (1) نظرت في كتاب إسحاق فليس فيه هذا. قلت لأبي: فما قولك في حديث عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: الذي أنكره يحيى؟ قال هو عندي صحيح وحدثنا به أحمد ابن حنبل بالحديثين جميعا عن إسحاق الأزرق. قلت لأبي: فما بال يحيى نظر في كتاب إسحاق فلم يجده؟ قال: كيف؟ نظر في كتابه كله؟ ! إنما نظر في بعض وربما كان في موضع آخر ". فقد حكم أبو حاتم على الحديث بالصحة من رواية شريك بسنده عن أبي هريرة خلافا لما يوهمه صنيع الحافظ في " التلخيص " (67) أنه صحح حديث المغيرة، والسياق المذكور من كلام أبي حاتم يشهد لما ذكرنا.

ويؤيده أن أبا حاتم أعل الطريق الأولى. فقد قال ابن أبي حاتم (1 / 136 / 376) بعد أن ساقها: " ورواه أبو عوانة عن طارق عن قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب قال: أبردوا بالصلاة. قال ابن أبي حاتم عن أبيه: "

أخاف أن يكون هذا الحديث (يعني الموقوف على عمر) يدفع ذاك الحديث.

قلت: فأيهما أشبه؟ قال: كأنه هذا، يعني حديث عمر قال أبي في موضع آخر: لو كان عند قيس عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج أن يفتقر إلى أن يحدث عن عمر موقوفا ". وقد ذكر الحافظ في " التلخيص " عن ابن معين نحوما ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه فقال: " وأعله ابن معين بما روى أبو عوانة عن طارق عن قيس عن عمر موقوفا. وقال: لوكان عند قيس عن المغيرة مرفوعا لم يفتقر إلى أن يحدث به عن عمر موقوفا، وقوى ذلك عنده أن أبا عوانة أثبت من شريك ".

قلت: وهذا هو الذي تقتضيه القواعد العلمية أن الحديث معلول بتفرد شريك به ومخالفته لمن هو أثبت منه، فلا وجه عندي لتصحيح الحديث كما فعل أبو حاتم، وقال الحافظ قبيل ما نقلنا عنه آنفا! " وذكر الميموني عن أحمد أنه رجح صحته " وفي " طرح الترتيب " للحافظ العراقي (2 / 154) : " وذكر الخلال عن الميموني أنهم ذاكروا أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حديث المغيرة بن شعبة، فقال: أسانيد جياد، قال وفي رواية غير الميموني (2) : وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإبراد ".

__________

(1) قلت: الأصل (إنما) ولعل الصواب ما أثبتنا. اهـ.

(2) يعني عن الإمام أحمد من قوله، وليس رواية في الحديث كما توهم البعض على ما يأتي التنبيه عليه.

 

(2/363)

 

 

فهذا النقل عن الإمام أحمد غريب عندي لقوله " أسانيد جياد " مع أنه ليس له إلا إسناد واحد كما يفيده قول الحافظ ابن حجر: " تفرد به إسحاق الأزرق عن شريك ... " وقال البيهقي عقب الحديث: " قال أبو عيسى الترمذي ... فيما بلغني عنه -: سألت محمدا يعني البخاري - عن هذا الحديث؟

فعده محفوظا، وقال: رواه غير شريك عن بيان عن قيس عن المغيرة قال: كنا نصلي الظهر بالهاجرة، فقيل لنا: أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم، رواه أبو عيسى عن عمر بن إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن بيان كما قال البخاري ".

قلت: عمر بن إسماعيل ضعيف جدا، قال بن معين: كذاب خبيث رجل سوء، وقال النسائي: " ليس بثقة، متروك الحديث ". وأبوه فيه ضعف، فمثل هذه الطريق لا يقوى طريق شريك لشدة ضعفها، فلا أدري ما وجه عد البخاري الحديث محفوظا، فإن كان بالنظر إلى الطريق الأولى فقد عرفت ضعفها وتفرد شريك بها، وإن كان من أجل هذه الطريق فهي ضعيفة جدا. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة عندي، لتفرد الضعيف به، وعدم وجود شاهد معتبر له. ثم إن الكلام عليه إنما هو بالنظر لوروده بهذا السياق الذي يدل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالهاجرة منسوخ بقوله: أبردوا.. وهو ظاهر الدلالة على ذلك، وبه أحتج الطحاوي وغيره على النسخ فإذا تبين ضعفه سقط الاحتجاج به وأما إذا نظرنا إلى الحديث نظرة أخرى وهي أنه تضمن أمرين اثنين: صلاته صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، وأمره بالإبراد دون أن نربط بينهما بهذا السياق الذي يمنع من فعل أي الأمرين ويضطرنا إلى القول بالنسخ. أقول إذا نظرنا إليه هذه النظرة فالحديث صحيح أما الأمر الأول فقد ورد من حديث جابر قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ". أخرجه البخاري (2 / 33) ومسلم (2 / 119) وغيرهما. وأما الأمر بالإبراد. فقد ورد في " الصحيحين " وغيرهما من طرق عن أبي هريرة وعن أبي سعيد أيضا، وابن عمر. فإذا عرف هذا. فقد اختلف العلماء في الجمع بين الأمرين. فذهب الطحاوي وغيره إلا أن الأول منسوخ. وقد عرفت ضعف دليله، وذهب الجمهور إلى أن الأمر بالإبراد أمر استحباب، فيجوز التعجيل به. والإبراد أفضل، وذهب بعض الأئمة إلى تخصيص ذلك بالجماعة دون المنفرد، وبما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد، فلوكانوا مجتمعين، أو كانوا يمشون في كن

 

(2/364)

 

 

فالأفضل في حقهم التعجيل، والحق التسوية، وأنه لا فرق بين جماعة وجماعة، ولا بينهما وبين الفرد، فالكل يستحب لهم الإبراد، لأن التأذي بالحر الذي يتسبب عنه ذهاب الخشوع، يستوي فيه المنفرد وغيره كما قال الشوكاني (1 / 265) . وأما تخصيص ذلك بالبلد الحار، فهو الظاهر من التعليل في قوله " فإن شدة الحر من فيح جهنم ". ويشهد له من فعله صلى الله عليه وسلم حديث أنس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1162) والنسائي (1 / 87) والطحاوي (1 / 111) ، وله عنده شاهد من حديث أبي مسعود بسند حسن. (تنبيه) : قال الحافظ في " التلخيص " في تخريج حديث المغيرة: " وفي رواية للخلال: وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإبراد ".

وتلقى هذا عنه الشوكاني في " نيل الأوطار " (1 / 265) دون أن يعزوه إليه كما هو الغالب عليه من عادته! ثم بنى على ذلك قوله في الصفحة التي قبل المشار إليها: " فرواية الخلال من أعظم الأدلة الدالة على النسخ ".

قلت: لكن الظاهر مما نقله الحافظ العراقي عن الخلال فيما سبق ذكره في هذا البحث أن هذه الرواية ليست من حديث المغيرة، وإنما هي من قول الإمام أحمد رحمه الله، وقد صرح بهذا الحافظ في " الفتح " (2 / 13) فقال: " ونقل الخلال عن أحمد أنه قال: هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وكذا قال الصنعاني في " العدة " (2 / 485) دون أن يعزوه للحافظ أيضا!

950 - " قال الله تبارك وتعالى: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصرا على معصيتي، وقطع نهاره في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل، والأرملة، ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس، أكلؤه بعزتي، وأستحفظه ملائكتي، وأجعل له في الظلمة نورا، وفي الجهالة حلما، ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة ".

ضعيف.

رواه البزار (ص 65 - زوائده) وابن حبان في " المجروحين " (2 / 35) عن عبد الله بن واقد الحراني عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وعبد الله بن واقد كان متعففا صالحا متفقها برأي أبي حنيفة حافظا له. ولم يكن حافظا للحديث، فضعف حديثه وترك. كذا في " الأحكام الكبرى " (57 / 1 - 2) لعبد الحق الإشبيلي. وقال في " المجمع " (2 / 147) :

 

(2/365)

 

 

" رواه البزار وفيه عبد الله بن واقد الحراني ضعفه النسائي، والبخاري، وإبراهيم الجوزجاني، وابن معين في رواية، ووثقه في رواية، ووثقه أحمد، وقال: كان يتحرى الصدق وأنكر على من تكلم فيه، وأثنى عليه خيرا، وبقية

رجاله ثقات ". وكذا قال في " الترغيب " (1 / 176) أن بقية رواته ثقات، وأشار إلى أن في ابن واقد هذا ضعفا، ولم يسق فيه كلاما للأئمة، وجمهور الأئمة على تضعيفه، وأحمد وإن أثنى عليه خيرا فقد نسبه للخطإ والتدليس، وقال: " لعله كبر واختلط ".

لكنه لم ينفرد به، فأخرجه الحسن بن علي الجوهري في " مجلس من الأمالي " (ق 69 / 2) من طريق ابن نمير: حدثنا ابن كثير، عن عبد الله بن طاووس عن أبيه به. قلت: لكن ابن كثير واسمه محمد بن كثير البصري السلمي القصاب، قال ابن المديني: " ذاهب الحديث ". وقال البخاري والساجي: " منكر الحديث "، وضعفه آخرون. وروي من حديث علي مرفوعا نحوه، وزاد في آخره: " لا يتسنى ثمارها، ولا يتغير حالها ". رواه ابن عساكر في " مدح التواضع " (ق 90 / 1 - 2) وقال: " قال الدارقطني: غريب تفرد به الدينوري.

قلت: يعني أبا جعفر محمد بن عبد العزيز بن المبارك الدينوري، قال الذهبي: " منكر الحديث، ضعيف، ذكره ابن عدي، وذكر له مناكير، وكان ليس بثقة يأتي ببلايا ". ثم ساق له حديثين من بلاياه وموضوعاته، وأقره الحافظ في " اللسان " وقال: " وأورد له ابن عدي أحاديث قال في بعضها: باطل بهذا الإسناد، ثم قال: وله غير ما ذكرت من المناكير ".

951 - " كان إذا أمن أمن من خلفه حتى إن للمسجد ضجة ".

لا أصل له بهذا اللفظ فيما نعلم.

وقد نص على ذلك الحفاظ فقال الحافظ ابن حجر في " التلخيص " (ص 90) : " لم أره بهذا اللفظ، لكن روى معناه ابن ماجه من حديث بشر بن رافع " (ثم ذكر الحديث الآتي) ثم قال: " تنبيه: قال ابن الصلاح في الكلام على " الوسيط ": هذا الحديث أورده الغزالي هكذا تبعا لإمام الحرمين، فإنه أورده في " نهايته " كذلك، وهو غير صحيح مرفوعا، وإنما رواه الشافعي من حديث عطاء قال: " كنت أسمع الأئمة ابن الزبير فمن بعده يقولون آمين حتى إن للمسجد للجة ".

 

(2/366)

 

 

وقال النووي مثل ذلك، وزاد هذا غلط منهما، وكأنه وابن الصلاح أرادا لفظ الحديث والحق معهما، لكن سياق ابن ماجه يعطي بعض معناه كما أسلفناه ". قلت: ما سلف من كلامه ينص على أن سياق ابن ماجه يعطي معناه كله لا بعضه، فليتأمل فإن السياق المشار إليه يحتمل بعض المعنى أو كله، أما البعض فهو جهر الإمام وحده، وهو صريح في ذلك، وأما الكل، فهو هذا مع جهر المؤتمين لقوله فيه " فيرتج بها المسجد "، فإن هذا يحتمل أن الارتجاج سببه تأمين الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صريح الحديث، ويحتمل أنه بسبب تأمين المؤتمين معه، وهو محتمل، وهذا هو لفظ ابن ماجه: " كان إذا تلا (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الأول (فيرتج بها المسجد) ".

952 - " كان إذا تلا (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الأول (فيرتج بها المسجد) ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود (1 / 148) والسياق له وابن ماجه (1 / 281) والزيادة له، كلاهما من طريق بشر بن رافع عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف، وقول الحافظ أبو زرعة ابن العراقي في " طرح التثريب " (2 / 268) : " وإسناده جيد " غير جيد، يبينه ما يأتيك من النصوص، فقال الحافظ في " التلخيص " (90) : " وبشر بن رافع ضعيف، وابن عم أبي هريرة، قيل: لا يعرف، وقد وثقه ابن حبان ". وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 56 / 1) : " هذا إسناد ضعيف، أبو عبد الله لا يعرف حاله،

وبشر ضعفه أحمد، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات ". قلت: وتمام كلام ابن حبان (1 / 179) : " كأنه كان المتعمد لها ". ومن أوهام الشوكاني رحمه الله أنه قال في هذا الحديث بعد أن ذكره المجد ابن تيمية بلفظ أبي داود ولفظ ابن ماجه (2 / 188) قال الشوكاني: " أخرجه أيضا الدارقطني، وقال: إسناده حسن، والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما " والبيهقي وقال: حسن صحيح "! وهؤلاء إنما أخرجوا الشطر الأول من الحديث بلفظ: " كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته فقال: آمين "، فليس فيه تسميع من يليه من الصف.... الخ، فهذا اللفظ لا يحتمل ما يحتمله لفظ ابن ماجه من تأمين المؤتمين أيضا حتى يرتج بها المسجد، فثبت الفرق بين اللفظين، ولم يجز عزوالأول منهما إلى من أخرج الآخر، كما هو ظاهر.

 

(2/367)

 

 

على أن هذا اللفظ إسناده ضعيف أيضا، فإن فيه عندهم جميعا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي وهو المعروف بابن زبريق وهو ضعيف، قال أبو حاتم: " شيخ لا بأس به " وأثنى عليه ابن معين خيرا، وقال النسائي: " ليس بثقة ". وقال محمد بن عوف: " ما أشك أن إسحاق بن زبريق يكذب ".

لكن هذا اللفظ معناه صحيح، فإن له شاهدا من حديث وائل بن حجر بسند صحيح. وأما اللفظ الأول فلا أعرف ما يشهد له من السنة إلا ما رواه الشافعي في " مسنده " (1 / 76) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال: " كنت أسمع الأئمة وذكر ابن الزبير ومن بعده يقولون آمين، ويقول من خلفهم آمين، حتى أن للمسجد للجة ". سكت عليه الحافظ كما سبق قريبا، وفيه علتان: الأولى: ضعف مسلم بن خالد وهو الزنجي، قال الحافظ: صدوق، كثير الأوهام ".

الثانية: عنعنة ابن جريج، فإنه كان مدلسا، ولعله تلقاه عن خال بن أبي أنوف فقد رواه عن عطاء بلفظ: " أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد (يعني الحرام) إذا قال الإمام " ولا الضالين " رفعوا أصواتهم بآمين، (وفي رواية) : سمعت لهم رجة بآمين ". أخرجه ابن حبان في " الثقات " (2 / 74) والبيهقي (2 / 59) والرواية الأخرى له. وخالد هذا ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 2 / 355 - 356) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأورده ابن حبان في " الثقات " وفي ترجمته ساق له هذا الأثر، وتوثيق ابن حبان فيه تساهل معروف، ولذلك فإني غير مطمئن لصحة روايته، فإن كان ابن جريج أخذه عنه فالطريق واحدة، وإلا فلا ندري عمن تلقاه ابن جريج، ويبدو أن الإمام الشافعي نفسه لم يطمئن أيضا لصحة روايته هذه، فقد ذهب إلى خلافها، قال في " الأم " (1 / 95) : " فإذا فرغ الإمام من قراءة أم القرآن قال آمين، ورفع بها صوته، ليقتدي به من كان خلفه، فإذا قالها قالوها وأسمعوا أنفسهم، ولا أحب أن يجهروا بها ". فلوأن هذا الأثر ثابت عن أولئك الصحابة عند الشافعي لما أحب خلاف فعلهم إن شاء الله ولذلك فالأقرب إلى الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الشافعي أن يجهر الإمام دون المؤتمين. والله أعلم.

ثم رأيت البخاري قد علق أثر ابن الزبير المذكور بصيغة الجزم، فقال الحافظ في " الفتح " (2 / 208) : " وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء، قال ويعني ابن جريج، قلت له: أكان

 

(2/368)

 

 

ابن الزبير يؤمن على أثر أم القرآن؟ قال: نعم، ويؤمن من وراءه حتى أن للمسجد للجة، ثم قال: إنما آمين دعاء ". قلت: وهو في " مصنف عبد الرزاق " برقم (2640 ج 2) ومن طريقه ابن حزم في " المحلى " (3 / 364) . فقد صرح ابن جريج في هذه الرواية أنه تلقى ذلك عن عطاء مباشرة، فأمنا بذلك تدليسه، وثبت بذلك

هذا الأثر عن ابن الزبير، وقد صح نحوه عن أبي هريرة، فقال أبو رافع: " إن أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم، فاشترط أن لا يسبقه بـ " الضالين " حتى يعلم أنه قد دخل الصف، فكان إذا قال مروان: " ولا الضالين " قال أبوهريرة: آمين يمد بها صوته، وقال: إذا وافق تأمين أهل الأرض تأمين أهل السماء غفر لهم ". أخرجه البيهقي (2 / 59) وإسناده صحيح. فإذا لم يثبت عن غير أبي هريرة وابن الزبير من الصحابة خلاف الجهر الذي صح عنهما، فالقلب يطمئن للأخذ بذلك أيضا، ولا أعلم الآن أثرا يخالف ذلك، والله أعلم.

953 - " إذا نام العبد في سجوده باهى الله عز وجل به ملائكته، قال: انظروا إلى عبدي، روحه عندي وجسده في طاعتي! ".

ضعيف.

رواه تمام في " الفوائد " (ق 263 / 2) وعنه ابن عساكر (11 / 444 / 1) عن داود بن الزبرقان عن سليمان التيمي عن أنس مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، داود بن الزبرقان قال الحافظ في " التقريب ": " متروك، وكذبه الأزدي ". قال ابن حبان (1 / 287) : " يأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم ". قلت: ومن طريقه رواه البيهقي أيضا في " الخلافيات " كما في " تلخيص الحبير " (ص 44) واقتصر هناك على قوله في داود هذا: إنه ضعيف: وقال: " وروي من وجه آخر عن أبان عن أنس، وأبان متروك ". وروي من حديث أبي هريرة مرفوعا.

أخرجه ابن سمعون في " الأمالي " (172 / 1) عن حجاج بن نصير: أخبرنا المبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي هريرة. قلت: وهذا سند ضعيف، وفيه ثلاث علل:

1 - حجاج بن نصير، قال الحافظ: " ضعيف كان يقبل التلقين ".

 

(2/369)

 

 

2 - المبارك بن فضالة

ضعيف أيضا، قال الحافظ: " صدوق، يدلس ويسوي ".

3 - الحسن وهو البصري، فإنه على جلالته كان يدلس، ومن طريقة الأئمة النقاد إعلال الحديث بعنعة الحسن البصري، فانظر " اللآلي المصنوعة " للسيوطي (2 / 389) ، على أنه اختلف في ثبوت سماعه من أبي هريرة. لكن ذكر الحافظ في " التلخيص " أنه رواه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " من حديث المبارك بن فضالة، فإن كان عنده غير طريق الحجاج بن نصير، فقد ذهبت العلة الأولى وبقيت الثانية والثالثة.

ثم قال الحافظ: " وذكره الدارقطني في " العلل " من حديث عباد بن راشد كلاهما (يعني المبارك وعبادا) عن الحسن عن أبي هريرة، قال الدارقطني: وقيل: عن الحسن: بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: والحسن لم يسمع من أبي هريرة ".

قلت: وعباد بن راشد صدوق له أوهام، فمتابعته للمبارك تذهب بالعلة الثانية، فيبقى في الحديث العلة الثالثة، وبها أعل الحديث ابن حزم في " المحلى " فقال (1 / 228) : " وهذا لا شيء، أنه مرسل، لم يخبر الحسن ممن سمعه ". ثم قال الحافظ: " ومرسل الحسن، أخرجه في " الزهد "، وروى ابن شاهين عن أبي سعيد معناه، وإسناده ضعيف ". قلت: وسنده في " الزهد " (20 / 81 / 1) صحيح، فراجع الإسناد إلى أنه من مرسل الحسن البصري فهو علته. والحديث على ضعفه قد استدل به من ذهب إلى نوم الساجد - وألحقوا به الراكع - لا ينقض الوضوء، قال ابن حزم: " لوصح لم يكن في إسقاط الوضوء عنه ". وهو كما قال، وقال الصنعاني في " سبل السلام " (1 / 92) : " ومن استدل به قالوا: سماه ساجدا

وهو نائم، ولا سجود إلا بطهارة، وأجيب بأنه سماه باعتبار أول أمره، أو باعتبار هيئته ". وقد ذكر الصنعاني اختلاف العلماء، في هذا المسألة، وجمع الأقوال فيها فبلغت ثمانية، الصواب منها القول الأول وهو أن النوم ناقض مطلقا على كل حال قليلا كان أو كثيرا، ونصره ابن حزم بأدلة قوية فراجعه، ومثل هذا الحديث في الضعف والدلالة الحديث الآتي:

954 - " من استحق النوم وجب عليه الوضوء ".

شاذ لا يصح.

رواه الحافظ ابن المظفر في " غرائب شعبة " (148 / 2) :

حدثنا أبو الفضل العباس بن إبراهيم: حدثنا أبو غسان مالك بن الخليل: حدثنا

محمد بن عباد الهنائي: حدثنا شعبة عن

 

(2/370)

 

 

الجريري عن خالد بن غلاق - ولا أعلمه إلا عن أبي هريرة مرفوعا: قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات: أبو الفضل العباس بن إبراهيم له ترجمة في " تاريخ الخطيب (12 / 151 - 152) وقال: " وكان ثقة ". وسائرهم من رجال " التهذيب ". لكن قوله: " لا أعلمه إلا.... " فيه بعض الشك في رفعه، ويقوي الشك أن الهنائي خولف في رفعه، فقال علي بن الجعد: أنبأنا شعبة فذكره موقوفا، أخرجه البغوي في " الجعديات " (7 / 69 / 1) ومن طريقه البيهقي (1 / 119) وعلي بن الجعد ثقة ثبت، وقد تابعه الثقات، فقال: ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 39 / 2) : حدثنا هشيم وابن علية عن الجريري عن خالد بن غلاق القيسي عن أبي هريرة قال: فذكره موقفا عليه، ولعله الصواب، وزاد ابن علية، قال الجريري: فسألنا عن استحقاق النوم. فقالوا: " إذا وضع جنبه ". قلت: فاتفاق هؤلاء الثلاثة الثقات على وقفه يجعل رواية الهنائي شاذة، ولذلك قال البيهقي: " وقد روي مرفوعا ولا يصح رفعه ". وقال الحافظ في " التلخيص " (43) بعد أن ذكره من طريق البيهقي: " وروي موقوفا، وإسناده صحيح، ورواه في " الخلافيات " من طريق آخر عن أبي هريرة وأعله بالربيع بن بدر عند ابن عدي، وكذا قال الدارقطني في " العلل " أن وقفه أصح ".

قلت: ويشهد لوقفه أن البيهقي رواه (1 / 122 - 123) من طريق أخرى عن يزيد ابن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول: " ليس على المحتبي النائم، ولا على القائم النائم، ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع، فإذا اضطجع توضأ "، وقال: " وهذا موقوف ". قلت: وإسناده جيد كما قال الحافظ في "

التلخيص ". لكن الراجح أن العمل على خلافه كما تقدم في آخر الحديث الذي قبله.

955 - " يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر، وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم، وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر، فإن الليل قصير، والناس ينامون، فأمهلهم حتى يداركوا ".

موضوع.

رواه البغوي في " شرح السنة " (1 / 52 / 1) من طريق أبي الشيخ وهذا في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 76 و80) عن يوسف بن أسباط: المنهال بن الجراح عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: فذكره.

 

(2/371)

 

 

قلت: وهذا سند ضعيف جدا بل موضوع، آفته المنهال بن الجراح، وهو الجراح بن المنهال، انقلب على يوسف بن أسباط، وكذلك قلبه محمد بن إسحاق كما ذكر الحافظ في " اللسان " وهو متفق على تضعيفه، وقال البخاري ومسلم: " منكر الحديث ". وقال النسائي والدارقطني: " متروك "، وقال ابن حبان (1 / 213) : " كان

يكذب في الحديث ويشرب الخمر ". وذكره البرقي في " باب من اتهم بالكذب ".

ومما يؤكد كذبه في هذا الحديث أنه خلاف ما جرى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التغليس بصلاة الفجر دون تفريق بين الشتاء والصيف، كما تدل على ذلك الأحاديث الصحيحة فأكتفي بذكر واحد منها، وهو حديث أبي مسعود البدري " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، ولم يعد إلى أن يسفر ".

رواه أبو داود بسند حسن كما قال النووي وابن حبان في " صحيحه " (273) وصححه الحاكم والخطابي والذهبي وغيرهم كما بينته في " صحيح أبي داود " (رقم 417) . والعمل بهذا الحديث هو الذي عليه جماهير العلماء، من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، ومنهم الإمام أحمد أن التعجيل بصلاة الفجر أفضل، لكن ذكر ابن قدامة في " المقنع " (1 / 105) رواية أخرى عن الإمام أحمد: " إن أسفر المأمومون فالأفضل الإسفار "، واحتج له في الشرح بحديث معاذ هذا، وعزاه لأبي سعيد الأموي في مغازيه!

956 - " إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره، فلا ينظرن إلى شيء من عورته، فإن أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته ".

ضعيف مضطرب.

يرويه سوار بن داود أبو حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فرواه هكذا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وعبد الله بن بكر السهمي - المعنى واحد - قالا: حدثنا سوار به. أخرجه الإمام أحمد (رقم 6756) عنهما معا هكذا، وأخرجه الدارقطني (85) وعنه البيهقي (2 / 228 - 229) والخطيب في " تاريخ بغداد " (2 / 278) وكذا العقيلي في " الضعفاء (173 - 174) عن السهمي وحده.

وتابعهما وكيع عن سوار لكنه قلب اسمه فقال: " داود بن سوار " بلفظ: " إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره، فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة ". أخرجه أبو داود (1 / 185 - 186 - عون) وقال: وهم وكيع في اسمه، وروى عن أبو داود الطيالسي هذا الحديث فقال: حدثنا أبو حمزة سوار الصيرفي ".

 

(2/372)

 

 

وخالفهم النضر بن شميل فقال: أنبأنا أبو حمزة الصيرفي وهو سوار بن داود به بلفظ: " إذا زوج أحدكم عبده: أمته أو أجيره، فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته، فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة ". أخرجه الدارقطني وعنه البيهقي. فهذه الرواية على خلاف الروايات السابقة فإنها صريحة في أن المنهي عنه النظر إنما هي الأمة، وأن ضمير " عورته " راجع إلى " أحدكم " والمقصود به السيد، وهذه الرواية أرجح عندي لسببين:

الأول: أنها أوضح في المعنى من الأولى لأنها لا تحتمل إلا معنى واحدا، بخلاف الأولى، فإنها تحتمل معنيين: أحدهما يتفق مع

معنى هذه، والآخر يختلف عنه تمام الاختلاف، وهو الظاهر من المعنيين، وهو أن المنهي عن النظر إنما هو السيد، وأن ضمير " عورته " راجع إلى العبد أو الأجير أي الأمة، ولهذا استدل بعض العلماء بهذه الرواية على أن عورة الأمة كعورة الرجل ما بين السرة والركبة، قال: " ويريد به (يعني بقوله: عبده أو أجيره) الأمة، فإن العبد والأجير لا يختلف حاله بالتزويج وعدمه " (1) لكن المعنى الأول أرجح بدليل هذه الرواية التي لا تقبل غيره ويؤيده السبب الآتي وهو:

الآخر: أن الليث بن أبي سليم قد تابع سوارا في روايته عن عمرو به، ولفظه: " إذا زوج أحدكم أمته أو عبده أو أجيره، فلا تنظر إلى عورته، والعورة ما بين السرة والركبة ". أخرجه البيهقي (2 / 229) عن الخليل بن مرة عن الليث. وهذا السند إلى عمرو، وإن كان ضعيفا، فإنه لا بأس به في الشواهد والمتابعات، وهذا صريح في المعنى الأول لا يحتمل غيره أيضا، لكن روي الحديث بلفظ آخر، لا يحتمل إلا المعنى الآخر، وهو من طريق الوليد: حدثنا الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ: " إذا زوج أحدكم عبده أو أمته (أو أجيره) فلا ينظرن إلى عورتها ". كذا قال " عورتها ". أخرجه البيهقي (2 / 226) ، والوليد هو ابن مسلم وهو يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن بين الأوزاعي وعمرو، ثم هو لوصح، فليس فيه تعيين العورة من الأمة، ولذلك قال البيهقي بعد أن أتبع هذه الرواية برواية وكيع المتقدمة: " وهذه الرواية إذا قرنت برواية الأوزاعي دلنا على أن المراد بالحديث نهي السيد عن النظر إلى عورتها إذا زوجها، وأن عورة الأمة ما بين السرة والركبة، وسائر طرق هذا الحديث يدل، وبعضها ينص على (أن) المراد به نهي الأمة عن النظر إلى عورة السيد، بعد ما زوجت، أو نهي الخادم من العبد والأجير عن النظر إلى عورة السيد بعدما بلغا النكاح، فيكون الخبر واردا في بيان مقدار العورة من الرجل، لا في بيان مقدارها من الأمة ".

__________

(1) انظر الحاشية على " المقنع " (1 / 110) . اهـ.

 

(2/373)

 

 

وجملة القول أن الحديث اضطرب فيه سوار، فلا يطمئن القلب إلى ترجيح رواية من روايتيه وإن كنا نميل إلى الرواية التي وافقه عليها الليث بن أبي سليم وإن كان ضعيف، فإن اتفاق ضعيفين على لفظ من لفظين، أولى بالترجيح من اللفظ الآخر الذي تفرد به أحدهما، هذا لو اتفق الرواة عنه فيه، فكيف وقد اختلفوا، والبيهقي، وإن مال إلى أن الحديث ورد في عورة الرجل لا الأمة، فقد جزم بضعفه للاختلاف الذي ذكرنا، فقال: " فأما حديث عمرو

بن شعيب فقد اختلف في متنه، فلا ينبغي أن يعتمد عليه في عورة الأمة وإن كان يصلح الاستدلال به وسائر ما يأتي عليه معه في عورة الرجل، وبالله التوفيق ".

وإذا عرفت ذلك، فمن الغرائب أن تتبنى بعض المذاهب هذا الحديث فتقول: بأن الأمة عورتها عورة الرجل! ويرتب على ذلك جواز النظر إليها بل هذا ما صرح به بعضهم، فقالوا: فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثديها "! ذكره الجصاص في " أحكام القرآن " (3 / 390) ، ولا يخفى ما في

ذلك من فتح باب الفساد، مع مخالفة عمومات النصوص التي توجب على النساء إطلاقا التستر، وعلى الرجال غض البصر انظر كتابنا " حجاب المرأة المسلمة " (22 - 25) .

957 - " إن الله عز وجل قد رفع لي الدنيا، فأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة كأنما أنظر إلى كفي هذه، جليانا من أمر الله عز وجل جلاه لنبيه كما جلاه للنبيين قبله ".

ضعيف جدا.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 101) من طريق الطبراني: حدثنا بكر بن سهل: حدثنا نعيم بن حماد: حدثنا بقية عن سعيد بن سنان: حدثنا أبو الزاهرية عن كثير بن مرة عن ابن عمر مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد واه فيه أربع علل:

1 - سعيد بن سنان متروك، ورماه الدارقطني وغيره بالوضع.

2 - وبقية مدلس وقد عنعنه.

3 - ونعيم بن حماد ضعيف.

4 - وبكر بن سهل ضعيف أيضا. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (8 / 287) وقال: " رواه

الطبراني، ورجاله وثقوا على ضعف كثير في سعيد بن سنان الرهاوي ".

 

(2/374)

 

 

958 - " كان لا يمس من وجهي شيئا وأنا صائمة، قالته عائشة ".

 

(2/374)

 

 

منكر.

رواه ابن حبان في صحيحه (904) : أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عثمان بن أبي (شيبة: حدثنا وكيع عن) (1) زكريا بن أبي زائدة عن العباس بن ذريح عن الشعبي عن محمد بن الأشعث عن عائشة قالت: فذكره مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه الإمام أحمد (6 / 162) فقال: حدثنا وكيع عن زكريا به ... مثله، يعني مثل حديث ساقه قبله فقال: حدثنا يحيى بن زكريا حدثني أبي عن صالح الأسدي عن الشعبي عن محمد بن الأشعث ابن قيس عن عائشة أم المؤمنين قالت: " ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتنع من شيء من وجهي وهو صائم ". قلت: وفي هذا السياق مخالفتان: الأولى في السند، والأخرى في المتن.

أما المخالفة في السند، فهي أنه جعل مكان العباس بن ذريح، صالحا الأسدي، وهو صالح بن أبي صالح الأسدي، وهو مجهول كما يشير إلى ذلك الذهبي بقوله: " تفرد عنه زكريا بن أبي زائدة ".

وقد قيل: عنه عن محمد بن الأشعث عن عائشة بإسقاط الشعبي من بينهما، أخرجه النسائي وقال: " إنه خطأ، والصواب الأول " كما في " تهذيب التهذيب ". وأخرجه النسائي في " العشرة " من " الكبرى " (ق 84 / 1) من طريق زياد بن أيوب قال حدثنا ابن أبي زائدة قال: أخبرني أبي صالح الأسدي عن الشعبي به، فهذا يرجح رواية أحمد عن وكيع، ويدل على أن رواية ابن حبان شاذة.

ثم رأيتها في " مصنف ابن أبي شيبة " (3 / 60) عن وكيع مثل رواية أحمد. وأما الاختلاف في المتن فظاهر بأدنى تأمل، وذلك أن يحيى بن زكريا، جعل المتن نفي امتناعه صلى الله عليه وسلم من تقبيل وجه عائشة وهو صائم، بينما جعله وكيع - في رواية ابن حبان - نفي تقبيله صلى الله عليه وسلم لها وهي صائمة! فإذا كان لفظ رواية وكيع عند أحمد، مثل لفظ رواية يحيى بن زكريا كما يدل عليه إحالة أحمد عليه بقوله: " مثله " كما سبقت الإشارة إليه، إذا كان الأمر كذلك كانت رواية وكيع عند ابن حبان شاذة لمخالفتها، لروايته عند أحمد ورواية يحيى بن زكريا، ويؤكد هذا موافقة لفظ زياد بن أيوب عند النسائي للفظ أحمد. وسواء كان الأمر كما ذكرنا أولم يكن، فإننا نقطع بأن هذه الرواية شاذة بل منكرة، لمخالفتها للحديث الثابت بالسند الصحيح عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهما صائمان، فقال الإمام أحمد (6 / 162) : حدثنا يحيى بن زكريا قال: أخبرني أبي عن سعد بن إبراهيم عن رجل من قريش من بني تميم يقال له طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " تناولني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني صائمة، فقال: وأنا صائم ". وهذا سند صحيح، وقد رواه جماعة من الثقات عن سعد بن إبراهيم به نحوه كما بينته في " الأحاديث الصحيحة " فانظر " كان يقبلني ... " (رقم 219) .

__________

(1) سقطت هذه الزيادة من النسخة المطبوعة، فاستدركتها من أصلها المخطوط المحفوظ في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة (ق 68 / 1) بعد أن ضيعت وقتا كثيرا في معرفة عثمان بناء على ما وقع في المطبوعة! وأما فهرس الخطأ فيها، فقد جاء التصويب فيه خطأ أيضا! . اهـ.

 

(2/375)

 

 

وعلة حديث الترجمة إنما هي تفرد محمد بن الأشعث بهما، وهن في عداد مجهولي الحال. فقد أورده البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 16) وابن أبي حاتم (3 / 2 / 206) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، نعم ذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 231) وروى عنه جمع من الثقات، فمثله حسن الحديث عندي إذا لم يخالف، ولكن لما كان قد تفرد بهذا الحديث وخالف فيه الثقة وهو طلحة بن عبد الله بن عثمان القرشي الذي أثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة وهي صائمة، كان الحديث بسبب هذه المخالفة شاذا بل منكرا وقد اتق الشيخان على إخراج حديثها بلفظ: " كان يقبل وهو صائم " وليس فيه بيان أنها كانت صائمة أيضا كما في حديث القرشي عنها وقد خفي هذا على بعض أهل العلم، كما خفي عليه حال هذا الحديث المنكر، فقال الصنعاني في " سبل السلام " (2 / 218) : " تنبيه ": قولها: " وهو صائم " لا يدل على أنه قبلها وهي صائمة فقد أخرج ابن حبان بإسناده (عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يمس وجهها وهي صائمة، وقال: ليس بين الخبرين تضاد، إنه كان يملك إربه، ونبه بفعله ذلك على جواز هذا الفعل لمن هو بمثابة حاله، وترك استعماله إذا كانت المرأة صائمة، علما منه بما ركب في النساء من الضعف عند الأشياء التي ترد عليهن، انتهى ".

فقد فات ابن حبان حديث القرشي المشار إليه، وتبعه عليه الصنعاني، وذهل هذا عن علة حديث ابن حبان! وتبعه على ذلك الشوكاني (4 / 180) .

ولكن هذا لم يفته حديث القرشي، بل ذكره من طريق النسائي، فالعجب منه كيف ذكر الحديثين دون أن يذكر التوفيق بينهما، والراجح من المرجوح منهما. فهذا هو الذي حملني على تحرير القول في نكارة هذا الحديث، والله ولي التوفيق. ثم إني لما رأيت الحديث في " المصنف " ووجدت متنه بلفظ: " كان لا يمتنع من وجهي وأنا صائمة "، تيقنت شذوذ لفظ ابن حبان، كما تبينت أنه لا علاقة لابن الأشعث به، وإنما هو من ابن حبان نفسه أو من شيخه عمران، والله أعلم.

959 - " الوضوء مما خرج وليس مما دخل ".

منكر.

رواه ابن عدي (194 / 2) والدارقطني (ص 55) والبيهقي (1 / 116) عن الفضل بن المختار عن ابن أبي ذئب عن شعبة - يعني - مولى ابن عباس عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال البيهقي: " لا يثبت ". قلت: وله ثلاث علل:

الأولى: الفضل بن المختار، وهو أبو سهل البصري وهو متروك، قال أبو حاتم: " أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل ". وقال ابن عدي:

 

(2/376)

 

 

" عامة أحاديثه منكرة لا يتابع عليها ". وساق له الذهبي أحاديث، قال في واحد منها: يشبه أن يكون موضوعا "، وفي الأخرى، " هذه أباطيل وعجائب "!

الثانية: شعبة مولى ابن عباس، وهو صدوق سيء الحفظ، كما في " التقريب ". وقال في " التلخيص " (ص 43) : " وفي إسناده الفضل بن المختار، وهو ضعيف جدا، وفيه شعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف، وقال ابن عدي: الأصل في هذا الحديث أنه موقوف، وقال البيهقي: لا يثبت مرفوعا، ورواه سعيد بن منصور موقوفا من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عنه، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة، وإسناده أضعف من الأول ومن حديث ابن مسعود موقوفا ". قلت: فقد أشار الحافظ إلى أن في الحديث علة أخرى وهي: الثالثة: وهي الوقف، فإن شعبة المذكور علاوة على كونه ضعيفا، فقد خالفه الثقة أبو ظبيان وهو حصين بن جندب الجهني فقال: عن ابن عباس في الحجامة للصائم قال: " الفطر مما دخل، وليس مما خرج، والوضوء مما خرج وليس مما دخل ". رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان.

ذكره الحافظ في " الفتح " (4 / 141) وقد علقه البخاري في " صحيحه " مجزوما به مقتصرا على الشطر الأول منه " وقد وصله أيضا البيهقي في " سننه " (1 / 116 و4 / 261) من طريق أخرى عن وكيع به، وهذا سند صحيح موقوف، فهو الصواب كما أشار إلى ذلك ابن عدي ثم البيهقي ثم الحافظ. وأما حديث أبي أمامة الذي أشار إليه الحافظ في كلامه السابق فهو الآتي عقبه. (تنبيه) : ذكر الشوكاني حديث الترجمة هذا بلفظ: الفطر مما دخل، والوضوء مما خرج " وقال: " أخرجه البخاري تعليقا، ووصله البيهقي والدارقطني وابن أبي شيبة ". ثم ضعفه بالفضل بن المختار، وشعبة مولى ابن عباس.

أقول: وفي هذا التخريج على إيجازه أوهام لابد من التنبيه عليها. الأول: أن الحديث عند البخاري وابن أبي شيبة موقوف وليس بمرفوع كما تقدم. الثاني: أن إسنادهما صحيح وليس بضعيف.

الثالث: أن البخاري لم يخرجه بتمامه، بل الشطر الأول منه فقط، كما سبق منا التنصيص عليه. وقد وقع في بعض هذه الأوهام الصنعاني قبل الشوكاني! فإنه ذكر الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجزوما به بلفظ: " الفطر مما دخل وليس مما خرج ". ثم قال في تخريجه: " علقه البخاري عن ابن عباس، ووصله عنه ابن أبي شيبة ". فوهم الوهم الأول، وزاد وهما آخر، وهو أن المرفوع صحيح لجزمه به وعدم ذكر علته،

 

(2/377)

 

 

فهذا وذاك هو الذي حملني على تحقيق القول في هذا الحديث لكيلا يغتر بكلامهما من لا علم عنده بأوهامهما. هذا وللحديث شاهد من رواية أبي أمامة، ولكنه ضعيف جدا وهو:

960 - " إنما الوضوء علينا مما خرج، وليس علينا مما دخل ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني في " الكبير " عن أبي أمامة قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بنت عبد المطلب فغرفت له، أو فقربت له علقا فوضعته بين يديه، ثم غرفت أو قربت آخر فوضعته بين يديه فأكل، ثم أتى المؤذن

فقال: الوضوء الوضوء، فقال " فذكره. قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 152) : " وفيه عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وهما ضعيفان لا يحل الاحتجاج بهما ". قلت: ولذلك قال الحافظ فيما سبق نقله عنه في الكلام على الحديث الذي قبله. " إنه أشد ضعفا منه ".

 

(2/378)

 

 

961 - " إنما الإفطار مما دخل، وليس مما خرج ".

ضعيف.

أخرجه أبو يعلى في " مسنده ": حدثنا أحمد بن منيع: حدثنا مروان بن معاوية عن رزين البكري قال: حدثنا مولاة لنا يقال لها: سلمى من بكر بن وائل أنها سمعت عائشة تقول: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عائشة هل من كسرة؟ فأتيته بقرص، فوضعه في فيه وقال: يا عائشة هل دخل بطني منه شيء؟ كذلك قبلة الصائم، إنما الإفطار.... ".

قلت: وهذا سند ضعيف، من أجل سلمى هذه، فإنها لا تعرف كما في " التقريب "، ورزين البكري إن كان هو الجهني فثقة، وإلا فمجهول. وقد أشار إلى ذلك الهيثمي في " المجمع " (3 / 167) قال: " رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه ". والصواب في الحديث أنه موقوف على ابن عباس كما سبق بيانه قبل حديث.

 

(2/378)

 

 

962 - " ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في صدره ".

لا أصل له مرفوعا.

قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 30 و 105 طبعة الحلبي) : " رواه الترمذي الحكيم في " النوادر " من قول بكر بن عبد الله المزني، ولم أجده مرفوعا ". وأقره الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " (رقم 970) . ومن المؤسف أن يسمع هذا الحديث من بعض الوعاظ في المسجد النبوي، سمعته منه في

 

(2/378)

 

 

أو اسط شهر شوال سنة 1382 هـ مصرحا بصحته، وقد حاولت الاتصال به بعد فراغه من الوعظ، واستدللت على المنزل الذي كان حل فيه، ثم عرض لي ما حال بيني وبين ذلك، ثم سافر في اليوم الثاني، فعسى أن يطلع على

هذه الكلمة، فتكون له ولغيره تذكرة، " والذكرى تنفع المؤمنين ".

963 - " كان يخطب يوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم الأضحى على المنبر ".

ضعيف.

قال الهيثمي (2 / 183) وقد ذكره من حديث ابن عباس: " رواه الطبراني في " الكبير " وفيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، ضعفه أحمد وابن المديني والبخاري والنسائي، وبقية رجاله موثقون ".

قلت: وقال الحافظ في الحسين هذا: " ضعيف ".

قلت: ومما يدل على ضعفه روايته مثل هذا الحديث، فإن من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يصلي الفطر والأضحى في المصلى، ولم يكن ثمة منبر يرقى عليه، ولا كان كان يخرج منبره، من المسجد إليه، وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض، كما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من حديث جابر، وأول من أخرج المنبر إلى المصلى مروان بن الحكم، فأنكر عليه أبو سعيد الخدري كما في " الصحيحين " عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر ويوم الأضحى بالمصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس.... فلم يزل الناس على ذلك، حتى خرجت مع مروان، وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه ... " الحديث انظر " فتح الباري " (2 / 359) .

وأما الحديث الذي رواه المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر قال: " شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى، فلما صلى وقضى خطبته نزل عن منبره، فأتى بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: بسم الله، والله أكبر، هذا عني، وعمن لم يضح من أمتي ". أخرجه أبو داود (2 / 5) والدارقطني (544) وأحمد (3 / 362) .

قلت: فهذا معلول بالانقطاع بين المطلب وجابر، فقد قال أبو حاتم: " المطلب لم يسمع من جابر ولم يدرك أحدا من الصحابة إلا سهل بن سعد ومن في طبقته ". وقال مرة: " يشبه أنه أدركه " يعني جابرا. فإن صح هذا فعلته عنعنة المطلب، فإنه مدلس قال الحافظ: " صدوق كثير التدليس والإرسال ".

 

(2/379)

 

 

قلت: فمثله لا يحتج به لاسيما والحديث في الصحيحين من طريق أخرى عن جابر وليس فيه ذكر المنبر كما

تقدم.

964 - " كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر ".

لا أصل له بهذه الزيادة و" وهو على المنبر ".

فيما أعلم وقد أورده هكذا الزرقاني في " شرح المواهب الدنية " (7 / 394) من رواية أبي داود والصنعاني في " سبل السلام " (2 / 65) من روايته من حديث البراء بلفظ: " كان إذا خطب يعتمد على عنزة له ". والذي رأيته في " سنن أبي داود " (1 / 178) من طريق أبي جناب عن يزيد بن البراء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نوول يوم العيد قوسا فخطب عليه، وكذا رواه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 146) وابن أبي شيبة (2 / 158) ورواه أحمد (4 / 282) مطولا وكذا الطبراني وصححه ابن السكن فيما ذكره الحافظ في " التلخيص " (137) ، وفيه نظر فإن أبا جناب واسمه يحيى بن أبي حية ضعيف، قال الحافظ في " التقريب ": " ضعفوه لكثرة تدليسه ".

فأنت ترى أنه ليس في الحديث أن ذلك كان على المنبر، ويوم الجمعة، بل هو صريح في يوم العيد دون المنبر، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يخطب فيه على المنبر، لأنه كان يصلي في المصلى، ولذلك لم يصح التعقب به - كما فعل الزرقاني تبعا لأصله: القسطلاني - على ابن القيم في قوله في " زاد المعاد " (1 / 166) : " ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره، وإنما كان يعتمد على عصا، ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف، وما يظنه بعض الجهال أنه

كان يعتمد على السيف دائما، وأن ذلك إشارة إلى الدين قام بالسيف فمن فرط جهله، فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره، ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفا ألبتة، وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس ". فقوله " قبل أن يتخذ المنبر " صواب لا غبار عليه، وإن نظر فيه القسطلاني وتعقبه الزرقاني كما أشرنا آنفا، وذلك قوله في شرحه: " كيف وفي أبي داود: كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر "! فقد علمت مما سبق أن هذا لا أصل له عند أبي داود، بل ولا عند غيره من أهل السنن الأربعة وغيرهم، فقد تتبعت الحديث فيما أمكنني من المصادر، فوجدته روي عن جماعة من الصحابة، وهم الحكم بن حزن الكلفي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وسعد القرظ المؤذن، وعن عطاء مرسلا، وليس في شيء منها ما ذكره الزرقاني، وإليك ألفاظ أحاديثهم ما تخريجها:

1 - عن الحكم بن حزن قال:

 

(2/380)

 

 

" شهدنا الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام متوكئا على عصا أو قوس، فحمد الله، وأثنى عليه.. " الحديث. أخرجه أبو داود (1 / 172) بسند حسن وكذا البيهقي (3 / 206) وأحمد وابنه في " زوائد المسند " (4 / 212) ، قال الحافظ في " التلخيص " (137) : " وإسناده حسن، فيه شهاب بن خراش، وقد اختلف فيه، والأكثر وثقوه وقد صححه ابن السكن وابن خزيمة ".

2 - عن عبد الله بن الزبير." أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب بمخصرة في يده ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 377) وأبو الشيخ (155) بسند رجاله ثقات، غير أن فيه ابن لهيعة، سيء الحفظ.

3 - عن عبد الله بن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبهم يوم الجمعة في السفر، متوكئا على قوس قائما ". رواه أبو الشيخ (146) بسند واه جدا، فيه الحسن بن عمارة وهو متروك.

4 - عن سعد القرظ المؤذن " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا ". أخرجه البيهقي (3 / 206) ، وفيه عبد الرحمن بن سعد بن عمار وهو ضعيف.

5 - عن عطاء يرويه عنه ابن جريج قال: " قلت لعطاء: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على عصا إذا خطب؟ قال: نعم، كان يعتمد عليها اعتمادا ". أخرجه الشافعي في " الأم " (1 / 177) وفي " المسند " (1 / 163) والبيهقي من طريقين عن ابن جريج به، فهو إسناد مرسل صحيح، وأما قول الحافظ: " رواه الشافعي عن إبراهيم عن ليث بن أبي سليم عن عطاء مرسلا، وليث ضعيف ".

فوهم منه تبعه عليه الشوكاني (3 / 228) ، فليس الحديث عنده بهذا الإسناد، ثم لوكان كذلك فهو ضعيف جدا، لأن إبراهيم - وهو ابن أبي يحيى الأسلمي - أشد ضعفا من الليث، فإنه متهم بالكذب.

وجملة القول: أنه لم يرد في حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على العصا أو القوس وهو على المنبر، فلا يصح الاعتراض على ابن القيم في قوله: أنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد اتخاذه المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس وغير، بل الظاهر من تلك الأحاديث الاعتماد على القوس إذا خطب على الأرض، والله أعلم.

 

(2/381)

 

 

فإن قيل: في حديث الحكم بن حزن المتقدم أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة متوكئا على عصا أو قوس، وقد ذكروا في ترجمته أنه أسلم عام الفتح، أي سنة ثمان، وأن المنبر عمل به سنة سبع فتكون خطبته صلى الله عليه وسلم المذكورة على المنبر، ضرورة أنه رآه يخطب بعد أن اتخذ له المنبر، وهذا ظاهر مع تذكر أنه لا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة في غير مسجده صلى الله عليه وسلم.

قلت: الاستنتاج صحيح لوأن المتقدمين المذكورين ثابتان، وليس كذلك، أما الأولى: وهي أن الحكم أسلم عام الفتح، فهذا لم أر من ذكره ممن ألف في تراحم الصحابة وغيرهم، وإنما ذكره الصنعاني في " سبل السلام " (2 / 65) عند الكلام على حديثه المتقدم، فقال: " قال ابن عبد البر: إنه أسلم عام الفتح، وقيل: يوم اليمامة، وأبوه حزن بن أبي وهب المخزومي ".

وقد رجعت إلى كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البر، فلم أره ذكر ذلك. ثم عدت إلى الكتب الأخرى مثل " أسد الغابة " لابن الأثير و" تجريده " للذهبي، و" الإصابة " و" تهذيب التهذيب " للعسقلاني، فلم أجدهم زادوا على ما في " الاستيعاب "! فلو كان لذلك أصل عند ابن عبد البر لما خفي عليهم جميعا، ولما أغفلوه، لاسيما، وترجمته عندهم جرداء ليس فيها إلا أنه روى هذا الحديث الواحد! (1) ثم إن في حديثه ما قد يمكن أن يؤخذ منه أن إسلامه قد كان متقدما على عام الفتح فإنه قال: " وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فقلنا: يا رسول الله زرنالك فادع الله لنا بخير، فأمر بنا، أو أمر لنا بشيء من التمر، والشأن إذا ذاك دون، فأقمنا أياما شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.... " الحديث. فقوله: " والشأن إذا ذاك دون " يشعر بأنه قدم عليه صلى الله عليه وسلم والزمان زمان فقر وضيق في العيش، وليس هذا الوصف بالذي

ينطبق على زمان فتح مكة كما هو ظاهر، فإنه زمن فتح ونصر وخيرات وبركات، فالذي يبدو لي أنه أسلم في أو ائل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، والله أعلم.

وقول الصنعاني: " وأبوه حزن بن أبي وهب المخزومي خطأ آخر، لا أدري كيف وقع له هذا والذي قبله فإن حزن بن أبي وهب مخزومي وليس كلفيا، وهو سعيد بن المسيب بن حزن. وأما المقدمة الأخرى وهي أن المنبر عمل به صلى الله عليه وسلم سنة سبع، فهذا مما لا أعلم عليه دليلا إلا جزم ابن سعد بذلك، ولكن الحافظ ابن حجر لم يسلم به ونظر فيه لأمرين، أصححهما أنه خلاف ما دل عليه حديث ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك؟ قال: بلى، فاتخذ له منبرا مرقاتين ".

__________

(1) ثم إنه كلفي، نسبة إلى كلفة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، فليس مخزوميا. اهـ.

 

(2/382)

 

 

أخرجه أبو داود (1 / 170) بسند جيد كما قال الحافظ (2 / 318) . وتميم الداري إنما كان إسلامه سنة تسع فدل على أن المنبر إنما اتخذ في هذه السنة لا قبلها، ولكن قال الحافظ: " وفيه نظر أيضا لما ورد في حديث

الإفك في " الصحيحين " عن عائشة قالت: " فثار الحيان الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتلوا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فخفضهم حتى سكتوا ".

فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر، وإلا فهو أصح مما مضى ". ويشير الحافظ بهذا إلى أن قصة الإفك وقعت في غزوة المريسيع سنة أربع أو خمس على قولين، ورجح الحافظ (7 / 345) الثاني، وعليه فقد كان المنبر موجودا في السنة الخامسة، فهو يعارض ما دل عليه حديث تميم فلابد من التوفيق بينهما، وذلك يحمل ذكر المنبر في حديث الإفك على التجوز كما ذكره الحافظ. والله أعلم.

وسواء ثبت هذا الجمع أولم يثبت، فيكفي في الدلالة على عدم صحة ذلك الاستنتاج ثبوت ضعف المقدمة الأولى وهي كون الحكم بن حزن أسلم سنة ثمان، والله أعلم.

965 - " إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح، قالوا: فهل لذلك إمارة يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتنحي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت ".

ضعيف.

روي من حديث عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس، ومن حديث الحسن البصري، وأبي جعفر المدائني كلاهما مرسلا.

1 - أما حديث ابن مسعود، فله ثلاث طرق: الأولى: عن سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني: حدثنا محمد بن مسلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عنه. أخرجه ابن جرير (12 / 100 / 13855) . قلت: وهذا سند ضعيف وفيه علتان:

أ - ضعف الحراني هذا، ضعفه الدارقطني وغيره.

ب - الانقطاع بين أبي عبيدة وأبيه عبد الله بن مسعود فإنه لم يسمع منه.

الثانية: عن عدي بن الفضل، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن

ابن مسعود. أخرجه الحاكم (4 / 311) ساكتا عنه، وتعقبه الذهبي بقوله: " عدي ساقط ". قلت: قال ابن معين وأبو حاتم: " متروك الحديث ".

 

(2/383)

 

 

قلت: وشيخه المسعودي كان اختلط، واسم جده عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي. الثالثة: عن محبوب بن الحسن الهاشمي عن يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن مسعود به نحوه. أخرجه ابن جرير (رقم 13857) .

قلت: وهذا سند ضعيف، محبوب هذا - وهو لقبه واسمه محمد - مختلف فيه، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ضعيف. وذكره ابن حبان في " الثقات "، وروى له البخاري متابعة. وأما الراوي عنه يونس فهو ابن عبيد، ثقة من رجال الشيخين، وهو أكبر سنا من المسعودي فهو من رواية الأكابر عن الأصاغر.

وأما ابن عتبة فهو المسعودي الذي في السند الذي قبله، وقد أشكل هذا على الأستاذ الأديب محمود محمد شاكر في تعليقه على تفسير ابن جرير من جهة أنهم لم يذكروا في الرواة عنه يونس بي عبيد، مع كونه في طبقة شيوخ المسعودي، فلوكان يونس روى عنه لذكر مثل ذلك في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة. ثم رجح أن الصواب " عن يونس عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عتبة ".

وهو عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، وليس هو والد عبد الرحمن كما هو ظاهر من نسبهما، قال الأستاذ مبررا لترجيحه: " وهو الذي يروي عن عمه " عبد الله بن مسعود " وولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ورآه ومات سنة (74) ، فهو الخليق أن يروي عن يونس بن عبيد ".

قلت: هكذا قال، وأنا أرى أن ذلك بعيد عن الصواب لوجوه: أولا: أن الإشكال من أصله غير وارد، لأنه إنما يمكن القول به على فرض صحة السند بذلك، أما وهو ضعيف من أجل محبوب، فلا إشكال لأنه يمكن أن يقال حينئذ: أخطأ محبوب في تسمية شيخ يونس، ولا ضرورة بعد ذلك إلى محاولة الكشف عن خطإه وبيان الصواب فيه بمجرد الظن كما صنع الأستاذ.

ثانيا: إن حضرته في سبيل الخلاص من إشكال، وقع في إشكال آخر وهو تصويبه أنه من رواية يونس بن عبيد عن عبد الله بن عتبة الذي توفي سنة (74) . وقد ذكر هو نفسه أن يونس ابن عبيد مات سنة (140) والصواب أنه مات قبل ذلك بسنة، وعلى ذلك فتبين وفاتيهما (65) سنة، فكم كان سن يونس حين وفاة ابن عتبة؟ ذلك مما لم يصرحوا به، ولكن يمكن استنتاج ذلك من قول حميد بن الأسود " كان أسن من ابن عون بسنة ". وإذا رجعنا إلى ترجمة ابن عون واسمه عبد الله وجدنا أن مولده كان سنة (66) فإن مولد يونس يكون سنة (65) فإذا طرحنا هذا من

 

(2/384)

 

 

(74) سنة وفاة ابن عتبة عرفنا أن سن يونس حين وفاة ابن عتبة إنما هو تسع سنين، فهل يمكن لمن كان في مثل هذه السن أن يتلقى العلم عن الشيوخ ويحفظه؟ لسنا نشك أن ذلك ممكن، ولكنه بلا ريب شيء نادر، فادعاء وقوع مثله مما لا تطمئن النفس إليه إلا إن جاء ذلك بالسند الصحيح فيما نحن فيه، وهيهات، فإنه لوثبت أن يونس بن عبيد روى عن ابن عتبة لذكروا ذلك في ترجمته، لأنه يكون إسنادا عاليا، لا يغفل مثله عادة لوصح، وقد ذكروا فيها كثيرا من شيوخه من التابعين، أقدمهم وفاة حصين بن أبي الحر، عاش إلى قرب التسعين وإبراهيم التيمي مات سنة (92) فهما أكبر شيوخه وابن عتبة أكبر منهما بستة عشر عاما وأكثر، فلوكان من شيوخه لذكروه فيهم إن شاء الله تعالى.

ثالثا: قد كشفت الطريق التي قبل هذه أن راوي الحديث إنما هو عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، فهي متفقة من هذه الطريق في تسمية الراوي به، ولكن اختلفتا في الرواية عنه، فالأولى قالت: عنه عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود، فوصلته وهذه قالت عنه عن ابن مسعود، فأعضلته، وأسقطت من السند راويين، ولا شك أن هذه الطريق على ضعفها أقرب إلى الصواب من التي قبلها. وجملة القول أن هذه الطريق ضعيفة أيضا لإعضالها وضعف محبوب راويها.

والحديث قال السيوطي في " الدر المنثور " (3 / 44) : " أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم والبيهقي في " الشعب " من طرق عن ابن مسعود مرفوعا ". وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 82) : " رواه الحاكم والبيهقي في " الزهد " من حديث ابن مسعود ". ثم سكت عليه! وما كان يحسن به ذلك لما عرفت من شدة ضعف إسناده.

2 - وأما حديث ابن عباس، فيرويه حفص بن عمر العدني: حدثنا الحسن بن أبان عن عكرمة عنه مرفوعا نحوه. أخرجه ابن أبي حاتم في " تفسيره " (3 / 108 / 1) (1) وهذا سند ضعيف وله علتان. الأولى: الحكم بن أبان ضعيف الحفظ، وفي التقريب ": " صدوق له أوهام ". والأخرى: حفص بن عمر العدني، ضعيف جدا، قال ابن معين والنسائي: " ليس بثقة ". وقال العقيلي: " يحدث بالأباطيل ". وقال الدارقطني: " متروك ".

__________

(1) يوجد منه مجلدان في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة.

 

(2/385)

 

 

قلت: فهو آفة الحديث.

وقد فات هذا الإسناد جماعة من الحفاظ المخرجين، فلم يذكروه ولا أشاروا إليه البتة، كالحافظ ابن كثير والسيوطي وغيرهما، فالحمد لله الذي يسر لي طريق الوقوف عليه ومعرفة حاله.

3 - وأما حديث الحسن البصري، فلم أقف على إسناده، وإنما ذكره السيوطي من تخريج ابن أبي الدنيا في " كتاب ذكر الموت " عنه مرسلا نحوه، وهو لم يتكلم على إسناده كما هي عادته، وذلك من عيوب كتابه الحافل بالأحاديث والآثار.

4 - وأما حديث أبي جعفر المدائني، فأخرجه ابن جرير (13852 و13853) وابن أبي حاتم من طرق عن عمرو بن مرة عن أبي جعفر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن قيس عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن المسور (1) قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.... الحديث نحوه. ورواه ابن جرير (13856) عن خالد بن أبي كريمة عن عبد الله بن المسور به. قلت: وهذا سند مرسل هالك، فإن أبا جعفر هذا هو عبد الله بن المسور كما في ... عمرو بن قيس عن عمرو، ورواية ابن أبي كريمة كلاهما عن عبد الله بن المسور، وقد ذكر الذهبي في كنى " الميزان ": " أبو جعفر الهاشمي المسوري هو عبد الله بن المسور، وهو أبو جعفر المدائني ".

وقد ذكروا في ترجمته من " الأسماء ": " قال أحمد وغيره: أحاديثه موضوعة، وقال ابن المديني: كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يضع إلا ما فيه أدب أو زهد، فيقال له في ذلك، فيقول: إن فيه أجرا! وقال النسائي: " كذاب ". وقال إسحاق بن راهويه: " كان معروفا عند أهل العلم بوضع الحديث، وروايته إنما هي عن التابعين، ولم يلق أحدا من الصحابة ".

والحديث قال في " الدر ": " أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في " الأسماء والصفات " عن عبد الله بن مسعود ". وعزاه الحافظ ابن كثير في " تفسيره ".... وحده! وهو أول طرق هذا الحديث عنده من ثلاث طرق والطريق الثاني ... عن أبي عبيدة عن (2) ابن مسعود، والثالثة طريق عبد الرحمن بن عبد الله (3) بن عتبة عنه، ثم ختمها بقول له: " فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة، يشد بعضها بعضا ".

قلت: وهذا من أوهامه رحمه الله تعالى، فإن طريقه الأولى معضلة مع كذب الذي أعضله!

__________

(1) تصحف اسمه في تفسير ابن كثير فصار " عبد الله بن مسعود "! .

(2) وقع في تفسير ابن كثير " بن " بدل " عن "! .

(3) وقع فيه " عبيد " بدل " عبد الله "! . اهـ.

 

(2/386)

 

 

والثانية منقطعة، مع ضعف أحد رواته، والثالثة معضلة أيضا مع ضعف أحد رواته فأين الطريق المتصلة؟ ! وقد زدنا عليه طريقين آخرين إحداهما عن الحسن وهو مرسلة أيضا، والأخرى عن ابن عباس، وهي الوحيدة في الاتصال، ولكن فيها متروك كما سبق بيانه.

وجملة القول: أن هذا الحديث ضعيف لا يطمئن القلب لثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة الضعف الذي في جميع طرقه، وبعضها أشد ضعفا من بعض، فليس فيها ما ضعفه يسير يمكن أن ينجبر، خلافا لما ذهب إليه ابن كثير، وإن قلده في ذلك جماعة ممن ألفوا في التفسير، كالشوكاني في " فتح القدير " (2 / 154) ، وصديق حسن خان في " فتح البيان " (2 / 217) ، وجزم الآلوسي في " روح المعاني بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم، ومن قبله ابن القيم في " الفوائد " (ص 27 - طبع دار مصر) ، وعزاه للترمذي! فجاء بوهم آخر، والعصمة لله وحده.

966 - " من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط، فكأنما جلس على جمرة ".

منكر بهذا اللفظ.

أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 297) عن ابن وهب وسليمان بن داود (وهو الطيالسي) كلاهما عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن كعب عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، فإن ابن أبي حميد هذا قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال النسائي: " ليس بثقة "، ولهذا قال الحافظ في " الفتح " (3 / 174) بعد أن ذكر الحديث. " إسناده ضعيف ".

وقد رواه عنه أبو داود الطيالسي في مسنده " بلفظ آخر فقال: (1 / 168 - ترتيبه) : حدثنا محمد بن أبي حميد عن محمد بن كعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن يجلس أحدكم على جمرة خير له من أن يجلس على قبر ". قال أبوهريرة: يعني يجلس لغائط أو بول.

قلت: وهذا التفسير للجلوس وإن كان باطلا في نفسه كما سيأتي، فهو بالنظر لكونه منسوبا لأبي هريرة أقرب من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية الطحاوي وهو أخرجها كما رأيت من طريق ابن وهب عن ابن أبي حميد، ثم من طريق الطيالسي عنه بلفظ ابن وهب مغايرا للفظه في " المسند ".

وهذا أقرب أيضا، لأنه روى الحديث المرفوع عن الجادة كما رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ".

 

(2/387)

 

 

رواه مسلم (3 / 62) وأصحاب السنن إلا الترمذي والطحاوي وغيرهم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا، فهذا هو المحفوظ عن أبي هريرة بالسند الصحيح عنه (1) ، فرواية ابن أبي حميد منكرة لمخالفتها لرواية الثقة، أما على رواية الطحاوي فظاهر، وأما على رواية الطيالسي التي فيها التفسير الباطل، فلأنها تضمنت زيادة على رواية الثقة من ضعيف فلا تقبل اتفاقا، وأيضا، فقد ثبت عن أبي هريرة عمله بالحديث على ظاهره، فروى الشافعي في " الأم " (1 / 246) وابن أبي شيبة في " المصنف " (4 / 137) عن محمد بن أبي يحيى عن أبيه قال: " كنت أتتبع أبا هريرة في الجنائز، فكان يتخطى القبور، قال: " لأن يجلس ... " فذكر الحديث موقوفا، وسنده جيد (2) فدل هذا على بطلان ما روى ابن أبي حميد عن أبي هريرة من تفسير الجلوس على القبر بالبول والتغوط عليه، لأن أبا هريرة استدل بالحديث على تخطيه للقبور وعدم وطئها، فدل على أنه هو المراد، وهو الذي لا يظهر من الحديث سواه، ومن الغرائب أن يتأوله بعض العلماء الكبار بالجلوس للغائط وأغرب منه أن يحتج الطحاوي لذلك باللغة، فيقول: " وذلك جائز في اللغة، يقال: جلس فلان للغائط، وجلس فلان للبول "!! .

وما أدري والله كيف يصدر مثل هذا الكلام من مثل هذا الإمام، فإن الجلوس الذي ورد النهي عنه في الأحاديث مطلق، فهل في اللغة " جلس فلان " بمعنى تغوط أو بال؟ ! فما معنى قوله إذن: يقال جلس فلان للغائط ... " فمن نفى هذا وما علاقته بالجلوس المطلق؟ ! ولذلك جزم العلماء المحققون كابن حزم والنووي والعسقلاني ببطلان ذلك التأويل، فمن شاء الاطلاع على ذلك فليراجع " المحلى " (5 / 136) و" فتح الباري " (3 / 174) .

وإن من شؤم الأحاديث الضعيفة أن يستدل بها بعض أهل العلم على تأويل الأحاديث الصحيحة كهذا الحديث، فقد احتج به الطحاوي لذلك التأويل الباطل! واحتج أيضا بحديث آخر فقال: " حدثنا سليمان بن شعيب قال: حدثنا الخصيب قال: حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة أن زيد بن ثابت قال: هلم يا ابن أخي أخبرك إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور لحدث: غائط أو بول ".

قلت: وهذا سند رجاله ثقات معرفون غير عمرو بن علي، فلم أعرفه، ولم أجد في هذه الطبقة من اسمه عمرو بن علي، ويغلب على الظن أن واو (عمرو) زيادة من بعض النساخ، وأن الصواب (عمر بن علي) (3) وهو عمرو بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي وهو ثقة ولكنه كان يدلس تدليسا عجيبا يعرف بتدليس السكوت قال ابن سعد كان يدلس تدليسا شديدا يقول: سمعت وحدثنا، ثم يسكت فيقول: هشام بن عروة والأعمش ".

__________

(1) وتابعه سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه، أخرجه ابن عدي (60 / 2) والخطيب (11 / 252) وكذا أبو نعيم في " الحلية " (7 / 207) لكن فيه الجارود بن يزيد متروك وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 209) .

(2) وسيأتي له طريق أخرى بإسناد صححه الحافظ.

(3) ثم تأكدت من ذلك، حينما رأيت الحافظ المزي قد ذكر في " التهذيب " عثمان بن حكيم في شيوخ عمر بن علي هذا. اهـ.

 

(2/388)

 

 

قلت: ومثل هذا التدليس حري بحديث صاحبه أن يتوقف عن الاحتجاج به ولوصرح بالتحديث خشية أن يكون سكت بعد قوله حدثنا، ولا يفترض في كل الرواة الآخذين عنه أن يكونوا قد تنبهو التدليسه هذا، وكأنه لهذا الذي أوضحنا، اقتصر الحافظ في " الفتح " (3 / 174) على قوله " ورجال إسناده ثقات " ولم يصححه، بينما رأيناه قد صرح بتصحيح إسناد الحديث من طريق أخرى عن عثمان بن حكيم بنحوه وقد علقه البخاري عنه فقال: " وقال عثمان بن حكيم: أخذ بيدي خارجة، فأجلسني على قبر، وأخبرني عن عمه يزيد بن ثابت قال: إنما كره ذلك لمن أحدث عليه ".

فقال الحافظ: " وصله مسدد في " مسنده الكبير " وبين فيه سبب إخبار خارجة لحكيم بذلك ولفظه: حدثنا عيسى بن يونس: حدثنا عثمان بن حكيم: حدثنا عبد الله بن سرجس وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول: لأن أجلس على جمرة فتحرق ما دون لحمي حتى تفضي إلي أحب إلي من أن أجلس على قبر، قال عثمان: فرأيت خارجة بن زيد في المقابر، فذكرت له ذلك فأخذ بيدي ... الحديث. وهذا إسناد صحيح ".

ففي هذا الإسناد الصحيح لم يصرح الراوي برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف السند الذي قلبه المعلول، أقول هذا، وأنا على ذكر أن قول الصحابي " نهى عن كذا " في حكم المرفوع، ولكن هذا شيء، وقوله: " إنما نهى عن كذا " شيء آخر، ففي هذا القول شيئان: الأول النهي، وهو في حكم المرفوع، والآخر وهو تعليل النهي فهو موقوف ولا يزم من كون الأول مرفوعا أن يكون الأخر كذلك، لجواز أنه قاله باجتهاد من عنده لا بتوقيف له من النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيد هذا ورود النهي عن الاتكاء على القبر الذي هو دون الجلوس عليه فقال الحافظ: " ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أحمد من حديث عمرو بن حزم الأنصاري مرفوعا " لا تقعدوا على القبور ". وفي رواية له عنه: " رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متكئ على قبر فقال: " لا تؤذ صاحب القبر ". إسناده صحيح، وهو دال على أن المراد بالجلوس القعود على حقيقته ".

قلت: وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (209 - 210) .

967 - " نهى أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة ".

منكر.

أخرجه أبو داود (1 / 157) حدثنا أحمد بن حنبل، وأحمد بن محمد بن شبويه، ومحمد بن رافع، ومحمد بن عبد الملك الغزال قالوا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال أحمد بن حنبل - أن يجلس في الصلاة وهو معتمد على يده - قال ابن شبويه: أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة، وقال ابن رافع: نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده وذكره في باب الرفع من السجود، وقال ابن عبد الملك: نهى أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة ".

 

(2/389)

 

 

قلت: فقد اختلف في لفظ هذا الحديث على عبد الرزاق كما ترى من أربعة وجوه:

الأول: رواية أحمد بلفظ " نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده ".

الثاني: رواية ابن شبويه بلفظ: نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة.

الثالث: رواية ابن رافع: نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده.

الرابع: رواية عبد الملك باللفظ المذكور أعلاه. ومن البين الواضح أن الحديث واحد لأن الطريق واحد، وإنما تعددت الطرق من بعد عبد الرزاق، واختلفوا عليه، وإذا كان كذلك، فينبغي النظر في الراجح من هذه الوجوه المختلفة، لأن في بعضها معارضة للبعض الآخر، وهو الوجه الأول والرابع، فإن الأول صريح في أن النهي عن الاعتماد في الصلاة في الجلوس، وذلك يكون في التشهد أو بين السجدتين، والآخر صريح في أن النهي عن الاعتماد إنما هو إذا نهض في الصلاة وذلك من التشهد الأول في المعنى، فلا تعارض بينهما، كما أنه لا تعارض بينهما من جهة وبين الوجهين الآخرين من جهة أخرى، لأنهما مجملان بالنسبة إلى الوجهين الآخرين، يقبلان التفسير بأحدهما فبأيهما يفسران؟ هذا هو موضع البحث والتحقيق. ومما لا شك فيه أن الوجه الأول هو الراجح، وذلك ظاهر من النظر في الراوي له عن عبد الرزاق، وهو الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فإنه من الأئمة المشهور ين بالحفظ والضبط والإتقان، فلا يقوم أمامه أيا كان من الثقات عند المخالفة، لاسيما إذا كان فيه كلام مثل راوي الوجه الآخر محمد بن عبد الملك الغزال هذا، فإنه وإن وثقه النسائي وغيره، فقد قال مسلمة: " ثقة كثير الخطأ ".

قلت: فمثله لا يحتج به إذا خالفه الثقة، فكيف إذا كان المخالف له إماما ثبتا كالإمام أحمد بن حنبل؟ ! فكيف إذا توبع فيه الإمام أحمد، وبقي الغزال فريدا غريبا، فقد أخرج أحمد الحديث في " مسنده " (رقم 6347) هكذا كما رواه عنه أبو داود، وتابعه إسحاق بن إبراهيم الدبري راوي " مصنف عبد الرزاق " عنه، فقد أورد الحديث فيه (2 / 197 / 3054) بلفظ أحمد إلا أنه قال: " يديه "، وترجم له بقوله: " باب الرجل يجلس معتمدا على يديه في الصلاة " وكذلك رواه البيهقي في " سننه " (2 / 135) من طريق " المسند " ومن طريق أبي داود عن أحمد مقرونا مع شيوخ أبي داود الآخرين في هذا الحديث وساق ألفاظهم كما فعل أبو داود. ثم قال في رواية أحمد

: " وهذا أبين الروايات، ورواية غير ابن عبد الملك لا تخالفه، وإن كان أبين منها، ورواية ابن عبد الملك وهم، والذي يدل على أن رواية أحمد بن حنبل هي المراد بالحديث أن هشام بن يوسف رواه عن معمر كذلك ".

 

(2/390)

 

 

ثم ساق من طريق الحاكم، وهذا في " المستدرك " (1 / 272) عن إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى رجلا وهو جالس معتمدا على يده اليسرى في الصلاة وقال: إنها صلاة اليهود ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ويدل على ذلك أيضا رواية هشام بن سعد قال: عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا ساقطا يده في الصلاة فقال: " لا تجلس هكذا، إنما هذه جلسة الذين يعذبون ". أخرجه أحمد (5972) بسند جيد ورواه أبو داود والبيهقي من طرق أخرى عن هشام به موقوفا، والرفع زيادة من ثقة فهي مقبولة، لاسيما وطريق إسماعيل بن أمية أقوى من هذه ولم يختلف عليه في رفعه.

فتبين مما سبق أن الحديث عن ابن عمر في النهي عن الاعتماد في الجلوس في الصلاة وهذا هو المحفوظ، وأن رواية الغزال إياه في النهي عن الاعتماد إذا نهض شاذ بل منكر، لمخالفته لروايات الثقات على سوء حفظه.

(تنبيه) : قد وقعت بعض الأوهام حول هذا الحديث لبعض العلماء، فرأيت من النصيحة التنبيه عليها:

أولا: قال النووي في " المجموع " (3 / 445) مبينا علة الحديث: " إنه من رواية محمد بن عبد الملك الغزال وهو مجهول "! وقد عرفت أنه ليس بمجهول، بل هو ثقة سيء الحفظ.

ثانيا: نقل صاحب " عون المعبود " (1 / 376) عن السيد عبد الله الأمير أنه قال: إن محمد ابن عبد الملك هذا هو محمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي قال فيه في " التقريب ": " صدوق ". وأقره عليه، وهو وهم منهما، فإن محمد بن عبد الملك هذا هو الغزال كما صرح بذلك أبو داود في روايته كما تقدم، وقد نبه على هذا الوهم الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى.

ثالثا: احتج بهذا الحديث الحنفية والحنابلة على أن المصلي لا يعتمد على يديه عند النهو ض من السجدة الثانية في الوتر من الصلاة، وأغرب من ذلك أن يتابعهم عليه العلامة ابن القيم في كتابه المفرد في " الصلاة "! وذكر في " زاد المعاد " أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يعتمد على الأرض بيديه! وليس له في النفي مستند صحيح كما بينته في " التعلقات الجياد " (1 / 38) بل هو معارض لظاهر حديث مالك بن الحويرث أنه كان يقول: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى في غير وقت الصلاة، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول الركعة استوى قاعدا، ثم قام فاعتمد على الأرض. أخرجه النسائي (1 / 173) والشافعي في " الأم " (1 / 101) والبيهقي (2 / 124 و135) بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو عند البخاري (2 / 241) نحوه.

 

(2/391)

 

 

أقول: فظاهر قوله " فاعتمد على الأرض " أي بيديه عند النهو ض، وقد قال السيد عبد الله الأمير " وعند الشافعي: واعتمد بيديه على الأرض ".

ولكني لم أجد هذه الزيادة " بيديه " عند الشافعي ولا عند غيره، وإن كان معناها هو المتبادر من الاعتماد، وفي " الفتح ": قيل يستفاد من الاعتماد أن يكون باليد، لأنه افتعال من العماد، والمراد به الاتكاء، وهو باليد، وروى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا عى يديه قبل أن يرفعهما ".

قلت: تقدم بيان ضعف إسناده تحت الحديث (929) لكني وجدت له شاهدا قويا موقوفا ومرفوعا يرويه حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس قال: رأيت ابن عمر إذا قام من الركعتين اعتمد على الأرض بيديه، فقلت لولده وجلسائه: لعله يفعل هذا من الكبر؟ قالوا لا ولكن هكذا يكون، أخرجه البيهقي (2 / 135) .

قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات كلهم. فقوله: " هكذا يكون " صريح في أن ابن عمر كان يفعل ذلك اتباعا لسنة الصلاة، وليس لسن أو ضعف، وقد جاء عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فأخرجه أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 98 / ... ) عن الأزرق بن قيس: رأيت ابن عمر يعجن (1) في الصلاة: يعتمد على يديه في الصلاة إذا قام، فقلت له:؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.

قلت: وإسناده حسن، وهو هكذا: حدثنا عبيد الله (الأصل: عبد الله وهو خطأ من الناسخ) بن عمر حدثنا يونس بن بكير عن الهيثم بن عطية عن قيس بن الأزرق بن قيس به.

قلت: وابنا قيس ثقتان من رجال الصحيح. والهيثم هو ابن عمران الدمشقي، أورده ابن حبان في " الثقات " (2 / 296) وقال: " يروي عن عطية بن قيس، روى عنه الهيثم بن خارجة ". وأورده ابن حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 82 - 83) وقال: " روى عنه محمد بن وهب بن عطية، وهشام بن عمار، وسليمان بن شرحبيل ". قلت: ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن رواية هؤلاء الثقات الثلاثة عنه ويضم إليهم رابع وهو الهيثم بن خارجة، وخامس وهو يونس بن بكير، مما يجعل النفس تطمئن لحديثه لأنه لوكان في شيء من الضعف لتبين في رواية أحد هؤلاء الثقات عنه، ولعرفه أهل الحديث كابني حبان وأبي حاتم زد على ذلك أنه قد توبع على روايته هذه كما تقدم قريبا من حديث حماد بن سلمة نحوه. والله أعلم.

وأما يونس بن بكير وعبيد الله بن عمر، فثقتان من رجال مسلم، والآخر روى له البخاري أيضا وهو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري، ووقع في " التهذيب " (ابن عمرو) بزيادة الواو

__________

(1) أي يعتمد على يديه إذا قام كما يفعل الذي يعجن العجين. " نهاية ". اهـ.

 

(2/392)

 

 

وهو خطأ مطبعي، وقد ذكر الخطيب في الرواة عنه من ترجمته (10 / 320) إبراهيم الحربي هذا. وجملة القول: أن الاعتماد على اليدين عند القيام سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك مما يؤكد ضعف هذا الحديث في النهي عن الاعتماد، وكذا الحديث الآتي بعده.

(تنبيه) : لقد خفي حديث ابن عمر هذا المرفوع على الحفاظ الجامعين المصنفين كابن الصلاح والنووي والعسقلاني وغيرهم، فقد، فقد جاء في " تلخيص الحبير " (1 / 260) ما نصه: " حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام في صلاته وضع يده على الأرض كما يضع العاجن، قال ابن الصلاح في كلامه على " الوسيط ": هذا الحديث لا يصح، ولا يعرف، ولا يجوز أن يحتج به، وقال النووي في " شرح المهذب ": هذا حديث ضعيف، أو باطل لا أصل له، وقال في " التنقيح ": ضعيف باطل ".

هذه هي كلماتهم كما نقلها الحافظ العسقلاني عنهم، دون أن يتعقبهم بشيء، اللهم إلا بأثر ابن عمر الذي عزاه في " الفتح " لعبد الرزاق، فإنه عزاه هنا للطبراني في " الأوسط "، فلم يقف على هذا الحديث المرفوع صراحة، مصداقا للقول المشهور: كم ترك الأول للآخر. فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.

968 - " من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع ".

ضعيف.

أخرجه البيهقي في " سننه " (2 / 136) والضياء في " المختارة " (1 / 260) عن عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد بن زياد السوائي عن أبي جحيفة عن علي رضي الله عنه قال: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف، علته عبد الرحمن هذا، قال الذهبي: " ضعفوه ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ".

قلت: وهو راوي حديث علي في وضع اليدين في الصلاة تحت السرة، رواه بهذا السند الواهي، فإن زياد بن زياد هذا مجهول كما قال الحافظ تبعا لابن أبي حاتم.

(تنبيه) : هذا الحديث. وإن كان في " المختارة " فهو مضروب عليه مع حديث وضع اليدين المشار إليه بخط أفقي، مما يشعر بأن المصنف عدل عنه، وهو اللائق به، فإن إيراد مثل هذا الحديث بهذا الإسناد مما لا يتفق في شيء مع " الأحاديث المختارة ".

 

(2/393)

 

 

969 - " أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار: حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة ".

ضعيف.

أخرجه الدارقطني (21) والبيهقي (1 / 114) من طريق أبي بن العباس بن

 

(2/393)

 

 

سهل الساعدي قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال ... ". وقال الدارقطني: " إسناده حسن ". وأقره البيهقي وتبعهما ابن القيم فقال في " إعلام الموقعين " (3 / 487) : " حديث حسن ".

قلت: وفي ذلك نظر عندي، فإن أبيا هذا وقد تفرد بهذا الحديث مجروح، ولم يوثقه أحد، بل كل من عرف كلامه فيه ضعفه، فقال ابن معين: " ضعيف ". وقال أحمد: " منكر الحديث ". وقال البخاري: " ليس بالقوي ". كذا قال النسائي، وقال العقيلي: " له أحاديث لا يتابع على شيء منها: (حجران للصفحتين وحجر للمسربة) ". وأورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 290) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

وأما قول الذهبي في " الميزان ": " قلت: أبي وإن لم يكن بالثبت فهو حسن الحديث ". فهذا مما لا وجه له عندي بعد ثبوت تضعيفه ممن ذكرنا من الأئمة، ولعله استأنس بتخريج البخاري له، ولا مستأنس له فيه، بعد تصريح البخاري نفسه بأنه ليس بالقوي، لاسيما وهو لم يخرج له إلا حديثا واحدا ليس فيه تحريم ولا تحليل، ولا كبير شيء، وإنما هو في ذكر خيل النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه كان للنبي صلى الله عليه وسلم فرس يقال له اللحيف ". ومع ذلك فلم يتفرد به بل تابعه أخوه عبد المهيمن بن عباس عند ابن منده كما ذكر الحافظ في " الفتح " (6 / 44 - 45) ، وكأن الذهبي تراجع عن ذلك حين أورد أبيا هذا في " الضعفاء " وقال: " ضعفه ابن معين وقال أحمد: منكر الحديث "، وقال الحافظ في " التقريب ": " فيه ضعف، ماله في البخاري غير حديث واحد ".

(تنبيه) وقع للصنعاني في " سبل السلام " (1 / 177) وهم عجيب حول هذا الحديث فقال في شرح حديث سلمان في النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار: " وقد ورد كيفية استعمال الثلاثة في حديث ابن عباس: حجران للصفحتين وحجر للمسربة - وهي بسين مهملة وراء مضمومة أو مفتوحة مجرى الحدث من الدبر ". فتصحف عليه " أبي بن عباس " بـ " ابن عباس "! ثم سقط عنه باقي السند وأنهم من مسند سهيل بن سعد الساعدي! ثم إنه جزم بورود الحديث، وليس بجيد، والظاهر أنه قلد الدارقطني أو غيره فقد رأيت الحديث - بعد كتابة ما تقدم - في " تلخيص الحبير " (ص 41) : " قال المصنف - يعني الرافعي - هو حديث ثابت رواه الدارقطني وحسنه والبيهقي والعقيلي في " الضعفاء " من رواية أبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قال الحازمي: لا يروى إلا من هذا الوجه، وقال العقيلي: لا يتابع على

 

(2/394)

 

 

شيء من أحاديثه، يعني أبيا، وقد ضعفه ابن معين وأحمد وغيرهما، وأخرج له البخاري حديثا واحدا في غير حكم ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (1 / 211) وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " وفيه عتيق بن يعقوب الزبيري قال أبو زرعة أنه حفظ " الموطأ " في حياة مالك ". قلت: وهذا قد وثقه الدارقطني وابن حبان، وهو الراوي لهذا الحديث عن أبي بن العباس، فالتعلق عليه في إعلال الحديث دون شيخه أبي لا يخفى ما فيه.

970 - " إذا فرغ الرجل من صلاته فقال: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما، كان حقا على الله عز وجل أن يرضيه ".

موضوع.

عزاه في " الجامع الكبير " (1 / 68 / 1) لأبي نصر السجزي في " الإبانة " عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده رضي الله عنهم وقال: " غريب ".

قلت بل هو موضوع، فقد وقفت على إسناده، أخرجه الحافظ عبد الغني المقدسي في " الثالث والتسعين " (43 / 2) من طريق السجزي بسنده عن زيد بن الحريش: حدثنا عمرو بن خالد عن أبي عقيل الدورقي عن هشام بن عروة به. قلت: وهذا سند موضوع، آفته عمرو بن خالد وهو أبو خالد القرشي، قال أحمد وابن معين وغيرهما: " كذاب ". وقال إسحاق بن راهويه وأبو زرعة: " كان يضع الحديث ". ونحوه في " المجروحين " (2 / 74 - 75) لابن حبان. وزيد بن الحريش هو الأهوازي، قال ابن القطان: " مجهول الحال ".

 

(2/395)

 

 

971 - " اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيك، فرد عليه شرقها، (وفي رواية) : اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس، قالت أسماء، فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت ".

موضوع.

أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 9) من طريق أحمد بن صالح: حدثنا ابن أبي فديك: حدثني محمد بن موسى عن عون بن محمد عن أمه أم جعفر عن أسماء بنت عميس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بـ (الصهباء) ، ثم أرسل عليا عليه السلام في حاجة، فرجع

 

(2/395)

 

 

وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في حجر علي (فنام) ، فلم يحركه حتى غابت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (فذكره باللفظ الأول وزاد) : قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال، وعلى الأرض، ثم قام علي فتوضأ وصلى العصر، ثم غابت، وذلك في (الصهباء) ".

قال الطحاوي: " محمد بن موسى هو المدني المعروف بـ (الفطري) ، وهو محمود في روايته، وعون بن محمد، هو عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، وأمه هي أم جعفر ابنة محمد بن جعفر بن أبي طالب ". وأقول: وهذا سند ضعيف مجهول، وكلام الطحاوي عليه لا يفيد صحته، بل لعله يشير إلى تضعيفه، فإنه سكت عن حال عون بن محمد وأمه، بينما وثق الفطري هذا، فلوكان يجد سبيلا إلى توثيقهما لوثقهما كما فعل بالفطري، فسكوته عنهما في مثل هذا المقام مما يشعر أنهما عنده مجهولان، وهذا هو الذي ينتهي إليه الباحث، فإن الأول منهما، أورده ابن أبي حاتم (3 / 1 / 386) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات " (2 / 228) على قاعدته في توثيق المجهولين! وأما أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب، فهي من رواة ابن ماجه، أخرج لها حديثا واحدا في " الجنائز " (رقم 1611) وقد أعله الحافظ البوصيري بأن في إسناده مجهولتين إحداهما أم عون هذه، وقد ذكرها الحافظ في " التهذيب " دون توثيق أو تجريح، وقال في " التقريب ": " مقبولة " يعني عند المتابعة، وإلا فهي لينة الحديث عنده.

قلت: وقد توبعت من فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، وهي ثقة فاضلة، إلا أن الطريق إليها لا يصح، أخرجه الطحاوي (2 / 8) والطبراني في " الكبير " من طريق الفضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، ورأسه في حجر علي

، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صليت يا علي؟ قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكر الرواية الثانية، قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 297) بعد أن ساق هذه الرواية والتي قبلها، ومنه نقلت الزيادة فيها: " رواه كله الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح غير إبراهيم بن حسن وهو ثقة وثقه ابن حبان، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب لم أعرفها ".

قلت: بل هي معروفة، فهي فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب كما تقدم، والظاهر أنها وقعت في معجم الطبراني منسوبة إلى جدها علي بن أبي طالب، ولذلك لم يعرفها الهيثمي، والله أعلم.

 

(2/396)

 

 

أما قوله في " إبراهيم بن حسن " أنه ثقة، ففيه تساهل لا يخفى على أهل العلم، لأنه لم يوثقه غير ابن حبان كما عرفت، وهو قد أشار إلى أن توثيقه إياه إنما بناه على توثيق ابن حبان، وإذا كان هذا معروف بالتساهل في التوثيق فمن اعتمد عليه وحده فيه فقد تساهل، وقد أورد إبراهيم هذا ابن أبي حاتم (1 / 1 / 92) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو في أول المجلد الثاني من " كتاب الثقات " لابن حبان. ثم إن فضيل بن مرزوق وإن كان من رجال مسلم فإنه مختلف فيه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب ": " صدوق يهم "، وقال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في كلام له طويل على هذا الحديث في " منهاج السنة " (4 / 189) : " وهو معروف بالخطأ على الثقات، وإن كان لا يتعمد الكذب، قال فيه ابن حبان: " يخطىء على الثقات، ويروي عن عطية الموضوعات ". وقال فيه أبو حاتم الرازي: " لا يحتج به ". وقال فيه يحيى بن معين مرة: " هو ضعيف " وهذا لا يناقضه قول أحمد بن حنبل فيه: " لا أعلم إلا خيرا "، وقول سفيان: " هو ثقة "، فإنه ليس ممن يتعمد الكذب ولكنه يخطىء، وإذا روى له مسلم ما تابعه عليه غيره، لم يلزم أن يروي ما انفرد به مع أنه لم يعرف سماعه عن إبراهيم ولا سماع إبراهيم من فاطمة، ولا سماع فاطمة من أسماء، ولابد في ثبوت هذا الحديث من أن يعلم أن كلا من هؤلاء عدل ضابط، وأنه سمع من الآخر، وليس هذا معلوما ".

قلت: ثم إن في هذه الطريق ما يخالف الطريق الأولى، ففيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقظانا يوحى إليه حينما كان واضعا رأسه في حجر علي رضي الله عنه، وفي الأولى أنه كان نائما، وهذا تناقض يدل على أن هذه القصة غير محفوظة، كما قال ابن تيمية (4 / 184) . والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال (1 / 356) " موضوع بلا شك، وقال الجوزقاني: هذا حديث منكر مضطرب ".

ثم أعله بالفضيل هذا فقط، وفاته جهالة إبراهيم، ولم يتعقبه السيوطي في هذا، وإنما تعقبه في تضعيف الفضيل، فقال في " اللآلىء " (1 / 174 - الطبعة الأولى) : " ثقة صدوق، واحتج به مسلم في " صحيحه " وأخرج له الأربعة ". وهذا ليس بشيء، وقد عرفت الجواب عن ذلك مما سبق، ثم ساق له السيوطي طرقا أخرى كلها معلولة، وأما قول الحافظ في " الفتح " (6 / 155) : " وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في " الموضوعات "، وكذا ابن تيمية في كتاب " الرد على الروافض " في زعمه وضعه والله أعلم ".

فهو مع عدم تصريحه بصحة إسناده، فقد يوهم من لا علم عنده أنه صحيح عنده! وهو إنما يعني أنه غير موضوع فقط، وذلك لا ينفي أنه ضعيف كما هو ظاهر، وابن تيمية رحمه الله لم يحكم على الحديث بالوضع من جهة إسناده، وإنما من جهة متنه، أما الإسناد، فقد اقتصر على تضعيفه، فإنه ساقه من حديث أسماء وعلي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة،

 

(2/397)

 

 

ثم بين الضعف الذي في أسانيدها، وكلها تدور على رجال لا يعرفون بعدالة ولا ضبط، وفي بعضها من هو متروك منكر الحديث جدا، وأما حكمه على الحديث بالوضع متنا، فقد ذكر في ذلك كلاما متينا جدا، لا يسع من وقف عليه، إلا أن يجزم بوضعه، وأرى أنه لابد من نقله ولوملخصا ليكون القارئ على بينة من الأمر فقال رحمه الله: " وحديث رد الشمس لعلي، قد ذكره طائفة كالطحاوي والقاضي عياض وغيرهما، وعدوا ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث، يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع،

كما ذكره ابن الجوزي في (الموضوعات) ".

ثم ذكر حديث " الصحيحين " في حديث الشمس لنبي من الأنبياء، وهو يوشع بن نون، كما في رواية لأحمد والطحاوي بسند جيد كما بينته في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " رقم (202) ثم قال: " فإن قيل: فهذه الأمة أفضل من بني إسرائيل، فإذا كانت قد ردت ليوشع فما المانع أن ترد لفضلاء هذه الأمة؟ فيقال: يوشع لم ترد له الشمس، ولكن تأخر غروبها وطول له النهار وهذا قد لا يظهر للناس، فإن طول النهار وقصره لا يدرك، ونحن إنما علمنا وقوفها ليوشع بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا لا مانع من طول ذلك، ولوشاء الله لفعل ذلك، لكن يوشع كان محتاجا إلى ذلك لأن القتال كان محرما عليه بعد غروب الشمس، لأجل ما حرم الله عليهم من العمل ليلة السبت ويوم السبت وأما أمة محمد فلا حاجة لهم إلى ذلك، ولا منفعة لهم فيه، فإن الذي فاتته العصر إن كان مفرطا لم يسقط ذنبه إلا التوبة، ومع التوبة لا يحتاج إلى رد، وإن لم يكن مفرطا كالنائم والناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد الغروب. وأيضا فبنفس غروب الشمس خرج الوقت المضروب للصلاة، فالمصلي بعد ذلك لا يكون مصليا في الوقت الشرعي ولوعادت الشمس، وقول الله تعالى " فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " يتناول الغروب المعروف، فعلى العبد أن يصلي قبل هذا الغروب وإن طلعت ثم غربت. والأحكام المتعلقة بغروب الشمس حصلت بذلك الغروب، فالصائم يفطر ولوعادت بعد ذلك لم يبطل صومه، مع أن هذه الصورة لا تقع لأحد، ولا وقعت لأحد، فتقديرها تقدير ما لا وجود له.

وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم فاتته صلاة العصر يوم الخندق، فصلاها قضاء هو وكثير من أصحابه، ولم يسأل الله رد الشمس، وفي " الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه، بعد ذلك لما أرسلهم إلى بني قريظة، " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة "، فلما أدركتهم الصلاة في الطريق، قال بعضهم: لم يرد من تفويت الصلاة، فصلوا في الطريق، فقالت طائفة: لا نصلي إلا في بني قريظة، فلم يعنف واحدة من الطائفتين، فهؤلاء الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلوا العصر بعد غروب الشمس وليس علي بأفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا صلاها هو وأصحابه معه بعد الغروب،

 

(2/398)

 

 

فعلي وأصحابه أولى بذلك، فإن كانت الصلاة بعد الغروب لا تجزي أو ناقصة تحتاج إلى رد الشمس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى برد الشمس، وإن كانت كاملة مجزئة فلا حاجة إلى ردها. وأيضا فمثل هذه القضية من الأمور العظام الخارجة عن العادة التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها، فإذا لم ينقلها إلا الواحد والاثنان، علم كذبهم في ذلك. وانشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس، ومع هذا فقد رواه الصحابة من غير وجه، وأخرجوه في " الصحاح " و" السنن " و" المسانيد " من غير وجه، ونزل به القرآن، فكيف ترد الشمس التي تكون بالنهار، ولا يشتهر ذلك، ولا ينقله أهل العلم نقل مثله؟ ! ولا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها، وإن كان كثير من الفلاسفة والطبيعين وبعض أهل الكلام ينكر انشقاق القمر وما يشبه ذلك، فليس الكلام في هذا المقام، لكن الغرض أن هذا من أعظم خوارق العادات في الفلك، وكثير من الناس ينكر إمكانه، فلووقع لكان ظهوره ونقله أعظم من ظهور ما دونه ونقله، فكيف يقبل وحديثه ليس له إسناد مشهور، فإن هذا يوجب العلم اليقيني بأنه كذب لم يقع. وإن كانت الشمس احتجبت بغيم ثم ارتفع سحابها، فهذا من الأمور المعتادة، ولعلهم ظنوا أنها غربت ثم كشف الغمام عنها، وهذا إن كان قد وقع ففيه أن الله بين له بقاء الوقت حتى يصلي فيه، ومثل هذا يجري لكثير من الناس ".

ثم قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: " ثم تفويت الصلاة بمثل هذا إما أن يكون جائزا، وإما أن لا يكون، فإن كان جائزا لم يكن على علي رضي الله عنه إثم إذا صلى العصر بعد الغروب، وليس علي أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نام صلى الله عليه وسلم ومعه علي وسائر الصحابة عن الفجر حتى طلعت الشمس، ولم ترجع لهم إلى الشرق. وإن كان التفويت محرما فتفويت العصر من الكبائر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ". وعلي كان يعلم أنها الوسطى وهي صلاة العصر، وهو قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في " الصحيحين " أنه قال: " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس ملأ الله أجوافهم وبيوتهم نارا ".

وهذا كان في الخندق، وهذه القصة كانت في خيبر كما في بعض الروايات، وخيبر بعد الخندق، فعلي أجل قدرا من أن يفعل مثل هذه الكبيرة ويقره عليها جبريل ورسول الله، ومن فعل هذا كان من مثالبه لا من مناقبه، وقد نزه الله عليا عن ذلك ثم فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس. وأيضا فإذا كانت هذه القصة في خيبر في البرية قدام العسكر، والمسلمون أكثر من ألف وأربعمائة، كان هذا مما يراه العسكر ويشاهدونه، ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فيمتنع أن ينفرد بنقله الواحد والاثنان، فلونقله الصحابة لنقله منهم أهل العلم، كما نقلوا أمثاله، لم ينقله المجهولون الذين لا يعرف ضبطهم وعدالتهم، وليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يثبت، تعلم عدالة ناقليه وضبطهم، ولا يعلم اتصال إسناده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر: " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، فنقل ذلك غير واحد من

 

(2/399)

 

 

الصحابة وأحاديثهم في " الصحاح " و" السنن " و" المسانيد "، وهذا الحديث ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا رواه أهل الحديث ولا أهل " السنن " ولا " المسانيد "، بل اتفقوا على تركه، والإعراض عنه، فكيف في شيء من كتب الحديث المعتمدة.

(قال) : وهذا مما يوجب القطع بأن هذا من الكذب المختلق. (قال) : وقد صنف جماعة من علماء الحديث في فضائل علي كالإمام أحمد وأبي نعيم والترمذي والنسائي وأبي عمر بن عبد البر، وذكروا فيها أحاديث كثيرة ضعيفة، ولم يذكروا هذا! لأن الكذب ظاهر عليه بخلاف غيره ". ثم ختم شيخ الإسلام بحثه القيم بقوله: " وسائر علماء المسلمين يودون أن يكون مثل هذا صحيحا لما فيه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: وفضيلة علي عند الذين يحبونه ويتولونه، ولكنهم لا يستجيزون التصديق بالكذب فردوه ديانة، والله أعلم ".

وقد مال إلى ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث تلميذاه الحافظان الكبيران ابن كثير والذهبي، فقال الأول منهما بعد أن ساق حديث حبس الشمس ليوشع عليه السلام (1 / 323) من " تاريخه ": " وفيه أن هذا كان من خصائص يوشع عليه السلام، فيدل على ضعف الحديث الذي رويناه أن الشمس رجعت حتى صلى علي بن أبي طالب صلاة العصر، بعد ما فاتته بسبب نوم النبي صلى الله عليه وسلم على ركبته، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها عليه حتى يصلي العصر فرجعت، وقد صححه أحمد بن صالح المصري، ولكنه منكر ليس في شيء من " الصحاح " والحسان "، وهو مما تتوفر الدواعي على نقله، وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها. والله أعلم ".

وقال الذهبي في " تلخيص الموضوعات ": " أسانيد حديث رد الشمس لعلي ساقطة ليست بصحيحة، واعترض بما صح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن الشمس لم تحبس إلا ليوشع بن نون، ليالي سار إلى بيت المقدس ". وقال شيعي: إنما نفى عليه السلام وقوفها، وحديثنا فيه الطلوع بعد المغيب فلا تضاد بينهما.

قلت: لوردت لعلي لكان ردها يوم الخندق للنبي صلى الله عليه وسلم أولى، فإنه حزن وتألم ودعا على المشركين لذلك. ثم نقول: لوردت لعلي لكان بمجرد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لما غابت خرج وقت العصر ودخل وقت المغرب، وأفطر الصائمون، وصلى المسلمون المغرب، فلوردت الشمس للزم تخبيط الأمة في صومها وصلاتها، ولم يكن في ردها فائدة لعلي، إذ رجوعها لا يعيد العصر أداء.

 

(2/400)

 

 

ثم هذه الحادثة العظيمة لو وقعت لاشتهرت وتوفرت الهمم والدواعي على نقلها. إذ هي في نقض العادات جارية مجرى طوفان نوح، وانشقاق القمر ". هذا كله كلام الذهبي نقلته من " تنزيه الشريعة " لابن عراق (1 / 379) وهو كلام قوي سبق جله في كلام ابن تيمية، وقد حاول المذكور رده من بعض الوجوه فلم يفلح، ولوأردنا أن ننقل كلامه في ذلك مع التعقيب عليه لطال المقال جدا، ولكن نقدم إليك مثالا واحدا من كلامه مما يدل على باقيه، قال: " وقوله: ورجوعها لا يعيد العصر أداء.

جوابه: إن في " تذكرة القرطبي " ما يقتضي أنها وقعت أداء، قال رحمه الله: فلولم يكن رجوع الشمس نافعا، وأنه لا يتجدد الوقت لما ردها عليه الصلاة والسلام ". والجواب على هذا من وجوه: أولا: أن يقال: أثبت العرش ثم انقش.

ثانيا: لوكان الرجوع نافعا ويتجدد الوقت به لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق وأولى به في غزوة الخندق، لاسيما ومعه علي رضي الله عنه وسائر أصحابه صلى الله عليه وسلم كما تقدم عن ابن تيمية رحمه الله تعالى.

ثالثا: هب أن في ذلك نفعا، ولكنه على كل حال هو نفع كمال - وليس ضروريا، بدليل عدم رجوع الشمس له صلى الله عليه وسلم في الغزوة المذكورة، فإذا كان كذلك فما قيمة هذا النفع تجاه ذلك الضرر الكبير الذي يصيب المسلمين بسبب تخبيطهم في صلاتهم ووصومهم كما سبق عن الذهبي؟ !

وجملة القول: أن العقل إذا تأمل فيما سبق من كلام هؤلاء الحفاظ على هذا الحديث من جهة متنه، وعلم قبل ذلك أنه ليس له إسناد يحتج به، تيقن أن الحديث كذب موضوع لا أصل له.

972 - " أمر صلى الله عليه وسلم الشمس أن تتأخر ساعة من النهار، فتأخرت ساعة من النهار ".

ضعيف.

أخرجه أبو الحسن شاذان الفضلي في " جزئه في طرق حديث رد الشمس لعلي رضي الله عنه " من طريق محفوظ بن بحر: حدثنا الوليد بن عبد الواحد: حدثنا معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعا.

ذكره السيوطي في " اللآلىء " كشاهد لحديث أسماء بنت عميس الذي قبله ثم قال: " وأخرجه الطبراني في " الأوسط " من طريق الوليد بن عبد الواحد به، وقال: لم يرو هـ عن أبي الزبير إلا معقل ولا عنه إلا الوليد ". وسكت عليه السيوطي، وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 297) ، وتبعه الحافظ في " الفتح " (6 / 155) .

 

(2/401)

 

 

رواه الطبراني في " الأوسط "، وإسناده حسن "! وهذا عجيب من هذين الحافظين، إذ كيف يكون الإسناد المذكور حسنا وفيه العلل الآتية: أولا: أبو الزبير مدلس معروف بذلك وقد عنعنه وقد وصفه بذلك الحافظ نفسه في " التقريب "، وفي " طبقات المدلسين "، وقال الذهبي في ترجمته من " الميزان " بعد أن ذكر أنه عند العلماء ممن يدلس: " وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر، ولا هي من طريق الليث عنه، ففي القلب منها شيء ".

فإذا كان هذا حال ما أخرجه مسلم معنعنا، فماذا يقال فيما لم يخرجه هو ولا غيره من سائر الكتب الستة، ولا أصحاب المسانيد كهذا الحديث؟!

ثانيا: الوليد بن عبد الواحد، مجهول لا يعرف ولم يرد له ذكر في شيء من كتب الرجال المعروفة، كـ " التهذيب " و" التقريب " و" الميزان " و" اللسان " و" التعجيل " و" الجرح والتعديل " و" تاريخ بغداد "، وقد تفرد بهذا الحديث كما سبق عن الطبراني فكيف يحسن إسناد حديثه؟! ثالثا: محفوظ بن بحر، قال ابن عدي في " الكامل " (ق 399 - 400) : " سمعت أبا عروبة يقول: كان يكذب "، ثم قال: " له أحاديث يوصلها وغيره يرسلها، وأحاديث يرفعها وغيره يوقفها على الثقات ".

قلت: وغالب الظن أن رواية الطبراني تدور عليه أيضا، ويؤسفني أن السيوطي لم يسق إسناده بكامله، كما تقدم، فإن كان الأمر كما ظننت فالإسناد موضوع، وإن كان على خلافه فهو ضعيف في أحسن أحواله، لتحقق العلتين الأوليين فيه. ومن ذلك يتبين خطأ الهيثمي والعسقلاني في تحسينهما إياه وكذا سكوت السيوطي عليه، والموفق الله تبارك وتعالى. (تنبيه) : قد جاءت أحاديث وآثار في رد الشمس لطائفة من الأنبياء، ولا يصح من ذلك شيء إلا ما في الصحيحين وغيرهما أن الشمس حبست ليوشع عليه السلام، قد بينت ذلك في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " رقم (202) .

973 - " لوبني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي ".

ضعيف جدا.

رواه أبو زيد عمر بن شبة النميري في كتاب " أخبار المدينة " حدثنا محمد بن يحيى عن سعد بن سعيد عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، كذا في " الرد على الإخنائي " (126) .

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، آفته أخوسعد بن سعيد واسمه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو متروك متهم بالكذب، وأخوه سعد لين الحديث، وقد أشار إلى تضعيف الحديث ابن النجار في " تاريخ المدينة " المسمى بـ " الدرر الثمينة " (ص 370) بقوله: " وروي عن أبي هريرة أنه قال: ... فذكره.

 

(2/402)

 

 

والظاهر أن أصل الحديث موقوف رفعه هذا المتهم، فقد رواه عمر بن شبة من طريقين مرسلين عن عمر قال: " لومد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة لكان منه ".

هذا لفظه من الطريق الأولى ولفظه من الطريق الأخرى: " لوزدنا فيه حتى بلغ الجبانة كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءه الله بعامر ".

ثم إن معناه صحيح، يشهد له عمل السلف به حين زاد عمر وعثمان في مسجده صلى الله عليه وسلم من جهة القبلة، فكان يقف الإمام في الزيادة، ورواه الصحابة في الصف الأول، فما كانوا يتأخرون إلى المسجد القديم كما يفعل بعض الناس اليوم! قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الكتاب السابق (ص 125) : " وقد جاءت الآثار بأن

حكم الزيادة في مسجده صلى الله عليه وسلم حكم المزيد، تضعف فيه الصلاة بألف صلاة، كما أن المسجد الحرام حكم الزيادة فيه حكم المزيد، فيجوز الطواف فيه، والطواف لا يكون إلا في المسجد لا خارجا منه، ولهذا اتفق الصحابة على أنهم يصلون في الصف الأول من الزيادة التي زادها عمر ثم عثمان، وعلى ذلك عمل المسلمين كلهم، فلولا أن حكمه حكم مسجده، لكانت تلك الصلاة في غير مسجده ويأمرون بذلك " ثم قال: " وهذا هو الذي يدل عليه كلام الأئمة المتقدمين وعملهم، فإنهم قالوا: إن صلاة الفرض خلف الإمام أفضل، وهذا الذي قاله هو الذي جاءت به السنة، وكذلك كان الأمر على عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما، فإن كلاهما زاد من قبلي المسجد، فكان مقامه في الصلوات الخمس في الزيادة، وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه بالسنة والإجماع، وإذا كان كذلك، فيمتنع أن تكون الصلاة في غير مسجده أفضل منها في مسجده، وإن يكون

الخلفاء والصفوف الأول كانوا يصلون في غير مسجده، وما بلغني عن أحد من السلف خلاف هذا لكن رأيت بعض المتأخرين قد ذكر أن الزيادة ليست من مسجده، وما علمت له في ذلك سلفا من العلماء ". وقد روي الحديث بلفظ آخر وهو:

974 - " لوزدنا في مسجدنا، وأشار بيده إلى القبلة ".

ضعيف جدا.

رواه ابن النجار في " تاريخ المدينة " (369) من طريق محمد بن الحسن بن زبالة: حدثني محمد بن عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن مصعب بن ثابت عن مسلم بن خباب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما وهو في

مصلاه (فذكره) .

فلما توفي صلى الله عليه وسلم وولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره) فأجلسوا رجلا في موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رفعوا يد الرجل وخفضوها حتى رأوا ذلك نحوا ما رأو االنبي صلى الله عليه وسلم رفع يده ثم مد، ووضعوا طرفه بيد الرجل ثم مدوه فلم يزالوا يقدمونه ويؤخرونه حتى رأو اأن ذلك شبيه بما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزيادة، فقدم عمر القبلة، فكان موضع جدار عمر في موضع عيدان المقصورة.

 

(2/403)

 

 

قلت: وهذا سند واه جدا، ابن زبالة اتهموه بالكذب كما في " التقريب "، وقال ابن حبان (2 / 271) : " كان ممن يسرق الحديث، ويروي عن الثقات ما لم يسمع منهم من غير تدليس عنهم ".

975 - " حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم ".

ضعيف.

رواه الحافظ أبو بكر البزار في " مسنده ": حدثنا يوسف بن موسى: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله هو ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن

لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حياتي خير لكم ... "، ثم قال البزار: " لم نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه ".

ذكره الحافظ ابن كثير في " البداية " (5 / 275) ثم قال: " قلت وأما أوله وهو قوله عليه السلام: " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام "، فقد رواه النسائي من طرق متعددة عن سفيان الثوري وعن الأعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب به ". قلت الحديث عند النسائي في " سننه " (1 / 189) كما ذكر الحافظ من طرق عديدة عن سفيان عن عبد الله بن السائب، لكن ليس عنده وعن الأعمش، وإنما رواه من طريقه أيضا الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 81 / 2) .

وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 205) وابن عساكر (9 / 189 / 2) . قلت: فاتفاق جماعة من الثقات على رواية الحديث عن سفيان دون آخر الحديث " حياتي.... "، ثم متابعة الأعمش له على ذلك مما يدل عندي على شذوذ هذه الزيادة، لتفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بها، لاسيما وهو متكلم فيه من قبل حفظه، مع أنه من رجال مسلم وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون وبين....، فقال الخليلي: " ثقة، لكنه أخطأ في أحاديث، وقال النسائي: " ليس بالقوي، يكتب حديثه ". وقال ابن عبد البر: " روى عن مالك أحاديث أخطأ فيها ". وقال ابن حبان في " المجروحين " (2 / 152) : " منكر الحديث جدا، يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير، فاستحق الترك ".

قلت: ولهذا قال فيه الحافظ في " التقريب: " صدوق يخطىء ".

 

(2/404)

 

 

وإذا عرفت ما تقدم فقول الحافظ الهيثمي في " المجمع " (6 / 24) : " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ". فهو يوهم أنه ليس فيه من هو متكلم فيه! ولعل السيوطي اغتر بهذا حين قال في " الخصائص الكبرى " (2 / 281) : " سنده صحيح ".

ولهذا فإني أقول: إن الحافظ العراقي - شيخ الهيثمي - كان أدق في التعبير عن حقيقة إسناد البزار حين قال عنه في " تخريج الإحياء " (4 / 128) : " ورجاله رجال الصحيح، إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم، ووثقه ابن معين والنسائي، فقد ضعفه بعضهم ". قلت: وأما قوله هو أو ابنه في " طرح التثريب في شرح التقريب " (3 / 297) : " إسناده جيد ". فهو غير جيد عندي، وكان يكون ذلك لولا مخالفة عبد المجيد للثقات على ما سبق بيانه، فهي علة الحديث، وإن كنت لم أجد من نبه عليها، أولفت النظر إليها، إلا أن يكون الحافظ بن كثير في كلمته التي نقلتها عن كتابه " البداية "، والله أعلم.

نعم، قد صح إسناد هذا الحديث عن بكر بن عبد الله المزني مرسلا، وله عنه ثلاث طرق:

الأولى عن غالب القطان عنه. أخرجه إسماعيل القاضي في " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " (رقم 25 بتحقيقي) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 2 / 2) . ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

الثانية: عن كثير أبي الفضل عنه. أخرجه إسماعيل أيضا (رقم 26) ، ورجاله ثقات رجال مسلم غير كثير، واسم أبيه يسار وهو معروف كما بينه الحافظ في " اللسان " ردا على قول ابن القطان فيه: " حاله غير معروفة ".

الثالثة: عن جسر بن فرقد عنه. أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (230 من بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث) ، وجسر ضعيف. قلت:

فلعل هذا الحديث الذي رواه عبد المجيد موصولا عن ابن مسعود أصله هذا المرسل عن بكر، أخطأ فيه عبد المجيد فوصله عن ابن مسعود ملحقا إياه بحديثه الأول عنه. والله أعلم. وقد وقفت عليه من حديث أنس، وله عنه طريقان: الأولى: عن أبي سعيد الحسن بن علي بن زكريا بن صالح العدوي البصري: حدثنا خراش عن أنس مرفوعا مختصرا نحوه وفيه " تعرض علي أعمالكم عشية الاثنين والخميس ". أخرجه ابن عدي (124 / 2) وأبو منصور الجرباذقاني في " الثاني من عروس الأجزاء "

 

(2/405)

 

 

(ق / 139 / 2) وعبد القادر بن محمد القرشي الحنفي في " جزء له " (2 / 2) وعزاه الحافظ العراقي (4 / 128) للحارث بن أبي أسامة في " مسنده " بإسناد ضعيف، أي بهذا الإسناد كما بينه المناوي في " فيض القدير " بعد أن نقل عنه تضعيفه إياه بقوله: أي وذلك لأن فيه خراش بن عبد الله ساقط عدم، وما أتى به غير أبي سعيد العدوي الكذاب، وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا للاعتبار، ثم ساق له أخبارا هذا منها ".

قلت: فالإسناد موضوع، فلا يفرح به. الثانية: عن يحيى بن خدام: حدثنا محمد بن عبد الملك بن زياد أبو سلمة الأنصاري: حدثنا مالك بن دينار عن أنس به نحوه وفيه: " تعرض علي أعمالكم كل خميس ". أخرجه أبو طاهر المخلص في " الثاني من العاشر من حديثه " (ق 212 / 2) : حدثنا يحيى (يعني ابن محمد بن صاعد) : حدثنا يحيى بن خدام به. قلت: وهذا موضوع أيضا آفته الأنصاري هذا قال العقيلي: " منكر الحديث "، وقال ابن حبان: " منكر الحديث جدا، يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به ". وقال ابن طاهر: " كذاب وله طامات ". وقال الحاكم أبو عبد الله: " يروي أحاديث موضوعة ".

والراوي عنه يحيى بن خدام روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الحاكم أبو أحمد في ترجمة الأنصاري المذكور: " روى عن يحيى بن خدام عن مالك بن دينار أحاديث منكرة، فالله تعالى أعلم الحمل فيه على أبي سلمة أو على ابن خدام ". وجملة القول أن الحديث ضعيف بجميع طرقه، وخيرها حديث بكر بن عبد الله المزني وهو مرسل، وهو من أقسام الحديث الضعيف عند المحدثين، ثم حديث ابن مسعود، وهو خطأ، وشرها حديث أنس بطريقيه.

976 - " إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل، يعني الجماع بدون إنزال ".

ضعيف مرفوعا.

أخرجه مسلم (1 / 187) والبيهقي (1 / 164) من طريق ابن وهب: أخبرني عياض بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن أم كلثوم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:

 

(2/406)

 

 

" إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. قلت وهذا إسناد ضعيف وله علتان: الأولى: عنعنة أبي الزبير فقد كان مدلسا، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، إلا أنه يدلس ". وقال الذهبي في " الميزان ": " وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع عن جابر، ولا هي من طريق الليث عنه، ففي القلب منها شيء ". قلت: ثم ذكر لذلك بعض الأمثلة، وهذا منها عندي. الثانية: ضعف عياض بن عبد الله وهو ابن عبد الرحمن الفهري المدني، وقد اختلفوا فيه فقال البخاري: " منكر الحديث ".

وهذا منه إشارة إلى أنه شديد الضعف كما هو معروف عنه، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان

في " الثقات ". وقال الساجي: " روى عنه ابن وهب أحاديث فيها نظر ". قلت: وهذا من روايته عنه كما ترى، وقال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال ابن شاهين في " الثقات ": وقال أبو صالح: ثبت، له بالمدينة شأن كبير في حديثه شيء ". قلت: ولخص هذه النقول الحافظ في " التقريب " بقوله: " فيه لين "، وأشار الذهبي في " الميزان " إلى تضعيف قول من وثقه بقوله في ترجمته: " وثق! وقال أبو حاتم، ليس بالقوي ".

ولذلك أورده في " كتاب الضعفاء " وحكى فيه قول أبي حاتم المذكور، وبالجملة، فالرجل ضعيف لا يحتج به إذا انفرد ولو لم يخالف، فكيف وقد خالفه من مثله في الضعف فرواه موقوفا على عائشة، ألا وهو أشعث بن سوار فقال: عن أبي الزبير به عن عائشة قالت: " فعلناه مرة فاغتسلنا، يعني الذي يجامع ولا ينزل ". أخرجه أحمد (6 / 68 / 110) وأبو يعلى (223 / 2) .

وأشعث هذا ضعيف كما في " التقريب ". وأخرج له مسلم متابعة، فروايته أرجح عندي من رواية عياض، لأن لها شاهدا من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها " أنها سئلت عن الرجل يجامع ولا ينزل؟ فقالت: فعلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا منه جميعا ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (233 / 1) وابن الجارود في " المنتقى " (رقم 93) وغيره بسند صحيح كما بينته في زوائده على " الصحيحين " برقم (54) الذي أنا في صدد تأليفه، أرجوالله أن يسهل لي إتمامه. قلت: فهذا هو اللائق بهذا الحديث أن يكون موقوفا، وأما رفعه فلا يصح، والله أعلم.

 

(2/407)

 

 

ثم رأيت الحديث في " المدونة " (1 / 29 - 30) هكذا: ابن وهب عن عياض بن عبد الله القرشي وابن لهيعة عن

أبي الزبير عن جابر. فزال بذلك تفرد عياض به، وانحصرت العلة في عنعنة أبي الزبير مع المخالفة.

977 - " إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف ".

ضعيف مرفوعا.

أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار (1 / 231) : حدثنا ابن أبي داود قال: حدثنا المقدمي: قال: حدثني عمر بن علي قال: حدثنا ابن عجلان عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره

. قلت وهذا إسناد ظاهره الصحة، ولذلك قال الحافظ في " الفتح " (2 / 214) إنه حسن، ولكنه معلول، وعلته خفية جدا، فإن الرجال كلهم ثقات، والمقدمي اسمه محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم مولى ثقيف وثقه أبو زرعة وقال أبو حاتم: " صالح الحديث محله الصدق " كما في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 213) . وعمر بن علي هو عم المقدمي، وهو علة الحديث فإنه وإن كان ثقة محتجا به في " الصحيحين " فقد كان يدلس تدليسا سيئا جدا، قال ابن سعد: " كان ثقة، وكان يدلس تدليسا شديدا، يقول سمعت وحدثنا، ثم يسكت، فيقول: هشام بن عروة، والأعمش! "، وقال أحمد: " كان يدلس، سمعته يقول: " حجاج، وسمعته ".

يعني حديثا آخر، قال أحمد: كذا كان يدلس! "، وقال أبو حاتم: " محله الصدق، ولولا تدليسه لحكمنا له إذا جاء بزيادة، غير أنا نخاف أن يكون أخذه عن غير ثقة ".

قلت: وأنا أخشى أن يكون دلس في هذا الحديث عن بعض الضعفاء حيث زاد الرفع، والمعروف أنه موقوف، فقال ابن أبي شيبة (1 / 99 / 2) : " أخبرنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان به موقوفا بلفظ: " لا تكبر حتى تأخذ مقامك من الصف "، ثم قال: " أخبرنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان به بلفظ: " إذا دخلت والإمام راكع، فلا تركع حتى تأخذ مقامك من الصف ". ومما يضعف هذا الحديث سواء المرفوع منه والموقوف أنه قد صح ما يخالفه مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وموقوفا على جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وقد بينت ذلك في " الأحاديث الصحيحة " تحت (رقم 229) بلفظ: " إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف فإن ذلك السنة ".

 

(2/408)

 

 

فهذا الحديث وإسناده صحيح كما بينته هناك هو العمدة في هذا الباب وقد عمل به كبار الأصحاب كما أثبته هناك.

978 - " أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف ".

ضعيف بهذا التمام.

أخرجه الترمذي (1 / 202) والبيهقي (7 / 290) من طريق عيسى بن ميمون الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب حسن، وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث ". وقال البيهقي: " عيسى بن ميمون ضعيف ". وكذا قال الحافظ في " التقريب ". وروى ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 287) وابن حبان (2 / 116) عن عبد الرحمن بن مهدي قال: " استعديت على عيسى بن ميمون في هذه الأحاديث عن القاسم بن محمد في النكاح وغيره فقال: لا أعود ". وعن ابن معين قال: "

عيسى بن ميمون صاحب القاسم عن عائشة، ليس بشيء ". وعن أبي حاتم قال: " هو متروك الحديث ".

قلت: تابعه ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد به دون قوله: " واجعلوه في المساجد ". أخرجه ابن ماجه (1895) والبيهقي وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 265) من طريق خالد بن إلياس عن ربيعة، وقال أبو

نعيم: " تفرد به خالد بن إلياس ". وقال البيهقي: وقال في " الزوائد ": " هو ضعيف ". " اتفقوا على ضعفه، بل نسبه ابن حبان والحاكم وأبو سعيد النقاش إلى الوضع ".

(تنبيه) زاد البيهقي في الرواية الأولى: " وليولم أحدكم، ولوبشاة، فإذا خطب أحدكم وقد خضب بالسواد فليعلمها ولا يغرنها ". وقد عزاه بهذه الزيادة الصنعاني (3 / 154) للترمذي وهو وهم، فليس عنده ولا عند ابن ماجه مثل هذه الزيادة، وقال المناوي في " فيض القدير ": " جزم البيهقي بصحته (!) قال ابن الجوزي ضعيف جدا، وقال ابن حجر في " الفتح ": سنده ضعيف، وقال الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية ": ضعيف ".

قلت: قوله: " بصحته " أظنه محرفا " بضعفه "، فقد عرفت أن البيهقي ضعفه بعيسى ابن ميمون.

 

(2/409)

 

 

وأما تحسين الترمذي للحديث فإنما هو باعتبار الفقرة الأولى منه، فإن لها شاهدا من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعا، والترمذي إنما أورده في " باب ما جاء في إعلان النكاح ". وأما الجملة التي بعدها فإني لم أجد لها شاهدا فهي لذلك منكرة. وقد خرجت شواهد الفقرة الأولى في " آداب الزفاف " (ص 97) و" إرواء الغليل " (2053) .

979 - " من أدى إلى أمتي حديث يقيم به سنة، أو يثلم به بدعة، فله الجنة ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (10 / 44) والخطيب في " شرف أصحاب الحديث " (2 / 57 / 1) وكذا ابن شاذان في " المشيخة الصغيرة " (رقم 46 من نسختي) وأبو القاسم القشيري في " الأربعين " (ق 150 - 151) والسلفي في " أربعينه " (10 / 2) وعنه ابن عساكر في " أربعين السلفي " (9 / 2) وابن البناء في " الرد على المبتدعة " (2 / 2) وعفيف الدين في " فضل العلم " (ق 124 - 125) ومحمد بن طولون في " الأربعين " (14 / 1) من طريق عبد الرحيم بن حبيب والعلاء بن مسلمة بعضهم عن الأول، وأكثرهم عن الآخر كلاهما عن إسماعيل بن يحيى التيمي عن سفيان الثوري عن ليث عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع آفته إسماعيل هذا، قال الذهبي: " حدث عن ابن جريج ومسعر بالأباطيل، قال صالح جزرة: كان يضع الحديث، وقال الأزدي ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه بواطيل. وقال أبو علي النيسابوري والدارقطني والحاكم: كذاب ".

قلت: وقد تلقاه عنه كذابان مثله! أحدهما العلاء بن مسلمة، قال ابن حبان (2 / 174) : " يروي الموضوعات عن الثقات " وقال ابن طاهر: " كان يضع الحديث ".

والآخر عبد الرحيم بن حبيب، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن حبان (2 / 154) : " كان يضع الحديث على الثقات وضعا، لعله وضع أكثر من خمسمائة حديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وقال أبو نعيم الأصبهاني: " روى عن ابن عيينة وبقية الموضوعات ". والحديث مما سود به السيوطي كتابه " الجامع الصغير "! وعزاه لحلية أبي نعيم فقط! وتعقبه المناوي في " فيض القدير " بقوله: " وفيه عبد الرحيم (الأصل عبد الرحمن وهو خطأ) بن حبيب أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " متهم بالوضع "، وإسماعيل بن يحيى التيمي قال - أعني الذهبي - كذاب يضع ".

 

(2/410)

 

 

وقد اغتر بالسيوطي بعض المتأخرين من المغاربة، فأورده في كتابه " لبانة القاري من صحيح البخاري " وذكره في مقدمته محتجا به وجازما بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم!

980 - " إذا أكلتم فاخلعوا نعالكم، فإنه أروح لأقدامكم ".

ضعيف جدا.

رواه الدارمي (2 / 108) وأبو سعيد الأشج في " حديثه " (214 / 1) والحاكم (4 / 119) وكذا أبو القاسم الصفار في " الأربعين في شعب الإيمان " كما في " المنتقى منه " للضياء المقدسي (48 / 2) و" المنتخب منه

" لأبي الفتح الجويني (74 / 1) والديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 102 - مختصره) عن موسى بن محمد عن أبيه عن أنس مرفوعا. وقال الحاكم: " حديث صحيح الإسناد! ورده الذهبي بقوله: " قلت أحسبه موضوعا، وإسناده مظلم، وموسى تركه الدارقطني ". وأقول: هو موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي

أبو محمد المدني، متفق على تضعيفه، وضعفه طائفة تضعيفا شديدا، فقال البخاري: " عنده مناكير ". وقال أبو داود: " لا يكتب حديثه " وقال أبو حاتم: " ضعيف الحديث، منكر الحديث، وأحاديث عقبة بن خالد عنه من جناية موسى، ليس لعقبة فيها جرم ".

قلت: وهذا الحديث من رواية عقبة عنه، فهو من جناية موسى، وفي تعبير أبي حاتم هذا توهين شديد له كما لا يخفى. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 23) وقال: " رواه البزار وأبو يعلى والطبراني في " الأوسط "، ورجال الطبراني ثقات إلا أن عقبة بن خالد السكوني لم أجد له من محمد بن الحارث سماعا ". قلت: محمد بن الحارث والد موسى لكنه نسب إلى جده، فإنه محمد بن إبراهيم بن الحارث كما عرفت من ترجمة ابنه، والحديث من رواية الولد عن أبيه، كذلك أخرجه الحاكم وغيره كما تقدم عن عقبة بن خالد عن موسى بن محمد عن أبيه، فالظاهر أنه سقط من إسناد الطبراني أو من ناسخ كتابه قوله " عن أبيه " فصار الحديث منقطعا بين عقبة ومحمد بن الحارث، والله أعلم. ولفظ رواية أبي يعلى وإسناده خلاف ما سبق كما يتبين مما يأتي: " إذا قرب لأحدكم طعامه وفي رجليه نعلان فلينتزع نعليه، فإنه أروح للقدمين، وهو من السنة ".

قال المناوي: " وفيه معاذ بن سعد، قال الذهبي: مجهول، وداود بن الزبرقان، قال أبو داود: متروك، والبخاري: مقارب ".

 

(2/411)

 

 

قلت: ثم وقفت على إسناد أبي يعلى في " مسنده " قال (3 / 1036) : حدثنا معاذ بن شعبة: أخبرنا داود بن الزبرقان عن أبي الهيثم عن إبراهيم التيمي عن أنس مرفوعا به، وبهذا الإسناد أخرجه البزار أيضا (ص 159 - زوائده) قلت: ومعاذ بن شعبة هو أبو سهيل البصري، روى عن عباد بن العوام وعثمان بن مطر، روى عن موسى بن إسحاق الأنصاري، كما في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 251) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ومنه تبين أنه تصحف اسم أبيه (شعبة) إلى (سعد) على المناوي، فنقل عن الذهبي أنه قال: " معاذ بن سعد مجهول ". وهذا إنما هو الذي يروي عن جنادة بن أبي أمية، فهو تابعي مجهول من الطبقة الرابعة عند الحافظ!

981 - " من كانت له حمولة تأو ي إلى شبع (وري) ، فليصم رمضان حيث أدركه ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود (1 / 378) وأحمد (3 / 476 و5 / 7) والعقيلي في " الضعفاء (ص 259) من طرق عن عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي: حدثني حبيب بن عبد الله قال: سمعت سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي يحدث عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال العقيلي - والزيادة له -: " لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به ". يعني عبد الصمد هذا، وقد أورده البخاري في " الضعفاء " أيضا وقال (ص 24) : " لين الحديث، ضعفه أحمد ".

وقال المنذري في " مختصر السنن " (3 / 290) : " قال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، وليس بالمتروك، وقال: يحول من: " كتاب الضعفاء " - ثم ذكر ما نقلناه عن البخاري ثم قال - وقال البخاري أيضا: منكر الحديث، ذاهب الحديث، ولم يعد البخاري هذا الحديث شيئا ".

قلت: وفيه علة أخرى، وهي جهالة ابنه حبيب بن عبد الله، قال الذهبي في " الميزان " والعسقلاني في " التقريب ": " مجهول ". والحديث أورده الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي في رسالته " الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (ق 217 / 2) في جملة أحاديث من " ما يذكره بعض الفقهاء والأصوليين أو المحدثين محتجا به أو غير محتج به مما ليس له إسناد، أوله إسناد ولا يحتج بمثله النقاد من أهل العلم ". ثم ساق أحاديث كثيرة هذا أحدها.

 

(2/412)

 

 

982 - " لا تكون لأحد بعدك مهرا. قاله للذي زوجه المرأة على سورة من القرآن ".

منكر.

أخرجه سعيد بن منصور من مرسل أبي النعمان الأزدي قال: " زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن، وقال: فذكره، قال الحافظ في " الفتح " (9 / 174) : " وهذا مع إرساله فيه من لا يعرف ".

قلت: هو أبو النعمان هذا، والظاهر أنه الذي في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 449) " أبو النعمان روى عن أبي وقاص عن زيد بن أرقم، وروى عن سلمان، وروى عنه على ابن عبد الأعلى، قال أبي مجهول ". والحديث في الصحيحين وغيرهما من حديث سهل بن سعد الساعدي قال: " إني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قامت امرأة فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك، فر فيها رأيك، فلم يجبها شيئا، ثم قامت الثالثة، فقالت إنها وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فقام رجل فقال: يا رسول الله أنكحنيها، قال: هل عندك من شيء؟ قال: لا، قال: اذهب فاطلب ولوخاتم من حديد، فذهب يطلب، ثم جاء فقال: ما وجدت شيئا ولا خاتما من حديد، قال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، قال: اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن ". وكذلك رواه مالك والنسائي والترمذي والبيهقي (7 / 242) دون قوله: " لا تكون لأحد بعدك "، ولقد وهم صاحب " الروض المربع " من كتب الحنابلة وهما فاحشا، فعزا الحديث بلفظ سعيد بن منصور المرسل إلى البخاري! فقد تبين أن البخاري ليس عنده هذه الزيادة ولا عند غيره ممن ذكرنا، فدل ذلك على أنها زيادة منكرة لتفرد هذا الطريق الواهي بها دون سائر طرق الحديث وشواهده وهي كثيرة قد أخرجها الحافظ رحمه الله في " الفتح " (9 / 168) فليراجعها من شاء، وقد روي الحديث عن ابن مسعود بزيادة

أخرى منكرة أيضا وهو:

 

(2/413)

 

 

983 - " قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها، وإذا رزقك الله عوضتها ".

منكر.

رواه الدارقطني في " سننه " (394) ومن طريقه البيهقي (7 / 243) عن عتبة بن السكن: أخبرنا الأوزاعي: أخبرني محمد بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثني زياد بن زياد: حدثني عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود: " أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله

 

(2/413)

 

 

رأ في رأيك.... " الحديث نحو حديث سهيل الصحيح المذكور قبله، وفيه: " قال: فهل تقرأ من القرآن شيئا

؟ قال: نعم سورة البقرة وسورة المفصل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.... " فذكره وقال الدارقطني: " تفرد به عن عتبة وهو متروك الحديث ". وقال البيهقي: " عتبة بن السكن منسوب إلى الوضع، وهذا باطل لا أصل له ". قلت: ومن أحاديث هذا المتهم:

984 - " كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار حين ترتفع الشمس أربع ركعات، فقالت عائشة: يا رسول الله أراك تستحب الصلاة في هذه الساعة؟ قال: يفتح فيه أبواب السماء، وينظر الله تبارك وتعالى إلى خلقه، وهي صلاة كان يحافظ عليها آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ".

ضعيف جدا.

رواه الخطيب في " التلخيص " (88 / 1 - 2) عن عتبة بن السكن الحمصي: حدثنا الأوزاعي: حدثنا صالح بن جبير: حدثني أبو أسماء الرحبي: حدثني ثوبان مرفوعا وقال: " تفرد به عتبة بن السكن عن الأوزاعي ". قلت:

وقد عرفت من الحديث السابق أن ابن السكن هذا متهم بالوضع. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (2 / 219) : " رواه البزار، وفيه عتبة بن السكن، قال الدارقطني: متروك، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: يخطىء ويخالف ". قلت: ولذلك أشار المنذري في " الترغيب " (1 / 203) إلى ضعفه.

قلت: وليس عند البزار قوله " حين ترتفع الشمس "، وهو يدفع دلالة الحديث على ما ترجم له المنذري وهو: " الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها " فتأمل.

 

(2/414)

 

 

985 - " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ".

منكر.

رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره ": حدثنا محمد بن هارون المخرمي الفلاس: حدثنا عبد الرحمن بن نافع أبو زياد: حدثنا عمر بن أبي عثمان: حدثنا الحسن عن عمران بن حصين قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله

تعالى: " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر "؟ قال: " فذكره. ذكره ابن كثير (2 / 414) وابن عروة في " الكواكب الدراري " (83 / 1 - 2 / 1) . قلت: وهذا سند ضعيف، وفيه علتان:

 

(2/414)

 

 

الأولى: الانقطاع بين الحسن وهو البصري وعمران بن الحصين، فإنهم اختلفوا في سماعه منه فإن ثبت، فعلته عنعنة الحسن فإنه مدلس معروف بذلك. والأخرى جهالة عمر بن أبي عثمان، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 123) وقال " سمع طاووسا قوله، روى عنه يحيى بن سعيد ".

986 - " إذا خلع أحدكم نعليه في الصلاة، فلا يجعلهما بين يديه فيأتم بهما، ولا من خلفه، فيأتم بهما أخوه المسلم ولكن ليجعلهما بين رجليه ".

ضعيف جدا.

أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 195) من طريق أبي سعيد الشقري عن زياد الجصاص عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " لا يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد ".

قلت: وهو ضعيف جدا، فإن زيادا هذا وهو ابن أبي زياد الجصاص قال الذهبي في " الميزان ": " قال ابن معين وابن المديني: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: واه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وأما ابن حبان فقال في " الثقات ": ربما يهم، قلت بل هو مجمع على ضعفه ".

قلت: والراوي عنه أبو سعيد الشقري واسمه المسيب بن شريك مثله في الضعف أو أشد، فقد قال فيه أحمد: " ترك الناس حديثه ". وضعفه البخاري جدا فقال: " سكتوا عنه ". وقال مسلم وجماعة: " متروك ".

وقال الفلاس: " متروك الحديث، قد أجمع أهل العلم على ترك حديثه ". وقال الساجي: " متروك الحديث، يحدث بمناكير ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (2 / 55) بلفظ: " إذا صلى أحدكم فخلع نعليه، فلا يخلعهما عن يمينه فيأثم، ولا من خلفه فيأتم بهما صاحبه، ولكن ليخلعهما بين ركبتيه ". وقال: " رواه الطبراني في الكبير، وفيه زياد الجصاص ضعفه ابن معين وابن المديني وغيرهما، وذكره ابن حبان في " الثقات " ". كذا قال، وقد عرفت مما سبق أن ابن حبان قد خالف في هذا التوثيق إجماع الأئمة الذين ضعفوه، فلا يعتد بتوثيقه!

 

(2/415)

 

 

والحديث قد روي من طريق أخرى وهو: " إذا صليت فصل في نعليك، فإن لم تفعل فضعهما تحت قدميك، ولا تضعهما عن يمينك، ولا عن يسارك فتؤذي الملائكة والناس، وإذا وضعتهما بين يديك كأنما بين يديك قبلة ".

987 - " إذا صليت فصل في نعليك، فإن لم تفعل فضعهما تحت قدميك، ولا تضعهما عن يمينك، ولا عن يسارك فتؤذي الملائكة والناس، وإذا وضعتهما بين يديك كأنما بين يديك قبلة ".

منكر.

رواه الخطيب في " تاريخ بغداد " (9 / 448 - 449) عن أبي خالد إبراهيم بن سالم حدثنا عبد الله بن عمران البصري عن أبي عمران الجوني عن أبي برزة الأسلمي عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف علته إبراهيم هذا، قال الذهبي في " الميزان ": " قال ابن عدي: له مناكير ". ثم ساق له الذهبي حديثين منكرين، ثم قال: " وسئل أبو حاتم عن عبد الله بن عمران؟ فقال: شيخ ". وروي الحديث من طريق ثالث وهو:

 

(2/416)

 

 

988 - " ألزم نعليك قدميك، فإن خلعتهما فاجعلهما بين رجليك، ولا تجعلهما عن يمينك، ولا عن يمين صاحبك، ولا وراءك فتؤذي من خلفك ".

ضعيف جدا.

رواه ابن ماجه (1 / 437 - 438) عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند ضعيف جدا، لأن عبد الله هذا متروك كما في " التقريب " لابن حجر، و" الضعفاء " للذهبي ولفظه: " تركوه " وسلفه في ذلك البخاري وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 89 / 1) : " هذا إسناده ضعيف، عبد الله بن سعيد متفق على تضعيفه ".

قلت: ومما يؤكد ضعفه أنه قد خالفه في متن هذا الحديث ثقتان فروياه عن أبيه سعيد بن أبي سعيد بلفظ: " إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدا، ليجعلهما بين رجليه، أو ليصل فيهما ". وإسناده صحيح، وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (رقم 662) .

 

(2/416)

 

 

989 - " يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة، وحد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين يوما ".

ضعيف.

رواه سمويه في " الفوائد " (37 / 2) : حدثنا أحمد بن يونس: أخبرني سعد أبو غيلان الشيباني قال: سمعت عفان بن جبير الطائي عن أبي حريز الأزدي أو حريز عن عكرمة

 

(2/416)

 

 

عن ابن عباس مرفوعا ورواه الطبراني (3 / 140 / 1) من طريق أخرى عن أحمد بن يونس به إلا أنه لم يقل في سنده " أو حريز ". قلت: وهذا سند ضعيف مسلسل بجماعة لا يعرفون من سعد إلى أبي حريز غير أن سعدا لم

يتفرد به، فقد رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 182 / 1، 144 / 1) من طريق زريق بن السحت: أخبرنا جعفر بن عون: أخبرنا عفان بن جبير الطائي عن عكرمة به وقال: " لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد ". قلت: ومداره على عفان بن جبير هذا، وقد أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 30) ولم يذكر فيه جرحا وتعديلا، ولعل ابن حبان أورده في " الثقات "!

والظاهر أنه قد اختلف عليه فرواه زريق هذا عن جعفر بن عون عنه عن عكرمة به. وخالفه سعد أبو غيلان فرواه عنه عن أبي حريز أو حريز عن عكرمة به، فزاد في السند أبا حريز أو حريز، ويبدو أن حريزا مجهول، فإن ابن أبي حاتم لم يذكر في ترجمته أكثر من قوله: " كوفي، كان أبوه أبا حريز عبد الله بن الحسين قاضي سجستان ".

وله ترجمة طويلة في " اللسان " وأفاد أنه كان من شيوخ الشيعة وأنه كوفي أزدي. وأما أبوه عبد الله بن الحسين فصدوق يخطىء كما في " التقريب ".

وأما سعد أبو غيلان فأورده ابن أبي حاتم أيضا (2 / 1 / 99) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأما زريق الذي في الوجه الثاني فلم أجد له ترجمة. وأما جعفر بن عون فثقة من رجال الشيخين.

وجملة القول أن إسناد الحديث ضعيف لتفرد عفان بن جبير به، كما أشار إلى ذلك الطبراني وهو مجهول، وللاختلاف عليه في إسناده كما عرفت، فقول المنذري في " الترغيب " (3 / 135) ثم العراقي في " تخريج الإحياء (1 / 155) : " رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناد الكبير حسن ". ففيه نظر كبير، لما عرفت من تسلسل إسناد الكبير بالمجهولين. نعم الشطر الثاني من الحديث حسن لأن له شاهدا من حديث أبي هريرة، ولذلك أوردته في " الأحاديث الصحيحة " (رقم 231) .

990 - " من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود (2 / 235 - طبع الحلبي) ومن طريقه البيهقي في " سننه " (6 / 128) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 236) من طريق عبد الله بن رجاء: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال أبو نعيم: " غريب من حديث أبي الزبير، تفرد به ابن خثيم بهذا اللفظ، وعبد الله بن رجاء هو المكي، ليس بالعراقي البصري ".

 

(2/417)

 

 

قلت وهو ثقة من رجال مسلم وأصله من البصرة قال ابن سعد: " كان ثقة كثير الحديث، وكان من أهل البصرة، فانتقل إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها ".

وأما العراقي البصري فهو الغداني وليس مكيا وهو مع كونه ممن احتج بهم البخاري في " صحيحه " ففيه كلام كثير، وقد ظن المناوي في " فيض القدير " أنه هو راوي هذا الحديث فأعله به فقال: " وفيه عبد الله بن رجاء، أورده الذهبي في " ذيل الضعفاء " وقال: صدوق، قال الفلاس: كثير الغلط والتصحيف ".

وهذا هو الغداني كما صرح به الذهبي نفسه في ترجمته، وليس هو صاحب هذا الحديث كما صرح بذلك أبو نعيم فيما نقلته عنه آنفا، وكذلك أبو داود حيث قال في روايته: " حدثنا ابن رجاء يعني المكي ". والغداني ليس مكيا كما ذكرنا، فلا أدري كيف خفي هذا على المناوي.

وإنما علة الحديث أبو الزبير واسمه محمد بن مسلم بن تدرس، فإنه وإن كان ثقة ومن رجال مسلم، فهو مدلس وقد عنعنه وقد قال الذهبي في ترجمته من " الميزان ": " وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما لم يوضح فيها ابن الزبير السماع عن جابر ولا من طريق الليث عنه، ففي القلب منها شيء ". قلت: فلا يطمئن القلب لصحة هذا الحديث مع هذه العنعنة، لاسيما وهو ليس في " صحيح مسلم ".

(تنبيه) عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " لأبي داود والحاكم، ولم أجده في " مستدركه " في المواضع التي يظن وجوده فيها، فالله أعلم. ثم وجدته فيه بواسطة الفهرس الذي أنا في صدد وضعه له، يسر الله لي إتمامه، أخرجه في " التفسير " (2 / 285 - 286) من طريق ابن رجاء المكي به. (فائدة) : المخابرة هي المزارعة، وفي القاموس: " المزارعة المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها، ويكون البذر من مالكها، وقال: والمخابرة أن يزرع على النصف ونحوه ". وقد صح النهي عن المخابرة من طرق أخرى عن جابر رضي الله عنه عند مسلم (5 / 18 و19) وغيره، ولكنه محمول على الوجه المؤدي إلى الغرر والجهالة، لا على كرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة لثبوت جواز ما لا غرر فيه في أحاديث كثيرة وتفصيل ذلك في المطولات مثل " نيل الأوطار " و" فتح الباري " وغيرهما.

991 - " من صلى صلاة مكتوبة مع الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب في سكتاته، ومن انتهى إلى أم القرآن فقد أجزأه ".

ضعيف جدا.

رواه الدارقطني في " سننه " (ص 120) والحاكم (1 / 238) والبيهقي في " جزء القراءة " (ص 54) عن فيض بن إسحاق الرقي: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن

 

(2/418)

 

 

عمير الليثي عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف جدا، ابن عمير هذا متروك كما قال الدارقطني والنسائي، وقال البخاري: " منكر الحديث ". وقال

البيهقي عقب الحديث: " لا يحتج به " وقال الدارقطني: " ضعيف ".

قلت: وهذا الحديث يخالف المعروف من مذهب أبي هريرة رضي الله عنه، وذلك أن مفهومه أن القراءة في غير سكتات الإمام - أعني حالة جهره - لا تشرع، والثابت عن أبي هريرة مشروعية القراءة إطلاقا، وهو ما أخرجه مسلم (2 / 9) وغيره عن أبي هريرة مرفوعا: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) غير

تمام ". فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك، فهذا كالنص عنه في أنه أمر المؤتم بالقرأة وراء الإمام ولوكان يجهر، لكن قد يقال: أن لا مخالفة، وذلك بحمل المطلق على القراءة في سكتات الإمام، فإنه ثبت عن أبي هريرة أمره بها كما تقدم تحت الحديث (546) وذلك من الأدلة على خطأ رفع حديث الترجمة. ثم إن ما ذهب إليه أبوهريرة من القراءة في الجهرية وراء الإمام، له في الصحابة موافقون ومخالفون، فمن الأول ما أخرجه البيهقي (2 / 167) وغيره عن يزيد بن شريك أنه سأل عمر عن القراءة خلف الإمام؟ فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب. قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت به؟ قال وإن جهرت، وسنده صحيح. ثم ذكر البيهقي في الموافقين جماعة من الصحابة وفي ذلك نظر من جهة السند والمعنى لا ضرورة بنا إلى استقصاء القول في ذلك بعد أن ذكرنا ثبوته عن أبي هريرة وعمر. وأما المخالفون فيأتي ذكر بعضهم في الحديث الآتي.

992 - " إذا كنت مع الإمام فاقرأ بأم القرآن قبله إذا سكت ".

ضعيف.

رواه البيهقي في " جزء القراءة " (ص 54) من طريق المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

ثم رواه من طريق ابن لهيعة أخبرنا عمرو بن شعيب به نحوه. ثم رواه الدارقطني (121) من طريق محمد بن عبد الوهاب: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمرو بن شعيب به. وخالفه فيض بن إسحاق الرقي فرواه عن ابن عبيد هذا بإسناد آخر نحوه فانظر الحديث المتقدم. ثم قال البيهقي: " ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، وإن كان غير محتج به، وكذا من تقدم ممن رواه عن عمرو بن شعيب، فلقراءة المأموم فاتحة الكتاب في سكتة الإمام شواهد صحيحة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده خبرا عن فعلهم، وعن أبي هريرة وغيره من فتواهم، ونحن نذكرها إن شاء الله تعالى في ذكر أقاويل الصحابة ".

 

(2/419)

 

 

قلت: ابن عمير هذا متروك شديد الضعف كما مضى قريبا، فلا يستشهد به ونحوه المثنى بن الصباح، فقد ضعفه الجمهور من الأئمة، وقال النسائي وابن الجنيد: " متروك الحديث " وقال النسائي في موضع آخر: " ليس بثقة ". وقال الساجي: " ضعيف الحديث جدا، حدث بمناكير يطول ذكرها، وكان عابدا يهم ".

قلت: وأيضا فإنه كان ممن اختلط في آخر عمره كما قال ابن حبان. وأما ابن لهيعة، فهو معروف بالضعف،، لأنه خلط بعد احتراق كتبه، فيحتمل أن يكون هذا من تخاليطه، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال. وأما الشواهد التي أشار إليها البيهقي فعلى فرض التسليم بصحتها، فهي موقوفة، فلا يصح الاستشهاد بها على صحة المرفوع، لاسيما والآثار في هذا الباب عن الصحابة مختلفة، فقد روى البيهقي في " سننه " (2 / 163) بسند صحيح عن أبي الدرداء أنه قال: " لا أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم ". وروى هو (2 / 160) وغيره بسند صحيح أيضا عن جابر قال: " من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام ". وعن ابن عمر أنه كان يقول: " من

صلى وراء الإمام كفاه قراءة الإمام ". وسنده صحيح أيضا، وعن ابن مسعود أنه سئل عن القراءة خلف الإمام؟ قال: أنصت، فإن في الصلاة شغلا ويكفيك الإمام. رواه الطحاوي (1 / 129) والبيهقي (2 / 160) وغيرهما بسند صحيح.

قلت: فهذه آثار كثيرة قوية تعارض الآثار المخالفة لها مما أشار إليه البيهقي وذكرنا بعضها آنفا، فإذا استشهد بها لصحة هذا الحديث، فلمخافة أن يستشهد بهذه الآثار على ضعفه، والحق أنه لا يجوز تقوية الحديث ولا تضعيفه بآثار متعارضة فتأمل. والذي نراه أقرب إلى الصواب في هذه المسألة مشروعية القراءة وراء الإمام في السرية دون الجهرية، إلا إن وجد سكتات الإمام، وليس هناك حديث صريح لم يدخله التخصيص يوجب القراءة في الجهرية، وليس هذا موضع تفصيل القول في ذلك فاكتفينا بالإشارة.

993 - " من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له ".

باطل.

رواه ابن حبان في " المجروحين " (1 / 151 - 152) وعنه ابن الجوزي في " العلل المتناهية ": حدثني إبراهيم بن سعيد القشيري عن أحمد بن علي بن سلمان المروزي عن (سعيد بن) عبد الرحمن المخزومي عن سفيان بن عيينة عن ابن طاووس عن أبيه عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ابن حبان في ترجمة المروزي هذا: " هذا الحديث لا أصل له، وأحمد بن علي بن سلمان لا ينبغي أن يشتغل بحديثه ". ونقله الزيلعي في " نصب الراية " (2 / 19) والحافظ في " اللسان " ولم يعلق عليه بشيء وابن سلمان هذا ترجمه الخطيب أيضا (4 / 303) وقال:

 

(2/420)

 

 

" قرأت بخط الدارقطني - وحدثنيه أحمد بن محمد العتيقي عنه - قال: أحمد بن علي بن سلمان المروزي متروك يضع الحديث ".

قلت: وقد روي موقوفا على زيد بإسناد خير من هذا، أخرجه البيهقي في " سننه " (2 / 163) من طريق الحسين بن حفص عن سفيان عن عمر بن محمد عن موسى بن سعد عن ابن زيد بن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت قال: فذكره موقوفا. قلت: وهذا سند رجاله ثقات غير ابن زيد بن ثابت، فلم أعرفه، والظاهر أنه سعد والد موسى المذكور في هذا الإسناد فإنه موسى بن سعد بن زيد بن ثابت، فإن كان هو، فهو مجهول لا يعرف في شيء من

كتب الرجال، ولا ذكر في الرواة عن أبيه، وقد روى عن أبيه أخواه خارجة وسلمان كما في " التهذيب " ولم يذكر معهما سعدا هذا. والله أعلم.

وقد أشار البيهقي إلى تضعيف هذا السند فقال: " وهذا إن صح بهذا اللفظ - وفيه نظر - فمحمول على الجهر بالقراءة، والله تعالى أعلم. وقد خالفه عبد الله بن الوليد العدني فرواه عن سفيان عن عمر بن محمد عن موسى بن سعد عن زيد لم يذكر أباه في إسناده. قال البخاري: لا يعرف بهذا الإسناد سماع بعضهم من بعض ولا يصح مثله ".

قلت: والعدني هذا قال الحافظ: صدوق ربما أخطأ، ولم يحتج به مسلم، بخلاف الحسين بن حفص فإنه صدوق احتج به مسلم، فروايته أرجح، وفيها المجهول كما عرفت فلا يصح الحديث لا مرفوعا ولا موقوفا والموقوف أشبه. نعم أخرج البيهقي بسند صحيح عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام فقال: لا أقرأ مع الإمام في شيء، وقال: " أخرجه مسلم، وهو محمول على الجهر بالقراءة مع الإمام، والله أعلم ".

قلت: هذا حمل بعيد جدا، وإنما يحمل على مثله التوفيق بين الأثر والمذهب! وإلا فكيف يؤول بمثل هذا التأويل الباطل الذي إنما يقول البعض مثله إذا كان هناك من يرى مشروعية جهر المؤتم بالقراءة وراء الإمام، فهل من قائل بذلك حتى يضطر زيد رضي الله عنه إلى إبطاله؟ ! اللهم لا، ولكنه التعصب للمذهب عفانا الله منه، وإن مما يؤكد

بطلانه أن الإمام الطحاوي رواه (1 / 129) من الطريق المذكور عن زيد بلفظ: " لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات "! وأما عزوه لمسلم ففيه نظر، فإني لم أجد عنده، والله أعلم.

994 - " من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا. قيل: يا رسول الله وهل لها من عينين؟ قال: ألم تسمع إلى قول الله عز وجل: " إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا "، فأمسك القوم أن يسألوه، فأنكر ذلك من شأنهم، وقال:

 

(2/421)

 

 

ما لكم لا تسألوني؟ قالوا: يا رسول الله سمعناك تقول من تقول علي ما لم أقل ... ونحن لا نحفظ الحديث كما سمعناه، نقدم حرفا ونؤخر حرفا، ونزيد حرفا وننقص حرفا، قال: ليس ذلك أردت، إنما قلت: من تقول علي مالم أقل يريد عيبي وشين الإسلام، أو شيني وعيب الإسلام ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " الكفاية " (ص 200) بسند صحيح عن علي بن مسلم الطوسي قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن أصبغ بن زيد عن خالد بن كثير عن خالد بن دريك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف وإن كان رجاله كلهم ثقات، فإنه منقطع بين ابن دريك والرجل، فإنه لم يدرك أحدا من الصحابة، ولذلك أورده ابن حبان في أتباع التابعين.

ثم رأيت الحافظ ابن كثير قد ساق إسناده في " تفسيره " (3 / 310) من رواية ابن أبي حاتم وابن جرير من طريقين آخرين عن محمد بن يزيد الواسطي بسنده المذكور عن خالد بن دريك (قال:) بإسناد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا صريح في الانقطاع بين ابن دريك والرجل لقوله " بإسناده " وهذا يقتضي أن يكون بينه وبين الرجل راو واحد على الأقل، وهو مجهول لم يسم، فهو علة الحديث. ثم إن في آخره ما يشعر بأن التقول عليه لا بأس به إذا لم يكن في شين الإسلام وعيب النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه من وضع الكرامية الذين كانوا يرو ن جواز الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال، فإذا أنكر ذلك عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " قالوا: نحن ما كذبنا عليه إنما نكذب له! . وقد روي الحديث من طريق أخرى لا يصح أيضا، رواه أبو نعيم في " المستخرج على صحيح مسلم " (1 / 9 / 1) عن محمد بن الفضل بن عطية عن الأحوص بن حكيم عن مكحول عن أبي أمامة مرفوعا به مع تقديم وتأخير وقال: " هذا حديث لا أصل له فيما أعلم، والحمل فيه على محمد بن الفضل بن عطية لاتفاق أكثر الناس على إسقاط حديثه ". وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 148) بعد أن عزاه للطبراني في " الكبير ": " وفيه الأحوص بن حكيم ضعفه النسائي وغيره، ووثقه العجلي ويحيى بن سعيد القطان في رواية، ورواه عن الأحوص محمد بن الفضل بن عطية ضعيف ". قلت: بل هو شر من ذلك كما أشار إليه أبو نعيم في كلمته السابقة، وقال الحافظ في " التقريب ":

 

(2/422)

 

 

" كذبوه ". وقال الذهبي في " الضعفاء ": " متروك باتفاق ". والحديث أخرجه ابن منده أيضا في " معرفة

الصحابة " (2 / 282 / 2) .

995 - " خذوا للرأس ماء جديدا ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني (1 / 214 / 2) عن دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف جدا دهثم قال الحافظ ابن حجر: " متروك ". وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 234) : " رواه الطبراني في " الكبير " وفيه دهثم بن قران ضعفه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات ".

قلت: وذكره ابن حبان في " الضعفاء " أيضا وقال (1 / 290) : " كان ممن يتفرد بالمناكير عن المشاهير، ويروي عن الثقات أشياء لا أصول لها، قال ابن معين: لا يكتب حديث ". قلت: وهذا معناه أنه متروك كما قال الحافظ، وهو قول ابن الجنيد، ومثله قول أحمد: " متروك الحديث ". وقال النسائي: " ليس بثقة ".

ونمران بن جارية مجهول لا يعرف كما قال الذهبي والعسقلاني. ونحو هذا الحديث في المعنى ما أخرجه البيهقي (1 / 65) من طريق الهيثم بن خارجة: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع الأنصاري أن أباه حدثه أنه سمع عبد الله بن زيد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه، وقال: " وهذا إسناد صحيح، وكذلك روي عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص وحرملة بن يحيى عن ابن وهب، ورواه مسلم بن الحجاج في " الصحيح " عن هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأيلي وأبي الطاهر عن ابن وهب بإسناد صحيح أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ - فذكر وضوءه، قال - ومسح برأسه بماء غير فضل يديه، ولم يذكر الأذنين، وهذا أصح من الذي قبله ".

وتعقبه ابن التركماني فقال: " قلت: ذكر صاحب الإمام أنه رأى في رواية ابن المقرىء عن حرملة عن ابن وهب بهذا الإسناد وفيه: ومسح بماء غير فضل يديه لم يذكر الأذنين ".

قلت: فقد اختلف في هذا الحديث على ابن وهب، فالهيثم بن خارجة وابن مقلاص وحرملة بن يحيى - والعهدة في ذلك على البيهقي - رووه عنه باللفظ الأول الذي فيه أخذ الماء الجديد لأذنيه. وخالفهم ابن معروف وابن سعيد الأيلي وأبو الطاهر، فرووه عنه باللفظ الآخر الذي فيه أخذ

 

(2/423)

 

 

الماء لرأسه لم يذكر الأذنين، وقد صرح البيهقي بأنه أصح كما سبق، ومعنى ذلك أن اللفظ الأول شاذ، وقد صرح بشذوذه الحافظ بن حجر في " بلوغ المرام "، ولا شك في ذلك عندي لأن أبا الطاهر وسائر الثلاثة قد تابعهم ثلاثة آخرون، وهم حجاج بن إبراهيم الأزرق، وابن أخي بن وهب - واسمه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، أخرجه عنهما أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 249) ، وسريج بن النعمان عند أحمد (4 / 41) ولا ريب أن اتفاق الستة على الرواية أولى بالترجيح من رواية الثلاثة عند المخالفة، ويؤيد ذلك أن عبد الله بن لهيعة قد رواه عن حبان بن واسع مثل رواية الستة، أخرجه الدارمي (1 / 180) وأحمد (4 / 39 - 42) ، وابن لهيعة وإن كان ضعيفا، فإن رواية العبادلة الثلاثة عنه صحيحة، كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة، وهذا مما رواه عنه عبد الله بن المبارك عند الإمام أحمد في رواية، وهو أحد العبادلة الثلاثة، فهو شاهد قوي لرواية الجماعة يؤكد شذوذ رواية الثلاثة وعليه فلا يصلح شاهدا لهذا الحديث الشديد الضعف، ولا نعلم في الباب غيره، على أنها لوكانت محفوظة لم تصلح شاهدا له لأنه أمر، وهو بظاهره يفيد الوجوب بخلاف الفعل كما هو ظاهر.

إذا عرفت هذا، فقد اختلف العلماء في مسح الأذنين هل يؤخذ لهما ماء جديد أم يمسحان ببقية ما مسح به الرأس؟ فذهب إلى الأول أحمد والشافعي، قال الصنعاني (1 / 70) : " وحديث البيهقي هذا هو دليل ظاهر "، وقال في مكان آخر (1 / 65) : " والأحاديث قد وردت بهذا وهذا ".

قلت: وفيما قاله نظر، فإنه ليس في الباب ما يمكن الاعتماد عليه إلا حديث البيهقي وقد أشار هو إلى شذوذه، وصرح بذلك الحافظ كما سبق، فلا يحتج به، ويؤيد ذلك أن الأحاديث التي ورد فيها مسح الرأس والأذنين لم

يذكر أحد أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ماء جديدا، ولوأنه فعل ذلك لنقل ويقويه ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: " الأذنان من الرأس ". قال الصنعاني (1 / 71) " وهو وإن كان في أسانيده مقال، إلا أن كثرة طرقه يشد بعضها بعضا ". قلت: بل له طريق صحيح وقد سقته وغيره في " الأحاديث الصحيحة " (رقم 36) . وخلاصة القول: أنه لا يوجد في السنة ما يوجب أخذ ماء جديد للأذنين فيمسحهما بماء الرأس، كما يجوز أن يمسح الرأس بماء يديه الباقي عليهما بعد غسلهما، لحديث الربيع بنت معوذ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من

فضل ماء كان في يده ". أخرجه أبو داود وغيره بسند حسن كما بينته في " صحيح أبي داود " (121) وهو مم يؤكد ضعف حديث الترجمة، وبالله تعالى التوفيق.

996 - " كان يحب أن يفطر على ثلاث تمرات، أو شيء لم تصبه النار ".

ضعيف جدا.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (ص 251) وأبو يعلى في " مسنده " (163 / 1) واللفظ له وعنه الضياء في " المختارة " (49 / 1) كلاهما عن أبي ثابت عبد الواحد بن ثابت عن أنس مرفوعا.

 

(2/424)

 

 

قلت: وهذا سند ضعيف جدا عبد الواحد قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال العقيلي: " لا يتابع على هذا

الحديث ". وذكره الهيثمي في " المجمع " (3 / 155) وقال: " رواه أبو يعلى وفيه عبد الواحد بن ثابت وهو ضعيف ". قلت: وقد أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من طريق أخرى عن ثابت عن أنس به أتم منه دون قوله: " أو شيء لم تصبه النار ". فهي زيادة منكرة لتفرد هذا الضعيف بها مخالفا للثقة، وهو ثابت هذاوهو البناني ولفظ حديثه: " كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء ". وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". وقد خرجت هذا في " الإرواء " بتفصيل فراجعه برقم (904) .

997 - " ولدت في زمن الملك العادل ".

باطل لا أصل له.

قال البيهقي في " شعب الإيمان (2 / 97 / 1) بعد أن ذكر كلاما جيدا للحليمي في " شعبه ": " وتكلم في بطلان ما يرويه بعض الجهال عن نبينا صلى الله عليه وسلم: " ولدت في زمن الملك العادل ". يعني أنوشروان. وكان شيخنا أبو عبد الله الحافظ (يعني الحاكم صاحب " المستدرك ") قد تكلم أيضا في بطلان هذا الحديث، ثم رأى بعض الصالحين رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فحكى له ما قال أبو عبد الله، فصدقه في تكذيب هذا الحديث وإبطاله، وقال: ما قلته قط ".

قلت: والمنامات وإن كان لا يحتج بها، فذلك لا يمنع من الاستئناس بها فيما وافق نقد العلماء وتحقيقهم كما لا يخفى على أهل العلم والنهى.

 

(2/425)

 

 

998 - " بكى شعيب النبي صلى الله عليه وسلم من حب الله عز وجل حتى عمي، فرد الله إليه بصره، وأو حى إليه: يا شعيب ما هذا البكاء؟ ! أشوقا إلى الجنة أم خوفا من النار؟ قال: إلهي وسيدي أنت تعلم ما أبكي شوقا إلى جنتك ولا خوفا من النار، ولكني اعتقدت حبك بقلبي، فإذا أنا نظرت إليك فما أبالي ما الذي صنع بي، فأو حى الله عز وجل إليه: يا شعيب إن يك ذلك حقا فهنيئا لك لقائي يا شعيب! ولذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي ".

ضعيف جدا.

رواه الخطيب في " تاريخه " (6 / 315) : أخبرنا أبو سعد - من حفظه -: حدثنا أبي حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق الرملي: حدثنا أبو الوليد هشام بن عمار حدثنا

 

(2/425)

 

 

إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن شداد بن أوس مرفوعا. أورده في ترجمة أبي سعد هذا وسماه إسماعيل بن علي بن الحسن بن البندار الواعظ الأستراباذي وقال: " قدم علينا بغداد حاجا وسمعت منه بها حديث واحدا مسندا منكرا، ولم يكن موثوقا به في الرواية ". ثم ساق هذا الحديث. ورواه ابن عساكر (2 / 432 / 2) من طريق الخطيب، ثم قال: " رواه الواحدي عن أبي الفتح محمد بن علي الكوفي عن علي بن الحسن بن بندار كما رواه ابنه إسماعيل عنه فقد برئ من عهدته، والخطيب إنما ذكره لأنه حمل فيه على إسماعيل ". ثم ساقه (8 / 35 / 1) بسنده عن الواحدي به. قلت: فانحصرتالتهمة في علي بن الحسن والد إسماعيل هذا قال الذهبي: " اتهمه محمد بن طاهر ". وقال ابن النجار: " ضعيف ". وقال أبو محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي: " روى عن الجارود الذي كان يروي عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته، فروى علي هذا عنه عن هشام بن عمار، فكذب عليه ما لم يكن هو يجترئ أن يقوله، لا تحل الرواية عنه إلا على وجه التعجب ".

ومحمد بن إسحاق الرملي لا يعرف إلا في هذا السند، وقد ساق له ابن عساكر في ترجمته (15 / 35 / 1) حديثا آخر عن هذا الشيخ ابن عمار، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ومما ينكر في هذا الحديث قوله: " ما أبكي شوقا إلى جنتك، ولا خوفا من النار "! فإنها فلسفة صوفية، اشتهرت بها رابعة العدوية، إن صح ذلك عنها، فقد ذكروا أنها كانت تقول في مناجاتها: " رب! ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ". وهذا كلام لا يصدر إلا ممن لم يعرف الله تبارك وتعالى حق معرفته، ولا شعر بعظمته وجلاله، ولا بجوده وكرمه، وإلا لتعبده طمعا فيما عنده من نعيم مقيم، ومن ذلك رؤيته تبارك وتعالى وخوفا مما أعده للعصاة والكفار من الجحيم والعذاب الأليم، ومن ذلك حرمانهم النظر إليه كما قال: " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون "، ولذلك كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - وهم العارفون بالله حقا - لا يناجونه بمثل هذه الكلمة الخيالية، بل يعبدونه طمعا في جنته - وكيف لا وفيها أعلى ما تسموإليه النفس المؤمنة، وهو النظر إليه سبحانه، ورهبة من ناره، ولم لا وذلك يستلزم حرمانهم من ذلك، ولهذا قال تعالى بعد ذكر نخبة من الأنبياء: " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين "، ولذلك كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخشى الناس لله، كما ثبت في غير ما حديث صحيح عنه. هذه كلمة سريعة حول تلك الجملة العدوية، التي افتتن بها كثير من الخاصة فضلا

 

(2/426)

 

 

عن العامة، وهي في الواقع " كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء "، وكنت قرأت حولها بحثا فياضا ممتعا في " تفسير العلامة ابن باديس " فليراجعه من شاء زيادة بيان.

999 - " إن القبلة لا تنقض الوضوء، ولا تفطر الصائم ".

ضعيف.

أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسنده " (4 / 77 / 2 مصورة الجامعة الإسلامية) قال: أخبرنا بقية بن الوليد: حدثني عبد الملك بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلها وهو صائم وقال: فذكر الحديث وقال: " يا حميراء إن في ديننا لسعة " قال إسحاق: " أخشى أن يكون غلطا ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات غير عبد الملك بن محمد، أورده الذهبي في " الميزان " لهذا الحديث مختصرا بلفظ الدارقطني الآتي، وقال: " وعنه بقية بـ (عن) ، قال الدارقطني: ضعيف ". وكذا في " اللسان " لكن لم يقع فيه: بـ (عن) ". والمقصود بهذا الحرف أن بقية روى عنه معنعنا، ويشير بذلك إلى رواية الدارقطني للحديث في " سننه " (ص 50) قال: وذكر ابن أبي داود قال: أخبرنا ابن المصفى: حدثنا بقية عن عبد الملك بن محمد به مختصرا بلفظ: " ليس في القبلة وضوء ".

وقد خفيت على الذهبي رواية إسحاق هذه التي صرح فيها بقية بالتحديث، ولعله لذلك لم يذكر الحافظ في " اللسان " قوله: " بـ (عن) ". والله أعلم.

والحديث أورده الزيلعي في " نصب الراية " (1 / 73) من رواية ابن راهويه كما ذكرته، دون قول إسحاق: " أخشى أن يكون غلطا " وسكت عليه ولم يكشف عن علته وتبعه على ذلك الحافظ في " الدراية " (ص 20) وكان ذلك من دواعي تخريج الحديث هنا وبيان علته وإن كان معنى الحديث صحيحا كما يأتي في الذي بعده، ففي هذا الحديث - ومثله كثير - لأكبر دليل على جهل من يزعم أنه ما من حديث إلا وتكلم عليه المحدثون تصحيحا وتضعيفا! ثم إن قول إسحاق: " أخشى أن يكون غلطا ".

فالذي يظهر لي - والله أعلم - أنه يعني أن الحديث بطرفيه محفوظ من حديث عائشة رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم فعلا منه، لا قولا، فكان يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ، كما يأتي في الحديث الذي بعده، كما كان يقبلها وهو صائم. (1) فأخطأ الراوي، فجعل ذلك كله من قوله صلى الله عليه وسلم. وهو منكر غير معروف. والله أعلم.

__________

(1) أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الصحيحة (219 - 221) و" الإرواء " (916) . اهـ.

 

(2/427)

 

 

1000 - " توضأ وضوءا حسنا، ثم قم فصل، قاله لمن قبل امرأة ".

ضعيف.

أخرجه الترمذي (4 / 128 - تحفة) والدارقطني في " سننه " (49) والحاكم (1 / 135) والبيهقي (1 / 125) وأحمد (5 / 244) من طرق عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل: " أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل وقال: يا رسول الله ما تقول في رجل أصاب امرأة لا تحل له، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا وقد أصابه منها، إلا أنه لم يجامعها؟ فقال: توضأ وضوءا حسنا ثم قم فصل، قال: فأنزل الله تعالى هذه الآية " أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل " الآية، فقال: أهي له خاصة أم للمسلمين عامة؟ فقال: بل للمسلمين عامة ". وقال الترمذي: " هذا حديث ليس إسناده بمتصل، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل، ومعاذ مات في خلافة عمر وقتل عمر وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام صغير ابن ست سنين، وقد روى عن عمر ورآه. وروى شعبة هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ".

قلت: وبهذا أعله البيهقي أيضا فقال عقبه: " وفيه إرسال، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يدرك معاذ بن جبل ". وأما الدارقطني فقال عقبه: " صحيح ". ووافقه الحاكم، وسكت عنه الذهبي. والصواب أن الحديث منقطع كما جزم به الترمذي والبيهقي، فهو ضعيف الإسناد. وقد جاءت هذه القصة عن جماعة من الصحابة في " الصحيحين " و" السنن " و" المسند " وغيرها من طرق وأسانيد متعددة، وليس في شيء منها أمره صلى الله عليه وسلم بالوضوء والصلاة، فدل ذلك على أن الحديث منكر بهذه الزيادة. والله أعلم. وأما قول أبي موسى المديني في " اللطائف " (ق 66 / 2) بعد أن ساق الحديث من طريق أحمد: " هذا حديث مشهور، له طرق ". فكأنه يعني أصل الحديث، فإنه هو الذي له طرق، وأما بهذه الزيادة فهو غريب، ومنقطع كما عرفت، والله أعلم.

إذا تبين هذا فلا يحسن الاستدلال بالحديث على أن لمس النساء ينقض الوضوء، كما فعل ابن الجوزي في " التحقيق " (1 / 113) وذلك لأمور: أولا: أن الحديث ضعيف لا تنهض به حجة. ثانيا: أنه لوصح سنده، فليس فيه أن الأمر بالوضوء إنما كان من أجل اللمس، بل ليس فيه أن الرجل كان متوضئا قبل الأمر حتى يقال: انتفض باللمس! بل يحتمل أن الأمر إنما كان من أجل المعصية تحقيقا للحديث الآخر الصحيح بلفظ:

 

(2/428)

 

 

" ما من مسلم يذنب ذنبا فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر له ". أخرجه أصحاب السنن وغيرهم وصححه جمع، كما بينته في " تخريج المختارة " (رقم 7) .

ثالثا: هب أن الأمر إنما كان من أجل اللمس، فيحتمل أنه من أجل لمس خاص، لأن الحالة التي وصفها، هي مظنة خروج المذي الذي هو ناقض للوضوء، لا من أجل مطلق اللمس، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال. والحق أن لمس المرأة وكذا تقبيلها لا ينقض الوضوء، سواء كان بشهو ة أو بغير شهو ة، وذلك لعدم قيام دليل صحيح على ذلك، بل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ. أخرجه أبو داود وغيره، وله عشرة طرق، بعضها صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " (رقم 170 - 173) وتقبيل المرأة إنما يكون مقرونا بالشهو ة عادة، والله أعلم.

__________

تم المجلدد الثاني من سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة بفضل الله وتوفيقه ويليه بعده المجلد الثالث وأوله:

(1001 - كان يركع قبل الجمعة أربعا. . .) .

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليكنننن

 

(2/429)

 

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

المقدمة:

حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على رسول الله، وعلى آله وصحابته، وَمَنْ سار على سبيلهم إلى يوم الدين.

أما بعد، فهذا هو المجلّد الثالث من "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمّة"، قد يَسّر اللهُ تبارك وتعالى طبعه ونشره

بعد توقُّف عنه دام سنين، كُنّا في ذلك غير مختارين، إذ الأمر كلُّه بيد الله عزّ وجل، " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون ".

وهو- كالمجلَّدين السابقين- يتضمّن خمسمائة حديث غير صحيح، كثير منها متداول على الألسنة، وسائرها مبثوث في بطون الكتب، على

اختلاف اختصاصاتها ومواضيعها، ومناهج مؤلفيها.

وإنّي أحمد الله تبارك وتعالى حمداً كثيراً طَيِّباً على نعمة الِإسلام أولًا، وعلى أنْ هداني إلى السنّة ثانياً، ووفّقني- بفضله- إلى نُصرتها وخِدمتها ثالثاً، وذلك بالدعوة إليها والتفقُه فيها؛ بعد تمييز صحيحها من ضعيفها، فإنّ هذا التمييزَ، هو المنهجُ الذي ينبغي أن يُقام عليه الفقهُ الإسلامي، بله العقيدة الِإسلامية، وإلّا اختلط الباطلُ بالحقِّ، والخطأُ بالصوابِ، وتعددتِ الأقوالُ والآراءُ، حتى يحتارَ فيها كثيرٌ من العلماء، ولا يجدون إلى معرفة الراجح منها سبيلاً، فيذرونها مُعَلَّقة: قيل كذا، وقيل كذا! أو أنهم يصيرون

 

(3/3)

 

 

إلى الترجيح بغير مُرَجِّح إتباعا للمصلحة- زعموا- أو الهوى! فقطعاً لدابرِ ذلك كُلِّه كان لا بُدَّ من التزام هذا المنهج السليم من التمييز بين الصحيح

والضعيف من الحديث؛ ليكون المسلمُ على بصيرة من دينه وقوفاً منه مع أمر ربه: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ".

وقد تجاوب مَعَنا في ذلك كثيرٌ جداً من أفاضل العلماء والمؤلِّفين والدعاة والطَّلبَة في مختلف البلاد الإِسلامية، ولا أدلَّ على هذا من الطلبات الكثيرة التي تصلني منهم يوماً بعد يوم، مُلِحِّين بضرورة متابعة نشر ما عندي من السلسلتين وغيرهما، ليزدادوا بها علماً، ويأخذوا بالصحيح وفقهه، وَيَذَروا الضعيف، إلى غيره.

ومقابل هؤلاء الأفاضل بعض الشيوخ؛ المُقَلِّدين وغيرهم من الصوفيِّين والطُّرُقيِّين، الذين لا حياة لهم إلا بالاعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ التي يسيطرون بها على قلوب العامة ثم على ما في ... لذلك فهم لا يرضون عن ذلك التمييز، ولازِمه من التمسك بالِإسلام على ضوء

الكتاب والسنّة الصحيحة، ويحاربون الدعاة إليه محاربةً شديدة لا هوادةَ فيها، ويستبيحون في سبيل ذلك من الكذب والبهت والافتراء ما لا يستحلُّه إلا الكُفَّار الذين قال الله فيهم: " إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّه ". لأنهم يعلمون أنّ هذه الدعوة ستقضي على مشيختهم وسخافاتهم وخرافاتهم التي يستغلُّون بها السُّذَّج، وطَيِّبي القلوب من الناس.

ولَدَيَّ على ذلك أمثلةٌ كثيرةٌ، وحسبي الآن في هذه المقدمة مثالان اثنان، لهما صلة وثقى بها:

الأول: أن وزير الأوقاف في بعض الإِمارات العربية- ولعله صوفي، أو حوله بطانة صوفية- أصدر مذكّرة نُشِر مضمونها في أوائل شوال سنة

 

(3/4)

 

 

(1406 هـ) في بعض الجرائد كالبيان وغيرها، يتّهم فيها إخواننا السلفيين في تلك الِإمارة بتهم شتى، منها (التطرف) ! والخطورة على العقيدة الِإسلامية!

وإنكار المذاهب الأربعة!!! وكلّ ذلك كذبٌ وزورٌ، الهدف منه ظاهر لكل ذي بصيرة في الدين، وهو التمهيد وتهيئة الجو لمنعهم من الدعوة إلى الله، وتبصير الناس بدينهم على كتاب الله، وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومنهج السلف الصالح. ومنهم الأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين.

ولم تكتف المذكرةُ بهذه التُّهَم، بل أضافت إلى ذلك تهماً أخرى، تتعلق بشخصي أنا، هي أظهر بطلاناً من سابقاتها، فقالت:

"ويتزعمها شخص يُدعى ناصر الدين الألباني ".

فهذا كذب وزور، يشهد به كل من يعرفني شخصياً، فإن انكبابي على التأليف والتحقيق أكثر من نصف قرن من الزمان يحول بيني وبين التزعم

المزعوم، هذا لو كانت نفسي تميلُ إليه، فكيف وهو منافٍ لطبيعتي العلمية؟؟

وأوضح ما في المذكّرة من الافتراء، قولُها عقب الزعم السابق:

"كما جرى طردهُ من الإِمارات قبل أربع سنوات ومنعه من العودة للبلاد"!

قلت: وهذا كذبٌ له قرونٌ كما يُقال في بعض اللغات؛ فإنه لم يكن شيء من ذلك ألبتة - والحمد لله، وليس أدَلَّ على ذلك من أنني عدت إليها

بتاريخ 3/29/1985 بإذن دخول رسمي رقم 6094/أ، ثم خرجت كذلك بتاريخ 4/5/1985 كما هو مسجل في جواز سفري رقم 284024 س ر/77.

 

(3/5)

 

 

ثم إنني أرى أن هذا الخبرَ الكاذبَ الذي صدر من شخص مسؤول هناك، لا يمسّني أنا شخصياً فقط، بل ويمسّ الدولة التي هو وزير فيها، إذ لا

يعقل أن يوافق حُكّامها- وهم مسلمون مثلي- على الطرد المزعوم، لا لسبب يُذكر سوى أنني أقول: "رَبِّي الله "، وأدعو إليه، وهو القائل: " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ "، في الوقت الذي يُسمح فيه للكفّار بالدخول إلى البلاد على اخْتِلاف أديأنهم وغاياتهم؟!

اللهمّ فإنّي إليك أشكو غربة الِإسلام وأهله، اللهمّ فأَعِزَّ المسلمين، وأَذِلَّ الكافرين والمنافقين.

ثم إنَّ من فريات تلك المذكرة قولها:

"إن هذه الجماعة تنكر المذاهب الأربعة"!

فأقول: هذا كذبٌ وزورٌ، فنحن نُقَدِّرُ الأئمةَ الأربعةَ- وكذا غيرهم- حق قدرهم، ولا نستغني عن الاستفادة من علمهم، والاعتماد علىِ فقههم، دون تعصُّب لواحد منهم على الآخرين، وذلك ممّا بَيّنته بياناً شافياَ منذ أكثر من ثلاثين سنة في مقدمة كتابي: "صفة صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم - من التكبير إلى التسليم كأنك تراها"، فإليها أُحِيلُ من كان يريدُ التأكّد من كذب هذه الفرية.

وإنّ مِن أفرى الفِرى قولَها عطفاً على ما سبق:

"وتُشَكّك بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عن طريق تكذيب أحاديث (!) الصحاح المعتمدة، والتشكيك بصحة بعض الأحاديث النبوية الأخرى"!

فأقول: "سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَان عَظِيمٌ " و "إِفْكٌ مُبِيْنٌ "، واعتداءٌ جسيم على مسلم نذر نفسه ووقته وجهده لخدمة السنة والدفاع عنها والرد على مخالفيها، وتمييز صحيحها من ضعيفها، وقضى في ذلك أكثر من نصف

 

(3/6)

 

 

قرن من الزمان، لا يَكَلّ ولا يَمَلّ، والحمد لله. وله في ذلك المؤلفات الكثيرة التي يشهد بفائدتها وأهميتها كبارُ العلماءِ والأدباءِ، وينتفع بها الملايينُ من طُلاَّب العلم في كل البلاد الِإسلامية وغيرها، وقد أُعيدَ طبع الكثير منها، وبعضها يُنْبئ عن ذلك صريح اسمها، مثل "دفاع عن الحديث النبوي " و"منزلة السنة في الِإسلام، وأنه لا يُستغنى عنها بالقرآن "، و"الذَّبُّ الأحمد عن مسند الِإمام أحمد" ولم يُطبع بعد، وهو في الرد على من نفى صحة نسبة

" المسند للِإمام احمد، وغيرها كثير مما هو مطبوعٌ معروفٌ، وقد جمع أسماءَ الكثير منها بعضُ المُحِبين في كتبٍ ورسائلَ، وقفتُ وأنا أكتبُ هذه المقدمة على واحدة منها مطبوعة بعنوان:

"سُلَّم الأماني في الوصول إلى فقه الألباني ".

وفي اعتقادي أن تلك المذكرة الجائرة، تُشير بهذه الفرية الباطلة إلى جهودنا المستمرّة في خدمة السنّة المطهّرة التي منها بيانُ الأحاديث الضعيفة والموضوعة، الدائرة على ألسنة كثير من الخطباء والمحاضرين والمدرسين وغيرهم من خاصّة المسلمين وعامّتهم، متوهّمين أنها أحاديثُ صحيحةٌ، وهي عند أهل العلم ضعيفةٌ أو موضوعة، فيتهمهم الجُهّال بأنهم يُكَذّبون بالأحاديث الصحيحة، والله المستعان.

وفي ختام هذا الردّ لا بُد لي من أن أُذَكِّر صاحب تلك المذكرة وبطانته إن كانوا مؤمنين بفول رب العالمين:

" وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ".

وبقوله – صلى الله عليه وسلم - الثابت عنه- وهم لا يُكَذِّبُونَ بالأحاديث الصحيحة إن شاء الله! -:

 

(3/7)

 

 

"من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله رَدْغَة الخَبال حتى يخرج مما قال، وليس بخارج ". (الصحيحة 438 والإرواء2318) ، و (ردغة الخَبال)

جاء تفسيرها في حديث آخر أنها: عصارة أهل النار. نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة.

ذلك هو المثال الأول من أمثلة محاربة الدعاة إلى الكتاب والسنة.

وتمييز صحيحها من ضعيفها.

والآن جاء وقت بيان المثال الآخر فأقول:

هناك في المغرب رجل ينتمي إلى العلم، وله رسائل معروفة ويزعم أنه خادم الحديث الشريف، وهو الشيخ عبد الله بن الصدِّيق الغُماري وهو يختلف عن الرجل الأول المشرقي من حيث إِنه معروف بعدائه الشديد منذ القديم لأنصار السنّة، ولِكل من ينتمي إلى عقيدة السلف، مما يدل العاقل أنه لم يستفد من الحديث إلا حمله! ولا أدل على ذلك من كتيب له طُبع في هذه السنة (1986) ب (طنجة) بعنوان:

" القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع "!

أقول: إن كل من يقرا هذا العنوان من القرَّاء همهما كان اتِّجاهه- يتسائل في نفسه متعجباً: ماذا ارتكب الألبانيُّ من البدع - وهو المعروف بمحاربته إياها في محاضراته وكتبه، ومن مشاريعه المعروفة " قاموس البدع "، وقد نص على الكثير منها في فصول خاصة في آخر بعض كتبه، مثل بدع الجنائز، وبدع الجمعة، وبدع الحج والعمرة، فما هي البدع التي جاء بها الألباني حتى وصمه الغُماري بـ "المبتدع "؟ مع أنه كان " أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا "، لأنه هو المعروف بالابتداع شي الدين، والانتصار للمبتدعة والطُرُقِيِّين، كما يشهد بذلك كل من اطلع على شيء من رسائله، وحسب القارئ دليلًا على ما

 

(3/8)

 

 

أقول. أنه شيخ الطريقة الشاذلية الدرقاوية الصديقية، وهو يفخر بذلك في بعض كتاباته (1) ، كما يفخر بأنه خادم السنة! وليته كان خادماً لها. بل نقنع منه أن لا يكون من الهادمين لها!

فإذا بدأ القارئ بقراءة كُتيّب الغُماري، فسرعان ما يبدو له أن موضوعه حديثيّ مَحْض يرد فيه على الألباني بعض ما انتقده عليه في تعليقه على رسالة: "بداية السُّول في تفضيل الرسول – صلى الله عليه وسلم - للإِمام العزّ بن عبد السلام، من بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وغير ذلك، وأنَّه لا علاقةَ له بالبدعة كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانُه. ثم يتابع القارىءُ القراءةَ فيجد أن الشيخ الغُماري كأنه شعر بأنه لم ينل من الألباني بغيته من التشهير به، وبيان جهله الذي يرميه به في رده عليه من الناحية الحديثية، لذلك قفز إلى مناقشة الألباني في بعض المسائل الفقهية، ففيها يجد المسألة التي من أجلها وَصَمَ الغُماريُّ الألبانيَّ ب (المبتدع) ، أَلَا وهي قولُه بعدم شرعية زيادة كلمة (سيدنا) في الصلوات الِإبراهيمية! اتباعاً لتعليمه – صلى الله عليه وسلم - أمته إياها بقوله:

"قولوا: اللهم صل على محمد ... ".

وهنا يزداد القارىء اللبيب استغراباً، ويتساءل مجدداً: كيف يكون مبتدعاً من التزم تعليم النبي – صلى الله عليه وسلم - ولم يزد عليه شيئاً، ولا يكون الغُماري هو المبتدع حقاً وهو لا يرى هذا الالتزام؟! بل هو ينكره على الألباني؟!

قلت: بل وعلى السلف جميعاً من صحابة وتابعين، وأئمة مجتهدين، فإنّهم قدوتي في عدم شرعية ذلك، وبخاصة الحافظ ابن حجر الذي أفتى بذلك، وقد نقلت فتواه في تعليقي على "صفة الصلاة"، وختمها بقوله:

__________

(1) انظر مقدمته على كتاب أخيه الشيخ أحمد: " الحسبة ".

 

(3/9)

 

 

"ولو كانت زيادة (سيدنا) مندوبة ما خفيت عليهم حتى أغفلوها، والخير كله في الإتباع ".

وأشار الغُماري إلى فتوف الحافظ التي ذكرت خلاصتها في تعليقي على "فضل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم - لِإسماعيل القاضي (ص 26) ، وتعقب الغُماري هذه الخلاصةَ بقوله (ص 20- 21) :

"وهذا جمودٌ شديدٌ، وتزمُّتٌ ممقوت ... "، إلى آخر هرائه الذي ذكر فيه حكاية عن فلاَّح لا تنطبق إلاّ عليه، ثم قال:

"فنحن حين نذكر السيادة في الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم - لم نزدها من أنفسنا (!) ولكن من قوله – صلى الله عليه وسلم – " أنا سيد ولد آدم " ... والمبتدع الألباني وقع في البدعة التي ينعاها علينا، وهو لا يشعر، لضعف فهمه وقلّة إدراكه، فهو حين يُصَلّي على النبي – صلى الله عليه وسلم - في خطبة كتبه يُصَلّي على أصحابه معه، وزيادة الصحابة بدعة، لِما تقدم بيأنه ".

فتأمل أيها الأخ القارىء! إلى غرور هذا الرجل وجهله وإقدامه على الاستدلال بالحديث المذكور على بدعته، فإنَّ لازِمَه أنَّ السلفَ كانوا غافلين عن دلالتهِ، فما أحقَّه بوعيد قوله تعالى في كتابه: " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ".

وقد زاد عليه أخوه أحمدُ في ذلك، فألّف كتاباً يُغنيك اسمُه عن مضمونه ودَلالةً على انحرافه عن السبيل وهو: "تشنيف الآذان باستحباب السيادة في الصلاة والِإقامة والأذان "! ووافقه الغُماريُّ الصغيرُ على ذلك (ص 51) من رسالته التي سمّاها: "إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة"!

على حد قوله – صلى الله عليه وسلم – " ... يُسَمّونها بغير اسمها"!

 

(3/10)

 

 

ذلك قولُهم! وهم يعلمون أن الأذان وما ذُكِرَ معه توقيفيٌّ بوحي السماء، وقد بَلَّغَهُ – صلى الله عليه وسلم – أصحابه وعلَّمهم إياه كما أُنْزِلَ، فلا يجوز التقدُّمُ بين يديه – صلى الله عليه وسلم – والزيادةُ عليه اتفاقاً، ولا أخال يخالف فيه إلا ضال مُضِلٌّ، حتى ولا صاحب هذا الرد المفظع! فإنه قد صرح فيه بذلك، ولكنه- لجهله البالغ- وضعه في غير موضعه، فقال (ص 9- 10) :

"وننبه هنا على خطأ وقع من جماهير المسلمين، قلد فيه بعضهم بعضاً ولم يتفطن له إلا الشيعة (!) ذلك أن النإس حين يُصَلّون على النبي – صلى الله عليه وسلم – يذكرون معه أصحابهُ، مع أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حين سأله الصحابةُ فقالوا: كيفَ نُصَلّي عليك؟ أجابهم بقوله: "قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد"، وفي رواية: "اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته "، ولم يأت في شيء من طُرُق الحديث ذِكْرُ أصحابه. مع كثرة الطرق وبلوغها حدَّ التواتر، فذكر الصحابة في الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – زيادة على ما علّمه الشارع واستدراك عليه

وهو لا يجوز".

قلتُ: ليس في هذا الكلام من الحق إلا قولك الأخير: أنه لا تجوز الزيادة على ما علمه الشارع.. إلخ، فهذا حق نقولُ به ونلتزمُه، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولكن ما بالك أنت وأخوك خالفتم ذلك، واستحببتم زيادة كلمة (سيدنا) في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ولم تَرِدْ في شيء من طُرُق الحديث؟! أليس في ذلك استدراكٌ صريحٌ عليه صلى الله عليه وآله وسلم يا من يَدَّعي تعظيمه بالتقدُّم بين يديه؟!

أمّا سائر كلامك فباطل لوجوه:

الأول: انك أثنيت على الشيعة بالفِطْنة، ونَزَّهْتَهُمْ عن البِدعة، وهم فيها من الغارقين الهالكين، واتَّهَمْتَ أهلَ السنة بها وبالبلادة والغباوة، وهم-

 

(3/11)

 

 

والحمد لله- مُبَرَّؤن منها، فحسبُك قولُه – صلى الله عليه وسلم – في أمثالك: "إذا قال الرجل: هَلَك الناس فهو أهلكُهم ". رواه مسلم.

الثاني: أنك دلَّسْتَ على القُرّاء، فأوهمتهم أن الحديث بروايتيه هو مختصر كما ذكرته ليس له تتمة، والواقع يُكَذِّبك، فإنّ تتمتَه في "الصحيحين "

وغيرهما:

"كما صلَّيت على إبراهيم. . .، اللهمّ بارك على محمد ... " إلخ الصلوات الِإبراهيمية المعروفة عند كل مُصلٍّ، ومذكورة في "صفة الصلاة".

الثالث: فإنْ قلتَ: فاتني التنبيه على تمام الحديث.

قلنا لك: هَبْ أنّ الأمرَ كذلك- وما أظنّ- فاستدلالُكَ بالحديث حينئذ باطلٌ، لأنّ أهل السنة جميعاً الذين اتَّهَمْتَهم بما سبق لا يذكرون أصحابه – صلى الله عليه وسلم - في هذه الصلوات الإبراهيمية!

"الرابع: فإنْ قلتَ: إنّما أعني ذكرهم الصحابة في الصلاة على النبي وآله في الخُطب!

قلنا: هذا وإن كنت قد صرحتَ به في آخر رسالتك (ص 21) ونقلتُه عنك فيما سبق (ص 10) - فإنه لا يساعدك على إرادةِ هذا المعنى استدلالُك بالحديث لكونه خاصّاً بالصلاة لا الخطبة كما بَيَّنْتُ آنفاً، وقولك في آخر تنبيهك المزعوم:

"فذكر الصحابة في الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم - زيادة على ما علمه الشارع، واستدراك عليه وهو لا يجوز".

حقاً إن ذلك لا يجوز، ولكن أين تعليمه الصلاة عليه في خطبة الكتاب الذي ذُكر فيه هو- صلى الله عليه وسلم - وآله دون الأصحاب، حتى يكون ذكرهم زيادة واستدراكاً

 

(3/12)

 

 

عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين؟!

الخامس: فإنْ قلتَ: إنما استدللتُ بالحديث لقوله – صلى الله عليه وسلم -: "قولوا: اللهم صل على محمد ... "، فعَمَّ ولم يخص صلاة ولا غيرها.

فأقول: هذا العموم المزعوم أنت أول مخالف له، لأنه يستلزم الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم - بهذه الصلوات الِإبراهيمية كلما ذكر عليه الصلاة والسلام، وما رأيتك فعلت ذلك ولو مرة واحدة في خطبة كتاب أو في حديث ذكر فيه النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا عَلِمْنَا أحداً من السَّلَف فعل ذلك، والخير كلُّه في الإتباع، والسرُّ في ذلك أنَّ هذا العمومَ المُدَّعى إنما هو خاصٌّ بالتشهُّد في الصلاة كما أفادَتْهُ بعضُ الأحاديث الصحيحة، ونبَّه عليه الِإمامُ البيهقيُّ فيما ذكره الحافظ في "فتح الباري " (11/154- 155- الطبعة السلفية) ، فَلْيراجِعْه مَن شاء، ولذلك كنت اخترتُ الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم - بهذه الصلوات الِإبراهيمية في كل تشهُّد؛ وسط وأخير، وهو نصّ الِإمام الشافعي كما تراه في "صفة الصلاة" (ص 185) مشروحاً.

وكيف يمكن أن يكون هذا الاستدلالُ صواباً وفيه ما سبق بيأنهُ من المخالفاتِ والمنكراتِ؟ مع أنه لم يَقُلْ أحدٌ من أهل العلم ببدعيّة ذكر الصحابة معه – صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عليه تبعاً كما تزعم أنت، بل ما زالوا يذكرونهم في كُتُبهم سَلَفاً وخَلَفاً، كالِإمام الشافعي في "رسالته " على ما ذكره الحافظ السَّخَاوي في " القول البديع "، والرافعي والشِّيرازي والنَّووي وابن تيميّة وابن القَيِّم وابن حَجَر، وغيرهم كثير وكثير جداً لا يمكن حَصْرُهم، ما زال كل واحد منهم "يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم - في خطبة كتبه، يصلي على أصحابه معه " كما أفعل أنا أحياناً. اقتداءً بهم، وبخاصة أن الحافظ ابن كثير نقل في "تفسيره " الِإجماع على جوازه، ومع ذلك كُلِّه رميتني بسبب ذلك بدائك

 

(3/13)

 

 

وبدَّعتني، أفهؤلاء الأئمّة مبتدعةٌ عندك! ويحَك، أم أنت تزن بميزانين وتكيل بِكَيْلين؟! وماذا تفولُ في أخيك الشيخ أحمد فإنّه أيضاً يفعل مثلي في خُطب بعض كتبه، مثل كتابه "مسالك الدلالة" ورسالته في القبض، أتراه مبتدعاً أيضاً؟ يمكن إن يكون كذلك في غير هذه المسألة، أمّا فيها فلا، وكذلك فعل أخوك الآخر المُسَمّى عبد العزيز في خطبة كتابه "التحذير" وكتابه "تسهيل المَدْرَج إلى المُدْرَج " أمبتدعٌ هو أيضاً؟! بل هو ما حَقَّقْْتَه أنت بذاتك في رسالتك " الأربعين الصدِّيقية" وخاتمة رسالتك الأخرى في " الاستمناء"! فما قولُ القراء في هذا الرجل المُتَقَلِّب كالحِرْباء؟!

وخلاصة الكلام في هذا المقام: أن الغُماري اتفق مع أخيه على استحباب ذكر كلمة (سيدنا) في الصلوات الِإبراهيمية، مع كونها زيادةً على تعليمه – صلى الله عليه وسلم - واستدراكاً عليه! وهو لا يجوزُ في صريح كلامه!!

وتفرَّد هو خلافاً لأخويه وجماهير العلماء من قبل ومناقضةً لنفسه- على إنكار ذكر الصحابة مع النبي في الصلاة عليه في الخُطبة، وزعم أنه بِدعة، وأنّي لِفعلي ذلك مبتدعٌ عنده! وهو يعلم أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم - كان يُصَلّي على أصحابه بمناسبات مختلفة، ومن ذلك حديث "كان إذا أتاه قومٌ بصدقتهم قال: " اللهم صلِّ عليهم "، فأتاه أبو أَوْفى بصدقتهِ فقال: "اللهم صَلِّ على آل أبي أوفى". رواه الشيخان وغيرهما، وهو مُخَرَّج في "الإِرواء" (853)

وغيره. ولا دليل على أن ذلك من خصوصياته – صلى الله عليه وسلم -، بل قد صح عن ابن عمر أنه كان يقول في الجنازة: "اللهم بارك فيه وصل عليه، واغفر له، وأورده حوض رسولك ... ". رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (10/414) ، وسنده صحيح على شرط الشيخين.

وبعد هذا كله، فإني أرجو أن يكون ظهر للقراء جميعاً من هو

 

(3/14)

 

 

(المبتدع) ؟ وأنه يجوز لي أن أتمثل بالمثل السائر: "رمتني بدائها وانسلّت ".

ثم إني اعتذر إليهم، فقد طال البحث مع هذا الرجل في هذه المسألة وبيان جهله وزغله فيها أكثر مما كنت ظننت، ولكن لعلّ الأمر كما قال تعالى:

" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ". ولعل من الخير أن يأخذ منه القراءُ مثالاً صالحاً لطريقة معالجة هذا الرجل لبعض المسائل الفقهية، ومبلغ علمه فيها، وصورةً عن أسلوبه في ردّه على من يخالفُه في الرأي، وكثرة نبزه إياه بشتى الألقاب، خلافاً لقول الله تعالى في القرآن: " وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "، وحَسبك من ذلك عنوان كُتَيِّبه! وأما ما في جوفهِ مما قاء به فشيءٌ ما رأيتُه ولا سمعتُه من فاجر فاسق مثل رميه إياي ب (اللمز، والتجهيل، والسّفه، والوقاحة، والزعارّة، والعَرَامة القبيحة، والضلالة العمياء، والافتراء، والبهت، والكذب) ، وغير ذلك مما لا يُتَصَوَّرُ بذاءةً وفحشاً، مما لا فائدة للقارئ من نقل كلامه في ذلك إلّا الأسى والحزن على حال بعض العلماء في هذا الزمان، ولكن لا بُدَّ من نقل شيء منه حتى لا يظنَّ ظانٌّ ظنَّ السَّوْءِ، قال (ص 19) عامله الله بما يستحقُّ:

"وقد أخطأ من زَعَمَهُ وهابيّاً بل هو أعمقُ من الوهابيّين تعصُّباً وأشدُّ منهم تَعَنُّتاً، وأجمدُ على بعض النصوص بغير فهم، وأكثر ظاهرية من ابن

حزم، مع سلاطةٍ في اللسان، وصلابة في العناد لا تخطر بخلد إنسان، وهذا شعارُ أدعياء السنة والسلفيّة في هذا الزمان "!

قال:

"وَبَلَغنا عنه أنه أفتى بمنع إعطاء الزكاة للمجاهدين الأفغانيين نصرهم الله ... "، إلخ هرائه وافترائه. قال:

 

(3/15)

 

 

"فما بالُ هذا الألبانيِّ المبتدعِ يُفَرّق بين المسلمين وُيضَلّل جمهورهم ... ولم يَبْقَ من المسلمين سنيٌّ إلا هو ومَنْ على شاكلتهِ من الحشوية والمُجَسِّمة الذين ينسبون إلى الله تعالى ما لا يليق بجلاله ".

أعودُ مرة أخرى لأقول: "سُبْحَانَكَ هذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ " و "إِفْكٌ مُبِيْنٌ ".

ولا مجالَ للردِّ عليك في هذه الفريات والأكاذيب سوى أَنْ أخاطبك بقول الله تعالى للمشركين واليهود: " قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "

ولن تستطيعَ إلى ذلك سبيلاً، إلاّ إنِ استطاع المشركون واليهودُ أَن يأتوا ببرهأنهم!

وإنَّ من عدل الله تعالى وحكمتهِ في الظالم الفاسق من عباده أن يُجري على لسأنه ما يدلّ الناس على كذبه وبهتأنه، مثل قول الغُماري:

"وبَلَغنا ... "، فإنه مخالفٌ لصريح الآية: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... "، فلو أن الغُماريَّ كان مؤمناً حقاً لاستجاب لأمر ربه

ولتبين لهَ أن ما بلغه كذبٌ أيضاً وزورٌ، وهذا أقولُه إذا لم يكن هو مصدرَ هذه الفرية أيضاً، فإنها ليست بأخطر من سابقاتها! عامله الله بما يستحق، فإن الذي أفتيتُ به خلافُ ما ادّعاه (1) ، والله المستعان.

وقد يتساءلُ بعضُ القُرَّاءِ عن السبب الذي حمل هذا الغُماريَّ على ارتكاب كل هذه الرزايا والمخازي؟

فأقول: لا أعلم لذلك سبباً يُذكر، إلّا عداءَه الشديدَ لأنصار السنة والداعين إليها، والمعروفين في بعض البلاد ب (السلفيّين) . فهو يبغضهم بُغضاً شديداً، ويحقد عليهم حقداً بالغاً، فهو عليهم (أحقد من جَمَل) كما

__________

(1) وقد نشر شيء من ذلك في بعض المجلات، مثل "التوحيد" المصرية، و"الجامعة السلفية " الهندية، وسجل في بعض الأشرطة.

 

(3/16)

 

 

جاء في المَثَل، ولذلك رماهم بالحشوية وبالتجسيم، كما فعل أسلافهُ من الجهميّة والمُعَطّلة منذ القديم، وخَصّني أنا من بينهم فاتّهمني بمختلف

الأكاذيب، وبالتفريق والتضليل! وما نقلته عنه من التُهم دليلٌ واضحٌ على أنَ هذا إنما هو صمْتُه، فالله حسيبُه.

ولعلَّ القراء يلاحظون معي اتفاق هدفِ الغُماري هذا، مع هدف ذاك الوزير الصوفي في التهويش، وإثارة الناس على السَّلفيين عامة، وعَلَيَّ

خاصة، وفي هذه السنة بالذات، فهل كان ذلك عن اتفاق سابق بينهما في مكان ما، كما قال عز وجل: " أَتَوَاصَوْا بِهِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ "،أم الأمر كما قال في آيةٍ أخرى: " تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ "؟!

وفي اعتقادي؛ أن الذي حمله على أنْ خَصَّني بتلك الحملة الشَّعْواء العمياء أنني كنت انتقدتُه لأوّل مناسبةٍ عَرَضتْ لي، وذلك في مُقَدّمتي لرسالة العز بن عبد السلام: "بداية السُّول في تفضيل الرسول – صلى الله عليه وسلم- "، في بعض ما علّقه هو عليها من قبل، فلما وقف على نقدي هذا، وتبيّن له صوابُه، لم يَسَعْهُ إلا أن يعترفَ ببعضه، ولكنْ بطريقةٍ خبيثةٍ، يُخفي بها على القُرَّاءِ أنه مما استفاده من نقدي! وسكت عن بعض وزاغ عنه، فلم يتعرّض له بذكر! ولا يخفىِ على القراء، أن معنى ذلك أنه معترفٌ أيضاً بصواب نقدي إياه فيه أيضاَ، وأنه حقٌّ، ولكنه مع ذلك فقد كتمه، فَصِفَةُ مَنْ تكونُ هذهِ يا أيّها الغُماري؟، والله عزّ وجل يقولُ في كتابه:

وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ". وقال: " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون "؟!

وفي بعضِ آخر زاغ عن الحقّ، وجادل بالباطل، وبطريقةٍ فيها الكثيرُ من اللفّ والدَّوَرانَ.

 

(3/17)

 

 

ولا بُد لي من بيان ذلك ولو طال بنا الكلام، فإنه هو المقصود من الرد على هذا الرجل في هذه المقدمة، وما قبله كان من قبيل التوطئة له، والله

المستعانُ.

وقبل الشروع في ذلك، لا بأس من التنبيهِ على أن نقدي للغماري لم يكن فيه شيءٌ من التهجُّم عليه، ولا لَمَزْتُهُ بأشياءَ حصلت في تلك الرسالة كما

زعم في مقدمة كتَيِّبهِ الصغير، اللهمّ إلّا إن كان يَعُدُّ الردَّ العلميَّ، وبيانَ أوهامِ مَنْ يُخَلِّط في هذا العلم، تَهَجُّماً وَلَمْزاً. فقد فعلتُ ذلك، وهو شأنُ أهلِ العلم دائماً، كما قال مالكٌ رحمه الله تعالى: "ما منّا من أحدٍ إلا رَدَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر- صلى الله عليه وسلم – "، فكيف إذا كان المردودُ عليه من أهل الأهواء يَدّعي ما لا علم له به؟ كهذا الرجل المعجب بعلمه الذي سمح لمن طبع رسالته في الكبائر أن يُلَقِّبه ب (الِإمام الحافظ) ! بل قال هو عن نفسه في مقدمتها! أنه تمكن في علم الأصول، وَبَرَّز فيه على الشيوخ؛ بله الأقران!

وقال فيها مُتَعالياً على العلماء:

"وهذا بحثٌ مهمّ، يجهله كثيرٌ من أهل العلم "!

عجيبٌ - والله- أمرُ هذا الرجل، يتبجّح بكل هذا، ثم يرميني به دون ما خجل أو حياء. انظر كتيبه الصغير (ص 12) .

ومناقشتي إياه- فيما تقدم- حول استحبابه زيادة كلمة (سيدنا) في الصلوات الِإبراهيمية، واستنكاره الصلاة على الصحابة، قد بَيَّنْتُ للقراء

مَبْلَغَهُ من العلم ومعرفتَه بالفقه، وأنه دَعِيٌّ في هذا التبجُّح ونحوه، والآن أبد! - بإذنه تعالى- ببيان ما وعدتُ به آنفاً، وشرح موقفه تجاه نقدي السابق إياه، وبذلك يظهرُ أيضاً للقراء جميعاً أنَّ علمه في الحديث وأصوله، كعلمه في الفقه وأصوله، ولولا تلك الأكاذيبُ والأباطيلُ التي رماني بها لما استحسنتُ

 

(3/18)

 

 

أن أَذكَرَ القراء بقول الشاعر في مثله وهو يصدق عليه:

زَوَامِلُ للَأشْعارِ لا عِلْمَ عِنْدهم *** بجَيدها إلا كعلم الَأبَاعرِ

لَعَمْرُكَ مايَدْري البعيرُ إذا غَدَا *** بَأحمالهِ أَوْراح مافي الغَرَائرِ

لفد كان نقدي على الغُماريِّ محصوراً في خمسة مواضيعَ، ألَخِّصُها هنا بما يلي:

الأول: أنه لا يُعْنى ببيان مرتبة الأسانيد والأحاديث من صِحّة أو ضعف إلا نادراً، مع أن ذلك هو المقصودُ من التخريج.

الثاني: أنه يعتمد على تحسين الترمذي، وظنّي به أنه يعلم تساهله فيه ...

الثالث: إهماله تخريج بعض الأحاديث، ولعلّ ذلك كان سهواً منه، بعضها في "الصحيحين ".

الرابع: يعزو بعض الأحاديث لغير المشاهير كأصحاب "الصحاح " و"السنن ".

الخامس: تقويته لحديث ابن مسعود: "الخلق كلهم عيال الله ... "

بقوله: "إسناده جيد"! مع أنَّ فيه متروكاً، وكحديث: "أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب ". فإنه قال: "حديث ضعيف، خلافاً لقول الذهبي: إنه

موضوع ".

فماذا كان جوابُ الغُماري على نقدي هذا؟ لم تُساعده نفسه الأمّارة بالسوء على الِإجابة العلمية الهادئة، فقد افتتح الجواب باتّهامه إياي ببعض تُهمه الكثيرة المُتَقَدّمة، فزعم أنّني تهجّمتُ عليه وَلَمَزْتُه! وهذا كذبٌ واضحٌ لمن تأمّل تأدُبي معه وتَلَمُسي له العذر بقولي: "وظنّي به أنه يعلم ... "،

 

(3/19)

 

 

وقولي: "ولعلّ ذلك كان سهواً"، فضاع- مع الأسف- الأدبُ معه، وجزاني جزاء سِنِّمار!

وإليك الآن جوابَه عن تلك المواضيع، لتزدادَ معرفةً بعلمهِ في هذا المجال أيضاً، وبخُلُقه كذلك:

1- لقد اعترف بما ذكرتُه ولم يحاولِ الزَّوَغان عنه - كما هي عادتُه - ولكنه سوّغ ذلك بقوله:

"لم أُبَيِّن الأسانيد، لأنّ الرسالةَ في الفضائل النبوّية، ولتلكَ الأحاديث ما يُؤيّدها من القرآن والسنة الصحيحة. على أن ممّا قرره العلماء ... جواز

العمل بالحديث الضعيف، في الفضائل والترغيب ما لم يكن موضوعاً ... ".

وجواباً عليه أقولُ:

أولَاَ: هذا عذرٌ أقبحُ من ذنب كما يُقال، لأنّ كون الأحاديث في الفضائل ... كما زعمتَ، لا يمنعك- لو استطعت - من بيان مراتبها كما لم يَمْنَعْك ذلك من تخريج الكثير منها.

ثانياً: لقد أَثْبَتُّ لك إنّ هذا الذي فعلتَه هو من باب الاشتغال بالوسيلة عن الغاية، وأنّ ذلك ليس من شأَن المتمكن في هذا العلم الشريف.

وضربتُ لك هناك مثلاً بالذي يتوضّأ ثم لا يُصَلّي. فما بالُك أعرضتَ عن الجواب عنه، ولم تَنْبس ببنت شَفة حوله؟! أليس هذا اعترافاً منك أنك لست منهم؟!

ثالثاً: أمّا استرواحُك إلى ما نَسَبْتَه للعلماء من جواز العمل بالضعيف فيٍ الفضائل، فهو من خَلْطك وزَوَغانك الذي عُرِفْتَ به في ردودك، وبيان ذلك من وجهين:

 

(3/20)

 

 

الأول: أن ذكر الحديث الضعيف دون بيان ضعفه شيء، والعمل به شيء آخر، كما هو ظاهرٌ بداهةً، فإنّ العُلَماءَ رحمهم الله وإن اختلفوا في جواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل على تفصيلٍ يأتي ذِكْرُهُ أو الِإشارةُ إليه، فإنه لا قائلِ مطلقاً بوجوب العمل به، بخلاف ذكره دون بيان

ضعفه؛ فإنه لا يجوزُ بداهةَ، لأنّ الذي يفعلُ ذلك - كالشيخ الغُماري مثلاً - له حالةٌ من حالتين لا ثالث لهما:

الأولى: إن يعرفَ ضعفه ثم لا يُبَيِّنه. فهذا لا يجوزُ لما فيه من إثم كتمانِ العلم، وإيهام من لا علم عنده- وهم جمهورُ المسلمين خاصّتهم وعامّتهم- صحتَه، وهو مما صرح الإِمام مسلم في مقدمة "صحيحه " بعدم جوازه، وكنت نقلتُ نصَّ كلامه وكلام غيره من الأئمة في مقدمة كتابي

"الأحاديث الضعيفة والموضوعة"، ومقدمة كتابي "صحيح الترغيب والترهيب "، فليرجع إليهما من شاء البَسْط.

والأخرى: أن لا يعرفَ ضعفَه؛ لجهله بهذا العلم، كما هو الغالبُ على أكثر الناس وبخاصة في هذا الزمان، وإمّا لعدم توفر الأسباب التي تُيَسِّر له معرفةَ ضعفهِ، ففي هذه الحالة ينبغي له أن يُشير إلى ذلك بصيغة التمريض: "رُوي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا"، كما ذكر ذلك ابن الصلاح وغيره، وفي رأي أنه لا بُدَّ من التصريح اليوم بواقع الأمر، كأن يقولَ:

"رُوي ... ولا أدري أثابت هو أم لا؟ "، أو يقول: "وهو ضعيف، أو ضعيف الإِسناد"، إذا كان يعلم ذلك. انظر تمام هذا البحث في مقدمة "صحيح

الترغيب " (ص 21- 22) .

قلت: فالغُماري إما أنْ يعلمَ ضعف تلك الأحاديث الضعيفة وَسكَتَ عنها فهو آثمٌ. وإما أن لا يعلمَ، فعليه أن يعترف بذلك، ولا يدافع عن جهله

 

(3/21)

 

 

فيركن إلى قول من قال: يجوز العمل بالضعيف، في فضائل الأعمال! فإنه زَوَغانٌ منه عن البحث كما بَيَّنْتُ آنفاً، على أنه حُجَّة عليه لو كان يعلم، وبيأنه فيما يأتي بإذنه تبارك وتعالى.

الثاني: أنك حكيت عن الذين أجازوا العَمَلَ بالحديث الضعيف في الفضائل في أثناء تسويغك لعدم بيانك لضعف أحاديثك ما هو حُجَّةٌ عليك لو

كنتَ تدري "، يخرج من فمك، ويجري به قلمُك، فقد ذكرتَ عنهم (ص 4) أنهم اشترطوا لجواز العمل به شروطاً منها:

1- أن لا يشتدَّ ضعفُ الحديث.

2.- وأن لا يُعتقد ثبوتُه عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.

وهذا منهم شيءٌ جيد جداً، جزاهم الله خيراً، وإن كان تحقيقُ ذلك عسيراً جداً على العلماء فضلاً عن غيرهم من العامّة ومُدَّعي العلم، بحيث

صارت تلك الشروطُ نظريةً غيرَ واقعيةٍ كما حَقَّقْتُ ذلك في مقدمة "ضعيف الجامع الصغير" (ص 47- 51) ، و "صحيح الترغيب " (34- 36) ،

وضربتُ بعض الأمثلةِ وَقَعَتْ لبعضِ العُلَماءِ قَبْلَنا، وأذكرُ الآن أمثلةً أخرى صدرت من الغُماري هذا:

1- "مَنْ جمع بين صلاتين فقد أتى باباً من أبواب الكبائر ".

هكذا أورده في "تنوير البصيرة" (ص 62) وقال:

"ضعيف ".

وإنما هو ضعيفٌ جداً كما قال الحافظُ ابنُ حجر، فيه حَنَش بن قيس وهو متروكٌ، وقد بَيَّنْتُ ذلك في "الضعيفة" (4581) .

2- "ليس منا من خصى أو اختصى، ولكن صُمْ وَوَفِّرْ شَعْرَ جَسدِك ".

 

(3/22)

 

 

قال الغماري في "الاستمناء" (ص 30) :

"رواه الطبراني بإسناد ضعيف "!

وأقول: بل هو موضوعٌ، فيه المُعَلّى بن هلال الطَّحّان قال الحافظ:

"اتفق النُّقَّاد على تكذيبه "!

ولذلك أوردته في هذا المجلد من "الضعيفة" (1314) ، وذكرت فيه قول الهيثمي في الطحان هذا:

"متروك ".

ورددت فيه على من حَسّنه غفلةً عن علّتهِ، أو توهُّماً أن له طريقاً أخرى، وإنما هو حديثٌ آخرُ! كما ستراه مُفَصَّلاً بإذنه تعالى.

ثم رأيتُ الغُماري قد أورد الحديث في كتابه الذي سماه "الكنز الثمين " (رقم 3205) ، وقد صرح في مقدمته (ص 4) :

"أنه ليس فيه أحاديثُ ضعيفةٌ أو واهيةٌ ".

فأقول: قد تبيّن لي أنه غير صادق فيما قال، وهذا هو المثال بين يديك، والسبب تقليدُه للمناوي وغيره، وهو مما اتهمني به في كُتَيِّبهِ الصغير (ص 4) ، فقد عاد إليه، وهذا من عدل الله وحكمته في عباده كما قيل: "من حفر بئراً لأخيه وقع فيه "! وقد كنتُ تَتَبَّعْتُ أحاديثَ حرف الألف من كتابه المذكور " الكنز"، فوجدتُ فيه نحو مائتي حديث ضعيف أو موضوع من أصل (1402) حديثاً، ولو أنّ في الوقت مُتَسَعاً، لوضعتُ عليه كتاباً أُبَيِّنُ فيه تلك الأحاديث وغيرها مما وقع له من الضِّعاف في بقيّةِ أحرف الكتاب، فقد وجدته فيه كالسيوطي في "الجامع الصغير"، الذي قال في مقدمته: أنه صأنه عمّا تفرد به كذّابٌ أو وضّاعٌ، ثم لم يَفِ بذلك، كما تراه مفصلاً في "ضعيف

 

(3/23)

 

 

الجامع الصغير" ومقدمته، ومن ذلك هذا الحديث، ومن "الجامع " نقله الغُماري دون أي جهد منه أو تحقيق، ولذلك وقع منه هذا التناقض الفاحش الشديد: "ضعيف "، "صحيح "، وليس ذلك من قبيل اختلاف الاجتهاد، كما يقع ذلك لبعض العلماء، لأسباب معروفة، وإنما أتي من قِبَلِ رُكونهِ إلى التقليد، وجنوحه عن البحث والتحقيق، وإلا فكيف يمكن لباحثٍ عارفٍ بهذا العلم أن يُضَعِّف فقط، بله أن يُصَحِّح حديثاً فيه من اتّفَقَ النفاد على تكذيبه؟! وليس له طريقٌ أُخرى!

3- "ركعتان بعمامة خير من سبعين ركعة بلا عمامة".

ذكره الغُماري في رسالته "إزالة الالتباس " (ص 21) في أول أحاديثَ ستّة استدلّ بها القائلون بأنّ ستر الرأس من آداب الصلاة، ولكنّ الغُماري

وهّاها كلها في صدد رَدّهِ عليهم، فإنه لا يرى أن ذلك كما قالوا، إلّا أنه قال في هذا الحديث:

"رواه ابو نعيم والدَّيْلمي، قال الحافظ السَّخَاوي: لا يثبت. وقال المُناوي: حديث غريب. قلت: وهذا الحديث مع ضعفهِ أقوى ما وَرَدَ في

هذا الباب "!

كذا قال! تقليداً منه أيضاً للمُناوي في "فيض القدير" و"التيسير"، وقد فاتهما أن فيه أحمد بن صالح الشُّمومي المكي كان يضع الحديث، ولعلهما توهما أنه أحمد بن صالح المصري الحافظ الثقة. وفي إسناده علّتان أخريان، وقد بيّنت ذلك كُلَّه في المجلد الثاني عشر من هذه السلسلة رقم (5699) .

والغرض مما سبق أمران اثنان:

الأول: أن يكونَ طالبُ العلم على انتباهٍ وحذرٍ من حكم الغُماري أو

 

(3/24)

 

 

غيره من المُتَساهلين أو المقَلّدين والجاهلين على الحديثِ بالضعفِ المطلق غير مقرونٍ ببيان شدّة الضعفِ، وُيرَتّب عليه جواز العمل به في الفضائل، وهو في الواقع واهٍ شديدُ الضعف، لا يجوز العمل به اتفاقاً.

والآخر: أن الشرط الأول الذي تقدّم ذِكْرُهُ عن الغُماري يستلزم أمرين اثنين:

بيانَ ضعفه، وأنه ليس شديد الضعف.

وبيان ذلك أن الغُماري إذا ذكر حديثاً ما وهو يعلم- فَرَضاً- أنه ضعيفٌ، وسكت عنه، ولكنْ من أين للقُرَّاء أن يعرفوا ضعفه عنده، وقد كتمه

عنهم؟! فهم- والحالةُ هذه- سيعملون به ظانّين أنه ثابتٌ لسكوته عليه، كما هو واقعٌ معروفٌ من عامة الناس، فلهذا يجبُ بيأنهُ، تفريقاً بين الضعيف

والقوي اعتقاداً وعملاً، وهذا ما صرّح به الحافظ ابن حَجَر عقب الشرط الأول، فقال في "تبيين العَجَب بما ورد في فضل رَجَب " (ص 21) :

"وينبغي مع ذلك اشتراطُ أن يعتقد العاملُ كونَ ذلك الحديث ضعيفاً، وأن لا يُشهر ذلك، لئلا يعمل المرءُ بحديث ضعيف، فَيُشَرِّعُ ما ليس بشرع،

أو يراه بعض الجهال فيظنّ أنه سنةٌ صحيحةٌ، وقد صرّح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره، وليحذر المرء من دخوله تحت قوله – صلى الله عليه وسلم -:

"من حدّث عني بحديث يُرَى أنه كذبٌ فهو أحدُ الكَذَّابين "، فكيف بمن عمل به؟! ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل، إذ الكل شرع ".

قلت: وهذا الشرط مما تعمّد الغُماري طيَّه وكتمانَه أيضاً عن قُرَّائه، لأنه يعلم أنه يُدان به أكثر من الشرطين السابقين، وُيؤكّد ما قلتُ من وجوب بيان ضعف الحديث حتى لا يعمل به كما لو كان ثابتاً.

 

(3/25)

 

 

وبذلك يتجلّى للقُرّاء أنّ اعتذار الغُماري عن سكوته عن تلك الأحاديث الضعيفة بدعوى أنها في الفضائل، أنه- صما لسبى- عذرٌ أقبح من ذنب، ومُكابرةٌ عن الاعتراف بالحقّ، وهو الكِبْر الذي من كان شي قلبه ذَرَةٌ منه لا يدخل الجنة كما صَحَ عن - صلى الله عليه وسلم -.

فالله أسألُ أن يُطهّر قلوبنا من الشقاق والنفاق، وسوء الأخلاق.

وفي ردِّ الغُماري هنا أمورٌ أُخرى زلّت قَدَماه فيها؛ يطول الكلام حولها جداً، وبخاصة في هذه المقدمة، وهو مَيْلُهُ إلى العمل بالحديث الضعيف في

الأحكام أيضاً! ويزعم أنه كان في زاويته الصدِّيقية يلفت أنظار الطلبة إلى الأحاديث الضعيفة التي عمل بها الأئمة أو الجمهور وهي ضعيفة مع علمهم

بضعفها.

فتأمل أيها القارىء إلى هذا المفتري على الأئمّة، كيف يُضَلِّلُ طلبتَه وقُراءَه بمثل هذا الكلام المُضَلّل، فإنه يعلم أن عملهم بالحديث الضعيف يحتمل أن يكون لمطابقته لما يجوز الاستدلال به عند فِقْدانِهم الحديثَ كالقياس مثلاً، أو نحوه ممّا يقول به بعضُهم، فكيف إذا كان معه عندهم حديثٌ ضعيفٌ؟! وقد ذكر هو نفسُه نحو هذا المعنى في رسالته في "الاستمناء لما (ص35) ، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، كما لا يخفى على ذوي العلم والكمال. كما تعلم أيضاً أن من المقرر عند علماء أصول الفقه والحديث أنه لا ئعمل به في الأحكام (1) . وقد ذكر هذا هو نفسُه في الصفحة المذكورة، ولكنه عاد لينقض ذلك بقوله (ص 37) : "وقولهم: الحديث لا يُعمل به في الأحكام هو مما خالف فيه العلماءُ قولَهم، ذلك أنهم استدلّوا في كتبهم بكثير من الأحاديث الضعيفة ... "، إلى آخر ما قال، وبئسَ ما قال،

__________

(1) انظر " المجموع " للِإمام النووي (1/59) فقد عزا ذلك للعلماء جميعاً دون استثناء.

 

(3/26)

 

 

فإنه يَتَّهم عُلماء الحديث والأصول جميعاً بأنهم يقولون بخلاف ما يفعلون!

وتالله إن رأيتُ مثل هذا الرجل بَهْتاً وافتراءً وقِلَّةَ حياءٍ، فلقد هانت عندي كلُّ افتراءاته عَلَيَّ.- التي سبق أن ذكرتُ بعضها- حين رأيت اتِّهامَه المذكور للعُلماءِ دون أي استثناء، وما ذلك إلا لِيَتَّخِذَ فِعْلَهم- إنْ ثَبَتَ- حُجَّةً له فيما ذهب إليه من الجواز. والحق والحقَّ أقول: هو الذي يفعل بخلاف ما يقول، فكثيراً ما يردُّ الحديث الذي عند خصمه بضعف إسناده كما فعل في حديث "صلاة بعمامة ... " المُتَقدّم، فإنه لم يعمل به مع أنه موافقٌ لقوله في العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والأحكام، فهذا من الأدلّة الكثيرة على أنه يكيلُ بكيلين، ويلعبُ على الحبلين.

ومن تلك الأمورِ التي زَلَّ فيها الغُماريُّ المغمورُ قوله:

"والجمهورُ الذين أجازوا العمل بالضعيف في الفضائل ونحوها اقتدوا بصنيع الشارع حيث تجاوزَ في الفضائل ما لم يتجاوزْ في الفرائض

والأحكام. وإليك أمثلةً من ذلك ... ".

ثم ساق سبعةً منها كلُّها تدورُ حول إباحتهِ تعالى على لسان نبيِّه في النوافل ما لم يَبح لهم في الفرائض!

فأقول: هذا من تدليساتهِ ومُغالَطاتهِ الخبيثة، إذ إِنَّ التجاوز الذي في هذه الأمثلة ونحوها لا يعني الاستحبابَ المقصودَ من قول القائلين بجواز العمل بالحديث الضعيف ... لأنهم إنما يَعْنونَ الاستحبابَ، أي أنّ العمل به أفضلُ من تركه، وليس الأمرُ كذلك في الأمثلة التي أوّلها صلاة النافلة؛ من قعود مع القُدرة على القيام، فهذا جائزٌ وليس بمستحبّ، بل المستحبّ أن يُصلي قائماً، وكذلك القول في سائر أمثلته. فسقط كلامه بِرُمَّتهِ.

ثم لو صحَّ كلامُه في الفضائل فما فائدته وهو يقول بما هو أكثر وأدهى

 

(3/27)

 

 

وأَمَرّ، وهو جوازُ العمل بالحديث الضعيف في الأحكام أيضاً؟!

لعلّه يُقدم لِلْقُراء مَدْرَكاً أيضاً لهذا القول لم يعرفه الأوّلون والآخِرون، كما فعل في الذي قبله مُتَجاهلًا مَدْرَكَ العلماء الذين قالوا بعدم جواز العمل بالضعيف في الفضائل بله الأحكام، وهو أنّ الحديث الضعيف لا يُفيد إلاّ الظن المرجوح، والعمل بالظنّ المرجوح لا يجوزُ بأدلّة معروفة في الكتاب

والسنة، بل ذلك من عمل المشركين الذين قال فيهم ربُّ العالمين: "إِنْ يَتَّبِعُوْنَ اِلَّا الظَّنَّ وما تَهْوَى الَأنْفُسُ "، "إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً"، وهو أكذب الحديث، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن العمل به في الحديث الصحيح: "إياكم والظنَ فإنَ الظنَ أكذبُ الحديث ". (انظر مقدمة "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " و"صحيح الترغيب "، و "صحيح الجامع "، و"ضعيف الجامع ") ، فإنَ فيها بَسْطاً وافياً للموضوع.

فتجاوز المَغْمور كلَّ هذه الأدلّةِ وأعرض عنها إلى رأيه الفَجّ، وهو يعلم قول أهل العلم جميعاً: "لا اجتهادَ في مورد النصّ "، و"إذا ورد الأثر بَطَلَ النظر"، ولكنْ ما قيمةُ قولهم تجاه من ابتلي باتِّباع الهوى، وقلب الحقائق ولم يَخْشَ الله تبارك وتعالى!؟ نسألُ الله السلامةَ.

ولقد قَفّ شعري- والله- من قوله: "اقْتَدوا بصنيع الشارع "! فإنَّ التشريع من أفعالهِ تعالى الخاصة به، فليس لأحدٍ أن يصنعَ صُنْعَه، وُيشَرِّعَ للناس ما لم يشرعه " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه ".؟! فهل يعني المغمورُ بقوله هذا: أنه يجوز لغيره تعالى أن يقتدي به وُيشَرِّع للناس مثلَ تشريعه، أم أنّ الهوى أعمى قلبه فنطق بكلمةِ الكُفْر، وما قَدَرَ الله حقَّ قدرهِ؟!

بقي شيءٌ واحدٌ مضى من كلامه لم نتعرّض له بِرَدٍّ، وهو قوله:

 

(3/28)

 

 

"ولتلك الأحاديث (يعني الضعيفةَ التي سكت عن بيانِ ضعفها) ما يُؤٍّيدُها من القرآن والسنة"!

هذه مجرّد دعوى، يستطيعها البَطَلَة، ولا يعجزُ عنها أصغر الطَّلَبة، ولو كانوا من المُتَخَرِّجين من الزاوية (!) فلا تستحقّ الردّ ولو بكلمة.

وبهذا ينتهي رَدّي على جوابه عن نقدي الأول إياه، فلننقل إلى القُرّاء جوابَه عن نفدي الثاني له، وهو اعتماده على تحسين الترمذي مع تساهلهِ

فيه. فقد قال:

2- "لم أَعْتمد على تحسين الترمذي في تلك الرسالة إلا مؤَّةً أو مَرتَيْنِ على الأكثر، ولم يكن تقليداً بل إقرارٌ له لأنه صوابٌ ".

أقول: هذا كسابقهِ مُجَرّد دعوى، فهي مردودةٌ، ولو كان صادقاً لسَارَعَ إلى الدفاع عن نفسه بالدليلِ والحُجَّة، فإنه في موضعِ التُّهمةِ، فلماذا لا يدفعُها عن نفسه إنْ كان قادراَ عليها؟! وذلك بأن يأتي بحديثٍ من الأحاديث التي أشارَ إليها وُيبَيِّن وجه الصواب في تحسينه.

ومن المؤسف أن رسالة "بداية السول " بتعليقه ليست الآن في متناول يدي، لنؤكّد للقُرَّاء أنه غيرُ صادقٍ فيما يَدّعيه، بمثال ننقلُه منها، ولكنْ من الممكن التمثيل بحديث عرض مفاتح كنوز الأرض على النبي - صلى الله عليه وسلم -واختياره أن يكون نبياً، وفيه أنه قال: "أجوعُ يوماً وأشبعُ يوماً ... " الحديث، فإنه في الرسالة (الفقرة 29- بتحقيقي) ، وهو مما حسّنه الترمذي، وقد بيّنت في تعليقي عليها أنّ إسناد الترمذي وأحمد وغيرهما ضعيفٌ جداً، وذكرت له بعض الشواهد، لكن ليس فيها ذكر الجوع والشبع، وانتهيتُ فيه إلى أن هذه الزيادة منكرة، فإن كان هذا الحديثُ مما عناه الغماري فىِ جوابه المتقدم، وإلا فهو قد اعتمد على الترمذي في تحسينه إياه في كتاب آخرَ له، وهو الذي سماه "الكنز الثمين "

 

(3/29)

 

 

(رقم 2149) ، وقد زعم في مقدّمته أنه ليس فيه أحاديثً ضعيفةٌ، كما تقدّم، فهو دليلٌ واضحٌ على صحّة ما نَسبتُه إليه من اعتمادهِ على تحسين الترمذي المعروف تساهله فيه عند النُّقّاد.

ثم سَوّد الغُماري نصفَ صفحة من رسالته يردّ فيها على قول الذهبي:

"لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي "، بكلام نقله عن الحافظ العراقي استخلص منه أنّ ما اعتبره الذهبي تساهًلاً منه هو في الحقيقة اختلافٌ في الاجتهاد! ثم ختم الغُماري ذلك بقوله:

"نعم قد تَعَقّبته في تحسينه أو تصحيحه في كثير من مؤلَّفاتي وتعليقاتي "!

قلت: تساهًل الترمذي إنكارُه مكابرةٌ لشهرته عند العلماء، وقد تتبعت أحاديث "سننه" حديثاً حديثاً، فكان الضعيفً منها نحو ألف حديث، أي قريباً من خُمس مجموعها، ليس منها ما قوَّيْتًه لمُتابعٍ أو شاهد، ومع ذلك فإنه يَكْفينا منك الآن اعترافُك بتعقُّبك إياه، فإنه يعني أنه كان مخطئاً عندك، وحينئذٍ فلا فرق بين تسميته متساهلاً أو مجتهداً، لأنّ التساهل من مثله لا يكون إلّا عن اجتهاد، وليس عن هوىً أو غرضٍ! وكذلك يُقال في المتشددين منهم، ومن أجل ذلك، فانتقادي إيّاك لا يزال قائماً، وبخاصة أنه كان فيه ما نصُّه:

"فلا ينبغي للعارف بهذا العلم الشريف أن يسكتَ عن تحسينه، بل لا بًدّ له من التصريح بتأييده أو نقده حسب واقع إسناده ... " إلخ.

وأقولُ الآنَ: لماذا سَكَتَّ عن تلك الأحاديث، ولم تًبَيِّن رأيَك فيها ما دام أنك تعقََّبته في غيرها، وأَدَرْتَ الموضوعَ إلى ما لا فائدة فيه من الردّ على

 

(3/30)

 

 

الذهبي؟! فهلاّ جَعلته على ما جاء في رسالة "رفِع اليدين في الدعاء بعد الصلاة" للشيخِ محمد بن مقبول الأهدل، وقد وضعْتَ لها مُقَدّمةً في ست صفحات مُؤَيّداَ فيها ما ذهب إليه من مشروعية الرفع المذكور، وكتبتَ عليها بعض التعليقات، وليس فيها حديثٌ واحدٌ ثابتٌ - ولا أقول: صحيحٌ - بل فيه مثل ذاك الحديث الواهي: "ما من عبدٍ يبسط كفَّيْهِ في دُبُر كُلِّ صلاة ... "، وسكتَ عنه الغُماري؛ لسبب لا يخفى على القارئ، وفيه رجلٌ اتّهمه الِإمامُ أحمدُ وغيره، كما بيّنته في "الضعيفة" (5701) ، فقد جاء في هذه الرسالة (ص 131) ما نصه:

"وقال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح:

إنّ الترمذي حسَّن أحاديثَ فيها ضُعفاءُ، وفيها من رواية المدلِّسين، ومن كَثُرَ غَلَطُهُ، وغير ذلك، فكيف يُعمل بتحسينه وهو بهذه الصفة؟ ! " (1) .

هذا كلامُه، فلماذا لم تُعَلِّق عليه، وهو أحقّ بالتعليق لو كنت منصفاً لا تكيل بكيلين، ولا تزن بميزانين؟!

3- وأما نقدي الثالث إياه، وهو: "إهماله تخريج بعض الأحاديث ... وبعضها في (الصحيحين) ... "، فلم يتعرّض له بجواب،. فهو اعترافٌ منه ضِمْنِيّ بأنه حقّ، ولكن أليس كان أشرفَ له أن يُصَرِّح بذلك؟! بلى، لو أنه كان منصفاً، أليس هذا وما قبلَه وما يأتي بعده من الأدلّة القاطعة علىِ أنك أنت المتصف بكل تلك التُّهَم الخبيثةِ التي رميتَني بها، ومنها ما ختمت به كُتَيِّبَك، بقولك:

"أمّا الِإنصافُ وعفّةُ اللسانِ فَيَسْمَعُ عنهما ولا يحسّهما من نفسِه "! فالله حسيبُك، وهو يتولّى الصالحين، وُيدافع عن الذين آمنوا.

__________

(1) وانظر "مرقاة المفاتيح" للشيخ القارىء (1/21) .

 

(3/31)

 

 

4- وأمّا نقدي الرابع إياه المصدّر بأنه يعزو الحديث لغير المشاهير ... وذكرت على سبيل المثال حديثين:

الأول: "أنا سيّد ولد آدم ولا فخر"، عزاه هو لابن أبي عاصم في "الأدب "، وسكت عنه، ومع أن كتاب "الأدب " هذا غير مطبوع فقد أحال

عليه، وأعرض عن عزوه للترمذيّ وكتابهِ مع كونه أشْهَرَ، فهو مطبوعٌ وكذلك ابن حِبّان، ولا يجوزُ مثل هذا العزو مع وجود من هو أوْلَى به عند أهل العلم، وبخاصة أن الترمذي حسنه!

الآخر: حديث السدرة عزاه للنسائي وابن أبي حاتم، وهو في "الصحيحين "!

هذا خلاصة نقدي إياه، فليتأمّل القارىء جوابه الآتي عليه يتبين له علمُ الرجلِ وخُلُقُهُ! قال بعد أن اختصر نقدي إياه في الحديث الآخر:

"وأقول: هذا التعقُّب غفلةٌ منه كبيرة، ذلك أن مؤلَف الرسالة قال في الخصلة الأولى: إنه ساد الكُلّ، فقال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر"، فعزوت

الحديث لمن رواه بهذا اللفظ.. ولم أخالف القاعدة في العزو. لكنّ الألباني غفل وذهل ".

هذا آخر كلامه، وما لم أذكره مُشيراً إليه بالنقطتين لا علاقة له مُطْلَقاً بجوابه، مع أنه كما قيل: أسمعُ جَعْجَعَةً ولا أرى طِحْناً، وإلا فما معنى قوله:

فعزوتُ الحديث لمن رواه بهذا اللفظ، فهذا وحده يدل على أن الرجل لا يخشى الله، ولا يستحي من عباد الله، لأنّ قولَه هذا مع كونه لا يخفى على

القراء، لأنه إعادةٌ للنقطةِ التي هي موضع انتقادي عليه، لأنّي سأقول له مرة أخرى: لماذا عزوته لابن أبي عاصم، ولم تعزه لمن هو أولى بالعزو منه

 

(3/32)

 

 

كالترمذي وابن حبان؟ فهذا هو وجهُ المخالفة يا من تستغفلُ الناس وتتّهمهم بما فيك.

وأما الحديث الثاني فلم يتعرّض له بجواب على الِإطلاق. فهذا مع ما فيه من الاعتراض الضِّمني بأن الرجل حَوّاش قَمّاش لا تحقيقَ عنده، فهو أشرفُ له وأسترُ من جوابه عن الحديث الأول، لما فيه من الزَّوَغانِ والمجادَلةِ بالباطل. والله المستعانُ.

5- وأمّا نقدي الخامس إياه، فقد اعترف أيضاً بصوابه في الحديث الأول. ولكنْ بصورةٍ لا تُشَرِّفه وتليقُ بطريقته! وذلك من ناحيتين:

الأولى: أنه جرى في أجوبته السابقة أن يبدأ بقوله: "قال الألباني أولاً ... "، "قال الألباني ثانياً ... "، "قال الألباني رابعاً ... " ولم يقل: قال الألباني ثالثاً؛ تَهرُّباً وتكبُّراً أن يعترف بالحق كما سبق. فلما جاء إلى جوابه عن هذا النقد لم يقل أيضاً: قال الألباني خامساً، لكي يُغَطِّي اعترافه الصريحَ بخطئه أنه بسبب نقد الألباني وإرشاده، ففال عَقِبَ جوابهِ السابق المُنتهي بقوله الذي هو أسوأُ منه: "غفل وذهل ":

"وقولي في حديث ابن مسعود: "الخَلْق عيال الله " سندهُ جيّد، سهو لا أدري كيف حصل لي؟ بل أوقعني فيه صنيعُ الحافظ السخاوي "!

فأقول: لو أن غيرك قال: "لا أدري " لم أستجز لنفسي أن أقول له:

إنْ كُنْتَ لَا تَدْري فتلكَ مُصيبةٌ *** أَوْ كُنْتَ تَدْري فَالمُصِيبةُ أعظمُ!

وإنما أقول لك بصراحة: إذا كنتَ صادقاً في قولك هذا، ولم يكن من دسائسك وأهوائك، فإنّك قد أُتيت من مخالفتك لقول أئمة الحديث: "قَمِّش

ثم فَتَش "، فأنتَ قَمَّاش حَوَّاش، تركن في الغالبِ إلى التقليدِ؛ الذي ترمي به غَيْرَك، وأنتَ فيه غريقٌ! ولولا ذاك لَمَا وقع منك هذا الخطأُ الفاحشُ الذي

 

(3/33)

 

 

يترفّعُ عنه المبتدئُ في هذا العلم الشريف، فإنك لمَّا رأيتَ السخاوي خَرَّجَ الحديث من رواية ابن مسعود وأنس وغيرهما، وسَكَتَ عن إسناد ابن مسعود واعَل غيره، وختم بحثه بقوله: "وبعضُها يُؤَكًد بعضاً"، توهمتَ من ذلك كلَه ما دفعك إلى الوقوع في الخطأ، فلو أنك فَتَشت عن إسناد ابن مسعود لوجدت فيه ذاك المتروك "موسى بن (1) عُمَير أبو هارون القُرَشي ".

تلك هي الناحيةُ الأولى.

وأما الناحيةُ الأخرى: فهي دِفاعُه عن نفسه بالباطل، وحملُه مسؤولية خطئه على الحافظ السخاوي كما سبق، وهذا من جَنَفهِ وظُلمه الذي لا يكادُ ينجو منه حتى الموتى، ولا من تزويره، فان السخاوي لم يُجَوِّد إسناده، كل ما في الأمر أنه سكت عنه، وهذا وإنْ كان منه غير جيد، فهل يفهم منه أحد مهما كان غريقاً في الجهل: أنه جَوَّدَ إسناده كما يزعم الغُماري؟!

هذا وقد خَرًجْتُ الحديث فيما يأتي برقم (3590) وتكلَّمتُ على طُرُقهِ، وأشرت إلى أنه إنما يثبت منه بلفظ: "خير الناس أنفعُهم للناس ".

وأما الحديث الآخر: "أنا سيَد ولد آدم، وعليّ سيّد العرب ". وهو الذي كنتُ انتقدت عليه قولَه فيه: "حديث ضعيف خلافاً لقول الذهبي: إنه

موضوع "، ومخالفتَه إياه، وبينت له هناك أن الحافظ العسقلاني قد أقرَّه على وضعه! لأن مدار الحديث عند الحاكم الذي عزاه الغُماري إليه- على

وضّاعَين معروفَين.

فقد كابر الغُماري أيضاً فيه كما سترى، فأنه قال ما خلاصته:

__________

(1) سقط من الأصل المطبوع "موسى بن " فليتنبه.

 

(3/34)

 

 

"وقول الذهبي: موضوع، غلو غير مقبول لأنه وَرَدَ عن غير الوضّاعين ".

ثم ذكر له طريقين آخرين:

أحدهما: عن أنس مرفوعاً. قال الهيثمي: "فيه- خاقان بن عبد الله ابن الأهتم ضعّفه أبو داود". وذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه.

والآخر: عن عائشة أيضاً مرفوعاً به. رواه الحاكم وقال:

"صحيح الِإسناد، وفيه عمر بن الحسن الراسبي، وأرجو أنه صدوق، ولولا ذلك لحكمتُ بصحته على شرط الشيخين ".

قال الغُماري عقبه من عند نفسه:

"قلت: إسنادُ الحديث نظيفٌ ليس فيه كذابٌ ولا متَهم، والراسبي ذكره ابن أبي حاتم برواية محمد بن موسى الجُرَشي عنه، ولم يجرحه بشيء.

وبمقتضى القاعدة المقررة يكون تعديل الحاكم مقبولًا، لكن الذهبي تعقّب قولَ الحاكم: أرجو أنه صدوقٌ، فقال: أظن أنه هو الذي وضعه. وهو تعنُّت شديدٌ وقولٌ بالظنّ، والظن أكذب الحديث. والعجب من الحافظ كيف وافق الذهبيَّ على هذا الحكم المتعنِّت، وغفل عما تقتضيه القاعدةُ في هذا المقام؟! فالحديثُ بهذين الطريقينِ: طريقِ أنسٍ وطريقِ عائشة، لا يَبعُد أن يكون من قبيل الحَسَنِ لغيره ".

والجواب وبالله التوفيق على وجهين: مجمل ومفصل:

أما المجمل، فلا نُسَلّم حُسْنَه بمجموع الطريقين، لأنَّ في طريق عائشة راوياً واهياً شديد الضعف توهّمه الغُماري ثقةً، أو تجاهله كما سيأتي بيأنه في (المفصل) .

 

(3/35)

 

 

وأمّا الضعف من حيثُ إسنادهُ فليس البحثُ الآن فيه، والغُماري نَصَبَ الخلاف فيه؛ بَيْنه وبين الحافظ الذهبي والعسقلاني. لغايةٍ في نفسه، وليس كذلك، وإنما هو في متنهِ لقولهما بِبُطْلأنهِ، مع تصريحهما بأنَ فيه من لا يُعرف كما يأتي، وذلك يعني أنه ضعيفُ السند، ولا منافاةَ بينهما كما لا يخفى على العارفِ بهذا العلم، ويأتي بيانُه قريباً إن شاء الله تعالى.

وأما الجواب المفصل فهو من وجوه:

1- تعليلُه لردّ حكم الذهبي على الحديث بالوضع بقوله:

"لأنّه وَرَدَ عن غير الوضّاعَين ".

فهو مرفوضٌ من أصله، وهو بذلك يُوهم القراء أنّ الحديث لا يكون موضوعاً إلا إذا كان فيه وضاعٌ، وهذا خلافُ ما صرّح به العلماءُ في أصول

علم الحديث وفروعه، فكم من حديثٍ حكموا عليه بوضعه أو بُطلأنه، وليس في إسنادهِ وضّاعٌ أو كذّابٌ، وفي هذه السلسلةِ عشراتُ الأمثلةِ على ذلك، وقد جاء في "اختصار علوم الحديث " لابن كثير:

"يُعرف الموضوع بأمور كثيرة.. ومن ذلك ركاكة ألفاظه، وفساد معناه، أو مجازفة فاحشة، أو مخالفته لما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة".-

والغُماري يعرف هذا جيداً، لأنه مما لا يخفى على صِغَار الطلبة، ولكنه يتجاهلُ الحقائقَ لِيَصْدُقَ عليه ما يتّهمُ به غيرَه، المرّة بعد المرّة، انظر مثلاً كتيّبه الآخر: "إتقان الصنعة" (ص 47) ، وكتب " الأحاديث الموضوعة"، كلها قائمة على هذا، فما من كتاب منها إلا وفيه أحاديثُ موضوعةٌ بأسانيدَ ضعيفةٍ، لأنّ الوضع جاء من داخل المتن الدالّ على بطلأنه، وعلى هذا

 

(3/36)

 

 

حكمت أنا على حديث "نِعْمَ المذكّر السّبحة"، الذي يصرّ الغُماري وبعض تلامذته على أنه ضعيف فقظ، غير ملتفتٍ إلى معناه الدالّ على بطلأنه كما كنتُ بيّنتُه فيما مضى برقم (83) ، وما ذلك إلّا محافظةً منه على وسائل التَّمشْيُخ (!) وجَلْبِ المُريدين السُّذَّج الذين يغترّون بالمظاهر، وَلأمْرٍ ما قال الغُماري هذا في رسالته السابقة (ص 48) :

"وتعليقُ السّبحة في العنق ليس فيه شيءٌ، وهو نظير وضع الكاتب القلم على أذنه "!!

ثم ذكر حديث: "ضَعِ القلمَ على أُذُنك فإنه أذكر للمُملي ".

وقال: "رواه الترمذي بإسناد ضعيف "!

وهو يعلم أن فيه عنبسة بن عبد الرحمن الأموي. قال أبو حاتم:

"كان يضع الحديث ".

وله طرقٌ أخرى تدور أيضاً على وضّاعين وكذّابين كما تراه مفصلاً في المجلد الثاني من هذه السلسلة، رقم (861- 862) .

من أجل ذلك لم يَسَعْ أخاه الشيخ احمد الغُماري إلا أن يورد هذا الحديث في كتابه "المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير" من

رواية الترمذي وغيره (ص 18 و 65- 66) وقال:

"وهذا من وضع العجم، وقال ابنُ الجوزي: إنه موضوع ".

فهل خفي هذا على الغُماري الصغير، أم تعمّد مخالفة أخيه الأكبر لمجرد أنه اتّفق مع الألباني في الحكم على الحديث بالوضع، أم هو الدوَرَان وراء المصلحة مهما كانت المخالفة للعلمْ والعلماء، والعياذ بالله تعالى؟!

 

(3/37)

 

 

ومن الأمثلة على الحديث الموضوع متناً بشهادة مَنْ لا يستطيع الغماريُّ أن يصفه بـ (المبتدع) وهو أخوه السابق الذكر، فقد قال في حديث:

"اجعلوا أئمتكم خياركم ... " (ص 10) .

"قلت: إسنادُهُ مُظلم كما قالوا، ومتنُه موضوع ". وانظر هذه السلسلة (1822-1823) .

وأقربُ مثال لما نحن فيه قولُه في حديث: "تختَموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر" (ص 36) :

"قلت: فيه الحسينُ بن إبراهيم البَابي، قال الذهبي: لا يُدْرى من هو، فلعل الحديث مِن وضعه ... ". وانظر الحديث برقم (227) .

وهذا البابي كما ترى مجهولٌ، ومع ذلك حكم عليه الغُماري الكبير بالوضع، وقد قال الذهبي في حديث السيادةِ في راويه المجهول مثل هذا القول وأقوى منه كما يأتي، ومع ذلك زاغ عنه الغُماري الصغير. والله المستعان. وبذلك يسقط تعليلُه المذكورُ، ويتبيّن لكل ذي عينين أن الغُماري

هذا لا يُراعي في كلامه على الحديث قواعدَ العُلَماء، وإنما يتكلّم عليه حسبما يُوحي إليه هواه!

2- قوله في حديث عائشة: إسنادهُ نطيفٌ، ليس فيه كذاب ولا متهم.

فأقول: هذه الدعوى كاذبةٌ، حَمَلَكَ عليها جمودُك على قول الحاكم ومن بعده بأنّ فيه ذاك الراسبي، فاستلزمت منه أنه ليس فيه علة أخرى هي أقوى من الراسبي، فإن الحاكم أخرجه (3/124) من طريق محمد بن معاذ عنه؛ وابن معاذ هذا لا استبعد عنك أن تتوهم أنه العنبري الثقة- إن كنت رجعت إلى "المستدرك " فوقعت عيناك عليه! - وإنما هو الشعراني أبو بكر

 

(3/38)

 

 

النُّهاوَندي كما حققته وبسطت القول عليه فيما سيأتي في المجلد الثاني عشر رقم (5678) وقد قال فيه الذهبي والعسقلاني:

" واه ".

أي شديد الضعف، فهو في حكم المتهم، وبذلك يسقط ما ادعاه الغُماري من النظافة!

3- قوله: والراسبي ذكره ابن أبي حاتم.. ولم يجرحه بشيء.

فأقول: نعم لم يجرحه، ولم يوثقه أيضاً، فكان ماذا؟ غاية ما يمكن أن يقال فيه: إنه سكت عنه، وهو ما يسكت عن أحد إلا لأنه لم يتبين له حاله، كما ذكر ذلك ابنُ أبي حاتم نفسه في مقدمة كتابه. على أن الراوي عنه محمد بن موسى الجُرَشي مجروح لا يُحْتَجُ به عنده كما يفيده قوله في ترجمته (1/4/84) :

"شيخ "! (أنطر باب بيان درجات رواة الآثار) منه.

قلت: فما قيمةُ الراسبي إذا لم يعرفه ابنُ أبي حاتم إلّا من رواية الجُرَشىِ الذي لا يحتج به؟! ولذلك قال الذهبيُّ والعسقلانيُّ في الراسبي هذا:

"لا يُعرف، وأتى بخبر باطل، متنُه: علي سيد العرب ".

فأقول: قابِلْ قولَهما هذا بقولهما المتقدم في حديث التختُّم بالعقيق الذي احتجَ به الغُماري الكبير على وضعه، تتبيّن وتتأكّد من بُطلان إنكار الغُماري الصغير عليهما كما يأتي.

4- قوله: "وبمقتضى القاعدة المُقَرّرة يكون تعديل الحاكم له مقبولًا ... إلخ ".

 

(3/39)

 

 

فأقول: تأمّل أيها القارئ كيف يُعَمّي الأمر على القراء، فَيُطلق - القاعدة ولا يُبَيِّنها، تدليساً عليهم، وإيهاماً لهم بأنّه متمسِّكٌ بالقاعدة المقررة في علم المصطلح، وينسب الحافظ الذهبي إلى التعنُّت وُيلحق به الحافظ العسقلاني في الغفلة!! ولا يشكّ أحدٌ أنهما أعلم منه وأتقى، وأبعد عن اتِّباع الهوى الذي ابْتُلي به هذا الغُماري المسكين في كثير من كتاباته وبخاصة ما كان منها في انتقاده للآخرين. وبيان ذلك هنا من وجهين:

الأول: أنّ الحاكم لم يجزم بأنّ الراسبيَّ هذا صدوق، وإنما قال:

أرجو؛ وفرقٌ واضحٌ بين الأمرين.

والآخر: هَبْ أنه جزم بأنه صدوق، فما قيمة قوله وهو معروف عند العلماء بأنه من المتساهلين (1) ، ولا سيما إذا لم يَعْتَدّ بقولهِ الحُفَّاظُ الذين جاؤوا من بعده واستدركوا عليه كالذهبي وغيره، وقد ذكر اللكنويُّ رحمه الله في "الأجوبة" (161) : أنه إذا تعارض قولُ الحاكم مع الذهبي، رُجِّح قول الذهبي، لأن الأول متساهلٌ والثاني غير متساهل. فالحديث الذي حكم الحاكم بكونه صحيح الِإسناد. وحكم الذهبي بكونه ضعيفَ الإِسناد؛ يُرَجَّحُ فيه قولُ الذهبي على قول الحاكم، وكم من حديثٍ حكم عليه الحاكمُ بالصحة وتعقّبه الذهبي بكونه ضعيفاً أو موضوعا ... إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.

وأقول: هذا إذا كان الذهبيُّ وحده مخالِفاً للحاكم، فكيف إذا كان معه الحافظُ ابن حجر كما هو الشأنُ هنا. فسقط بذلك تشبُّثُ الغُماري بالحاكم.

فإن قيل: ما هي القاعدة المُقَرّرَةُ التي اعتمد عليها الغُماري في رده

__________

(1) انظر "الأجوبة الفاضلة" لأبي الحسنات اللكنوي (ص80 - 86) .

 

(3/40)

 

 

على الذهبي والعسقلاني ولم يبينها؟

فأقول: هي قولُ ابن الصلاحِ وغيره أنه يكفي الواحدُ في التعديل على الصحيح. وقد عرفتَ مما سبق أنها ليسَتْ على إطلاقها، وأنّ المقصود بها

من لم يكن معروفًا بالتساهُل في التوثيق والتصحيح كالحاكم وابن حبان ونحوهما، وهذا مما لا يخفى على الغُماري، ولكنه يُجادل بالباطل وينساق

لهواه. نسأل الله السلامة.

5- قوله: فالحديث بهذينِ الطريقينِ ... لا يبعدُ أن يكون من قبيل الحَسَن لغيره.

فأقول: كلا، وذلك لوجهين:

الأول: أنّ فيه ذلك الواهيَ محمد بن مُعاذ كما سبق بيأنه في الفقرة (2) ، ومثله لا يفيد في المتابعات والشواهد كما هو مقرّر في علم المصطلح.

والآخر: أنَ البحثَ في مَتْن الحديث كما تقدّم في الجواب المجمل، فلا فائدة من محاولتك لِإخراج سند الحديث من الضعف، ومتنُه باطلٌ بشهادة

الحافظين الذهبي والعسقلاني، وهما المرجعُ في مثل هذا الأمر دونَك، وما أحسنَ ما قيل في مثل هذه المناسبة:

وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ *** لم يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعيسِ

فان قيل: فما وجهُ بُطلانِ هذا الحديث متناً؟

فأقول مخالفتُه للسنّة الصحيحة الثابتة من طرق عن ابن عمر رضي الله عنه في "صحيح البخاري " وغيره، وهي مُخَرّجة في "ظلال الجنة" (رقم 1190-1198) ، بل قد صح ذلك عن علي نفسه رضي الله عنه، فروى البخاري بسنده الصحيح عن محمد بن الحنفية قال:

 

(3/41)

 

 

قلت لأبي: أيّ الناس خيرٌ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أبو بكر؛ قال: قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر.. الحديث. ورواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وغيرهم من طرق عنه، وهو مُخَرجٌ في "ظلال الجنة" (1200- 1208) .

وروي (1166) بسند حسن عن عمر قال لأبي بكر: لا بل نبايعك، وأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وقد جاء في "الصحيحين " مرفوعاً أن أبا بكر كان أحبَّ الرجال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف يُعْقَلُ بعد هذه النصوص القاطعة بأفضلية أبي بكر رضي الله عنه أن يُقال: "وعلي سيّد العرب "، وقد تقدّم أنّ من علامات الحديث الموضوع أن يُخالف السنّة الصحيحة، فهي عمدة الذهبي والعسقلاني في قولهما ببطلان الحديث.

ولقد كنتُ أوردت معنى ما تقدم من السنة في رَدّي على الغُماري في مقدمة "البداية"، وأشرت إلى نِسْبتهِ إلى التشيُّع، بسبب تحمُّسه لهذا الحديث الباطل، وذكرتُ أنه من وضع الشَيعةِ. ثم تأكدتُ من ذلك حين رأيته يرد على الحافظَين وَيَسْتعلي عليهما، وينسبهما إلى الغفلة كما تقدم، ولا يتبرّأ من التشيع الذي رُمي به، بل إنه زاد على ذلك- ضِغْثاً على إبّالة- فسوّد ثلاث صفحاتٍ في الطعن على أهل السنّة وأئمة الحديث كابن تيمية والذهبي، فيرميهما بالنصب، وإنكار فضائل علي رضي الله عنه، وُيصرح بأن كثيراً من أهل السنة انخدعوا بالنواصب! فردُّوا أحاديثَ كثيرةً في فضل علي رضي الله عنه، ومنها هذا الحديثُ بزعمه فيتأوله بقوله: "فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: " علي سيد العرب " أنه ذو الشرف والمجد فيهم، لأنّه من أهل البيت ... إلخ ".

فأقول: أَثْبتِ العرشَ ثم انقشْ، فإن التأويل فرعُ التصحيح كما هو معروفٌ عند العلماء، والحديث ضعيف الإسنادِ كما سبق تحقيقهُ، فهو لا

 

(3/42)

 

 

يستحقّ التأويل.

على أنّ سياق الحديث يبطله، فإن قوله- صلى الله عليه وسلم -: "أنا سيد ولد آدم " صريح في تفضيله - صلى الله عليه وسلم -على جميع ولد آدم، وهو الذي فهمه العلماء ومنهم العزّ بن عبد السلام في رسالته "بداية السُّول " كما سيأتي بيأنه تحت الحديث رقم (5678) ، فلو صحّت زيادة "وعلي سيد العرب " دلَّت أيضاً على تفضيله بعده - صلى الله عليه وسلم -على العرب جميعاً، وهذا باطلٌ بشهادةِ الصحابة كما تقدم، ومنهم على نفسه، رضي الله عنهم أجمعين.

ومثلُ هذه الزيادةِ في البُطلان والمخالفة حديث:

"كان أحبّ النساء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فاطمة، ومن الرجال علي ".

وسيأتي في هذا المجلد إن شاء الله تعالى برقم (1124) مع تخريجه والكشف عن علّته، وَوَهْم من وَهِمَ فيه، وذكر بعض الأحاديث الصحيحة

الدالّة على بُطلأنه.

وبعد، فإنّ مجال الردّ على الغُماري والكشف عن أوهامه وتدليساته على القراء، وضلالاته وافترِاءاته وإثارته للفتن التي شاركه في بعضها ذاك

الخزرجيُّ- مجالٌ واسعٌ جداَ، وفيما سبق من البيان كفايةٌ لكل منصفٍ راغبٍ في الهداية، وإنّي مع ذلك أرجو لهما أن يتراجعا عمّا رمونا به من البَهت

والافتراء، فإن لم يفعلا فإنّي داعٍ بما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

" اللهمّ مَتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثَأْرَنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مُصيبتنا في

ديننا، ولا تجعلِ الدنيا أكبَر هَمنا، ولا مبلغَ علمِنا، ولا تُسَلّط علينا من لا يرحمُنا".

 

(3/43)

 

 

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وصلى الله على محمد النبيّ الأميّ وعلى آله وصحبه وسلم.

عمّان 25 محرم سنة 1407 هـ

وكتب

محمد ناصر الدين الألباني

أبو عبد الرحمن

 

(3/44)

 

 

1001 - " كان يركع قبل الجمعة أربعا، وبعدها أربعا لا يفصل بينهن ".

باطل.

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3/172/1) عن بقية بن الوليد، عن مبشر ابن عبيد عن الحجاج بن أرطاة عن عطية العوفي عن ابن عباس مرفوعا.

ورواه ابن ماجه في سننه (1/347) من هذا الوجه دون قوله: " وبعدها أربعا " وقال الزيلعي في " نصب الراية " (2/206) : سنده واه جدا، فمبشر بن عبيد معدود في الوضاعين، وحجاج وعطية ضعيفان. وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 72/1) : هذا إسناد مسلسل بالضعفاء، عطية متفق على تضعيفه، وحجاج مدلس، ومبشر بن عبيد كذاب، وبقية بن الوليد يدلس تدليس التسوية، وصلاته صلى الله عليه وسلم بين الأذان والإقامة يوم الجمعة متعذر؛ لأنه كان بينهما الخطبة، فلا صلاة حينئذ بينهما، نعم بعد إحداث عثمان للأذان على الزوراء، يمكن أن يصلي سنة الجمعة قبل خروج الإمام للخطبة.

قلت: ولكنه لم يرد إطلاقا أنه كان بين أذان عثمان والخطبة وقت لصلاة أربع ركعات سنة الجمعة المزعومة، ولا ورد أيضا أنهم كانوا يصلونها في عهده رضي الله عنه، فبطل الاحتمال المذكور، على أنه لوثبت وجود مثل هذا الوقت، لم يدل ذلك على جواز إحداث عبادة لم تكن في عهده صلى الله عليه وسلم، بخلاف إحداث عثمان للأذان، فإنه كان من باب المصالح المرسلة، كما حققت ذلك كله في رسالتنا الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة، فليراجعها من شاء، فإن فيها تحقيقا لكثير من المسائل المتعلقة بصلاة الجمعة، وكأنه لما سبق ذكره حكم بعض الأئمة على هذا الحديث بالبطلان، فقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (2/341) : سنده واه؛ قال النووي في الخلاصة:

 

(3/45)

 

 

إنه حديث باطل.

وقال ابن القيم في " زاد المعاد " (1/170) :

هذا الحديث فيه عدة بلايا، ثم أطال في بيان ذلك بما خلاصته ما نقلناه عن البوصيري من العلل الأربع، ومن العجيب أن يخفى ذلك على الحافظ الهيثمي، فإنه قال في " المجمع " (2/195) :

رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه الحجاج بن أرطاة وعطية العوفي وكلاهما فيه كلام، ففاته ذكر العلتين الأخريين، لا سيما التي سببها مبشر بن عبيد الكذاب الوضاع، ثم تلطف جدا في تضعيف الحجاج وعطية، فأوهم أن الضعف في إسناد الحديث يسير، وليس بشديد، فكان من نتائج ذلك أن جاء من بعده صاحب " جمع الفوائد " فلخص كلام الهيثمي بقوله فيه (1/268) :

للكبير بلين!، فأفصح بذلك عما يدل عليه كلام الهيثمي مما أشرنا إليه من الضعف اليسير، وذلك خطأ منه جر إلى خطأ أوضح بسبب التقليد، وعدم الرجوع في التحقيق إلى الأصول، وإلى أقوال الأئمة الفحول، والله المستعان.

وأما قول المناوي في " فيض القدير " بعد أن نقل عن الحافظين العراقي وابن حجر أنهما قالا في حديث ابن ماجه: سنده ضعيف جدا، وبعد أن بين وجه ذلك بنحو ما سبق، قال متعقبا على السيوطي:

قد أساء التصرف حيث عدل لهذا الطريق المعلول، واقتصر عليه، مع وروده من طريق مقبول، فقد رواه الخلعي في فوائده من حديث علي كرم الله وجهه، قال الحافظ الزين العراقي: إسناده جيد.

فأقول: إنني في شك من ثبوت ذلك عن علي، وإن كان العراقي قد تابعه على

 

(3/46)

 

 

هذا القول تلميذه البوصيري، وقد وجدت في كلام هذا ما فتح الطريق علي لتحقيق شكي المشار إليه، فقد قال في " الزوائد " (ق 72/1) بعد أن أعل إسناد ابن ماجه على ما نقلته عنه:

رواه أبو الحسن الخلعي في " فوائده " بإسناد جيد، من طريق أبي إسحاق عن عاصم عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا قال أبو زرعة في " شرح التقريب " (3/42) ، والظاهر أن البوصيري نقله عنه.

قلت: والمعروف من هذه الطريق عن علي بلفظ:

" كان يصلي قبل الظهر أربع ركعات "، هكذا أخرجه أحمد وغيره، فهو المحفوظ والله أعلم.

ولئن صح ما عند الخلعي فهو محمول على ما قبل الأذان وصعود النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر لفقدان المحل كما تقدم بيانه، والله ولي التوفيق.

وكتاب الخلعي المذكور منه أجزاء مخطوطة في المكتبة الظاهرية، وليس في شيء منها هذا الحديث لننظر في إسناده، ثم وقفت عليه عند غيره، فتأكدت مما ذهبت إليه هنا أنه غير معروف، فانظر الحديث الآتي برقم (5290) إن شاء الله تعالى، وقد روي الحديث عن ابن مسعود أيضا، وسنده ضعيف منكر، كما يأتي بيانه بلفظ: " كان يصلي قبل الجمعة أربعا.... ". رقم (1016) .

1002 - " كان يسبح بالحصى ".

موضوع.

رواه أبو القاسم الجرجاني في " تاريخ جرجان " (68) من طريق صالح بن علي النوفلي: حدثنا عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي: حدثنا ابن المبارك عن

 

(3/47)

 

 

سفيان الثوري عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع، آفته القدامي - نسبة إلى قدامة بن مظعون - وهو متهم، قال الذهبي في " الميزان ": أحد الضعفاء، أتى عن مالك بمصائب. ثم ذكر بعض مصائبه!

وفي " اللسان ": ضعفه ابن عدي والدارقطني.

وقال ابن حبان: يقلب الأخبار، لعله قلب على مالك أكثر من مائة وخمسين حديثا، وروى عن إبراهيم بن سعد نسخة أكثرها مقلوب، وقال الحاكم والنقاش: روى عن مالك أحاديث موضوعة، وقال أبو نعيم: روى المناكير.

قلت: وصالح بن علي النوفلي لم أجد من ترجمه، وهذا الحديث يخالف ما ثبت عن عبد الله بن عمرو، قال:

" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه ".

أخرجه أبو داود (1/235) بسند صحيح، وحسنه النووي في " الأذكار " (ص 23) ، وكذا الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (ق 18/1) ، وعزاه الأول للنسائي، وهو عنده (1/198) ضمن حديث، وكذلك أخرجه في عمل اليوم والليلة (819) ، وثبت عند أبي داود أيضا وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء أن يعقدن بالأنامل وقال: " فإنهن مسؤولات مستنطقات "، وصححه الحاكم والذهبي.

فهذا هو السنة في عد الذكر المشروع عده، إنما هو باليد، وباليمنى فقط، فالعد باليسرى أو باليدين معا، وبالحصى كل ذلك خلاف السنة، ولم يصح في العد بالحصى فضلا عن السبحة شيء، خلافا لما يفهم من " نيل الأوطار " و" السنن والمبتدعات " وغيرهما، وقد بسطت القول في ذلك في رسالتنا " الرد على التعقيب الحثيث "، فليرجع

 

(3/48)

 

 

إليها من شاء التوسع في ذلك، واسترواح بعض المعاصرين إلى الاستدلال بعموم حديث " الأنامل " وغيره غفلة منه، لأنه عموم لم يجر العمل به، وتجاهل منه لحديث العقدة باليمين، لا يليق بمن كان من أهل العلم، فتنبه ولا تكن من الغافلين.

1003 - " بل لنا خاصة. يعني فسخ الحج إلى العمرة ".

ضعيف.

أخرجه أصحاب " السنن " إلا الترمذي والدارمي والدارقطني والبيهقي وأحمد (3/468) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال:

قلت: يا رسول الله! فسخ الحج لنا خاصة؟ أم للناس عامة؟ قال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف، فإن الحارث هذا لم يوثقه أحد، بل أشار الإمام أحمد إلى أنه ليس بمعروف، وضعف حديثه هذا كما يأتي.

وقال الحافظ في " التقريب ":

مقبول، يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث، كما نص عليه في المقدمة.

وأما ما نقله الشوكاني في " نيل الأوطار " (4/280) عن الحافظ أنه قال في الحارث هذا: من ثقات التابعين، فإن صح هذا عنه، فهو من أوهامه، لأنه لو كان ثقة عنده لوثقه في " التقريب "، ولذكر من وثقه في أصله " التهذيب "، وكل ذلك لم يكن، بل قال أبو داود في " المسائل " (ص 302) :

قلت لأحمد: حديث بلال بن الحارث في فسخ الحج؟ قال: ومن بلال بن الحارث أو الحارث بن بلال؟ ! ومن روى عنه؟ ! ليس يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة، وهذا أبو موسى يفتي به في خلافة أبي بكر، وصدر خلافة عمر.

وقال ابن القيم في " زاد المعاد " (1/288) :

 

(3/49)

 

 

وأما حديث بلال بن الحارث، فلا يكتب؛ ولا يعارض بمثله تلك الأساطين الثابتة، قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يرى للمهل بالحج أن يفسخ حجه إن طاف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقال في المتعة: هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: " اجعلوا حجكم عمرة " (1) ، قال عبد الله: فقلت لأبي: فحديث بلال بن الحارث في فسخ الحج؟ يعني قوله: " لنا خاصة " قال: لا أقول به، لا يعرف هذا الرجل (قلت: يعني ابنه الحارث) ، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف، ليس حديث بلال بن الحارث عندي بثبت.

قال ابن القيم:

ومما يدل على صحة قول الإمام، وأن هذا الحديث لا يصح، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن تلك المتعة التي أمرهم أن يفسخوا حجهم إليها أنها لأبد الأبد، فكيف يثبت عنه بعد هذا أنها لهم خاصة؟ ! هذا من أمحل المحال، وكيف يأمرهم بالفسخ، ويقول: " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " (2) ، ثم يثبت عنه أن ذلك مختص بالصحابة، دون من بعدهم؟ فنحن نشهد بالله أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه.

وأما ما رواه مسلم في " صحيحه " وأصحاب " السنن " وغيرهم عن أبي ذر أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة، فهذا مع كونه موقوفا، إن أريد به أصل المتعة، فهذا لا يقول به أحد من المسلمين، بل المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة، ولذلك قال الإمام أحمد:

رحم الله أبا ذر هي في كتاب الرحمن: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ".

وإن أريد به متعة فسخ الحج، احتمل ثلاثة وجوه من التأويل، ذكرها ابن القيم، فليراجعها من شاء، فإن غرضنا هنا التنبيه على ضعف هذا الحديث الذي يحتج به من لا

__________

(1) انظر كتابي " حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر رضي الله عنه ". اهـ.

(2) انظر المصدر السابق. اهـ.

 

(3/50)

 

 

يذهب إلى أفضلية متعة الحج ويرى الإفراد أوالقران أفضل، مع أن ذلك خلاف الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة استقصاها ابن القيم في " الزاد " فلتطلب من هناك.

وقال ابن حزم في " المحلى " (7/108) :

والحارث بن بلال مجهول، ولم يخرج أحد هذا الخبر في صحيح الحديث، وقد صح خلافه بيقين، كما أوردنا من طريق جابر بن عبد الله أن سراقة بن مالك قال لرسول الله إذ أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" بل لأبد الأبد ". رواه مسلم ".

وبهذه المناسبة أقول: من المشهور الاستدلال في رد دلالة حديث جابر هذا وما في معناه على أفضلية التمتع، بل وجوبه بما ثبت عن عمر وعثمان من النهي عن متعة الحج، بل ثبت عن عمر أنه كان يضرب على ذلك، وروي مثله عن عثمان (1) ، حتى صار ذلك فتنة لكثير من الناس وصادا لهم عن الأخذ بحديث جابر المذكور وغيره، ويدعمون ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين "، وقوله: " اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر "، ونحن نجيب عن هذا الاستدلال غيرة على السنة المحمدية من وجوه:

الأول: أن هذين الحديثين لا يراد بهما قطعا اتباع أحد الخلفاء الراشدين في حالة كونه مخالفا لسنته صلى الله عليه وسلم باجتهاده، لا قصدا لمخالفتها، حاشاه من ذلك، ومن أمثلة هذا ما صح عن عمر رضي الله عنه أنه كان ينهى من لا يجد الماء أن يتيمم ويصلي (2) !! وإتمام عثمان الصلاة في منى مع أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم قصرها كما هو ثابت مشهور، فلا يشك عاقل، أنهما لا يتبعان في مثل هذه الأمثلة المخالفة للسنة، فينبغي أن يكون

__________

(1) انظر المحلى (7/107) . اهـ.

(2) أخرجه الشيخان في " صحيحيهما ". فانظر كتابي " مختصر صحيح الإمام البخاري " رقم (191) و" صحيح مسلم " (1/193) . اهـ.

 

(3/51)

 

 

الأمر هكذا في نهيهما عن المتعة للقطع بثبوت أمره صلى الله عليه وسلم بها.

لا يقال: لعل عندهما علما بالنهي عنها، ولذلك نهيا عنها، لأننا نقول:

قد ثبت من طرق أن نهيهما إنما كان عن رأي واجتهاد حادث، فقد روى مسلم (4/46) وأحمد (1/50) عن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه بعد، فسأله، فقال عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك، ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم.

ورواه البيهقي أيضا (5/20) .

وهذا التعليل من عمر رضي الله عنه إشارة منه إلى أن المتعة التي نهى عنها هي التي فيها التحلل بالعمرة إلى الحج كما هو ظاهر، ولكن قد صح عنه تعليل آخر يشمل فيه متعة القران أيضا فقال جابر رضي الله عنه:

تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال:

إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد أنزل منازله، فأتمموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله، فافصلوا حجكم من عمرتكم؛ فإنه أتم لحجتكم، وأتم لعمرتكم.

أخرجه مسلم والبيهقي (5/21) .

فثبت مما ذكرنا أن عمر رضي الله عنه تأول آية من القرآن بما خالف به سنته صلى الله عليه وسلم فأمر بالإفراد، وهو صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ونهى عمر عن المتعة، وهو صلى الله عليه وسلم أمر بها، ولهذا يجب أن يكون موقفنا من عمر هنا كموقفنا منه في نهيه الجنب الذي لا يجد الماء أن يتيمم ويصلي، ولا فرق.

الثاني: أن عمر رضي الله عنه، قد ورد عنه ما يمكن أن يؤخذ منه أنه رجع عن نهيه عن المتعة، فروى أحمد (5/143) بند صحيح عن الحسن أن عمر رضي الله عنه أراد أن ينهى عن متعة الحج، فقال له أبي: ليس ذاك لك، قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينهنا عن ذلك، فأضرب عن ذلك عمر.

 

(3/52)

 

 

قلت: الحسن - وهو البصري - لم يسمع من أبي، ولا من عمر، كما قال الهيثمي (3/236) ، ولولا ذاك لكان سنده إلى عمر صحيحا، لكن قد جاء ما يشهد له، فروى الطحاوي في " شرح المعاني " (1/375) بسند صحيح عن ابن عباس قال:

" يقولون: إن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة، قال عمر رضي الله عنه: لو اعتمرت في عام مرتين ثم حججت لجعلتها مع حجتي ".

رواه من طريق عبد الرحمن بن زياد قال: حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت طاووسا يحدث عن ابن عباس.

قلت: وهذا سند جيد رجاله ثقات معروفون، غير عبد الرحمن بن زياد وهو الرصاصي، قال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو زرعة: لا بأس به، ولم يتفرد به، فقد أخرجه الطحاوي أيضا من طريق أخرى عن سفيان عن سلمة بإسناده عنه قال: قال عمر:

فذكر مثله، وسنده جيد أيضا، وقد صححه ابن حزم فقال (7/107) في صدد الرد على القائلين بمفضولية المتعة، المحتجين على ذلك بنهي عمر عنها:

هذا خالفه الحنفيون والمالكيون والشافعيون؛ لأنهم متفقون على إباحة متعة الحج، وقد صح عن عمر الرجوع إلى القول بها في الحج، روينا من طريق شعبة عن سلمة بن كهيل عن طاووس عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: لواعتمرت في سنة مرتين ثم حججت لجعلت مع حجتي عمرة، ورويناه أيضا من طريق سفيان عن سلمة بن

كهيل به، ورويناه أيضا من طرق، فقد رجع عمر رضي الله عنه إلى القول بالمتعة اتباعا للسنة، وذلك هو الظن به، رضي الله عنه، فكان ذلك من جملة الأدلة الدالة على ضعف حديث الترجمة، والحمد لله رب العالمين.

1004 - " إذا دخلت على مريض فمره أن يدعولك، فإن دعاءه كدعاء الملائكة ".

ضعيف جدا.

رواه ابن ماجه (1/440) : حدثنا جعفر بن مسافر: حدثني كثير

 

(3/53)

 

 

بن هشام: حدثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن عمر بن الخطاب قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم. فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، وله علتان:

الأولى: الانقطاع بين ميمون وعمر، وبه أعلوه، فقال البوصيري في " الزوائد " (ق 90/1) :

هذا الإسناد رجاله ثقات (1) ، إلا أنه منقطع، قال العلائي في " المراسيل "، والمزي في " التهذيب ": إن رواية ميمون بن مهران عن عمر مرسلة.

وقال المنذري في " الترغيب " (4/164) :

ورواته ثقات مشهورون، إلا أن ميمون بن مهران لم يسمع من عمر، وتبعه الحافظ في " الفتح " فقال (10/99) :

أخرجه ابن ماجه بسند حسن لكن فيه انقطاع، وغفلوا جميعا عن العلة الأخرى، وهي: الثانية: وهي أن راويه عن جعفر بن برقان ليس هو كثير بن هشام كما هو ظاهر هذا الإسناد، بل بينهما رجل متهم، بين ذلك الحسن بن عرفة فقال: حدثنا كثير بن هشام الجزري عن عيسى بن إبراهيم الهاشمي عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران به، أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (ص 178) .

وعيسى هذا قال فيه البخاري والنسائي:

منكر الحديث، وقال أبو حاتم:

__________

(1) هكذا في نسختنا من " الزوائد "، ونقل السدي عنه أنه قال: إسناده صحيح، ورجاله ثقات إلا أنه ... " وما في نسختنا أقرب إلى المعروف في استعمالاتهم. اهـ.

 

(3/54)

 

 

متروك الحديث، فلعله سقط من رواية جعفر بن مسافر وهما منه، فقد قال فيه الحافظ:

صدوق ربما أخطأ، ثم رجعت إلى " التهذيب " فرأيته قد تنبه لهذه العلة، فقال متعقبا لقول النووي الذي نقلته عنه آنفا:

فمشى على ظاهر السند، وعلته أن الحسن بن عرفة رواه عن كثير، فأدخل بينه وبين جعفر رجلا ضعيفا جدا، وهو عيسى بن إبراهيم الهاشمي. كذلك أخرجه ابن السني والبيهقي من طريق الحسن، فكأن جعفرا كان يدلس تدليس التسوية، إلا أني وجدت في نسختي من ابن ماجه تصريح كثير بتحديث جعفر له، فلعل كثيرا عنعنه فرواه جعفر عنه بالتصريح، لاعتقاده أن الصيغتين سواء من غير المدلس، لكن ما وقفت على كلام أحد وصفه بالتدليس، فإن كان الأمر كما ظننت أولا، وإلا فيسلم جعفر من التسوية ويثبت التدليس في كثير، والله أعلم.

قلت: لكن أحدا لم يصف أيضا بالتدليس كثيرا هذا، فالأقرب أن جعفرا وهم في سنده؛ فأسقط عيسى منه كما سبق مني، فإنه موصوف بالوهم كما عرفت من " تقريب " الحافظ، وسلفه في ذلك ابن حبان، فإنه قال فيه في " الثقات ":

كتب عن ابن عيينة، ربما أخطأ.

1005 - " اكشف الباس، رب الناس! عن ثابت بن قيس بن شماس ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود (2 / 337 - طبع الحلبي) وابن حبان في " صحيحه " (رقم 1418 - موارد) عن يوسف بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل على ثابت بن قيس وهو مريض، فقال:

فذكره، ثم أخذ ترابا من بطحان فجعله في قدح، ثم نفث عليه بماء فصبه عليه، ولفظ ابن حبان: فجعله في قدح فيه ماء فصبه عليه "، لم يذكر النفث.

 

(3/55)

 

 

قلت: وهذا سند ضعيف علته يوسف بن محمد، وقلبه بعض الرواة فقال: محمد بن يوسف، قال أبو داود: والصواب الأول.

قلت: وهو مجهول العين، أورده ابن أبي حاتم (4/228) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال الذهبي في " الميزان ": لا يعرف حاله، روى عنه عمرو بن يحيى بن عمارة.

قلت: الصواب عدم ذكر لفظ (حاله) ، فإنه إذا كان لم يروعنه غير عمرو هذا فهو مجهول العين كما قلنا، وليس مجهول الحال كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث.

وأما الحافظ فقال في " التقريب ": مقبول، يعني عند المتابعة وإلا فلين الحديث كما نص عليه في المقدمة.

واعلم أننا إنما أوردنا هذا الحديث لما في آخره من جعل البطحان (وهو الحصا الصغار) في القدح إلخ، فإنه غريب منكر، وأما الدعاء " اكشف الباس رب الناس "، فهو ثابت من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: " كان يعود بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس، أذهب الباس، واشفه أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما ".

أخرجه الشيخان وغيرهما، وله فيهما وفي " المسند " طرق (6/44، 45، 50، 108، 109، 114، 115، 120، 124، 125، 127، 131، 208، 260، 278، 280) .

1006 - " نعم العبد صهيب، لولم يخف الله لم يعصه ".

لا أصل له.

قال السخاوي في " الفتاوي الحديثية " (12/2) : قد اشتهر في كلام الأولين وأصحاب المعاني والعربية من حديث عمر بن الخطاب وذكر الشيخ بهاء الدين السبكي أنه لم يظفر به في شيء من الكتب، وكذا قال جمع من أهل اللغة، ثم رأيت بخط شيخنا رحمه الله أنه ظفر به في " مشكل الحديث "

 

(3/56)

 

 

لأبي محمد بن قتيبة، لكن لم يذكر له ابن قتيبة إسنادا، وقال: أراد أن صهيبا إنما لم يعص الله حياء لا مخافة عذابه، انتهى.

وقد وقعت على معنى ذلك من قول عمر (1) رضي الله عنه، إلا أنه في حق سالم مولى أبي حذيفة، فروى أبو نعيم في " الحلية " من طريق عبد الله بن الأرقم:

حضرت عمر عند وفاته مع ابن عباس والمسور بن مخرمة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن سالما شديد الحب لله عز وجل، لوكان لا يخاف ما عصاه، وسنده ضعيف.

قلت: بل هو موضوع؛ لأنه في " الحلية " (1/177) معلق من طريق محمد بن إسحاق عن الجراح بن منهال عن حبيب بن نجيح عن عبد الرحمن بن غنم قال:

قدمت المدينة في زمان عثمان، فأتيت عبد الله بن الأرقم فقال: حضرت عمر رضي الله عنه عند وفاته مع ابن عباس والمسور بن مخرمة، فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، فلقيت ابن عباس فذكرت ذلك له، فقال: صدق، انطلق بنا إلى المسور بن مخرمة حتى يحدثك به، فجئنا المسور، فقلت: إن عبد الله بن الأرقم حدثني بهذا الحديث، قال: حسبك لا تسل عنه بعد عبد الله بن الأرقم.

قلت: فهذا إسناد هالك، مسلسل بالعلل:

الأولى: أنه معلق غير متصل.

الثانية: أن محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعنه.

الثالثة: أن الجراح بن المنهال متهم بالكذب، وكنيته أبو العطوف، قال

البخاري ومسلم: منكر الحديث.

وقال النسائي والدارقطني: متروك.

وقال ابن حبان: كان يكذب في الحديث، ويشرب الخمر.

__________

(1) كذا الأصل والظاهر أن الصواب " حديث عمر " لأنه مرفوع كما سترى. اهـ.

 

(3/57)

 

 

الرابعة: جهالة حبيب بن نجيح، قال أبو حاتم (1/2/110) :

مجهول، ولا يعتبر برواية أبي العطوف عنه، يعني لضعف أبي العطوف.

وكذا قال الذهبي في " الميزان ": مجهول.

وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " على قاعدته في توثيق المجهولين!

1007 - " أيما امرأة نكحت على صداق أوحباء أوعدة قبل عصمة النكاح، فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح، فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أوأخته ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود (2129) والنسائي (2/88 - 89) وابن ماجه (1955) والبيهقي (7/248) وأحمد (2/182) عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لأن ابن جريج مدلس وقد عنعنه.

وقد تابعه مدلس آخر وهو الحجاج بن أرطاة فقال: عن عمرو بن شعيب به ولفظه:

ما استحل به فرج المرأة من مهر أوعدة، فهو لها، وما أكرم به أبوها أوأخوها أووليها بعد عقدة النكاح، فهو له، وأحق ما أكرم الرجل به ابنته أوأخته.

أخرجه البيهقي.

تنبيه: استدل بعضهم بهذا الحديث على أنه يجوز لولي المرأة أن يشترط لنفسه شيئا من المال! وهو لوصح كان دليلا ظاهرا على أنه لواشترط ذلك لم يكن المال له بل للمرأة، قال الخطابي:

هذا يتأول على ما يشترطه الولي لنفسه سوى المهر.

 

(3/58)

 

 

وقد اعتاد كثير من الآباء مثل هذا الشرط، وأنا وإن كنت لا أستحضر الآن ما يدل على تحريمه، ولكني أرى - والعلم عند الله تعالى - أنه لا يخلومن شيء، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ولا أظن مسلما سليم الفطرة، لا يرى أن مثل هذا الشرط ينافي مكارم الأخلاق، كيف لا، وكثيرا ما يكون سببا للمتاجرة بالمرأة إلى أن يحظى الأب أوالولي بالشرط الأوفر، والحظ الأكبر، وإلا أعضلها! وهذا لا يجوز لنهي القرآن عنه.

1008 - " لواجتمعتما في مشورة ما خالفتكما، يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ".

ضعيف.

رواه أحمد (4/227) عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف، شهر ضعيف لسوء حفظه، وأعله الهيثمي في " المجمع " (9/53) بعلة أخرى فقال:

رواه أحمد ورجاله ثقات، إلا أن ابن غنم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا يخفى ما في قوله: " ورجاله ثقات " من البعد عن الصواب، فإن شهرا لا يصح أن يوصف بكونه ثقة، وفيه الكلام المعروف عن جماعة من الأئمة.

ولا يتقوى الحديث بحديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر:

الحمد لله الذي أيدني بكما، ولولا أنكما تختلفان علي ما خالفتكما ".

قال الهيثمي (9/52) :

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك وهو متروك.

قلت: وقد كذبه غير واحد، وذكر له الذهبي حديثين موضوعين عن مالك! ولذلك فلا يصح الاستشهاد به لكن الشطر الأول من حديث حبيب هذا أخرجه الحاكم (3/74) عن عاصم بن عمر أخي عبيد الله عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن إبراهيم بن

 

(3/59)

 

 

الحارث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي أروى الدوسي قال:

كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاطلع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الحمد لله الذي أيدني بكما، وقال: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله:

قلت: عاصم واه.

1009 - " الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء ".

منكر.

أخرجه الترمذي (2/294) والطحاوي (2/268) والدارقطني (519) والطبراني في " الكبير " (3/115/1) وعنه الضياء في " المختارة " (62/289/2) والبيهقي (6/109) من طريق أبي حمزة السكري عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال الترمذي:

هذا حديث غريب، لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي حمزة السكري، وقد روى غير واحد هذا الحديث عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهذا أصح ".

وقال الدارقطني:

خالفه شعبة وإسرائيل وعمرو بن أبي قيس وأبو بكر بن عياش؛ فرووه عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة مرسلا، وهو الصواب، ووهم أبو حمزة في إسناده.

وكذا قال البيهقي: أن الصواب مرسل.

قلت: واسم أبي حمزة محمد بن ميمون، وهو ثقة فاضل محتج به في " الصحيحين " كما في " التقريب "، لكن فيه كلام يسير، فقال النسائي:

" لا بأس به إلا أنه كان قد فقد بصره في آخر عمره، فمن كتب عنه قبل ذلك

 

(3/60)

 

 

فحديثه جيد ".

وذكره ابن القطان الفاسي فيمن اختلط كما في " التهذيب "، وقال أبو حاتم:

" لا يحتج به " كما في " الميزان ".

قلت: فمثله يحتج به إن شاء الله تعالى إذا لم يخالف، وأما مع المخالفة فلا، فإذ قد خالف في هذا الحديث فزاد في السند ابن عباس ووصله خلافا للثقات الآخرين الذين أرسلوه، دل ذلك على وهمه كما جزم به الدارقطني، وأشار إليه الترمذي، وأن الصواب في الحديث أنه مرسل، فهو على ذلك ضعيف لا يحتج به.

وقد روي عن أبي حمزة على وجه آخر، رواه البيهقي من طريق عبدان عنه عن محمد بن عبيد الله عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا. وقال:

" ومحمد هذا هو العرزمي، متروك الحديث. وقد روي بإسناد آخر ضعيف عن ابن عباس موصولا ".

ثم ساقه باللفظ الآتي عقب هذا، وقد أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 281/2) عن أبي حمزة عن العرزمي به، وقال:

" لا أعلم رواه عن محمد بن عبيد الله غير أبي حمزة. وقوله: " والشفعة في كل شيء " منكر. ومحمد بن عبيد الله العرزمي عامة رواياته غير محفوظة ".

قلت: ومما يؤيد نكارة هذا الحديث عن ابن عباس أن الطحاوي روى (2/269) من طريق معن بن عيسى عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس قال:

" لا شفعة في الحيوان ".

احتج به الطحاوي على أن قوله في حديث الباب: " الشفعة في كل شيء "، ليس على عمومه يشمل الحيوان وغيره. قال:

" وإنما معناه الشفعة في الدور والعقار والأرضين، والدليل على ذلك ما قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، حدثنا أحمد بن داود قال: حدثنا يعقوب قال:

حدثنا معن بن عيسى ... ".

 

(3/61)

 

 

قلت: وإسناد هذا الموقوف جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون، غير أحمد بن داود هذا وهو ابن موسى الدوسي أبو عبد الله وثقه ابن يونس كما في " كشف الأستار " عن " المغاني ".

والحديث قال الحافظ في " الفتح " (4/345) :

" رواه البيهقي، ورجاله ثقات، إلا أنه أعل بالإرسال، وأخرج له الطحاوي شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس برواته ".

ونقله هكذا الشوكاني في " نيل الأوطار " (5/283) ولكنه - كما هي عادته - لم يعزه إلى الحافظ! وكذلك صنع صديق خان في " الروضة الندية " (2/127) إلا أنه وقع عنده بلفظ " بإسناد لا بأس به ". بدل " لا بأس برواته " وشتان ما بين العبارتين، فإن الأولى نص في تقوية الإسناد، بخلاف الأخرى، فإنها نص في تقوية رواته، ولا تلازم بين الأمرين، كما لا يخفى على الخبير بعلم مصطلح الحديث، وذلك لأن للحديث، أوالإسناد الصحيح شروطا أربعة: عدالة الرواة وضبطهم، واتصاله، وسلامته من شذوذ أوعلة، فإذا قال المحدث في سند ما:

" رجاله لا بأس بهم " أوثقات " أو" رجال الصحيح "، ونحو ذلك، فهو نص في تحقق الشرط الأول فيه، وأما الشروط الأخرى فمسكوت عنها، وإنما يفعل ذلك بعض المحدثين في الغالب لعدم علمه بتوفر هذه الشروط الأخرى فيه، أو لعلمه بتخلف أحدها، مثل السلامة من الانقطاع أوالتدليس أونحوذلك من العلل المانعة من إطلاق القول بصحته (1) ، وهذا هو حال إسناد هذا الشاهد، فإن فيه علة لا تسمح بتصحيحه مع كون رجاله ثقاتا، فإنه عند الطحاوي (2/369) من طريق يوسف بن عدي قال: حدثنا ابن إدريس عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال:

" قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء ".

فأول علة تبدو للناظر لأول وهلة في هذا السند هو عنعنة ابن جريج، فإنه كان يدلس بشهادة غير واحد من الأئمة المتقدمين والمتأخرين، بل قال الدارقطني: " تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يدلس

__________

(1) وراجع لزيادة البيان مقدمتي لكتابي " صحيح الترغيب والترهيب "، و" ضعيف الترغيب ". اهـ.

 

(3/62)

 

 

إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما " ووصفه بالتدليس الذهبي والعسقلاني وغيرهما.

على أنه يمكن للباحث في طرق هذا الحديث أن يكشف عن علة أخرى في هذا السند، وذلك أن جماعة من الثقات الأثبات رووه عن عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر به، بلفظ:

" قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك لم يقسم، ربعة أوحائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإن باع فلم يؤذنه فهو أحق به ".

أخرجه مسلم (5/57) والنسائي (2/234) والدارمي (2/273 - 274) والطحاوي (2/265) وابن الجارود (رقم 642) والدارقطني (520) والبيهقي (6/101) كلهم عن الجماعة به.

وقد صرح ابن جريج بالسماع من أبي الزبير، وهذا من جابر في رواية الطحاوي، وهو رواية لمسلم. فهذا هو المحفوظ عن ابن إدريس عن ابن جريج، إنما هو عن أبي الزبير ليس عن عطاء.

وقد تابعه إسماعيل بن إبراهيم - وهو ابن علية - عن ابن جريج به.

أخرجه النسائي (2/229) وصرح عنده ابن جريج بالتحديث وأحمد (3/316) وعنه أبو داود (2/256) والبيهقي.

ومن الملاحظ في هذا اللفظ أن طرفه الأول موافق تماما لرواية يوسف بن عدي عن ابن جريج المتقدمة؛ إلا في حرف واحد وهو قوله: " في كل شرك "، فإن لفظه في الرواية المشار إليها " في كل شيء "، فأخشى أن يكون تصحف على بعض رواتها.

ويؤيده تمام الحديث في الرواية المحفوظة " لم يقسم ... " فإنه يدل على أن الحديث ليس فيه هذا العموم الذي أفادته تلك الرواية، بل يدل على أنه خاص بغير المنقول من دار أوبستان أوأرض، قال الحافظ في " الفتح " (4/345) :

" وقد تضمن هذا الحديث ثبوت الشفعة في المشاع، وصدره يشعر بثبوتها في المنقولات، وسياقه يشعر باختصاصها بالعقار، وبما فيه العقار ".

 

(3/63)

 

 

فثبت مما تقدم أن هذا الشاهد عن جابر لا يصلح شاهدا لحديث ابن عباس لثبوت خطأ الراوي في قوله: " شيء " بدل: " شرك "، فهو شاذ، ومقابله هو المحفوظ.

على أنه يمكن أن يقال: لوسلمنا جدلا بأن هذا اللفظ محفوظ، فإن مما لا شك فيه أنه مختصر من الرواية المحفوظة كما تقدم، فلابد أن يضم إليه تمام الحديث الذي رواه الثقات، وعند ذلك يتبين أن عموم هذا اللفظ ليس بمراد، وأن اختصار الحديث من الراوي اختصار مخل بالمعنى.

ويؤيد ذلك أن الحديث ورد من طريق أخرى عن جابر بهذا التمام، فقال أحمد: (3/296) :

حدثنا عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال:

إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل مال لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.

ومن طريق أحمد أخرجه أبو داود (2/256) وعنه البيهقي (6/102 - 103) ثم أخرجه هذا من طريق أخرى عن عبد الرزاق به، إلا أنه قال: " كل ما لم يقسم ".

وهكذا وقع عند أبي داود من طريق أحمد، ويرجح هذا أن البخاري أخرجه من طريق عبد الواحد بن زياد عن معمر به، لكن وقع في مكان آخر عند البخاري من هذا الوجه (4/323) بلفظ: " كل مال " مثل رواية أحمد، إلا أن كلام الحافظ في شرحه يشعر بأن اللفظ إنما هو باللفظ الذي قبله " كل ما لم يقسم " فالظاهر أن خلافه خطأ على عبد الواحد من بعض الرواة أوالنساخ، نعم أخرجه البخاري من طريق أخرى عن عبد الرزاق بلفظ أحمد، " كل مال " ورجح الحافظ هذا اللفظ بأن إسحاق بن راهويه قد رواه عن عبد الرزاق بلفظ " قضى بالشفعة في الأموال ما لم تقسم "، والله أعلم.

فلوأن بعض الرواة اقتصر من هذا الحديث على قوله: " قضى بالشفعة في الأموال " لأوهم العموم الذي أوهمته رواية الطحاوي الشاذة، فالحمد لله الذي حفظ لنا أحاديث نبينا

 

(3/64)

 

 

كاملة غير منقوصة، وجعلها بيانا للقرآن وألزمنا العمل بها كما ألزمنا العمل به.

تنبيه: عرفت مما سبق ضعف حديث ابن عباس وشاهده من حديث جابر، فلا تغتر بما يدل عليه كلام الصنعاني في " سبل السلام " من الميل إلى تصحيحه، بعد أن عرفت الحق فيه، لا سيما وهو قد اغتر بقول الحافظ في حديث جابر في " البلوغ ": " ورجاله ثقات "، فإنه مثل قوله في " الفتح " كما تقدم: " لا بأس برواته "، وقد سبق تفصيل الكلام في المراد بمثل هذا القول، وأنه لا يستلزم الصحة، فلا يفيد إعادة الكلام فيه، وإنما الغرض الآن أن الصنعاني قد خلط عجيبا في كلامه على حديث ابن عباس هذا، فإنه قال عقب حديث جابر عند الطحاوي:

ومثله عن ابن عباس عند الترمذي مرفوعا: الشفعة في كل شيء، وإن قيل: إن رفعه خطأ، فقد ثبت إرساله عن ابن عباس، وهو شاهد لرفعه، على أن مرسل الصحابي إذا صحت عنه الرواية حجة، هكذا قال! وقد علمت أن الخلاف ليس في رفعه ووقفه، وإنما في إرساله ووصله، فكأنه أطلق على الوصل الرفع، فلئن كان ذلك، فما معنى قوله: ثبت إرساله عن ابن عباس، على أن مرسل الصحابي حجة.. لا شك أن هذا كلام مضطرب لا يتحصل منه على شيء!

وأما اللفظ الآخر الذي سبقت الإشارة إليه فهو:

1010 - " الشفعة في العبيد، وفي كل شيء ".

ضعيف جدا.

رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (3/18/2) وعنه ابن عساكر (13/185/2) وابن عدي في " الكامل " (ق 243/2) والبيهقي (6/110) من طرق، عن عمر بن هارون البلخي عن شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا، وقال ابن عدي: وهذا الحديث يعرف بعفان البلخي عن عمر ابن هارون، ووثب عليه ابن حميد، رواه عن عمر بن هارون، وكان وثابا.

 

(3/65)

 

 

كذا قال، وهو عند البيهقي من طريقين آخرين عن ابن هارون، وعند الشافعي من طريق ثالثة عنه فلم ينفرد به عفان البلخي، فالصواب ما يقوله البيهقي: تفرد به عمر بن هارون البلخي عن شعبة وهو ضعيف لا يحتج به.

قلت: بل هو متروك شديد الضعف، قال الذهبي في " الضعفاء ": تركوه.

وقال الحافظ في " التقريب ": متروك وكان حافظا.

1011 - " من كذب علي متعمدا، ليضل به الناس، فليتبوأ مقعده من النار ".

منكر بهذه الزيادة.

وقد رويت من حديث عبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وعمرو بن حريث وعمرو ابن عبسة.

1 - أما حديث ابن مسعود، فمداره على طلحة بن مصرف، يرويه عنه الحسن بن عمارة والأعمش.

أما حديث ابن عمارة، فأخرجه الطبراني في جزء " طرق حديث من كذب علي متعمدا " (ق 35/1) بسنده عنه عن طلحة بن مصرف عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله ابن مسعود مرفوعا.

وهذا سند رجاله ثقات غير الحسن بن عمارة فهو متروك متهم بالكذب.

أما حديث الأعمش، فقد رواه جماعة، واختلفوا عليه في سنده ومتنه على وجوه:

الأول: سفيان الثوري، فقال: عن الأعمش عن طلحة به، مثل رواية الحسن بن عمارة متنا وسندا، إلا أنه قال: عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

 

(3/66)

 

 

أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1/174) : حدثنا أحمد ابن شعيب حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان به.

قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات، فظاهره الصحة، لكن فيه هذا الاختلاف الذي نحن في صدد بيانه، وما سيأتي ذكره.

الثاني: يونس بن بكير، فقال: عن الأعمش عن طلحة به مثل رواية الحسن سندا ومتنا، إلا أنه أسقط منه (أبي عمار) ، أخرجه الطحاوي والطبراني (35/1) ، ورجاله ثقات أيضا، وفيه ما سبق، وليس عند الطبراني الزيادة، ورواه البزار كالطحاوي، قال الهيثمي (1/144) : ورجاله رجال الصحيح.

الثالث: أبو معاوية، فقال: عن الأعمش به، مثل رواية الحسن إسنادا، إلا أنه جعله من مسند علي لا من مسند ابن مسعود، وخالف في المتن فلم يذكر فيه الزيادة أخرجه الطبراني في جزئه (32/2) من طريق يحيى بن طلحة اليربوعي قال: أخبرنا أبو معاوية به، لكن اليربوعي هذا لين الحديث كما في " التقريب ".

وقد خالفه محمد بن العلاء فقال: حدثنا الأعمش به مثله إلا أنه لم يذكر ابن مسعود فأرسله، رواه الطحاوي.

ومما سبق يتبين أن أصح روايات هؤلاء الثلاثة رواية سفيان الثوري، لأنه أوثقهم وأضبطهم وأحفظهم، وعليه يمكن أن يقال: إن إسناد الحديث من هذا الوجه صحيح ولا يضره الاختلاف المذكور لأنه مرجوح.

قلت: وكان ينبغي أن يقال هذا، لولا أن هناك شيئين يقفان في سبيل ذلك:

 

(3/67)

 

 

الأول: أن الأعمش موصوف بالتدليس، وقد عنعنه في جميع الروايات عنه، فذلك يمنع من تصحيح هذا الحديث، وإن كان العلماء المتأخرون قد مشوا أحاديثه المعنعنة إلا إذا بدا لهم ما يمنع من ذلك، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإن فيه ما يأتي، وهو:

الثاني: أن الحديث قد صح عن ابن مسعود من طرق ليس في شيء منها تلك الزيادة، فأخرجه الترمذي (2/110) والطحاوي (1/167) والطيالسي (362) وأحمد (1/402، 405، 454) والطبراني (34/1) كلهم عن زر، والطيالسي (342) وأحمد (1/389، 401، 436) والطبراني (34/2) عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود، والطبراني أيضا عن أبي وائل ومسروق، كلهم عن ابن مسعود مرفوعا به دون الزيادة.

قلت: فهذا كله يدل على أن هذه الزيادة غير محفوظة عن ابن مسعود رضي الله عنه، بل هي شاذة أومنكرة، وقد قال الطحاوي عقب رواية يونس بن بكير المتقدمة:

وهذا حديث منكر، وليس أحد يرفعه بهذا اللفظ غير يونس بن بكير، وطلحة بن مصرف ليس في سنه ما يدرك عمرو بن شرحبيل، لقدم وفاته.

كذا قال، وقد عرفت أن سفيان الثوري قد رفعه بهذا اللفظ، وجود إسناده، فذكر بين طلحة بن مصرف وعمرو بن شرحبيل أبا عمار واسمه عريب - بفتح المهملة - ابن حميد الدهني، وهو ثقة، فالسند متصل مرفوع، وإنما علته الحقيقية العنعنة والمخالفة كما سبق بيانه، وقد أعله غير الطحاوي بنحوإعلاله، فقال الحافظ في " الفتح " (1/178) بعد أن ذكر الحديث من رواية البزار، وذكر أن الزيادة لا تثبت: اختلف في وصله وإرساله، ورجح الدارقطني والحاكم إرساله، وأخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف.

قلت: لم أقف على أحد أرسله غير أبي معاوية من رواية محمد بن العلاء عنه عند الطحاوي كما تقدم، وأبو معاوية - واسمه محمد بن خازم - وإن كان أحفظ الناس لحديث الأعمش كما قال الحافظ في " التقريب " فقد خالفه سفيان الثوري وهو الثقة الحافظ الإمام، وتابعه يونس بن بكير، وهو من رجال مسلم لكنه يخطيء، فروايتهما أرجح من رواية أبي

 

(3/68)

 

 

معاوية، لأنهما أكثر عددا، لا سيما ومعهما زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، والله أعلم.

وجملة القول: أن هذه الزيادة لا تثبت في حديث ابن مسعود، والعلة: العنعنة والمخالفة في نقدي، والإرسال في رأي الطحاوي والدارقطني والحاكم، وقال عبد الحق في " الأحكام " (153) : لا تصح.

وقد روي الحديث عن طلحة بن مصرف بإسناد آخر وهو:

2 - وأما حديث البراء بن عازب، فيرويه محمد بن عبيد الله العرزمي عن طلحة بن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عنه، أخرجه الطبراني في جزئه (39/2) .

قلت: وعلته العرزمي هذا فإنه ضعيف جدا، وهذا معنى قول الحافظ فيه: متروك.

3 - وأما حديث عمرو بن حريث، فيرويه عمر بن صبح عن خالد بن ميمون عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن عامر بن عبد الواحد عنه، أخرجه الطبراني في جزئه أيضا (42/2) .

قلت: وفيه علتان:

الأولى: عمر بن صبح هذا، قال الحافظ: متروك، كذبه ابن راهويه.

الثانية: عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف، وبه أعله الهيثمي فقال في " مجمع الزوائد " (1/146) : رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف.

قلت: ربط العلة به وحده ليس من الإنصاف في شيء، وفي الطريق إليه ذاك الكذاب عمر بن صبح، إلا أن يقال: إنه ليس في طريق الطبراني في " الكبير "، لكني أستبعد هذا لأنه لوكان كذلك لذكر في جزئه الخاص بهذا الحديث وطرقه هذه الطريق السالمة من ذاك الكذاب، أوعلى الأقل لجمع بينهما، كما رأيناه فعل في أحاديث أخرى، كحديث ابن مسعود على ما تقدم نقله عنه.

 

(3/69)

 

 

4 - وأما حديث عمرو بن عبسة، فأورده الهيثمي وقال: رواه الطبراني في " الكبير "، وإسناده حسن.

قلت: لكن الزيادة فيه لم تتفق عليها نسخ " المجمع "، بل تفردت بها النسخة الهندية، كما في هامش الكتاب، ويترجح عندي عدم ثبوتها، لأن الطبراني قد أخرج الحديث في جزئه (43/1) وليس فيه أيضا هذه الزيادة.

ثم إن قوله: وإسناده حسن نظرا، فإن فيه محمد بن أبي النوار، أورده ابن أبي حاتم (4/1/111) وذكر أنه روى عنه ثلاثة من الثقات، ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا، وهذا من شيوخه بريد بن أبي مريم، ثم ذكر ابن أبي حاتم عقبه ترجمة أخرى، فقال: محمد بن أبي النوار سمع حبان السلمي - صاحب الدفينة، سمع ابن عمر - سمعت أبي يقول: لا أعرفه.

فقد فرق بينهما أبو حاتم، وفي " اللسان ": قال النباتي: جمعهما البخاري وهو أشبه، والله أعلم.

(تنبيه) : سبق فيما نقلته عن الحافظ ابن حجر (ص 20) أن الحديث رواه الدارمي عن يعلى بن مرة، وقد رجعت إلى " سنن الدارمي "، فوجدت الحديث فيه (1/76) كما ذكر الحافظ، لكن ليس فيه تلك الزيادة! فلا أدري أذلك من اختلاف نسخ " السنن "، أم أن الحافظ وهم، وقد يؤيد الثاني أن الطبراني أخرجه (44/2) عن يعلى كما أخرجه الدارمي بدون الزيادة، ومن الممكن أن يقال: إنه لا وهم فيه، وإنما تساهل في إطلاق العزوإليه، والله أعلم.

ثم إن الحديث لوصح بهذه الزيادة فليست اللام فيه للعلة، بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى: " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس "، والمعنى أن مآل أمره إلى الإضلال، أوهو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى: " ولا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة "؛ " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق "، فإن قتل

 

(3/70)

 

 

الأولاد ومضاعفة الربا والإضلال في هذه الآيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها، لا لاختصاص الحكم كما قال الحافظ رحمه الله وغيره.

(فائدة) : لقد اشتهر عند العلماء أن هذا الحديث متواتر بدون الزيادة طبعا، وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه، قال الحافظ: فأول من وقفت على كلامه في ذلك علي بن المديني، وتبعه يعقوب بن شيبة فقال: روي هذا الحديث من عشرين وجها عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم، ثم إبراهيم الحربي وأبو بكر البزار، فقال كل منهما: إنه أورده من حديث أربعين من الصحابة، وجمع طرقه في ذلك العصر أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد؛ فزاد قليلا، وقال أبو بكر الصيرفي شارح " رسالة الشافعي ": رواه ستون نفسا من الصحابة، وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلا.

قلت: وقد وقفت والحمد لله على كتاب الطبراني في ذلك كما سبقت الإشارة إليه، وقد رأيت أن أسوق أسماء رواتها من الصحابة رضي الله عنهم، مع الإشارة إلى عدد الطرق عن كل واحد منهم بجانب الاسم، وهناك آخرون منهم ساق الطبراني أحاديثهم لدلالتها على التحذير من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها أحاديث

أخرى، ولذلك لم أسق أسماءهم فليعلم ذلك.

1 - أبو أمامة الباهلي 3

2 - أبو بكر الصديق 2

3 - أبو ذر الغفاري 1

4 - أبو سعيد الخدري 5

5 - أبو عبيدة بن الجراح 1

6 - أبو قتادة الأنصاري 3

7 - أبو قرصافة: جندرة بن خيشنة 1

8 - أبو موسى الأشعري 1

9 - أبو موسى الغافقي 1

10 - أبو هريرة 11

11 - أسامة بن زيد بن حارثة 1

12 - أنس بن مالك 15

13 - البراء بن عازب 1

14 - بريدة بن الحصيب 1

15 - جابر بن حابس العبدي 1

16 - جابر بن عبد الله 3

17 - خالد بن عرفطة 1

18 - رافع بن خديج 1

 

(3/71)

 

 

19 - الزبير بن العوام 1 | 20 - زيد بن أرقم 1

21 - السائب بن يزيد 1 | 22 - سعد بن المدحاس 1

23 - سعيد بن زيد بن عمرو 1 | 24 - سلمان الفارسي 1

25 - سلمة بن الأكوع 1 | 26 - صهيب بن سنان 1

27 - طارق بن أشيم 1 | 28 - طلحة بن عبيد الله 1

29 - عائشة بنت أبي بكر 2 | 30 - عبد الله بن الحارث 1

31 - عبد الله بن الزبير 1 | 32 - عبد الله بن زغب 1

33 - عبد الله بن عباس 1 | 34 - عبد الله بن عمر 3

35 - عبد الله بن عمرو بن العاص 5 | 36 - عبد الله بن مسعود 5

37 - عتبة بن غزوان 1 | 38 - عثمان بن عفان 3

39 - العرس بن عميرة الكندي 1 | 40 - عقبة بن عامر 2

41 - علي بن أبي طالب 7 | 42 - عمار بن ياسر 1

43 - عمر بن الخطاب 3 | 44 - عمران بن الحصين 1

45 - عمرو بن حريث 1 | 46 - عمرو بن عبسة 1

47 - عمرو بن مرة الجهني 1 | 48 - قيس بن سعد بن عبادة 1

49 - كعب بن قسطة 1 | 50 - معاذ بن جبل 1

51 - معاوية بن أبي سفيان 2 | 52 - المغيرة بن شعبة 2

53 - نبيط بن شريط 1 | 54 - يعلى بن مرة 1

وقد لاحظت أن جميع هؤلاء الصحابة الذين رووا هذا الحديث " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "، قد ثبت في حديثهم لفظة " متعمدا " حاشا أفرادا منهم وهو أصحاب الأرقام (6، 7، 11، 22، 25، 28، 31) وهي ثابتة في " الصحيحين " وغيرهما في حديث طائفة ممن رواها عند الطبراني، فهي إذن متواترة فيه نحوتواتره، فهي ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم يقينا خلافا لمن زعم بجهله البالغ أنها من وضع بعض المحدثين! كما كنت ذكرت في مقدمة هذه السلسلة (1/11)

 

(3/72)

 

 

وإن مما يحسن ذكره بهذه المناسبة أن البيهقي نقل عن الحاكم ووافقه، أن الحديث جاء من رواية العشرة المبشرين بالجنة، قال: وليس في الدنيا حديث أجمع العشرة على روايته غيره.

قال الحافظ: فقد تعقبه غير واحد، لكن الطرق عنهم موجودة فيما جمعه ابن الجوزي (يعني في مقدمة كتاب " الموضوعات ") ومن بعده، والثابت منها ما قدمت ذكره فمن الصحاح: علي والزبير، ومن الحسان: طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة، ومن الضعيف المتماسك طريق عثمان وبقيتها ضعيف ساقط.

قلت: قد عرفت من الكشف السابق أن لحديث عثمان رضي الله عنه ثلاث طرق ثم إن أحدها صحيح، والآخر حسن، وقد أخرجهما الطحاوي أيضا (1/165 - 166) ، فحديثه من الصحيح أيضا.

1012 - " تحية البيت الطواف ".

لا أعلم له أصلا.

وإن اشتهر على الألسنة، وأورده صاحب " الهداية " من الحنفية بلفظ:

" من أتى البيت فليحيه بالطواف ".

وقد أشار الحافظ الزيلعي في تخريجه إلى أنه لا أصل له، بقوله (2/51) :

غريب جدا، وأفصح عن ذلك الحافظ ابن حجر فقال في " الدراية " (ص 192) :

لم أجده.

قلت: ولا أعلم في السنة القولية أوالعملية ما يشهد لمعناه، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضا، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه، فلا يقبل إلا بعد ثبوته وهيهات، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، " وما جعل عليكم في الدين من حرج ".

 

(3/73)

 

 

وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده، انظر بدع الحج والعمرة في رسالتي " مناسك الحج والعمرة "، رقم البدعة (37) .

1013 - " إذا رميتم وذبحتم وحلقتم حل لكم كل شيء إلا النساء ".

منكر.

رواه الطبري في " تفسيره " (ج4 رقم 3960) ، والدارقطني في " سننه " (279) عن عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة قالت:

" سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: متى يحل المحرم؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... " فذكره، ثم قال: قال (يعني الحجاج) :

وذكر الزهري عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

قلت: وهذا إسناد كما قال الحافظ في " بلوغ المرام "، فيه ضعف، وعلته الحجاج وهو ابن أرطاة وهو مدلس وقد عنعنه، وبالإضافة إلى ذلك فقد اختلفوا عليه في متنه، فقال عبد الرحيم عنه هكذا، وخالفه يزيد - وهو ابن هارون - فقال: أخبرنا الحجاج عن أبي بكر بن محمد به دون قوله: " وذبحتم ".

أخرجه الطحاوي (1/419) وأحمد (6/143) والبيهقي (5/136) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (6/64/2) .

وخالفهما عبد الواحد بن زياد فقال: حدثنا الحجاج عن الزهري به، دون قوله:

" وذبحتم وحلقتم ".

أخرجه أبو داود (1/310 - التازية) والطحاوي، وقال أبو داود:

هذا حديث ضعيف، الحجاج لم ير الزهري.

قلت: وهؤلاء الذين رووا الحديث عنه كلهم ثقات، فالحمل في هذا الاختلاف في متنه ليس عليهم، بل على الحجاج نفسه، وقد أشار إلى هذا البيهقي فقال عقبه:

 

(3/74)

 

 

وهذا من تخليطات الحجاج بن أرطاة، وإنما الحديث عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه سائر الناس عن عائشة.

قلت: وكأنه يشير إلى حديثها:

طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين أحرم، ولحله حين أحل، قبل أن يفيض.

أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق كثيرة عنها، وقد تجمع عندي منها ثلاثة عشر طريقا خرجتها في كتابي " الحج الكبير "، لكن ليس منها طريق عمرة هذه، والله أعلم.

وفي حديث عائشة هذا ما يشهد لبعض حديث الحجاج في رواية عنها بلفظ:

".... وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت.

وهذا القدر منه له شاهد من حديث ابن عباس أوردته في " الأحاديث الصحيحة " (رقم ـ 239) ، فيتلخص من ذلك أن للحديث أصلا ثابتا، لكن دون ذكر الذبح والحلق فيه، فهو بهذه الزيادة منكر، والله أعلم.

1014 - " ليتقه الصائم، يعني الكحل ".

منكر.

أخرجه أبو داود (1/373) والبيهقي (4/262) عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هو ذة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: فذكره، واللفظ لأبي داود، ولفظ البيهقي:

" لا تكتحل بالنهار وأنت صائم، اكتحل ليلا، الإثمد يجلوالبصر، وينبت الشعر "، وأشار البيهقي لتضعيفه بقوله:

وقد روي في النهي عنه نهارا وهو صائم حديث أخرجه البخاري في التاريخ وقال أبو داود عقبه: قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر.

وذكر مثله في " المسائل " (ص 298) عن الإمام أحمد أيضا.

قلت: وله علتان:

الأولى: ضعف عبد الرحمن بن النعمان، وبه أعله المنذري، فقال في " مختصر السنن " (3/260) :

قال يحيى بن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم الرازي: صدوق.

 

(3/75)

 

 

قال الذهبي بعد أن ذكر هذين القولين المتعارضين فيه:

وقد روى عن سعد بن إسحاق العجري فقلب اسمه أولا فقال: إسحاق بن سعد بن كعب، ثم غلط في الحديث فقال: عن أبيه عن جده، فضعفه راجح.

قلت: ولذلك أورده في " الضعفاء " أيضا، ولكنه قال:

مختلف فيه، فلا يترك، يعني أنه ليس شديد الضعف، وقد أشار إلى هذا الحافظ في " التقريب " فقال:

صدوق، ربما غلط، وقد فاتت المنذري علة أخرى وهي:

الثانية: جهالة أبيه النعمان بن معبد، وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة " الصيام " فقال (ص 49 بتحقيقنا) عقب ما سبق عن المنذري:

لكن من الذي يعرف أباه وعدالته وحفظه؟ !، ولهذا قال الذهبي فيه:

غير معروف، وقال الحافظ: مجهول.

قلت: ومن ذلك تعلم ما في قول المجد ابن تيمية في " المنتقي ":

وفي إسناده مقال قريب، ثم أعله بعبد الرحمن فقط كما فعل المنذري تماما!

وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه كان يكتحل وهو صائم.

أخرجه أبو داود بسند حسن.

وقال الحافظ في " التلخيص " (189) : لا بأس به.

وفي معناه أحاديث مرفوعة لا يصح منها شيء كما قال الترمذي وغيره، ولكنها موافقة للبراءة الأصلية، فلا ينقل عنها إلا بناقل صحيح، وهذا مما لا وجود له، وقد اختلف العلماء في الكحل للصائم، وكذا الحقنة ونحوها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المصدر السابق (ص 47) :

فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلوكانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد

 

(3/76)

 

 

الصوم بها، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثا صحيحا مسندا ولا مرسلا، علم أنه لم يذكر شيئا من ذلك، والحديث المروي في الكحل ضعيف، رواه أبو داود، ولم يروه غيره ولا هو في مسند أحمد ولا سائر الكتب.

ثم ساق هذا الحديث، ثم قال:

والذين قالوا: إن هذه الأمور تفطر، لم يكن معهم حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس، وأقوى ما احتجوا به قوله صلى الله عليه وسلم: " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما، قالوا: فدل ذلك على أن ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله، وعلى القياس: كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أوغيره من حشو جوفه، والذين استثنوا الكحل قالوا: العين ليست كالقبل والدبر، ولكن هي تشرب الكحل كما يشرب الجسم الدهن والماء، ثم قال:

وإذا كان عمدتهم هذه الأقيسة ونحوها لم يجز إفساد الصوم بمثل هذه الأقيسة لوجوه:

أحدها: أن القياس وإن كان حجة إذا اعتبرت شروط صحته، فقد قلنا في " الأصول ": إن الأحكام الشرعية بينتها النصوص أيضا، وإن دل القياس الصحيح على مثل ما دل عليه النص دلالة خفية، فإذا علمنا أن الرسول لم يحرم الشيء ولم يوجبه، علمنا أنه ليس بحرام ولا واجب، وأن القياس المثبت لوجوبه وتحريمه فاسد.

ونحن نعلم أنه ليس في الكتاب والسنة ما يدل على الإفطار بهذه الأشياء فعلمنا أنها ليست مفطرة.

الثاني: أن الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لابد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما، ولابد أن تنقلها الأمة، فإذا انتفى هذا، علم أن هذا ليس من دينه، وهذا كما يعلم أنه لم يفرض صيام شهر غير رمضان،

ولا حج بيت غير البيت الحرام، ولا صلاة مكتوبة غير الخمس، ولم يوجب الغسل في مباشرة المرأة بلا إنزال، ولا أوجب الوضوء من الفزع العظيم، وإن كان في مظنته خروج الخارج، ولا سن الركعتين بعد الطواف بين

 

(3/77)

 

 

الصفا والمروة، كما سن الركعتين بعد الطواف بالبيت.

وبهذه الطرق يعلم أيضا أنه لم يوجب الوضوء من لمس النساء، ولا من النجاسات الخارجة من غير السبيلين، فإنه لم ينقل أحد عنه صلى الله عليه وسلم بإسناد يثبت مثله أنه أمر بذلك، مع العلم بأن الناس كانوا ولا يزالون يحتجمون

ويتقيؤون؟ ويجرحون في الجهاد وغير ذلك، وقد قطع عرق بعض أصحابه ليخرج منه الدم وهو الفصاد، ولم ينقل عنه مسلم أنه أمر أصحابه بالتوضؤ من ذلك " (قال) :

" فإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى، لابد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما، ولابد أن تنقل الأمة ذلك، فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى، كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب. فلوكان هذا مما يفطر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الإفطار بغيره. فلما لم يبين ذلك، علم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن. والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ، وينعقد أجساما، والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله، ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة، فلما لم ينه الصائم عن ذلك، دل على جواز تطيبه وتبخره وادهانه، وكذلك اكتحاله.

الوجه الثالث: إثبات التفطير بالقياس يحتاج إلى أن يكون القياس صحيحا وذلك إما قياس على بابه الجامع، وإما بإلغاء الفارق، وإما أن يدل دليل على العلة في الأصل معد لها إلى الفرع، وإما أن يعلم أن لا فارق بينهما من الأوصاف المعتبرة في الشرع، وهذا القياس هنا منتف. وذلك أنه ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطرا هو ما كان واصلا إلى دماغ أو بدن أو ما كان داخلا من منفذ أوواصلا إلى الجوف، ونحوذلك من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هي مناط الحكم عند الله ورسوله.

الوجه الرابع: إن القياس إنما يصح إذا لم يدل كلام الشارع على علة الحكم إذا سبرنا أوصاف الأصل، فلم يكن فيها ما يصلح للعلة إلا الوصف المعين، (قال) :

فإذا كان في الأصل وصفان مناسبان لم يجز أن يقول بالحكم بهذا دون هذا، ومعلوم أن النص والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيض، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى

 

(3/78)

 

 

المتوضئ عن المبالغة في الاستنشاق إذا كان صائما، وقياسهم على الاستنشاق أقوى حججهم كما تقدم، وهو قياس ضعيف لأن من نشق الماء بمنخريه ينزل الماء إلى حلقه، وإلى جوفه، فحصل له بذلك ما يحصل للشارب بفم،

ويغذي بدنه من ذلك الماء، ويزول العطش، ويطبخ الطعام في معدته كما يحصل بشرب الماء فلولم يرد النص بذلك، لعلم بالعقل أن هذا من جنس الشرب، فإنهما لا يفترقان إلا في دخول الماء من الفم، وذلك غير معتبر، بل دخول الماء إلى الفم وحده لا يفطر، فليس هو مفطرا ولا جزءا من المفطر لعدم تأثيره، بل هو طريق إلى الفطر وليس كذلك الكحل والحقنة، فإن الكحل لا يغذي ألبتة، ولا يدخل أحدا كحلا إلى جوفه لا من أنفه ولا من فمه، وكذلك الحقنة لا تغذي، بل تستفرغ ما في البدن، كما لوشم شيئا من المسهلات، أوفزع فزعا أوجب استطلاق جوفه، وهي لا تصل إلى المعدة.

فإذا كانت هذه المعاني وغيرها موجودة في الأصل الثابت بالنص والإجماع، فدعواهم أن الشارع علق الحكم بما ذكروه من الأوصاف، معارض بهذه الأوصاف، والمعارضة تبطل كل نوع من الأقيسة، إن لم يتبين أن الوصف الذي ادعوه هو العلة دون هذا.

الوجه الخامس: أنه ثبت بالنص والإجماع منع الصائم من الأكل والشرب والجماع، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " (1) . ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب. وإذا أكل وشرب اتسعت مجاري الشياطين، وإذا ضاقت انبعثت القلوب إلى فعل الخيرات، وإلى ترك المنكرات، فهذه المناسبة ظاهرة في منع الصائم من الأكل والشرب، والحكم ثابت على وقفه، وكلام الشارع قد دل على اعتبار هذا الوصف وتأثيره، وهذا منتف في الحقنة والكحل وغير

__________

(1) قلت: هذا حديث صحيح، أخرجه الشيخان من حديث أنس وصفية رضي الله عنهما، هكذا، وقد ذكره ابن تيمية في مكان آخر من رسالته في " الصيام " (ص 75) بزيادة: " فضيقوا مجاريه بالجوع والصوم "، ولا أصل لها من شيء من كتب السنة التي وقفت عليها، وإنما هي في " كتاب الإحياء " للغزالي فقط كما نبهت عليه في التعليق على الرسالة المذكورة. اهـ.

 

(3/79)

 

 

ذلك.

فإن قيل: بل الكحل قد ينزل إلى الجوف ويستحيل دما؟

قيل: هذا كما قد يقال في البخار الذي يصعد من الأنف إلى الدماغ فيستحيل دما، وكالدهن الذي يشربه الجسم. والممنوع منه إنما هو ما يصل إلى المعدة فيستحيل دما ويتوزع على البدن.

الوجه السادس: ونجعل هذا وجها سادسا (الأصل خامسا) فنقيس الكحل والحقنة ونحوذلك على البخور والدهن ونحوذلك، لجامع ما يشتركان فيه، مع أن ذلك ليس مما يتغذى به البدن ويستحيل في المعدة دما. وهذا الوصف هو الذي أوجب أن لا تكون هذه الأمور مفطرة. وهذا موجود في محل النزاع ".

هذا كله من كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مع شيء من الاختصار، آثرت نقله على ما فيه من بسط وتطويل، لما فيه من الفوائد والتحقيقات التي لا توجد عند غيره، فجزاه الله خيرا.

ومنه يتبين أن الصواب أن الكحل لا يفطر الصائم، فهو بالنسبة إليه كالسواك يجوز أن يتعاطاه في أي وقت شاء، خلافا لما دل عليه هذا الحديث الضعيف الذي كان سببا مباشرا لصرف كثير من الناس عن الأخذ بالصواب الذي دل عليه التحقيق العلمي، ولذلك عنيت ببيان حال إسناده، ومخالفته للفقه الصحيح، والله الموفق.

ومما سبق يمكننا أن نأخذ حكم ما كثر السؤال عنه في هذا العصر، وطال النزاع فيه. ألا وهو حكم الحقنة (الإبرة) في العضل أوالعرق، فالذي نرجحه أنه لا يفطر شيء من ذلك، إلا ما كان المقصود منه تغذية المريض، فهذه وحدها هي التي تفطر والله أعلم.

1015 - " من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر والعصر، والمغرب والعشاء الآخرة والصبح بمنى، ثم يغدوا إلى عرفة فيقيل حيث قضي له، حتى إذا زالت الشمس خطب الناس، ثم صلى الظهر والعصر جميعا، ثم وقف بعرفات حتى تغرب الشمس فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور ".

 

(3/80)

 

 

ضعيف. أخرجه الحاكم (1/461) ، وعنه البيهقي (5/122) عن إبراهيم بن عبد الله:

أنبأ يزيد بن هارون: أنبأ يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير قال: من سنة الحج.. إلخ، وقال الحاكم:

حديث على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

قلت: وفيه نظر، فإن يزيد بن هارون وإن كان على شرطهما فليس هو من شيوخهما، وإنما يرويان عنه بواسطة أحمد وإسحاق ونحوهما، وإبراهيم بن عبد الله الراوي للحديث عن يزيد فضلا عن كونه ليس من شيوخهما، فهو غير معروف، بل لم أجد له ترجمة تذكر، فقد أورده الخطيب في " تاريخ بغداد " (5/120) فقال:

إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي، قدم بغداد سنة 244 وحدث بها عن يزيد ابن هارون وسرور بن المغيرة روى عنه عبد الله بن محمد بن ناجية ويحيى بن ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول الحال، فلا يحتج بحديثه، على أنه قد خولف في بعض متنه، فروى الطحاوي (1/421) من طريق عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث قال: حدثني ابن الهاد عن يحيى بن سعيد به مختصرا بلفظ:

سمعت عبد الله بن الزبير يقول:

إذا رمى الجمرة الكبرى، فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء حتى يطوف بالبيت فلم يذكر الطيب، فهذا هو الأصح، لأنه الموافق لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها طيبت النبي صلى الله عليه وسلم حين رمى جمرة العقبة كما تقدم في آخر الحديث (1013) .

أقول: هذا أصح، وإن كان عبد الله بن صالح فيه ضعف من قبل حفظه، فإن من البدهي أن ما وافق السنة الصحيحة من الروايات عند الاختلاف، أولى مما خالفها منها.

تنبيه: إنما أوردت هذا في الأحاديث الضعيفة " مع أن ظاهره الوقف فليس من الأحاديث؛ لما تقرر في مصطلح الحديث أن قول الصحابي: " من السنة كذا " في حكم المرفوع، وعبد الله بن الزبير صحابي معروف، وقد خفي هذا على الشوكاني في نيل

 

(3/81)

 

 

الأوطار، فإنه أورد هذا الحديث فيما استدل به المانعون من الطيب بعد الرمي، ثم أجاب عنه (5/61) بما ملخصه:

إنه أثر موقوف لا يصلح للمعارضة، وعلى فرض كونه مرفوعا فهو أيضا لا يعتد به بجانب الأحاديث المثبتة لحل الطيب.

قلت: والجواب الصحيح عنه أنه وإن كان ظاهره الرفع فهو لا يصلح للمعارضة

المذكورة لوجهين:

الأول: أنه ضعيف السند كما سبق بيانه.

الثاني: أنه لوصح سنده فهو عند التعارض مرجوح من حيث الدلالة، لأنه وإن كان ظاهرا في الرفع فليس نصا فيه بخلاف حديث عائشة المشار إليه فإنه صريح في ذلك. والله أعلم.

1016 - " كان يصلي قبل الجمعة أربعا، وبعدها أربعا ".

منكر.

رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " (رقم - 4116 - مصورتي) : حدثنا علي بن سعيد الرازي: حدثنا سليمان بن عمرو بن خالد الرقي: حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود مرفوعا، وقال الطبراني:

لم يرو هذا الحديث عن خصيف إلا عتاب بن بشير.

قلت: سكت عليه الزيلعي في " نصب الراية " (2/206) ، وقال الحافظ في " الدراية " (ص 133) :

وفي سنده ضعف.

قلت: وفيه خمس علل:

الأولى: الانقطاع بين ابن مسعود وابنه أبي عبيدة؛ فإنه لم يسمع منه، كما صرح بذلك أبو عبيدة نفسه على ما هو مذكور في ترجمته، وقد حاول بعض من ألف في مصطلح الحديث من حنفية هذا العصر أن يثبت سماعه منه دون جدوى!

 

(3/82)

 

 

الثانية: ضعف خصيف، وهو ابن عبد الرحمن الجزري الحراني، قال الحافظ في " التقريب ":

صدوق سيء الحفظ، خلط بآخره.

الثالثة: عتاب بن بشير، مختلف فيه، قال ابن معين: ثقة، وقال مرة: ضعيف، وقال النسائي: ليس بذاك في الحديث، وقال أحمد: أرجوأن لا يكون به بأس، روى بآخرة أحاديث منكرة، وما أرى إلا أنها من قبل خصيف.

قلت: وهذا الحديث من روايته عنه، فهو من مناكيره، ويؤيد ذلك أنه ورد موقوفا على ابن مسعود، من طريقين عنه، فقال عبد الرزاق في " مصنفه " (5524) : عن معمر عن قتادة:

إن ابن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات، وبعدها أربعا.

قلت: وهذا سند صحيح لولا أن قتادة لم يسمع من ابن مسعود كما قال الهيثمي (2/195) ، ثم قال عبد الرزاق (5525) : عن الثوري عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال:

كان عبد الله يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا.

قلت: وهذا سند صحيح لا علة فيه، وعطاء بن السائب وإن كان اختلط؛ فالثوري قد روى عنه قبل الاختلاط.

الرابعة: سليمان بن عمرو لم أجد من وثقه، ولكن كتب عنه أبو حاتم كما قال ابنه في " الجرح والتعديل " (2/1/132) .

فثبت مما تقدم أن رفع هذا الحديث منكر، وأن الصواب فيه الوقف. والله أعلم.

الخامسة: وهي العلة الحقيقية، وهي خطأ عتاب بن بشير في رفعه، فإنه مع الضعف الذي في حفظه قد خالفه محمد بن فضيل فقال: عن خصيف به موقوفا على ابن مسعود.

 

(3/83)

 

 

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/131 و133) .

وابن فضيل ثقة من رجال الشيخين، ومع ضعف الحديث فلا دليل فيه على مشروعية ما يسمونه بسنة الجمعة القبلية كما سبق بيانه في الحديث (1001) ، فراجعه فإنه بمعنى هذا.

تنبيه: وقع إسناد الحديث في " نصب الراية " (2/206) هكذا: حدثنا علي بن إسماعيل الرازي: أنبأ سليمان بن عمر بن خالد الرقي. والصواب ما تقدم نقلا عن " المعجم الأوسط ".

وقد روي الحديث عن أبي هريرة أيضا، وهو:

" كان يصلي قبل الجمعة ركعتين، وبعدها ركعتين ".

1017 - " كان يصلي قبل الجمعة ركعتين، وبعدها ركعتين ".

ضعيف جدا.

أخرجه الخطيب (6/365) من طريق الطبراني عن البزار: حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي: حدثنا الحسن بن قتيبة: حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي.... وقال الطبراني:

لم يروه عن سفيان إلا الحسن بن قتيبة.

قلت: قال الذهبي ردا لقول ابن عدي: أرجوأنه لا بأس به ":

" بل هو هالك، قال الدارقطني: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال الأزدي: واهي الحديث، وقال العقيلي: كثير الوهم ".

والحديث ذكره الحافظ في " الفتح " (2/341) بهذا اللفظ إلا أنه قال:

" وبعدها أربعا " وقال:

" رواه البزار، وفي إسناده ضعف ".

ولم يورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " أصلا، ولا في " كشف الأستار عن زوائد البزار " للهيثمي، ولا في " زوائد البزار على مسند أحمد " للحافظ العسقلاني، والله أعلم.

وفي الحديث علة أخرى وهي جهالة إسحاق بن سليمان، فقد أورده الخطيب لهذا

 

(3/84)

 

 

الحديث، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

1018 - " تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه، أفشى الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله له أموره، وجعل غناه قلبه، وما أقبل عبد بقلبه، إلى الله تعالى إلا جعل الله عز وجل قلوب المؤمنين تفد عليه بالود والرحمة، وكان الله إليه بكل خير أسرع ".

موضوع.

رواه ابن الأعرابي في " معجمه " (177 - 178) وعنه القضاعي في " مسند الشهاب " (58/2) والطبراني في " المعجم الأوسط " (رقم - 5157 - مصورتي) والبيهقي في " الزهد " (98/2) والسمعاني في " الفوائد المنتقاة " (2/2) وكذا أبو نعيم في " الحلية " (1/227) عن جنيد بن العلاء بن أبي وهرة عن محمد بن سعيد عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعا، وقال أبو نعيم تبعا للطبراني:

تفرد به جنيد بن العلاء عن محمد بن سعيد.

قلت: جنيد هذا مختلف فيه، فقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن حبان:

ينبغي مجانبة حديثه، كان يدلس، ثم تناقض فذكره في " الثقات " أيضا! وقال البزار:

" ليس به بأس ".

قلت: فآفة الحديث من شيخه محمد بن سعيد وهو ابن حسان المصلوب، وهو كذاب، صلب في الزندقة كما قال الذهبي في " الضعفاء "، وفي ترجمته ساق الذهبي له هذا الحديث، وقال الهيثمي في " المجمع " (10/248) :

رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه محمد بن سعيد بن حسان المصلوب وهو كذاب.

وعزاه المنذري في " الترغيب " (4/82) للطبراني في " معجميه "، والبيهقي في " الزهد "، وأشار إلى تضعيفه.

 

(3/85)

 

 

1019 - " من كشف خمار امرأة ونظر إليها فقد وجب الصداق، دخل بها أولم يدخل بها ".

ضعيف.

أخرجه الدارقطني في " سننه " (419) من طريق ابن لهيعة: أخبرنا أبو الأسود عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف، لإرساله، ولضعف ابن لهيعة، ومن طريقه علقه البيهقي (7/256) وقال:

وهذا منقطع، وبعض رواته غير محتج به.

يعني ابن لهيعة، لكن قد أخرجه هو من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث:

حدثني عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن يزيد عن محمد بن ثوبان بلفظ:

من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق.

وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن صالح فمن رجال البخاري وحده، وفيه ضعف، لكنه قد توبع، فقال ابن التركماني في " الجوهر النقي ":

أخرجه أبو داود في " مراسيله " عن قتيبة عن الليث بالسند المذكور، وهو على شرط الصحيح، ليس فيه إلا الإرسال ".

وقال الحافظ في " التلخيص " (ص 311) :

رواه أبو داود في " المراسيل " من طريق ابن ثوبان ورجاله ثقات.

قلت: فهو ضعيف لإرساله، وقد صح موقوفا، فأخرجه الدارقطني وعنه البيهقي من طريق عبد الله بن نمير: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال:

" إذا أجيف الباب، وأرخيت الستور، فقد وجب المهر.

ورجاله كلهم ثقات معروفون رجال مسلم غير علي بن عبد الله بن مبشر شيخ الدارقطني فلم أجد له ترجمة، ولكنه أخرجه وهو والبيهقي من طريق أخرى عن عمر وقرن معه البيهقي عليا رضي الله عنهما، فهو عن عمر ثابت، وله عند الدارقطني طريق أخرى عن علي وحده، فهو بها قوي أيضاً

 

(3/86)

 

 

ثم أخرجه الدارقطني من طريق ابن أبي زائدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مثله.

قلت: وسنده صحيح.

وهو في " الموطأ " (2/65) بإسنادين منقطعين عن عمر وزيد بن ثابت.

وجملة القول أن الحديث ضعيف مرفوعا، صحيح موقوفا، ولا يقال: فالموقوف شاهد للمرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي، لأمرين:

الأول: أنه مخالف لقوله تعالى: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم.. " فهي بإطلاقها تشمل التي خلا بها، وما أحسن ما قال شريح: " لم أسمع الله تعالى ذكر في كتابه بابا ولا سترا، إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق " (1) .

الثاني: أنه قد صح خلافه موقوفا، فروى الشافعي (2/325) : أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ليث بن أبي سليم عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلوبها ولا يمسها ثم يطلقها: ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله يقول: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة ".

ومن طريق الشافعي رواه البيهقي (7/254) .

قلت: وهذا سند ضعيف، لكن قد جاء من طريق أخرى عن طاووس، أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن منصور: حدثنا هشيم: أنبأ الليث عن طاووس عن ابن عباس أنه كان يقول في رجل أدخلت عليه امرأته ثم طلقها فزعم أنه لم يمسها، قال: عليه نصف الصداق.

قلت: وهذا سند صحيح فبه يتقوى السند الذي قبله، والآتي بعده عن علي بن أبي طلحة، بخلاف ما نقله ابن كثير (1/288 - 289) عن البيهقي أنه قال في الطريق الأولى:

وليث وإن كان غير محتج به، فقد رويناه من حديث ابن أبي طلحة عن ابن

__________

(1) تفسير القرطبي (3/205) ، وهو عند البيهقي بسند صحيح عنه نحوه. اهـ.

 

(3/87)

 

 

عباس، فهو مقوله:

وهذا معناه أنه يرى أن الليث في رواية هشيم عنه هو ابن أبي سليم أيضا، لكن الحافظ المزي لم يذكر في ترجمة ابن أبي سليم أنه روى عنه هشيم، وإنما عن الليث عن سعد، والله أعلم.

ثم أخرج البيهقي عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن.. " الآية فهو الرجل يتزوج المرأة وقد سمى لها صداقا، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، والمس الجماع، لها نصف الصداق، وليس لها أكثر من ذلك.

قلت: وهذا ضعيف منقطع، ثم روى عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود قال:

لها نصف الصداق، وإن جلس بين رجليها، وقال:

وفيه انقطاع بين الشعبي وابن مسعود، فإذا كانت المسألة مما اختلف فيه الصحابة، فالواجب حينئذ الرجوع إلى النص، والآية مؤيدة لما ذهب إليه ابن عباس على خلاف هذا الحديث، وهو مذهب الشافعي في " الأم " (5/215) ، وهو الحق إن شاء الله تعالى.

1020 - " أيما امرأة خرجت من غير أمر زوجها كانت في سخط الله حتى ترجع إلى بيتها أو

يرضى عنها ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (6/200 - 201) من طريق أبي نعيم الحافظ بسنده عن إبراهيم بن هدبة: حدثنا أنس مرفوعا.

ذكره في ترجمة إبراهيم هذا وقال: حدث عن أنس بالأباطيل، ثم ساق له أحاديث هذا أحدها، ثم روى عن ابن معين أنه قال فيه:

كذاب خبيث، وعن علي بن ثابت أنه قال:

هو أكذب من حماري هذا، وقال الذهبي:

حدث ببغداد وغيرها بالبواطيل، قال أبو حاتم وغيره: كذاب.

 

(3/88)

 

 

وفي " اللسان ":

وقال ابن حبان: دجال من الدجاجلة، وقال العقيلي والخليلي: يرمى بالكذب.

قلت: ومع هذا كله فقد سود السيوطي " جامعه الصغير " بهذا الحديث من رواية الخطيب، وتعقبه المناوي في " فيض القدير " بقوله وأجاد:

وقضية كلام المصنف أن الخطيب خرجه وأقره، وهو تلبيس فاحش فإنه تعقبه بقوله: قال أحمد بن حنبل: إبراهيم بن هدبة لا شيء، في أحاديثه مناكير ثم ذكر قول ابن معين المتقدم فيه وغيره ثم قال: وقال الذهبي في " الضعفاء ":

هو كذاب، فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب، وليته إذ ذكره بين حاله!.

قلت: وهذا حق، ولكن المناوي عفا الله عنه كأنه ينتقد السيوطي حبا للنقد، وليس لفائدة القراء والنصح وإلا كيف يجوز لنفسه أن يسكت عن الحديث مطلقا فلا يصفه ولو بالضعف في كتابه الآخر " التيسير بشرح الجامع الصغير " وهو قد ألفه بعد " الفيض " كما ذكر ذلك في المقدمة! أليس في صنيعه هذا كتمان للعلم يؤاخذ عليه أكثر من مؤاخذته هو للسيوطي؟ وكنت أود أن أقول: لعل ذلك وقع منه سهوا، ولكن حال بيني وبين ذلك أنني رأيت له من مثله أشياء كثيرة، سيأتي التنبيه على بعضها إن شاء الله.

تنبيه: هدبة هنا بالباء الموحدة كما في " المؤتلف والمختلف " للشيخ عبد الغني بن سعيد الأزدي الحافظ، وهكذا وقع في " تاريخ بغداد " و" الميزان " و" اللسان " بالباء الموحدة، ووقع في " فيض القدير " " هدية " بالمثناة التحتية، وهو تصحيف.

1021 - " من زارني بعد موتي، فكأنما زارني في حياتي ".

باطل.

رواه الدارقطني في " سننه " (ص 279 - 280) عن هارون أبي قزعة عن رجل من آل حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

وهكذا رواه المحاملي والساجي كما في " اللسان ".

قلت: وهذا سند ضعيف، وله علتان:

الأولى: الرجل الذي لم يسم، فهو مجهول.

 

(3/89)

 

 

والثانية: ضعف هارون أبي قزعة، ضعفه يعقوب بن شيبة، وذكره العقيلي والساجي وابن الجارود في " الضعفاء "، وقال البخاري: لا يتابع عليه.

ثم ساق له هذا الحديث، لكنه لم يذكر فيه حاطبا، فهو مرسل، وقد أشار إلى ذلك الأزدي بقوله:

هارون أبو قزعة يروي عن رجل من آل حاطب المراسيل.

قلت: فهذه علة ثالثة، وهي الاختلاف والاضطراب على هارون في إسناده (1) ، فبعضهم يوصله، وبعضهم يرسله، وقد اضطرب في متنه أيضا، وبين ذلك كله الحافظ بن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (ص 100) ، فليرجع إليه من شاء التفصيل، وبالجملة فالحديث واهي الإسناد، وقد روي بإسناد آخر مثله في الضعف أوأشد من حديث ابن عمر، وسبق الكلام عليه مفصلا برقم (47) ، واختلف حافظان جليلان في أيهما أجود إسنادا، على عجرهما وبجرهما! فقال شيخ الإسلام:

أجودهما حديث ابن عمر، وقال الذهبي: أجودهما حديث حاطب هذا، وعزاه لابن عساكر كما في " المقاصد " (413) ، وإذا قابلت إسناد أحدهما بالآخر، وتأملت ما فيهما من العلل، تبين لك أن الصواب قول الذهبي، لأن هذا الحديث ليس فيه متهم بالكذب بخلاف حديث ابن عمر؛ فإن فيه من اتهم بالكذب ووضع الحديث، كما بينته هناك، وإذا عرفت هذا، فقول السخاوي في " المقاصد " بعد حديث ابن عمر المشار إليه، ونقله عن ابن خزيمة والبيهقي أنهما ضعفاه:

__________

(1) كما اضطرب الرواة في إسناد هذا الحديث على ما عرفت، اضطربوا أيضا في ضبط اسم راويه هارون أبي قزعة، فقيل فيه هكذا، وقيل: هارون بن قزعة، وقيل: هارون بن أبي قزعة، كما في التعليق المغني، قول: ولعل الصواب الوجه الأول، فقد قال ابن عدي في " الكامل " (7/2588) : وهارون أبو قزعة لم ينسب. اهـ.

 

(3/90)

 

 

وكذا قال الذهبي: طرقه كلها لينة، لكن يتقوى بعضها ببعض، لأن ما في رواتها متهم بالكذب.

قلت: فهذا التعليل باطل، لما ذكرنا من وجود المتهم في طريق ابن عمر، وعليه فالتقوية المشار إليها باطلة أيضا، فتنبه.

وأما متن الحديث فهو كذب ظاهر، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ونقلنا كلامه في ذلك عند حديث ابن عمر المشار إليه، فلا نعيده.

ومما سبق تعلم أن ما جاء في بعض كتب التربية الدينية التي تدرس في سورية تحت عنوان: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن هذا الحديث رواه الدارقطني وابن السكن والطبراني وغيرهم بروايات مختلفة تبلغ درجة القبول، لم يصدر عن بحث علمي في إسناده، ولا نظر دقيق في متنه، الذي جعل من زار قبره صلى الله عليه وسلم، بمنزلة من زاره في حياته، ونال شرف صحبته، التي من فضائلها ما تحدث عنه صلى الله عليه وسلم بقوله:

" لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده، لوأنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "!.

فمن كان بينه وبين هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم هذا البون الشاسع في الفضل والتفاوت، كيف يعقل أن يجعله صلى الله عليه وسلم مثل واحد منهم، بمجرد زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وهي لا تعدوأن تكون من المستحبات؟ !

1022 - " يا عمر! ههنا تسكب العبرات ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن ماجه (2/221 ـ 222) والحاكم (1/454) عن محمد بن عون عن نافع عن ابن عمر قال:

" استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا، ثم التفت،

 

(3/91)

 

 

فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي، فقال: فذكره، وقال الحاكم:

صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

قلت: وذلك من أوهامهما، فإن محمد بن عون هذا وهو الخراساني متفق على تضعيفه، بل هو ضعيف جدا، وقد أورده الذهبي نفسه في " الضعفاء " وقال:

قال النسائي: متروك، وفي " الميزان " وزاد:

وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء.

ثم ساق له الذهبي هذا الحديث مشيرا إلى أنه مما أنكر عليه، والظاهر أنه الحديث الذي عناه أبو حاتم بقوله:

ضعيف الحديث، منكر الحديث، روى عن نافع حديثا ليس له أصل.

ذكره ابن أبي حاتم (4/1/47) ، وساق له في " التهذيب " هذا الحديث ثم قال:

وكأنه الحديث الذي أشار إليه أبو حاتم.

وقال الحافظ في " التقريب ": متروك.

1023 - " البحر هو جهنم ".

ضعيف.

أخرجه أحمد (4/223) والبخاري في " التاريخ الكبير " (1/1/71 و4/2/414) والحاكم (4/596) والبيهقي (4/334) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2/1) من طريق أبي عاصم قال: حدثنا عبد الله بن أمية قال: حدثني محمد بن حيي قال: حدثني صفوان بن يعلى عن أبيه مرفوعا به. وزادوا:

" فقالوا ليعلى؟ فقال: ألا ترون أن الله عز وجل يقول: " نارا أحاط بهم سرادقها "، قال: لا والذي نفس يعلى بيده لا أدخلها (وفي رواية: لا أدخله) أبد حتى أعرض على الله عز وجل، ولا يصيبني منها (وفي الأخرى: منه) قطرة حتى ألقى الله عز وجل ". وقال الحاكم:

 

(3/92)

 

 

" صحيح الإسناد، ومعناه أن البحر صعب كأنه جهنم ". ووافقه الذهبي.

وليس كذلك، فإن محمد بن حيي هذا أورده البخاري وابن أبي حاتم (3/2/239) برواية ابن أمية هذا فقط عنه، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول العين، ونقل المناوي عن الذهبي أنه قال في " المهذب ":

" لا أعرفه ".

قلت: فكان حقه أن يورده في " الميزان " ولم يفعل، ولم يستدركه عليه ابن حجر في " اللسان "، وإنما أورده في " التعجيل " كما أورده ابن أبي حاتم وقال:

" وذكره ابن حبان في (الثقات) ".

قلت: وابن حبان متساهل في التوثيق كما هو معروف.

1024 - " إن العبد إذا قام في الصلاة فإنه بين عيني الرحمن، فإذا التفت قال له الرب: يا ابن آدم إلى من تلتفت؟ ! إلى من [هو] خير لك مني؟ ! ابن آدم أقبل على صلاتك فأنا خير لك ممن تلتفت إليه ".

ضعيف جدا.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (ص 24) والبزار في " مسنده " (553 - كشف الأستار) عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن عطاء قال سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، والسياق للعقيلي، ولفظ البزار: " بين يدي الرحمن ".

وروى العقيلي عن ابن معين أنه قال:

إبراهيم هذا ليس بشيء، وعن البخاري أنه قال: سكتوا عنه، وقال أحمد والنسائي: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة.

ومن هذه الطريق رواه الواحدي في " الوسيط " (3/86/1) ، والحديث أورده في " المجمع " (2/80) و" الترغيب " (1/191) من رواية البزار، وضعفاه، وأورده ابن القيم في " الصواعق المرسلة " (2/39) بلفظ العقيلي،

 

(3/93)

 

 

ساكتا عليه، وليس بجيد، ولذلك أوردته لأبين حقيقة حاله.

ورواه البزار (552) من حديث جابر نحوه من رواية الفضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر، والفضل هذا منكر الحديث كما قال الحافظ في " التقريب ".

1025 - " بل ائتمروا بالمعروف، وتناهو اعن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود (2/437) والترمذي (4/99 - تحفة) وابن ماجه (2/487) وابن جرير في " تفسيره " (10/145 و146) والطحاوي في " المشكل " (2/64 - 65) وابن حبان في " صحيحه " (1850) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (18/7/2) من طرق عن عتبة بن أبي حكيم قال: حدثني عمرو بن جارية اللخمي قال: حدثني أبو أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: " عليكم أنفسكم "؟ قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره.

وقال الترمذي: حديث حسن غريب.

كذا قال، وفيه عندي نظر، فإن عمرو بن جارية وأبا أمية لم يوثقهما أحد من الأئمة المتقدمين، غير ابن حبان، وهو متساهل في التوثيق كما هو معروف عند أهل العلم، ولذلك لم يوثقهما الحافظ في " التقريب "، وإنما قال في كل منهما: " مقبول " يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث كما نص عليه في " المقدمة " من " التقريب ".

ثم إن عتبة بن أبي حكيم فيه خلاف من قبل حفظه، وقال الحافظ فيه: صدوق يخطىء كثيرا، فلا تطمئن النفس لتحسين إسناد هذا الحديث، لا سيما

 

(3/94)

 

 

والمعروف في تفسير الآية يخالفه في الظاهر، وهو ما أخرجه أصحاب السنن وأحمد وابن حبان في " صحيحه " (1837) وغيرهم بسند صحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قام فحمد الله، ثم قال: يا أيها الناس! إنكم تقرأون هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك أن يعمهم بعقابه ".

وقد خرجته في " الصحيحة " (1564) .

لكن لجملة " أيام الصبر " شواهد خرجتها في " الصحيحة " أيضا، فانظر تحت الحديثين (494 و957) .

تنبيه: مع كل هذه العلل في هذا الحديث فقد صححه الشيخ الغماري في " كنزه " وكأنه قلد في ذلك الترمذي دون أي بحث أوتحقيق، أوأنه هواه الذي ينبئك عنه تعليقه عليه الذي يستغله المتهاونون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ والمخالف للآية السابقة، والله المستعان.

1026 - " يا صاحب الحبل ألقه ".

ضعيف.

ذكره ابن حزم في " المحلى " فقال (7/259) : روينا من طريق وكيع عن ابن أبي ذئب عن صالح بن أبي حسان: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى محرما محتزما بحبل فقال.. " فذكره، وقال: مرسل لا حجة فيه.

قلت: وهو كما قال، ورجاله ثقات، غير صالح بن أبي حسان فهو مختلف فيه، فقال البخاري: ثقة، وقال النسائي: مجهول، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث.

وفي " التقريب ": صدوق من الخامسة.

قلت: ومع ضعف هذا الحديث، فقد روي ما يخالفه، وهو بلفظ:

رخص عليه السلام في الهميان للمحرم، ذكره ابن حزم (7/259) فقال:

 

(3/95)

 

 

روينا من طريق عبد الرزاق عن الأسلمي عمن سمع صالحا مولى التوأمة أنه سمع ابن عباس يقول، فذكره مضعفا له.

قلت: وهو ظاهر الضعف، فإن صالحا هذا ضعيف، والراوي عنه مجهول لم يسم.

والأسلمي أظنه الواقدي وهو محمد بن عمر بن واقد الأسلمي وهو متروك.

قلت: والصواب فيه الوقف، فقد أخرج الدارقطني (261) والبيهقي (5/69) من طريق شريك عن أبي إسحاق عن عطاء وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

" رخص للمحرم في الخاتم والهميان ".

وشريك سيىء الحفظ، لكنه لم يتفرد به، فقد ذكره ابن حزم من طريق وكيع عن سفيان عن حميد الأعرج عن عطاء عن ابن عباس قال في الهميان للمحرم: لا بأس به.

قلت: وهذا إسناد جيد موقوف، وقد علقه البخاري (3/309) عن عطاء، ووصله الدارقطني من طريق سفيان عن أبي إسحاق عن عطاء مثله.

قلت: وهذا سند صحيح، ولهذا قال الحافظ في " الفتح ":

وهو أصح من الأول، يعني من رواية شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن ابن عباس، وهو كما قال، لما عرفت من حال شريك فمخالفته لسفيان لا تقبل، لكن خفيت على الحافظ طريق حميد الأعرج عن عطاء عن ابن عباس التي ذكرنا، فالصواب أنه صحيح عن كل من ابن عباس، وعطاء، وهذا إنما تلقاه عنه، وقد ورد نحوه عن عائشة أيضا أنها سئلت عن الهميان للمحرم؟ فقالت: وما بأس؟ ليستوثق من نفقته.

أخرجه البيهقي بسند صحيح عنها، ورواه سعيد بن منصور بلفظ: إنها كانت ترخص في الهميان يشده المحرم على حقويه، وفي المنطقة أيضا.

نقله ابن حزم عنه، وسنده صحيح على شرط الشيخين.

 

(3/96)

 

 

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس هذا المخالف لحديث الترجمة ضعيف مرفوعا، صحيح موقوفا، وفيه دليل على جواز شد الهميان والمنطقة للمحرم، قال الحافظ:

قال ابن عبد البر: أجاز ذلك فقهاء الأمصار، وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض، ولم ينقل عن أحد كراهته إلا عن ابن عمر، وعنه جوازه.

وقد ذهب إلى جواز ذلك كله ابن حزم قال (7/259) :

لأنه لم ينه عن شيء مما ذكرنا قرآن ولا سنة، " وما كان ربك نسيا ".

1027 - " حريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا ".

ضعيف.

أخرجه الدارقطني (ص 518) من طريق الحسن بن أبي جعفر، عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن طريق محمد ابن يوسف بن موسى المقريء بسنده إلى إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري به، وقال: الصحيح من الحديث أنه مرسل عن ابن المسيب، ومن أسنده فقد وهم.

قلت: وفي الطريق الأولى الحسن بن أبي جعفر، وهو ضعيف كما قال الزيلعي (4/293) ، وفي الطريق الأخرى محمد بن يوسف المقريء، قال الحافظ في " التلخيص " (256) :

وهو متهم بالوضع، وأطلق عليه ذلك الدارقطني وغيره.

قلت: ولذلك جزم البيهقي بضعف الحديث، فقال بعد أن علقه من هذين الطريقين موصولا: وهو ضعيف.

 

(3/97)

 

 

وقد روي من طريق ثالثة عن الزهري به، أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/309) والحاكم في " المستدرك " (4/97) من طريق عمر بن قيس المكي عن الزهري.

قلت: وسكت عليه الحاكم ثم الذهبي فأساءا، لأن عمر هذا متروك كما في " التقريب " وقال في " التلخيص ": فيه ضعف.

قلت: وفي هذا التعبير تساهل لا يخفى، وقال الزيلعي بعد أن ذكره من طريق الحاكم:

وسكت عنه، قال عبد الحق في " أحكامه ": والمراسيل أشبه ".

قلت: ولا يشك في هذا من شم رائحة الحديث، فإن الطرق كلها واهية عن الزهري به موصولا، مع مخالفتها لروايات الثقات الذين أرسلوه عن الزهري، منهم إسماعيل بن أمية عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرفوعا به.

أخرجه الحاكم وكذا أبو داود في " مراسيله ".

وأخرجه البيهقي من طريق يونس عن الزهري به إلا أنه أوقفه على ابن المسيب، كما في النسخة المطبوعة من " البيهقي "، وأما الحافظ في " التلخيص "، فقد نقل عنه أنه رواه من هذه الطريق عن ابن المسيب مرسلا.

تنبيه: عزى الصنعاني في " سبل السلام " (3/78) هذا الحديث لأحمد عن أبي هريرة، وهو وهم منه، فإن الحديث عنده (2/494) عنه بلفظ آخر وهو:

" حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها كلها لأعطان الإبل والغنم ".

وهو بهذا اللفظ حسن عندي كما بينته في السلسلة الأخرى (رقم: 251) .

1028 - " من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن أكل مما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل

 

(3/98)

 

 

فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود (1/6 ـ 7) والدارمي (1/169 ـ 170) وابن ماجه (1/140 - 141) والطحاوي (1/72) وابن حبان (132) مختصرا والبيهقي (1/94 و104) وأحمد (2/371) من طريق الحصين الحبراني عن أبي سعيد - زاد بعضهم: الخير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به، وقال أبو داود:

أبو سعيد الخير هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: هو كما قال على ما هو الراجح في التحقيق كما بينته في " ضعيف سنن أبي داود " (رقم 9) ، لكن الراوي عنه الحصين الحبراني مجهول كما قال الحافظ في " التلخيص " (ص 37) وكذا في " التقريب " له، وفي " الخلاصة " للخزرجي.

وقال الذهبي: لا يعرف، وأما توثيق ابن حبان إياه، فمما لا يعول عليه لما عرف من قاعدته في توثيق المجهولين، كما فصلت القول عليه في " الرد على التعقيب الحثيث " ولهذا لم يعرج الأئمة المذكورون على توثيقه، ولم يعتمدوا عليه في هذا ولا في عشرات بل مئات من مثله وثقهم هو وحده، وحكموا عليهم بالجهالة، ولذلك وجدنا البيهقي أشار إلى تضعيف هذا الحديث بقوله عقبه:

وهذا إن صح، فإنما أراد والله أعلم وترا يكون بعد ثلاث.

وإنما حمله على هذا التأويل أحاديث كثيرة تدل على وجوب الاستنجاء بثلاثة أحجار، والنهي عن الاستنجاء بأقل من ذلك كحديث سلمان رضي الله عنه قال: " ... ونهانا صلى الله عليه وسلم أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار ". رواه مسلم وغيره.

فلو صح قوله في هذا الحديث: " ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج "، وجب تأويله بما ذكره البيهقي، ولكني أقول: لا حاجة بنا إلى مثل هذا التأويل بعدما تبين لنا ضعفه وتفرد ذاك المجهول به.

وإذا عرفت هذا، فلا تغتر بقول النووي في " المجموع " (2/55) :

هذا حديث حسن! ولا بقول الحافظ نفسه في " الفتح " (1/206) :

 

(3/99)

 

 

إسناده حسن، ولا بما نقله الصنعاني في " سبل السلام " عن " البدر المنير أنه قال: حديث صحيح، صححه جماعة، منهم ابن حبان والحاكم والنووي.

لا تغتر بأقوال هؤلاء الأفاضل هنا جميعا، فإنهم ما أمعنوا النظر في سند الحديث، بل لعل جمهورهم اغتروا بسكوت أبي داود عنه، وإلا فقل لي بربك كيف يتفق تحسينه مع تلك الجهالة التي صرح بها من سبق ذكره من النقاد: الذهبي والعسقلاني والخزرجي؟ بل كيف يتمشى تصريح ابن حجر بذلك مع تصريحه بحسن إسناده لولا الوهم، أوالمتابعة للغير بدون النظر في الإسناد؟ ! ومن ذلك قول مؤلف (1) " معارف السنن شرح سنن الترمذي " (1/115) :

وهو حديث صحيح رجاله ثقات كما قال البدر العيني.

فإن هذا التصحيح، إنما هو قائم على أن رجاله ثقات، وقد تقدم أن أحدهم وهو حصين الحبراني لم يوثقه غير ابن حبان، وأنه لا يعتد بتوثيقه عند تفرده به، لا سيما مع عدم التفات أولئك النقاد إليه وتصريحهم بتساهل من وثقه.

فمن الغرائب والابتعاد عن الإنصاف العلمي التشبث بهذا الحديث الضعيف المخير بين الإيتار وعدمه لرد ما دل عليه حديث سلمان وغيره مما سبق الإشارة إليه من عدم إجزاء أقل من ثلاثة أحجار، مع إمكان التوفيق بينهما بحمل هذا لو صح على إيتار بعد الثلاثة كما تقدم، وأما قول ابن التركماني ردا لهذا الحمل: لو صح ذلك لزم منه أن يكون الوتر بعد الثلاث مستحبا أمره عليه السلام به على مقتضى هذا الدليل، وعندهم لو حصل النقاء بعد الثلاث فالزيادة عليها ليست مستحبة، بل هي بدعة.

فجوابنا عليه: نعم هي بدعة عند حصول النقاء بالثلاثة أحجار، فنحمل هذا الحديث على الإيتار عند عدم حصول النقاء بذلك، بمعنى أنه إذا حصل النقاء بالحجر الرابع فالإيثار بعده على الخيار مع استحبابه، بخلاف ما إذا حصل النقاء بالحجرين فيجب الثالث لحديث سلمان وما في معناه. وبالله التوفيق.

__________

(1) هو الشيخ الفاضل محمد بن يوسف الحسيني البنوري، وقد أهداه إلي بتاريخ 14/12/1383 هـ بواسطة أحد طلابنا في الجامعة الإسلامية، جزاه الله خيرا. اهـ

 

(3/100)

 

 

1029 - " أما إنما لا تزيدك إلا وهنا، انبذها عنك، فإنك لومت وهي عليك ما أفلحت أبدا ".

ضعيف.

أخرجه الإمام أحمد (5/445) : حدثنا خلف بن الوليد: حدثنا المبارك عن الحسن قال: أخبرني عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة أراه قال: من صفر - فقال: ويحك ما هذه؟ قال: من الواهنة قال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف وله علتان:

الأولى: عنعنة المبارك وهو ابن فضالة فقد كان مدلسا، وصفه بذلك جماعة من الأئمة المتقدمين، قال يحيى بن سعيد:

لم أقبل منه شيئا، إلا شيئا يقول فيه: حدثنا.

وقال ابن مهدي: كنا نتبع من حديث مبارك ما قال فيه: حدثنا الحسن.

ومع ذلك فقد قال فيه الدارقطني:

لين، كثير الخطأ، يعتبر به، وذكر نحوه ابن حبان والساجي.

الثانية: الانقطاع بين الحسن وعمران بن حصين، فإنه لم يسمع منه كما جزم بذلك ابن المديني وأبو حاتم وابن معين، قال الأولان:

لم يسمع منه، وليس يصح ذلك من وجه يثبت.

وقد أشار بذلك إلى مثل رواية المبارك هذه، فإن صرح فيها كما ترى بأن الحسن قال: أخبرني عمران بن حصين، وفي " المسند " (5/440) حديثان آخران من هذا الوجه مع التصريح المذكور، وقد أشار الإمام أحمد أيضا إلى تضعيف ذلك فقال: قال بعضهم عن الحسن: حدثني عمران بن حصين إنكارا على من قال ذلك، بل إنه صرح بذلك في رواية أبي طالب عنه قال:

كان مبارك بن فضالة يرفع حديثا كثيرا، ويقول في غير حديث عن الحسن: قال:

حدثنا عمران بن حصين، وأصحاب الحسن لا يقولون ذلك، قال في " التهذيب ":

 

(3/101)

 

 

يعني أنه يصرح بسماع الحسن منه، وأصحاب الحسن يذكرونه عنه بالعنعنة.

قلت: قد تتبعت أصحاب الحسن وما رووه عنه عن عمران في " مسند الإمام أحمد " الجزء الرابع، فوجدتهم جميعا قد ذكروا العنعنة، وهم:

1 - أبو الأشهب (ص 246) وهو جعفر بن حبان و (436) .

2 - قتادة (427 و428 و435 و436 و437 و442 و445 و446) .

3 - أبو قزعة (429) .

4 - يونس (430 و431 و444 و445) .

5 - منصور (430) .

6 - علي بن زيد بن جدعان (430 و432 و444 و445) .

7 - حميد (438 و439 و440 و443 و445) .

8 - خالد الحذاء (439) .

9 - هشام (441) .

10 - خيثمة (439 و445) .

11 - محمد بن الزبير (439 و443) .

12 - سماك (445 و446) .

كل هؤلاء - وهم ثقات جميعا باستثناء رقم (6 و11) - رووا عن الحسن عن عمران أحاديث بالعنعنة لم يصرحوا فيها بسماع الحسن من عمران، بل في رواية لقتادة أن الحسن حدثهم عن هياج بن عمران البرجمي عن عمران بن حصين بحديث: " كان يحث في خطبته على الصدقة، وينهى عن المثلة "، فأدخل بينهما هياجا، وهو مجهول كما

قال ابن المديني وصدقه الذهبي.

نعم وقع في رواية زائدة عن هشام تصريحه بسماع الحسن من عمران، فقال زائدة: عن هشام قال: زعم الحسن أن عمران بن حصين حدثه قال:.. فذكر حديث تعريسه صلى الله عليه وسلم في سفره ونومه عن صلاة الفجر.

 

(3/102)

 

 

وهذه الرواية صريحة في سماعه من عمران، ولم أجد أحدا تعرض لذكرها في هذا الصدد، ولكني أعتقد أنها رواية شاذة، فإن زائدة - وهو ابن قدامة -، وإن كان ثقة فقد خالفه جماعة منهم يزيد بن هارون وروح بن عبادة فروياه عن هشام عن الحسن عن عمران به، فعنعناه على الجادة.

أخرجه أحمد (4/441) ، وهكذا أخرجه (5/431) من طريق يونس عن الحسن عن عمران به، ووقع التصريح المذكور في رواية شريك بن عبد الله عن منصور عن خيثمة عن الحسن قال: كنت أمشي مع عمران بن حصين ... رواه أحمد (4/436) ، وهذه رواية منكرة لأن شريكا سييء الحفظ معروف بذلك، وقد خولف، فرواه الأعمش عن خيثمة عن الحسن عن عمران به معنعنا، أخرجه أحمد (4/439 و445) .

وخلاصة القول أنه لم يثبت برواية صحيحة سماع الحسن من عمران، وقول المبارك في هذا الحديث عن الحسن: قال: أخبرني عمران، مما لا يثبت ذلك لما عرفت من الضعف والتدليس الذي وصف به المبارك هذا.

وإن مما يؤكد ذلك أن وكيعا قد روى هذا الحديث عن المبارك عن الحسن عن عمران به معنعنا مختصرا.

أخرجه ابن ماجه (2/361) .

وكذا رواه أبو الوليد الطيالسي: حدثنا مبارك به.

أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1410) والطبراني في " المعجم الكبير " (18/172/391) ، وكذلك رواه أبو عامر صالح بن رستم عن الحسن عن عمران به.

أخرجه ابن حبان (1411) والحاكم (4/216) وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي!

قلت: وفي ذلك ما لا يخفى من البعد عن التحقيق العلمي الذي ذكرناه آنفا، وأيضا فإن أبا عامر هذا كثير الخطأ كما في " التقريب " فأتى لحديثه الصحة؟ ! ومثله قول البوصيري في " الزوائد ":

 

(3/103)

 

 

إسناده حسن لأن مبارك هذا هو ابن فضالة.

ذكره السندي، ونحوه قول الهيثمي في " المجمع " (5/103) :

رواه أحمد والطبراني وقال: إن مت وهي عليك وكلت إليها، قال: وفي رواية موقوفة: " انبذها عنك، فإنك لومت وأنت ترى أنها تنفعك لمت على غير الفطرة "، وفيه مبارك بن فضالة، وهو ثقة، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات!

قلت: لوكان ثقة اتفاقا وبدون ضعف لم يفرح بحديثه ما دام مدلسا، وقد عنعنه كما عرفت مما سبق، فكن رجلا يعرف الرجال بالحق، لا الحق بالرجال.

ومن ذلك قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في " كتاب التوحيد ": رواه أحمد بسند لا بأس به!

فقد عرفت ما فيه من البأس الذي بيناه في شرح علتي الحديث، ويمكن أن نستنبط من تخريج الهيثمي السابق للحديث علة ثالثة وهي الوقف، وهو الأشبه عندي، وإن كان في إسنادها عند الطبراني (رقم 414) محمد بن خالد بن عبد الله: حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن، موقوفا. فقد قال الحافظ في ابن خالد هذا: ضعيف، والله أعلم.

1030 - " إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ".

مدرج الشطر الآخر.

وإنما يصح مرفوعا شطره الأول، وأما الشطر الآخر: " فمن استطاع.. " فهو من قول أبي هريرة أدرجه بعض الرواة في المرفوع، وإليك البيان:

أخرجه البخاري (1/190) والبيهقي (1/57) وأحمد (2/400) عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر أنه قال:

رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد، وعليه سراويل من تحت قميصه، فنزع سراويله، ثم توضأ، وغسل وجهه ويديه، ورفع في عضديه الوضوء، ورجليه، فرفع في ساقيه، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره والسياق لأحمد، وليس عند البخاري ذكر السراويل والقميص ولا غسل الوجه والرجلين.

 

(3/104)

 

 

ثم أخرجه مسلم (1/149) والبيهقي أيضا من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال به.

أنه رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، الحديث مثله، وابن أبي هلال مختلط عند الإمام أحمد، لكنه توبع، فقد أخرجه مسلم وكذا أبو عوانة في " صحيحه " (1/243) والبيهقي (1/77) من طريق سليمان بن بلال: حدثني عمارة بن غزية الأنصاري عن نعيم بن عبد الله المجمر قال:

" رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع (1) في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وقال: قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم: أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله، وقد تابعه ابن لهيعة عن عمارة بن غزية به نحوه، وفيه: وكان إذا غسل ذراعيه كاد أن يبلغ نصف العضد، ورجليه إلى نصف الساق، فقال له في ذلك، فقال: إني أريد أن أطيل غرتي، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء، ولا يأتي أحد من الأمم كذلك.

أخرجه الطحاوي (1/24) ورجاله ثقات، غير أن ابن لهيعة سييء الحفظ، ولكن لا بأس به في المتابعات والشواهد.

ثم أخرجه أحمد (2/334 و523) من طريق فليح بن سليمان عن نعيم بن عبد الله به بلفظ:

__________

(1) معناه أدخل الغسل فيهما. قاله النووي. اهـ.

 

(3/105)

 

 

أنه رقى إلى أبي هريرة على ظهر المسجد، فوجده يتوضأ، فرفع في عضديه، ثم أقبل علي فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بلفظ:

" إن أمتي يوم القيامة هم الغر المحجلون ... " إلا أنه زاد: فقال نعيم: لا أدري قوله: " من استطاع أن يطيل غرته فليفعل " من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أومن قول أبي هريرة!

قلت: وفليح بن سليمان وإن احتج به الشيخان ففيه ضعف من قبل حفظه، فإن كان قد حفظه، فقد دلنا على أن هذه الجملة في آخر الحديث: " من استطاع ... " قد شكنعيم في كونها من قوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الحافظ في " الفتح " (1/190) :

ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه، والله أعلم.

قلت: وقد فات الحافظ رواية ليث عن كعب عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره بهذه الجملة.

أخرجه أحمد (2/362) ، لكن ليث وهو ابن أبي سليم ضعيف لاختلاطه، وقد حكم غير واحد من الحفاظ على هذه الجملة أنها مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة، فقال الحافظ المنذري في " الترغيب " (1/92) :

وقد قيل: إن قوله: من استطاع إلى آخره، إنما هو مدرج من كلام أبي هريرة موقوف عليه، ذكره غير واحد من الحفاظ، والله أعلم.

قلت: وممن ذهب إلى أنها مدرجة من العلماء المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فقال هذا في " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " (1/316) : فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بين ذلك غير واحد من الحفاظ، وكان شيخنا يقول: هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الغرة لا تكون في اليد، لا تكون إلا في الوجه، وإطالته غير ممكنة، إذ تدخل في الرأس فلا تسمى تلك غرة.

قلت: وكلام الحافظ المتقدم يشعر بأنه يرى كونها مدرجة، وممن صرح بذلك

 

(3/106)

 

 

تلميذه إبراهيم الناجي في نقده لكتاب " الترغيب "، المسمى بـ " العجالة المتيسرة " (ص 30) ، وهو الظاهر مما ذكره الحافظ من الطرق، ومن المعنى الذي سبق في كلام ابن تيمية.

ومن الطرق المشار إليها ما روى يحيى بن أيوب البجلي عن أبي زرعة قال:

دخلت على أبي هريرة وهو يتوضأ إلى منكبيه، وإلى ركبتيه، فقلت له: ألا تكتفي بما فرض الله عليك من هذا؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مبلغ الحلية مبلغ الوضوء، فأحببت أن يزيدني في حليتي.

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/40) وعلقه أبو عوانة في " صحيحه " (1/243) ، وإسناده جيد، وله طريق أخرى عند مسلم وغيره عن أبي حازم قال:

كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ! أنتم ههنا؟ لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.

قلت: فليس هذه الطريق تلك الجملة " فمن استطاع ... " ولوكانت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأوردها أبو هريرة محتجا بها على أبي زرعة وأبي حازم اللذين أظهرا له ارتيابهما من مد يده إلى إبطه، ولما كان به حاجة إلى أن يلجأ إلى الاستنباط الذي قد يخطيء وقد يصيب، ثم هو لوكان صوابا لم يكن في الإقناع في قوة النص كما هو ظاهر، فإن قيل: فقد احتج أبو هريرة رضي الله عنه بالنص في بعض الطرق المتقدمة وذلك قوله عقب الوضوء: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليهوسلم يتوضأ.

والجواب: أن هذه الطريق ليس فيها ذكر الإبط، وغاية ما فيها أنه أشرع في العضد والساق، وهذا من إسباغ الوضوء المشروع، وليس زيادة على وضوئه صلى الله عليه وسلم، بخلاف الغسل إلى الإبط والمنكب، فإن من المقطوع به أنه زيادة على وضوئه صلى الله عليه وسلم لعدم ورود ذلك عنه في حديث مرفوع، بل روي من طرق عن غير واحد من الصحابة ما يشهد

 

(3/107)

 

 

لما في هذه الطريق، أحسنها إسنادا حديث عثمان رضي الله عنه قال: هلموا أتوضأ لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضد. الحديث، رواه الدارقطني (31) بسند قال الصنعاني في " السب " (1/60) : حسن، وهو كما قال لولا عنعنة محمد بن إسحاق، فإنه مدلس.

على أن قوله في تلك الطريق: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ أخشى أن تكون شاذة لأنه تفرد بها عمارة بن غزية دون من اتبعه على أصل الحديث عن نعيم المجمر، ودون كل من تابع نعيما عليه عن أبي هريرة، والله أعلم.

ومن التحقيق السابق يتبين للقراء أن قول الحافظ في " الفتح " (1/190 - 191) عقب إعلاله لتلك الزيادة بالإدراج، وبعد أن ذكر رواية عمرو بن الحارث المتقدمة ورواية عمارة بن غزية أيضا:

واختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل، فقيل: إلى المنكب والركبة، وقد ثبت عن أبي هريرة رواية ورأيا، وعن ابن عمر من فعله أخرجه ابن أبي شيبة وأبو عبيد بإسناد حسن.

فأقول: قد تبين من تحقيقنا السابق أن ذلك لم يثبت عن أبي هريرة رواية، وإنما رأيا، والذي ثبت عنه رواية، فإنما هو الإشراع في العضد والساق، كما سبق بيانه، فتنبه ولا تقلد الحافظ في قوله هذا كما فعل الصنعاني (1/60) ، بعد أن جاءك البيان.

ثم إن قوله في أثر ابن عمر المذكور: ... " بإسناد حسن فيه نظر عندي وذلك أن إسناده عند ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/39) هكذا: حدثنا وكيع عن العمري عن نافع عن ابن عمر أنه كان ربما بلغ بالوضوء إبطه في الصيف.

قلت: فهذا إسناد ضعيف من أجل العمري وهذا هو المكبر واسمه عبد الله بن عمر ابن حفص بن عاصم، قال الحافظ نفسه في " التقريب ": ضعيف، ولذلك لم يحسنه في " التلخيص "، بل سكت عليه ثم قال عقبه (ص 32) :

رواه أبو عبيد بإسناد أصح من هذا فقال: حدثنا عبد الله بن صالح: حدثنا الليث عن

 

(3/108)

 

 

محمد بن عجلان عن نافع، وأعجب من هذا أن أبا هريرة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم.

قلت: عبد الله بن صالح هو كاتب الليث المصري، وهو ضعيف أيضا، أورده الذهبي في " الضعفاء " فقال:

قال أحمد: كان متماسكا ثم فسد، وأما ابن معين فكان حسن الرأي فيه، وقال أبو حاتم: أرى أن الأحاديث التي أنكرت عليه مما افتعل خالد بن نجيح، وكان يصحبه، ولم يكن أبو صالح ممن يكذب، كان رجلا صالحا، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الحافظ في " التقريب ":

صدوق كثير الخطأ، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة.

قلت: فمثله لا يحتج بحديثه لاحتمال أن يكون مما أدخله عليه وافتعله خالد بن نجيح، وكان كذابا، ففي ثبوت الإطالة المذكورة عن ابن عمر من فعله، وقفة عندي، والله أعلم.

وممن روى هذا الحديث بدون هذه الزيادة المدرجة عبد الله بن بسر المازني رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:

" أمتي يوم القيامة غر من السجود محجلون من الوضوء ".

أخرجه الترمذي (1/118) وصححه وأحمد (4/189) ولفظه أتم، وسنده صحيح، ورجاله ثقات.

1031 - " يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور، فما طهوركم هذا؟ قالوا: نتوضأ للصلاة، ونغتسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل مع ذلك غيره؟ قالوا: لا، غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجى بالماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو ذاك فعليكموه ".

ضعيف بهذا اللفظ.

أخرجه ابن الجارود في " المنتقي " (رقم 40) والدارقطني

 

(3/109)

 

 

(23) والبيهقي (1/105) من طرق عن محمد بن شعيب بن شابور: حدثني عتبة بن أبي حكيم الهمداني عن طلحة بن نافع أنه حدثه قال: حدثني أبو أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك الأنصاري أن هذه الآية لما نزلت " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الدارقطني:

عتبة بن أبي حكيم ليس بالقوي.

قلت: هو ممن اختلفوا فيه، فوثقه بعض الأئمة، وضعفه آخرون، ولذلك قال الذهبي فيه:

هو متوسط حسن الحديث.

وكلام الحافظ فيه يشعر أنه ضعيف عنده فقال في " التقريب ":

صدوق يخطىء كثيرا.

وأما النووي والزيلعي فقد مشياه، وقويا حديثه فقال الأول في " المجموع " (2/99) : إسناد صحيح إلا أن فيه عتبة بن أبي حكيم، وقد اختلفوا في توثيقه، فوثقه الجمهور، ولم يبين من ضعفه سبب ضعفه، والجرح لا يقبل إلا مفسرا، فيظهر الاحتجاج بهذه الرواية.

قلت: وفي هذا الكلام نظر من وجهين:

الأول: قوله: وثقه الجمهور، فإن هذا يوهم أن الذين ضعفوه قلة، وليس كذلك، فقد تتبعت أسماءهم فوجدتهم ثمانية من الأئمة، وهم:

1 - أحمد بن حنبل، كان يوهنه قليلا.

2 - يحيى بن معين، قال مرة: ضعيف الحديث، وقال أخرى: والله الذي لا إله إلا هو لمنكر الحديث.

3 - محمد بن عوف الطائي: ضعيف.

4 - الجوزجاني: غير محمود في الحديث، يروي عن أبي سفيان حديثا يجمع فيه جماعة من الصحابة، لم نجد منها عند الأعمش ولا غيره مجموعة.

 

(3/110)

 

 

5 - النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بالقوي.

6 - ابن حبان: يعتبر حديثه من غير رواية بقية عنه.

7 - الدارقطني: ليس بالقوي، كما تقدم.

8 - البيهقي: غير قوي، كما يأتي.

وتتبعت أيضا أسما الموثقين فوجدتهم ثمانية أيضا وهم:

1 - مروان بن محمد الطاطري: ثقة.

2 - ابن معين: ثقة.

3 - أبو حاتم الرازي: صالح.

4 - دحيم: لا أعلمه إلا مستقيم الحديث.

5 - أبو زرعة الدمشقي، ذكره في " الثقات ".

6 - ابن عدي: أرجوأنه لا بأس به.

7 - الطبراني: كان من ثقات المسلمين.

8 - ابن حبان، ذكره في " الثقات ".

هذا كل ما وقفت عليه من الأئمة الذين تكلموا في عتبة هذا توثيقا وتجريحا، ومن الظاهر أن عدد الموثقين مثل عدد المضعفين سواء، وبذلك يتبين خطأ القول بأنه وثقه الجمهور، ولوقيل: ضعفه الجمهور لكان أقرب إلى الصواب، وإليك البيان: لقد رأينا اسم ابن معين وابن حبان قد ذكرا في كل من القائمتين، الموثقين والمضعفين، وما ذلك إلا لاختلاف اجتهاد الناقد في الراوي، فقد يوثقه، ثم يتبين له جرح يستلزم جرحه به فيجرحه، وهذا الموقف هو الواجب بالنسبة لكل ناقد عارف ناصح، وحينئذ فهل يقدم قول الإمام الموثق أم قوله الجارح؟ لا شك أن الثاني هو المقدم بالنسبة إليه، لأنه بالضرورة هو لا يجرح إلا وقد تبين له أن في الراوي ما يستحق الجرح به، فهو بالنسبة إليه جرح مفسر فهو إذن مقدم على التوثيق، وعليه يعتبر توثيقه قولا مجروحا مرجوعا عنه، فيسقط إذن من القائمة الأولى اسم ابن معين وابن حبان كموثقين وينزل عددهم من الثمانية إلى الستة!

 

(3/111)

 

 

ثم إننا إذا نظرنا مرة أخرى في القائمة المذكورة لوجدنا فيهم أبا حاتم الرازي وقوله: صالح، وهذا وإن كان توثيقا في اعتبار المحدثين، ولكنه ليس كذلك بالنظر إلى اصطلاح أبي حاتم نفسه، فقد ذكر ابنه في مقدمة الجزء الأول من " الجرح والتعديل " (ص 27) ما نصه:

ووجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى، فإذا قيل للواحد: إنه ثقة، أومتقن، أوثبت، فهو ممن يحتج بحديثه، وإذا قيل: إنه صدوق، أومحله الصدق، أولا بأس به، فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه، وهي المنزلة

الثانية وإذا قيل: شيخ فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه، إلا أنه دون الثانية، وإذا قيل: صالح الحديث، فإنه يكتب حديثه للاعتبار، وإذا أجابوا في الرجل بلين الحديث، فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا.

فهذا نص منه على أن كلمة صالح الحديث مثل قولهم: لين الحديث يكتب حديثه للاعتبار والشواهد، ومعنى ذلك أنه لا يحتج به، فهذه العبارة من ألفاظ التجريح لا التعديل عند أبي حاتم، خلافا لما يدل عليه كلام السيوطي في " التدريب " (233 - 234) ، وعلى هذا فيرفع اسم أبي حاتم أيضا من قائمة الموثقين إلى قائمة المضعفين، ويصير عددهم خمسة، وعدد أولئك تسعة، وإذا ضممنا إليهم قول البيهقي: إنه غير قوي كما يأتي، صاروا عشرة.

ثم إن قول ابن عدي: أرجوأنه لا بأس به ليس نصا في التوثيق، ولئن سلم فهو أدنى درجة في مراتب التعديل، أوأول مرتبة من مراتب التجريح، مثل قوله: ما أعلم به بأسا كما في " التدريب " (ص 234) .

ومما سبق يتبين بوضوح أن الجمهور على تضعيف عتبة بن أبي حكيم، وأن ضعفه مفسر مبين، فضعفه هو الذي ينبغي اعتماده في ترجمته، وقد لخص ذلك كله الحافظ ابن حجر في كلمته المتقدمة: صدوق يخطىء كثيرا، فهذا جرح مفسر، فمن أين جاء به الحافظ لولا بعض الكلمات التي سبق بيانها من بعض الأئمة؟

ومن ذلك كله تعلم أن إسناد الحديث ضعيف، وأن قول الزيلعي فيه (1/219) :

 

(3/112)

 

 

وسنده حسن غير حسن، لأنه بناه على أقوال بعض من سبق ذكرهم في الموثقين فقال:

وعتبة بن أبي حكيم فيه مقال، فقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن عدي:

أرجوأنه لا بأس به، وضعفه النسائي، وعن ابن معين فيه روايتان:

ولذلك أيضا ضعف الحديث ابن التركماني، فإن البيهقي على الرغم من أنه لم يصرح بتقويته، وإنما سكت عليه، لم يرض ذلك منه ابن التركماني، فتعقبه بقوله:

قلت: في سنده عتبة بن أبي حكيم ضعفه ابن معين والنسائي، وقال إبراهيم بن يعقوب السعدي: غير محمود الحديث، وقال البيهقي في باب الركعتين بعد الوتر: غير قوي.

وقال البوصيري في " الزوائد " (28/1) :

هذا إسناد ضعيف، عتبة بن أبي حكيم ضعيف، وطلحة لم يدرك أبا أيوب.

قلت: ومما يدل على ضعف عتبة أنه اضطرب في رواية متن هذا الحديث وضبطه، فرواه محمد بن شعيب عنه باللفظ المتقدم:

غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء.

ورواه صدقة بن خالد عنه بلفظ:

قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء.

أخرجه ابن ماجه (1/146 - 147) والحاكم (2/334 - 335) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (2/140) وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي!

كذا قالا، وقد عرفت مما سبق أن الصواب أنه ضعيف الإسناد، والغرض الآن أن نبين أن عتبة كان يضطرب في ضبط هذا الحديث، فتارة يرويه باللفظ الأول، وتارة باللفظ الآخر، وليس هذا الاضطراب من الراويين عنه محمد بن شعيب وصدقة بن خالد فإنهما ثقتان اتفاقا، فتعين أنه من عتبة نفسه.

واللفظ الآخر هو الراجح عندنا، بل هو في نفسه صحيح ثابت، لأمرين:

 

(3/113)

 

 

الأول: أنه روي كذلك من طريق أخرى عن أبي أيوب وحده.

والآخر: أن له شواهد كثيرة من حديث أبي هريرة وابن عباس وعويمر بن ساعدة.

وقد خرجتها في " صحيح أبي داود " (رقم 34) ثم في " الإرواء " (45) .

وأما الطريق فأخرجه الحاكم (1/188) من رواية واصل بن السائب الرقاشي عن عطاء ابن أبي رباح وابن سورة عن عمه أبي أيوب قال: قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين " فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المتطهرين "؟ قال: كانوا يستنجون بالماء.

ذكره الحاكم شاهدا لحديث ابن عباس المشار إليه، والرقاشي ضعيف كما في " التقريب " فيعتبر به، ولا يحتج بما يتفرد به.

فإن قيل: فما الفرق بين اللفظين حتى احتيج إلى ترجيح أحدهما على الآخر؟

فالجواب: هو أن اللفظ المرجوح فإن فيه القيد المذكور وهو بظاهره يدل على أنهم كانوا يستنجون بالماء بعد استنجائهم بالحجارة، ذلك لأنه من غير الجائز أن يمدحوا ويثني الله عليهم لوفرض أنهم كانوا يقومون قبل الاستنجاء بها، هذا بعيد جدا، فإذن الحديث بهذا اللفظ دليل على استحباب الجمع بين الماء والحجارة في الاستنجاء فهو حينئذ يمكن اعتباره شاهدا لحديث ابن عباس الذي أخرجه البزار بلفظ: فقالوا: " إنا نتبع الحجراة بالماء ".

وهو ضعيف الإسناد كما صرح به الحافظ في " التلخيص " و" البلوغ " وبينه الزيلعي في " نصب الراية " (1/218) ، بل هو منكر عندي لمخالفته لجميع طرق الحديث بذكر الحجارة فيه، بل بالغ النووي فقال في " الخلاصة " كما نقله الزيلعي: وأما ما اشتهر في كتب التفسير والفقه من جمعهم بين الأحجار والماء فباطل لا يعرف، وذكر معنى هذا في " المجموع " أيضا، ولكنه استنبط معناه من لفظ الحديث هذا، فقال بعد أن ذكره بلفظيه مع حديث أبي هريرة وعويمر بن ساعدة:

 

(3/114)

 

 

فهذا الذي ذكرته من طرق الحديث هو المعروف في كتب الحديث أنهم كانوا يستنجون بالماء، وليس فيها ذكر الجمع بين الماء والأحجار، وأما قول المصنف:

قالوا: نتبع الحجارة الماء، فكذا يقوله أصحابنا وغيرهم في كتب الفقه والتفسير فليس له أصل في كتب الحديث، وكذا قال الشيخ أبو حامد في التعليق: إن أصحابنا رووه، قال: ولا أعرفه، فإذا عرف أنه ليس له أصل من جهة الرواية، فيمكن تصحيحه من جهة الاستنباط، لأن الاستنجاء بالحجر كان معلوما عندهم يفعله جميعهم، وأما الاستنجاء بالماء فهو الذي انفردوا به، فلهذا ذكر ولم يذكر الحجر لأنه مشترك بينهم وبين غيرهم، ولكونه معلوما فإن المقصود بيان فضلهم الذي أثنى الله عليهم بسببه، ويؤيد هذا قولهم: إذا خرج أحدنا من الغائط أحب أن يستنجي بالماء، فهذا يدل على أن استنجاءهم بالماء كان بعد خروجهم من الخلاء، والعادة جارية بأنه لا يخرج من الخلاء إلا بعد التمسح بماء أوحجر. وهكذا المستحب أن يستنجي بالحجر في موضع قضاء الحاجة، ويؤخر الماء إلى أن ينتقل إلى موضع آخر، والله أعلم ".

وجوابنا عن هذا الاستنباط أنه غير مسلم، وبيانه من وجهين:

الأول: أن أي حكم شرعي يستنبط من نص شرعي، فلابد لهاذ أن يكون ثابت الإسناد، وقد بينت فيما سبق أن هذا النص ضعيف الإسناد منكر المتن، فلا يصح حينئذ الاستنباط منه.

الآخر: هب أن النص المشار إليه ثابت الإسناد، فالاستنباط المذكور لا نسلم بصحته، لأن الحجارة لم تذكر فيه ولوإشارة، وأخذ ذلك من مجرد ثناء الله تعالى عليهم بضميمة أن الاستنجاء بها كان معروفا لديهم غير لازم، لأن الثناء المشار إليه يتحقق ويصدق عليهم بأي شيء فاضل تفرد به الأنصار دون غيرهم، وإذا كان من المسلم حينئذ فضلا أنهم كانوا يفعلون ذلك الذي لا يفعله بل ولا يعرفه غيرهم إلا أهل الكتاب، ومنهم تلقاه الأنصار كما في بعض الروايات الثابتة.

فإن قيل: ما ذكرته الآن ينافي ما تقدم من قولك: إن الحديث يدل بظاهره على

 

(3/115)

 

 

الجمع المذكور.

فأقول: نعم، ولكن هذا الظاهر ليس هناك ما يلزمنا الجمود عنده، لأنه لم يجر العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أحد من الصحابة، ألا ترى إلى قول النووي في آخر كلامه السابق:

وهكذا المستحب أن يستنجى بالحجر في موضع قضاء الحاجة، ويؤخر الماء إلى أن ينتقل إلى موضع آخر.

فهل يستطيع أحد أن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يفعلون ذلك؟ ! وحينئذ فلابد من تأويل النص المذكور بما لا يتنافى مع ما هو المعروف من الاستنجاء بالماء في مكان قضاء الحاجة، وذلك بأن نفسر قولهم - إن صح -: " إذا خرج من الغائط أي أراد الخروج، ومثل هذا التفسير معروف في كثير من الأحاديث، مثل حديث أنس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث "، وقد اتفقوا على أن المعنى: كان إذا أراد دخول الخلاء، ومثله قول الله تبارك وتعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله "، أي أردت قراءة القرآن، ونحوذلك كثير.

وخلاصة القول: أن الحديث بهذا اللفظ ضعيف الإسناد منكر المتن، وقد ترتب عليه استنباط حكم نقطع بأنه لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ألا وهو الاستنجاء بالحجارة أولا، ثم بالماء في مكان آخر، بل الراجح عندي أنه لا يشرع الجمع بينهما ولوفي المكان الأول، لأنه لم ينقل أيضا عنه صلى الله عليه وسلم، ولما فيه من التكلف، فبأيهما استنجى حصلت السنة، فإن تيسر الأمران معا بلا كلفة فلا مانع من ذلك لما فيه من تنزيه اليد عن الرائحة الكريهة. والله أعلم.

تنبيه: إن الذي دفعني إلى تحرير القول في هذا الحديث هو أنني رأيت بعض من ألف في شرح الترمذي من حنفية الهند (1) نقل كلام النووي في الاستنباط المذكور وذكر أنه صحح إسناد الحديث، وأقر كل ذلك فأحببت أن أبين حقيقة الأمر، عسى أن ينتفع به من قد يقف عليه، ثم رأيته ذكر كلاما آخر عقب الحديث فيه أشياء تستحق التنبيه عليه، فرأيت من

__________

(1) هو الشيخ محمد يوسف البنوري في " معارف السنن " (1/131 - 132) . اهـ

 

(3/116)

 

 

الواجب بيان ذلك أيضا، قال (1/133) :

ثم إن أحاديث الجمع قد أخرجها الهيثمي في " زوائده " بأسانيد فيها كلام للمحدثين، وبوب عليها (باب الجمع بين الماء والحجارة) ، وأخرج فيه حديث ابن ساعدة وابن عباس وابن سلام وغيرهم، وفيها الجمع، وليس فيها رواية لم

يتكلم فيها، ومع هذا ليس فيها حديث صريح غير حديث ابن عباس، وأجود ما يحكى في الباب أثر علي بن أبي طالب: إن من كان قبلكم كانوا يبعرون بعرا وأنتم تثلطون ثلطا، فأتبعوا الحجارة الماء، أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " وعبد الرزاق في " مصنفه " والبيهقي في " سننه " بطرق عديدة، وهو أثر جيد كما يقول الإمام الزيلعي في " نصب الراية " وكذا أخرجه البيهقي رواية عن عائشة من طريق قتادة في الباب.

قلت: وفي هذا الكلام تدليسات عجيبة وبعض أوهام فاحشة:

أولا: يسمى الأحاديث المشار إليها وقد تقدمت بـ " أحاديث الجمع " مع أنها ليست كذلك إلا على استنباط النووي الواهي، فهو يقلده في ذلك ويبالغ حتى سماها بهذه التسمية المغلوطة، ولا يقتصر على هذا، بل يؤكد ذلك بقوله: وفيها الجمع، ثم لكي لا يمكن المخالف من نقده يعود فيقول: ومع هذا ليس فيها حديث صريح غير حديث ابن عباس يعني صريحا في الجمع.

ثانيا: ثم يزعم أن تلك الأحاديث التي فيها الجمع! ليس فيها حديث صريح في الجمع!

بوب الهيثمي عليها " باب الجمع بين الماء والحجارة "، وهذا خلاف الواقع فإنه إنما بوب عليها بقوله: " باب الاستنجاء بالماء " انظر الجزء الأول ص 212 من " مجمع الزوائد "، وإنما بوب الهيثمي بما ذكر الحنفي لحديث ابن عباس وحده الذي تفرد بروايته البزار وسبق أن ضعفناه نقلا عن الحافظ، وقال الهيثمي نفسه عقبه:

رواه البزار وفيه محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري ضعفه البخاري والنسائي وغيرهما، وهو الذي أشار بجلد مالك.

ثالثا: قوله: (بطرق عديدة) . فيه تدليس خبيث، فإنه لا يروى إلا من طريق واحدة، هي طريق عبد الملك بن عمير عن علي، وإنما له طرق عديدة عن عبد الملك

 

(3/117)

 

 

هذا، وشتان بين الأمرين، فإنه على قوله لاشك في ثبوت هذا الأثر عن علي وجودته، لطرقه المزعومة، وأما على ما هو الواقع من طريقه الوحيدة، فالثبوت محتمل وإن كان الراجح عندنا خلافه، وبيانه فيما يأتي:

رابعا: قوله: وهو أثر جيد، أقول: بل هو غير جيد، وإن كان صرح بذلك الزيلعي، فإنه معلول بالانقطاع بين علي وعبد الملك، وبالاختلاط وذلك أن عبد الملك هذا، وإن كان من رجال الشيخين، فقد تكلم فيه من قبل حفظه، وذكروا له رؤية لعلي رضي الله عنه، ولم يذكروا له سماعا، ثم هو على ذلك مدلس، وصفه به ابن حبان، ولذا أورده الذهبي في " الضعفاء " فقال:

قال أحمد: مضطرب الحديث، وقال ابن معين: مختلط وقال أبو حاتم: ليس بحافظ ووثقه جماعة، وقال الحافظ في " التقريب ":

ثقة فقيه، تغير حفظه، وربما دلس.

قلت: فإن كان قد حفظه، فلم يسمعه من علي، فإنه ذكره بصيغة تشعر بذلك، فإنه قال في جميع الطرق عنه: قال: قال علي..، ومن المعلوم أن المدلس إذا لم يصرح بالتحديث فلا يحتج بحديثه، فمن أين تأتي الجودة إذن لهذا الأثر؟

خامسا: قوله عقب أثر علي المذكور: وكذا أخرجه البيهقي رواية عن عائشة من طريق قتادة في الباب.

قلت: وهذا تدليس آخر فإن حديث قتادة في الباب عند البيهقي (1/106) عن معاذة عن عائشة أنها قالت:

" مرن أزواجكن أن يغسلوا عنهم أثر الغائط والبول، فإني أستحييهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ".

ثم رواه من طريق أخرى نحوه بلفظ: " فأمرتهن أن يستنجين بالماء " وهو مخرج في " الإرواء " (42) .

 

(3/118)

 

 

فأنت ترى أنه ليس فيه ذكر للحجارة إطلاقا، فكيف جاز له أن يجعله مثل أثر علي في الجمع بين الماء والحجارة؟ لا يقال: لعله اغتر بإيراد البيهقي له في " باب الجمع في الاستنجاء بين المسح بالأحجار والغسل بالماء "، لأننا نقول: إن ذلك خطأ أوتساهل من البيهقي لا يجوز لمن يدعي التحقيق انتصارا لمذهبه أن يقلد من أخطأ مثل هذا الخطأ البين، لا سيما إذا كان مخالفا له في المذاهب، وخاصة إذا نبه على ذلك من كان موافقا له في المذهب، ألا وهو الشيخ ابن التركماني، فإنه تعقب البيهقي لإيراده في هذا الباب حديث عتبة المتقدم وحديث عائشة هذا، فقال في كل منهما: ليس في الحديث ذكر المسح بالأحجار فهو غير مطابق للباب.

فلا أدري كيف استجاز المومى إليه تجاهل هذه الحقيقة؟

وكم في كتابه من أمور كثيرة لوتتبعها الباحث لملأت مجلدا ضخما بل مجلدات، ولكن ذلك يحتاج إلى وقت وفراغ، وهيهات ذلك هيهات، ولكن لعلنا ننبه على شيء من ذلك كلما سنحت لنا الفرصة، فإنه قد قيل منذ القديم: " ما لا يدرك كله، لا يترك جله أوكله ".

1032 - " من طلب الدنيا حلالا استعفافا عن المسألة وسعيا على أهله، وتعطفا على جاره، بعثه الله يوم القيامة، ووجهه مثل القمر ليلة البدر، ومن طلبها حلالا متكاثرا بها مفاخرا لقي الله وهو عليه غضبان ".

ضعيف.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (2/110 و8/215) من طريق الحجاج بن فرافصة عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعا، وقال:

غريب من حديث مكحول، لا أعلم له راويا عنه إلا الحجاج.

قلت: وهو ضعيف لسوء حفظه، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال:

قال أبو زرعة: ليس بالقوي.

وقال الحافظ في " التقريب:

صدوق عابد، يهم.

 

(3/119)

 

 

قلت: وفيه علة أخرى وهي الانقطاع بين مكحول وأبي هريرة، فإنه لم يسمع منه كما قال البزار.

1033 - " كان سليمان نبي الله عليه السلام إذا قام في مصلاه رأى شجرة ثابتة بين يديه، فيقول: ما اسمك؟ فتقول: كذا، فيقول: لأي شيء أنت؟ فتقول: لكذا وكذا، فإن كانت لدواء كتب، وإن كان لغرس غرست، فبينما هو يصلي يوما إذ رأى شجرة ثابتة بين يديه، فقال؟ ما اسمك؟ قالت: الخرنوب، قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، قال سليمان عليه السلام: اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب، قال: فتحتها عصا فتوكأ [حولا ميتا والجن تعمل] ، قال: فأكلها الأرضة فسقط، فخر، فوجوده ميتا حولا، فتبينت الإنس أن الجن لوكانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين، وكان ابن عباس يقرؤها هكذا، فشكرت الجن الأرضة، فكانت تأتيها بالماء حيث كانت.

ضعيف مرفوعا.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (12281) والحاكم (4/197 ـ 198 و402) والضياء المقدسي في " المختارة " (61/249/1) وابن جرير وابن أبي حاتم كما في " ابن كثير " (3/529) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (7/300/1) من طريق إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحاكم:

صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

قلت: وفيه نظر من وجهين:

الأول: أن عطاء بن السائب كان اختلط، وليس ابن طهمان ممن روى عنه قبل الاختلاط، وقد خالفه جرير فقال: عن عطاء بن السائب به موقوفا على ابن عباس.

أخرجه الحاكم (2/423) وصححه أيضا ووافقه الذهبي.

 

(3/120)

 

 

الثاني: أن عطاء قد خولف في رفعه، فقد رواه سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير به موقوفا على ابن عباس أيضا.

أخرجه الحاكم (4/198) وابن عساكر من طريق الأحوص بن جواب الضبي: حدثنا عبد الجبار بن عباس الهمداني عن سلمة بن كهيل به.

قلت: وهذا سند صحيح لا علة فيه، وهو يشهد أن أصل الحديث موقوف كما رواه جرير عن عطاء، وهو الصواب، وهو الذي رجحه الحافظ ابن كثير مع أنه لم يقف على رواية جرير هذه الموقوفة، ولا على رواية سلمة بن كهيل المؤيدة لها، فكيف به لووقف عليهما؟ فقال رحمه الله:

وفي رفعه غرابة ونكارة، والأقرب أن يكون موقوفا، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني (1) له غرابات، وفي بعض حديثه نكارة، ثم ذكره موقوفا من وجه آخر عن ابن عباس، وعن ابن مسعود أيضا ثم قال:

هذا الأثر والله أعلم إنما هو مما تلقي من علماء أهل الكتاب، وهي وقف، لا يصدق منه إلا ما وافق الحق، ولا يكذب منها إلا ما خالف الحق، والباقي لا يصدق ولا يكذب.

قلت: ومن النوع الذي خالف الحق الحديث الآتي:

1034 - " وقع في نفس موسى: هل ينام الله تعالى ذكره؟ فأرسل الله إليه ملكا، فأرقه ثلاثا، ثم أعطاه قارورتين، في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، قال: فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى، ثم نام نومة فاصطفقت يداه، وانكسرت القارورتان، قال: ضرب الله مثلا أن الله لوكان ينام لم تستمسك السموات والأرض ".

منكر.

أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (رقم 5780 ج5) : حدثنا إسحاق بن أبي

__________

(1) كذا الأصل، ولعله سبق قلم من ابن كثير، وإلا فالحديث من رواية عطاء بن السائب كما ترى، وليس لعطاء بن أبي مسلم الخراساني فيه ذكر. اهـ.

 

(3/121)

 

 

إسرائيل قال: حدثنا هشام بن يوسف عن أمية بن شبل عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى صلى الله عليه وسلم على المنبر قال: فذكره.

وأخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17/190/2) عن إسحاق به، ثم قال:

تابعه يحيى بن معين عن هشام، ورواه معمر عن الحكم فجعله من قول عكرمة.

قلت: ثم ساقه هو وابن جرير (5779) من طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " أن موسى سأل الملائكة: هل ينام الله؟ فأوحى الله إلى الملائكة وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثا.. الحديث مثله.

قلت: وآفة هذا الحديث عندي الحكم بن أبان هذا، وهو العدني فإنه وإن كان وثقه جماعة كابن معين وغيره، فقد قال ابن المبارك: ارم به، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال:

ربما أخطأ، وقال الحافظ في " التقريب ":

صدوق عابد وله أوهام.

قلت: فالظاهر من مجموع كلام الأئمة فيه ما أشار إليه الحافظ: أنه كان ثقة في نفسه، ولكنه كان يخطىء أحيانا بسبب شيء في حفظه، ولعله أتي من كثرة عبادته وغلوه فيها، كما هو المعهود في أمثاله من الصالحين! فقد روى ابن أبي حاتم (1/2/113) بسند صحيح عن ابن عيينة قال: قدم علينا يوسف بن يعقوب قاض كان لأهل اليمن وكان يذكر منه صلاح (1) فسألته عن الحكم بن أبان فقال: ذاك سيد أهل اليمن، كان يصلي من الليل، فإذا غلبته عيناه نزل إلى البحر، فقام في الماء يسبح مع دواب البحر!

__________

(1) ترجمه ابن أبي حاتم (4/2/233) وذكر عن أبيه أنه قال: " لا أعرفه، هو شيخ مجهول ". وقال الذهبي عقبه: " قلت: كان قاضي صنعاء ومفتيها، وهو صدوق إن شاء الله ". وأقره الحافظ في " اللسان " قلت: وقد توبع على هذا الخبر، فراجع له " الحلية " (10/141) . اهـ.

 

(3/122)

 

 

قلت: فمثل هذه العبادة والغلوفيها حري بصاحبها أن لا يظل محتفظا بذاكرته التي متعه الله بها والاستفادة منها بضبط الحديث وحفظه!

وإن اضطرابه في هذا الحديث لمن أقوى الأدلة على عدم ضبطه لحديثه، فهو تارة يرويه عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا، وتارة عن عكرمة من قوله لا يتعداه، وهذا هو اللائق بمثل هذا الحديث أن يكون موقوفا على عكرمة وهو تلقاه من بعض أهل الكتاب، فهو من الإسرائيليات التي لا يجب علينا التصديق بها، بل هو مما يجب الجهر بتكذيبه وبيان بطلانه، كيف لا؛ وفيه أن موسى كليم الله يجهل تنزه الله تبارك وتعالى عن السهو والنوم فيتساءل في نفسه: هل ينام الله؟ ؟ !

وهل هذا إلا كما لوقال قائل: هل يأكل الله تبارك وتعالى؟ هل كذا، هل كذا، وغير ذلك مما لا يخفى بطلانه على أقل مسلم! ولهذا صرح بضعف هذا الحديث غير واحد من العلماء، فقال القرطبي في " تفسيره " (1/273) :

ولا يصح هذا الحديث، ضعفه غير واحد، منهم البيهقي.

وقال الذهبي في ترجمة أمية بن شبل:

يماني، له حديث منكر، رواه عن الحكم بن أبان بن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا قال: وقع ... الحديث، رواه عنه هشام بن يوسف وخالفه معمر عن الحكم عن عكرمة قوله، وهو أقرب، ولا يسوغ أن يكون هذا وقع في نفس موسى عليه السلام، وإنما روي أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام عن ذلك.

وأقره الحافظ في " اللسان ".

وقال الحافظ ابن كثير بعد أن ساق رواية معمر الموقوفة على عكرمة (1/308) :

وهو من أخبار بني إسرائيل، وهو مما يعلم أن موسى لا يخفى عليه مثل هذا من أمر الله عز وجل، وأنه منزه عنه، وأغرب من هذا كله الحديث الذي رواه ابن جرير: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قلت: فساقه مرفوعا كما تقدم، ثم قال:

وهذا حديث غريب جدا، والأظهر أنه إسرائيلي لا مرفوع، والله أعلم ".

 

(3/123)

 

 

ثم ذكر من رواية ابن أبي حاتم بسنده عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: " أن بني إسرائيل قالوا: يا موسى هل ينام ربك؟ قال: اتقوا الله، فناداه الله عز وجل: يا موسى سألوك هل ينام ربك، فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل، ففعل موسى فلما ذهب من الليل ثلث نعس، فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا، فقال: يا موسى لوكنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكت كما هلكت الزجاجتان في يديك، فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم آية الكرسي.

قلت: وهذا هو الأشبه بهذه القصة أن تكون من سؤال بني إسرائيل لموسى، لا من سؤال موسى لربه تبارك وتعالى، ومثل هذا ليس غريبا من قوم قالوا لموسى:

" أرنا الله جهرة "! على أن في سنده جعفر بن أبي المغيرة، وثقه أحمد وابن حبان، لكن قال ابن منده:

ليس بالقوي في سعيد بن جبير، والله أعلم.

1035 - " تفترق أمتى على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة، إلا فرقة واحدة وهي الزنادقة ".

موضوع بهذا اللفظ.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (4/201 - بيروت) ومن طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " (1/267) من طريق معاذ بن ياسين الزيات: حدثنا الأبرد بن الأشرس عن يحيى بن سعيد عن أنس مرفوعا.

ثم رواه هو والديلمي (2/1/41) من طريق نعيم بن حماد: حدثنا يحيى بن اليمان عن ياسين الزيات عن سعد بن سعيد الأنصاري عن أنس به.

ورواه ابن الجوزي عن الدارقطني من طريق عثمان بن عفان القرشي: حدثنا أبو إسماعيل الأبلي حفص بن عمر عن مسعر عن سعد بن سعيد به.

 

(3/124)

 

 

ثم قال ابن الجوزي:

قال العلماء: وضعه الأبرد، وسرقه ياسين الزيات، فقلب إسناده وخلط، وسرقه عثمان بن عفان وهو متروك، وحفص كذاب، والحديث المعروف: " واحدة في الجنة، وهي الجماعة ".

ونقله السيوطي في " اللآليء " (1/128) وأقره، وكذا أقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (1/310) والشوكاني في " الفوائد المجموعة " (502) وغيرهم وأقول: في الطريق الأولى معاذ بن ياسين، قال العقيلي:

مجهول، وحديثه غير محفوظ.

قلت: يعني هذا الحديث ثم قال:

هذا حديث لا يرجع منه إلى صحة، وليس له أصل من حديث يحيى بن سعيد ولا من حديث سعد.

قلت: وشيخه الأبرد بن الأشرس شر منه، قال الذهبي:

قال ابن خزيمة: كذاب وضاع، قلت: حديثه: تفترق أمتي.... فذكره، وزاد الحافظ في " اللسان ":

وهذا من الاختصار المجحف المفسد للمعنى، وذلك أن المشهور في الحديث: كلها في النار، فقال هذا!

قلت: وفي الطريق الثانية ثلاثة من الضعفاء على نسق واحد، نعيم ويحيى وياسين، وذا شرهم، فقد قال البخاري فيه: منكر الحديث.

وقال النسائي وابن الجنيد: متروك.

وقال ابن حبان:

 

(3/125)

 

 

يروي الموضوعات.

قلت: فهو المتهم بهذا، ولعله سرقه من الأبرد كما سبق في كلام ابن الجوزي، فقد ذكر الحافظ في ترجمته من " اللسان " أن له طريقا أخرى عنه، رواه الحسن بن عرفة عنه عن يحيى بن سعيد، فقد اضطرب فيه، قال الحافظ:

فقال تارة عن يحيى بن سعيد، وتارة عن سعد بن سعيد، وهذا اضطراب شديد سندا ومتنا، والمحفوظ في المتن: " تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: وما تلك الفرقة؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي " وهذا من أمثلة مقلوب المتن ".

قلت: وهذا المتن المحفوظ قد ورد عن جماعة من الصحابة منهم أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد وجدت له عنه وحده سبع طرق، خرجتها في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " بلفظ: " افترقت اليهود ... "، وخرجته هناك من حديث أبي هريرة ومعاوية وأنس وعوف بن مالك رضي الله عنهم برقم (203 و204 و1492) ، وذلك مما يؤكد بطلان الحديث بهذا اللفظ الذي تفرد به أولئك الضعفاء، وخاصة ياسين الزيات هذا، فقد خالفه من هو خير منه: عبد الله بن سفيان، فرواه عن يحيى بن سعيد عن أنس باللفظ المحفوظ كما بينته هناك.

وفي الطريق الثالثة: عثمان بن عفان القرشي وهو السجستاني قال ابن خزيمة:

أشهد أنه كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومثله شيخه حفص بن عمر الأبلي، قال العقيلي في " الضعفاء " (1/275) :

يروي عن شعبة ومسعر ومالك بن مغول والأئمة؛ البواطيل.

وقال أبو حاتم: كان شيخا كذابا.

 

(3/126)

 

 

1036 - " القرآن ذلول ذووجوه، فاحملوه على أحسن وجوهه ".

ضعيف جدا.

رواه الدارقطني (ص 485) عن زكريا بن عطية: أخبرنا سعيد بن خالد: حدثني محمد ابن عثمان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، وفيه علل ثلاث:

الأولى: جهالة محمد بن عثمان قال ابن أبي حاتم (4/1/24) :

سمعت أبي يقول: هو مجهول.

الثانية: سعيد بن خالد لم أعرفه.

الثالثة: زكريا بن عطية قال ابن أبي حاتم (1/2/599) :

سألت أبي عنه فقال: منكر الحديث.

وقال العقيلي:

هو مجهول.

 

(3/127)

 

 

1037 - " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه، وليغسله ثلاث مرات ".

منكر بلفظ (ثلاث) .

أخرجه ابن عدي في " الكامل ": حدثنا أحمد بن الحسن الكرخي - من كتابه - حدثنا الحسين الكرابيسي: حدثنا إسحاق الأزرق: حدثنا عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، ثم أخرجه عن عمر بن شبة: حدثنا إسحاق الأزرق به موقوفا، وقال:

لم يرفعه غير الكرابيسي، والكرابيسي لم أجد حديثا منكرا غير هذا، وإنما حمل عليه أحمد بن حنبل من جهة اللفظ بالقرآن، فأما في الحديث فلم أر به بأسا.

__________

(1) وقع في مطبوعة " الكامل " (2/776 - تحقيق لجنة من المختصين!) : " الزهري " مكان " أبي هريرة "! وكم في هذه المطبوعة من أخطاء لا تعد ولا تحصى!. اهـ.

 

(3/127)

 

 

ذكره ابن التركماني في " الجوهر النقي " (1/241 - 242) ثم تلميذه الزيلعي في " نصب الراية " (1/131) وزاد هذا:

ورواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (1/333) من طريق ابن عدي ثم قال:

هذا حديث لا يصح، لم يرفعه غير الكرابيسي، وهو ممن لا يحتج بحديثه، انتهى.

وقال البيهقي في " كتاب المعرفة ": حديث عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات، تفرد به عبد الملك من بين أصحاب عطاء، ثم عطاء من بين أصحاب أبي هريرة، والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هريرة يروونه " سبع مرات "، وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات، ولمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض رواياته تركه شعبة بن الحجاج، ولم يحتج به البخاري في " صحيحه " وقد اختلف عليه في هذا الحديث، فمنهم من يرويه عنه مرفوعا، ومنهم من يرويه عنه من قول أبي هريرة، ومنهم من يرويه عنه من فعله، قال: وقد اعتمد الطحاوي الرواية الموقوفة في نسخ حديث السبع، وأن أبا هريرة لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه! وكيف يجوز ترك رواية الحفاظ الأثبات من أوجه كثيرة لا يكون مثلها غلطا، برواية واحد قد عرف بمخالفته الحفاظ في بعض حديثه؟.

قلت: الحق أن عبد الملك ثقة مأمون كما قال الترمذي، وقد احتج به مسلم، ولا نعلم لمن ضعفه حجة يمكن الاعتماد عليها، وقد وثقه جماعات من الأئمة الكبار فراجع كلماتهم فيه في " التهذيب "، ومن أحسنهم وأعدلهم قولا فيه أبو حاتم وابن حبان، فقد ذكره في " كتاب الثقات " وقال:

ربما أخطأ، وكان من خيار أهل الكوفة وحفاظهم، والغالب على من يحفظ ويحدث أن يهم، وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبت، صحت عنه السنة بأوهام يهم فيها، والأولى فيه قبول ما يروي بتثبت، وترك ما صح أنه وهم فيه، ما لم يفحش، فمن غلب خطؤه على صوابه استحق الترك.

قلت: وقد تبين للعلماء أنه أخطأ في هذا الحديث في ثلاثة مواضع:

الأول: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والوقف فيه أرجح.

 

(3/128)

 

 

الثاني: روايته بلفظ " ثلاث "، وإنما هو بلفظ " سبع ".

الثالث: لم يذكر فيه الترتيب، وهو ثابت، إلا أن الخطأ الأول يترجح عندي أنه من بعض الرواة عنه وإليك البيان:

أما الأول: فقد رواه الكرابيسي عن إسحاق الأزرق عن عبد الملك بسنده مرفوعا كما تقدم، وقال ابن عدي:

لم يرفعه غير الكرابيسي.

قلت: والكرابيسي هذا وإن كنا نقطع أنه وهم في رفع هذا الحديث عن إسحاق الأزرق كما يشير إلى ذلك كلام ابن عدي المذكور فإنا لم نجد فيها ذكروه فيه من أقوال الأئمة ما يمكن جرحه به، إلا قول ابن الجوزي هنا: لا يحتج بحديثه، فإن كان يعني جملة حديثه كما هو ظاهر عبارته، فهو جرح غير مقبول من مثله، لأنه مما لم يسبق إليه من أحد من الأئمة المتقدمين، ولأنه جرح مبهم غير مفسر، وما كان كذلك فلا يعتد به، كما هو مقرر في " المصطلح "، وإن كان يعني بذلك حديثه هذا، فهو كما قال، فإذن الرجل في نفسه ثقة، والأصل في مثله أن يحتج بحديثه، إلا ما ثبت وهمه فيه فيرد، ومن الثابت أنه وهم في هذا الحديث، فقد رواه عمر بن شبة عن إسحاق الأزرق موقوفا كما سبق، وعمر بن شبة ثقة مثل الكرابيسي أوخير منه، فقد صرح جماعة من الأئمة بتوثيقه كالدارقطني والخطيب وغيرهما ولم يتكلم فيه أحد بسوء، وتترجح روايته على رواية الكرابيسي بمتابعة سعدان بن نصر إياه، واسمه سعيد والغالب عليه سعدان، قال أبو حاتم:

صدوق، ووثقه الدارقطني، وأخرج متابعته هذه في " السنن " (ص 24) .

وإن مما يؤيد أن رفعه وهم، وأنه ليس من عبد الملك أنه رواه عبد السلام بن حرب عند الطحاوي (1/13) وأسباط بن محمد عند الدارقطني كلاهما عن عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة موقوفا، وقال الدارقطني:

هذا موقوف، ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء، وعبد السلام بن حرب وأسباط بن محمد ثقتان حجتان، فإذا انضم إليهما إسحاق

 

(3/129)

 

 

الأزرق وهو ثقة أيضا، من رواية عمر بن شبة وسعدان عنه تبين بوضوح أن المحفوظ في هذه الطريق الوقف، وأن رفعه من الكرابيسي عن الأزرق وهم منه عليه، فلا تغتر بعد هذا البيان بقول أحد المتأخرين في كتابه " معارف السنن " (1/325) :

وبالجملة هذا المرفوع صحيح أوحسن، فإن ذلك منه جري على ظاهر حال رجال إسناده وهو كونهم ثقاتا، دون اكتراث منه إلى ضرورة توفر بقية شروط الحديث الصحيح فيه التي منها أن لا يشذ ولا يعل! وما يحمله على ذلك إلا الانتصار للمذهب، ولو على حساب الحديث الصحيح! نسأل الله السلامة، ثم وقفت على عجيبة أخرى من التعصب، فإن المؤلف المشار إليه بعد تلك الكلمة أحال فيما سماه بـ " البحث الشافي " إلى مصادر لبعض الحنفية المتعصبة، منها " البحر الرائق " لابن نجيم المصري، فلما رجعت إليه فإذا به يخالف المؤلف المشار إليه فيما ذهب إليه من التصحيح، فإنه سلم بضعف هذا الحديث المرفوع، ولكن قواه بالحديث الموقوف!!

وتفصيل هذه العجيبة أنه قال ما معناه:

روي عن أبي هريرة فعلا وقولا، مرفوعا وموقوفا من طريقين: الأولى طريق الدارقطني الموقوفة، والأخرى المرفوعة هذه.

ووجهها أن ما سماه بالطريقين مدارهما على عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة، فهي طريق واحدة، وإنما بعض الرواة وهم على عبد الملك فرفعه كما سبق تحقيقه، فالطريق إذا واحدة وبناء على هذا التقسيم الخيالي قال ابن نجيم:

ومن المعلوم أن الحكم بالضعف والصحة إنما هو في الظاهر، أما في نفس الأمر فيجوز صحة ما حكم بضعفه ظاهرا، وثبوت كون مذهب أبي هريرة ذلك؛ قرينة تفيد أن هذا مما أجاده الراوي المضعف، وحينئذ يعارض حديث السبع يعني المتفق على صحته! ويقدم عليه!

قلت: ولا يخفى بطلان هذا الكلام على ذي إنصاف وعلم، وأما المتعصب الهالك في تعصبه فلا تفيده الأدلة ولوأتيته بك آية! وبيان ما ذكرت من البطلان من وجوه: يأتي

 

(3/130)

 

 

ذكرها فيما بعد لأني أريد أن أتابع الكلام على الخطأين الآخرين فأقول:

وأما الموضع الثاني، وهو أن عبد الملك رواه عن عطاء عن أبي هريرة موقوفا بلفظ " ثلاث "، فقد خالفه حماد بن زيد عن أيوب عن محمد وهو ابن سيرين عن أبي هريرة قال في الكلب يلغ في الإناء؛ قال: يهراق ويغسل سبع مرات.

أخرجه الدارقطني (ص 24) وقال:

صحيح موقوف.

وعلقه البيهقي (1/242) عن حماد، ثم قال: وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث، وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات.

وقال الحافظ في " الفتح " (1/222) .

ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد، ومن حيث النظر، أما النظر فظاهر، وأما الإسناد، فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه، وهذا من أصح الأسانيد، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك ... وهو دون الأول في القوة بكثير.

قلت: ولعله مما يؤيد أرجحية رواية حماد بن زيد عن أيوب أنه قد رواه هشام بن حسان عن محمد بن سيرين مثله.

أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (3/268) وسنده صحيح، ولا يخالفه أنه أخرجه أيضا من طريق معتمر بن سليمان قال: سمعت أيوب يحدث عن محمد عن أبي هريرة مرفوعا به.

لأن الراوي قد يرفع الحديث تارة ويوقفه أخرى فهو صحيح مرفوعا وموقوفا.

وأما الموضع الثالث: فقد ثبت في حديث هشام بن حسان المتقدم ذكر التراب بلفظ:

 

(3/131)

 

 

" طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب ".

وهذا أولى من حديث عبد الملك عن عطاء لوجوه:

الأول: أن إسناده أصح من إسناد عبد الملك كما سبق في كلام الحافظ.

الثاني: أنه قد جاء مرفوعا من طريق هشام به.

أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " وغيرهما كما بينته في " صحيح أبي داود " (رقم 64) .

وجاء ذكر التراب مع التسبيع من طريقين آخرين عن أبي هريرة.

أخرجهما الدارقطني وقال في أحدهما: هذا صحيح، وهو كما قال.

وله طريق رابعة عند البزار ذكرتها في المصدر السابق.

الثالث: أن له شاهدا من حديث عبد الله بن مغفل مرفوعا بلفظ:

" إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة في التراب ".

وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " وابن الجارود في " المنتقى " (رقم 53) وغيرهم، وقال ابن منده:

إسناد مجمع على صحته، انظر " صحيح أبي داود " (رقم 67) .

وأما التسبيع وحده فله طرق كثيرة جدا عن أبي هريرة تكاد تكون متواترة، فقد أخرج مسلم وأبو عوانة أربعا منها، وسبق أربع أخرى في التتريب فهي ثمان، فإذا انضم إليها حديث عبد الله بن عمر عند ابن ماجه (1/149) بسند صحيح، وحديث عبد الله بن مغفل المذكور آنفا، فالمجموع عشر طرق عن ثلاثة من الأصحاب، فهل يبقى بعد هذا البيان أدنى شك لدى أي منصف في كون حديث أبي هريرة في التثليث شاذا، بل منكرا كما وصفه ابن عدي، بل باطلا كما هو ظاهر؟ !

وخلاصة القول: إن الذي روي عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا من التثليث مع ترك

 

(3/132)

 

 

ذكر التتريب لا يصح من قبل إسناده، بل هو باطل لمخالفته ما ثبت عنه يقينا مرفوعا من التسبيع والتتريب، مع ثبوت ذلك عنه موقوفا، فهو الذي يجب الاعتماد عليه في هذه المسألة لا سيما وقد شهد له حديث عبد الله بن مغفل وحديث عبد الله بن عمر، وإن من عجائب الحنفية أيضا أنهم استجازوا معارضة كل هذه الطرق عن أبي هريرة، والشواهد المذكورة بطريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة وهي وحيدة استجازوا ذلك إحسانا منهم للظن به رضي الله عنه، وهو غير ثابت عنه!، وغفلوا عن أن ذلك يستلزم إساءة الظن به بالنظر إلى

الروايات الثابتة عنه بالتسبيع، وبمن وافقه من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين!!

1038 - " لكم (يعني الجن) كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم ".

أخرجه مسلم (2/36) وابن خزيمة في " صحيحه " (رقم 82) والبيهقي (1/108 - 109) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن داود عن عامر قال:

سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير أواغتيل، قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل (حراء) ، قال: فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم.

وسألوه الزاد، فقال: فذكره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم من الجن ".

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، ولكنه معلول بعلتين:

 

(3/133)

 

 

الأولى: إن قوله: " وسألوه الزاد ... " إلخ مدرج في الحديث ليس من مسند ابن مسعود بل هو عن الشعبي قال: وسألوه الزاد إلخ، فهو مرسل، كما بينه البيهقي بقوله عقبه:

رواه مسلم في " الصحيح " هكذا، ورواه عن علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن داود بن أبي هند بهذا الإسناد إلى قوله: وآثار نيرانهم، قال الشعبي:

وسألوه الزاد، وكانوا من جن الجزيرة، إلى آخر الحديث من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد الله.

قلت: هكذا هو في " الصحيح " عقب رواية عبد الأعلى المتقدمة، وهكذا رواه الترمذي في " سننه " (4/183) قال: حدثنا علي بن حجر به، إلا أنه قال:

" كل عظم لم يذكر اسم الله عليه " كما يأتي بيانه في " العلة الأخرى " وكذلك رواه البيهقي بسندين له عن علي بن حجر به، إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما أحال فيه على لفظ عبد الأعلى فكأنه عنده بلفظه: " كل عظم ذكر ... ". ثم قال:

ورواه محمد بن أبي عدي عن داود إلى قوله: " وآثار نيرانهم "، ثم قال: قال داود: ولا أدري في حديث علقمة أوفي حديث عامر أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة الزاد فذكره.

ثم ساق البيهقي إسناده إلى محمد بن أبي عدي به، ثم قال:

ورواه جماعة عن داود مدرجا في الحديث من غير شك.

ورواية إسماعيل بن علية قد أخرجها الإمام أحمد أيضا مقرونا مع رواية غيره من الثقات فقال: (4149) : حدثنا إسماعيل: أخبرنا داود وابن أبي زائدة - المعنى - قالا: حدثنا داود به مثل رواية إسماعيل عند مسلم.

وتابعهما يزيد بن زريع قال: حدثنا داود بن أبي هند به.

أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (1/219) ، وأخرجه الطيالسي أيضا في

 

(3/134)

 

 

" مسنده " (1/47) لكنه أدرجه في الحديث ولم يفصله عنه! وقد قرن بروايته وهيب بن خالد ثم أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن إدريس عن داود به إلى قوله: " وآثار نيرانهم "، ولم يذكر ما بعده إطلاقا.

وجملة القول: إن أصحاب داود بن أبي هند اختلفوا عليه في هذه الزيادة على وجوه: الأول: أنها من مسند ابن مسعود، كذلك رواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى ووهيب ابن خالد، وكذا يزيد بن زريع وعبد الوهاب بن عطاء في إحدى الروايتين عنهما.

الثاني: أنها من مرسل الشعبي، وليس من مسند ابن مسعود، جزم بذلك عن داود إسماعيل بن علية وابن أبي زائدة، ويزيد بن زريع في الرواية الأخرى عنه.

ويمكن أن يلحق بهؤلاء عبد الله بن إدريس فإنه لم يذكرها أصلا كما سبق، ولو كانت عنده من مسند ابن مسعود لذكرها إن شاء الله تعالى.

الثالث: أن داود شك في كونها من مسند ابن مسعود، أومن مرسل الشعبي، كذلك رواه عنه محمد بن أبي عدي وعبد الوهاب بن عطاء في الرواية الأخرى عنه.

ولا يخفى على الخبير بهذا العلم الشريف أن هذا الاختلاف إنما يدل على أن المختلف عليه وهو داود بن أبي هند لم يضبط هذا الحديث ولم يحفظه جيدا، ولذلك اضطرب فيه على الوجوه الثلاثة التي بينتها، ولا يمكن أن يكون ذلك من الرواة عنه لأنهم جميعا ثقات، فكل روى ما سمع منه، وإذا كان كذلك فالاضطراب دليل على ضعف الحديث كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث لأنه يشعر بأن راويه لم يحفظه.

 

(3/135)

 

 

هذا ما تحرر لدي أخيرا، وأما الدارقطني فقد أعله بالإرسال فقال كما في " شرح مسلم " للنووي:

انتهى حديث ابن مسعود عند قوله: " فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم "، وما بعده من قول الشعبي، كذا رواه أصحاب داود الراوي عن الشعبي: ابن علية وابن زريع، وابن أبي زائدة وابن إدريس وغيرهم. هكذا قال الدارقطني وغيره،

ومعنى قوله: إنه من كلام الشعبي أنه ليس مرويا عن ابن مسعود بهذا الحديث، وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

قلت: قول الشعبي: " وسألوه الزاد ... " صريح في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا داعي لقول النووي: " فالشعبي لا يقول ... " إلخ. فإن مثل هذا إنما يقال فيما ظاهره الوقف كما لا يخفى.

العلة الأخرى: الاضطراب في متنه أيضا على داود، فعبد الأعلى يقول عنه:

كل عظم ذكر اسم الله عليه " وتابعه على ذلك إسماعيل بن علية وابن أبي زائدة عند أحمد وعبد الوهاب بن عطاء عند الطحاوي.

وخالف هؤلاء وهيب بن خالد ويزيد بن زريع عند الطيالسي وعند أبي عوانة عن يزيد وحده فقالا: " كل عظم لم يذكر اسم الله عليه ".

واختلفوا على إسماعيل بن علية فرواه أحمد عنه كما سبق، وتابعه علي بن حجر عن إسماعيل عند مسلم، وخالفه الترمذي فقال: حدثنا علي بن حجر به باللفظ الثاني: " لم يذكر.. ".

وهذا الاختلاف على داود في ضبط متن الحديث مما يؤكد ضعفه، وأن داود لم يكن قد حفظه.

ثم رجعت إلى ترجمته من " التهذيب " فوجدت بعض الأئمة قد صرحوا بهذا الذي ذكرته فيه، فقال ابن حبان:

 

(3/136)

 

 

كان من خيار أهل البصرة، من المتقنين في الروايات، إلا أنه كان يهم إذا حدث من حفظه.

وقال أحمد:

" كان كثير الاضطراب والخلاف ".

قلت: واضطراب داود في هذا الحديث من أقوى الأدلة على هذا الذي قاله فيه الإمام أحمد، فرحمه الله، وجزاه خيرا، ما كان أعلمه بأحوال الرجال!

وخلاصة الكلام في هذا الحديث أنه ضعيف للاضطراب في سنده ومتنه، ولم أجد له شاهدا نقويه به، بل هو مخالف بظاهره لحديث أبي هريرة: " أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال:

من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة فقال: ابغني أحجارا أستنفض بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة " فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي، حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت معه، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين - ونعم الجن - فسألوني الزاد، فدعوت الله أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعما، وفي لفظ: طعاما ".

أخرجه البخاري (7/136) والطحاوي (1/74) والبيهقي (1/107 - 108) .

قلت: ووجه المخالفة أن ظاهره أن العظم والروثة زاد وطعام للجن أنفسهم، وليس شيء من ذلك لدوابهم، والتوفيق بينه وبين حديث ابن مسعود بحمل الطعام فيه على طعام الدواب كما فعل الحافظ في " الفتح " وتبعه الصنعاني في " سبل السلام " (1/123) ، لا بأس به لوثبت حديث ابن مسعود بإسناد آخر بلفظ يغاير بظاهره اللفظ السابق، وهو:

أولئك جن نصيبين سألوني المتاع - والمتاع الزاد - فمتعتهم بكل عظم حائل،

 

(3/137)

 

 

أو بعرة أو روثة، فقلت: يا رسول الله، وما يغني ذلك عنهم؟ قال: إنهم لن يجدوا عظما، إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت، فلا يستنقين أحد منكم إذا خرج من الخلاء بعظم ولا بعرة ولا روثة.

أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (26/32 ـ طبع البابي الحلبي) عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي أنه قال لابن مسعود: حدثت أنك كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن، قال: أجل، قال: فكيف كان؟

فذكر الحديث كله، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خط عليه خطا وقال: لا تبرح منها، فذكر أن مثل العجاجة السوداء غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذعر ثلاث مرات، حتى إذا كان قريبا من الصبح، أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنمت؟ قلت: لا والله، ولقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول: اجلسوا، قال: لوخرجت لم آمن أن يختطفك بعضهم، ثم قال: هل رأيت شيئا؟ قال: نعم رأيت رجالا سودا مستشعري ثياب بيض، قال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف، رجاله كلهم ثقات معروفون، غير عبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي، أورده ابن أبي حاتم (2/2/117) وقال:

روى عن جابر بن عبد الله، روى عنه قتادة وأبو بشر جعفر بن إياس.

ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ومثله يورده ابن حبان في " الثقات "، ولست بطائله الآن حتى أتأكد من أنه أورده أولا. وقد ذكر الحافظ في ترجمة أبيه من " التهذيب " أنه كان من كبار رجال معاوية، وكان أميرا له على البصرة.

ثم رأيته في " الثقات " (7/51) ، ذكره فيمن روى عن التابعين، فقال: يروي عن كعب، وعنه قتادة، وحقه أن يورده في التابعين لتصريحه في هذا الحديث أنه لقي ابن مسعود وسمع منه، وفيه أنه رواه عنه يحيى بن أبي كثير، فقد روى عنه ثلاثة من الثقات، فمثله يحسن بعضهم حديثه، ولا أقل من أن يستشهد به، فلعله لذلك لما ذكره ابن كثير في " تفسيره " (4/165) من طريق ابن جرير سكت عليه.

 

(3/138)

 

 

وذكره الزيلعي في " نصب الراية " (1/144 - 145) من رواية أبي نعيم في " دلائل النبوة " عن الطبراني بسنده إلى معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عمرو بن غيلان الثقفي قال:

أتيت عبد الله بن مسعود فقلت له: حدثت أنك كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن ... الحديث، وعزاه الصنعاني في " السبل " وتبعه الشوكاني في " النيل " (1/85) لأبي عبد الله الحاكم في " دلائل النبوة " فإن عنى " دلائل النبوة " من " المستدرك " فليس فيه، والله أعلم.

ورواه الدارقطني في " سننه " (ص 29) من وجه آخر عن معاوية بن سلام به مختصرا إلا أنه قال: فلان بن غيلان وقال:

مجهول، قيل: اسمه عمرو، وقيل: عبد الله بن عمرو بن غيلان.

وبه أعله الزيلعي، فقال عقب رواية الطبراني:

وفي سنده رجل لم يسم، ولا يخفى أن هذا القول غير مستقيم بالنسبة لرواية الطبراني، فلوعزاه للدارقطني ثم ذكره عقبه لأصاب.

وللحديث طريق أخرى، يرويه أبو فزارة عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث المخزومي عن عبد الله بن مسعود به، نحوه وفيه:

قد زودتهم الرجعة، وما وجدوا من روث وجدوه شعيرا، وما وجدوه عظم وجدوه كاسيا، أخرجه أحمد (رقم 3481) ، وأبو زيد هذا قال الذهبي:

لا يعرف، قال البخاري في " الضعفاء ": لا يصح حديثه - يعني هذا - وقال أبو أحمد الحاكم: رجل مجهول، قلت: ما له سوى حديث واحد.

قلت: يعني هذا، وهو مخرج في " ضعيف أبي داود " (رقم 10) زيادة على ما هنا

 

(3/139)

 

 

وقد جاء مختصرا من طريق عبد الله بن الديلمي عن ابن مسعود قال:

قدم وفد من الجن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد! انه أمتك أن يستنجوا بعظم أوروثة أوحممة، فإن الله جعل لنا فيها رزقا، قال: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " رقم (29) ومن طريق موسى بن علي بن رباح قال: سمعت أبي يقول: عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ليلة الجن ومعه عظم حائل، وبعرة، وفحمة، فقال:

" لا تستنجين بشيء من هذا إذا خرجت إلى الخلاء ".

أخرجه أحمد (1/457) والدارقطني (1/56/7) والبيهقي (1/109 - 110) وأعلاه بعدم ثبوت سماع علي من ابن مسعود، ورده عليه ابن التركماني في " الجوهر النقي " فراجعه.

ورواه عبد الله بن صالح: حدثني موسى بن علي به أتم منه.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (9158 - بترقيمي) وقال:

لم يروعلي بن رباح عن ابن مسعود حديثا غير هذا.

قلت: وهو ثقة كابنه، فإن كان سمعه من ابن مسعود فهو صحيح من الوجه الأول.

وأما عبد الله بن صالح، ففيه ضعف، وبه أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/210) .

وبالجملة فالحديث مشهور عن ابن مسعود كما قال الحافظ في " التلخيص " (1/109) ، فهو صحيح عنه قطعا، لكن في بعض طرقه ما ليس في البعض الآخر، وقد تبين من مجموع ما أخرجنا منها أن رواية مسلم المتقدمة عن داود بن أبي هند صحيحة بتمامها إلا قوله في حديث الترجمة: " علف لدوابكم " وجملة: " اسم الله " على وجهيها، لخلوها عن شاهد، واضطراب داود في ذلك وصلا وإرسالا. ومن أجل ذلك خرجته هنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

(3/140)

 

 

1039 - " التوبة تجب ما قبلها ".

لا أعرف له أصلا.

خلافا لما يشعره صنيع الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: " فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا "، قال (3/129) : وذلك لأن التوبة تجب ما قبلها، وفي الحديث الآخر: " التائب من الذنب كمن لا ذنب له ".

فقوله: الحديث الآخر يعطي أن الذي قبله حديث، فهو في تعبيره الحديث الأول، ولذلك تورط بكلامه هذا الشيخ الرفاعي فأورده في فهرس " الحديث الشريف "! من " مختصره " (2/619) ، وليس هذا فقط بل ووضع بجانبه قوله: صح!! وكذلك فعل في الحديث الآخر، وهذا الخطب فيه سهل، فإنه معروف في بعض كتب السنة، وقد حسنته في " صحيح الجامع الصغير " (3005) بخلاف هذا فإني لا أعرف له أصلا البتة، ومع ذلك فقد صححه المذكور، هداه الله.

وفي ظني أن الحديث التبس أمره على ابن كثير ومختصره بالحديث الصحيح: " إن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها " زاد في رواية:

" وإن الحج يهدم ما كان قبله "، وهو مخرج في " الإرواء " (1280) .

 

(3/141)

 

 

1040 - " كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلي يصلي، لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه، فتوفي أبو بكر، وكان عمر، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي، لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة، وكان عثمان ابن عفان، فكانت الفتنة، فتلفت الناس يمينا وشمالا ".

منكر.

أخرجه ابن ماجه (1/501 - 502) والطبراني في " الأوسط " (رقم - 9258 - مصورتي) عن محمد بن إبراهيم بن المطلب بن السائب بن أبي وداعة السهمي: حدثني موسى بن عبد الله بن أبي أمية المخزومي: حدثني مصعب بن عبد الله عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: فذكره، وقال الطبراني:

 

(3/141)

 

 

لا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد.

قلت: وهو ضعيف، وله علتان:

الأولى: موسى بن عبد الله بن أبي أمية، أشار الذهبي إلى جهالته بقوله:

تفرد عنه محمد بن إبراهيم بن المطلب.

وصرح بذلك الحافظ في " التقريب " فقال: مجهول.

وهذا معنى قول المنذري في " الترغيب " (1/192) :

رواه ابن ماجه بإسناد حسن، إلا أن موسى بن عبد الله لم يخرج له من الستة غير ابن ماجه، ولا يحضرني فيه جرح ولا تعديل.

ونقله عنه البوصيري: محمد بن إبراهيم هذا، فيه جهالة، فإنه لم يرو عنه سوى اثنين، ولم يوثقه أحد غير ابن حبان، ولذلك لم يوثقه الحافظ، بل قال فيه:

مقبول، يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث، كما نص عليه في المقدمة، وقد تفرد بهذا الحديث ولا يعرف إلا من طريقه، فهو غير مقبول.

فتبين مما سبق أن الحديث منكر إسنادا، وهو منكر أيضا متنا عندي، وبيان هذا من وجهين:

الأول: أنه يدل على أن السنة أن ينظر القائم في صلاته موضع قدميه، وهذا خلاف المعروف الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا صلى طأطأ رأسه، ورمى ببصره نحوالأرض، وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها (1) .

__________

(1) انظر " صفة الصلاة " (ص 58 الطبعة الثالثة) ، قال السندي مشيرا إلى هذه المخالفة " لكن مختار كثير من الفقهاء أنه ينظر إلى موضع سجوده ". اهـ.

 

(3/142)

 

 

والآخر: أنه دل على أن الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم قد خالفوا سنته صلى الله عليه وسلم إلى شيء آخر، وهذا مستبعد جدا عن الصحابة إن لم يكن مستحيلا عادة، والله أعلم.

تنبيه: إيراد الحافظ المنذري هذا الحديث في " الترغيب والترهيب " مما لا يتناسب مع موضوع كتابه، لأنه ليس فيه شيء من معنى " الترغيب والترهيب " وقد نص هو في المقدمة على أنه لم يذكر فيه ما كان من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة عن زيادة نوع من موضوع كتابه إلا نادرا، في ضمن باب أونحوه.

فهذا من النادر، اللهم إلا أن يكون أورده من أجل ما في آخره من تلفت الناس يمينا وشمالا بعد الفتنة، وحينئذ فليس له علاقة بالترهيب المرفوع، فتأمل.

1041 - " من قال حين يصبح أويمسي: اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك، وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار، فمن قالها مرتين أعتق الله نصفه، ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه، فإن قالها أربعا أعتقه الله من النار ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود (2/612) عن عبد الرحمن بن عبد المجيد عن هشام بن الغاز بن ربيعة عن مكحول الدمشقي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف، وله علتان:

الأولى: عبد الرحمن بن عبد المجيد لا يعرف كما في " الميزان " وقال الحافظ في " التقريب ": مجهول.

الأخرى: أنهم اختلفوا في سماع مكحول من أنس، فأثبته أبو مسهر، ونفاه البخاري، فإن ثبت سماعه منه فالعلة عنعنة مكحول فقد قال ابن حبان:

 

(3/143)

 

 

ربما دلس.

وللحديث طريق أخرى عن أنس، فقال البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 1201) :

حدثنا إسحاق قال: حدثنا بقية عن مسلم بن زياد مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت أنس بن مالك قال: فذكره.

وكذلك رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 68) عن النسائي، وهذا في " العمل " أيضا رقم (9) : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم به، إلا أنه وقع فيه: بقية بن الوليد: حدثني مسلم بن زياد.

فصرح بقية بالتحديث، وما أراه محفوظا، ولعله خطأ من بعض النساخ، فإن الطريق مدارها كما ترى على إسحاق بن إبراهيم، وهو ابن راهويه، فالبخاري قال في روايته: (عن) ، وهو الصواب، فقد أخرجه أبو داود (2/615) والترمذي (4/258) (1) من طريقين آخرين صحيحين عن بقية عن مسلم بن زياد به نحوه وزاد بعد قوله: " لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ".

وهي عند النسائي أيضا، وقالا بدل قوله: " أعتق الله ربعه ... " " إلا غفر الله له ما أصاب في يومه ذلك، وإن قالها حين يمسي غفر الله له ما أصاب في تلك الليلة من ذنب ".

فلهذه الطريق علتان أيضا:

إحداهما: عنعنة بقية، فإنه كان معروفا بالتدليس.

والأخرى: جهالة مسلم بن زياد هذا، قال ابن القطان: حاله مجهول.

__________

(1) وأخرجه الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " (10/119) وقال: وفيه بقية وهو مدلس. اهـ.

 

(3/144)

 

 

وقال الحافظ في " التقريب ": مقبول، يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث كما تقدم مرارا.

ولا يقال: ينبغي أن يكون هنا مقبولا لمتابعة مكحول إياه، لأننا نقول: يمنع من ذلك أمور:

الأول: أن مكحولا قد رمي بالتدليس ورواه بالعنعنة كما سبق، فيحتمل أن يكون بينه وبين أنس مسلم بن زياد هذا أوغيره فيرجع الطريقان حينئذ إلى كونهما من طريق واحدة، لا يعرف تابعيها عينا أوحالا، فمن جود إسناده أوحسنه لعله لم يتنبه لهذا.

الثاني: أن الطريق إلى مسلم بن زياد لا تصح لعنعنة بقية كما عرفت.

الثالث: أنهم اختلفوا عليه في لفظ الحديث، فإسحاق رواه عنه مثل رواية مكحول، والطريقان الآخران روياه عنه بلفظ: " إلا غفر الله له ... " كما تقدم، فهذا اضطراب يدل على أن الحديث غير محفوظ، وكأنه من أجل ذلك كله، لم يصححه الترمذي، بل ضعفه بقوله: حديث غريب.

وأما ما نقله المنذري في " الترغيب " (1/227) عن الترمذي أنه قال:

حديث حسن، فهو وهم أو نسخة، ومثله وأغرب منه نقل ابن تيمية في " الكلم الطيب " (ص 11) عنه:

حديث حسن صحيح!.

 

(3/145)

 

 

1042 - " كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك ".

ضعيف.

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 271) والترمذي (4/245) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 298) وكذا النسائي (927 و928) والحاكم (4/286) والبيهقي (3/362) وأحمد (2/100 - 101) كلهم عن طريق أبي مطر عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا، وقال الترمذي:

حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وأما الحاكم فقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي!

ونقل ابن علان شارح " الأذكار " (4/284) عن ابن الجزري أنه قال في " تصحيح المصابيح ": ورواه النسائي في " عمل اليوم والليلة " والحاكم وإسناده جيد، وله طرق، وعن الحافظ أنه قال - يعني في " تخريج الأذكار " - متعقبا على النووي تضعيفه للحديث:

أخرجه أحمد وأخرجه الحاكم من طرق متعددة (بينها الحافظ ثم قال:) فالعجب من الشيخ يطلق الضعف على هذا وهو متماسك، ويسكت عن حديث ابن مسعود أي السابق فيما يقول إذا انقض الكوكب وقد تفرد به من اتهم بالكذب (1) .

قلت: لا شك أن سكوت النووي رحمه الله عن الحديث المشار إليه، مما لا يحسن من مثله، غير أن إطلاقه التضعيف على هذا الحديث فهو مما لا غبار عليه، ذلك لأن مداره عندهم جميعا على أبي مطر هذا، وهو كما قال الذهبي نفسه في " الميزان ": لا يدرى من هو، ومثله قول الحافظ في التقريب: مجهول.

__________

(1) انظر " مجمع الزوائد " (10/138) و" المعجم الأوسط " (7869) . اهـ.

 

(3/146)

 

 

فأنى لحديث مثله الصحة أوالجودة أوالتماسك؟ !

وأما الطرق المتعددة التي عزاها الحافظ للحاكم، فلا أدري أين أخرجها من كتابه " المستدرك "، فإنه لم يذكر في المكان الذي سبقت الإشارة إليه إلا طريق أبي مطر الوحيدة هذه، ومن المؤسف أن الشارح ابن علان اكتفى بقوله: بينها الحافظ ولم يبين ذلك لنطلع عليه، فإني في شك كبير أن يكون للحديث طرق متعددة خاصة في " مستدرك الحاكم "، فإني قد بحثت عنه في عدة مواضع مظنونة منه، فلم أعثر عليه إلا في الموضع الذي سبقت الإشارة إليه، وهو في " كتاب الأدب " منه، والله أعلم.

ثم رجعت إلى فهرسي الذي وضعته لـ " المستدرك " أخيرا فلم يدلني إلا على الموضع المشار إليه، والله أعلم.

تنبيه: لقد اغتر المناوي في " الفيض " بكلام ابن حجر الذي نقله ابن علان، ولذلك قال في " التيسير ": وبعض أسانيده صحيح، وبعضها ضعيف، وقلده في ذلك الشيخ الغماري في " الكنز الثمين " فأورده فيه برقم (2671) ، وقد زعم في مقدمته: أنه جرد فيه الأحاديث الثابتة في " الجامع الصغير "!

1043 - " قولي لها تتكلم، فإنه لا حج لمن لم يتكلم ".

ضعيف.

أخرجه ابن حزم في " المحلى " (7/196) من طريق عبد السلام بن عبد الله بن جابر الأحمسي عن أبيه عن زينب بنت جابر الأحمسية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في امرأة حجت معها مصمتة: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف، وعلته عبد الله بن جابر الأحمسي وابنه عبد السلام.

قال ابن القطان: لا يعرف هو ولا ابنه، وليس له إلا حديث واحد، ولا روى عنه إلا ابنه، نقله في " الميزان ".

 

(3/147)

 

 

1044 - " كان يرفع يديه عند التكبير في كل صلاة وعلى الجنائز ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني في " الأوسط " (رقم ـ 8584 مصورتي) عن عباد بن صهيب: حدثنا عبد الله بن محرر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وقال:

لم يروهذه اللفظة: وعلى الجنائز إلا ابن محرر، تفرد بها عباد.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، آفته عباد بن صهيب وعبد الله بن محرر متروكان، وأما قول الهيثمي في " المجمع " (3/32) :

رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبد الله بن محرر وهو مجهول.

قلت: فهذا سهو منه رحمه الله، فإن ابن محرر هذا معروف، ولكن بالضعف الشديد، قال فيه البخاري: منكر الحديث.

وقال الدارقطني وجماعته:

متروك الحديث، انظر " تهذيب التهذيب ".

ثم إن اقتصاره عليه في إعلال الحديث يوهم أنه ليس فيه علة أخرى، وليس كذلك، فإن عباد بن صهيب متروك أيضا كما سبق، وله ترجمة في " لسان الميزان ".

ومن ذلك تعلم أن قول الحافظ في " التلخيص " (ص 171) بعد أن ذكر قول الطبراني المتقدم: لم يروهذه اللفظة إلا ابن محرر تفرد بها عبادة:

وهما ضعيفان، وقوله في " الفتح " (3/148) :

إسناده ضعيف.

قلت: في ذلك كله تسامح كبير، فإن حقه أن يقول: ضعيفان جدا، وضعيف جدا، ومما يشهد لذلك قوله في " التقريب ":

عبد الله بن محرر متروك.

 

(3/148)

 

 

ثم رد الحافظ على الطبراني نفيه المذكور بأن الدارقطني رواه من طريق أخرى بلفظ آخر وهو:

1045 - " كان إذا صلى على الجنازة رقع يديه في كل تكبيرة، وإذا انصرف سلم ".

شاذ.

قال الزيلعي في " نصب الراية " (2/285) : أخرجه الدارقطني في " علله " عن عمر بن شبة (1) : حدثنا يزيد بن هارون: أنبأ يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر، وخالفه جماعة، فرووه عن يزيد بن هارون موقوفا، وهو الصواب.

وأقره الزيلعي ثم الحافظ في " التلخيص " (ص 171) ، وهو الحق إن شاء الله تعالى، فإن رواية الجماعة الذين أشار إليهم الدارقطني، والمفروض أنهم جميعا ثقات، وإلا لما رجح روايتهم فهؤلاء مجتمعين أحفظ وأضبط دون ما ريب من ابن شبة وحده، لا سيما وقد ذكروا له حديثا أخطأ فيه كما هو مبين في " التهذيب "، وكأن هذا مما حمل الحافظ في " التقريب " على أن يقتصر في ترجمته على قوله فيه: صدوق، فأورده في المرتبة الرابعة وهي الأخيرة عنده من مراتب التعديل، أي أنه حسن الحديث، لأن المرتبة الثالثة من وصفه بقوله: ثقة، أو متقن، أو ثبت، أوعدل، وهذه خاصة بمن كان صحيح الحديث، أما المرتبة الخامسة، فهي لمن قصر عن درجة الرابعة قليلا، وإليه الإشارة بـ صدوق سيىء الحفظ، أو صدوق يهم، أوله أوهام، أويخطىء، أو تغير بآخره، وهذه لمن كان ضعيف الحديث

أوقريبا منه.

ومما يؤيد رواية الجماعة عن يزيد بن هارون، أنه تابعه جماعة من الثقات بعضهم متابعة تامة، وبعضهم متابعة قاصرة، وهاك بيانها:

__________

(1) في الأصل " شيبة " في الموضعين والتصحيح من " التلخيص " وكتب الرجال. اهـ.

 

(3/149)

 

 

1 - قال البخاري في " رفع اليدين " (ص 33 - طبعة الإمام) : قال أحمد بن يونس: حدثنا زهير: حدثنا يحيى بن سعيد به.

وهذا سند صحيح غاية على شرط الشيخين، وزهير هو ابن معاوية بن خديج قال في " التقريب ": ثقة ثبت، وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس ينسب إلى جده، وهو كما قال الحافظ: ثقة حافظ، وهو من شيوخ البخاري فهو إسناد موصول، وإن كان في صورة المعلق كما هو مقرر في " مصطلح الحديث ".

2 - قال ابن أبي شيبة في " المصنف " (4/112) : حدثنا ابن فضيل عن يحيى به.

وهذا سند صحيح أيضا على شرطهما، ومتابعة تامة أيضا قوية من ابن فضيل واسمه محمد وثقه ابن معين وجماعة.

3 - قال عبد الله بن إدريس: سمعت عبيد الله (1) عن نافع به، أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في " رفع اليدين " والبيهقي في " السنن الكبرى " (4/44) من طرق عن إدريس به.

قلت: وهذا سند صحيح أيضا على شرطهما، رجاله كلهم ثقات أثبات، وعبيد الله هو ابن عمر المصغر، وهو ثقة، وأما أخوه عبد الله بن عمر المكبر فهو ضعيف لسوء حفظه.

4 - قال البخاري: حدثنا محمد بن عرعرة: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت نافعا به نحوه.

قلت: وهذا سند صحيح أيضا، رجاله كلهم ثقات على شرط البخاري في " صحيحه ".

فهذه أربع طرق صحيحة، كلها متفقة على رواية الحديث عن نافع عن ابن عمر

__________

(1) هكذا وقع عند البيهقي " عبيد " مصغر، ووقع عند الآخرين " عبد " مكبرا والراجح عندي الأول، لأمرين: أولا: أنه هو المذكور في شيوخ ابن إدريس، والثاني أنه وقع كذلك في " الفتح " (3/148) معزوا لجزء البخاري. اهـ.

 

(3/150)

 

 

موقوفا عليه، فإذا ضمت إلى رواية الجماعة عن يزيد بن هارون كان ذلك دليلا قاطعا إن شاء الله تعالى على التصويب روايتهم الموقوفة، وتخطئة رواية ابن شبة المرفوعة وهذا بين ظاهر، والله الموفق لا رب سواه.

فائدة: قال ابن حزم رحمه الله تعالى (5/128) :

وأما رفع الأيدي، فإنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شيء من تكبير الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط (1) ، فلا يجوز فعل ذلك، لأنه عمل في الصلاة لم يأت به نص، وإنما جاء عنه عليه السلام أنه كبر ورفع يديه في كل خفض ورفع، وليس فيها رفع ولا خفض، والعجب من قول أبي حنيفة برفع الأيدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة، ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنعه رفع الأيدي في كل خفض ورفع في سائر الصلوات، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نقل تعجب ابن حزم هذا من أبي حنيفة بعض مقلديه في تعليقه على " نصب الراية " واعترض عليه بقوله:

قلت: هذه النسبة منه أعجب.

وأقول: لا عجب، فإن قول أبي حنيفة هذا ثابت عنه، منقول في كثير من كتب أتباعه، مثل حاشية ابن عابدين وغيره، وعليه عمل أئمة بلخ من الحنفيين، وإن كان عمل الأحناف اليوم على خلافه، وعليه جرت كتب المتون، وهذا هو الذي غر المشار إليه على الاعتراض على ابن حزم والرد عليه، وهو به أولى.

1046 - " مسح رأسه، وأمسك مسبحتيه لأذنيه ".

لا أصل له.

وإن أورده الشيخ الشيرازي في " المهذب "، في بعض نسخه، فإنه لم يورده في نسخ أخرى منه متعمدة، وذلك أنه أمر بالضرب عليه، لما تبين له أنه لا أصل له، فقال النووي في شرحه عليه (1/411) :

هو موجود في نسخ المهذب المشهورة، وليس موجودا في بعض النسخ

__________

(1) انظر لهذا كتابنا " أحكام الجنائز " طبع المكتب الإسلامي (ص 115 - 116) . اهـ.

 

(3/151)

 

 

المعتمدة وهو حديث ضعيف، أو باطل لا يعرف، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهنا نكتة خفيت على أهل العناية بـ " المهذب " وهي أن مصنفه رجع عن الاستدلال بهذا الحديث، وأسقطه من " المهذب "، فلم يفد ذلك بعد انتشار الكتاب، قال: وجدت بخط بعض تلامذته في هذه المسألة من تعليقه في الخلاف في الحاشية عند استدلاله بهذا الحديث: قال الشيخ: ليس له أصل في السنن، فيجب أن تضربوا عليه في " المهذب " فإني صنفته من عشر سنين وما عرفته، قال أبو عمرو بن الصلاح: وبلغني أن هذا الحديث مضروب عليه في أصل المصنف الذي هو بخطه، ويغني عن هذا، حديث عبد الله ابن زيد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه، حديث حسن رواه البيهقي، وقال: إسناده صحيح.

قلت: هو كما قال البيهقي: إسناده صحيح، لكنه شاذ، وقد أشار إلى ذلك البيهقي نفسه، فإنه لما أخرجه (1/65) من طريق الهيثم بن خارجة: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع الأنصاري: أن أباه حدثه أنه سمع عبد الله بن زيد يذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال: وهذا إسناد صحيح أتبعه بقوله:

وكذلك روي عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص وحرملة بن يحيى عن ابن وهب ورواه مسلم بن الحجاج في " الصحيح " عن هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأيلي وأبي الطاهر عن ابن وهب بإسناد صحيح أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فذكر وضوءه قال: ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، ولم يذكر الأذنين ثم

قال: وهذا أصح من الذي قبله.

فأشار بهذا إلى شذوذ الرواية الأولى كما ذكرنا آنفا، وقد صرح الحافظ بمعنى ذلك بقوله في " بلوغ المرام "، فإنه ذكر الرواية الأولى من رواية البيهقي. ثم ذكر لفظ مسلم ثم أعقبه بقوله:

وهو المحفوظ.

 

(3/152)

 

 

ولا ينافيه ما سبق في كلام البيهقي أن الهيثم بن خارجة لم يتفرد به، بل تابعه ابن مقلاص وحرملة بن يحيى، ذلك لأن الرواية عنهما لم تصح، كما يشير إليه كلام البيهقي وهو قوله: روي ولعل ذلك من أجل أنه من رواية محمد بن أحمد ابن أبي عبيد الله عنهما، أخرجه الحاكم في " المستدرك " (1/151) وقال:

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إذا سلم من ابن أبي عبيد الله هذا، فقد احتجا جميعا بجميع رواته، ووافقه الذهبي، ولم يتعرض لابن أبي عبيد الله هذا وأظنه الذي في " الميزان ":

محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد الجبار العامري، عن الربيع وابن عبد الحكم وبحر بن نصر، وعنه الضراب وابن منده وابن جميع، قال ابن يونس: كان يكذب، وحدث بنسخة موضوعة، توفي سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة.

فإن كان هو فما في " المستدرك ": " ابن أبي عبيد الله " محرف من " ابن عبد الله ".

بيد أنه لم يتفرد به عن حرملة، فقد خرجه الحاكم أيضا من طريق أخرى قوية في الظاهر، فقال: حدثناه أبو الوليد الفقيه غير مرة: حدثنا الحسن بن سفيان: حدثنا حرملة بن يحيى: حدثنا ابن وهب به، لكن قال الحافظ في " التلخيص " (ص 33) :

رواه الحاكم بإسناد ظاهر الصحة.

ثم ذكر رواية الهيثم بن خارجة المتقدمة وتصحيح البيهقي لإسنادها ثم تعقبه بقوله:

لكن ذكر الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في " الإمام " أنه رأى في رواية ابن المقري عن ابن قتيبة عن حرملة بهذا الإسناد، ولفظه: " ومسح رأسه بماء غير فضل يديه "، ولم يذكر الأذنين.

قلت: وكذا هو في " صحيح ابن حبان " عن ابن سلم عن حرملة، وكذا رواه الترمذي عن علي بن خشرم عن ابن وهب.

قلت: وفاته أنه عند مسلم أيضا (1/146) من طريق جماعة آخرين عن ابن وهب كما تقدم في كلام البيهقي، ولم يفته ذلك في " بلوغ المرام " كما تقدم، واغتر بصنيعه في

 

(3/153)

 

 

" التلخيص " الصنعاني فقال في " سبل السلام " (1/70) :

ولم يذكر في " التلخيص " أنه أخرجه مسلم، ولا رأيناه في مسلم!

وأخرجه أبو داود أيضا من طريق أبي الطاهر، وأبو عوانة في " صحيحه " (1/249) وأحمد (4/41) من طريقين آخرين عن ابن وهب به.

وتابعه حجاج بن إبراهيم الأزرق عن عمرو بن الحارث عند أبي عوانة.

وتابعه ابن لهيعة عن حبان بن واسع عند أحمد (4/39 و40 ـ 42) .

وابن لهيعة صحيح الحديث إذا كان من رواية أحد العبادلة عنه، وهذا منها، فإن عبد الله بن المبارك ممن رووه عنه.

وجملة القول أن حديث عبد الله بن زيد هذا قد رواه ثلاثة من الثقات عن عمرو بن الحارث:

أ - حرملة.

ب - ابن وهب.

ج - حجاج الأزرق.

وثلاثتهم قالوا في روايتهم عنه: " ومسح رأسه بماء غير فضل يديه "، إلا في بعض الروايات عن الأول فقال: " فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه ".

فهذا الاختلاف إما أن يكون من الرواة أنفسهم أومن حرملة ذاته، وأيهما كان، فالرواية التي وافق فيها الثقات أولى بالترجيح والقبول من التي خالفهم فيها، لا سيما وقد تأيدت برواية ابن لهيعة المذكورة، فهذا كأنه يؤيد ما ذهب إليه

الحافظ أن حديث " أخذ ماء جديدا للأذنين " غير محفوظ، ويرد قول النووي أنه حديث حسن، وقد كنت وقعت في خطأ أفحش منه؛ فقلت في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (الطبعة الأولى) عند الكلام على الحديث (36) : وهو حديث صحيح كما بينته في " صحيح سنن أبي داود " (رقم 111) .

والذي بينت صحته هناك إنما هو لفظ مسلم: " ومسح رأسه بماء غير فضل يده ".

لذلك فإني أهتبل هذه الفرصة وأعلن أنه خطأ مني رجعت عنه فمن كان وقف عليه فليصححه، وأستغفر الله من كل خطأ وذنب.

 

(3/154)

 

 

ويعود الفضل لتنبهي لهذا الخطأ إلى أحد طلابنا المجتهدين الأذكياء في السنة الثالثة من الجامعة الإسلامية، فإنه كتب إلي بتاريخ (16/5/84 هـ) يستفسر عن التوفيق بين تصحيحي للحديث المذكور، وتضعيفي إياه في درس الحديث في السنة الأولى من الجامعة. فكتبت إليه أبين هذا الخطأ، وأؤكد له ضعفه وأشكره على اهتمامه بالتحقيق العلمي، وجزاه الله خيرا، وقد كنت نوهت بذلك في التعليق على " سلسلة الأحاديث الصحيحة " 1/56 - طبع المكتب الإسلامي ".

1047 - " كان لا ينزل منزلا إلا ودعه بركعتين ".

ضعيف.

أخرجه ابن خزيمة (1260) وعنه الحاكم (1/315 ـ 316 و2/101) وزاهر الشحامي في " السباعيات " (ج 7/18/2) عن عبد السلام بن هاشم: حدثنا عثمان بن سعد الكاتب، وكانت له مروءة وعقل عن أنس بن مالك قال: فذكره مرفوعا.

وقال الحاكم:

حديث صحيح، وعثمان بن سعد الكاتب ممن يجمع حديثه في البصريين.

وتعقبه الذهبي في الموضع الأول بقوله:

قلت: ذكر أبو حفص الفلاس عبد السلام هذا فقال: لا أقطع على أحد بالكذب إلا عليه، وقال في الموضع الآخر:

قلت: لا، فإن عبد السلام كذبه الفلاس، وعثمان لين.

قلت: وعثمان هذا متفق على تضعيفه، وقال الحافظ ابن حجر في " التقريب ":

ضعيف، فلا أدري بعد هذا وجه ما نقله المناوي عنه فقال:

وقال ابن حجر: حسن غريب، وقول الحاكم: صحيح، غلطوه فيه.

قلت: وكذلك تحسينه إياه ينبغي أن يكون خطأ، ما دام أنه غريب، وفيه ذلك الراوي الضعيف، وأما إعلال الذهبي إياه بعبد السلام أيضا، فهو باعتبار هذه الطريق، وقد وجدت له متابعا عند الحاكم (1/446) من طريق أبي قلابة

عبد الملك بن محمد: حدثنا ابن عاصم: حدثنا عثمان بن سعد به، وقال الحافظ عقبه: صحيح على شرط البخاري، ورده الذهبي بقوله:

 

(3/155)

 

 

كذا قال، وعثمان ضعيف ما احتج به البخاري.

ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (5/253) إلا أنه جعل يحيى ابن كثير " بدل " أبو عاصم " وكلاهما ثقة، وابن كثير هو العنبري البصري، ولعل هذا الاختلاف من أبي قلابة، فإنه كان تغير حفظه، والله أعلم.

والحديث أخرجه أبو يعلى أيضا والبزار والطبراني في " الأوسط " من طريق ابن سعد.

ويشبه هذا الحديث حديث آخر أشد ضعفا منه وهو:

1048 - " كان إذا نزل منزلا في سفر، أودخل بيته لم يجلس حتى يركع ركعتين ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (18/300/770) عن محمد بن عمر الواقدي: حدثنا حارثة بن أبي عمران بسنده عن فضالة بن عبيد به.

قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/283) :

وفيه الواقدي، وقد وثقه مصعب الزبيري وغيره، وضعفه جماعة كثيرون من الأئمة.

والحديث رمز له السيوطي بالضعف في بعض نسخ " الجامع الصغير "، وقال المناوي: سكت المصنف عليه فلم يرمز إليه، فأوهم أنه لا بأس بسنده، وليس كذلك، فقد قال الحافظ ابن حجر في " أماليه ": سنده واه هكذا قال، وقال شيخه الزين العراقي في شرح الترمذي: (فيه الواقدي) .

قلت: وهو متروك كما تقدم مرارا.

ثم إن شيخه حارثة مجهول كما قال أبو حاتم والذهبي.

 

(3/156)

 

 

1049 - " كان إذا استلم الحجر قال: اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، واتباعا سنة نبيك ".

موقوف ضعيف.

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (رقم - 488 -

 

(3/156)

 

 

مصورتي) عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنه كان: فذكره.

قلت: وهذا سند واه، من أجل الحارث وهو الأعور وهو ضعيف.

ثم أخرجه (رقم - 5617 و5971) من طريق عون بن سلام: حدثنا محمد بن مهاجر عن نافع قال:

كان ابن عمر إذا استلم الحجر قال: فذكره. وزاد في آخره:

ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: وهذا سند ضعيف أيضا، وعلته محمد بن مهاجر وهو القرشي الكوفي، قال الذهبي: لا يعرف.

وقال ابن حجر: لين.

ووهم الهيثمي في " المجمع " فقال (3/240) :

رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال (الصحيح) .

ووجه الوهم أن محمد بن مهاجر هذا ليس من رجال الصحيح، ولم يخرج له من الستة سوى النسائي في " عمل اليوم والليلة "، ثم هو ضعيف كما عرفت. والظاهر أن الهيثمي توهم أنه محمد بن مهاجر بن أبي مسلم الشامي، فإنه من رجال مسلم، وهو ثقة ومن طبقة هذا، ولكنه ليس به، وليس من شيوخه نافع، ولا من الرواة عنه عون بن سلام، بخلاف الأول، كما يتبين للباحث في ترجمة الرجلين في " تهذيب التهذيب ".

1050 - " الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة ".

موضوع.

ذكره الترمذي في " سننه " معلقا بدون إسناد، ومشيرا إلى تضعيفه بقوله (1/282) :

ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره.

قلت: وأصله ما أخرجه ابن ماجه (3127) وابن عدي في " الكامل " (316/2 - 317/1) والحاكم (2/389) والبيهقي في " سننه " (9/261) من طريق عائذ الله عن

 

(3/157)

 

 

أبي داود عن زيد بن أرقم قال:

" قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة، قال: فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة ".

أورده ابن عدي في ترجمة عائذ الله هذا وقال:

لا يصح حديثه، وروى هذا عن البخاري أيضا، ثم ساق هذا الحديث.

وأما الحاكم فقال عفى الله عنا وعنه:

صحيح الإسناد! ورده الذهبي بقوله:

قلت: عائذ الله قال أبو حاتم: منكر الحديث.

قلت: وهذا يوهم أنه سالم ممن فوقه، وليس كذلك فإن أبا داود هذا مطعون فيه أيضا، بل هو أولى بتعصيب الجناية به من الراوي عنه، لأنه متهم بالكذب، بل إن الذهبي نفسه قال عنه في ترجمة عائذ الله: يضع.

وقال ابن حبان في " الضعفاء " (3/55) :

يروي عن الثقات الموضوعات توهما، لا يجوز الاحتجاج به، هو الذي روى عن زيد ابن أرقم.. فذكر هذا الحديث.

وقال الحافظ المنذري في " الترغيب " (2/101 - 102) معقبا على الحاكم:

بل واهية، عائذ الله هو المجاشعي، وأبو داود هو نفيع بن الحارث الأعمى وكلاهما ساقط.

وقال البوصيري في " الزوائد ":

في إسناده أبو داود واسمه نفيع بن الحارث وهو متروك، واتهم بوضع الحديث.

1051 - " من حمل سلعته فقد برىء من الكبر ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1/165) والقضاعي (32/2) عن

 

(3/158)

 

 

مسلم بن عيسى الصفار قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، مسلم هذا قال الدارقطني: متروك. واتهمه الذهبي في " تلخيص المستدرك " بوضع الحديث.

وله شاهد لا يفرح به، أخرجه ابن عدي في الكامل (ق 240/2) من طريق عمر بن موسى عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا.

أورده في ترجمة عمر بن موسى بن وجيه الوجيهي، وروى عن يحيى أنه قال:

شامي وليس بثقة.

وعن البخاري: منكر الحديث، ثم ساق له أحاديث كثيرة ثم قال:

وله غير ما ذكرت من الحديث كثير، وكل ما أمليت لا يتابعه الثقات عليه، وما لم أذكره كذلك، وهو بين الأمر في الضعفاء، وهو في عداد من يضع الحديث متنا وسندا.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي في " الشعب " عن أبي أمامة، وتعقبه المناوي بقوله:

قضية صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي وأقره، والأمر بخلافه، بل تعقبه بقوله: في إسناده ضعف، وذلك لأن فيه سويد بن سعيد، وهو ضعيف عن بقية وهو مدلس عن عمرو بن موسى الدمشقي، قال في " الميزان ": لا يعتمد عليه ولا يعرف ولعله الوجيهي.

قلت: وفي هذا التعقب نظر من وجوه:

أولا: تعصيب الجناية بسويد بن سعيد أيضا لا وجه له، لأنه قد تابعه يحيى بن عثمان عند ابن عدي، وهو الحمصي، صدوق عابد.

ثانيا: قوله: " عمرو " بالواولا وجود له في الرواة، فلعل الواو زيادة من قلم بعض النساخ أو الطابع.

ثالثا: ليس في " الميزان " عمر أوعمرو بن موسى الدمشقي موصوفا بقوله: لا

 

(3/159)

 

 

يعتمد عليه.. إلخ، وإنما فيه: عمر بن موسى الأنصاري الكوفي، قال الدارقطني: متروك الحديث، قلت: كأنه الوجيهي، وقد قال في ترجمة الوجيهي ووهم من عده كوفيا لأنه يروي أيضا عن الحكم بن عتيبة وقتادة.

رابعا: عمر بن موسى الدمشقي هو الوجيهي قطعا، ففي ترجمته ذكر ابن عدي هذا الحديث، ووصفه يحيى بأنه شامي وفي " الميزان " أنه دمشقي.

خامسا: قول البيهقي: " في إسناده ضعف " فيه تساهل كبير، فإن مثل هذا إنما يقال في إسناد حديث فيه راوغير متهم، أما وهذا فيه ذلك الوجيهي الوضاع فلا ينبغي تليين القول فيه، كما لا يخفى على المحققين من أهل المعرفة بهذا العلم الشريف.

ثم إن الطريق الأولى لهذا الحديث مما فات السيوطي فلم يخرجه، ولا استدركه عليه المناوي في شرحه، مصداقا لقول القائل: كم ترك الأول للآخر، وردا على بعض المغرورين القائلين: إن علم الحديث قد نضج بل واحترق، هداهم الله سواء السبيل، ثم لعل ذلك الصفار المتهم بالوضع سرق هذا الحديث من الوجيهي وركب عليه إسنادا غير إسناده! قاتل الله الوضاعين وقبح فعلهم.

1052 - " لما نزل عليه الوحي بحراء مكث أياما لا يرى جبريل، فحزن حزنا شديدا حتى كان يغدوإلى (ثبير) مرة، وإلى (حراء) مرة، يريد أن يلقي بنفسه منه، فبينا هو كذلك عامدا لبعض تلك الجبال، إذ سمع صوتا من السماء فوقف صعقا للصوت، ثم رفع رأسه فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربعا عليه يقول: يا محمد

أنت رسول الله حقا، وأنا جبريل، قال: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقر الله عينه، وربط جأشه ".

ضعيف.

رواه ابن سعد في " الطبقات " (1/1/130 ـ 131) : أخبرنا محمد بن عمر؛ قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن أبي موسى عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الوحي.. إلخ.

 

(3/160)

 

 

قلت: وهذا سند واه جدا، محمد بن عمر هو الواقدي وهو متهم بالكذب على علمه بالمغازي والسير (1) ، وشيخه إبراهيم بن محمد بن أبي موسى لم أعرفه، ولكني أظن أن جده أبي موسى محرف من أبي يحيى، فإن كان كذلك فهو معروف ولكن بالكذب، وهو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أبو إسحاق المدني، كذبه جماعة.

ويرجح أنه هو؛ كونه من هذه الطبقة وكون الواقدي الراوي عنه أسلميا مدنيا أيضا، وقد قال النسائي في آخر كتابه " الضعفاء والمتروكون " (ص 57) :

" والكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة:

1 - ابن أبي يحيى بالمدينة.

2 - والواقدي ببغداد.

3 - ومقاتل بن سليمان بخراسان.

4 - ومحمد بن سعيد بالشام، يعرف بالمصلوب.

فهذا الإسناد من أسقط إسناد في الدنيا، ولكن قد جاء الحديث من طريق أخرى من حديث عائشة في صحيح البخاري وغيره، بيد أن له علة خفية، فلابد من بيانها فأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (رقم 22 - ترتيب الفارسي) من طريق ابن أبي السري:

حدثنا عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة قالت: أول ما بدىء برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة يراها في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب له الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه ... حتى فَجَأَهُ الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال: اقرأ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: ما أنا بقارىء ... الحديث إلى قوله: قال (يعني ورقة) : نعم لم يأت أحد قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة، وزاد:

__________

(1) انظر ترجمته بالتفصيل في " تاريخ الخطيب " (3/1 - 20) . اهـ.

 

(3/161)

 

 

حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فلما أوفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منها تبدى له جبريل، فقال له جبريل، فقال له: يا محمد! إنك رسول الله حقا، فيسكن

لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع، فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل، فيقول له مثل ذلك.

وابن أبي السري هو محمد بن المتوكل وهو ضعيف حتى اتهمه بعضهم، وقد خولف في إسناده فقال الإمام أحمد في " مسنده " (6/232 - 233) : حدثنا عبد الرزاق به.

إلا أنه قال:

حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا خزنا غدا منه.. إلخ، فزاد هنا في قصة التردي قوله:

" فيما بلغنا ".

وهكذا أخرجه البخاري في أول " التعبير " من " صحيحه " (12/311 - 317) منطريق عبد الله بن محمد وهو أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الرزاق به بهذه الزيادة، وأخرجه مسلم (1/97 - 98) من طريق محمد بن رافع: حدثنا عبد الرزاق به، إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما أحال فيه على لفظ قبله من رواية يونس عن ابن شهاب، وليس فيه عنده قصة التردي مطلقا، وهذه الرواية عند البخاري أيضا في " التفسير " (8/549 ـ 554) ليس فيها القصة، فعزوالحافظ ابن كثير في تفسيره الحديث بهذه الزيادة للشيخين فيه نظر بين، نعم قد جاءت القصة في الرواية

المذكورة عند أبي عوانة في " مستخرجه " (1/110 - 111) : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: أنبأنا ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد به، وفيه قوله:

" فيما بلغنا "، فهذه الرواية مثل رواية أحمد وابن أبي شيبة عن عبد الرزاق تؤكد أن إسقاط ابن أبي السري من الحديث قوله: " فيما بلغنا " خطأ منه ترتب عليه أن اندرجت القصة في رواية الزهري عن عائشة، فصارت بذلك موصولة، وهي في حقيقة الأمر معضلة، لأنها من بلاغات الزهري، فلا تصح شاهدا لحديث الترجمة المذكورة أعلاه، قال الحافظ ابن حجر بعد أن بين أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر، وفاته أنها في رواية يونس بن يزيد أيضا عند أبي عوانة، قال:

 

(3/162)

 

 

ثم إن القائل: " فيما بلغنا " هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة، وهو من بلاغات الزهري، وليس موصولا، وقال الكرماني: هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور، ووقع عند ابن مردويه في " التفسير " من طريق محمد بن كثير عن معمر بإسقاط قوله: " فيما بلغنا "، ولفظه " فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم منها حزنا غدا منه " إلخ، فصار كله مدرجا على رواية الزهري وعن عروة عن عائشة، والأول هو المعتمد.

وأشار إلى كلام الحافظ هذا الشيخ القسطلاني في شرحه على البخاري في " التفسير " واعتمده، ومحمد بن كثير هذا هو الصنعاني المصيصي قال الحافظ في " التقريب ": صدوق كثير الغلط.

وأورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: ضعفه أحمد.

قلت: فمثله لا يحتج به، إذا لم يخالف، فكيف مع المخالفة، فكيف ومن خالفهم ثقتان عبد الرزاق ويونس بن يزيد، ومعهما زيادة؟ !

وخلاصة القول أن هذا الحديث ضعيف لا يصح لا عن ابن عباس ولا عن عائشة، ولذلك نبهت في تعليقي على كتابي " مختصر صحيح البخاري " (1/5) على أن بلاغ الزهري هذا ليس على شرط البخاري كي لا يغتر أحد من القراء بصحته لكونه في " الصحيح ". والله الموفق.

1053 - " السجود على سبعة أعضاء: اليدين، والقدمين، والركبتين والجبهة، ورفع الأيدي إذا رأيت البيت، وعلى الصفا والمروة، وبعرفة، وبجمع، وعند رمي الجمار، وإذا أقيمت الصلاة ".

منكر بذكر رفع الأيدي.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3/155/1) : حدثنا أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي: حدثنا عمرو بن يزيد أبو بريد الجرمي:

 

(3/163)

 

 

أخبرنا سيف بن عبيد الله: أخبرنا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

وعن الطبراني رواه الضياء في " المختارة " (61/249/2) .

قلت: وهذا سند ضعيف، وعلته عطاء بن السائب وكان اختلط، فلا يحتج بحديثه إلا ما رواه الثقات عنه قبل اختلاطه وهم: سفيان الثوري، وشعبة، وزهير بن معاوية، وزائدة بن قدامة، وحماد بن زيد، وأيوب السختياني، ووهيب، كما يستفاد من مجموع كلام الأئمة فيه على ما لخصه ابن حجر في " التهذيب " وفاته وهيب فلم يذكره في جملة هؤلاء الثقات! وعلى كل حال فليس منهم ورقاء وهو ابن عمر راوي هذا الحديث عنه، فيتوقف عن الاحتجاج بحديثه كما هو مقرر في " المصطلح " ويعامل معاملة الحديث الضعيف حتى يثبت، وهيهات، فقد جاء الحديث من طريق طاووس عن ابن عباس مرفوعا بالشطر الأول منه، رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (310) .

فالشطر الثاني منكر عندي لتفرد عطاء به، وقد أعله الهيثمي في " المجمع " فقال (3/238) :

وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط.

وتعقبه المعلق على " نصب الراية " فقال (1/390) :

قلت: ورقاء من أقران شعبة، وسماع شعبة عن عطاء بن السائب قديم صحيح على أنه قال ابن حبان: اختلط بآخره، ولم يفحش حتى يستحق أن يعدل به عن مسلك العدول.

قلت: وهذا التعقب لا غناء فيه، لأنه لا يلزم من كون ورقاء من أقران شعبة أن يكون سمع من عطاء قديما كما سمع منه شعبة، ألا ترى أن في جملة من روى عن عطاء إسماعيل بن أبي خالد وهو من طبقة عطاء نفسه، بل أورده الحافظ ابن حجر في الطبقة الرابعة من التابعين، بينما ذكر ابن السائب في الطبقة الخامسة، فهو إذن من أقران عطاء وليس من أقران شعبة، ومع ذلك لم يذكروه فيمن روى عن عطاء قبل الاختلاط،

 

(3/164)

 

 

ومثله سليمان التيمي، فهذا يبين أن السماع من المختلط قبل اختلاطه ليس لازما لكل من كان علاي الطبقة، كما أن العكس؛ وهو عدم السماع؛ ليس لازما لمن كان نازل الطبقة، وإنما الأمر يعود إلى معرفة واقع الراوي هل سمع منه قديما أم لا، خلافا لما توهمه المعلق المشار إليه.

ومما يؤيد ذلك أن بعض الرواة يسمع من المختلط قبل الاختلاط وبعده ومن هؤلاء حماد بن سلمة، فإنه سمع من عطاء في الحالتين كما استظهره الحافظ في " التهذيب "، ولذلك فلا يجوز الاحتجاج أيضا بحديثه عنه خلافا لبعض العلماء المحدثين المعاصرين، والله يغفر لنا وله.

وأما ما نقله ذلك المعلق عن ابن حبان، فهو رأي لابن حبان خاصة دون سائر الأئمة الذين حرصوا أشد الحرص على معرفة الرواة الذين سمعوا منه قبل الاختلاط، والذين سمعوا منه بعده، ليميزوا صحيح حديثه من سقيمه، وإلا كان ذلك حرصا لا طائل تحته، إذا كان حديثه كله صحيحا، أضف إلى ذلك أن في " المصطلح " نوعا خاصا من علوم الحديث وهو " معرفة من اختلط في آخر عمره " وقد ذكروا منهم جماعة أحدهم عطاء وقالوا فيهم:

فمن سمع من هؤلاء قبل اختلاطهم قبلت روايتهم، ومن سمع بعد ذلك أوشك في ذلك لم تقبل (1) .

والحديث رواه الطبراني أيضا في " الأوسط " (1678، 1679) وكذا في " حديثه عن النسائي " (ق 314/2) بسنده هذا، ولكنه فصل بين الشطر الأول منه والآخر، جعلهما حديثين ثم قال:

لم يروهذين الحديثين عن عطاء بن السائب إلا ورقاء، ولا ورقاء إلا سيف تفرد به أبو بريد.

وعمرو بن يزيد أبو بريد: صدوق، ومثله سيف بن عبيد الله إلا إنه ربما خالف، كما في " التقريب ".

__________

(1) اختصار علوم الحديث " للحافظ ابن كثير (ص 274) . اهـ.

 

(3/165)

 

 

وقد خالفه ابن فضيل فقال: عن عطاء به موقوفا على ابن عباس وهذا أصح.

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/77/2) .

والحديث بظاهره يدل على أن الأيدي لا ترفع في غير هذه المواطن، وهذه الدلالة غير معتبرة عند الحنفية لأنها بطريق المفهوم، لكن قد روي الحديث بلفظ آخر يدل بمنطوقه على ما دل عليه هذا بمفهومه، فوجب علينا بيان حاله، فأقول:

لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: حين تفتتح الصلاة، وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت، وحين يقوم على المروة، وحين يقف مع الناس عشية عرفة، وبجمع، والمقامين حين يرمي الجمرة.

1054 - " لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: حين تفتتح الصلاة، وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت، وحين يقوم على المروة، وحين يقف مع الناس عشية عرفة، وبجمع، والمقامين حين يرمي الجمرة ".

باطل بهذا اللفظ.

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3/146/2) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة: نا محمد بن عمران بن أبي ليلى: حدثني أبي: نا ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف من أجل ابن أبي ليلى وهو محمد بن عبد الرحمن، فإنه سيىء الحفظ، ورواه البزار في " مسنده " (رقم 519 - كشف الأستار) من طريقه بلفظ:

" ترفع الأيدي.. "، دون " لا " النافية وقال:

رواه جماعة فوقفوه، وابن أبي ليلى ليس بالحافظ، إنما قال: " ترفع الأيدي "، ولم يقل: لا ترفع إلا في هذه المواضع.

وأقره عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام " (ق 102/1) وقال:

رواه غير واحد موقوفا، وابن أبي ليلى لم يكن حافظا.

وقال الحافظ في ترجمته من " التقريب ":

صدوق سيىء الحفظ جدا.

وكذا قال الذهبي في " الضعفاء "، إلا أنه لم يقل: " جدا "، وذلك لا يخرج حديثه من رتبة الضعف المطلق، وإنما من رتبة الضعف الشديد كما هو ظاهر، وأما قول الهيثمي في " المجمع " (3/238) :

 

(3/166)

 

 

في إسناده محمد بن أبي ليلى وهو سيىء الحفظ، وحديثه حسن إن شاء الله تعالى.

فهو غير مستقيم، لأن السيئ الحفظ حديثه من قسم المردود كما هو مقرر في " المصطلح " وخصوصا في " شرح النخبة " للحافظ ابن حجر، وهذا إن كان يعني بقوله: حديثه جملة، كما هو الظاهر، وإن كان يعني هذا الحديث بخصوصه فما هو الذي جعله حسنا؟ وهو ليس له شاهد يقويه، ثم إنه يستحيل أن يكون هذا الحديث حسنا، وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم رفعه يديه عند الركوع والرفع منه، ورفع يديه في الدعاء في الاستسقاء وغيره، وقد كفانا بسط الكلام في رد هذا الحديث الحافظ الزيلعي الحنفي في " نصب الراية " (1/389 - 392) ، وبين أنه لا يصح مرفوعا ولا موقوفا، فراجعه، ثم إن في إسناد الطبراني محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وفيه كلام كثير، فلا يحتج به عند المخالفة على الأقل، كما هو الشأن هنا، إذ زاد (لا) في أوله خلافا لرواية البزار، وهي أصح، إذ ليس فيها إلا ابن أبي ليلى، ويؤيد ذلك أنه أخرجه الشافعي (2/38/1023) من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريج قال: حدثت عن مقسم به بلفظ:

" ترفع الأيدي في الصلاة ... " فذكر هذه السبع وزاد: " وعلى الميت ".

بيد أنه سند ضعيف، لانقطاعه بين ابن جريج ومقسم، ولعل الواسطة بينهما هو ابن أبي ليلى نفسه.

وسعيد بن سالم فيه ضعف من قبل حفظه، لكنه قد توبع، فقد أخرجه البيهقي في " السنن " (5/72 ـ 73) من طريق الشافعي، ثم قال:

وبمعناه رواه شعيب بن إسحاق عن ابن جريج عن مقسم، وهو منقطع لم يسمع ابن جريج من مقسم، ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، وعن نافع عن ابن عمر، مرة موقوفا عليهما، ومرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم

 

(3/167)

 

 

دون ذكر الميت: وابن أبي ليلى هذا غير قوي في الحديث.

1055 - " من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرا، ومن تزوجها لحسنها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امراة لم يتزوجها إلا ليغض بصره أوليحصن فرجه ويصل رحمه بارك الله له فيها، وبارك

لها فيه ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني في " الأوسط " (رقم 2527) عن عبد السلام بن عبد القدوس عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا وقال:

لم يروه عن إبراهيم إلا عبد السلام.

قلت: وهو ضعيف جدا ضعفه أبو حاتم وقال أبو داود: عبد القدوس ليس بشيء وابنه شر منه، وقال ابن حبان في " الضعفاء " (2/150 - 151) :

يروي الموضوعات، وروى عن إبراهيم بن أبي عبلة.

قلت: فذكر هذا الحديث، فاقتصار الهيثمي (4/254) على قوله: وهو ضعيف قصور أوذهو ل، وكذلك أشار المنذري في " الترغيب " (3/70) إلى أنه ضعيف!

 

(3/168)

 

 

1056 - " من ترك الكذب وهو باطل بني له قصر في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها ".

منكر بهذا السياق.

أخرجه الترمذي في " سننه " (1/359 - بولاق) وابن ماجه (رقم 51) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 8) وابن عدي (170/2) عن سلمة بن وردان الليثي عن أنس بن مالك مرفوعا به، وقال الترمذي:

هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن وردان عن أنس.

قلت: وهو ضعيف عند جمهور الأئمة، ولذلك جزم بضعفه الحافظ في

 

(3/168)

 

 

" التقريب " وأورده الذهبي في " الضعفاء " وقال:

ضعفه الدارقطني وغيره.

قلت: وممن ضعفه الحاكم فقال: حديثه عن أنس مناكير أكثرها.

قلت: فأنى لحديثه هذا الحسن وهو عن أنس، وقد تفرد به كما يشير إلى ذلك الترمذي نفسه، لا سيما وقد روي الحديث عن أبي أمامة ومعاذ بن جبل بسندين يقوي أحدهما الآخر بلفظ مغاير لهذا الحديث في فقرته الأولى والثانية، مما يدل على أن سلمة قد انقلب عليه الحديث، فراجع بيان ذلك في " سلسلة الأحاديث

الصحيحة " (رقم - 273) .

ومن المهم هنا التنبيه على أوهام وقعت للحافظ المنذري في هذا الحديث فقال في " الترغيب " (1/80) :

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة، ومن تركه وهو محق بني له في وسطها.. " رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي: حديث حسن.

والأوهام التي فيه:

أولا: أن الحديث بهذا السياق ليس من حديث أبي أمامة، وإنما من حديث أنس.

ثانيا: أنه ليس عند أبي داود من حديث أنس، وإنما من حديث أبي أمامة، وقد ذكره المنذري في مكان آخر من كتابه (3/257 - 258) على الصواب.

ثالثا: ليس في حديث أنس ذكر " المراء " في الفقرة الأولى منه، بل فيه " الكذب "، وإنما هو في الفقرة الثانية منه كما رأيت، بخلاف حديث أبي أمامة فهو على العكس من ذلك بلفظ:

أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وبيت في وسط

 

(3/169)

 

 

الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا.. ".

وتوضيح ذلك في المكان المشار إليه من " الأحاديث الصحيحة ".

فكأن الحافظ المنذري رحمه الله اختلط عليه حديث أنس بحديث أبي أمامة فكان من ذلك حديث آخر لا وجود له في الدنيا! والمعصوم من عصمه الله تعالى.

1057 - " رخص في الشرب من أفواه الأداوي ".

منكر.

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3/139/1) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي: أخبرنا عبد الله بن يحيى بن الربيع بن أبي راشد: أخبرنا أبو معاوية عن هشام ابن حسان عن ابن عباس قال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف، رجاله كلهم ثقات معروفون غير عبد الله بن يحيى بن الربيع بن أبي راشد فلم أجد له ترجمة، وقال الهيثمي في " المجمع " (5/78) :

رواه الطبراني، وفيه محمد بن عبد الله بن يحيى بن أبي راشد ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح، هكذا وقع في النسخة محمد بن عبد الله، وأظنه خطأ من الهيثمي انتقل نظره حين النقل من عبد الله بن يحيى إلى الراوي عنه محمد فكتب: محمد بن عبد الله، والله أعلم.

ومما يؤيد ضعف هذا الحديث أنه ثبت من رواية خالد الحذاء عن ابن عباس قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء ".

أخرجه البخاري (4/37 - طبع أوربا) والطبراني في " المعجم الكبير " (142/1) وغيرهما.

وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة أيضا وأبي سعيد الخدري.

فلا يجوز الشرب من فم السقاء كما لا يجوز الشرب قائما، إلا لعذر كما في حديث كبشة قالت:

 

(3/170)

 

 

" دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من في قربة معلقة قائما، فقمت إلى فيها فقطعته ".

أخرجه الترمذي (1/345) وقال:

حديث حسن صحيح.

فهذا ونحوه محمول على العذر.

1058 - " كان إذا قضى صلاته مسح جبهته بيده اليمنى ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والحزن ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن السني في " اليوم والليلة " (رقم 110) وابن سمعون في " الأمالي " (ق 176/2) عن سلام المدائني عن زيد العمي عن معاوية عن قرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فذكره مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، والمتهم به سلام المدائني وهو الطويل وهو كذاب كما تقدم مرارا، وزيد العمي ضعيف.

وله عن أنس طريق أخرى: عن جبارة: حدثنا عن أنس مرفوعا.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 275/1) في جملة أحاديث لكثير هذا وهو ابن سليم وقال:

وهذه الروايات عن أنس، عامتها غير محفوظة.

قلت: وكثير ضعيف ومثله جبارة وهو ابن المغلس، بل لعله أشد ضعفا منه، فقد رماه بعضهم بالكذب.

وبالجملة فالحديث ضعيف جدا.

تنبيه: تقدم الحديث برقم (660) ، فهممت بحذفه من هنا اكتفاء بما مضى، ولكني وجدت فيه فوائد أخرى لم تذكر هناك، فأبقيت عليه.

وقد روي بلفظ أتم منه وهو:

 

(3/171)

 

 

1059 - " كان إذا قضى صلاته مسح جبهته بكفه اليمنى ثم أمرها على وجهه حتى يأتي بها على لحيته ويقول: بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الغم والحزن والهم، اللهم بحمدك انصرفت، وبذنبي اعترفت، أعوذ لك من شر ما اقترفت، وأعوذ بك من جهد بلاء الدنيا، ومن عذاب الآخرة ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2/104) عن داود بن المحبر: حدثنا العباس ابن رزين السلمي عن خلاس بن عمرو عن ثابت البناني عن أنس بن مالك مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، المتهم به داود هذا وهو صاحب كتاب " العقل " وهو كذاب كما تقدم غير مرة فانظر الحديث (1 و224) .

والعباس بن رزين السلمي لم أعرفه.

 

(3/172)

 

 

1060 - " لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن أن تطغيهن، ولن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (1859) والبيهقي (7/80) عن الإفريقي عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف من الإفريقي، وقد مضى في أول السلسلة، وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 117/1) ما ملخصه:

هذا إسناد ضعيف، فيه الإفريقي واسمه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الشعباني وهو ضعيف، وعنه رواه ابن أبي عمر وعبد بن حميد في " مسنديهما "، وكذا رواه سعيد بن منصور، وله شاهد في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة

 

(3/172)

 

 

وأما ما نقله السندي في " حاشيته "، وتبعه محمد فؤاد عبد الباقي عن " الزوائد " أنه قال بعد تضعيفه للإفريقي:

والحديث رواه ابن حبان في " صحيحه " بإسناد آخر.

فهذا ليس في نسختنا من " الزوائد "، وهو يوهم أن الحديث بهذا المتن عند ابن حبان وعن ابن عمرو، وليس كذلك، وإنما عنده حديث أبي سعيد الخدري: " تنكح المرأة على مالها ... " الحديث نحوحديث أبي هريرة الذي اعتبره البوصيري شاهدا لهذا وليس كذلك، لأنه لا يشهد إلا لجملة التزوج على الدين، فإنه بلفظ:

" تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ".

أخرجه الشيخان وأصحاب السنن إلا الترمذي والبيهقي وغيرهم، وهو مخرج في " الإرواء " (1783) ، و" غاية المرام " (222) .

وفي حديث أبي سعيد: " وخلقها " بدل الحسب، وقال:

" فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك ".

أخرجه ابن حبان (1231) والحاكم (2/161) وابن أبي شيبة في " المصنف " (7/49/2) وقال الحاكم:

صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط.

1061 - " النفقة كلها في سبيل الله إلا البناء؛ فلا خير فيه ".

ضعيف.

أخرجه الترمذي (2/79) ، وابن أبي الدنيا في " قصر الأمل " (2/21/2) وابن مخلد العطار في جزء من " الأمالي " (98/2) وابن عدي (151/1) من طريقين عن زافر بن سليمان عن إسرائيل عن شبيب بن بشر عن أنس بن مالك مرفوعا، وقال الترمذي: هذا حديث غريب.

 

(3/173)

 

 

قلت: يعني ضعيف، وذلك لأن شبيب بن بشر صدوق يخطىء، وزافر كثير الأوهام كما في " التقريب "، وأعله المناوي بعلة ثالثة وهي محمد بن حميد الرازي شيخ الترمذي، قال البخاري: فيه نظر، وكذبه أبو زرعة.

قلت: لكن تابعه الحسن بن عرفة عند العطار وهو ثقة، فزالت الشبهة منه وانحصرت فيمن فوقه ممن ذكرنا، ثم قال المناوي:

وبه يعرف ما في رمز المصنف (يعني السيوطي) لحسنه.

قلت: وقد أشار المنذري في " الترغيب " (3/57) إلى ضعفه، وهو الصواب، ولكن يغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم: " يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا في التراب ".

وهو مخرج في التعليق على " المشكاة " برقم (5182) التحقيق الثاني.

1062 - " ما جاء من الله فهو الحق، وما جاء مني فهو السنة، وما جاء من أصحابي فهو سعة ".

ضعيف جدا.

رواه ابن عدي (93/1) : حدثنا الحسن بن صالح بن حاتم بن وردان: حدثنا سعد بن سعيد عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا وقال:

وهذا الحديث منكر، وإنما جاء عن شيخ ليس بمعروف وهو صالح بن جميل، فظن الحسن (يعني ابن علي العدوي) أنه صالح بن حاتم وهو صدوق فألزقه عليه العدوي هذا، وعامة ما حدث به إلا القليل موضوعات.

ثم أورده في ترجمة سعد بن سعيد المقبري (174/1) من طريق صالح بن جميل الزيات: حدثنا سعد بن سعيد به، وقال:

لا أعلم يرويه عن سعد بن سعيد بهذا الإسناد غير صالح بن جميل الزيات هذا، وسعد بن سعيد عامة ما يرويه غير محفوظ.

 

(3/174)

 

 

قلت: وأخوسعد بن سعيد أسمع عبد الله، قال يحيى بن سعيد: استبان كذبه وقال الذهبي: ساقط بمرة.

قلت: فهو آفة الحديث، وبه أعله عبد الحق في " الأحكام " رقم (137) وإن كان فيه العلتان الأخريان: جهالة صالح بن جميل، وضعف سعد بن سعيد.

1063 - " ليس لابن آدم حق فيما سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء ".

منكر.

رواه الترمذي (2/55) وابن أبي الدنيا في " المجموع " (9/1) وفي " ذم الدنيا " (10/1) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (7/1) وابن السني في " القناعة " (243/1) والحاكم (4/312) والضياء في " المختارة " (1/120 - 121) ورقم (310 - 312 - تحقيقي) عن حريث بن السائب: حدثنا الحسن: حدثنا حمران عن عثمان مرفوعا.

وكذا رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (5/144/2) وقال الترمذي:

حديث حسن صحيح.

وصححه الحاكم أيضا ووافقه الذهبي!! وأقرهما المناوي!

كذا قالوا! وحريث هذا مختلف فيه، فقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ما به بأس. وقال الساجي: ضعيف. وقال أحمد: روى حديث منكرا عن الحسن عن حمران عن عثمان. يعني هذا. وذكر أن قتادة خالفه فقال: عن الحسن عن حمران عن رجل من أهل الكتاب، قال أحمد: حدثنا روح: حدثنا سعيد يعني عن قتادة به.

قلت: فثبت أن الحديث من الإسرائيليات أخطأ الحريث هذا في رفعه.

وقد روي بلفظ:

" كل شيء فضل عن ظل بيت، وجلف الخبز، وثوب يواري عورة الرجل، والماء لم يكن لابن آدم فيه حق ".

رواه الطيالسي (83) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (1/61) وأحمد (1/62) وفي

 

(3/175)

 

 

" الزهد " (ص 21) والطبراني (1/8/2) وأبو بكر ابن السني في " القناعة " (243/2) وأبو علي الصواف في " الفوائد " (3/167/2) وعنه أبو نعيم في " الفوائد " (5/216/1) عن حريث بن السائب قال: سمعت الحسن يقول:

حدثنا حمران عن عثمان مرفوعا.

وذكر ابن قدامة في " المنتخب " (10/1/2) عن حنبل قال:

سألت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) عن حريث بن السائب قال: ما كان به بأس إلا أنه روى حديثا منكرا عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني هذا الحديث.

قلت: وذكر الضياء عن الدارقطني أنه سئل عن الحديث فقال:

وهم فيه حريث، والصواب عن الحسن بن حمران عن بعض أهل الكتاب.

وقد خفيت هذه العلة على من صححه بالإضافة إلى الضعف الذي ذكرته في الحديث، والعجب من المناوي، فإنه لم يكتف بإقراره لتصحيح الحاكم والذهبي، بل زاد على ذلك في " التيسير " فقال: وإسناده صحيح، واغتر بذلك صاحب ما سماه بـ " الكنز الثمين " فأورده فيه برقم (3192) وقد ادعى أن كل ما فيه ثابت كما تقدم، والواقع يشهد أنه لم يستطع الوفاء بذلك كالسيوطي في " جامعه "، وإن كان كتابه أنظف منه، وسيأتي التنبيه على بعض ما وقع فيه من الضعيف كلما تيسر لي ذلك.

1064 - " ما من مسلم ينظر إلى امرأة أول نظرة ثم يغض بصره إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها ".

ضعيف جدا.

رواه أحمد (5/264) والروياني في " مسنده " (30/218/2) والأصبهاني في " الترغيب " (292/2) عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا.

قلت: وهذا سند واه جدا، قال ابن حبان (2/62 - 63) :

" عبيد الله بن زحر منكر الحديث جدا، يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبد الله وعلي بن يزيد

 

(3/176)

 

 

والقاسم أبو عبد الرحمن، لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم.

وقال الذهبي في " الضعفاء ":

له صحيفة غرائب، عن علي بن يزيد، ليس بحجة.

وقال في ترجمة " علي بن يزيد " وهو الألهاني:

قال النسائي والدارقطني: متروك.

وقد أشار المنذري في " الترغيب " (3/63) إلى تضعيف هذا الحديث وقال:

رواه أحمد والطبراني والبيهقي، وقال: إن صح.

1065 - " النظرة سهم من سهام إبليس من تركها خوفا من الله آتاه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه ".

ضعيف جدا.

رواه القضاعي في " مسند الشهاب " (21/1) عن إسحاق بن سيار النصيبي قال: أخبرنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي عن هشيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محارب ابن دثار عن صلة بن زفر عن حذيفة مرفوعا.

ثم رواه من طريق إبراهيم يعني ابن سليمان قال: أخبرنا أرطاة بن حبيب قال:

أخبرنا هشيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعا.

ورواه الحاكم (4/313 ـ 314) من طريق إسحاق بن عبد الواحد القرشي:

حدثنا هشيم به، وقال: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله:

إسحاق واه، وعبد الرحمن هو الواسطي ضعفوه.

وقال المنذري (3/63) :

خرجه الطبراني والحاكم من رواية عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو واه.

قلت: فهو آفة الحديث لسلامة الطريق الأخرى عند القضاعي من إسحاق بن عبد الواحد والواسطي ضعيف جدا، واتفقوا على تضعيفه كما قال النووي وغيره.

 

(3/177)

 

 

1066 - " أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلب شاكر، ولسان ذاكر وبدن على البلاء صابر، وزوجة لا تبغيه خونا في نفسها ولا ماله ".

ضعيف.

أخرجه ابن أبي الدنيا في " كتاب الشكر " (5/2) : حدثنا محمود بن غيلان المروزي: أخبرنا المؤمل بن إسماعيل: أخبرنا حماد بن سلمة: أخبرنا حميد الطويل عن طلق بن حبيب عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

وهكذا أخرجه الطبراني أخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (283/2) ، ثم أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (ورقم 7351) بإسناده المتقدم إلا أنه وقع فيه " موسى " بدل " المؤمل "، وكذا وقع في " زوائد المعجمين " (1/163/1) وهو خطأ لا شك فيه، لا أدري ممن هو؟ ولعله من بعض النساخ القدامى، فقد تورط به جماعة، فحكموا على إسناد " الأوسط " بغير ما حكموا به على " الكبير " كما سيأتي، وهو هو! فإن شيخه فيهما واحد، وهو الجنديسابوري، وشيخ هذا كذلك، وهو ابن غيلان المروزي، وقد رواه عنه ابن أبي الدنيا كما رواه في " الكبير " فكان ذلك من المرجحات لروايته على رواية " الأوسط " ويؤيد ذلك أمران:

الأول: أن الحسن بن سفيان قال: حدثنا محمود بن غيلان به.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3/65) وفي " الأربعين الصوفية " (58/2) :

حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان: حدثنا الحسن بن سفيان به.

ومن طريق أبي نعيم رواه الضياء أيضا في " المختارة ".

والآخر: أن ابن غيلان قد توبع عليه، فقال ابن أبي الدنيا في " كتاب الصبر " (ق 43/2) : حدثنا محمود بن غيلان والحسن بن الصباح قالا: حدثنا المؤمل بن إسماعيل به.

 

(3/178)

 

 

قلت: وفي هذا رد على الطبراني، فإنه قال:

لم يروه عن طلق إلا حميد، ولا عنه إلا حماد، ولا عنه إلا مؤمل وفي الأصل موسى، وقد عرفت خطأه، تفرد به محمود.

فقد تابعه الحسن بن الصباح، وكأنه لذلك لم يذكر أبو نعيم هذا التفرد وإنما تفرد المؤمل، فقال:

غريب من حديث طلق، لم يروه متصلا مرفوعا، إلا مؤمل عن حماد.

قلت: وهو ضعيف لكثرة خطئه، وقد وصفه بكثرة الخطأ الإمام البخاري والساجي وابن سعد والدارقطني، وقال ابن نصر:

إذا تفرد بحديث، وجب أن يتوقف، ويثبت فيه، لأنه كان سيىء الحفظ، كثير الغلط.

ولخص ذلك الحافظ في " التقريب " فقال: صدوق سيء الحفظ.

قلت: فمؤمل بن إسماعيل هذا هو علة هذا الحديث، وقد تفرد به كما حققناه في هذا التخريج بما لم نسبق إليه والفضل لله عز وجل، فاسمع الآن ما قاله العلماء، مما وصل إليه علمهم، وهم على كل حال مجزيون خيرا إن شاء الله تعالى، قال الحافظ المنذري في " الترغيب " (3/67) :

رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، وإسنادهما جيد.

وقال الهيثمي في " المجمع " (4/273) :

رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، ورجال الأوسط رجال الصحيح ".

كذا قالا؛ ظنا منهما أن المؤمل بن إسماعيل لم يتفرد به، وأنه تابعه موسى بن إسماعيل، في رواية " الأوسط "، ولوصح ذلك، لكان الإسناد جيدا، رجاله رجال الصحيح، لأن موسى بن إسماعيل وهو التبوذكي ثقة محتج به في " الصحيحين " ولكنه لا يصح ذلك، لأن الرواية المشار إليها خطأ من بعض النساخ كما سبق تحقيقه، واغتر بكلام المنذري والهيثمي بعض ما جاء بعدهما، فقد أورده السيوطي في " الجامع

 

(3/179)

 

 

الصغير " من رواية الطبراني في " الكبير " والبيهقي في " الشعب " ورمز لحسنه! ونقل المناوي كلامهما المتقدم، أعني المنذري والهيثمي، ثم قال:

وبذلك يعرف أن إهمال المؤلف الطريق الصحيح، وإيثاره الضعيف من سوء التصرف هذا وقد رمز لحسنه!، وأكد كلامه هذا ولخصه في " التيسير " بقوله:

وبعض أسانيد الطبراني جيد!،

وقلده الشيخ الغماري فأورد الحديث في " كنزه " (342) !، فتأمل كيف يقع الخطأ من الفرد، ثم يغفل عنه الجماعة ويتتابعون وهم لا يشعرون، ذلك ليصدق قول القائل: كم ترك الأول للآخر، ويظل البحث العلمي مستمرا، ولولا ذلك لجمدت القرائح، وانقطع الخير عن الأمة.

ثم إن للحديث طريقا أخرى، ولكنها واهية جدا، أخرجه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " (2/167) عن هشام بن عبيد الله الرازي: حدثنا الربيع بن بدر: حدثنا أبو مسعود: حدثني أنس بن مالك مرفوعا به.

قلت: وهذا إسناد واه جدا:

1 - هشام بن عبيد الله الرازي فيه ضعف.

2 - الربيع بن بدر، متروك شديد الضعف.

3 - أبو مسعود هذا لم أعرفه.

1067 - " صلاة الجمعة بالمدينة كألف صلاة فيما سواها، [وصيام شهر رمضان في المدينة كصيام ألف شهر فيما سواها] ".

موضوع بهذا اللفظ.

رواه ابن الجوزي في " منهاج القاصدين " (1/57/2) وفي " العلل الواهية " (2/86 - 87) وابن النجار في " الدرر الثمينة في تاريخ المدينة " (337) عن عمر بن أبي بكر الموصلي عن القاسم بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وقال ابن الجوزي: لا يصح.

 

(3/180)

 

 

قلت: وهذا سند مظلم مسلسل بمن هو متروك وكذاب:

الأول: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، قال الشافعي:

ركن من أركان الكذب.

الثاني: القاسم بن عبد الله وهو العمري المدني، قال أحمد:

كان يضع الحديث.

الثالث: عمر بن أبي بكر الموصلي، قال أبو حاتم:

متروك الحديث، ذاهب الحديث، وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي في " الشعب " بزيادة في أوله: " صلاة في مسجدي هذا كألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام "، وتعقبه شارحه المناوي بقوله:

ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه سكت عليه، والأمر بخلافه، فإنه عقبه بالقدح في سنده، فقال: هذا إسناد ضعيف بمرة، انتهى بلفظه، فحذف المصنف له من سوء الصنيع.

قلت: وقد كان من أحسن الصنيع أن يحذف السيوطي هذا الحديث من كتابه أصلا، فإنه قد تعهد في مقدمته أن يصونه مما تفرد به كذاب أووضاع، ولكنه لم يوفق كثيرا في تنفيذ ما تعهد به، غفر الله لنا وله، فإن هذا الحديث فيه متروك ووضاع وكذاب، كما شرحناه لك بما لا تجده في كتاب، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ولقد كان صنيع السيوطي في كتابه الآخر " الجامع الكبير "، أقرب إلى الصواب فإنه قال فيه (2/61/2) :

رواه البيهقي وضعفه، وابن عساكر.

فذكره التضعيف هنا وحذفه إياه من " الجامع الصغير " هو بلا شك من سوء الصنيع كما قال المناوي، ولوعكس لكان أقرب إلى الصواب، وإنما الصواب حقا أن يحكي التضعيف هنا وهناك، ليسد بذلك الطريق على بعض المتأولين أو المغرضين

 

(3/181)

 

 

والخاطئين، ألا ترى أنه قد وضع في آخر الحديث من نسخة " الجامع الصغير " التي عليها شرح المناوي، فضلا عن غيرها حرف (ح) الرامز إلى أن الحديث حسن؟ ! فلو أنه ذكر التضعيف المذكور لما تجرأ أحد أن يرمز له بالحسن، لأنه حينئذ يناقض التصريح بالتضعيف، فتأمل.

وأما الزيادة التي زادها البيهقي، فهي صحيحة ثابتة من حديث ابن عمر في " صحيح مسلم " ومن حديث أبي هريرة في " الصحيحين "، وفي الباب عن جابر وأبي الدرداء وغيرهما، وقد خرجتهما في " إرواء الغليل " (رقم 1114 - 1115) .

1068 - " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى، وانتفوا الذي في الآناف ".

ضعيف.

رواه ابن عدي (102/1) عن حفص بن واقد اليربوعي: حدثنا إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا وقال بعد أن ساق لحفص هذا أحاديث أخرى: وهذه الأحاديث أنكر ما رأيت لحفص بن واقد، وهذا الحديث قد رواه غير حفص بن واقد عنه.

قلت: فالآفة من إسماعيل بن مسلم، والظاهر أنه المكي البصري الذي يكثر من الرواية عن الحسن البصري وهو ضعيف لسوء حفظه، والشطر الأول من الحديث صحيح ثابت من طريق جماعة من الصحابة، والشطر الثاني منه لم نره إلا من هذه الطريق وهي واهية، وقد عزاه السيوطي لابن عدي والبيهقي فتعقبه المناوي بقوله: ظاهر صنيعه يوهم أن مخرجيه خرجاه وسكتا عليه، والأمر بخلافه، بل تعقبه البيهقي بقوله: قال الإمام أحمد: هذا اللفظ الأخير غريب، وفي ثبوته نظر.

انتهى.

 

(3/182)

 

 

1069 - " سيأتيكم عني أحاديث مختلفة، فما جاءكم موافقا لكتاب الله ولسنتي فهو مني، وما جاءكم مخالفا لكتاب الله ولسنتي فليس مني ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (200/2) والدارقطني (513)

 

(3/182)

 

 

والخطيب في " الكفاية في علم الرواية " (430) عن صالح بن موسى عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به.

وقال ابن عدي وقد ذكر له أحاديث غير هذا:

وهذه الأحاديث عن عبد العزيز غير محفوظة، إنما يرويها عنه صالح بن موسى، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي:

متروك الحديث.

وفي " الضعفاء " للذهبي: ضعفوه.

وفي " التقريب ": متروك.

1070 - " من سره أن ينظر إلى رجل قد أتى الردم فلينظر إلى هذا ".

ضعيف جدا.

أخرجه البزار في " مسنده " (رقم 2089) قال: حدثنا عمرو بن مالك: أنبأ محمد ابن حمران: حدثنا عبد الملك بن نعامة الحنفي: عن يوسف بن أبي مريم الحنفي قال: بينا أنا قاعد مع أبي بكرة، إذ جاء رجل فسلم عليه، فقال: أما تعرفني؟ فقال له أبو بكرة: من أنت؟ قال: تعلم رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه رأى الردم؟ فقال أبو بكرة: أنت هو؟ قال نعم، قال: اجلس حدثنا، قال: انطلقت حتى انطلقت إلى أرض ليس لأهلها إلا الحديد يعلمونه، فدخلت بيتا، فاستلقيت فيه على ظهري، وجعلت رجلي إلى جداره، فلما كان عند غروب الشمس سمعت صوتا لم أسمع مثله فرعبت فجلست، فقال لي رب البيت: لا تذعرن فإن هذا لا يضرك، هذا صوت قوم ينصرفون هذه الساعة من عند هذا السد، قال: فيسرك أن تراه؟ قلت: نعم، قال: فغدوت إليه، فإذا لنة من حديد، كل واحدة مثل الصخرة، وإذا كأنه البرد المحبر، وإذا مسامير مثل الجذوع، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: صفه

 

(3/183)

 

 

لي، فقلت: كأنه البرد المحبرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، قال أبو بكرة: صدق.

وقال البزار:

لا نعلم أحدا رواه إلا أبو بكرة ولا له إلا هذا الطريق.

قلت: وهو ضعيف جدا، فيه ضعف وجهالة.

أما الضعف فهو من قبل عمرو بن مالك وهو الراسبي ترك التحديث عنه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال ابن عدي في " الكامل " (ق 285/2) :

منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث.

وأما ابن حبان فذكره في " الثقات "، ولكنه قال:

يغرب ويخطىء.

قلت: فإذا كان من شأنه أنه يخطىء، فإيراده في كتابه " الضعفاء " أولى به من " الثقات " كما لا يخفى، وأما الجهالة، فهو أن عبد الملك بن نعامة الحنفي لم أجد من ذكره، ومثله شيخه يوسف بن أبي مريم الحنفي، إلا أنه قد أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4/1/232) ، ولكنه بيض له! وقد أشار إلى ما سبق الحافظ الهيثمي بقوله في " المجمع " (8/134) :

رواه البزار عن شيخه عمرو بن مالك، تركه أبو زرعة وأبو حاتم، ووثقه ابن حبان وقال: يخطىء ويغرب، وفيه من لم أعرفه.

1071 - " يعاد الوضوء من الرعاف السائل ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 427/2) عن يغنم بن سالم: حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: يغنم يروي عن أنس مناكير، وأحاديثه عامتها غير محفوظة.

وقال ابن حبان:

كان يضع على أنس بن مالك.

 

(3/184)

 

 

وقال ابن يونس:

حدث عن أنس فكذب.

وقال عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام " (رقم 244) :

يغنم منكر الحديث ضعيفه.

1072 - " امسح برأس اليتيم هكذا إلى مقدم رأسه، ومن له أب هكذا إلى مؤخر رأسه ".

موضوع.

رواه البخاري في " التاريخ " (1/1/97) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 381) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15/197/1) من طريق الخطيب وهذا في " تاريخه " (5/291) عن سلمة بن حيان العتكي: حدثنا صالح الناجي قال: كنت عند محمد بن سليمان أمير البصرة فقال: حدثني أبي عن جدي الأكبر - يعني ابن عباس -

مرفوعا.

أورده في ترجمة محمد بن سليمان هذا وقالا، أعني الخطيب وابن عساكر:

لا يحفظ له غيره.

وقال البخاري:

منقطع يعني بين محمد بن سليمان، وهو ابن علي بن عبد الله بن عباس، وبين ابن عباس، وقال العقيلي فيه:

ليس يعرف بالنقل وحديثه هذا غير محفوظ ولا يعرف إلا به.

وقال الذهبي عقب الحديث:

هذا موضوع، وأقره الحافظ في " اللسان ".

والانقطاع الذي أشار إليه البخاري إنما هو بالنظر إلى هذا الإسناد، وإلا فقد رواه محمد بن مرزوق وإبراهيم بن مسلم بن رشيد قالا: حدثنا صالح الناجي به إلا أنه قال: حدثنا محمد بن سليمان عن أبيه عن جده عن ابن عباس، وهذا موصول.

 

(3/185)

 

 

أخرجه البزار في " مسنده " (1913 ـ كشف الأستار) ، وقال:

لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، ولا نعلم [له] إسنادا غير هذا الإسناد، وإنما كتبناه لأنا لم نحفظه إلا من هذا الوجه وفي لفظ لابن عساكر:

" الصبي الذي له أب يمسح رأسه إلى الخلف، واليتيم يمسح رأسه إلى قدام ".

ولفظ العقيلي:

" يمسح اليتيم هكذا: ووصفه صالح من أوسط رأسه إلى جبهته ومن له أب فهكذا ووصف صالح من جبهته إلى وسط رأسه ".

أورده الهيثمي في " المجمع " (8/163) من رواية " الأوسط "، والظاهر أنه سقط ذكر البزار قبله من الطابع أوالناسخ وقال:

وفيه محمد بن سليمان وقد ذكروا هذا من مناكير حديثه.

تنبيه على وهم نبيه:

لقد تصحف هذا الحديث على الحافظ عبد الحق الإشبيلي، فإنه أورده في " باب التيمم " من كتابه " الحكام " (رقم 538 ـ منسوختي) من طريق العقيلي بلفظ:

" يمسح المتيمم هكذا.. "!

وهذا من أغرب تصحيف وقفت عليه، لا سيما من مثل هذا الحافظ، ولست أدري كيف خفي هذا عليه مع أن معناه أكبر منبه عليه إذ لا قائل بالتيمم على الرأس؟ لا سيما وتمام الحديث يؤكد ذلك: " ومن له أب فهكذا.. "! فجل من لا يسهو ولا ينسى، ثم إن الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الخطيب وابن عساكر، وكأنه خفي عليه شهادة الحافظين المتقدمين: الذهبي والعسقلاني بوضعه، والقلب يشهد بذلك، والله المستعان.

وفي مسح رأس اليتيم حديث آخر من رواية أبي هريرة وغيره، وهو مخرج في الصحيحة (854) .

 

(3/186)

 

 

1073 - " الصلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي عشرة آلاف صلاة، والصلاة في مسجد الراباطات ألف صلاة ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " الحلية " (8/46) عن عبد الرحيم بن حبيب: حدثنا داود بن عجلان: حدثنا إبراهيم بن أدهم عن مقاتل بن حيان عن أنس مرفوعا، وقال أبو نعيم:

لم نكتبه إلا من حديث عبد الرحيم عن داود.

قلت: وكلاهما متهم.

أما داود فقال ابن حبان:

يروي عن أبي عقال عن أنس المناكير الكثيرة والأشياء الموضوعة "، قال الحاكم والنقاش:

روى عن أبي عقال أحاديث موضوعة.

وأما عبد الرحيم بن حبيب، فقال ابن حبان:

لعله وضع أكثر من مائة حديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو نعيم:

روى عن ابن عيينة وبقية الموضوعات.

قلت: ومع هذا فقد تجرأ السيوطي أوغفل فسود بهذا الحديث " الجامع الصغير " من رواية أبي نعيم وحده ولم يتعقبه المناوي بشيء غير أنه قال:

إسناده ضعيف.

فكأنه لم يقف على سنده فاكتفى بتضعيفه بناء على قاعدة: إن ما تفرد به أبو نعيم فهو ضعيف!

ومما يستنكر في هذا الحديث قوله: إن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الكثيرة الصحيحة أنها بألف صلاة وقد سقت هذه الأحاديث وخرجتها في " الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب "، ثم في " الإرواء " (971 و1129) .

 

(3/187)

 

 

1074 - " خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير، أوقال: الناس والدواب ".

ضعيف.

أخرجه المحاملي في آخر مجلس من " الأمالي " (ق 229/1) وابن حيويه الخزاز في " حديثه " (1/2) وابن عدي في " الكامل " (ق 41/1) ، والبيهقي في " السنن الكبرى " (7/67) والسياق له من طريق بريه بن عمر بن سفينة عن أبيه (سقط من " السنن ": عن أبيه) عن جده قال:

احتجم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لي: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف، وله علتان:

لا يعرف، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال البخاري: إسناده مجهول.

وأورده العقيلي في " الضعفاء " (ص 282) وقال:

حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به.

والآخرى: ابنه بريه مصغرا، واسمه إبراهيم، أورده العقيلي أيضا (ص 61)

وقال:

لا يتابع على حديثه، وقال ابن عدي:

له أحاديث يسيرة غير ما ذكرت، ولم أجد للمتكلمين في الرجال لأحد منهم فيه كلاما، وأحاديثه لا يتابعه عليها الثقات، وأرجوأنه لا بأس به.

وقال الذهبي في " الميزان ":

ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به.

وقال أيضا:

وتفرد بريه عن أبيه بمناكير.

والحديث ضعفه عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام " (رقم 576 - من نسختي وتحقيقي) ، وسكت عليه الحافظ في " التلخيص " (ص 10) فلم يُجِد.

 

(3/188)

 

 

1075 - " ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا يرفع لهم إلى السماء حسنة: العبد الآنق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى

يرضى والسكران حتى يصحو".

ضعيف.

رواه ابن عدي في " الكامل " (ق 149/1) وابن خزيمة (940) وابن حبان في " صحيحه " (1297) وابن عساكر (12/5/1) عن هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا به.

ذكره ابن عدي في ترجمة زهير هذا، وقال عقبه:

رواه ابن مصفا أيضا عن الوليد.

قلت وخالفهما في إسناده موسى بن أيوب وهو أبو عمران النصيبي الأنطاكي فقال:

حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر به أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (رقم - 9385) وقال:

لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد.

قلت: وأنا أظن أن هذا الاضطراب والاختلاف في إسناده إنما هو من زهير بن محمد نفسه وهو الخراساني الشامي، فإن الراوي عنه الوليد بن مسلم ثقة، وكذلك الرواة عنه كلهم ثقات، وهم شاميون جميعا، وقد قال الحافظ في ترجمته من " التقريب ":

سكن الشام ثم الحجاز، رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهيرا الذي يروي عنه الشاميون آخر، وقال أبو حاتم:

حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه.

وقال الذهبي في " الضعفاء ":

ثقة فيه لين.

والحديث قال المنذري في " الترغيب " (3/78 - 79) :

 

(3/189)

 

 

رواه الطبراني في " الأوسط " من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل، وابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " من رواية زهير بن محمد.

قلت: وهذا التخريج يوهم أن الطبراني ليس في روايته زهير بن محمد وهو خلاف الواقع، فإن زهيرا في رواية الجميع، إلا أن شيخه عند الطبراني هو ابن عقيل، وعند ابن حبان وكذا ابن خزيمة محمد بن المنكدر وذلك من اضطراب زهير كما بينا وذكر المناوي في " شرحيه " عن الذهبي أنه قال في " المهذب ":

هذا من مناكير زهير.

وقال الهيثمي في " المجمع " (4/31) :

" رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن عقيل، وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات.

كذا قال، وعلة الحديث لين زهير واضطرابه في سنده، ولولا ذلك لكان الحديث ثابتا، ولبيان هذه الحقيقة التي قد لا تجدها في غير هذا المكان كتبنا ما سبق، والله هو الموفق، والحديث مما أورده الغماري في " كنزه " خلافا لشرطه!

1076 - " على كل ميسم من الإنسان صلاة، فقال رجل من القوم: هذا شديد ومن يطيق هذا؟ قال: أمر بالمعروف ونهي عن المنكر صلاة، وإن حملا عن الضعيف صلاة، وإن كل خطوة يخطوها أحدكم إلى صلاة صلاة ".

ضعيف.

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 129/2) وابن خزيمة في " صحيحه " (1497) وأبو الحسن محمد بن محمد البزار البغدادي في " جزء من حديثه " (ق 174/1) وابن مردويه في " ثلاثة مجالس من الأمالي " (ق 191/2) من طرق عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

(3/190)

 

 

قلت: وهذا إسناد ضعيف، لأن سماكا، وإن كان من رجال مسلم ففيه ضعف من قبل حفظه، وخصوصا في روايته عن عكرمة، قال الحافظ في " التقريب ":

صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره، فكان ربما يلقن والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " بهذا اللفظ، ثم قال (3/104) :

رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في " الكبير " و" الصغير " بنحوه، وزاد فيها: " ويجزي من ذلك كله ركعتا الضحى "، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.

قلنا: ولنا على هذا الكلام ملاحظات:

الأولى: أن قوله: ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، يوهم أنهم ثقات جميعا، وليس كذلك، لحال رواية سماك عن عكرمة، كما بينا.

الثانية: أن قوله في رواية الطبراني: " بنحوه "، يشعر بأن الحديث عنده بتمامه في المعنى، وإنما هو عنده مختصر جدا ولفظه:

" على كل سلامي من بني آدم في كل يوم صدقة، ويجزي من ذلك كله ركعتا الضحى ".

فكان الأولى أن يقول: مختصرا مكان بنحوه.

والحديث قال المنذري في " الترغيب " (1/126) :

رواه ابن خزيمة في " صحيحه ".

قلت: وأشار المنذري إلى أنه حديث صحيح أوحسن أوقريب من أحدهما بتصدير إياه بلفظة " عن " واغتر به مؤلف " الكنز " فأورده فيه (2167) !

فالحديث ضعيف الإسناد، ضعيف المتن بهذا اللفظ " صلاة "، وهو صحيح بلفظ " صدقة " من حديث أبي ذر وغيره عند مسلم وغيره، فاقتضى التنبيه على ذلك، وهو مخرج في " الصحيحة " (برقم 577) وقبله أحاديث أخرى بمعناه، فراجعها إن شئت، ثم إن الهيثمي أورد الحديث بلفظ: " يصبح على كل.. ".

 

(3/191)

 

 

وليس في نسختنا من " مسند أبي يعلى " لفظ يصبح، ولا في شيء من المصادر الأخرى التي عزونا الحديث إليها، نعم هو في حديث أبي ذر الذي أشرنا إليه. ووقع في " المجمع ": مسلم بدل ميسم وهو خطأ مطبعي.

1077 - " من قال: جزى الله عنا محمدا صلى الله عليه وسلم بما هو أهله، أتعب سبعين كاتبا ألف صباح ".

ضعيف جدا.

أخرجه الطبراني في " الكبير " (3/124/2) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (3/206) وابن شاهين في " الترغيب والترهيب " (ق 260/1) وأبو نعيم أيضا في " أخبار أصبهان " (2/230) من طرق عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

وقال أبو نعيم:

حديث غريب من حديث عكرمة، وجعفر، ومعاوية، تفرد به هانىء.

قلت: وهو ضعيف جدا، قال ابن حبان:

كان تدخل عليه المناكير، وكثرت، فلا يجوز الاحتجاج به بحال، فمن مناكيره ... ".

قلت: ثم ساق له أحاديث هذا أحدها، وأورده ابن أبي حاتم (4/2/102) ولم يذكر فيه جرحا، ولكنه قال:

سألت أبي عنه فقال: أدركته ولم أسمع منه، وفي نسخة: " ولم أكتب عنه " وهي الموافقة لما نقله الحافظ في " اللسان " عن أبي حاتم.

قلت: وكأن أبا حاتم رحمه الله يشير إلى أنه أعرض عنه وتركه، والله أعلم.

 

(3/192)

 

 

1078 - " يا عجبا كل العجب للشاك في قدرة الله وهو يرى خلقه، بل عجبا كل العجب للمكذب بالنشأة الأخرى وهو يرى الأولى، ويا عجبا كل العجب للمكذب بنشور الموت وهو يموت كل يوم وفي كل ليلة

 

(3/192)

 

 

ويحيى، ويا عجبا كل العجب للمصدق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور، ويا عجبا كل العجب للمختال الفخور، وإنما خلق من نطفة، ثم يعود جيفة وهو بين ذلك لا يدري ما يفعل به ".

موضوع.

رواه القضاعي (49/1 - 2) عن موسى الصغير عن عمرو بن مرة عن أبي جعفر عبد الله بن مسور الهاشمي مرفوعا.

قلت: وهذا حديث موضوع، آفته عبد الله بن مسور هذا، وهو من أتباع التابعين كذاب وضاع، رماه بذلك جماعة من الأئمة كأحمد والبخاري والنسائي وغيرهم، وكان يفتعل ذلك حسبة! قال ابن المديني:

كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يضع إلا ما فيه أدب أو زهد، فيقال له في ذلك؟ فيقول: إن فيه أجرا!

قلت: وهذا الحديث من اختلاقه، فإن علامات الوضع عليه لائحة، قبحه الله وقبح أمثاله من الكذابين الذين شوهو اجمال حديث النبي صلى الله عليه وسلم، بما أدخلوا فيه من الغرائب والأباطيل.

وقد جاء هذا الحديث في كتاب " المنازل والديار " (ص 102) من المخطوطة التي قام بطبعها المكتب الإسلامي في دمشق.

1079 - " آمرك بالوالدين خيرا، قال: والذي بعثك بالحق نبيا لأجاهدن، ولأتركهما! قال: أنت أعلم ".

منكر بهذا السياق.

أخرجه أحمد (2/172) من طريق ابن لهيعة: حدثني حيي بن عبد الله أن أبا عبد الله أن أبا عبد الرحمن حدثه أن عبد الله بن عمرو قال: " إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة، ثم قال: مه؟ قال: الصلاة، ثم قال: مه؟ قال: الصلاة، ثلاث مرات، قال: فلما غلب عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجهاد في سبيل الله، قال الرجل: فإن لي

 

(3/193)

 

 

والدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن لهيعة ضعيف سيىء الحفظ.

والمحفوظ في هذا الحديث من طرق أخرى عن ابن عمرو بلفظ:

" فقال: أحي والدك، قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد ".

أخرجه الشيخان وغيرهما، وقد ذكرت طرقه وشواهده في " إرواء الغليل " (رقم 1199) ، فقوله في هذا الحديث:

" أنت أعلم " مخالف لقوله: " ففيهما فجاهد " فهو منكر بهذا اللفظ، والله أعلم ثم رأيت الحديث قد أخرجه ابن حبان (258) من طريق ابن وهب: أخبرني حيي بن عبد الله فإنه مختلف فيه، قال ابن معين:

ليس به بأس، وقال ابن عدي:

أرجوأنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة، وقال أحمد:

أحاديثه مناكير، وقال البخاري:

فيه نظر، وقال النسائي: ليس بالقوي.

قلت: فمثله لا يحتج به عند المخالفة، والله أعلم.

1080 - " ليست بشجرة نبات، إنما هم بنوفلان، إذا ملكوا جاروا، وإذا ائتمنوا خانوا، ثم ضرب بيده على ظهر العباس، قال: فيخرج الله من ظهرك يا عم! رجلا يكون هلاكم على يديه ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " تاريخه " (3/343) عن محمد بن زكريا الغلابي: حدثنا عبد الله بن الضحاك الهدادي: حدثني هشام بن محمد الكلبي أنه كان عند المعتصم في أول أيام المأمون حين قدم المأمون بغداد، فذكر قوما بسوء السيرة

 

ج2. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الامة

    ج2. ج2. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها  السيئ في الأمة المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجات...