Translate

الخميس، 7 مارس 2024

ج1. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين

 

ج1.

ج1. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة

المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ)

ـ[سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة]ـ

المؤلف: محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني

دار النشر: مكتبة المعارف

البلد: الرياض - المملكة العربية السعودية

الطبعة: الأولى

سنة الطبع: 1412 هـ / 1992 م

عدد الأجزاء: 14 مجلد (علمًا بأن كل مجلد قد ينقسم لأكثر من قسم، فمثلاً المجلد الأخير 14 ينقسم إلى: القسم الأول، والقسم الثاني، والقسم الثالث، وقد طبع كل قسم منهم في مجلد مستقل، فيصبح المجلد 14 وحده 3 مجلدات! وهكذا) .

التصنيف: حديث - أحاديث ضعيفة وموضوعة

ترقيم الكتاب موافق للمطبوع كما يمكن الانتقال برقم الجزء والصفحة، أو برقم الحديث

[أعد الكتاب للموسوعة الشاملة مجموعة متطوعين من ملتقى أهل الحديث: http://www.ahlalhdeeth.com]

 

(1/1)

 

 

مقدمة المؤلف لهذه الطبعة الجديدة:

الحمد لله رب العالمين، والصلوات الطيِّبات على سيد المرسلين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد؛ فهذه هي الطبعة الجديدة للمجلَّد الأول من كتابي "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " نقدمها اليوم إلى القراء الكرام، المتتبِّعين بشغَفٍ زائد في كل بلاد الِإسلام؛ لمؤلَّفاتي التي كتب الله تعالى لها القبول التام، بين الأنام، المخلصين منهم في كل مكان، رغم أنف كل حاسد أو حاقد مطعان. " ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وعَلَى النَّاس ولكنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرونَ ". " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ [فَبِذَلِكَ] (*) فَلْيَفْرَحُوا [هُوَ] (*) خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون ".

وإن من هذا الفضل الِإلهيِّ أنه تعالى وفَّقني لِإخراج هذه الطبعة متميزة عن سابقاتها بزيادة فوائد عديدة؛ حديثية وفقهية، وبإضافة مصادر جديدة لبعض الأحاديث والتراجم، يعود الفضل فيها- بعد الله تبارك وتعالى- لبعض إخواننا المكيِّين وغيرهم، جزاهم الله تعالى خيراً.

ولما كان من طبيعة البشر التي خلقهم الله عليها العجز العلمي

__________

 

[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]

(*) سقطت من المطبوع

أسامة بن الزهراء - فريق عمل الموسوعة الشاملة

 

(1/3)

 

 

المشار إليه في قوله تعالى: "وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِن عِلْمِهِ إِلّاَ بِما شَاءَ"؛ كانَ بدهيّا جدّاً أن لا يجمُدَ الباحث عند رأي أو اجتهاد له قديم، إذا ما بدا له أن الصواب في غيره من جديد، ولذلك نجد في كتب العلماء أقوالًا متعارضة عن الِإمام الواحد؛ في الحديث وتراجم رواته، وفي الفقه، وبخاصة عن الِإمام أحمد، وقد تميز في ذلك الِإمام الشافعي بما اشتهر عنه أن له مذهبين: قديم وحديث.

وعليه؟ فلا يستغربنَّ القارئ الكريم تراجعي عن بعض الآراء والأحكام التي يُرى بعضها في هذا المجلد تحت الحديث (65) عند الكلام على حديث: " لا تذبحوا إلا مسنة "، وغير ذلك من الأمثلة؛ فإن لنا في ذلك بالسلف أسوة حسنة.

وإن مما يساعد على ذلك فوق ما ذكرت من العجز البشري- أننا نقف ما بين آونة وأخرى على مطبوعات جديدة. كانت أصولها في عالم المخطوطات أو المصورات، بعيدة عن متناول أيدي الباحثين والمحققين، إلا ما شاء الله منها لمن شاء، فيساعد ذلك مَن كان مهتماً بالوقوف على هذه

المطبوعات والاستفادة منها على التحقيق أكثر من ذي قبل.

ولهذا وذاك هو السر في بروز كثير من التصحيحات والتعديلات على بعض ما يطبع من مؤلفاتي الجديدة، أو ما يعاد طبعه منها. كهذا المجلد الذي بين يديك، وينتقدني لذلك بعض الجهلة الأغرار، كذلك السقاف هداه الله.

ومن الشواهد على ذلك ما تفضل الله به علي، ووفقني إليه، أنني

 

(1/4)

 

 

رفعت من هذا المجلد إلى "الأحاديث الصحيحة" حديثين اثنين:

أحدهما: الذي كان في الطبعات السابقة مقروناً برقم (176) بلفظ:

" كل بناء وبال على صاحبه ... ".

فرفعته إلى "الصحيحة" (2830) ، والسبب في ذلك أنني كنت قلت في راويه أبي طلحة الأسدي:

" لم يوثقه أحد ... ".

وذلك ثقة مني بالحافظ ابن حجر؛ فإنه لم يحك توثيقه عن أحد، ولقوله عنه في "التقريب ": "مقبول "!

فكتب أحد إخواني المكلَّفين بالنظر في الكتاب لِإعداده لهذه الطبعة: أن الهيثمي قد أورده في كتابه: "ترتيب ثقات ابن حبان "، فرجعت إلى أصله: " الثقات "، فوجدته فيه، وتابعت البحث والتحقيق، فتبيَّن لي أنه صدوق، وأن الحافظ كان في قوله المذكور غير مصيب. كما فصلت ذلك في المجلد السادس من "الصحيحة"، يسر الله لنا طبعه بمنه وكرمه، كما يسر لنا طبع الخامس منه، وهو وشيك الصدور إن شاء الله تعالى.

والحديث الآخر (316) :

"إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع في الآخرة".

استبدلته بغيره. كما سيأتي لأنني تذكرت أنني كنت خرجته فيما بعد في "الصحيحة" (343) من طرق كما كنت نبهت هناك.

وقد يقع مثله في غير هذين الحديثين، كما يمكن أن يقع عكس ذلك

 

(1/5)

 

 

تماماً، فرحم الله عبداً دلَّني على خطئي، وأهدى إليَّ عيوبي. فإن من السهل على- بإذنه تعالى وتوفيقه- أن أتراجع عن خطأ تبيَّن لي وجهه، وكتبي التي تطبع لأول مرة، وما يُجَدَّد طبعُه منها أكبرُ شاهد على ذلك، ولا نذهب بالقراء بعيداً، فبالإِضافة إلى ما سبق بيانه حول الحديثين المذكورين آنفاً فقد تراجعت عن قولي في (كنانة) راوي حديث التسبيح بالحصى: "مجهول الحال " إلى أنه صدوق أيضاً؛ كما سيرى القراء تحت الحديث (83) : "نعم المذكر السُبحة ... "، مع التنبيه أن حديثه بقي على ضعفه السابق؛ لتفرد راوٍ آخر به، وهو ضعيف، ورددت هناك على المصري الجاهل الذي انتصر للشيخ الحبشي في رسالة ذهب فيها إلى سنِّية التسبيح بالسبحة!

وبهذه المناسبة أقول:

إني أنصح كل من أراد أن يرد عليَّ- أو على غيري- ويبيًن لي ما يكون قد زلَّ بهِ قلمي، أو اشتط عن الصواب فكري، أن يكون رائده من الرد النصح والإِرشاد، والتواصي بالحق، وليس البغضاء والحسد، فإنها المستأصلة للدِّين. كما قال - صلى الله عليه وسلم -:

"دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: البغضاء والحسد، والبغضاء هي الحالقة، ليس حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين ".

كما هو شأن ذوي الأهواء والبدع مع أهل الحديث وأنصار السنة في كل زمان ومكان، وكما فعل معي بالذات كثير منهم- ولا يزالون مع الأسف- كالأعظمي، والغماري، ومَن نحا نحوهم من المتعصبة الجهلة!

 

(1/6)

 

 

كذاك السقاف، وقد انبرى له أخونا الحلبي بـ " الأنوار الكاشفة"، فلتراجع.

وإن من المؤسف حقاً أن تسري عدوى هؤلاء المبتدعة إلى بعض مَن يُظَنُّ أنه من أهل السنة؛ لِإقامته بين ظهرانيهم، فيضع يده في يدهم، ويرفع صوته مع أصواتهم في الرد على من ينصر السنة ويتبعها، وينكرا البدعة ويحاربها، وهو الشيخ إسماعيل الأنصاري، الباحث في دار الِإفتاء في الرياض، فإن هذا الرجل يبدو أنه لشدة ما يضمر في قلبه من البغض والحقد أن السنة لا تجمعه معنا؛ لأنه من غير المعقول أن يفتري السني على أحد من أعداء السنة، فكيف يعقل أن يفتري على من كان مشهوراً بين أهل السنة بأنه من أهلها، ومُحارَباً أشد المحاربة من أعدائها؟! فقد سبق لهذا الرجل أن كتب ضدي في مسألة الذهب المحلق، وركعات التراويح، ولم يلتزم في ذلك المنهج العلمي، بل إنه بثَّ في أثنائهِ كثيراً من إفكه وجدله بالباطل، كما كنت كشفت عنه في ردي عليه في مقدمة "آداب الزفاف " طبع المكتبة الِإسلامية في عمان (1) ، ومقدمة رسالتي " قيام رمضان " بما كنت أظن أنه يكون رادعاً له أن يعود إلى ذلك مرة أخرى، فإذا به يفجأ الناس برسالة صغيرة أسماها "الانتصار لشيخ الِإسلام محمد بن عبد الوهاب بالرد على مجانبة الألباني فيه الصواب "، يتهمني فيها بتهمة جديدة، ويزعم (ص 7 و 25) أنني شنعت على الشيخ رحمه الله وانتهكت

__________

(1) هذه الطبعة هي الشرعية، وأما طبعة المكتب الِإسلامي الجديدة؛ فهي غير شرعية. لأنها مسروقة عن الأولى، وحق الطبع للمؤلف يعطيه من يشاء، ويمنعه مَن لا يتقي الله، ويتلاعب بحقوق العباد، كما أن في هذه الطبعة المسروقة تصرفاً بزيادة ونقص، والله المستعان، وإليه المشتكى من فساد أهل هذا الزمان.

 

(1/7)

 

 

حرمته! كما يتهمني (ص 15) أنني نسبت الشيخ إلى التساهل من ناحية العقيدة، وذلك كلُّه بَهْت وافتراءٌ. عامله الله بما يستحق.

وليس غرضي في لهذه المقدمة الرد عليه في هاتين الفريتين، فقد كفاني في ذلك الأخ الفاضل علي حسن عبد الحميد الحلبي في رسالته القيمة في التعقيب على رسالة الأنصاري المذكورة، وبيان ما فيها من الأخطاء الكثيرة، وهي مطبوعة، فليرجع إليها من شاء الوقوف على الحقيقة، فإنه سيرى مع ذلك الفرق الشاسع بين رد الأنصاري وتهجمه علي، ورد صاحبنا عليه، وتأدبه معه تأدباً لا يستحقه الأنصاري لبغيه واعتداءاته المتكررة.

وإنما غرضي هنا أن أرد عليه انتصاره للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. الذي جعل من آداب المشي إلى المسجد أن يقول: " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا ... " إلخ الدعاء المعروف في الحديث الآتي بيان ضعفه، والكشف عن علله برقم (24) ، فانتصب الشيخ الأنصاري- هداه الله- لتمشية احتجاج الشيخ محمد بن عبد الوهاب به بتقوية الحديث، والرد علي لتضعيفي إياه بأسلوب يتبين لكل ذي لب أنه لم يكن فيه باغياً للحق، وإنما الانتصار للشخص، والتشفي ممن يحسده ويحقد عليه! وأنا ذاكر هنا بإيجاز ما اعتمد عليه في ذلك مع الكر عليه بإبطاله، فأقول:

أولاً: قال (ص 9) :

"رواية الأجلاء من حفاظ الحديث دون تنبيه على علتيه ... ".

ثم سوَّد خمس صفحات (9- 14) في تخريج الحديث دون فائدة

 

(1/8)

 

 

تذكر؛ لأنهم جميعاً أخرجوه من الطريق المعلول!

ثم أعاد كلامه هذا في الصفحة (15) !

وهو يعني بذلك أن سكوت هؤلاء الأجلاء قدوة حسنة للشيخ محمد ابن عبد الوهاب في سكوته عن الحديث!

وليس يخفى على كل ناشئ في هذا العلم أن هذا من أبطل الباطل. لأن لازِمَه أن أئمة الحديث كأصحاب السنن والمسانيد وغيرها إذا ساقوا الأحاديث بأسانيدهم ساكتين عنها أنه لا علة فيها! فهل يقول بهذا من رزقه الله ذرة من العلم، أو الخشية من الله " أَمْ عَلى قُلوبٍ أقْفالُها"؟

وأهل العلم يعلمون أن المحدِّثين إذا ساقوا الأحاديث بأسانيدها فقد برئت ذمتهم، ورُفعت المسؤولية عنهم، ولو كان فيها أحاديث ضعيفة؛ بل موضوعة، وليس كذلك من ساق الحديث دون إسناده، فعليه أن يبين حاله مقابل حذفه لِإسناده، وبخاصة إذا ساقه محتجاً به، ولو ذكر من أخرجه كما يفعل بعض الفقهاء المتأخرين، فأين هذا من صنيع المحدثين؛ الناصحين للأمة بروايتهم الأحاديث بأسانيدها التي تكشف عن مراتبها؟!

ثانياً: قال (ص 17) :

"تقوية بعض روايات الحديث، والجواب عن إعلاله بعطية وفضيل ".

وخلاصة جوابه يعود إلى أمرين:

الأول: تقوية حال عطية!

 

(1/9)

 

 

والآخر: تحسين الحافظ وغيره للحديث!

1- وجوابي عن الأول: أنه اعتمد في ذلك على قول الحافظ في " تخريج أحاديث الأذكار":

"ضَعْفُ عطية إنما جاء مِن قِبَل التشيع، ومِن قِبَل التدليس، وهو في نفسه صدوق، وقد أخرج له ... "، وذكر بعض أصحاب السنن وغيرهم (1) .

وقد تعامى الأنصاري عن حقيقتين علميتين هامتين. كما فعل قبله الكوثري وغيره من المتعصبة وأهل الأهواء؛ كما سيأتي في الكتاب:

الحقيقة الأولى: تضعيف، الجمهور لعطية من المتقدمين والمتأخرين، بل وإجماع المتأخرين منهم على ذلك. كالنووي، وابن تيمية، وغيرهم مما هو مذكور في رسالتي "التوسل " (ص 94) ، ونقل إجماعهم على ذلك أعلم الناس بالتراجم، وهو الحافظ الذهبي في "المغني " (2) ، ومنهم الحافظ ابن حجر نفسه في كتابه المختص في رجال الستة "التقريب "، فقال فيه:

"صدوق، يخطئ كثيراً، كان شيعياً مدلساً".

وأما أقوال المتقدمين منهم فتجدها مفصلة في رسالة أخينا الحلبي، (ص 35- 43) ، ولا بأس من سرد أسمائهم؛ ليتجلى للقارئ الهوة السحيقة التي هوى فيها الشيخ الأنصاري على منخره تشفياً من الألباني!

__________

(1) ونقله الزبيدي بمعناه في "شرح الِإحياء" (5/89) !

(2) وسبقه إلى ذلك شيخه ابن تيمية، فقال في رسالته في التوسل:

"وهو ضعيف بإجماع أهل العلم ". انظر: "مجموع الفتاوى" (1/ 288) .

 

(1/10)

 

 

" وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ "، وهاهي الأسماء:

1- سفيان الثوري

2- هُشيم

3- أحمد بن حنبل

4- ابن معين

5- البخاري

6- أبو داود

7- النسائي

8- أبو حاتم.

9- أبو زرعة.

10- ابن حبان.

11- الساجي.

12- الدارقطني.

13- الحاكم.

14- البيهقي.

15- ابن حزم.

ومن أسماء الأئمة المتأخرين:

1- ابن الجوزي

2- النووي

3- ابن تيمية.

4- ابن قيم الجوزية

5- الزيلعي

6- ابن عبد الهادي.

7- الذهبي.

8- الهيثمي.

9- ابن حجر نفسُه!

10- البوصيري.

11- محمد بن عبد الوهاب نفسُه!

وغير هؤلاء كثير، لو توسعنا في الاستقصاء لجاوز عددهم الثلاثين.

لقد سَمَحَتْ- إن لم نقل: سوََّلَتْ- للأنصاري نفسُه ... أن

يخالفهم في سبيل الطعن والتشهير بالألباني الذي اعتصم بحبلهم، مستغلاً

في ذلك زلةً لأحدهم، وقولاً للآخر.

 

(1/11)

 

 

أما الزلة. فهي قول ابن حجر المتقدم: إن ضعف عطية جاء من قبل تشيعه وتدليسه! وهذا مردود لمخالفته لأقوال أولئك الأئمة، بل ولقوله هو نفسه الذي هو خلاصة أقوالهم في عطية، ففد قال في "التقريب ":

"صدوق، يخطئ كثيراً، كان شيعيّاً مدلساً".

فقد أضاف إلى الصفتين السابقتين والمذكورتين هنا أيضاً صفة ثالثة، هي أنه "يخطئ كثيراً".

ونحو قوله في "طبقات المدلسين ":

"ضعيف الحفظ "!

وهذا الوصف يعني أن حديث عطية يلازمه الضعف، ولو فرض أنه لم يدلس. لسوء حفظه. ولهذا ينافي تحسين حديثه؛ كما فعل الحافظ سامحَهُ الله رداً على النووي رحمَهُ الله، ولما كان هوى الأنصاري في هذا التحسين للرد على الألباني تشبث به، وأعرض عن هذه الحقيقة، وتجاهلها، فعليه وزره ووزر من قد يغتر به " وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ".

وأما القول الآخر الذي استغله الأنصاري استغلالًا غير شريف؛ فهو ما ذكره (ص 21) عن ابن معين أنه قال:

"عطية العوفي ليس به بأس، قيل: يحتج به؟ قال: ليس به بأس ".

قلت: فاصرار ابن معين على قوله: "ليس به بأس "، وامتناعه من القول بأنه يحتج به، أقرب إلى أنه ضعيف لا يحتج به عنده، من كونه ثقة لديه.

 

(1/12)

 

 

وعلى فرض أنه يعنىِ أنه ثقة. كما زعم الأنصاري، فهو معارض بتضعيف أحمد وغيره من الأئمة الذين تقدمت أسماؤهم، كما أنه يعارض الحقيقة التالية التي خالفها الأنصاري، وهي:

الحقيقة الأخرى: أنه من الثابت في علم الحديث أن الجرح - وبخاصة إذا كان مفسراً- مقدم على التعديل، وجرح عطية هنا مفسَّر بشيئين:

الأول: سوء الحفظ.

والآخر: التدليس.

أما الأول. فلم يُعرج عليه الشيخ الأنصاري. لأنه يعلم أنه لا سبيل له إلى الجواب عنه، ولو بالتكلف كما هي عادته، فرأى تبعاً للهوى أن يكتم ذلك! من باب- كما يقول بعضهم-: " الهرب نصف الشجاعة "!

وأما الآخر؛ فقد أجاب الأنصاري مقلداً لابن حجر، وهو أن عطية صرح في بعض الروايات بالتحديث بقوله: "حدثني أبو سعيد"، فأُمِن بذلك تدليسه (1) .

فأقول: عفا الله عن الحافظ، فلقد نسي أن تدليس عطية ليس من النوع الذي ينفع فيه تصريحه بالتحديث، بل هو من النوع الذي يسمى

__________

(1) ليتأمل القارئ كيف تشبث الأنصاري هنا بتصريح عطية بالتحديث، مع أن ذلك لا يفيده؛ لما يأتي، وكيف تكلف في رد تحديث يحيى بن أبي كثير الثقة في حديث بنت هبيرة الصحيح، ومع ذلك أعله الأنصاري بالانقطاع! ولم يعتدَّ بتصريحه بالتحديث؛ كما بينته في ردي عليه في مقدمة الطبعة الجديدة لـ " آداب الزفاف "، طبع المكتبة الِإسلامية.

 

(1/13)

 

 

بتدليس الشيوخ المحرم لخبثه؛ لأنه يسمي شيخه أو يكنيه بغير اسمه أو كنيته تعمية لحاله، كما كنت بينته في "التوسل " (ص 94- 95) ، فقد كان

عطية إذا روى عن الكلبي الكذاب كناه بأبي سعيد، يوهم أنه أبو سعيد الخدري! ولهذا لمَا ذكره الحافظ في رسالته في المدلسين؛ قال:

"مشهور بالتدليس القبيح " (1) .

يشير إلى هذا النوع المحرم، ومنه تعلم أن تدليسه لا يزال قائماً، ولو ثبت عنه أنه قال: "حدثني أبو سعيد"، فهل كان الأنصاري جاهلًا بهذا أم متجاهلًا؟! أحلاهما مر!

ولقد كان الشيخ الكوثري- على ضلاله وتعصبه المعروف- خيراً من الشيخ الأنصاري من جهة أنه تنبه لكون تدليس عطية من هذا النوع الذي لا يفيد فيه التصريح بالتحديث، ولكنه حاول الإِجابة عنه بجواب آخر. إلا أنه رجع بخفي حنين كما سترى في الكتاب إن شاء الله تعالى.

وبهذا ينتهي الجواب عن تقوية الأنصاري لعطية التي بنى عليها تحسين حديثه في التوسل.

وخلاصته أنه اتَّكأ في ذلك على بعض الأقوال الشاذة عن أقوال

__________

(1) ولم ينتبه لهذا أخونا الفاضل بدر بن عبد الله البدر في تعليقه على، الدعوات الكبير" (ص 32/46) في حديث آخر لعطية، فقال:

"لم يصرح بالسماع من أبي سعيد الخدري ".

مع أنه في حديثنا لهذا أحال- جزاه الله خيراً- في استيفاء الكلام عليه إلى هذه السلسلة فيما يأتي (24) .

 

(1/14)

 

 

الجمهرة من العلماء المُجْمِعة على ضعف عطية، وفسر تدليس عطية بغير ما فسروه، مستغلاً في ذلك وهماً للحافظ، معرضاً عن أقواله الأخرى الموافقة للحق الذي عليه سائر العلماء، كل ذلك ارتكبه الأنصاري انطلاقاً منه من القاعدة التي يتكئ عليها أهل الأهواء، وهي: " الغاية تسوغ الوسيلة "! وغايته الطعن في الألباني، والتشهير به، والتظاهر بأنه ينتصر للشيخ محمد بن عبد الوهاب، تقرباً منه إلى الذين يعيش بين ظهرانيهم، وليس مرضاة لله تعالى، تماماً كما فعل صاحبه من قبل الشيخ أبو غدة من باب ما يقال: وأرضهم ما دمت في أرضهم!

وإن أعجب ما في لهذا التظاهر مخالفته للشيخ محمد نفسه، فقد سبق مني أن ذكرت الشيخ في جملة المضعفين لعطية، وذلك بناء على ما نقله الأنصاري نفسه عنه في حاشية "انتصاره " (ص 15) أنه قال الشيخ في "تلخيص تلخيص كتاب الاستغاثة" بعد أن خرج الحديث:

"في إسناده عطية العوفي، وفيه ضعف "!

قلت: وهذه الجملة هي التي كنا نريدها من الشيخ محمد رحمه الله، وهي وحدها تقضي على "انتصار الأنصاري "، وتجعله هباء منثوراً، ويصدق عليه عموم قوله تعالى: " بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ!

فإنها تستلزم- كما هو ظاهر- الحكم على الحديث بالضعف الذي يجهد الأنصاري نفسه عبثاً لرده! " وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ".

وأنا أظن أن جملة الشيخ لها تتمة، لم يذكرها الأنصاري عمداً؛ كما هي عادته في كتمان ما كان حجة عليه؛ لأنها أصرح في التضعيف، ولما

 

(1/15)

 

 

لم يكن كتاب الشيخ في متناول يدي، فقد رجعت إلى أصله، وهو "تلخيص كتاب الاستغاثة" لشيخ الِإسلام ابن تيمية، فوجدت فيه ما ظننت، فقال فيه (ص 42) بعد أن خرج الحديث أيضاً:

"في إسناده عطية العوفي، وفيه ضعف، فإن كان هذا كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو من هذا الباب ... " إلخ.

يعني التوسل الجائز؛ لأنه سؤال بأفعاله تعالى؛ قال:

" لأن فيه السؤال لله بحق السائلين، وبحق الماشين في طاعته، وحق السائلين أن يجيبهم، وحق الماشين أن يثيبهم ... " إلخ.

فقول شيخ الِإسلام ابن تيمية: "فإن كان لهذا كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ... "

صريح في أن الحديث عنده ضعيف، فعدم ذكر الأنصاري لها يدل كل من وقف على لهذه الحقيقة أنه ليس أميناً في النقل، ولا سيما إذا علم أنه نقل (ص 28) عن ابن تيمية تمام كلامه المذكور مبتدئاً بقوله:

"إن فيه السؤال لله بحق السائلين ... " إلخ.

كما نقله قبيل ذلك عن محمد بن عبد الوهاب من كتابه "تلخيص تلخيص كتاب الاستغاثة" مبتدئاً من قوله:

"حق السائلين أن يجبيهم ... "!

فحذف منهما عبارة ابن تيمية الأولى: "فإن كان لهذا كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ... " المصرحة بتضعيفهما للحديث!

فهل يستطيع أحد بعد هذا أن يزعم أن كتمانه لهذا النص كان عن

 

(1/16)

 

 

حسن نية منه، بل هل يستطيع أحد أن يدعي أن تأليفه للرسالة من أصلها لم يكن عن سوء نية، وسواد طوية، بعدما تقدم من البينات على ذلك، وبخاصة بعد أن نقل هو نفسه عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب تضعيفه لعطية كما تقدم؟!

لا أعتقد أن أحداً يستطيع ذلك، ولو كان من المبالغين في إحسان الظن بالناس، كذاك الصوفي الذي زعموا إنه رآه بعضهم يبكي في الطريق، فلما سئل؟ قال مشيراً إلى رجل وامرأة يتسافدان على جانب الطريق:

أبكي شفقة على لهذين الزوجين (!) إذ لم يجدا بيتاً يستتران فيه لقضاء حاجتهما!!

ثالثاً وأخيراً: وهو الأمر الآخر الذي سبقت الِإشارة إليه في قوله:

"تقوية بعض روايات الحديث ... ".

فقال (ص 23) :

"تحسين بعض الحفاظ حديث: ( ... اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك) ".

ثم نقل تحسينه عن الحافظ العراقي،- وأبي الحسن المقدسي- شيخ المنذري-، والدمياطي.

والجواب من وجوه:

الأول: قد سبق آنفاً تحقيق أن عطية الذي في لهذا الحديث الذي

 

(1/17)

 

 

حسنه الثلاثة المذكورون ضعيف عند جماهير العلماء لسوء حفظه، وتدليسه القبيح المحرم، فكيف يجوز تحسين الحديث مع وجود هاتين العلتين فيه؟! وما أحسن ما قيل:

وهَلْ يَسْتَقِيمُ الظِّلُّ والعُودُ أعْوَجُ؟!

وثمّة علةٌ أخرى تؤكد سوء حفظه، فاتني التنبيهُ عليها فيما سبق، وهي اضطرابُه في سنده، فهو تارة يرفعه، وتارة يوقفه؛ كما كنت بينته في الكتاب، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، وأزيد هنا فأقول: وأخرى الشك، فيقول: "أراه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - "؟ كما في رواية ابن ضريس، إحدى روايتي ابن خزيمة، اللتين ذكرهما عنه الأنصاري (ص 11) ، لكن وقع عنده: "رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - "؛ دون قوله: "أراه "، عزاه إلى (ص 41 - 42) من "كتاب التوحيد" لابن خزيمة، ولا أدري أي طبعة منه أراد الأنصاري، فإنه في (ص 12) من الطبعة المنيرية التي عندي، والرواية فيها بالشك كما ذكرت، وهو الذي يقتضيه سياق كلام ابن خزيمة، فلا أدري أسقط ذلك من نسخة الأنصاري، أم هو أسقطها لغاية في نفسه؟!

ولا أستبعد صدور ذلك منه، بعد كل ما فعل مما سبق بيانه ويأتي!

وإن ممّا لا يخفى على كل بصير بهذا العلم الشريف أنَّ تلون الراوي في رواية الحديث، فهو يرفعه تارة، ويوقفه تارة، ويشك في رفعه أخرى؛ إنما هو دليل طاهر على ضعفه وعدم ضبطه، حتى ولو لم يكن ضعيفاً كعطية هذا، وكما كابر الأنصاري في ضعفه- كما سبق- فكذلك كابر في

تعاميه عن هذه العلة التي كان وقف عليها في الكتاب، فحاد عن الجواب

 

(1/18)

 

 

عنها! بل إنه أوهم القراء انتفاءها بحكايته عن أبي حاتم ترجيح رواية الوقف! فعقب عليها بقوله (ص 10 و18- 19) :

"إن ترجيح أبي حاتم الوقف غير مؤثر. لأنه في حكم الرفع "!

وأقول: لو أن الأنصاري على معرفةٍ بهذا العلم الشريف، وعنده شيء من الجرأة الأدبية لرد لهذا الترجيح بحجة قوية، وهي أن الذين رفعوا الحديث عن عطية أكثر من الذين أوقفوه، وهم كما في الروايات التي خرَّجها في رسالته (ص 9-18) :

1- يزيد بن هارون. أحمد.

2- سليم بن حيان. ابن خزيمة.

3- محمد بن سعيد بن يزيد التستري. ابن ماجه.

4- عبد الله بن صالح العجلي. الطبراني.

5- يحيى بن أبي بكير. البيهقي.

وخالفهم وكيع بن الجراح، وأبو نعيم.

ولكني أقول: إن هذا الترجيح إنما يتماشى مع زعم الأنصاري أن عطية حسن الحديث لا بأس به، ولكنه ساقط عندي، بل إن اختلاف هؤلاء الثقات عليه رفعاً ووقفاً من الأدلة على ضعفه، وأنه هو الذي اضطرب في ذلك، وكان بودِّي أن أقول: إن الذي اختلف عليه هو فضيل بن مرزوق الذي عليه دار الخلاف، ولكني أرى أن عطية أولى بالحمل عليه في ذلك؛ لأنه أشدُّ ضعفاً منه.

 

(1/19)

 

 

وعلى كل حال. فسواء كان لهذا الاضطراب من هذا أو ذاك. فهو علة أخرى تؤكد ضعف الحديث، وخطأ الذين حسنوه، واستغلال الأنصاري إياه!

وأريد أن أستدرك هنا شيئاً تنبهت له هذه الساعة، وهي أن لعطية ثلاثة أولاد: عمرو، وعبد الله، والحسين، وكلهم ضعفاء، وقد تكلم عليهم الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "شرح علل الترمذي " (2/791 - 792) ، وبين ضعفهم كأبيهم، فدل ذلك مما يلقي في النفس أنهم أهل بيت ورثوا الضعف عن أبيهم فرداً فرداً، ويؤيده أن عمرو بن عطية، قد روى هذا الحديث أيضاً عن أبيه بلفظ آخر أوله:

"كان - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا قضى صلاته: اللهم بحق السائلين عليك، فإن للسائل عليك حقاً ... " الحديث.

وهذا كما ترى مخالف للفظ فضيل بن مرزوق عن عطية، حيث قال "من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين ... ".

ولذلك؛ فيمكن اعتبار هذه الرواية علة أخرى في الحديث، وهي اضطراب عطية في لفظه إن كان ابنه عمرو قد حفظه عنه، كما اضطرب في سنده، فتارة رفعه، وأخرى أوقفه، وإن كان أبو حاتم رجح الوقف كما سبق مع بيان ما فيه، وسيأتي تخريج حديث عمرو بن عطية، ولفظه في آخر

المجلد الثاني عشر من هذه السلسلة برقم (5986) ، إن شاء الله تعالى.

 

(1/20)

 

 

الوجه الثاني: المعارضة بتضعيف، من ضعف الحديث، وهم أقدم وأشهر وأكثر:

1- المنذري، مخالفاً في ذلك لشيخه أبي الحسن المقدسي الذي اعتمد عليه الأنصاري من بين الثلاثة المتقدمين آنفاً!

2- النووي، الذي رد عليه ابن حجر تضعيفه، وهو المضعف!

3- ابن تيمية، الذي نقل الأنصاري عنه تضعيفه لعطية دون أن ينقل تضعيفه للحديث نفسه!

4- البوصيري، الذي نقل عنه الأنصاري تضعيفه إياه؛ دون أن يعتبر به!

5- محمد بن عبد الوهاب، الذي نقل عنه الأنصاري تضعيفه لعطية، ولم ينقل عنه تضعيفه للحديث أيضاً، وإن كان التضعيف الأول كافياً.

6- صديق حسن خان.

ويمكن أن نُلحِقَ بهم سابعاً وثامناً، وهما:

7- النسائي.

8- ابن القيم.

أما النسائي؛ فلعدم ذكره إياه في كتابه "عمل اليوم والليلة"؛ خلافاً لتلميذه ابن السني الذي أورده في كتابه كما نقله الأنصاري (ص 25) ، وكتاب النسائي أنظف بكثير من كتاب تلميذه، فلولا أنه يعلم أنه ضعيف؛

 

(1/21)

 

 

لكان أورده فيه إن شاء الله تعالى.

وأما ابن القيم. فكذلك لم يذكره في كتابه " الوابل الصيب " المطبوع عدة طبعات، منها التي علق عليها الشيخ الأنصاري، وهو في ذلك تابع لشيخه ابن تيمية، فإنه لم يورده أيضاً في كتابه " الكلم الطيب " مع تصريحه المتقدم بضعفه، ومعلوم لدى العلماء أن ابن القيم قلما يخالف شيخه في آرائه واجتهاداته.

وإن من شغب الشيخ الأنصاري قوله عقب التحسين المتقدم عن الثلاثة:

" فماذا يقول الألباني فيهم، وقد سلكوا في ذلك مسلك التقوية، لا شك أنه سيقول فيهم أشد وأشنع مما قاله في محمد بن عبد الوهاب ".

فلينظر القارئ الكريم إلى خباثة هذا الرجل، الذي يكاد قلبه يقطر دماً حسداً وحقداً، إنه يسأل ماكراً، ويجيب من عند نفسه باغياً، وهو يقرأ:

"إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بالسّوء ... "، أم هو من مشايخ أهل الكشف، الذين يزعمون أنهم يطلعون على ما في صدور الناس، ويكشفون أسرار قلوبهم؛ كفراً بمثل قوله تعالى: "إِنَّ اللهَ عَليمٌ بِما في الصُّدُورِ"؟!

أما جوابي أنا الذي أدين الله به: فهو أنني لم أشنع على الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ولن أقول فيه ولا في غيره من العلماء إلا ما قال الله: "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ "، مَن اجتهد منهم فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد.

ولكن ماذا تقول أنت أيها المنتسب إلى الأنصار في الِإجماع الذي

 

(1/22)

 

 

نقله شيخ الِإسلام ابن تيمية والحافظ الذهبي على ضعف عطية الذي تفرَّد بهذا الحديث كما تقدم (ص 10) ، وفي اتفاق أولئك الأئمة الستة أو الثمانية - وفيهم محمد بن عبد الوهاب نفسه- على ضعف حديثه هذا؟

لن أتخرص تخرصك السابق، و" أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين "، ولكنْ لا بُدَّ لك من أن تقول: أصابوا أو أخطؤوا، فإن قلت بالأول سقطت رسالتك- إن كانت لم تسقط بعد بما تقدم! - كما سقط انتصارك المزعوم، وإن قلت بالآخر، فهل يخطئ الإِجماع؟! فإن قلت: لا. ظهر تناقضك وتهافتك، وإن قلت: نعم؛ حُق فيكَ قول ربِّ العالمين: " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " عياذاً بالله تعالى.

ثم إن الشيخ الأنصاري- هداه الله- لم يكتف بما سبق الكشف عنه من تهجماته وتخرصاته، حتى ختم رسالته بفرية أخرى، أو تجاهل آخر - على الأقل-، وهو زعمه (ص 27) أنني لم أطلع على ماَ فسر به الِإمام محمد بن عبد الوهاب جملة: "بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي

هذا"!

قلت: التفسير المشار إليه معروف لدي والحمد لله، والشيخ يعلم ذلك جيداً؟ لأنه قرأه في آخر الكلام على هذا الحديث في هذه السلسلة

كما سيأتي في صدد الرد على بعض المبتدعين المستدلين به على التوسل المبتدع، فقد قلت هناك: "إن حق السائلين على الله تعالى هو أن يجيب دعاءهم، فلو صح

 

(1/23)

 

 

هذا الحديث وما في معناه؛ فليس فيه توسلٌ ما بمخلوقٍ، بل هو توسًّل إليه بصفة من صفاته، وهي الِإجابة ... " إلخ.

ونحوه في رسالتي "التوسل أنواعه وأحكامه " (ص 100) ، وما أظن الشيخ إلا وقد اطلع عليه، لا أقول للاستفادة منه، فهو الغني عن ذلك!

ولكن لتتبع العثرات!

ولا بأس من أن أختم كلامي هنا بالدعاء المأثور في بعض الأحاديث:

"اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر، عينه تراني، وقلبه يرعاني (أي: يتجسس علي) ، إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها ".

وسيأتي تخريجه والكلام على إسناده في المجلد السادس من هذه السلسلة برقم (2913) إن شاء الله تعالى.

وبعد كتابة ما تقدم ذكَّرني أحد الِإخوان برسالة لصاحبنا الشيخ حماد الأنصاري حفظه الله سماها: "تحفة القاري في الرد على الغماري "، فيها الرد عليه تحسينه لهذا الحديث- كالشيخ إسماعيل تماماً- وهو ابن عم الشيخ حماد، فتساءلنا: لماذا خصَّ الشيخُ إسماعيلُ برده الألبانيَّ دون ابنِ عمه، وهما متفقان في مخالفته في تحسينه الذي وافق فيه الشيخَ الغماريَّ المشهور بابتداعه وإتباعه لهواه! وكذلك لم يُشْرِك في رَدَه الشيخَ شعيباً الأرناؤوط مع أنه معنا في التضعيف، في تعليقه على "شرح الطحاويَّة" (1/ 295- 296) ؟! أليس في ذلك ما يؤكِّد للقراء أن رد الشيخ ليس للنصح والِإرشاد، وإنما للتشفِّي من الألباني والتشهير به. حسداً وحقداً عليه،

 

(1/24)

 

 

ومحاباة لابن عمه؟! " رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب ".

وبهذه المناسبة أسوق هنا للشيخ الأنصاري القصة التالية عبرة له وتذكيراً بما كان عليه السلف من الأنصار، لعلهم يكونون لمن خلف من بعدهم قدوة حسنة يحتذى بهم في سلامة القلب، وحسن الخلق.

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا جلوساً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:

"يطلعُ عليكُم الآنَ رجلٌ من أهلِ الجنةِ".

فطلعَ رجلٌ من الأنصارِ تنطفُ لحيتُه من وَضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال. فلما كان الغد؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك، فطلع الرجل مثل المرَّة الأولى. فلما كان اليوم الثالث؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى.

فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحَيْتُ أبي، فأقسمتُ أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي (وفي رواية: حتى تحل يميني) . فعلت؟ قال: نعم.

قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئاً؟ غير أنه إذا تعارَّ، وتقلب على فراشه، ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، [فيسبغ الوضوء] . قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً. فلما مضت الثلاث ليال، وكدت أن أحتقر عمله. قلت: يا عبد الله! إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثَمّ،

 

(1/25)

 

 

ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لك ثلاث مرار: "يطلعُ عليكم الآنَ رجلٌ من أهلِ الجنةِ".

فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك؟ فأقتدي بك، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ما هو إلا ما رأيتَ! [فانصرفت عنه] .

قال: فلما وليت دعاني، فقال:

ما هو إلا ما رأيتَ، غير إني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، (وفي رواية: غلًا) ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه.

فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق.

أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (241/694) ، والروايتان مع الزيادتين له، وعبد الرزاق في " المصنف " (11/287/20559) ،

وعنه أحمد (3/166) والسياق له.

وإسناده صحيح على شرط الشيخين؛ كما قال المنذري، ورواه غيرهم كما في "الترغيب " (4/13) .

وقد قال ابن تيمية- رحمه الله- عقب الحديث في "الفتاوى" (10/ 119) :

"فقول عبد الله بن عمرو له: "هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق " يشير إلى خلوِّه وسلامته من جميع أنواع الحسد.

 

(1/26)

 

 

وبهذا أثنى الله تعالى على الأنصار، ففال: " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ".

أي: مما أوتي إخوانهم المهاجرون، قال المفسرون:

"لَا يَجِدُونَ في صُدورِهِمْ حَاجَةً "؛ أي: حسداً وغيظاً مما أوتي المهاجرون ".

فهلا اقتديت بهم أيها الأنصاري؟!

وفي ختام هذه المقدمة لا بد لي من كلمة أوجهها إلى كل مخلص من قرائنا، حبيباً كانَ أم بغيضاً، فأقول:

كَثيراً ما يسألني بعضهم عن سبب الشدة التي تبدو أحياناً في بعض كتاباتي في الرد على بعض الكاتبين ضدي؟ وجواباً عليه أقول:

فليعلم هؤلاء القراء أنني بحمد الله لا أبتدئ أحداً يرد علي ردّاً علميّاً لا تَهَجُّمَ فيه، بل أنا له من الشاكرين، وإذا وُجِدَ شيءٌ من تلك الشدة في

مكان ما من كتبي. فذلك يعود إلى حالة من حالتين:

الأولى: أن تكون ردّاً على مَن رد علي ابتداء، واشتط فيه وأساء إلي بهتاً وافتراءً. كمثل أبي غدة، والأعظمي الذي تستر باسم أرشد السلفي!

والغماري، والبوطي، وغيرهم؛ كالشيخ إسماعيل الأنصاري غير ما مرة، وما العهد عنه ببعيد!

ومثل هؤلاء الظلمة لا يفيد فيهم- في اعتقادي- الصفح واللين، بل إنه قد يضرهم، ويشجعهم على الاستمرار في بغيهم وعدوانهم. كما قال

 

(1/27)

 

 

الشاعر:

إِذا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ ... وإنْ أَنْتْ أَكْرَمْ اللَّئيمَ تَمَرَّدَا

وَوَضْعُ النَّدَى في مَوْضِع السَّيْفِ بالعُلَى ... مُضِر كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى

بل إن تحمُلَ ظلم مثل هؤلاء المتصدرين لِإرشاد الناس وتعليمهم، قد يكون أحياناً فوق الطاقة البشرية، ولذلك جاءت الشريعة الِإسلامية مراعية لهذه الطاقة، فلم تقل- والحمد لله- كما في الِإنجيل المزعوم اليوم: "مَن ضربك على خدك الأيمن. فأدِرْ له الخد الأيسر، ومن طلب منك رداءك؛ فأعطه كساءك "! بل قال تعالى: "فمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُوا عليهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدَى علَيْكُمْ" هو، وقال: "وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها"، وأنا ذاكر بفضل الله تعالى أن تمام هذه الآية الثانية: " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور "، ولكني أعتقد أن الصفح المشكور، والصبر المأجور. إنما هو فيمن غلب على الظن أن ذلك ينفع الظالم ولا يضره، ويعزُّ الصابر ولا يذله. كما يدل على ذلك سيرته - صلى الله عليه وسلم - العمليَّة مع أعدائه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتل نبيّاً أو قتله نبي ".

انظر " الصحيحة" (281) .

 

(1/28)

 

 

وأقل ما يؤخَذُ من لهذه الآيات ونحوها أنها تسمح للمظلوم بالانتصار لنفسه بالحق دون تعدّ وظلم. كقوله تعالى: "لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بالسُّوء مِنَ القَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ "، والسنة تؤكد ذلك وتوضحه. كمثل قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة حين اعتدت إحدى ضرَّاتِها عليها:

"دونَكِ فانْتَصري ".

قالت: فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فيها، ما ترد علي شيئاً، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتهلل وجهه.

رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وغيره؛ بسند صحيح، وهو مخرج في المجلد الرابع من "الصحيحة" (1862) .

فأرجو من أولئك القراء أن لا يبادروا بالِإنكار، فإني مظلوم من كثير ممَّن يدَّعون العلم، وقد يكون بعضهم ممَّن يُظَنُّ أنه معنا على منهج

السلف، ولكنه- إن كان كذلك- فهو ممن أكل البغضُ والحسدُ كبدَه؛ كما جاء في الحديث:

"دبَّ إليكم داءُ الأمم قبلَكم: الحسد، والبغضاء، هي الحالقة.

حالقة الدين، لا حالقة الشعر".

وهو حديث حسن بمجموع طريقيه عن ابن الزبير وأبي هريرة.

فأرجو من أولئك المتسائلين أن يكونوا واقعيين، لا خياليين، وأن يرضوا مني أن أقف في ردِّي على الظالمين مع قول رب العالمين: "وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدينَ "؟؛غير متجاوب مع ذلك الجاهلي القديم:

 

(1/29)

 

 

ألا لَا يَجْهَلَنْ أحدٌ عَلَيْنا *** فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْل الجَاهِلِيْنا

عياذاً بالله أن أكون من الجاهلين.

والحالة الأخرى أن يكون هناك خطأ فاحش في حديث ما، صدر من بعض من عُرِف بقلة التحقيق، فقد أقسو على مثله في الكلام عليه، غيرةً

مني على حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، كقولي الآتي تحت الحديث (142) :

"لم يخجل السيوطي- عفا الله عنا وعنه- أن يستشهد بهذا الِإسناد الباطل. فإن (أبو الدنيا) هذا أفاك كذاب، لا يخفى حاله على

السيوطي ... ".-

فإن الباعث على هذه الشدة إنما هو الغيرة على حديثه – صلى الله عليه وسلم -، أن يُنْسَبَ إِليه ما لم يقله، وسلفنا في ذلك بعض الحفاظ المعروفين بالدين والتقوى، فانظر مثلاً إِلى قول الذهبي رحمه الله في الحاكم. وقد صحح الحديث الآتي في فضل علي رضي الله عنه برقم (757) :

"قلت: بل والله موضوع، وأحمد الحراني كذاب، فما أجهلك على سعة معرفتك؟! ".

فليتأمل القارئ الفرق بين الحاكم والسيوطي من جهة، وبين عبارة الذهبي في الحاكم، وعبارتي في السيوطي من جهة أخرى.

ثم وقفتُ على رسالة جديدة للشيخ الأنصاري- وهذه المقدِّمة تحت الطَّبع- تؤكِّدُ لكل مَن يقرؤها أنَّه ماضٍ في بغضهِ وحسده وافتراءاتِه، وهي

 

(1/30)

 

 

بعنوان: "نقد تعليقات الألباني على شرح الطَّحاويَّة"! وهو فيه- كعادته في ردوده عليَّ- لا يحسِنُ إلا التهجُّمَ، والتَّحامل عليَّ بشتَّى الأساليب،

والغمز، واللمز؛ كقوله في أول حديث انتقدني فيه بغير حق:

"فباعتبار الألباني نفسه محدِّثاً لا فقيهاً (!) ... ".

ونحو هذا من الِإفك الذي لا يصدُرُ من كاتب مخلصٍ يبتغي وجه الحق، وينفع فيه اللِّين والأسلوب الهيِّن في الردِّ عليه. لأنه مكابرٌ شديدُ المكابَرة والتمحُّل لتسليك أخطاءِ غير الألباني مع ظهورها، بقدر ِما يتكلَّف في توهيمِه وتجهيلهِ- ولو ببتر كلام العلماء، وتضليل القرَّاء- ليستقيمَ ردُّهُ عليهِ!!

وهو في بعض ما أخذهُ عليَّ ظلما في "نقده " هذا قد سبقهُ إليه الكوثري الصغير أبو غدَّة الحلبي، الذي كنتُ رددتُ عليه في مقدِّمة تخريج "شرح الطحاوية"، فالتقاؤهُ معه في ذلك ممَّا يدلُّ على أنَّه لا يتحرَّجُ في أن يتعاوَنَ مع بعضِ أهلِ الأهواء في الردِّ على أهل السنَّة! فلا أدري والله كيف يكون مثلُه باحثاً في دارِ الِإفتاء؛ وفيها كبارُ العلماء الذين لا يمكن أن يخفى عليهِم حال هذا الباحث في انحرافِهِ في الرَّدِّ عن الأسلوب العلميِّ النَّزيه، إلى طريقتِه المبتَدَعة في اتِّهامه لمَن خالفه من أهل السنَّة بالبهت، والافتراء، والتدليس، وتحريف الكلم عن مواضعه، وتتبُّع العَثرات؟!

ومَن أراد أن يتحقَّق من هذا الذي أجملتُه مِن أخلاقِ الرجل، بقلمٍ غير قلمي، وأسلوب ناعمٍ غير أسلوبي؟ فليقرأ ردَّ الأخ الفاضل سمير بن

 

(1/31)

 

 

أمين الزُّهيري المنصوري: "فتح الباري في الذَبِّ عن الألباني والرَّد على إسماعيل الأنصاريّ "، أرسلهُ إليَّ جزاه الله خيراً وأنا زائر في (جُدة) أواخر شعبان هذه السنة (1410 هـ) ، وهو في المطبعة لمَّا يُنْشَرْ بعد، وما يصل هذا المجلَّد إلى أيدي النَّاس. إلا ويكون قد تداولته الأيدي.

وهو ردٌ علميٌّ هادئٌ جدّاً، نزيهٌ، لا يقولُ إلا ما وصَلَ إليهِ علمُه، لا يُداري ولا يُماري منطلقاً وراء الحجة والبرهان، وهو مع سعة صدره في الردِّ على الأنصاري، فإنَّه لم يتمالك أن يصرِّح ببعضِ ما سبق وَصْفُه به، فهو يصرِّح (ص 66 و77) :

أنَّه غير منصفٍ في النَّقد، ولا أمين في النقل!

وهو يتعجَّب (ص 82 و86) من مكابرة الأنصاريِّ وادِّعائهِ على الألبانيِّ خلافَ الواقع!

ولقد ضاقَ صدرُه من كثرةِ مكابرته وتدليسه على القرَّاء، فقال (ص 87) :

"أكَرِّر هنا أنَني أسأم من توجيهِ النَّصيحة للشيخ الأنصاري حفظه الله: بأنَّه إذا فاته الِإنصاف في النقد، فليحرص على أن لا تَفوتَه الأمانة في النقل ".

ثم كشف عن تدليسه المشار إليه، ثم قال (ص 88) :

"ألا فَلْيَتَّقِ الله الشيخُ الأنصاري، فمهما حاول، فلنْ ينالَ من منزلة الشيخ الألباني حفظه الله:

 

(1/32)

 

 

كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيُوهِنَها *** فَلَمْ يُضِرْها وأوْهَى قَرْنَهُ الوَعلُ "

وفي آخر بحث له طويل معه (ص 38- 40) صرَّح في آخره:

أن الأنصاريَّ "دلَّس وأخفى كلام الشيخ ناصر"!

ثم قال (ص 41) :

"بل هو يتخيَّل أشياء هي أصلاً غير موجودة، ثم هو يبني عليها نقده! ".

ثمَّ ردَّ عليه بعض مزاعمه الباطلة في " نقده " هذا، وختم ذلك بقوله فيه بارك الله عليه (ص 43) :

"بل كان يجبُ عليه ألَّا يُخْرِجَ " نقده " هذا أبداً، لا لأنَّنا ضد نقد الألباني، وإنَّما لأنَّنا ضد أي نقد غير علميٍّ ".

ثم إن الأخ الفاضل وصف الشيخ الأنصاري (ص 50) بأنَّه ينقد من أجل النقد فقط، وهذا شيءٌ ظاهرٌ جدّاً في ردودِهِ، وبخاصَّةٍ - ردُّه هذا.

ثم ضربَ على ذلك مثلاً: حديثاً أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهِما"، ومع ذلك ذكر شارح "الطحاويَّة" أن له علة! فلمَّا ردَّ ذلك الألبانيُّ وأثبتَ صحَّته. ثارَ الأنصاريُّ حمِيَّةً للشارح، واعترض على الألباني دون أيِّ حجَّة علميَّة إلا الشغب كعادته، ففال الأخ الفاضل:

" عجباً للشيخ الأنصاري! إن انتقد الشيخ الألباني حديثاً في "الصحيحين " أو أحدهما، وقدم الأدلَّة العلميَّة المقنعة بذلك، ونقل كلام

 

(1/33)

 

 

أهل العلم السابقين في ذلك الحديث. لم يُعْجِب الشيخَ الأنصاريَّ هذا الصنيعُ، وتباكى على "الصحيحين "، "وندَّد بجرأة الشيخ عليهما. والآن؛ لأن الشيخ يدافع عن "الصحيحين "؛ فهذا لا يعجب الأنصاري، ومن أجل النقد، والنقد فقط، يقف إلى جانب الشارح؛ دون أدلَّة علميَّة ... المهم مخالفة الألباني! وما دام الشيخُ الأنصاريُّ يبحث عن مخالفة الألبانيِّ بأيِّ شكلٍ، حتى لو كانَ هذا بتضعيف حديثٍ في "الصحيحين "، ومن غيرِ بيِّنة؛ فلماذا يستنكِر على الألبانيِّ نقدَه لأحاديث "الصحيحين " وبأدلَّة علميَّة؟! أسأل الله عز وجل أن لا يكون في هذا حظُّ نفس ".

ثم قالَ بارك الله عليه (ص 52 و66) :

"وأما عن اتِّهامه للشيخ الألباني، وتقويله له ما لم يقله. فلا أحبُّ أن أتعرَّض له! ".

أقول: هذا بعض ما وصف به الأخُ الفاضل سمير الزُّهيري الشيخ الأنصاري من تعدِّيه وتقوُّله عليَّ.

ومعذرةً إلى القراء الكرام إذا أنا أطلتُ في هذه المقدِّمة؛ لأن الغرض أن نُبَصِّرَهُم بحال بعض الطاعنين فيَّ بغير حقٍّ، بقلم غيري من الكُتَّاب المنصِفينَ الحيادِيِّينَ، ولكي لا يُبادِروا إلى استنكار ما قد يَجِدون منِّي من الشدة أحياناً في الردِّ على بعض النَّاقدين بأهوائِهِم وبغير علمٍ، فقديماً

قالوا: "قال الحائطُ للوتد: لم تشقُّني؟ قال: سَلْ من يدقُّني "، راجيا ألا يحمِلوني أن أتمثَّل بقول الشاعر:

 

(1/34)

 

 

غَيْرِي جَنَى وأَنَا المُعَذَبُ فيكُمُ *** فكَأنني سَبَّابَةُ المتندم

وإنَ مما يحسن التَّذكير به أن الشيخ الأنصاري كما حابى ابن عمِّه الشيخ الفاضل حمََّاد الأنصاري في سكوته عن تضعيفه لحديث عطيَّة المتقدم (ص 18) . كذلك حابى الأنصاريُّ مَن يوافقه في بعض أوصافه المتقدِّمة؛ كالحسد، والحقد، وتتبُّع العثرات، ودفنه للحسنات! ألا وهو الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على "شرح العقيدة الطحاوية " طبع مؤسسة الرسالة، بالرغم من أنه قد شارَكني في تَضعيف الحديث المشار إليه، وفي كثيرٍ ممََّا أنكره الأنصاري عليَّ؛ فإن كثيراً من تخريجاته قد استفادها من تخريجي، وفيه العزو إلى بعض المخطوطات التي لا تطولها يده! دون أن يشير إلى ذلك، فهو يستغل جهود غيره، ثم ينسبها إلى نفسه متشبِّعاً بما لم يعط! فانظر على سبيل المثال: (1/88 و94 و96 و156 و165 و224 و234، و2/378 و389 و418 و423 و 510 و 520 و542 و544 و549) ، وقابل ذلك بتخريجي؛ لتتحقَق ممَّا ذكرت، على أنَّني قد عدت عن تخريج بعضها؛ كالحديثين المشار إليهما بالرقمين الموضوع عليهما الخط الأفقي، وبقىِ هو على تقليده إياي! والحديث الأول مخرَّجٌ عندي في "الصحيحة" (2829) ، والآخر في "الضعيفة" (5427) ، وهو ممَّا استدركته في بعض الطبعات الجديدة بتخريجي على "شرح الطحاوية"؛ كالطبعة الثامنة والتاسعة (ص 290) .

ومن هنا يظهر للقرَّاء محاباة الأنصاري للشيخ شعيب أيضاً؛ كما

 

(1/35)

 

 

ذكرت آنفاً، ولهذا قال الأخ سمير جزاه الله خيراً تحت عنوان: "على مَن كان ينبغي أن يكون ردُ الأنصاري؟ " (ص 63) :

"ومعظم ما أخذه الأنصاري في "ردِّه " لهذا على الشيخ الألباني هو موجود في طبعة شعيب المشار إليها آنفاً، أفليس الأولى أن يكون نقده

لطبعة شعيب، خاصة أن الرجل غير معروفٍ بدفاعه عن العقيدة السلفية كالشيخ الألباني حفظه الله؟! ".

لهذا، ولقد كان من الأحاديث التي حشرها الشيخ الأنصاري في " نقده " الحديث الآتي في هذا المجلَّد برقم (344) بلفظ:

"لما حملت حواء؛ طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد ... " الحديث.

والذي يقرأ كلامه حوله لا يجد فيه سوى الشَّغَب، واللعب على الحبلين- كما يقال- فهو من جهةٍ يزعم أن العلماء أعلُّوه بستة أمور ...

(وذكرها) ، وليس منها تدليس الحسن البصري! فالحديث على هذا الذي ذكر هو من العلل يكون عنده واهياً؛ لأن العلل الخمس لا تزال قائمة! ولكنه من جهة أخرى عاد فنقض ذلك بقوله:

"إن من أهل العلم مَن لم يعله؛ كالترمذي وحسنه، والحاكم وصححه ... "!

فهو حيران بين هؤلاء المصحِّحين، وأولئك المضعِّفين! فهو كالشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة؛ لا تدري أيهما تتبع! كما جاء في الحديث الصحيح! مع أنه- أو لعله- يدري أن المخالفين

 

(1/36)

 

 

بالتحسن والتصحيح من المتساهلين في ذلك عند العلماء المحققين!

ولذلك. لما رد عليه الأخ الفاضل نقده إياي في هذا الحديث وبيَّن جهله وتناقضه فيه؛ لم يسعه إلا أن يبدي تعجبه منه، وينهي ردَّه عليه بقوله

(ص 72) :

"وهذا والله هو العجب: أن لا يدري الِإنسان ما يقول "!

ذلكم هو الشيخ إسماعيل الأنصاري، ولعلَّ القراء بعد هذا البيان يعذروننا إذا قلنا فيه ما فيه؛ دون تعدٍّ أو تجنٍّ عليه كما يفعل هو.

ولقد بلغني وأنا في السعودية أن بعض الشيوخ الفضلاء نصحه أن لا ينشر نقده هذا، فأبى إلا أن يتَّبع هواه ويفضحَ نفسه، وعلى نفسها جَنَتْ

براقش.

وأختم هذه المقدمة بحديث يناسب المقام، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:

"سيخرج في أمَّتي أقوامٌ تتجارى بهِم الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، ولا يبقى منه عرقٌ ولا مِفْصَل إلا دخله ".

"صحيح الترغيب " (رقم 48) .

"وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ".

عمان 15 شعبان سنة 1410 هـ

وكتب / محمد ناصر الدين الألباني

 

(1/37)

 

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

مقدمة الطبعة الأولى

إِنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا ومن سيِّئات أعمالِنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إِله إِلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.

"يا أيُّها الذينَ آمنوا اتَّقوا الله حقَّ تُقاتِه ولا تَموتُنَّ إلا وأنتُم مُسلمونَ " (1) .

"يا أيها الناس اتَّقوا ربكم الذي خَلَقَكُم من نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجَها وبَثَّ منهُما رِجالاً كثيراً ونساءً واتَّقوا الله الذي تساءَلونَ به (2) والأرْحامَ

إِنَّ الله كانَ عليكم رَقيباً" (3) .

__________

(1) آل عمران: 102.

(2) فيه جواز السؤال بالله تعالى، وأما حديث: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة".

فضعيف. وعلى فرض صحته؟ فهو محمول على سؤال الأمور الحقيرة. كما بينت ذلك في مجلة " المسلمون ".

(3) النساء:1.

 

(1/39)

 

 

"يا أيها الذينَ آمنوا اتَقوا الله وقولوا قولاً سَديداً. يُصْلحْ لكُم أعْمالَكم ويَغْفِرْ لكم ذُنوبكم ومَن يُطِع الله ورَسولَه فقد فازَ فوزاً عَظيماً" (1) .

"أما بعدُ؛ فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعة ضلالةٌ، [وكل ضلالةٍ في النار] " (2) .

ثم إنني كنت بدأت منذ بضع سنين بنشر سلسلة مقالات متتابعة تحت عنوان: "الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأثرها السيئ في الأمة" في مجلة "التمدن الِإسلامي " الغراء، ولا زلت مستمراً في نشرها؛ لأن هذه الأحاديث من الكثرة - مع الأسف الشديد- بحيث تعد المئات، بل الألوف! كيف وقد وضع رجل واحد من الزنادقة نحو أربعة آلاف حديث!

ووضع ثلاثة من المعروفين بالوضع أكثر من عشرة آلاف حديث! فماذا يقول القارئ الكريم في الأحاديث الأخرى التي وضعها أناس آخرون لغايات

__________

(1) الأحزاب: 70- 71.

وهذه الخطبة هي خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي كلامهم في أمور دينهم، سواء كان خطبة نكاح، أو جمعة، أو محاضرة، أو غير ذلك، ولي فيها رسالة مطبوعة، نشرتها مجلة " التمدن الإسلامي " الغراء، وهي مهجورة- مع الأسف- من العلماء قاطبة فيما علمت، فلعلهم يعودون إليها ويحيونها.

(2) هو من حديث لجابر رضي الله عنه قال فيه:

إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول ذلك إذا خطب.

كما رواه مسلم، والنسائي، وغيرهما، والزيادة للنسائي.

وذلك يشمل الخطب كلها، وبصورة خاصة خطبة الجمعة، فقد جاء التنصيص عليها عند مسلم في رواية له، فعلى الخطباء أن يحيوا هذه السنة أيضاً.

 

(1/40)

 

 

مختلفة، وأغراض متباينة؛ منها السياسية، ومنها العصبية الجنسية، والمذهبية، ومنها التقرب إلى الله تعالى بزعمهم! ومنها أحاديث وضعت خطأ دون قصد من بعض المغفَّلين من الصوفية، وضعفاء الحفظ من الفقهاء وغيرهم، ممَّن لا عناية لهم بالحديث وضبطه! وهي منتشرة بكثرة في كتب الفقه، والتفسير، والوعظ، والترغيب، والترهيب، وغيرها.

ولكن الله تبارك وتعالى سخر لهذه الأحاديث طائفة من الأئمة، بيَّنوا ضعفها، وكشفوا عُوارَها، وأوضَحوا وضعها، ولذلك لما قيل للِإمام عبد الله ابن المبارك:

"هذه الأحاديث المصنوعة؟ ".

أجاب بقوله:

"يعيش لها الجهابذة".

وقال ابن الجوزي:

"لما لم يمكن أحداً أن يدخل في القرآن ما ليس منه، أخذ أقوامٌ يزيدون في حديث رسولِ اللهِ، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله علماء يذبُّونَ عن النقل، ويوضَحونَ الصحيح، ويفضحون القبيح، وما يخلي الله منهم عصراً من الأعصار، غير أن هذا الضرب قد قل في هذا الزمان، فصار أعزمن عنقاء مغرب.

وقد كانوا إِذا عُدُّوا قَليلاً *** ففد صاروا أعَزَّ مِن القَليل "

قلتُ: فإذا كان الأمر كذلك في عهد ابن الجوزي، فكم يكون عدد

 

(1/41)

 

 

العلماء الذَّابينَ عن الحديث في هذا العصر؟! لا شك أنهم أقل من القليل.

وهذا مما يؤكد علينا وجوب الاستمرار في نشر الأحاديث الضعيفة والموضوعة؟ تحذيراً للناس منها، وقياماً بواجب بيان العلم، ونجاةً من إثم كتمانه.

ولست أشك أن أهل العلم- ممَّن لم يُعْمِ بصائرَهُم الهوى- يُقدِّرون ذلك حق قدره؛ لما فيه من التعاون على تنقية حديثه - صلى الله عليه وسلم - مما ليس منه، كيف [و] (*) لا والِإمام عبد الرحمن بن مهدي يقول:

"لأن أعرف علة حديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب حديثاً ليس عندي " (1) ؟!

هذا، ومما ينبغي أن يُذكر بهذه المناسبة أنني لا أقلد أحداً فيما أصدِرُه من الأحكام على تلك الأحاديث، وإنما أتَّبِع القواعد العلمية التي وضعها أهل الحديث، وجرَوا عليها في إصدار أحكامهم على الأحاديث من صحة أو ضعف، وذلك في عهد ازدهار الحياة الِإسلامية والعلم الِإسلامي، وإني أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفِّقتُ لإتباعها، وتعريف المسلمين عملياً بها، أو ببعضها؛ راجياً أن يقوم في ناشئة المسلمين من يجدد العمل بهذه القواعد التي هي من أدق ما عرف الفكر العلمي المنهجيُّ في مختلف العصور الِإنسانية، بشهادة جماعة من المستشرقين، وغيرهم من المخالفين، وقديماً قيل: "والفضل ما شهدت به

__________

(1) رواه ابن أبي حاتم في "العلل" (1/10) .

[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]

(*) هكذا وردت العبارة في المطبوع؛ ولعلها: " كيف لا والإمام عبد الرحمن بن مهدي ... "

أسامة بن الزهراء - فريق عمل الموسوعة الشاملة

 

(1/42)

 

 

الأعداء ".

وقد تبيَن لكثير من العلماء والفضلاء في مختلف البلاد والأصقاعِ أهمية تلك المقالات، وفائدتها الكبرى للناس، حيث نبَّهتهم على ضعف ووضع كثير من الأحاديث التي كانوا يرونها أحاديث صحيحة؛ لانتشارها في بطون الكتب، وتداولها على ألسنة الناس، على اختلاف طبقاتهم واختصاصاتهم، وساعد على سعة انتشارها في هذا العصر ما يسَّرَ الله تبارك وتعالى فيه من الوسائل الحديثة؛ كالِإذاعات، والجرائد، والمجلات، وغيرها؛ مما تصدرها المطابع، الأمر الذي يوجب على العلماء الغيورين على السنة المحمدية أن يبذلوا جهدهم في التحقق من الأحاديث لدى كتابتهم، وإذاعتهم، وحديثهم.

لهذا؛ رأيت أولئك الفضلاء يشجعونني على الاستمرار في النشر، ولا أدلَّ على ذلك من إقبال الكثيرين منهم، ومن غيرهم من الطلاب، على الاشتراك في "مجلة التمدن الِإسلامي " للاطِّلاع على الأحاديث الضعيفة فيها- وقد كتب بذلك بعضهم إليَّ-؛ ليكونوا على بيِّنة من أمرها، فلا يقعوا مرة أخرى في الكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أو على الأقل في عزو ما لم يصح نسبته إليه – صلى الله عليه وسلم - من الحديث.

ولذلك، فقد حثَّني كثير من أولئك الفضلاء على نشر تلك الأحاديث في كتاب مفرد عن المجلة؟ ليقف عليها من لا اطِّلاع له على المجلة، فيعمَّ النفع بها، وليسهل الرجوع عند الحاجة إليها.

ولطالما كنتُ عازماً على الاستجابة لرغبتهم لولا بعض الموانع، فلما

 

(1/43)

 

 

زالت، وتيسر لي ذلك، بادرت إلى تحقيقها؟ شاكراً لهم حسن ظنهم ولما كان قد صدر من تلك الأحاديث أكثر من أربع مئة حديث، فقد رأيت أن أطبعها في أجزاء متسلسلة، يحوي كل جزء منها مئة حديث، أو أكثر إن اقتضى الأمر، وكلما تم نشر مئة أخرى منها في المجلة، طبعتها في جزء آخر، وجعلت كل خمسة أجزاء منها في مجلد واحد.

وكذلك أضفت إلى كلامنا على بعض الأحاديث المنشورة في المجلة حتى الآن أموراً أخرى، مثل تعديل أسلوب الكلام عليها، وزيادة تحقيق فيها، ونحو ذلك من الفوائد.

وقد أغيِّر حكمي السابق على الحديث بحكم آخر بدا لي فيما بعد أنه أعدل وأرجح، كأن أقول: "ضعيف جداً" بدل: "ضعيف "، أو العكس، و: "ضعيف " بدل: "موضوع "، أو العكس، ونحو ذلك.

وهذا، وإن كان نادراً؛ فقد رأيتُ أن أنبِّهَ إليه لأمرين:

الأول: كي لا يُظَنَّ أنَّ ذلك التغيير خطأ مطبعي.

والآخر: أن يعلمَ من شاءَ الله أن يعلم أن العلم لا يقبل الجمود، فهو في تقدم مستمر من خطأ إلى صواب، ومن صحيح إلى أصح، وهكذا ... وليعلموا أننا لا نصرّ على الخطأ إذا تبيَّن لنا.

هذا، ومع انتشار مقالات الأحاديث الضعيفة في مختلف البلاد الِإسلامية، فإنه لم يرد إلينا أي انتقاد عليها، ولا أدري إذا كان ذلك لما

 

(1/44)

 

 

وُفِّقْنا إليه من الصواب بإذن الله تعالى- وهذا ما أرجوه- أو لقلة من له معرفة بهذا العلم الشريف، ونفد الأسانيد التي تمكَنه من الجَوَلانِ في هذه

البحوث، أو لغير ذلك من الأمور (1) .

____________

(1) اللهم إلا انتقاد الشيخ عبد الله الحبشي الهرري نزيل دمشق، الذي نشره في رسالة أسماها "التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث "، أو- كما قال-: "تحقيق البيان في إثبات سبحة أهل الإيمان "!

وكنت أود أن يشاركنا الشيخ في نقده إيانا في تطبيق تلك القواعد العلمية التي سبقت الإشارة إليها، وفي تجديد العمل بها.

ولكنه وإن حاول ذلك، فإنه لم يستطع الاستمرار عليه، بل عدل إلى تقليد بعض العلماء ممَّن وافق قولهم رأيه، وإلى اتهامنا بمخالفتهم، وبسح الفهم لكلامهم! وبالتهور والتحكم النفساني! وسود صفحات كثيرة بأمور لا علاقة لها بمحل النزاع، ولا هي موضع خلاف.

وأورد فيها- على صغر حجمها- كثيراً من الأحاديث الضعيفة والآثار الواهية، وحسبك مثالًا على ذلك حديث أورده في الصفحة الأولى بلفظ: "إن محرم الحلال؛ كمستحل الحرام ".

ولا يصح رفعه؟ إنما هو موقوف! وقد بينت ذلك، وخرجته تخريجاً علميّاً فيما سيأتي برقم (6215) من المجلد الثالث عشر.

انتقد الشيخ عليَّ حكمي على حديث: "نعم المذكر السبحة" بالوضع (انظر رقم 83) ، وحكمي على الحديثين المذكورين فيه من حديث صفية وسعد بالضعف، فذهب إلى أن الأول ضعيف لا موضوع، وإلى أن الآخرين صحيحان لا ضعيفان!

فرددتُ عليه في مجلة "التمدن" بينت فيها خطأه في ذلك بأسلوب علمي نزيه؛ خلافاً لما جرى هو عليه في رسالته، ثم نشرنا في ذلك رسالة مفردة بعنوان "الرد على التعقب الحثيث "، فمن شاء الاطلاع على الحقيقة؛ فليرجع إليها.

وفي أثناء نشرنا الرد في المجلة، ولما يكد ينته، طلع علينا فضيلة الشيخ الحبشي برد آخر سماه " نصرة التعقب الحثيث "، شحنه بالمغالطات والسب، والافتراء، والخروج عن الرد بالتي هي أحسن، حتى لقد أنذرني بسوء الخاتمة إن أنا استمررت على نهجي العلمي المخالف لفهمه وعلمه!

فلما رأيت ذلك؛ صرفت النظر عن الرد عليه مرة أخرى، حرصاً مني على الوقت؛ كما بينته في خاتمة ردي المشار إليه، ولعلنا نذكر بعض شبهاته عند الكلام على الحديث المشار إليه آنفاً.

 

(1/45)

 

 

ولا بد لي أخيراً من أن أشكر من كان سبباً لطبع لهذه المقالات مرة أخرى في هذا الكتاب، وأن أشكر بصورة خاصة القائمين على "مجلة التمدن الِإسلامي "- وفي مقدمتهم الأستاذ أحمد مظهر العظمة- فقد كان لهم الفضل الأول في نشرها في مجلتهم، حتى عرف الناس قدرها، فرغبوا في نشرها في كتاب مفرد، وقد لقي أصحابُ المجلة في سبيل ذلك كثيراً من المعارضات والانتقادات من بعض الشيوخ الجامدين، وغيرهم من الطرقيين الذين تأبى نفوسُهم أن يقف الناس على الحقائق التي تكشف عن جهلهم بالشريعة والسنة المحمدية، ولكنهم- أعني أصحاب المجلة- لم

يبالوا بذلك، وصبروا على نشر ما يرونه حقاً، واستمروا عليه، أثابهم الله تعالى، وجزاهم عن الِإسلام خيراً (1) .

أسأله سبحانه أن يجعل عملي كله صالحاً، ولوجهه خالصاً، ولا يجعل لأحد فيه شيئاً، إنه سميع مجيب.

دمشق 3/25/1379

محمد ناصر الدين الألباني

__________

(1) وقد أضافوا إلى ما ذكرناه منقبة أخرى، فإنهم بدؤوا منذ العدد الأول من سنة (1379 هـ) بنشر مقالاتنا في "الأحاديث الصحيحة"، فألفت نظر القراء إليها.

 

(1/46)

 

 

تمهيد في الأحاديث الضعيفة والموضوعة

من المصائب العظمى التي نزلت بالمسلمين منذ العصور الأولى انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بينهم، لا أستثني أحداً منهم، ولو كانوا علماءهم، إلا من شاء الله منهم من أئمة الحديث ونقاده. كالبخاري، وأحمد، وابن معين، وأبي حاتم الرازي، وغيرهم.

وقد أدَّى انتشارها إلى مفاسد كثيرة، منها ما هو من الأمور الاعتقادية الغيبية، ومنها ما هو من الأمور التشريعية، وسيرى القارئ الكريم الأمثلة

الكثيرة لما ندَّعيهِ في كثير من الأحاديث الآتية إن شاء الله تعالى.

وقد اقتضت حكمة العليم الخبير سبحانه وتعالى أن لا يدعَ لهذه الأحاديث التي اختَلَقَها المُغْرِضونَ لغايات شتى؛ تسري بين المسلمين

دون أن يُقَيِّضَ لها من يكشف القناع عن حقيقتها، ويبين للناس أمرها، أولئك هم أئمة الحديث الشريف، وحامِلو ألوية السنة النبوية الذين دعا

لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بقوله:

"نَضَّرَ الله امرءاً سمِعَ مقالَتي؛ فوعاها، وحفظها، وبلَّغها، فربَّ

 

(1/47)

 

 

حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه " (1) .

فقد قام لهؤلاء الأئمة- جزاهم الله عن المسلمين خيراً- ببيان حال أكثر الأحاديث من صحة، أو ضعف، أو وضع، وأصَّلوا أصولاً متينة، وقعَّدوا قواعد رصينة، مَن أتقنها وتضلَع بمعرفتها أمكنه أن يعلم درجة أي حديث، ولو لم ينصُّوا عليه، وذلك هو علم أصول الحديث، أو مصطلح الحديث.

وألَف المتأخرون منهم كتباً خاصة للكشف عن الأحاديث، وبيان حالها، أشهرها وأوسعها كتاب "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" للحافظ السخاوي، ونحوها كتب التخريجات، فإنها تبيِّن حال الأحاديث الورادة في كتب مَن ليس من أهل الحديث، وما لا أصل له من تلك الأحاديث، مثل كتاب: "نصب الراية لأحاديث الهداية" للحافظ الزيلعي، و"المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الِإحياء من الأخبار" للحافظ العراقي، و"التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" للحافظ ابن حجر العسقلاني، و "تخريج أحاديث الكشاف " له، و "تخريج أحاديث الشفاء" للشيخ السيوطي، وكلها مطبوعة.

ومع أن هؤلاء الأئمة- جزاهم الله خيراً- قد سهَّلوا السبيل لمن

____________

(1) أخرجه أبو داود، والترمذي وصححه- والسياق له-، وابن حبان في "صحيحه " عن ابن مسعود.

وقد ثبت عن جماعة من الصحابة بنحو. فانظر "التعليق الرغيب " (1/63) ، و "الصحيحة " (404) .

 

(1/48)

 

 

بعدهم من العلماء والطلاب؛ حتى يعرفوا درجة كل حديث بهذه الكتب وأمثالها، فإننا نراهم- مع الأسف الشديد- قد انصرفوا عن قراءة الكتب المذكورة، فجهلوا بسبب ذلك حال الأحاديث التي حفظوها عن مشايخهم، أو يقرؤونها في بعض الكتب التي لا تتحرى الصحيح الثابت، ولذلك لا نكاد نسمع وعظاً لبعض المرشدين، أو محاضرة لأحد الأساتذة، أو خطبة من خطيب؛ إلا ونجد فيها شيئاً من تلك الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وهذا أمر خطير، يُخشى عليهم جميعاً أن يدخلوا بسببه تحت وعيد قوله – صلى الله عليه وسلم -: "مَن كذب عليَّ متعمداً (1) فَلْيَتَبَوَّأ مقعده من النار". [حديث صحيح متواتر] .

فإنهم، وإن لم يتعمدوا الكذب مباشرة، ففد ارتكبوه تبعاً؛ لنقلهم الأحاديث التي يقفون عليها جميعها، وهم يعلمون أن فيها ما هو ضعيف

وما هو مكذوب قطعاً، وقد أشار إلى هذا المعنى قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "كَفى بالمرء كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بكل ما سمعَ ".

___________

(1) لفظة "متعمداً" صحيحة ثابتة في الحديث، وإن حاول التشكيك بها مؤلف كتاب "الأضواء " بل إنه جزم ببطلانها، وأنها من وضع بعض المحدثين؛ ليروج بها قوله: إنه يجوز رواية الحديث بالمعنى!

وإنكار المؤلف المذكور لها لا يدل فقط على جهله بالحديث وطرقه، بل إنه يدل على جهله أيضاً بأصول الشريعة وقواعدها، فإن هذه اللفظة لو لم ترد في الحديث مطلقاً؛ فإن تقديرها في الحديث لا مناص منه كما لا يخفى، وإلا كان المؤلف المذكور أول من يشمله الحديث؛ لأنه- على الأقل- ليس معصوماً من الخطأ في رواية حديث ما!

 

(1/49)

 

 

رواه مسلم في "مقدمة صحيحه " (1/8) ، وغيره من حديث أبي هريرة.

ثم رُوي عن الِإمام مالك أنه قال:

"اعلم أنه ليس يَسْلَمُ رجلٌ حدَّث بكل ما سمعَ، ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدِّث بكل ما سمع ". وقال الِإمام ابن حبان في "صحيحه " (ص 27) :

"فصل: ذكر إيجاب دخول النار لمن نَسَبَ الشيء إلى المصطفى – صلى الله عليه وسلم - وهو غير عالم بصحته ".

ثم ساق بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً:

"مَن قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار".

وسنده حسن، وأصله في "الصحيحين " بنحوه. ثم قال:

"ذكر الخبر الدال على صحة ما أومأنا إليه في الباب المتقدم ".

ثم ساق بسنده عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

"مَن حدّثَ عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ". وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم في "مقدمة صحيحه " (1/7)

من حديث سمرة والمغيرة بن شعبة معاً، وقال:

"إنه حديث مشهور". ثم قال ابن حبان:

 

(1/50)

 

 

"ذكر خبر ثان يدل على صحة ما ذهبنا إليه ".

ثم ساق حديث أبي هريرة الأول.

فتبين مما أوردنا أنه لا يجوز نشر الأحاديث وروايتها دون التثبت من صحتها، وأن من فعل ذلك فهو حسبه من الكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -:

"إن كذباً على ليس كَكَذِبٍ على أحدٍ، فمَن كَذَبَ عليَّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار".

رواه مسلم وغيره.

ولخطورة هذا الأمر، رأيت أن أساهم في تقريب سبيل الاطلاع على الأحاديث التي نسمعها في هذا العصر، أو نقرأها في كتاب متداول، مما

ليس له أصل يثبت عند المحدثين، أو له أصل موضوع، لعل في ذلك تحذيراً وتذكيراً لمن يتذكر أو يخشى.

ولم أتقيد في سوقها بترتيب خاص، بل حسبما اتفق. ولذلك فإني أبتدئها بذكر حديثين قرأتهما في مقال نشر في العدد (2404) من "جريدة

العلم " الغراء، لأحد المرشدين الفضلاء في صدد بحث له مفيد في إسراء النبي – صلى الله عليه وسلم - ومعراجه إلى السماء، والله ولي التوفيق.

دمشق، رمضان سنة 1374 هـ

محمد ناصر الدين الألباني

 

(1/51)

 

 

1 - (الدين هو العقل، ومن لا دين له لا عقل له) .

باطل.

أخرجه النسائي في " الكنى " وعنه الدولابي في " الكنى والأسماء " (2 / 104) عن أبي مالك بشر بن غالب بن بشر بن غالب عن الزهري عن مجمع بن جارية عن عمه مرفوعا دون الجملة الأولى " الدين هو العقل " وقال النسائي: هذا حديث باطل منكر.

قلت: وآفته بشر هذا فإنه مجهول كما قال الأزدي، وأقره الذهبي في " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " والعسقلاني في " لسان الميزان ".

وقد أخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده (ق 100 / 1 - 104 / 1 - زوائده) عن داود بن المحبر بضعا وثلاثين حديثا في فضل العقل، قال الحافظ ابن حجر: كلها موضوعة، ومنها هذا الحديث كما ذكره السيوطي في " ذيل اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " (ص 4 - 10) ونقله عنه العلامة محمد طاهر الفتني الهندي في " تذكرة الموضوعات " (ص 29 - 30) .

وداود بن المحبر قال الذهبي: صاحب " العقل " وليته لم يصنفه، قال أحمد: كان لا يدري ما الحديث، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث غير ثقة، وقال الدارقطني: متروك، وروى عبد الغنى بن سعيد عنه قال: كتاب " العقل " وضعه ميسرة بن عبد ربه ثم سرقه منه داود بن المحبر فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة، وسرقه عبد العزيز بن أبي رجاء، ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي.

ومما يحسن التنبيه عليه أن كل ما ورد في فضل العقل من الأحاديث لا يصح منها شيء، وهي تدور بين الضعف والوضع، وقد تتبعت ما أورده منها أبو بكر بن أبي

 

(1/53)

 

 

الدنيا في كتابه " العقل وفضله " فوجدتها كما ذكرت لا يصح منها شيء، فالعجب من مصححه الشيخ محمد زاهد الكوثري كيف سكت عنها؟ ! بل أشار في ترجمته للمؤلف (ص 4) إلى خلاف ما يقتضيه التحقيق العلمي عفا الله عنا وعنه.

وقد قال العلامة ابن القيم في " المنار " (ص 25) : أحاديث العقل كلها كذب.

وانظر الحديث (370 و5644) .

 

(1/54)

 

 

2 - (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا) .

باطل.

وهو مع اشتهاره على الألسنة لا يصح من قبل إسناده، ولا من جهة متنه. أما إسناده فقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 106 / 2 مخطوطة الظاهرية) والقضاعي في " مسند الشهاب " (43 / 2) وابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " (2 / 414) و" الكواكب الدراري " (83 / 2 / 1) من طريق ليث عن طاووس عن ابن عباس.

وهذا إسناد ضعيف من أجل ليث هذا - وهو ابن أبي سليم - فإنه ضعيف، قال الحافظ ابن حجر في ترجمته من " تقريب التهذيب ": صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك.

وبه أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 134) .

وقال شيخه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 143) : إسناده لين.

قلت: وقد أخرجه الحافظ ابن جرير في تفسيره (20 / 92) من طريق أخرى

 

(1/54)

 

 

عن ابن عباس موقوفا عليه من قوله، ولعله الصواب وإن كان في سنده رجل لم يسم.

ورواه الإمام أحمد في كتاب " الزهد " (ص 159) والطبراني في " المعجم الكبير " عن ابن مسعود موقوفا عليه بلفظ: " من لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد بها إلا بعدا ".

وسنده صحيح كما قال الحافظ العراقي، فرجع الحديث إلى أنه موقوف، ثم رأيته في معجم ابن الأعرابي قال (193 / 1) ، أنبأنا عبد الله - يعني ابن أيوب المخرمي - أنبأنا يحيى بن أبي بكير عن إسرائيل عن إسماعيل عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (العنكبوت: 45) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره.

وهذا مرسل، وإسماعيل هو ابن مسلم، فإن كان أبا محمد البصري فهو ثقة، وإن كان أبا إسحاق المكي فهو ضعيف، لكن قال الحافظ العراقي: رواه علي بن معبد في كتاب " الطاعة والمعصية " من حديث الحسن مرسلا بإسناد صحيح.

قلت: يعني أن إسناده إلى الحسن صحيح، ولا يلزم منه أن يكون الحديث صحيحا لما عرف من علم " مصطلح الحديث " أن الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف عند جمهو ر علماء الحديث، ولا سيما إذا كان من مرسل الحسن وهو البصري، قال ابن سعد في ترجمته: كان عالما جامعا رفيعا ثقة ... ما أرسله فليس بحجة.

وحتى إنه لوفرض أن الحسن وصل الحديث وأسنده ولم يصرح بالتحديث

 

(1/55)

 

 

أو بسماعه من الذي أسنده إليه كما لوقال: عن سمرة أو عن أبي هريرة لم يكن حديثه حجة، فكيف لوأرسله كما في هذا الحديث؟ ! قال الحافظ الذهبي في " ميزان الاعتدال ": كان الحسن كثير التدليس، فإذا قال في حديث عن فلان ضعف احتجاجه ولا سيما عمن قيل: إنه لم يسمع منهم كأبي هريرة ونحوه، فعدوا ما كان له عن أبي هريرة في

جملة المنقطع.

على أنه قد ورد الحديث عن الحسن من قوله أيضا لم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك أخرجه الإمام أحمد في " الزهد " (ص 264) وإسناده صحيح، وكذلك رواه ابن جرير (20 / 92) من طرق عنه وهو الصواب.

ثم وجدت الحديث في " مسند الشهاب " (43 / 2) من طريق مقدام بن داود قال: أنبأنا علي بن محمد بن معبد بسنده المشار إليه آنفا عن الحسن مرفوعا، ومقدام هذا قال النسائي: ليس بثقة، فإن كان رواه غيره عن علي بن معبد وكان ثقة فالسند صحيح مرسلا كما سبق عن العراقي وإلا فلا يصح.

وجملة القول أن الحديث لا يصح إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما صح من قول ابن مسعود والحسن البصري، وروي عن ابن عباس. ولهذا لم يذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في " كتاب الإيمان " (ص 12) إلا موقوفا على ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما.

وقال ابن عروة في " الكواكب ": إنه الأصح.

 

(1/56)

 

 

ثم رأيت الحافظ ابن كثير قال بعد أن ساق الحديث عن عمران بن حصين وابن عباس وابن مسعود والحسن مرفوعا: والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وقتادة والأعمش وغيرهم.

قلت: وسيأتي حديث عمران في المائة العاشرة إن شاء الله تعالى وهو بهذا اللفظ إلا أنه قال: " فلا صلاة له " بدل " لم يزدد عن الله إلا بعدا " وهو منكر أيضا كما سيأتي بيانه هناك بإذن الله تعالى فانظره برقم (985) .

وأما متن الحديث فإنه لا يصح، لأن ظاهره يشمل من صلى صلاة بشروطها وأركانها بحيث أن الشرع يحكم عليها بالصحة وإن كان هذا المصلي لا يزال يرتكب بعض المعاصي، فكيف يكون بسببها لا يزداد بهذه الصلاة إلا بعدا؟ ! هذا مما لا يعقل ولا تشهد له الشريعة، ولهذا تأوله شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:

وقوله " لم يزدد إلا بعدا " إذا كان ما ترك من الواجب منها أعظم مما فعله، أبعده ترك الواجب الأكثر من الله أكثر مما قربه فعل الواجب الأقل.

وهذا بعيد عندي، لأن ترك الواجب الأعظم منها معناه ترك بعض ما لا تصح الصلاة إلا به كالشروط والأركان، وحينئذ فليس له صلاة شرعا، ولا يبدو أن هذه الصلاة هي المرادة في الحديث المرفوع والموقوف، بل المراد الصلاة الصحيحة التي لم تثمر ثمرتها التي ذكرها الله تعالى في قوله: {إن الصلاة تنهى عن

الفحشاء والمنكر} (العنكبوت: 45) وأكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إن فلانا يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق! فقال: " سينهاه ما تقول أو قال: ستمنعه صلاته ".

 

(1/57)

 

 

رواه أحمد والبزار والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 430) والبغوي في حديث علي بن الجعد (9 / 97 / 1) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح معاني الآثار " (31 / 1 / 69 / 1) بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة.

فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذا الرجل سينتهي عن السرقة بسبب صلاته - إذا كانت على الوجه الأكمل طبعا كالخشوع فيها والتدبر في قراءتها - ولم يقل: إنه " لا يزداد بها إلا بعدا " مع أنه لما ينته عن السرقة.

ولذلك قال عبد الحق الإشبيلي في " التهجد " (ق 24 / 1) : يريد عليه السلام أن المصلي على الحقيقة المحافظ على صلاته الملازم لها تنهاه صلاته عن ارتكاب المحارم والوقوع في المحارم.

فثبت بما تقدم ضعف الحديث سندا ومتنا والله أعلم.

ثم رأيت الشيخ أحمد بن محمد عز الدين بن عبد السلام نقل أثر ابن عباس هذا في كتابه " النصيحة بما أبدته القريحة " (ق 32 / 1) عن تفسير الجاربردي وقال: ومثل هذا ينبغي أن يحمل على التهديد لما تقرر أن ذلك ليس من الأركان والشرائط ثم استدل على ذلك بالحديث المتقدم: " ستمنعه صلاته " واستصوب الشيخ أحمد كلام الجاربردي هذا وقال: لا يصح حمله على ظاهره، لأن ظاهره معارض بما ثبت في

الأحاديث الصحيحة المتقدمة من أن الصلاة مكفرة للذنوب، فكيف تكون مكفرة ويزداد بها بعدا؟ ! هذا مما لا يعقل! ثم قال:

 

(1/58)

 

 

قلت: وحمل الحديث على المبالغة والتهديد ممكن على اعتبار أنه موقوف على ابن عباس أو غيره وأما على اعتباره من كلامه صلى الله عليه وسلم فهو بعيد عندي والله أعلم.

قال: ويشهد لذلك ما ثبت في البخاري أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} .

ثم رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قال في بعض فتاواه: هذا الحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه، وبكل حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بعدا، بل الذي يصلي خير من الذي لا يصلي وأقرب إلى الله منه وإن كان فاسقا.

قلت: فكأنه يشير إلى تضعيف الحديث من حيث معناه أيضا وهو الحق وكلامه المذكور رأيته في مخطوط محفوظ في الظاهرية (فقه حنبلى 3 / 12 / 1 - 2) وقد نقل الذهبي في " الميزان " (3 / 293) عن ابن الجنيد أنه قال في هذا الحديث: كذب وزور.

3 - " همة الرجال تزيل الجبال ".

ليس بحديث.

قال الشيخ إسماعيل العجلونى في " كشف الخفاء ": لم أقف على أنه حديث، لكن نقل بعضهم عن الشيخ أحمد الغزالي أنه قال:

 

(1/59)

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " همة الرجال تقلع الجبال " فليراجع.

قلت: قد راجعنا مظانه في كتب السنة فلم نجد له أصلا، وإيراد الشيخ أحمد الغزالي له لا يثبته، فليس هو من المحدثين، وإنما هو مثل أخيه محمد من فقهاء الصوفية، وكم في كتاب أخيه " الإحياء " من أحاديث جزم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي مما يقول الحافظ العراقي وغيره فيها: لا أصل له منها:

4 - (الحديث فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهائم الحشيش) .

لا أصل له.

أورده الغزالي في " الإحياء " (1 / 136) فقال مخرجه الحافظ العراقي: لم أقف له على أصل وبيض له الحافظ في " تخريج الكشاف " (73 / 95 و130 / 176) .

وقال عبد الوهاب بن تقى الدين السبكي في " طبقات الشافعية " (4 / 145 - 147) : لم أجد له إسنادا.

والمشهور على الألسنة: " الكلام المباح في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " وهو هو.

 

(1/60)

 

 

5 - (ما ترك عبد شيئا لله لا يتركه إلا لله إلا عوضه منه ما هو خير له فى دينه ودنياه) .

موضوع بهذا اللفظ.

وقد سمعته في كلمة ألقاها بعض الأفاضل من إذاعة دمشق في هذا الشهر المبارك شهر رمضان!

أخرجه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (2 / 196) وعنه الديلمي (4 / 27 ـ الغرائب الملتقطة) والسلفي في " الطيوريات " (200 / 2) وابن عساكر (3 / 208 / 2 و15 / 70 / 1) من طريق عبد الله بن سعد الرقي حدثتني والدتي مروة بنت مروان قالت حدثتني والدتي عاتكة بنت بكار عن أبيها قالت: سمعت الزهري يحدث عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره وقال أبو نعيم عقبه: حديث غريب.

وأقول: أن إسناده موضوع، فإن من دون الزهري لا ذكر لهم في شيء من كتب الحديث غير عبد الله بن سعد الرقي فإنه معروف، ولكن بالكذب!

قال الحافظ الذهبي في " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " وتبعه الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في " لسان الميزان ": كذبه الدارقطني وقال: كان يضع الحديث وهاه أحمد بن عبدان.

وفيه علة أخرى وهي جهالة بكار هذا وهو ابن محمد وفي ترجمته أورده ابن عساكر ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

نعم صح الحديث بدون قوله في آخره " في دينه ودنياه ".

أخرجه وكيع في " الزهد " (2 / 68 / 2) وعنه أحمد (5 / 363) والقضاعي في " مسند الشهاب " (رقم 1135) بلفظ:

 

(1/61)

 

 

" إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ".

وسنده صحيح على شرط مسلم.

وأخرجه الأصبهاني أيضا في " الترغيب " (73 / 1) ثم روى له شاهدا من حديث أبي

ابن كعب بسند لا بأس به في الشواهد.

6 - " تنكبوا الغبار فإنه منه تكون النسمة ".

لا أعلم له أصلا.

أورده ابن الأثير في مادة نسم من " النهاية " وذكر أنه حديث! ولا أعرف له أصلا مرفوعا وقد روى ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (8 / 2 / 198) فقال: وقال عبد الله بن صالح المصري عن حرملة بن عمران عمن حدثهم عن ابن سندر مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقبل عمرو بن العاص وابن سندر معهم، فكان ابن سندر ونفر معه يسيرون بين يدي عمرو بن العاص فأثاروا الغبار، فجعل عمرو طرف عمامته على أنفه ثم قال: اتقوا الغبار فإنه أو شك شيء دخولا، وأبعده خروجا، وإذا وقع على الرئة صار نسمة.

وهذا مع كونه موقوفا لا يصح من قبل سنده لأمور: الأول: أن ابن سعد علقه، فلم يذكر الواسطة بينه وبين عبد الله بن صالح.

الثاني: أن ابن صالح فيه ضعف وإن روى له البخاري فقد قال ابن حبان: كان في نفسه صدوقا، إنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له، فسمعت ابن خزيمة يقول: كان بينه وبينه عداوة، كان يضع الحديث على شيخ ابن صالح، ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله، ويرميه في داره بين كتبه، فيتوهم عبد الله أنه خطه

 

(1/62)

 

 

فيحدث به! .

الثالث: أن الواسطة بين حرملة وابن سندر لم تسم فهي مجهولة.

7 - " اثنتان لا تقربهما: الشرك بالله والإضرار بالناس ".

لا أصل له.

وقد اشتهر بهذا اللفظ ولم أقف عليه في شيء من كتب السنة، ولعل أصله ما في " الإحياء " للغزالي (2 / 185) قال صلى الله عليه وسلم: " خصلتان ليس فوقهما شيء من الشر: الشرك بالله والضر لعباد الله، وخصلتان ليس فوقهما شيء من البر: الإيمان بالله، والنفع لعباد الله ".

وهو حديث لا يعرف له أصل.

قال العراقي في تخريجه: ذكره صاحب الفردوس من حديث علي، ولم يسنده ولده في مسنده.

ولهذا أورده السبكي في الأحاديث التي وقعت في " الإحياء " ولم يجد لها إسنادا (4 / 156) .

 

(1/63)

 

 

8 - " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ".

لا أصل له مرفوعا.

وإن اشتهر على الألسنة في الأزمنة المتأخرة حتى إن الشيخ عبد الكريم العامري الغزي لم يورده في كتابه " الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث ".

وقد وجدت له أصلا موقوفا، رواه ابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 46 / 2) حدثني السجستاني حدثنا الأصمعي عن حماد بن سلمة عن عبيد الله بن العيزار

 

(1/63)

 

 

عن عبد الله بن عمرو أنه قال: فذكره موقوفا عليه إلا أنه قال: " احرث لدنياك " إلخ.

وعبيد الله بن العيزار لم أجد من ترجمه.

ثم وقفت عليها في " تاريخ البخاري " (3 / 394) و" الجرح والتعديل " (2 / 2 / 330) بدلالة بعض أفاضل المكيين نقلا عن تعليق للعلامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله تعالى وفيها يتبين أن الرجل وثقه يحيي بن سعيد القطان وأنه يروي عن الحسن البصري وغيره من التابعين فالإسناد منقطع.

ويؤكده أنني رأيت الحديث في " زوائد مسند الحارث " للهيثمي (ق 130 / 2) من طريق أخرى عن ابن العيزار قال: لقيت شيخا بالرمل من الأعراب كبيرا فقلت: لقيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، فقلت: من؟ فقال: عبد الله بن عمرو بن العاص....

ثم رأيت ابن حبان قد أورده في " ثقات أتباع التابعين " (7 / 148) .

ورواه ابن المبارك في " الزهد " من طريق آخر فقال (218 / 2) : أنبأنا محمد ابن عجلان عبد الله بن عمرو بن العاص قال: فذكره موقوفا، وهذا منقطع وقد روي مرفوعا، أخرجه البيهقي في سننه (3 / 19) من طريق أبي صالح حدثنا الليث عن ابن عجلان عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره في تمام حديث أوله: " إن هذا الدين متين فأو غل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك، فإن المنبت لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى، فاعمل عمل امريء يظن أن لن يموت أبدا، واحذر حذر (امريء) يخشى أن يموت غدا ".

وهذا سند ضعيف وله علتان جهالة مولى عمر بن عبد العزيز وضعف أبي

 

(1/64)

 

 

صالح وهو عبد الله بن صالح كاتب الليث كما تقدم في الحديث (6) .

ثم إن هذا السياق ليس نصا في أن العمل المذكور فيه هو العمل للدنيا، بل الظاهر منه أنه يعني العمل للآخرة، والغرض منه الحض على الاستمرار برفق في العمل الصالح وعدم الانقطاع عنه، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " متفق عليه والله أعلم.

هذا والنصف الأول من حديث ابن عمرو رواه البزار (1 / 57 / 74 ـ كشف الأستار) من حديث جابر، قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 62) : وفيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب.

قلت: ومن طريقه رواه أبو الشيخ ابن حيان في كتابه " الأمثال " (رقم 229) .

لكن يغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم: " إن هذا الدين يسر، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا ... " أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعا.

وقد روى الحديث بنحوه من طريق أخرى وسيأتي بلفظ (أصلحوا دنياكم ... ) (رقم 878) .

9 - " أنا جد كل تقي ".

لا أصل له.

سئل عنه الحافظ السيوطي فقال: لا أعرفه ذكره في كتابه " الحاوي للفتاوي " (2 / 89) .

 

(1/65)

 

 

10 - " إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال ".

موضوع.

رواه أبو منصور الديلمي في " مسند الفردوس " من حديث علي رضي الله عنه مرفوعا، قال الحافظ العراقي (2 / 56) : وفيه محمد بن سهل العطار، قال الدارقطني: يضع الحديث.

قلت: وهذا من الأحاديث الموضوعة التي شان بها السيوطي كتابه " الجامع الصغير " خلافا لما تعهد به في مقدمته فقال: وصنته عما تفرد به وضاع أو كذاب، فإنه عفا الله عنا وعنه لم يف بما تعهد به، وفي النية إذا يسر الله لنا أن نتوجه إلى تطهيره من تلك الأحاديث وجمعها في كتاب خاص ونشره على الناس حتى يكونوا على حذر منها.

هذا وقد قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في شرحه لـ" الجامع، " فيض القدير " بعد أن نقل ما ذكرته عن العراقي: فكان ينبغي للمصنف حذفه.

 

(1/66)

 

 

11 - " إنما بعثت معلما ".

ضعيف.

أخرجه الدارمي (1 / 99) من طريق عبد الله بن يزيد - وهو أبو عبد الرحمن المقري - وابن وهب في " المسند " (8 / 164 / 2) وعبد الله بن المبارك في " الزهد " (220 / 2) وعنه الحارث في مسنده (ص 16 من " زوائده ") والطيالسي (ص 298 رقم 2251) كلهم عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن

 

(1/66)

 

 

عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلسين في مسجده فقال: " كلاهما على خير وأحدهما أفضل من صاحبه، أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيتعلمون الفقه والعلم ويعلمون الجاهل فهم أفضل وإنما بعثت معلما ".

وهذا سند ضعيف فإن عبد الرحمن بن زياد وابن رافع ضعيفان كما قال الحافظ ابن حجر في " تقريب التهذيب " ورواه ابن ماجه (1 / 101) من طريق داود بن الزبرقان عن بكر بن خنيس عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو به.

وهذا سند أشد ضعفا من الأول، فإن كل من دون عبد الله بن يزيد ضعفاء، وقد خالفوا الثقات فجعلوا أو أحدهم جعل عبد الله بن يزيد - المعافري الحبلي الثقة - مكان عبد الرحمن بن رافع الضعيف.

وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 16 / 2) : فيه داود وبكر وعبد الرحمن وهم ضعفاء.

وقال العراقي في " تخريج الإحياء ": سنده ضعيف.

وقد اشتهر الاحتجاج بهذا الحديث على مشروعية الذكر على الصورة التي يفعلها بعض أهل الطرق من التحلق والصياح في الذكر والتمايل يمنة ويسرة وأماما وخلفا مما هو غير مشروع باتفاق المتقدمين، ومع أن الحديث لا يصح كما علمت، فليس فيه هذا الذي زعموه، بل غاية ما فيه جواز الاجتماع على ذكر الله تعالى، وهذا فيه أحاديث صحيحة في مسلم وغيره تغني عن هذا الحديث، وهي لا تفيد أيضا إلا مطلق الاجتماع، أما ما يضاف إليه من التحلق وما قرن معه من الرقص فكله بدع وضلالات يتنزه الشرع عنها.

 

(1/67)

 

 

12 - " أوحى الله إلى الدنيا: أن اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (8 / 44) واللفظ له والحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص 101) من طرق عن الحسين بن داود بن معاذ البلخي قال حدثنا الفضيل بن عياض قال حدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود مرفوعا.

قال الخطيب: تفرد بروايته الحسين عن الفضيل، وهو موضوع، ورجالهم كلهم ثقات سوى الحسين بن داود، ولم يكن ثقة، فإنه روى نسخة عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس أكثرها موضوع.

 

(1/68)

 

 

13 - " أهل الشام سوط الله في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم، ولا يموتوا إلا غما وهما ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (4163) من طريقين عن الوليد بن مسلم عن محمد بن أيوب بن ميسرة بن حلبس عن أبيه عن خريم بن فاتك الأسدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.

وهذا إسناد ظاهره الصحة ولعله لذلك احتج به شيخ الإسلام ابن تيمية في فصل له في " فضائل الشام " (ق 259 / 1 من مسودته) وليس بصحيح فإن له علتين: الأولى: عنعنعة الوليد فإنه يدلس تدليس التسوية، قال الذهبي في " الميزان ": " إذا قال الوليد: عن ابن جريج أو عن الأو زاعى فليس بمعتمد لأنه يدلس عن كذابين فإذا قال: " ثنا " فهو حجة "

 

(1/68)

 

 

وقال الحافظ في " التقريب ": هو ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية.

الأخرى: الوقف فقد رواه موقوفا هيثم بن خارجة قال: حدثنا محمد بن أيوب به موقوفا على خريم.

أخرجه أحمد (3 / 498) وسنده صحيح، وأو هم ابن تيمية أنه مرفوع وليس كذلك.

والحديث أورده المنذري في " الترغيب والترهيب " (4 / 63) وقال: رواه الطبراني مرفوعا وأحمد موقوفا ولعله الصواب، ورواتهما ثقات.

14 - " إياكم وخضراء الدمن، فقيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء فى المنبت السوء ".

ضعيف جدا.

رواه القضاعي في " مسند الشهاب " (ق 81 / 1) من طريق الواقدي قال: أنبأنا يحيى بن سعيد بن دينار عن أبي وجيزة يزيد بن عبيد عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري، وأورده الغزالي في " الإحياء " (2 / 38) وقال مخرجه العراقي: رواه الدارقطني في " الأفراد " والرامهرمزى في " الأمثال " من حديث أبي سعيد الخدري، قال الدارقطني: تفرد به الواقدى وهو ضعيف.

وذكر نحوه ابن الملقن في " خلاصة البدر المنير " (ق 118 / 1) .

قلت: بل هو متروك فقد كذبه الإمام أحمد والنسائي وابن المديني وغيرهم.

ولا تغتر بتوثيق بعض المتعصبين له ممن قدم لبعض كتبه، وغيره من الحنفية، فإنه على خلاف القاعدة المعروفة عند المحدثين: الجرح المبين مقدم على التعديل ولذا حكم الكوثري بوضعه كما سيأتي تحت الحديث (25) .

 

(1/69)

 

 

15 - " الشام كنانتي فمن أرادها بسوء رميته بسهم منها ".

لا أصل له في المرفوع.

ولعله من الإسرائيليات، فقد أخرج الحافظ أبو الحسن الربعي في " فضائل الشام " (ص 3) عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: قرأت فيما أنزل الله عز وجل على بعض الأنبياء أن الله تعالى يقول: الشام كنانتي فإذا غضبت على قوم رميته منها بسهم.

وفي سنده المسعودي واسمه عبد الرحمن بن عبد الله وهو ضعيف لاختلاطه، وجماعة آخرون لم أجد من ترجمهم، ويروى مثل هذا المعنى في مصر أيضا ولا أصل له في المرفوع أيضا كما يشير إليه كلام السخاوي في " المقاصد الحسنة ".

 

(1/70)

 

 

16 - " صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس: الأمراء والفقهاء، [وفي رواية: العلماء] ".

موضوع.

أخرجه تمام في " الفوائد " (238 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 96) وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (1 / 184) من طريق محمد بن زياد اليشكري عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعا.

وهذا سند موضوع محمد بن زياد هذا قال أحمد: كذاب أعور يضع الحديث وقال ابن معين والدارقطني: كذاب

 

(1/70)

 

 

وكذبه أبو زرعة أيضا وغيره.

والحديث مما أورده السيوطي في " الجامع " خلافا لشرطه! وأورده الغزالي في " الإحياء " (1 / 6) جازما بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم! وقال مخرجه الحافظ العراقي بعد أن عزاه لابن عبد البر وأبي نعيم: سنده ضعيف.

(تنبيه) :

ولا منافاة بين قول الحافظ هذا وبين حكمنا عليه بالوضع إذ أن الموضوع من أنواع الحديث الضعيف كما هو مقرر في علم المصطلح.

ومن أحاديث هذا الكذاب:

17 - " من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم أيضا (4 / 96) من طريق عمر بن أيوب حدثنا أبو إبراهيم الترجمان حدثنا محمد بن زياد اليشكري بإسناده المتقدم.

وهو من الأحاديث التي سود بها السيوطي أيضا كتابه " الجامع الصغير "! وقال شارحه المناوي: وفيه عمر بن أيوب قال الذهبي: جرحه ابن حبان.

قلت: وعمر هذا الظاهر أنه المزني وهاه الدارقطني كما في " الميزان " و" لسانه " فالحمل في الحديث على اليشكري أولى.

ثم رأيته في " الحلية (6 / 185) عن بكر بن عبد الله المزني من قوله وهو الأشبه.

ومن أحاديث هذا الكذاب أيضا:

 

(1/71)

 

 

18 - " اتخذوا الحمام المقاصيص فإنها تلهي الجن عن صبيانكم ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (288 / 2) والخطيب (5 / 279) وابن عساكر (17 / 469) من طريق محمد بن زياد بإسناده السابق عن ابن عباس.

وهو من أحاديث " الجامع الصغير " أيضا! وقد عزاه فيه للخطيب والديلمي في " مسند الفردوس " عن ابن عباس وابن عدي عن أنس فتعقبه شارحه المناوي بقوله: وقضيته أن مخرجه الخطيب خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه، فإنه عقبه بنقله عن أحمد وابن معين وغيرهما أن محمد بن زياد كان كذابا يضع الحديث

انتهى.

وقال ابن حجر: فيه محمد بن زياد اليشكري كذبوه، وفي " الميزان " كذاب وضاع ثم أورد له هذا الخبر، وابن عدي رواه من حديث عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس بن مالك قال في الميزان عن ابن حبان بعد ما ساق له هذا الخبر: يروي الموضوعات عن الأثبات، ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وتبعه المؤلف في " مختصر الموضوعات " ساكتا عليه، وحكاه عنه في " الكبير " وأقره فكان ينبغي حذفه من هذا الكتاب وفاء بشرطه.

وممن جزم بوضعه ابن عراق والهندي وغيرهما.

قلت: ومنهم ابن القيم في " المنار " (39) .

ومن أحاديث اليشكري الكذاب هذا:

 

(1/72)

 

 

19 - " زينوا مجالس نسائكم بالمغزل ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي (288 / 2) والخطيب (5 / 380) عن اليشكري بسنده المتقدم عن ابن عباس مرفوعا وقال ابن عدي: اليشكري هذا بين الأمر في الضعفاء يروي عن ميمون أحاديث مناكير لا

 

(1/72)

 

 

يرويها غيره ولا يتابعه أحد من الثقات عليها.

ومن طريق الخطيب أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 277) وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 179) . ونحو هذا الحديث:

20 - " زينوا موائدكم بالبقل فإنه مطردة للشيطان مع التسمية ".

موضوع.

أخرجه عبد الرحمن بن نصر الدمشقي في " الفوائد " (2 / 229 / 1) وابن حبان في " الضعفاء والمتروكين " (2 / 186) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 216) وغيرهما من طريق العلاء بن مسلمة عن إسماعيل ابن مغراء الكرماني عن ابن عياش عن برد عن مكحول عن أبي أمامة مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع، وآفته العلاء هذا، قال الذهبي في " الميزان ": قال الأزدي: لا تحل الرواية عنه كان لا يبالي ما روى، وقال ابن طاهر: كان يضع الحديث، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، وتمام كلام ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال.

والحديث مما شان به السيوطي " جامعه " فأورده من طريق ابن حبان في " الضعفاء " والديلمي في " مسند الفردوس " عن أبي أمامة، وقال شارحه المناوي: وفيه إسماعيل بن عياش مختلف فيه عن برد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء.

ورواه عنه أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلوعزاه له لكان أولى.

قلت: لقد أبعد الشارح النجعة فعلة الحديث ممن دون من ذكرهم كما عرفت، وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 298) من طريق ابن حبان عن العلاء بن مسلمة به، ثم قال ابن الجوزي:

 

(1/73)

 

 

لا أصل له، العلاء يضع ... وذكر ما تقدم نقله عن " الميزان ".

فتعقبه السيوطي في " اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " (2 / 12) بقوله: قلت: روى له الترمذي.

قلت: وهذا تعقب لا طائل تحته مع ثبوت جرح الرجل فرواية الترمذي عنه لا تعدله وكم في رواته من مجروحين ومتهمين كما لا يخفى على العارفين بتراجم رواة الحديث.

ثم ساق له السيوطي في " اللآليء " طريقا أخرى من رواية واثلة بن الأسقع مرفوعا وفيه الحسن بن شبيب المكتب، قال الذهبي في " الميزان ": هو آفة هذا الحديث قال فيه ابن عدي: حدث بالبواطيل عن الثقات وقد جزم ابن القيم في " المنار " (ص 32) بأن الحديث موضوع، أورده في التنبيه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا، ثم قال (ص 35) : ومنها سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه.

ثم ذكر أحاديث؛ هذا منها.

21 - " حسبي من سؤالي علمه بحالي ".

لا أصل له.

أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو من الإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع، وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيرا لضعفه فقال: روي عن كعب الأحبار: " أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ... لما رموا به في المنجنيق إلى النار استقبله جبريل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟

قال: أما إليك فلا، قال جبريل: فسل ربك، فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي ".

 

(1/74)

 

 

وقد أخذ هذا المعنى بعض من صنف في الحكمة على طريقة الصوفية فقال: سؤالك منه يعني الله الله تعالى اتهام له، وهذه ضلالة كبري! فهل كان الأنبياء صلوات الله عليهم متهمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة؟ فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهو ي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون، ربنا ... ) إلى آخر الآيات وكلها أدعية، وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى، والقائل المشار إليه قد غفل عن كون الدعاء الذي هو تضرع والتجاء إلى الله تعالى عبادة عظيمة بغض النظر عن ماهية الحاجة المسؤولة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " الدعاء هو العبادة، ثم تلا قوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} " ذلك لأن الدعاء يظهر عبودية العبد لربه وحاجته إليه ومسكنته بين يديه، فمن رغب عن دعائه، فكأنه رغب عن عبادته سبحانه وتعالى، فلا جرم جاءت الأحاديث متضافرة في الأمر به والحض عليه حتى قال صلى الله عليه وسلم:

 

(1/75)

 

 

" من لا يدع الله يغضب عليه ".

أخرجه الحاكم (1 / 491) وصححه ووافقه الذهبي.

قلت: وهو حديث حسن، وتجد بسط الكلام في تخريجه وتأكيد تحسينه والرد على من زعم من إخواننا أنني صححته وغير ذلك من الفوائد في " السلسلة الأخرى " (رقم 2654) .

وقالت عائشة رضي الله عنها: " سلوا الله كل شيء حتى الشسع، فإن الله عز وجل، إن لم ييسره لم يتيسر ".

أخرجه ابن السني (رقم 349) بسند حسن، وله شاهد من حديث أنس عند الترمذي (4 / 292) وغيره وضعفه وهو مخرج فيما سيأتي برقم (1362) .

وبالجملة فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام فكيف يصدر ممن سمانا المسلمين؟ !

ثم وجدت الحديث قد أورده ابن عراق في " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " وقال (1 / 250) : قال ابن تيمية موضوع.

22 - " توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ".

لا أصل له.

وقد نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة ". ومما لا شك فيه أن جاهه صلى الله عليه وسلم ومقامه عند الله عظيم، فقد وصف الله تعالى موسى بقوله: {وكان عند الله وجيها} ، ومن المعلوم أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من

 

(1/76)

 

 

موسى، فهو بلا شك أو جه منه عند ربه سبحانه وتعالى، ولكن هذا شيء والتوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم شيء آخر، فلا يليق الخلط بينهما كما يفعل بعضهم، إذ أن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم

يقصد به من يفعله أنه أرجى لقبول دعائه، وهذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل إذ أنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها فلابد فيه من النقل الصحيح الذي تقوم به الحجة، وهذا مما لا سبيل إليه البتة، فإن الأحاديث الواردة في التوسل به صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين: صحيح وضعيف، أما الصحيح فلا دليل فيه البتة على المدعى مثل توسلهم به صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، وتوسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم فإنه توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم لا بجاهه ولا بذاته صلى الله عليه وسلم، ولما كان التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن كان بالتالي التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته غير ممكن وغير جائز.

ومما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر توسلوا بعمه صلى الله عليه وسلم العباس، ولم يتوسلوا به صلى الله عليه وسلم، وما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع وهو ما ذكرناه من التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم ولذلك توسلوا بعده صلى الله عليه وسلم بدعاء عمه لأنه ممكن ومشروع، وكذلك لم ينقل أن أحدا من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى، ذلك لأن السر ليس في قول الأعمى: (اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة) .

وإنما السر الأكبر في دعائه صلى الله عليه وسلم له كما يقتضيه وعده صلى الله عليه وسلم إياه بالدعاء له، ويشعر به قوله في دعائه " اللهم فشفعه في " أي اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في " وشفعني فيه " أي اقبل شفاعتي أي دعائي في قبول دعائه صلى الله عليه وسلم في، فموضوع الحديث كله يدور حول الدعاء كما يتضح للقاريء الكريم بهذا الشرح الموجز، فلا علاقة للحديث بالتوسل المبتدع، ولهذه أنكره الإمام أبو حنيفة فقال: أكره أن يسأل الله إلا بالله، كما في " الدر المختار " وغيره من كتب الحنفية.

 

(1/77)

 

 

وأما قول الكوثري في مقالاته (ص 381) : وتوسل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكور في أو ائل " تاريخ الخطيب " بسند صحيح فمن مبالغاته بل مغالطاته فإنه يشير بذلك إلى ما أخرجه الخطيب (1 / 123) من

طريق عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال: نبأنا علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: إنى لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم - يعني زائرا - فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره، وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تقضى.

فهذه رواية ضعيفة بل باطلة فإن عمر بن إسحاق بن إبراهيم غير معروف وليس له ذكر في شيء من كتب الرجال، ويحتمل أن يكون هو عمرو - بفتح العين - بن إسحاق بن إبراهيم بن حميد بن السكن أبو محمد التونسى وقد ترجمه الخطيب (12 / 226) وذكر أنه بخاري قدم بغداد حاجا سنة (341) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال، ويبعد أن يكون هو هذا إذ أن وفاة شيخه علي بن ميمون سنة (247) على أكثر الأقوال، فبين وفاتيهما نحومائة سنة فيبعد أن يكون قد أدركه.

وعلى كل حال فهي رواية ضعيفة لا يقوم على صحتها دليل وقد ذكر شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم " معنى هذه الرواية ثم أثبت بطلانها فقال (ص 165) : هذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل، فالشافعي لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة، بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفا، وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور

 

(1/78)

 

 

الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده؟ ! ثم (إن) أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد وطبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند أبي حنيفة ولا غيره، ثم قد تقدم عن الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها، وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه، وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف.

وأما القسم الثاني من أحاديث التوسل فهي أحاديث ضعيفة تدل بظاهرها على التوسل المبتدع، فيحسن بهذه المناسبة التحذير منها والتنبيه عليها، فمنها:

23 - " الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين ... ".

ضعيف.

رواه الطبراني في " الكبير " (24 / 351 ـ 352) و" الأوسط " (1 / 152 ـ 153 ـ الرياض) ، ومن طريقه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (3 / 121) : حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة قال روح بن صلاح قال: حدثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول ومن طريقه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (3 / 121) عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما ... دعا أسامه بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاما أسود يحفرون ... فلما فرغ، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه فقال ... فذكره، وقال الطبراني: تفرد به روح بن صلاح.

قلت: قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 257) :

 

(1/79)

 

 

وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وفي قوله: وبقية رجاله رجال الصحيح نظر رجيح، ذلك لأن زغبة هذا ليس من رجال الصحيح، بل لم يروله إلا النسائي، أقول هذا مع العلم أنه في نفسه ثقة.

بقي النظر في حال روح بن صلاح وقد تفرد به كما قال الطبراني، فقد وثقه ابن حبان والحاكم كما ذكر الهيثمي، ولكن قد ضعفه من قولهم أرجح من قولهما لأمرين: الأول: أنه جرح والجرح مقدم على التعديل بشرطه.

والآخر: أن ابن حبان متساهل في التوثيق فإنه كثيرا ما يوثق المجهولين حتى الذين يصرح هو نفسه أنه لا يدري من هو ولا من أبوه؟ كما نقل ذلك ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " ومثله في التساهل الحاكم كما لا يخفى على المتضلع بعلم التراجم والرجال فقولهما عند التعارض لا يقام له وزن حتى ولوكان الجرح مبهما لم يذكر له سبب، فكيف مع بيانه كما هو الحال في ابن صلاح هذا؟ ! فقد ضعفه ابن عدي (3 / 1005) ، وقال ابن يونس: رويت عنه مناكير، وقال الدارقطني: ضعيف في الحديث، وقال ابن ماكولا: ضعفوه، وقال ابن عدي بعد أن خرج له حديثين:

 

(1/80)

 

 

وفي بعض حديثه نكرة.

فأنت ترى أئمة الجرح قد اتفقت عباراتهم على تضعيف هذا الرجل، وبينوا أن السبب روايته المناكير، فمثله إذا تفرد بالحديث يكون منكرا لا يحتج به، فلا يغتر بعد هذا بتوثيق من سبق ذكره إلا جاهل أو مغرض.

ومما تقدم يتبين للمنصف أن الشيخ زاهدا الكوثري ما أنصف العلم حين تكلم على هذا الحديث محاولا تقويته حيث اقتصر على ذكر التوثيق السابق في روح بن صلاح دون أن يشير أقل إشارة إلى أن هناك تضعيفا له ممن هم أكثر وأو ثق ممن وثقه! انظر (ص 379) من " مقالات الكوثرى " نفسه!

ومن عجيب أمر هذا الرجل أنه مع سعة علمه يغلب عليه الهوى والتعصب للمذهب ضد أنصار السنة وأتباع الحديث الذين يرميهم ظلما بالحشوية فتراه هنا يميل إلى تقوية هذا الحديث معتمدا على توثيق ابن حبان ما دام هذا الحديث يعارض ما عليه أنصار السنة!

فإذا كان الحديث عليه لا له فتراه يرده وإن كان ابن حبان صححه أو وثق رواته!

فانظر إليه مثلا يقول في حديث مضيه صلى الله عليه وسلم في صلاته بعد خلع النعل النجسة وقد أخرجه ابن حبان والحاكم في " صحيحيهما " قال: وتساهل الحاكم وابن حبان في التصحيح مشهور! ! (انظر ص 185) من " مقالاته ".

والحديث صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " وإعلاله بتساهل

 

(1/81)

 

 

المذكورين تدليس خبيث، لأنه ليس فيه من لم يوثقه غيرهما، بل رجاله كلهم رجال مسلم.

وانظر إليه في كلامه على حديث الأو عال وتضعيفه إياه وهو في ذلك مصيب تراه يعتمد في ذلك على أن راويه عبد الله بن عميرة مجهول، ثم يستدرك في التعليق فيقول (ص 309) : نعم ذكره ابن حبان في الثقات، لكن طريقته في ذلك أن يذكر في الثقات من لم يطلع على جرح فيه، فلا يخرجه ذلك عن حد الجهالة عند الآخرين، وقد رد ابن حجر شذوذ ابن حبان هذا في " لسان الميزان ".

قلت: فقد ثبت بهذه النقول عن الكوثري أن من مذهبه عدم الاعتماد على توثيق ابن حبان والحاكم لتساهلهما في ذلك، فكيف ساغ له أن يصحح الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه لمجرد توثيقهما لراويه روح بن صلاح، ولاسيما أنه قد صرح غيرهما ممن هو أعلم منهما بالرجال بتضعيفه؟ ! اللهم لولا العصبية المذهبية لم يقع في مثل هذه الخطيئة، فلا تجعل اللهم تعصبنا إلا للحق حيثما كان.

ومن الأحاديث الضعيفة في التوسل وهي في الوقت نفسه تدل على تعصب الكوثري، الحديث الآتي:

24 - " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ... أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له ألف ملك ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (1 / 261 - 262) وأحمد (3 / 21) والبغوي في " حديث علي بن

الجعد " (9 / 93 / 3) وابن السني (رقم 83) من طريق فضيل

 

(1/82)

 

 

بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به.

وهذا سند ضعيف من وجهين، الأول: فضيل بن مرزوق وثقه جماعة وضعفه آخرون، وقول الكوثري في بعض " مقالاته " (393) : وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ولم يضعفه سواه وجرحه غير مفسر، بل وثقه البستي. فيه أخطاء مكشوفة:

أولا: قوله لم يضعفه غير أبي حاتم، فإنه باطل، وما أظن هذا يخفى على مثله، فإن في ترجمته من " التهذيب " بعد أن حكى أقوال الموثقين له ما نصه: وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: صالح الحديث صدوق يهم كثيرا يكتب حديثه.

قلت: يحتج به؟ قال: لا.

وقال النسائي: ضعيف ... قال مسعود عن الحاكم: ليس هو من شرط الصحيح.

وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه، قال ابن حبان في الثقات: يخطيء، وقال في " الضعفاء ": كان يخطيء على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات.

فأنت ترى أنه قد ضعفه مع أبي حاتم النسائي والحاكم وابن حبان مع أنهما من المتساهلين في التوثيق كما تقدم.

ثانيا: قوله: وجرحه غير مفسر.

 

(1/83)

 

 

فهذا غير مسلم به، بل هو مفسر في نفس كلام أبي حاتم الذي نقلته، وهو قوله: يهم كثيرا، وقد اعتمد الحافظ ابن حجر هذا القول فقال في ترجمته: صدوق يهم، فمن كان يهم في حديثه كثيرا، فلا شك أنه لا يحتج به كما هو مقرر في محله من علم المصطلح.

ثالثا: قوله: بل وثقه البستي.

قلت: البستي هو ابن حبان، وإنما عدل الكوثري عن التصريح باسم (ابن حبان) إلى ذكر نسبته (البستي) تدليسا وتمويها، وقد علمت أن ابن حبان كان له فيه قولان، فمرة أورده في " الثقات " (7 / 316) وأخرى في " الضعفاء " (2 / 209) والاعتماد على هذا أولى من الأول، لأنه بين فيه سبب ضعفه، فهو جرح مفسر يقدم على التعديل كما تقرر في المصطلح أيضا.

الوجه الثاني في تضعيف الحديث: أنه من رواية عطية العوفي، وهو ضعيف أيضا.

قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يخطيء كثيرا كان شيعيا مدلسا، فهذا جرح مفسر يقدم على قول من وثقه مع أنهم قلة، وقد خالفوا جمهو ر الأئمة الذين ضعفوه وتجد أقوالهم في " تهذيب التهذيب " وعبارة الحافظ التي نقلتها عن " التقريب " هي خلاصة هذه الأقوال كما لا يخفى على البصير بهذا العلم فلا نطيل الكلام بذكرها، ولهذا جزم الذهبي في " الميزان " بأنه ضعيف.

أما تدليسه فلابد من بيانه ها هنا لأن به تزول شبهة يأتي حكايتها، فقال ابن حبان في " الضعفاء " ما نصه:

 

(1/84)

 

 

سمع من أبي سعيد أحاديث فلما مات جعل يجالس الكلبي يحضر بصفته، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك هذا؟ فيقول:

حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبي!

قال: لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.

فهل تدري أيها القاريء الكريم ما كان موقف الشيخ الكوثري تجاه تلك الأقوال المشار إليها في تضعيف الرجل؟ إنه لم يشر إليها أدنى إشارة واكتفى بذكر أقوال القلة الذين وثقوه، الأمر الذي ينكره على خصومه (انظر ص 392 من " مقالاته " وليته وقف عند هذا، بل إنه أو هم أن سبب تضعيفه أمر لا يصلح أن يكون جرحا فقال (ص 394) : وعطية جرح بالتشيع، لكن حسن له الترمذي عدة أحاديث.

وقصده من هذا إفساح المجال لتقديم أقوال الموثقين بإيهام أن المضعفين إنما ضعفوه بسبب تشيعه، وهو سبب غير جارح عند المحققين، مع أن السبب في الحقيقة إنما هو خطأه كثيرا كما تقدم في كلام الحافظ ابن حجر، فانظر كم يبعد التعصب بصاحبه عن الإنصاف والحق!

وأما تحسين الترمذي له فلا حجة فيه بعد قيام المانع من تحسين الحديث، والترمذي متساهل في التصحيح والتحسين، وهذا شيء لا يخفى على الشيخ - عفا الله عنا وعنه - فقد نقل هو نفسه في كلامه على حديث الأو عال الذي سبقت الإشارة إليه عن ابن دحية إنه قال: كم حسن الترمذي من أحاديث موضوعة وأسانيد

واهية؟ ! وعن الذهبي أنه قال: لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي (انظر ص 311 من " مقالات الكوثرى ") .

 

(1/85)

 

 

فانظر كيف يجعل كلام الرجل في موضع حجة، وفي آخر غير حجة! !

ثم أجاب عن شبهة التدليس بقوله: وبعد التصريح بالخدري لا يبقى احتمال التدليس ولاسيما مع المتابعة.

يعني أن عطية قد صرح بأن أبا سعيد في هذا الحديث هو الخدري، فاندفعت شبهة كونه هو الكلبي الكذاب.

قلت: وهذا دفع هزيل، فالشبهة لا تزال قائمة، لأن ابن حبان صرح كما تقدم نقله عنه أن عطية لما كان يحدث عن الكلبي ويكنيه بأبي سعيد كان الذين يسمعون الحديث عنه يتوهمون أنه يريد الخدري، فمن أين للشيخ الكوثري أن التصريح بالخدري إنما هو من عطية وليس من توهم الراوي عنه أو من وهمه فقد علمت أنه كان سيء الحفظ؟ ! هذان احتمالان لا سبيل إلى ردهما وبذلك تبقى شبهة التدليس قائمة.

وأما المتابعة التي أشار إليها فهي ما فسره بقوله قبل: ولم ينفرد عطية عن الخدري، بل تابعه أبو الصديق عنه في رواية عبد الحكم بن ذكوان، وهو ثقة عند ابن حبان، وإن أعله به أبو الفرج في علله.

قلت: لقد عاد الشيخ إلى الاعتداد بتوثيق ابن حبان مع اعترافه بشذوذه في ذلك كما سبق النقل عنه، هذا مع قول ابن معين في ابن ذكوان هذا: لا أعرفه، فإذا لم يعرفه أمام الجرح والتعديل، فأنى لابن حبان أن يعرفه؟ !

فتبين أن لا قيمة لهذا المتابع لجهالة الراوي عنه، فإعلال أبي الفرج للحديث به حق لا غبار عليه عند من ينصف!

ثم بدا لي وجه ثالث في تضعيف الحديث وهو اضطراب عطية أو ابن مرزوق

 

(1/86)

 

 

في روايته حيث أنه رواه تارة مرفوعا كما تقدم، وأخرى موقوفا على أبي سعيد كما رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 110 / 1) عن ابن مرزوق به موقوفا، وفي رواية البغوي من طريق فضيل قال: أحسبه قد رفعه، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 184) : موقوف أشبه.

ثم إن الشيخ حاول أن يشد من عضد الحديث بأن أو جد له طريقا أخرى فقال: وأخرج ابن السني في عمل " اليوم والليلة " بسند فيه الوازع عن بلال، (كذا) وليس فيه عطية ولا ابن مرزوق.

قلت: ولم يزد الشيخ على هذا فلم يبين ما حال هذا الوازع وهل هو ممن يصلح أن يستشهد به، أو هل عنده وازع يمنعه من رواية الكذب؟ ولو أنه بين ذلك لظهر لكل ذي عينين أن روايته لهذا الحديث وعدمها سواء، ذلك لأنه ضعيف بمرة عند أئمة الحديث بلا خلاف عندهم، حتى قال أبو حاتم: ضعيف الحديث جدا ليس بشىء، وقال لابنه: اضرب على أحاديثه فإنها منكرة.

بل قال الحاكم - على تساهله -: روى أحاديث موضوعة! وكذا قال غيره، وهو الوازع بن نافع العقيلي.

فمن كان هذا حاله في الرواية لا يعتضد بحديثه ولا كرامة حتى عند الشيخ نفسه فاسمع إن شئت كلامه في ذلك (ص 39) من " مقالاته ":

 

(1/87)

 

 

" إن تعدد الطرق إنما يرفع الحديث إلى مرتبة الحسن لغيره إذا كان الضعف في الرواة من جهة الحفظ والضبط

فقط، لا من ناحية تهمة الكذب، فإن كثرة الطرق لا تفيد شيئا إذ ذاك ".

ومن هنا يتبين للقاريء اللبيب لم سكت الشيخ عن بيان حال الوازع هذا!

وجملة القول أن هذا الحديث ضعيف من طريقيه وأحدهما أشد ضعفا من الآخر، وقد ضعفه البوصيرى والمنذري وغيرهما من الأئمة، ومن حسنه فقد وهم أو تساهل، وقد تكلمت على حديث بلال هذا، وكشفت عن تدليس الكوثري فيما سيأتي (6252) ومن الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة في التوسل:

25 - " لما اقترف آدم الخطيئة، قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي، ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك ".

موضوع.

أخرجه الحاكم في " المستدرك " (2 / 615) وعنه ابن عساكر (2 / 323 / 2) وكذا البيهقي في باب ما جاء فيما تحدث به صلى الله عليه وسلم بنعمة ربه من " دلائل النبوة " (5 / 488) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري، حدثنا إسماعيل ابن مسلمة، نبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب مرفوعا، وقال الحاكم:

 

(1/88)

 

 

صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب.

فتعقبه الذهبي بقوله: بل موضوع، وعبد الرحمن واه، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو.

قلت: والفهري هذا أورده في " ميزان الاعتدال " لهذا الحديث وقال: خبر باطل رواه البيهقي في " دلائل النبوة " وقال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم وهو ضعيف.

وأقره ابن كثير في " تاريخه " (2 / 323) ووافقه الحافظ ابن حجر في " اللسان " أصله " الميزان " على قوله: خبر باطل وزاد عليه قوله في هذا الفهري: لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته.

قلت: والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رشيد، ذكره ابن حبان فقال: متهم بوضع الحديث، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة لا يحل كتب حديثه، وهو الذي روى عن ابن هدبة نسخة كأنها معمولة.

والحديث أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (207) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن زيد ثم قال: لا يروي عن عمر إلا بهذا الإسناد.

وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 253) : رواه الطبراني في " الأوسط " و" الصغير " وفيه من لم أعرفهم.

 

(1/89)

 

 

قلت: وهذا إعلال قاصر ما دام فيه عبد الرحمن بن زيد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة " (ص 69) : ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب " المدخل إلى معرفة

الصحيح من السقيم ": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه.

قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيرا.

وصدق شيخ الإسلام في نقله اتفاقهم على ضعفه وقد سبقه إلى ذلك ابن الجوزي، فإنك إذا فتشت كتب الرجال، فإنك لن تجد إلا مضعفا له، بل ضعفه جدا علي بن المديني وابن سعد، وقال الطحاوى: حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف.

وقال ابن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف، فاستحق الترك.

وقال أبو نعيم نحوما سبق عن الحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة.

قلت: ولعل هذا الحديث من الأحاديث التي أصلها موقوف ومن الإسرائيليات، أخطأ عبد الرحمن بن زيد فرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيد هذا أن أبا بكر الآجري أخرجه في " الشريعة " (ص 427) من طريق الفهري المتقدم بسند آخر له عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب موقوفا عليه.

ورواه (ص 422 - 425) من طريق أبي مروان العثماني قال: حدثني أبي (في الأصل: ابن وهو خطأ) عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال:

 

(1/90)

 

 

" من الكلمات التي تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام أنه قال: اللهم إني أسألك بحق محمد عليك.. " الحديث نحوه وليس فيه ادعني بحقه إلخ.

وهذا موقوف وعثمان وابنه أبو مروان ضعيفان لا يحتج بهما لورويا حديثا مرفوعا، فكيف وقد رويا قولا موقوفا على بعض أتباع التابعين وهو قد أخذه - والله أعلم - من مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم أو عن كتبهم التي لا ثقة لنا بها كما بينه شيخ الإسلام في كتبه.

وكذلك رواه ابن عساكر (2 / 310 / 2) عن شيخ من أهل المدينة من أصحاب ابن مسعود من قوله موقوفا عليه وفيه مجاهيل.

وجملة القول: أن الحديث لا أصل له عنه صلى الله عليه وسلم فلا جرم أن حكم عليه بالبطلان الحافظان الجليلان الذهبي والعسقلاني كما تقدم النقل عنهما.

ومما يدل على بطلانه أن الحديث صريح في أن آدم عليه السلام عرف النبي صلى الله عليه وسلم عقب خلقه، وكان ذلك في الجنة، وقبل هبوطه إلى الأرض، وقد جاء في حديث إسناده خير من هذا على ضعفه أنه لم يعرفه إلا بعد نزوله إلى الهند وسماعه باسمه في الأذان! انظر الحديث (403) .

ومع هذا كله فقد جازف الشيخ الكوثري وصححه مع اعترافه بضعف عبد الرحمن بن زيد لكنه استدرك (ص 391) فقال: إلا أنه لم يتهم بالكذب، بل بالوهم، ومثله ينتقى بعض حديثه.

قلت: لقد بلغ به الوهم إلى أنه روى أحاديث موضوعة كما تقدم عن الحاكم وأبي نعيم، فمثله لا يصلح أن ينتقى من حديثه حتى عند الكوثري لولا العصبية والهوى، فاسمع إن شئت ما قاله (ص 42) في صدد حكمه بالوضع على حديث " إياكم وخضراء الدمن ... " وقد تقدم برقم (14) .

وإنما مدار الحكم على الخبر بالوضع أو الضعف الشديد من حيث الصناعة

 

(1/91)

 

 

الحديثية هو انفراد الكذاب أو المتهم بالكذب أو الفاحش الخطأ به.

وقد علمت مما سبق أن مدار الحديث على عبد الرحمن بن زيد الفاحش الخطأ، فيكون حديثه ضعيفا جدا على أقل الأحوال عنده لو أنصف!

ومن عجيب أمره أنه يقول عقب عبارته السابقة (ص 391) : وهذا هو الذي فعله الحاكم حيث رأى أن الخبر مما قبله مالك فيما روى ابن حميد عنه حيث قال لأبي جعفر المنصور: وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام.

فمن أين له أن الحاكم رأى أن الخبر مما قبله مالك؟ ! فهل يلزم من كون الرجل كان حافظا أنه كان يحفظ كل شيء عن أي إمام، هذا ما لا يقوله إنسان؟ ! فمثل هذا لابد فيه من نقل يصرح بأن الحاكم رأى ... وإلا فمن ادعى ذلك فقد قفى ما ليس له به علم.

ثم هب أن مالكا قبل الخبر، فهل ذلك يلزم غيره أن يقبله وهو لم يذكر إسناده المتصل منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أفلا يجوز أن يكون ذلك من الإسرائيليات التي تساهل العلماء في روايتها عن بعض مسلمة أهل الكتاب مثل كعب الأحبار، فقد كان يروي عنه بعضها ابن عمر وابن عباس وأبوهريرة باعتراف الكوثري نفسه (ص 34 ـ " مقالة كعب الأحبار والإسرائيليات ") فإذا جاز هذا لهؤلاء، أفلا يجوز ذلك لمالك؟ بلى ثم بلى.

فثبت أن قول مالك المذكور لا يجوز أن يكون شاهدا مقويا للحديث المروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا كله يقال لوثبت ذلك عن مالك، كيف ودون ثبوته خرط القتاد! فإنه يرويه عنه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي في الراجح عند الكوثري ثم اعتمد هو على توثيق ابن معين إياه وثناء أحمد والذهلي عليه، وتغافل عن تضعيف

 

(1/92)

 

 

جمهو ر الأئمة له، بل وعن تكذيب كثيرين منهم إياه، مثل أبي حاتم والنسائي وأبي زرعة وصرح هذا أنه كان يتعمد الكذب، ومثل ابن خراش فقد حلف بالله أنه كان يكذب، وقال صالح بن محمد الأسدي: كل شيء كان يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه فيه، وقال في موضع آخر: كانت أحاديثه تزيد، وما رأيت أحدا أجرأ على الله منه، وقال أيضا: ما رأيت أحدا أحذق بالكذب من رجلين سليمان الشاذكوني ومحمد ابن حميد، كان يحفظ حديثه كله.

وقال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لوحدث الأستاذ عن محمد بن حميد فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه؟ فقال: إنه لم يعرفه، ولوعرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلا.

فهذه النصوص تدل على أن الرجل كان مع حفظه كذابا، والكذب أقوى أسباب الجرح وأبينها، فكيف ساغ للشيخ تقديم التعديل على الجرح المفسر مع أنه خلاف معتقده؟ !

علم ذلك عند من يعرف مبلغ تعصبه على أنصار السنة وأهل الحديث، وشدة عداوته إياهم سامحه الله وعفا عنه.

فتبين مما ذكرناه أن هذه القصة المروية عن مالك قصة باطلة موضوعة، وقد حقق القول في ذلك على طريقة أخرى شيخ الإسلام في " القاعدة الجليلة " (1 / 227 - ضمن مجموع الفتاوى) وابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " فليراجعهما من أراد المزيد من الاطلاع على بطلانها، فإن فيما أوردت كفاية.

وبذلك ثبت وضع حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وخطأ من خالف.

 

(1/93)

 

 

ولقد أطلت كثيرا في تحقيق الكلام عليه وعلى الأحاديث التي قبله، وما كنت أو د ذلك لولا أنى وجدت نفسي مضطرا لذلك، لما وقفت على مغالطات الشيخ الكوثري، فرأيت من الواجب الكشف عنها لئلا يغتر بها من لا علم له بما هنالك! فمعذرة إلى القراء الكرام.

هذا وإن من الآثار السيئة التي تركتها هذه الأحاديث الضعيفة في التوسل أنها صرفت كثيرا من الأمة عن التوسل المشروع إلى التوسل المبتدع، ذلك لأن العلماء متفقون - فيما أعلم - على استحباب التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه أو صفة من صفاته تعالى، وعلى توسل المتوسل إليه تعالى بعمل صالح قدمه إليه عز وجل.

ومهما قيل في التوسل المبتدع فإنه لا يخرج عن كونه أمرا مختلفا فيه، فلو أن الناس أنصفوا لانصرفوا عنه احتياطا وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " إلى العمل بما أشرنا إليه من التوسل المشروع، ولكنهم مع الأسف أعرضوا عن هذا وتمسكوا بالتوسل المختلف فيه كأنه من الأمور اللازمة التي لابد منها ولازموها ملازمتهم للفرائض! فإنك لا تكاد تسمع شيخا أو عالما يدعوبدعاء يوم الجمعة وغيره إلا ضمنه التوسل المبتدع، وعلى العكس من ذلك فإنك لا تكاد تسمع أحدهم يتوسل بالتوسل المستحب كأن يقول مثلا: اللهم إنى أسألك بأن لك الحمد لا إله ألا أنت وحدك لا شريك لك المنان، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك ... مع أن فيه الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى كما قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه.

 

(1/94)

 

 

فهل سمعت أيها القارئ الكريم أحدا يتوسل بهذا أو بغيره مما في معناه؟ أما أنا فأقول آسفا: إننى لم أسمع ذلك، وأظن أن جوابك سيكون كذلك، فما السبب في هذا؟ ذلك هو من آثار انتشار الأحاديث الضعيفة بين الناس،

وجهلهم بالسنة الصحيحة، فعليكم بها أيها المسلمون علما وعملا تهتدوا وتعزو ا.

وبعد طبع ما تقدم اطلعت على رسالة في جواز التوسل المبتدع لأحد مشايخ الشمال المتهو رين، متخمة بالتناقض الدال على الجهل البالغ، وبالضلال والأباطيل والتأويلات الباطلة والافتراء على العلماء بل الإجماع! مثل تجويز الاستغاثة بالموتى والنذر لهم، وزعمه أن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية متلازمان!

وغير ذلك مما لا يقول به عالم مسلم، كما أنه حشاها بالأحاديث الضعيفة والواهية كما هي عادته في كل ما له من رسائل - وليته سكت عنها، بل إنه صحح بعض ما هو معروف منها بالضعف كقوله (ص 42) وفي الأحاديث الصحيحة: " إن أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعباده " وغير ذلك مما لا يمكن البحث فيه الآن.

وإنما القصد أن أنبه القراء على ما وقع في كلامه على الأحاديث المتقدمة في التوسل من التدليس بل الكذب المكشوف ليوهمهم صحتها، كي يكونوا في حذر منه ومن أمثاله من الذين لا يتقون الله فيما يكتبون، لأن غرضهم الانتصار لأهو ائهم وما وجدوا عليه آبائهم وأمهاتهم.

فحديث أنس (رقم 23) الذي بينا ضعف إسناده، أو هم هو أنه صحيح بتمكسه بتوثيق ابن حبان والحاكم لروح بن صلاح! وقد أثبتنا ضعف هذا الراوي وعدم اعتداد العلماء بتوثيق المذكورين فتذكر، كما أثبتنا عدم أمانة الكوثري في النقل واتباعه للهو ى وقد جرى على طريقته هذه مؤلف هذه الرسالة بل زاد عليه! فإنه بعد أن ساق الحديث موهما القاريء أنه صحيح قال عقبه (ص 15) :

 

(1/95)

 

 

ولهذا طرق منها عن ابن عباس عند أبي نعيم في " المعرفة " والديلمي في " الفردوس " بإسناد حسن كما قاله الحافظ السيوطي.

فهذا كذب منه على ابن عباس رضي الله عنه - وربما على السيوطي أيضا - فليس في حديث ابن عباس موضع الشاهد من حديث أنس وهو قوله " بحق نبيك والأنبياء الذين قبلي فإنك أرحم الراحمين " وذلك مما يوهن هذه الزيادة ولا يقويها خلافا لمحاولة المؤلف الفاشلة المغرضة!

وأما حديث عمر (رقم 25) فقال في تخريجه (ص 15) :

وأخرج البيهقي في " دلائل النبوة " وقد التزم أن لا يذكر في هذا الكتاب حديثا موضوعا.

قلت: والجواب من وجهين:

الأول: أن الالتزام المذكور غير مسلم به، فقد أخرج فيه غيرما حديث موضوع وقد نص على ذلك بعض النقاد، ومن يتتبع مقالاتنا هذه في الأحاديث الضعيفة والموضوعة يجد أمثلة على ذلك وحسبك دليلا الآن هذا الحديث فقد حكم عليه الحافظان الذهبي والعسقلاني بأنه حديث باطل كما سبق، فما بال المؤلف يتغاضى عن حكمهما وهما المرجع في هذا الشأن ويتعلق بالمتشابه من الكلام؟ ! .

الآخر: أن البيهقي الذي أخرجه في " الدلائل " قد ضعف الحديث فيه كما سبق نقله عنه، فإن لم يكن الحديث عنده موضوعا فهو على الأقل ضعيف، فهو حجة على الشيخ الذي يحاول بتحريف الكلام أن يجعله صحيحا؟ !

ثم نقل المؤلف تخريج الحاكم للحديث وتصحيحه إياه، وتغاضى أيضا عن تعقب الذهبي إياه الذي سبق أن ذكرناه، والذي يصرح فيه أنه حديث موضوع! كما تغاضى عن حال راويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، الذي اتهمه الحاكم نفسه

 

(1/96)

 

 

بالوضع!

وعن غيره ممن لا يعرف حاله أو هو متهم، وعن قول الحافظ الهيثمي في الحديث فيه من لم أعرفهم! .

عجبا من هذا المؤلف وأمثاله إنهم يزعمون أن باب الاجتهاد قد أغلق على الناس فليس لهم أن يجتهدوا لا في الحديث تصحيحا وتضعيفا، ولا في الفقه، ترجيحا وتفريعا، ثم هم يجتهدون فيما لا علم لهم فيه البتة، وهو علم الحديث،

ويضربون بكلام ذوي الاختصاص عرض الحائط! ثم هم إن قلدوا قلدوا دون علم متبعين أهواءهم، وإلا فقل لي بالله عليك: إذا صحح الحاكم حديثا - وهو معروف بتساهله في ذلك - ورده عليه أمثال الذهبي والهيثمي والعسقلاني أفيجوز والحالة هذه التعلق بتصحيح الحاكم؟! اللهم إن هذا لا يقول به إلا جاهل أو مغرض! اللهم فاحفظنا من اتباع الهوى حتى لا يضلنا عن سبيلك.

ثم زعم المؤلف (ص 16) أن الإمام مالكا قد صح عنده محل الشاهد من هذا الحديث حيث قال للخليفة العباسى: ولم تصرف وجهك عنه صلى الله عليه وسلم وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم؟ .

وقد بينا فيما سلف بطلان نسبة هذه القصة إلى مالك، وأما المؤلف فلا يهمه التحقق من ذلك، وسيان عنده أثبتت أو لم تثبت، ما دام أنها تؤيد هواه وبدعته إذ الغاية عنده تسوغ الوسيلة! .

ومن تهو ر هذا المؤلف وجهله أنه يصرح (ص 12) : أن التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والأولياء والصالحين والاستغاثة بهم ... مما أجمعت عليه الأمة قبل ظهور هذا المبتدع ابن تيمية الذي جاء في القرن الثامن الهجري وابتدع بدعته! .

 

(1/97)

 

 

فإن إنكار التوسل بغير الله تعالى مما صرح به بعض الأئمة الأولين المعترف بفضلهم وفقههم، وقد نقلنا نص أبي حنيفة في ذلك (ص 77) من الكتب الموثوق بها من كتب الحنفية وفيها عن صاحبيه الإمام محمد وأبي يوسف نحوذلك مما يعتبر قاصمة الظهر لهؤلاء المبتدعة، فأين الإجماع المزعوم أيها المتهور؟ ! وإن من أكبر الافتراء على الإجماع أن ينسب إليه هذا المؤلف جواز الاستغاثة بالأموات من الصالحين؟ وهذه ضلالة كبري لم يقل بها - والحمد لله - أحد من سلف الأمة وعلمائها، ونحن نتحدى المؤلف وغيره من أمثاله أن يأتينا ولو بشبه نص عنهم في جواز ذلك، بل المعروف في كتب أتباعهم خلاف ذلك ولولا ضيق المجال لنقلنا بعض النصوص عنهم.

وأما حديث أبي سعيد الخدري (رقم 24) فاكتفى المؤلف (ص 36) بأن نقل تحسينه عن بعض العلماء، وقد بينا خطأ ذلك من وجوه بما لا مرد لها فأغنى عن الإعادة، والمؤلف لا يهمه مطلقا التحقيق العلمي لأنه ليس من أهله، بل هو يتعلق في سبيل تأييد هو اه بالأوهام ولوكانت كخيوط القمر أو مدد الأموات! .

وبهذه المناسبة أريد أن أقول كلمة وجيزة من جهة استدلال المؤلف بهذا الحديث وأمثاله على التوسل المبتدع فأقول:

إن حق السائلين على الله تعالى هو أن يجيب دعاءهم، فلوصح هذا الحديث وما في معناه فليس فيه توسل ما إلى الله بالمخلوق، بل هو توسل إليه بصفة من صفاته وهي الإجابة، وهذا أمر مشروع خارج عن محل النزاع فتأمل منصفا، وبهذا يسقط قول هذا المؤلف عقب الحديث: فالنبى صلى الله عليه وسلم توسل بالسائلين الأحياء والأموات، لأننا نقول هذا من تحريف الكلم فإننا نقول - إنما توسل - لوصح الحديث

 

(1/98)

 

 

بحق السائلين، وعرفت المعنى الصحيح - وبحق الممشى، وهو الإثابة من الله لعبده، وذلك أيضا صفة من صفاته تعالى فأين التوسل المبتدع وهو التوسل بالذات؟ !

وأنهي هذا الرد السريع بتنبيه القراء الكرام إلى أمرين آخرين وردا في الرسالة المذكورة: الأمر الأول ذكر (ص 16) حديث الأعمى وقد سبق بيان معناه، ثم أتبعه بذكر قصة عثمان بن حنيف مع الرجل صاحب الحاجة وكيف أنه شكي إليه أنه يدخل على عثمان بن عفان فلا يلتفت إليه! فأمره ابن حنيف أن يدعو بدعاء الأعمى ... فدخل على عثمان بن عفان فقضى له حاجته! احتج المؤلف بهذه القصة على التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.

وجوابنا من وجهين:

الأول: أنها قصة موقوفة، والصحابة الآخرون لم يتوسلوا مطلقا به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، لأنهم يعلمون أن التوسل به معناه التوسل بدعائه وهذا غير ممكن كما سبق بيانه.

الآخر: أنها قصة لا تثبت عن ابن حنيف، وبيان ذلك في رسالتنا الخاصة " التوسل أنواعه وأحكامه " وقد سبقت الإشارة إليها.

ونحوذلك أنه: ذكر (ص 25) قصة مجيء بلال بن الحارث المزني الصحابى لما قحط الناس في عهد عمر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنادته إياه:

يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا.

فهذه أيضا قصة غير ثابتة وأو هم المؤلف صحتها محرفا لكلام بعض الأئمة، مقلدا في ذلك بعض ذوي الأهواء قبله، وتفصيل ذلك في الرسالة المومىء إليها

 

(1/99)

 

 

26 - " الحدة تعتري خيار أمتي ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني (3 / 118 / 1 و123 / 1) وابن عدي (163 / 1) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (6 / 44 / 2) عن سلام الطويل عن الفضل بن عطية عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا وقال المخلص: قال البغوي: هذا حديث منكر، وسلام الطويل ضعيف الحديث جدا فأشار إلى أن الآفة من سلام هذا وهو الصواب خلافا لما

ذكره ابن الجوزي في " الواهيات " على ما نقله المناوي عنه في " الفيض " حيث قال: لا يصح، وفيه آفات، سلام الطويل متروك، وكذا الفضل بن عطية، والبلاء فيه منه.

قلت: هو وإن كان ضعيفا فإنه لم يتهم بخلاف سلام الطويل فقد اتهمه غير واحد بالكذب والوضع، فالحمل فيه عليه أولى.

نعم لم يتفرد به، بل تابعه محمد بن الفضل عن أبيه به.

أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 61) والخطيب في " تاريخه " (14 / 73) ، ألا إن محمد بن الفضل هذا كذاب أيضا فلا يفرح بمتابعته! كذبه ابن معين والفلاس وغيرهما، وكأن الحافظ السخاوي لم يطلع على هذه المتابعة فقد اقتصر في " المقاصد الحسنة " (رقم 397) على إعلال الحديث بسلام الطويل وقال: وهو متروك، وعزاه لأبي يعلى والطبراني، وبالجملة فالحديث من هذا الوجه ضعيف جدا، لكن له شاهد بإسناد خير من هذا، رواه الحسن بن سفيان في " مسنده " وبشر بن مطر في " حديثه " (3 / 89 / 1) وابن منده في " معرفة الصحابة " (2 / 264 / 2) وأبو نعيم في " أخبار

 

(1/100)

 

 

أصبهان " (2 / 7) والخطيب في " الموضح " (2 / 50) عن دريد بن نافع عن أبي منصور الفارسي مرفوعا به.

وهذا سند ضعيف، فإن أبا منصور هذا مختلف في صحبته، وقد قال البخاري: حديث مرسل، والراوي عنه دريد، قال أبو حاتم: هو شيخ كما في " الجرح والتعديل " لابنه (1 / 2 / 438) ، وقال ابن حبان في " الثقات " (2 / 82) : هو مستقيم الحديث، وقد اضطرب عليه فيه، فرواه من ذكرنا عنه هكذا، ورواه الخطيب من

طريق أخرى عنه عن منصور مولى ابن عباس مرفوعا. والله أعلم.

وقد روي الحديث بألفاظ وطرق أخرى لا تخلومن كذاب، أذكر ثلاثة منها:

27 - " الحدة تعتري حملة القرآن لعزة القرآن في أجوافهم ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (7 / 2529 ـ بيروت) من طريق وهب بن وهب بسنده عن معاذ بن جبل مرفوعا به، وقال: وهب يضع الحديث.

وقال العقيلي (4 / 325 ـ دار الكتب) : أحاديثه كلها بواطيل.

وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " برواية ابن عدي عن معاذ، فقال المناوي:

وفيه وهب بن وهب بن كثير قال في " الميزان ": قال ابن معين: يكذب، وقال أحمد: يضع.

ثم سرد له أخبارا ختمها بهذا ثم قال: وهذه أحاديث مكذوبة. ومنها:

 

(1/101)

 

 

28 - " الحدة لا تكون إلا في صالحي أمتي وأبرارها ثم تفيء ".

موضوع.

رواه بن بشران في " الأمالي " (23 / 69 / 2) عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك مرفوعا.

قلت: وبشر هذا كذاب.

والحديث ذكره السيوطي برواية الديلمي في " مسند الفردوس " عن أنس وقال شارحه المناوي: رواه الديلمي من حديث بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس وبشر هذا قال الذهبي: قال الدارقطني: متروك.

قلت: وزاد الذهبي في ترجمته من " الميزان ": وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير، وقال ابن حبان: يروي بشر بن الحسين عن نسخة موضوعة شبيها بمائة وخمسين حديثا.

قلت: ومنها هذا الحديث كما نقله الذهبي في ترجمته لكن بلفظ:

" ليس أحد أحق بالحدة من حامل القرآن لعزة القرآن في جوفه ".

وبهذا اللفظ رواه العقيلي في " الضعفاء " (1 / 141) من طريق بشر، وساق له أحاديث أخرى وقال: وله غير حديث من هذا النحومناكير كلها.

وقد أورده السيوطي برواية أبي نصر السجزي في " الإبانة " والديلمي في " مسند الفردوس " عن أنس وتعقبه المناوي هنا بما نقلناه عن الذهبي من تكذيب أبي حاتم لبشر هذا، وزاد: وفي " اللسان " عن ابن حبان: لا ينظر في شيء رواه عن الزبير إلا على جهة التعجب، وكذبه الطيالسي.

ومن الغرائب أن السيوطي أورد حديث معاذ وحديث أنس بلفظيه في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 24) مستدركا لهما على ابن الجوزي، ثم أوردهما في

 

(1/102)

 

 

" الجامع الصغير " الذي نص في مقدمته أنه صانه عما تفرد به كذاب أو وضاع! وهذه كلها من رواية الكذابين! ونحوه في المناوي في " التيسير " فإنه قال في حديث أنس:

إسناده ضعيف! .

ومنها:

29 - " خيار أمتي أحداؤهم الذين إذا غضبوا رجعوا ".

باطل.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (ص 217 ـ الظاهرية) وتمام في " الفوائد " (249 / 2) وابن شاذان في " فوائد ابن قانع وغيره " (163 / 2) والسلفى في " الطيوريات " (140 / 2) من طريق عبد الله بن قنبر حدثني أبي قنبر عن علي مرفوعا وقال العقيلي عقبه: عبد الله لا يتابع على حديثه من جهة تثبت.

قلت: وعبد الله هذا قال الأزدي: تركوه، وساق له الذهبي في ترجمته هذا الحديث وقال: خبر باطل وأقره العسقلاني.

والحديث رواه الطبراني في " الأوسط " بسند فيه يغنم بن سالم بن قنبر وهو كذاب كما قال الهيثمي (8 / 68) والسخاوي (ص 187) وعزاه للبيهقى أيضا في " الشعب " واقتصر الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 146) على تضعيف سند الحديث، وهو قصور، إلا أن يلاحظ أن الحديث الموضوع من أنواع الضعيف فلا

إشكال.

وخلاصة القول: إن هذه الأحاديث في الحدة كلها موضوعة إلا حديث دويد عن أبي منصور الفارسي الذي تقدم لفظه برقم (26) فضعيف لإرساله. والله أعلم.

ومن آثار هذه الأحاديث السيئة أنها توحي للمرء بأن يظل على حدته وأن لا

 

(1/103)

 

 

يعالجها لأنها من خلق المؤمن! وقد وقع هذا، فإنى ناظرت شيخا متخرجا من الأزهر في مسألة لا أذكرها الآن فاحتد في أثنائها، فأنكرت عليه حدته، فاحتج علي بهذا الحديث! فأخبرته بأنه ضعيف، فازداد حدة وافتخر علي بشهاداته الأزهرية، وطالبني بالشهادة التي تؤهلني لأن أنكر عليه! فقلت: قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا ... " الحديث! رواه مسلم وهو مخرج في " تخريج مشكلة الفقر " (66) و" صحيح أبي داود " (1034) وغيرهما.

30 - " الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة ".

لا أصل له.

قال في " المقاصد ": قال شيخنا يعني ـ ابن حجر العسقلاني ـ: لا أعرفه.

وقال ابن حجر الهيثمي الفقيه في " الفتاوى الحديثية " (134) : لم يرد هذا اللفظ.

قلت: ولذلك أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " رقم (1220) بترقيمي ويغني عن هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:

" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ".

أخرجه مسلم والبخاري بنحوه وغيرهما، عن جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة، وهو مخرج في " الصحيحة " فانظر " صحيح الجامع " (7164 ـ 7173) .

 

(1/104)

 

 

31 - " الدنيا خطوة رجل مؤمن ".

لا أصل له.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " (1 / 196) : لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره من سلف الأمة ولا أئمتها.

وأورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعات " برقم (1187) .

 

(1/104)

 

 

32 - " الدنيا حرام على أهل الآخرة، والآخرة حرام على أهل الدنيا، والدنيا والآخرة حرام على أهل الله ".

موضوع.

وهو من الأحاديث التي شوه بمثلها السيوطي " الجامع الصغير " وعزاه للديلمى في " مسند الفردوس " عن ابن عباس وقد تعقبه المناوي بقوله: وفيه جبلة بن سليمان أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: قال ابن معين: ليس بثقة.

قلت: حري بمن روى هذا الخبر أن يكون غير ثقة، بل هو كذاب أشر، فإنه خبر باطل لا يشك في ذلك مؤمن عاقل، إذ كيف يحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين أهل الآخرة ما أباحه الله تعالى لهم من التمتع بالدنيا وطيباتها كما في قوله عز وجل {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} وقوله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، خالصة يوم القيامة} .

ثم كيف يجوز أن يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الدنيا والآخرة معا على أهل الله تعالى وما أهل الله إلا أهل القرآن القائمين به والعاملين بأحكامه، وما الآخرة إلا جنة أو نار، فتحريم النار على أهل الله مما أخبر

به الله تعالى، كما أنه تعالى أو جب الجنة للمؤمنين به، فكيف يقول هذا الكذاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عليهم الآخرة وفيها الجنة التي وعد المتقون، وفيها أعز شيء عليهم وهي رؤية الله تعالى كما قال سبحانه {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} وهل ذلك إلا في الآخرة؟ وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} " رواه مسلم وغيره.

 

(1/105)

 

 

والذي أراه إن واضع هذا الحديث هو رجل صوفى جاهل أراد أن يبث في المسلمين بعض عقائد المتصوفة الباطلة التي منها تحريم ما أحل الله بدعوى تهذيب النفس، كأن ما جاء به الشارع الحكيم غير كاف في ذلك حتى جاء هؤلاء يستدركون على خالقهم سبحانه وتعالى!

ومن شاء أن يطلع على ما أشرنا إليه من التحريم فليراجع كتاب " تلبيس إبليس " للحافظ أبي الفرج بن الجوزي ير العجب العجاب.

ثم وقفت على إسناد الديلمي في " مسنده " (2 / 148) فرأيته قد أخرجه من طريق عبد الملك بن عبد الغفار: حدثنا جعفر بن محمد الأبهري: حدثنا أبو سعيد القاسم ابن علقمة الأبهري: حدثنا الحسن بن على بن نصر الطوسي: حدثنا محمد بن حرب حدثنا جبلة بن سليمان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا.

أقول: فإن لم تكن العلة من جبلة أو عنعنة ابن جريج فهي من أحد الثلاثة الذين دون الطوسي فإني لم أعرفهم، والله أعلم.

33 - " الدنيا ضرة الآخرة ".

لا أصل له.

عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في " الكشف " وغيره، وإنما يروى من كلام عيسى عليه السلام نحوه.

 

(1/106)

 

 

34 - " احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت ".

منكر لا أصل له.

قال العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 177) : رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في " الشعب " من طريقه من رواية أبي الدرداء الرهاوي مرسلا، وقال البيهقي: أن بعضهم قال: عن أبي الدرداء عن رجل من الصحابة قال الذهبي: لا يدرى من أبو الدرداء، قال وهذا منكر لا أصل له.

قلت: وقد أقره الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان " (6 / 375) .

ومن ظن أن أبا الدرداء هذا هو الصحابي فقد أخطأ، وعليه جرى فيما يظهر

 

(1/106)

 

 

السيوطي في " الجامع " وفي " الدر المنثور " (1 / 100) حيث قال: عن أبي الدرداء فأطلقه ولم يقيده، وتبعه في ذلك المناوي حيث لم يتعبه بشيء في " الفيض " وإنما قال: ولم يرمز له بشيء، وهو ضعيف لأن فيه هشام بن عمار

الأصل كمال وهو تحريف.

قال الذهبي: قال أبو حاتم: صدوق وقد تغير، وكان كلما لقن يتلقن.

وقال أبو داود: حدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها.

وهذا الإعلال فيه نظر، فإن للحديث طريقين عن أبي الدرداء كما يستفاد من " اللسان "، فالعلة الحقيقية هي جهالة أبي الدرداء هذا ورواه ابن عساكر (2 /333 / 2) من قول أرطاة بن المنذر فالظاهر أنه من الإسرائيليات.

تنبيه: كنت قد خرجت الحديث مسلما بما قاله الحافظ معزو الابن أبى الدنيا والبيهقي ثم طبع الكتابان والحمد لله، ووقفت على إسناده وقول البيهقى عقبه:

إن فيه علة أخرى، وإنه ليس له طريق أخرى خلافا لقول الحافظ، فرأيت أنه لابد لى من بيان ذلك، فأقول:

1 - أما العلة فتتبين بعد سوق السند، فقال ابن أبى الدنيا فى " ذم الدنيا "

(54/132) - ومن طريقه البيهقى فى " شعب الإيمان " (7/339/10504) -: حدثنى أبو حاتم الرازى: حدثنا هشام بن عمار: حدثنا صدقة - يعنى: ابن خالد - عن عتبة بن أبى حكيم: حدثنا أبو الدرداء الرهاوى..... وقال البيهقى: وقال غيره عن هشام بإسناده عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم.

قلت: فالعلة عتبة هذا، فقد قال الحافظ: " صدوق يخطئ كثيرا ".

2 - وأما الطريق فقد قال الذهبى فى " الميزان ": " أبو الدرداء الرهاوى عن

 

(1/107)

 

 

رجل له صحبة بحديث: " اتقوا الدنيا.... " لا يدرى من ذا، والخبر منكر لا أصل له ".

فقال الحافظ عقبه: " أخرجه البيهقى فى " الشعب " من روايته عن أبى الدرداء به، وأخرجه أيضا من طريق أخرى عن أبى الدرداء مرسلا، وهو عند ابن أبى الدنيا فى " ذم الدنيا " من هذا الوجه ".

قلت: إذا تأملت الإسناد المذكور من رواية ابن أبى الدنيا والبيهقى علمت أنها ليست طريقا أخرى، وإنما هى الأولى عن أبى الدرداء الرهاوى مرسلا، فهو من أوهام الحافظ رحمه الله، ويؤكد ذلك قول البيهقى المتقدم: " وقال غيره: عن هشام..... " إلخ، ومن الواضح أنه يعنى بضمير (غيره) أبا حاتم الرازى، فهذه طريق أخرى مع كونها معلقة، ولكنها عن هشام وليست عن أبى الدرداء كما وهم الحافظ، فالطريق عنه فى الحقيقة واحدة، غاية ما فى الأمر أن أبا حاتم الحافظ رواه عن هشام بإسناده الضعيف عنه مرسلا، ورواه غيره - وهو مجهول - عنه عن أبى الدرداء عن الصحابى، والمرسل هو الصحيح على ضعفه، فهذا ما لزم بيانه. اهـ.

35 - " من أذن فليقم ".

لا أصل له بهذا اللفظ.

وإنما روى بلفظ: " من أذن فهو يقيم " رواه أبو داود والترمذي وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 265 - 266) وابن عساكر (9 / 466 - 467) وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن زياد الإفريقى عن زياد بن نعيم الحضرمي عن زياد بن حارث الصدائي مرفوعا.

وهذا سند ضعيف من أجل الإفريقى هذا، قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف في حفظه، وضعفه الترمذي فقال عقب الحديث: إنما نعرفه من حديث الإفريقى، وهو ضعيف عند أهل الحديث ".

 

(1/108)

 

 

وضعف الحديث أيضا البغوي في " شرح السنة " (2 / 302) وارتضاه الإمام النووي " المجموع " (3 / 121) وأشار لتضعيفه البيهقي في " سننه الكبرى " (1 / 400) .

وأما قول ابن عساكر: هذا حديث حسن فلعله يعني حسن المعنى.

وقد ذهب إلى توثيق الإفريقى المذكور بعض الفضلاء المعاصرين وبناء عليه ذهب إلى أن حديثه هذا صحيح! وذلك ذهول منه عن قاعدة الجرح مقدم على التعديل إذا تبين سبب الجرح، وهو بين هنا وهو سوء الحفظ، وقد أنكر عليه هذا الحديث وغيره سفيان الثوري.

وروى الحديث عن ابن عمر ولكنه ضعيف أيضا، رواه عبد بن حميد في " المنتخب من مسنده " (88 / 2) وأبو أمية الطرسوسي في " مسند ابن عمر " (202 / 1) وابن حبان في الضعفاء (1 / 324) والبيهقي والطبراني (3 / 27 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 150)

وضعفه البيهقي أيضا فقال: تفرد به سعيد بن راشد وهو ضعيف وكذا قال الحافظ ابن حجر في " التلخيص " (3 / 10) قال: وضعف حديثه هذا أبو حاتم الرازي وابن حبان في الضعفاء.

وعنه رواه شيخ الإسلام ابن تيمية في " أربعون حديثا " (ص 24) .

قلت: ونص كلام أبي حاتم كما في " علل الحديث " لابنه قال (رقم 326) :

وقال أبي: هذا حديث منكر، وسعيد ضعيف الحديث، وقال مرة: متروك الحديث.

وقد بسطت الكلام على ضعف هذا الحديث في كتابي " ضعيف سنن أبي داود "

 

(1/109)

 

 

(رقم 83) .

وأما قول العقيلي عقب حديث ابن عمر: وقد روي هذا المتن بغير هذا الإسناد من وجه صالح، فإن أراد طريق الإفريقى فهو غير مسلم لما عرفت من ضعفه، والعقيلي نفسه أورده في " الضعفاء " (232) ، وإن أراد طريقا ثالثا فلم أعرفه.

ورواه ابن عدي (295 / 1) من حديث ابن عباس، وفيه محمد بن الفضل بن عطية وهو متهم بالكذب كما تقدم وقال ابن عدي: عامة حديثه لا يتابعه الثقات عليه.

ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه سبب لإثارة النزاع بين المصلين كما وقع ذلك غيرما مرة، وذلك حين يتأخر المؤذن عن دخول المسجد لعذر، ويريد بعض الحاضرين أن يقيم الصلاة، فما يكون من أحدهم إلا أن يعترض عليه محتجا بهذا الحديث، ولم يدر المسكين أنه حديث ضعيف لا يجوز نسبته إليه صلى الله عليه وسلم فضلا عن أن يمنع به الناس من المبادرة إلى طاعة الله تعالى، ألا وهي إقامة الصلاة.

36 - " حب الوطن من الإيمان ".

موضوع.

كما قال الصغاني (ص 7) وغيره.

ومعناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه، كل ذلك غريزي في الإنسان لا يمدح بحبه ولا هو من لوازم الإيمان، ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم؟ !

 

(1/110)

 

 

37 - " يأتي على الناس زمان هم فيه ذئاب، فمن لم يكن ذئبا أكلته الذئاب ".

ضعيف جدا.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 80) من طريق الدارقطني بسنده إلى زياد بن أبي زياد الجصاص، حدثنا أنس بن مالك مرفوعا وقال: قال الدارقطني: تفرد به زياد وهو متروك، وقال السيوطي في " اللآليء " (2 /156) : قلت: قال في " الميزان ": هو مجمع على تضعيفه وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: ربما يهم، والحديث أخرجه الطبراني في " الأوسط ".

قلت: وبرواية الطبراني أورده الهيثمي في " المجمع " (7 / 287، 8 / 89) وأعله بقوله: وفيه من لم أعرفهم.

 

(1/111)

 

 

38 - " من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه ".

ضعيف.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 189) من طريق محمد بن إسماعيل: حدثنا أبو خالد يزيد الواسطي أنبأنا الحجاج عن مكحول عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا به، وقال أبو نعيم: كذا رواه يزيد الواسطي متصلا، ورواه أبو معاوية عن الحجاج فأرسله.

قلت: ثم ساقه من طريق هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن مكحول مرسلا.

 

(1/111)

 

 

وكذلك رواه الحسين المروزي في " زوائد الزهد " (204 / 1 من " الكواكب " /575) وابن أبي شيبة في " المصنف " (13 / 231) وهناد في " الزهد " (رقم 678) من طريقه عن حجاج به.

فالحديث إذا عن حجاج عن مكحول مرسل، ووصله لا يصح، وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 144) من طريق أبي نعيم الموصول ثم قال: لا يصح، يزيد بن أبي يزيد عبد الرحمن الواسطي كثير الخطأ، وحجاج مجروح، ومحمد بن إسماعيل مجهول، ولا يصح سماع مكحول لأبي أيوب.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء المصنوعة " (2 / 176) بقوله: قلت: اقتصر العراقي في " تخريج الإحياء " على تضعيف الحديث، وله طريق عن مكحول مرسل ليس فيه محمد بن إسماعيل ولا يزيد.

قلت: ثم ذكره من طريق أبي نعيم وغيره عن حجاج عن مكحول مرسلا، وسكت عليه وهو ضعيف لأن حجاجا وهو ابن أرطاة مدلس وقد عنعنه، ثم هو مرسل، والحديث أورده الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 7) .

ثم وجدت له طريقا آخر، رواه القضاعي (30 / 1) عن عامر بن سيار قال: أنبأنا سوار بن مصعب عن ثابت عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا وقال: كأنه يريد بذلك من يحضر العشاء الآخرة والفجر في جماعة، ومن حضرها أربعين يوما يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان.

لكن سوار هذا متروك كما قال النسائي وغيره.

39 - " من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه ".

ضعيف.

أخرجه ابن حبان في " الضعفاء والمجروحين " (1 / 283) من طريق خالد بن القاسم عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة

 

(1/112)

 

 

مرفوعا. أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 69) وقال: لا يصح، خالد كذاب، والحديث لابن لهيعة فأخذه خالد ونسبه إلى الليث.

قال السيوطي في " اللآليء " (2 / 150) : قال الحاكم وغيره: كان خالد يدخل على الليث من حديث ابن لهيعة، ثم ذكره السيوطي من طريق ابن لهيعة فمرة قال:

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا، ومرة قال: عن ابن شهاب عن أنس مرفوعا.

وابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه، وقد رواه على وجه ثالث، أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 211 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (53) عنه عن عقيل عن مكحول مرفوعا مرسلا، أخرجاه من طريق مروان، قال: قلت لليث بن سعد - ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان - يا أبا الحارث مالك تنام بعد العصر وقد

حدثنا ابن لهيعة..؟ فذكره، قال الليث: لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل! ثم رواه ابن عدي من طريق منصور بن عمار حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

قلت: ولقد أعجبني جواب الليث هذا، فإنه يدل على فقه وعلم، ولا عجب، فهو من أئمة المسلمين، والفقهاء المعروفين، وإني لأعلم أن كثيرا من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر، ولوكانوا بحاجة إليه، فإذا قيل له:

الحديث فيه ضعيف، أجابك على الفور: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال!

فتأمل الفرق بين فقه السلف، وعلم الخلف!

والحديث رواه أبو يعلى وأبو نعيم في " الطب النبوى " (12 / 2 نسخة السفرجلاني) عن عمرو بن حصين عن ابن علاثة عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.

 

(1/113)

 

 

وعمرو بن الحصين هذا كذاب كما قال الخطيب وغيره وهو راوي حديث العدس وهو:

40 - " عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ، وعليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الكبير " (22 / 62 - رقم 152) من طريق عمرو المذكور آنفا عن ابن علاثة عن ثور عن مكحول عن واثلة.

وقال السيوطي في " اللآليء " (2 / 151) بعد أن ساقه من هذا الوجه: وعمرو وشيخه متروكان.

قلت: ومع هذا فقد أورده في " الجامع الصغير "! قال الزركشى في " اللآليء المنثورة في الأحاديث المشهورة " (رقم 143 - نسختي) : ووجدت بخط ابن الصلاح أنه حديث باطل ... سئل عنه ابن المبارك؟ فقال: ولا على لسان نبي واحد! إنه لمؤذ ينفخ! .

وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 294 - 295) من عدة طرق وحكم عليه بالوضع، قال المناوي: ودندن عليه المؤلف ولم يأت بطائل، وكذلك أورد حديث العدس هذا الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 9) وكذا ابن القيم، فقال في " المنار " (ص 20) : ويشبه أن يكون هذا الحديث من وضع الذين اختاروه على المن والسلوى وأشباههم!

 

(1/114)

 

 

وأقره علي القاري في " موضوعاته " (ص 107) .

وقال ابن تيمية في " مجموع الفتاوي " (27 / 23) : حديث مكذوب مختلق باتفاق أهل العلم، ولكن العدس هو مما اشتهاه اليهود، وقال الله لهم {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} .

ومن أحاديث عمرو بن الحصين هذا الكذاب:

41 - " من أصاب مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر ".

لا يصح.

رواه القضاعي في " مسند الشهاب " (ق 37 / 2) والرامهرمزي في " الأمثال " (ص 160) عن عمرو بن الحصين قال: أنبأنا محمد بن عبد الله بن علاثة قال: أنبأنا أبو سلمة الحمصي مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ساقط، عمرو هذا كذاب كما سبق مرارا، وقال السخاوي في " المقاصد " (رقم 1061) : عمرو متروك، وأبو سلمة واسمه سليمان بن سلم وهو كاتب يحيى بن جابر قاضي حمص، لا صحبة له، فهو مع ضعفه مرسل، وقد عزاه الديلمي ليحيى بن جابر هذا وهو أيضا ليس بصحابي، وقال التقي السبكي في " الفتاوى " (2 / 369) : إنه لا يصح، وله كلام طويل في نقضه وقد ذكر العسكري في " التصحيفات " (1 / 229) عن أبي عبيد أنه غير محفوظ.

والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " لابن النجار عن أبي سلمة الحمصي وتعقبه المناوي بأن أبا سلمة هذا تابعى مجهول، قاله في " التقريب " كأصله، وبأن عمرا متروك.

 

(1/115)

 

 

نهاوش: بالنون من نهش الجثة جمع نهو اش أو هو اش من الهو ش الجمع وهو كل مال أصيب من غير حله و" الهو اش " ما جمع من مال حرام.

نهابر: بنون أوله أي مهالك وأمور مبددة جمع نهبر وأصل النهابر مواضع الرمل إذا وقعت بها رجل بعير لا تكاد تخلص والمراد أن من أخذ شيئا من غير حله كنهب أذهبه الله في غير حله كذا في " فيض القدير ".

42 - " الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالسهم زيادة ".

موضوع.

أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 322) والقضاعي في " مسند الشهاب " (23 / 1) من طريق أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب مرفوعا.

وهذا سند ضعيف جدا، الحارث هو ابن عبد الله الهمداني الأعور وقد ضعفه الجمهور وقال ابن المديني: كذاب، وقال شعبة: لم يسمع أبو إسحاق منه إلا أربعة أحاديث، وفي الكشف (1 / 205) : قال القاري: هو موضوع كما في " الخلاصة "، وأورده السيوطي في " الجامع " من رواية القضاعي، وبيض له المناوي! ولوائح الوضع عليه ظاهرة.

 

(1/116)

 

 

43 - " شهر رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر ".

ضعيف.

عزاه في " الجامع الصغير " لابن شاهين في " ترغيبه " والضياء عن جرير ورمز له بالضعف وبين سببه المناوي في شرحه فقال: أورده ابن الجوزي في " الواهيات " وقال: لا يصح فيه محمد بن عبيد البصري مجهول.

قلت: وتمام كلام ابن الجوزي " العلل المتناهية " (824) : لا يتابع عليه.

وأقره الحافظ عليه في " اللسان ".

وأما قول المنذري في " الترغيب " (2 / 100) : رواه أبو حفص بن شاهين في " فضائل رمضان " وقال: حديث غريب جيد الإسناد.

ففيه نظر من وجهين:

الأول: ثبوت هذا النص في كتاب ابن شاهين المذكور، فإنى قد راجعت " فضائل رمضان " له في نسخة خطية جيدة في المكتبة الظاهرية بدمشق، فلم أجد الحديث فيه مطلقا، ثم إننى لم أره تكلم على حديث واحد مما أورده فيه بتصحيح أو تضعيف.

ثم رأيت الحديث رواه أحمد بن عيسى المقدسي في " فضائل جرير " (2 / 24

 

(1/117)

 

 

/ 2) من هذا الوجه وقال: رواه أبو حفص بن شاهين وقال: حديث غريب جيد الإسناد قال:

ومعناه لا يرفع إلى الله عز وجل بغفران مما جنى فيه إلا بزكاة الفطر! .

فلعل ابن شاهين ذكر ذلك في غير " فضائل رمضان " أو في نسخة أخرى منه، فيها زيادات على التي وقفت عليها.

الآخر: على افتراض ثبوت النص المذكور عن ابن شاهين فهو تساهل منه، وإلا فأنى للحديث الجودة مع جهالة راويه وقد تفرد به كما قال ابن الجوزي، وتبعه الحافظ ابن حجر العسقلاني كما سبق.

وروي من حديث أنس أخرجه الخطيب (9 / 121) وعنه ابن الجوزي في " العلل " (823) ، وابن عساكر (12 / 239 / 2) عن بقية بن الوليد حدثني عبد الرحمن بن عثمان بن عمر عنه مرفوعا.

قلت: وعبد الرحمن هذا لم أعرفه والظاهر أنه من شيوخ بقية المجهولين، وزعم ابن الجوزي أنه البكراوي الذي قال أحمد فيه: طرح الناس حديثه مردود، فإن هذا متأخر الوفاة مات سنة (195 هـ) فهو من طبقة بقية.

ثم إن الحديث لوصح لكان ظاهر الدلالة على أن قبول صوم رمضان متوقف على إخراج صدقة الفطر، فمن لم يخرجها لم يقبل صومه، ولا أعلم أحدا من أهل العلم يقول به، والتأويل الذي نقلته آنفا عن المقدسي بعيد جدا عن ظاهر الحديث، على أن التأويل فرع التصحيح، والحديث ليس بصحيح.

أقول هذا، وأنا أعلم أن بعض المفتين ينشر هذا الحديث على الناس كلما أتى شهر رمضان، وذلك من التساهل الذي كنا نطمع في أن يحذروا الناس منه، فضلا عن أن يقعوا فيه هم أنفسهم! .

 

(1/118)

 

 

44 - " من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني، ومن توضأ ولم يصل فقد جفاني، ومن صلى ولم يَدْعُني فقد جفاني، ومن دعاني فلم أجبه فقد جفيته، ولست برب جاف ".

موضوع.

قاله الصغاني (6) وغيره.

ومما يدل على وضعه أن الوضوء بعد الحدث، والصلاة بعد الوضوء إنما ذلك من المستحبات، والحديث يفيد أنهما من الواجبات لقوله: " فقد جفاني " وهذا لا يقال في الأمور المستحبة كما لا يخفى ومثله:

 

(1/119)

 

 

45 - " من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني ".

موضوع.

قاله الحافظ الذهبي في " الميزان " (3 / 237) ، وأورده الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 6) وكذا الزركشي والشوكاني في " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " (ص 42) .

قلت: وآفته محمد بن محمد بن النعمان بن شبل أو جده قال: حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.

أخرجه ابن عدي (7 / 2480) ، وابن حبان في " الضعفاء " (2 / 73) ، وعنه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 217) وقالا: يأتي عن الثقات بالطامات وعن الأثبات بالمقلوبات، قال ابن الجوزي عقبه: قال الدارقطني: الطعن فيه من محمد بن محمد بن النعمان.

ومما يدل على وضعه أن جفاء النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر إن لم يكن كفرا، وعليه فمن ترك زيارته صلى الله عليه وسلم يكون مرتكبا لذنب كبير وذلك يستلزم أن الزيارة واجبة كالحج وهذا مما لا يقوله مسلم، ذلك لأن زيارته صلى الله عليه وسلم وإن كانت من القربات فإنها لا تتجاوز عند العلماء حدود المستحبات، فكيف يكون تاركها مجافيا للنبي صلى الله عليه وسلم ومعرضا عنه؟ !

 

(1/119)

 

 

46 - " من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة ".

موضوع.

قال الزركشي في " اللآليء المنثورة " (رقم 156 - نسختي) : قال بعض الحفاظ:

هو موضوع ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث وكذا قال النووي: هو موضوع لا أصل له.

وأورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " رقم (119) وقال: قال ابن تيمية والنووي: إنه موضوع لا أصل له وأقره الشوكاني (ص 42) .

 

(1/120)

 

 

47 - " من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 203 / 2) وفي " الأوسط " (1 /126 / 2 من " زوائد المعجمين: الصغير والأوسط ") وابن عدي في " الكامل " والدارقطني في " سننه " (ص 279) والبيهقي (5 / 246) والسلفي في " الثاني عشر من المشيخة البغدادية " (54 / 2) كلهم من طريق حفص بن سليمان أبي عمر عن الليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر مرفوعا به وزاد ابن عدي:

" وصحبني ".

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، وفيه علتان:

الأولى: ضعف ليث بن أبي سليم فإنه كان قد اختلط كما تقدم بيانه في الحديث (2) .

الأخرى: أن حفص بن سليمان هذا وهو القاريء ويقال له الغاضري

 

(1/120)

 

 

ضعيف جدا كما أشار إليه الحافظ ابن حجر بقوله في " التقريب ": متروك الحديث وذلك لأنه قد قال فيه ابن معين: كان كذابا كما في " كامل " ابن عدي، وقال ابن خراش: كذاب يضع الحديث وقد تفرد بهذا الحديث كما قال الطبراني وابن عدي والبيهقي وقال: وهو ضعيف، وقال ابن عدي بعد أن ساق الحديث في أحاديث أخرى له:

وعامة حديثه غير محفوظ.

ومما سبق تعلم أن قول ابن حجر الهيثمي في " الجوهر المنظم " (ص 7) أن ابن عدي رواه بسند يحتج به مما لا يتلفت إليه، فلا يغتر به أحد كما فعل الشيخ محمد أمين الكردي في " تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب " حيث نقل (ص 245) ذلك عنه مرتضيا له! فوجب التنبيه عليه.

ثم وقفت على متابع لحفص بن سليمان فقال الطبراني في " الأوسط " (1 / 126 / 2) من " زوائد المعجمين ": حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا علي بن الحسن بن هارون الأنصارى حدثني الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم حدثتني عائشة بنت يونس امرأة الليث ابن أبي سليم عن ليث بن أبي سليم به وقال: لا يروى عن الليث إلا بهذا الإسناد تفرد به علي.

قلت: ولم أجد له ترجمة، ومثله الليث ابن بنت أبي الليث وامرأته عائشة لم

 

(1/121)

 

 

أجد من ذكرها، وبها أعل الهيثمي الحديث في " المجمع " (4 / 2) فقال: لم أجد من ترجمها وهذا إعلال قاصر لما علمت من حال من دونها، ثم إن شيخ الطبراني فيه أحمد بن رشدين قال ابن عدي: كذبوه، وأنكرت عليه أشياء.

وذكر له الذهبي أحاديث من أباطيله.

ومن طريقه رواه الطبراني في " الكبير " أيضا.

وإذا عرفت حال هذا الإسناد تبين لك أن المتابعة المذكورة لا يعتد بها البتة، فلا تغتر بإيراد السبكي إياها في " شفاء السقام " (ص 20) دون أن يتكلم عليها ولا على الطريق إليها!

وقد قال المحقق العلامة محمد بن عبد الهادي في الرد عليه في " الصارم المنكي " (ص 63) : ليس هذا الإسناد بشيء يعتمد عليه، ولا هو مما يرجع إليه، بل هو إسناد مظلم ضعيف جدا، لأنه مشتمل على ضعيف لا يجوز الاحتجاج به (وهو ليث بن أبي سليم) ، ومجهول لم يعرف من حاله ما يوجب قبول خبره، وابن رشدين شيخ

الطبراني قد تكلموا فيه، وعلي بن حسن الأنصارى ليس هو ممن يحتج بحديثه، والليث ابن بنت الليث بن أبي سليم وجدته عائشة مجهولان لم يشتهر من حالهما عند أهل العلم ما يوجب قبول روايتهما ولا يعرف لهما ذكر في غير هذا الحديث، قال: والحاصل أن هذا المتابع الذي ذكره المعترض (السبكي) من رواية الطبراني لا يرتفع به الحديث عن درجة الضعف والسقوط ولا ينهض إلى رتبة تقتضي الاعتبار والاستشهاد، لظلمة إسناده، وجهالة رواته، وضعف بعضهم واختلاطه، ولو كان الإسناد صحيحا إلى ليث بن أبي سليم لكان فيه ما فيه، فكيف والطريق إليه ظلمات

 

(1/122)

 

 

بعضها فوق بعض؟ ! .

واعلم أنه قد جاءت أحاديث أخرى في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقد ساقها كلها السبكي في " الشفاء " وكلها واهية وبعضها أو هى من بعض، وهذا أجودها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الآتي ذكره، وقد تولى بيان ذلك الحافظ ابن عبد الهادي في الكتاب المشار إليه آنفا بتفصيل وتحقيق لا تراه عند غيره فليرجع إليه من شاء.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة " (ص 57) : وأحاديث زيارة قبره صلى الله عليه وسلم كلها ضعيفة لا يعتمد على شيء منها في الدين، ولهذا لم يروأهل الصحاح والسنن شيئا منها، وإنما يرويها من يروي الضعاف كالدارقطني والبزار وغيرهما.

ثم ذكر هذا الحديث ثم قال: فإن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته وكان مؤمنا به كان من أصحابه، لاسيما إن كان من المهاجرين إليه المجاهدين معه، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " خرجاه في الصحيحين، والواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة كالحج والجهاد والصلوات الخمس، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فيكف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين (يعني زيارة قبره صلى الله عليه وسلم) بل ولا شرع السفر إليه، بل هو منهي عنه، وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه فهو مستحب.

(تنبيه) : يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من

 

(1/123)

 

 

السلفيين يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وهذا كذب وافتراء وليست أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى، وعليهم، وكل من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم واستحبابها إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات والبدع، مثل شد الرحل والسفر إليها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد " والمستثنى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط كما يظن كثيرون بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجدا أو قبرا أو غير ذلك، بدليل ما رواه

أبوهريرة قال (في حديث له) : فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لوأدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد " الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 226) .

فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لزيارة قبر ما، فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة، فمن طعن فيه فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم، ورحم الله من قال:

وكل خير في اتباع من سلف * * * وكل شر في ابتداع من خلف.

48 - " الولد سر أبيه ".

لا أصل له.

قاله السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص 706) ، والسيوطي في " الدرر " (ص 170) تبعا للزركشي في " التذكرة " (ص 211) ، وأورده الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 4) .

 

(1/124)

 

 

ومعناه ليس مضطردا، ففي الأنبياء من كان أبوه مشركا عاصيا، مثل آزر والد إبراهيم عليه السلام، وفيهم من كان ابنه مشركا مثل ابن نوح عليه السلام.

49 - " من زار قبر أبو يه أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب برا ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 199) وفي " الأوسط " (1 / 84 / 1 - من " زوائد المعجمين ") ، وعنه الأصبهاني في " الترغيب " (228 / 2) من طريق محمد بن النعمان بن عبد الرحمن عن يحيى بن العلاء البجلي عن عبد الكريم أبي أمية عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا وقال: لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد.

قلت: وهو موضوع: محمد بن النعمان هذا قال في " الميزان " وتبعه في " اللسان ": مجهول، قاله العقيلي، ويحيى متروك.

قلت: ويحيى هذا مجمع على ضعفه، وقد كذبه وكيع، وكذا أحمد فقال: كذاب يضع الحديث وقال ابن عدي: والضعف على رواياته بين، وأحاديثه موضوعات.

وشيخه عبد الكريم أبي أمية هو ابن أبي المخارق ضعيف أيضا ولكنه لم يتهم، ولذلك لم يصب الحافظ الهيثمي حين أعل الحديث به فقط، فقال (3 / 60) : رواه الطبراني في " الأوسط " و" الصغير "، وفيه عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف.

 

(1/125)

 

 

وأما شيخه العراقي، فقد أعله في " تخريج الإحياء " (4 / 418) بما نقلته آنفا عن " الميزان " فأصاب وكذلك أخطأ السيوطي في " اللآليء " حيث قال (2 /234) حيث قال: عبد الكريم ضعيف، ويحيى بن العلاء ومحمد بن النعمان مجهولان فإن يحيى بن العلاء ليس بالمجهول، بل هو معروف ولكن بالكذب! .

ثم إن للحديث علة أخرى وهي الاضطراب، فقد أخرجه ابن أبي الدنيا في " القبور " ومن طريقه عبد الغني المقدسي في " السنن " (92 / 2) عن محمد بن النعمان يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا معضل.

وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 209) : سألت أبي عن حديث رواه أبو موسى محمد (بن) المثنى عن محمد بن النعمان أبي النعمان الباهلي عن يحيى بن العلاء عن عمه خالد بن عامر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يعق والديه أو أحدهما فيموتان فيأتي قبره كل ليلة؟ قال أبي: هذا إسناد مضطرب، ومتن الحديث منكر جدا كأنه موضوع.

50 - " من زار قبر والديه كل جمعة، فقرأ عندهما أو عنده {يس} غفر له بعدد كل آية أو حرف ".

موضوع.

رواه ابن عدي (286 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 344 - 345) وعبد الغني المقدسي في " السنن " (91 / 2) من طريق أبي مسعود يزيد بن خالد، حدثنا عمرو بن زياد، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن أبي بكر الصديق مرفوعا وكتب بعض المحدثين - وأظنه ابن المحب أو الذهبي - على هامش نسخة " سنن المقدسي ":

 

(1/126)

 

 

هذا حديث غير ثابت، وقال ابن عدي:

باطل ليس له أصل بهذا الإسناد، ذكره في ترجمة عمرو بن زياد هذا، وهو أبو الحسن الثوباني مع أحاديث أخرى له، قال في أحدها: موضوع، ثم قال:

ولعمرو بن زياد غير هذا من الحديث، منها سرقة يسرقها من الثقات، ومنها موضوعات، وكان هو يتهم بوضعها.

وقال الدارقطني: يضع الحديث ولهذا أورد الحديث ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 239) من رواية ابن عدي فأصاب، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 /440) بقوله: قلت: له شاهد، ثم ساق سند الحديث الذي قبله! وقد علمت أنه حديث موضوع أيضا! ولوقيل بأنه ضعيف فقط فلا يصلح شاهدا لهذا، لوجهين:

الأول: أنه مغاير له في المعنى ولا يلتقي معه إلا في مطلق الزيارة.

الآخر: ما ذكره المناوي في شرحه على " الجامع الصغير " فإنه قال بعد أن نقل كلام ابن عدي المتقدم: ومن ثم اتجه حكم ابن الجوزي عليه بالوضع، وتعقبه المصنف بأن له شاهدا (وأشار إلى الحديث المتقدم) وذلك غير صواب لتصريحهم حتى هو بأن

 

(1/127)

 

 

الشواهد لا أثر لها في الموضوع بل في الضعيف ونحوه.

والحديث يدل على استحباب قراءة القرآن عند القبور، وليس في السنة الصحيحة ما يشهد لذلك، بل هي تدل على أن المشروع عند زيارة القبور إنما هو السلام عليهم وتذكر الآخرة فقط، وعلى ذلك جرى عمل السلف الصالح رضي الله عنهم، فقراءة القرآن عندها بدعة مكروهة كما صرح به جماعة من العلماء المتقدمين، منهم

أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في رواية كما في " شرح الإحياء " للزبيدي (2 /285) قال: لأنه لم ترد به سنة، وقال محمد بن الحسن وأحمد في رواية: لا تكره، لما روى عن ابن عمر أنه أو صى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها.

قلت: هذا الأثر عن ابن عمر لا يصح سنده إليه، ولوصح فلا يدل إلا على القراءة عند الدفن لا مطلقا كما هو ظاهر.

فعليك أيها المسلم بالسنة، وإياك والبدعة، وإن رآها الناس حسنة، فإن " كل بدعة ضلالة " كما قال صلى الله عليه وسلم.

51 - " إن الله يحب عبده المؤمن الفقير المتعفف أبا العيال ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (2 / 529) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 361) من طريق حماد ابن عيسى، حدثنا موسى بن عبيدة، أخبرني القاسم بن مهران عن عمران بن حصين مرفوعا.

وقال العقيلي في ترجمة القاسم: لا يثبت سماعه من عمران بن حصين، رواه عنه موسى بن عبيدة وهو متروك.

وأقره البوصيري في " الزوائد " (253 / 2) وقال:

 

(1/128)

 

 

هذا إسناد ضعيف.

قلت: فللحديث علتان تبينتا في كلام العقيلي وهما الانقطاع وضعف ابن عبيدة.

وله علة ثالثة: وهي جهالة ابن مهران هذا، قال الحافظ في " التقريب ":

مجهول.

وعلة رابعة وهي حماد بن عيسى وهو الواسطي، قال الحافظ: ضعيف، ولذلك قال العراقي: سنده ضعيف كما نقله المناوي وضعفه السخاوي أيضا في " المقاصد " (رقم 246) .

قلت: وقد وجدت للحديث طريقا أخرى ولكنه لا يزداد بها إلا ضعفا، لأنه من رواية محمد بن الفضل عن زيد العمي عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين به دون قوله: " أبا العيال "، أخرجه ابن عدي (295 / 1) وأبو نعيم (2 / 282) وقال: غريب من حديث محمد بن سيرين، لم نكتبه إلا من حديث زيد ومحمد بن الفضل بن عطية.

قلت: وفي هذا السند ثلاث علل أيضا:

الأولى: الانقطاع بين عمران وابن سيرين، فإنه لم يسمع منه كما قال الدارقطني خلافا لما رواه عبد الله بن أحمد عن أبيه.

الثانية: زيد العمي وهو ابن الحواري، ضعيف.

الثالثة: محمد بن الفضل بن عطية وهو كذاب؛ كما قال الفلاس وغيره.

 

(1/129)

 

 

52 - " إذا استصعبت على أحدكم دابته أوساء خلق زوجته أو أحد من أهل بيته فليؤذن في

أذنه ".

ضعيف.

أورده الغزالي (2 / 195) جازما بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم! وقال مخرجه الحافظ العراقي: رواه أبو منصور الديلمي في " مسند الفردوس " من حديث الحسين ابن علي بن أبي طالب بسند ضعيف نحوه.

قلت: ولفظه كما في " الفردوس " (3 / 558) : " من ساء خلقه من إنسان أو دابة، فأذنوا في أذنيه ".

 

(1/130)

 

 

53 - " عليكم بدين العجائز ".

لا أصل له.

كذا قال في " المقاصد " وذكره الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (7) وأورده الغزالي (3 / 67) مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم! وقال مخرجه العراقي:

قال ابن طاهر في " كتاب التذكرة " (رقم 511) : تداوله العامة، ولم أقف له على أصل يرجع إليه من رواية صحيحة ولا سقيمة، حتى رأيت حديثا لمحمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: ثم ذكر الحديث الآتي:

 

(1/130)

 

 

54 - " إذا كان في آخر الزمان، واختلفت الأهواء، فعليكم بدين أهل البادية والنساء ".

موضوع.

قال ابن طاهر: وابن البيلماني (يعني الذي في سنده) له عن أبيه عن ابن عمر نسخة كان يتهم بوضعها.

 

(1/130)

 

 

54 - " إذا كان في آخر الزمان، واختلفت الأهواء، فعليكم بدين أهل البادية والنساء ".

موضوع.

قال ابن طاهر: وابن البيلماني (يعني الذي في سنده) له عن أبيه عن ابن عمر نسخة كان يتهم بوضعها.

 

(1/130)

 

 

قال الحافظ العراقي: وهذا اللفظ من هذا الوجه رواه ابن حبان في " الضعفاء " في ترجمة ابن البيلماني.

قلت: من طريق ابن حبان أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 271) ومنه تبين أن فيه علة أخرى، لأن راويه عن ابن عبد الرحمن البيلماني محمد بن الحارث الحارثي وهو ضعيف، وفي ترجمته أورد الحديث ابن عدي (297 / 2) وقال:

وعامة ما يرويه غير محفوظ، ثم قال ابن الجوزي: لا يصح، محمد بن الحارث ليس بشيء، وشيخه كذلك حدث عن أبيه بنسخة موضوعة، وإنما يعرف هذا من قول عمر بن عبد العزيز.

وأقره السيوطي في " اللآليء المصنوعة " (1 / 131) وزاد عليه فقال: قلت:

محمد بن الحارث من رجال ابن ماجه، وقال في " الميزان ": هذا الحديث من عجائبه.

قلت: الحمل فيه على ابن البيلماني أولى من الحمل فيه على ابن الحارث، فإن هذا قد وثقه بعضهم، بخلاف ابن البيلماني فإنه متفق على توهينه، وقد أشار إلى ما ذهبت إليه بعض الأئمة، فقال الآجرى: سألت أبا داود عن ابن الحارث فقال:

بلغني عن بندار قال: ما في قلبي منه شيء، البلية من ابن البيلماني، وقال البزار: مشهور ليس به بأس، وإنما تأتي هذه الأحاديث من ابن البيلماني.

 

(1/131)

 

 

فثبت أن آفة الحديث من ابن البيلماني وبه أعله الحافظ ابن طاهر كما تقدم، وكذا السخاوي في " المقاصد "، وقال الشيخ علي القاري: حديث موضوع.

ثم أليس من العجائب أن يورد السيوطي هذا الحديث في " الجامع الصغير " مع تعهده في مقدمته أن يصونه مما تفرد به كذاب أو وضاع مع أن الحديث فيه ذاك الكذاب ابن البيلماني، ومع إقراره ابن الجوزي على حكمه عليه بالوضع؟ ! وقد أقرهما على ذلك ابن عراق أيضا في " تنزيه الشريعة " (136 / 1) فإنه أورده في " الفصل الأول " الذي يورد فيه ما حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يخالف فيه كما نص عليه في المقدمة.

55 - " سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن ".

منكر جدا.

وقد روي من حديث أبي هريرة وابن عمر وأنس وابن عباس.

1 - أما حديث أبي هريرة فقد روي من ثلاث طرق عن أبي سعيد المقبري عنه.

الأولى: عن محمد بن يعقوب الفرجي قال: نبأنا محمد بن عبد الملك بن قريب الأصمعي قال: نبأنا أبي عن أبي معشر عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة.

أخرجه أبو سعد الماليني في " الأربعين في شيوخ الصوفية " (5 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (10 / 290) والخطيب في " تاريخ بغداد " (1 / 417) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " الواهيات " (1178) وقال: لم أسمع لمحمد بن الأصمعي ذكرا إلا في هذا الحديث، قال الذهبي في ترجمته:

 

(1/132)

 

 

وهو حديث منكر جدا، ثم ساقه بهذا السند ثم قال: هذا غير صحيح، وأقره الحافظ في " اللسان ".

قلت: ولهذا الإسناد ثلاث علل:

أ - ابن الأصمعي هذا وهو مجهول كما يشير إليه كلام الخطيب السابق.

ب - الراوي عنه محمد بن يعقوب الفرجي، لم أجد له ترجمة إلا أن الماليني أورده في " شيوخ الصوفية " ولم يذكر فيه تعديلا ولا جرحا، وكذلك فعل الخطيب في " تاريخ بغداد " (3 / 388) إلا أنه قال: وكان يحفظ الحديث، ولعله هو الآفة.

ج - أبو معشر واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي ضعيف اتفاقا، وضعفه يحيى بن سعيد جدا، وكذا البخاري حيث قال: منكر الحديث.

الطريق الثانية: قال عبد الله بن سالم: حدثنا عمار بن مطر الرهاوي - وكان حافظا للحديث - حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة، أخرجه ابن عدي في " الكامل " (5 / 72 ـ بيروت) ، وعنه ابن الجوزي في " الواهيات " (2 / 219) وقال: لا يصح، وذكره الذهبي في ترجمة عمار هذا، وقال: هالك، وثقه بعضهم ومنهم من وصفه بالحفظ، ثم ساقه ثم ذكر أحاديث منكرة، ثم ختم ترجمته بقوله:

قال أبو حاتم الرازي: كان يكذب، وقال ابن عدي: أحاديثه بواطيل. وقال

 

(1/133)

 

 

الدارقطني: ضعيف.

قلت: فهذه متابعة قوية لأبي معشر من ابن أبي ذئب، ولكنه لا يعتد بها، فإنه وإن كان ثقة ففي الطريق إليه ذلك الهالك، لكنه روي من طريق غيره وهو:

الطريق الثالثة: أخرجه ابن عدي في " الكامل " (5 / 72) ، ومن طريقه ابن الجوزي عن أبي شهاب عبد القدوس بن عبد القاهر بن أبي ذئب أبي شهاب سمعه من صدقة ابن أبي الليث الحصني - وكان من الثقات - عن ابن أبي ذئب، ذكره ابن حجر في " اللسان " في ترجمة عبد القدوس هذا بعد أن قال فيه الذهبي: له أكاذيب وضعها،

ثم ذكر منها حديثا، ثم ذكر الحافظ منها حديثا آخر هو هذا ثم قال: وهذا إنما يعرف برواية عمار بن مطر عن ابن أبي ذئب، وكان الناس ينكرونه على عمار، وقد عرفت حال عمار آنفا.

وخير هذه الطرق الأولى، ومع ذلك فهي واهية لكثرة عللها، وقد قال الحافظ في " تخريج الكشاف " (130 رقم 181) : وإسناده ضعيف.

2 ـ وأما حديث ابن عمر، فأخرجه عباس الدوري في " تاريخ ابن معين " (ق 41 /2) ، وابن عدي (5 / 13 و7 / 77) ، والخطيب في " الجامع " (5 / 91 / 2) نسخة الإسكندرية والواحدي في " الوسيط " (3 / 194 / 1) والثعلبي في " التفسير " (3 / 78 / 2) ، وابن الجوزي في " الواهيات " (1177) عن الوليد ابن سلمة - قاضي الأردن - حدثنا عمر بن صهبان عن نافع عنه، وقال ابن عدي:

وعمر هذا عامة أحاديثه لا يتابعه الثقات عليه ويغلب على حديثه المناكير.

 

(1/134)

 

 

قلت: وهو ضعيف جدا، قال البخاري: منكر الحديث، وقال الدارقطني: متروك الحديث.

قلت: لكن الراوي عنه الوليد بن سلمة شر منه فقد قال فيه أبو مسهر ودحيم وغيرهما: كذاب، وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات.

وقد ساق ابن عدي له أحاديث، ومنها هذا الحديث أورده في ترجمته أيضا وقال وكذا في " المنتخب منه " (ق 350 / 1) وغيره: عامتها غير محفوظة.

3 ـ وأما حديث أنس، فأخرجه ابن بشران في " الأمالي " (23 / 69 / 2) ، والخطيب في " الجامع " (2 / 22 / 1) من طريق محمد بن يونس حدثنا يوسف بن كامل حدثنا عبد السلام بن سليمان الأزدي عن أبان عنه مرفوعا بلفظ: " ... بهاء الوجه ".

وهذا إسناد باطل ليس فيهم من هو معروف بالثقة باستثناء أنس طبعا.

أما أبان فهو ابن أبي عياش الزاهد البصري، وقال أحمد: متروك الحديث، وقال شعبة: لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان.

 

(1/135)

 

 

قلت: ولا يجوز أن يقال مثل هذا إلا فيمن هو كذاب معروف بذلك وقد كان شعبة يحلف على ذلك، ولعله كان لا يتعمد الكذب، فقد قال فيه ابن حبان: كان أبان من العباد يسهر الليل بالقيام ويطوي النهار بالصيام، سمع من أنس أحاديث وجالس الحسن فكان يسمع كلامه ويحفظ، فإذا حدث ربما جعل كلام الحسن عن أنس مرفوعا وهو لا يعلم! ولعله روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ألف حديث وخمس مئة حديث ما لكبير شيء منها أصل يرجع له! .

وأما عبد السلام بن سليمان الأزدي، فالظاهر أنه أبوهمام العبدي، فإنه من طبقته سمع داود بن أبي هند روى عنه حرمي بن عمارة وأبو سلمة ويحيى بن يحيى كما قال أبو حاتم على ما في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 46) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات " (2 /182) على قاعدته وأورد قبله راويا آخر فقال: عبد السلام بن سليمان يروي عن يزيد بن سمرة، عداده في أهل الشام، روى عنه الأوزاعي.

والظاهر أنه ليس هو راوي هذا الحديث فإن إسناده ليس شاميا، فإنما هو الذي قبله.

وأما يوسف بن كامل، فالظاهر أنه العطار، روى عن سويد بن أبي حاتم ونافع بن عمر الجمحي، روى عنه عمرو بن علي الصيرفي كما في " الجرح والتعديل " (4 /2 / 228) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولعله في " ثقات ابن حبان " فليراجع في أتباع أتباع التابعين منه، فإن نسختنا منه ينقص منها هذا المجلد وما دونه.

وأما محمد بن يونس فهو الكديمي قال ابن عدي: " قد اتهم بالوضع ".

وقال ابن حبان:

 

(1/136)

 

 

لعله وضع أكثر من ألف حديث، وكذبه أبو داود وموسى بن هارون والقاسم بن المطرز، وقال الدارقطني: يتهم بوضع الحديث، وما أحسن فيه القول إلا من لم يخبر حاله.

4 ـ وأما حديث ابن عباس فعزاه السيوطي في " الجامع " لابن النجار، ولم أقف على إسناده، وغالب الظن أنه واه كغيره، وقد بيض له المناوي.

فتبين من هذا التحقيق أن هذه الطرق كلها واهية جدا فلا تصلح لتقوية الطريق الأولى منها، وهي على ضعفها أحسنها حالا، فلا تغتر بقول الحافظ السخاوي في " المقاصد " (240) : وشواهده كثيرة، فإنها لا تصلح للشهادة كما ذكرنا.

والظاهر أن أصل الحديث موقوف رفعه أولئك الضعفاء عمدا أوسهو ا، فقد رأيت في " المنتقى من المجالسة " للدينوري (52 / 2) بسند صحيح عن مغيرة قال: قال إبراهيم: ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق، ويقال: " سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن ".

وذكره الشيخ على القاري في " شرح الشمائل " (1 / 52) من قول الزهري.

ويكفي في رد هذا الحديث أنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في مشيه، فقد كان صلى الله عليه وسلم سريع المشي كما ثبت ذلك عنه في غير ما حديث، وروى ابن سعد في " الطبقات "

 

(1/137)

 

 

عن الشفاء بنت عبد الله أم سليمان قالت: كان عمر إذا مشى أسرع.

ولعل هذا الحديث من افتراء بعض المتزهدين الذين يرون أن الكمال أن يمشي المسلم متباطئا متماوتا كأن به مرضا! وهذه الصفة ليست مرادة قطعا بقوله تعالى:

{وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هو نا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} ، قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: هو نا: أي بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار، كقوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحا} ، فأما

هؤلاء فإنهم يمشون بغير استكبار ولا مرح ولا أشر ولا بطر.

وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعا ورياء، فقد كان سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام إذا مشى كأنما ينحط من صبب وكأنما تطوى الأرض له، وقد كره بعض السلف المشي بتضعف، حتى روى عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا، فقال: ما بالك أأنت مريض؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي

بقوة، وإنما المراد بالهو ن هنا: السكينة والوقار.

وقد روى الإمام أحمد (رقم 3034) من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى مشى مجتمعا ليس فيه كسل، ورواه البزار (2391 - زوائده) وسنده صحيح، وله شاهد عن سيار أبي الحكم مرسلا، رواه ابن سعد (1 / 379) .

 

(1/138)

 

 

56 - " لولا النساء لعبد الله حقا حقا ".

موضوع.

وله طريقان:

الأول: عن محمد بن عمران الهمذاني، أنبأنا عيسى بن زياد الدورقي - صاحب ابن عيينة - قال: حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب مرفوعا، أخرجه ابن عدي (ق 312 / 1) وقال: هذا حديث منكر، ولا أعرفه إلا من هذا الوجه، وعبد الرحيم بن زيد العمي أحاديثه كلها لا يتابعه الثقات عليه.

قلت: وقال البخاري: تركوه، وقال أبو حاتم: يترك حديثه، منكر الحديث، كان يفسد أباه يحدث عنه بالطامات، وقال ابن معين: كذاب خبيث.

قلت: وأبوه زيد ضعيف كما تقدم (51) .

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 255) من طريق ابن عدي ثم قال: لا أصل له، عبد الرحيم وأبوه متروكان، ومحمد بن عمران منكر الحديث.

قلت: الظاهر أن ابن الجوزي توهم أن محمد بن عمران هذا هو الأخنسي الذي قال فيه البخاري في " تاريخه الكبير " (1 / 1 / 202) :

 

(1/139)

 

 

كان ببغداد، يتكلمون فيه، منكر الحديث عن أبي بكر بن عياش، وليس صاحب هذا الحديث هو الأخنسي، بل هو الهمذاني كما صرح ابن عدي في روايته، وهو ثقة وله ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " (3 / 133 - 134) ، فعلة الحديث ممن فوقه.

وأما السيوطي فخفي عليه هذا، فإنه إنما تعقب ابن الجوزي بقوله في " اللآليء " (1 / 159) : قلت: له شاهد! ومع ذلك فهذا تعقب لا طائل تحته، لأن الشاهد المشار إليه ليس خيرا من المشهو د له!

هو الطريق الآخر: عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس مرفوعا بلفظ:

" لولا النساء دخل الرجال الجنة ".

رواه أبو الفضل عيسى بن موسى الهاشمي في " نسخة الزبير بن عدي " (1 / 55 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 30) والثقفي في " الثقفيات ".

قلت: وبشر هذا متروك يكذب كما تقدم (28) ، ومن طريقه رواه الديلمي في " مسند الفردوس " بلفظ: " لولا النساء لعبد الله حق عبادته " كما في " فيض القدير ".

وقد اقتصر السيوطي في ترجمة بشر هذا على قوله عقب الحديث: متروك، فتعقبه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2 / 204) : بل كذاب وضاع فلا يصلح حديثه شاهدا.

 

(1/140)

 

 

ومما سبق تعلم أن السيوطي لم يحسن صنعا بإيراده هذه الأحاديث الثلاثة في " الجامع الصغير " خلافا لشرطه الذي ذكرته أكثر من مرة.

57 - " اختلاف أمتي رحمة ".

لا أصل له.

ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا، حتى قال السيوطي في " الجامع الصغير ": ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا! .

وهذا بعيد عندي، إذ يلزم منه أنه ضاع على الأمة بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم، وهذا مما لا يليق بمسلم اعتقاده.

ونقل المناوي عن السبكي أنه قال: وليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع.

وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على " تفسير البيضاوي " (ق 92 / 2) .

ثم إن معنى هذا الحديث مستنكر عند المحققين من العلماء، فقال العلامة ابن حزم في " الإحكام في أصول الأحكام " (5 / 64) بعد أن أشار إلى أنه ليس بحديث:

وهذا من أفسد قول يكون، لأنه لوكان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطا، وهذا ما لا يقوله مسلم، لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف، وليس إلا رحمة أوسخط.

وقال في مكان آخر: باطل مكذوب، كما سيأتي في كلامه المذكور عند الحديث (61) .

وإن من آثار هذا الحديث السيئة أن كثيرا من المسلمين يقرون بسببه

 

(1/141)

 

 

الاختلاف الشديد الواقع بين المذاهب الأربعة، ولا يحاولون أبدا الرجوع بها إلى الكتاب والسنة الصحيحة، كما أمرهم بذلك أئمتهم رضي الله عنهم، بل إن أولئك ليرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما هي كشرائع متعددة! يقولون هذا مع علمهم بما بينها من اختلاف وتعارض لا يمكن التوفيق بينها إلا برد بعضها المخالف

للدليل، وقبول البعض الآخر الموافق له، وهذا ما لا يفعلون! وبذلك فقد نسبوا إلى الشريعة التناقض! وهو وحده دليل على أنه ليس من الله عز وجل لو كانوا يتأملون قوله تعالى في حق القرآن: {ولوكان من عند غير الله لوجدوا

فيه اختلافا كثيرا} فالآية صريحة في أن الاختلاف ليس من الله، فكيف يصح إذن جعله شريعة متبعة، ورحمة منزلة؟ .

وبسبب هذا الحديث ونحوه ظل أكثر المسلمين بعد الأئمة الأربعة إلى اليوم مختلفين في كثير من المسائل الاعتقادية والعملية، ولو أنهم كانوا يرون أن الخلاف شر كما قال ابن مسعود وغيره رضي الله عنهم ودلت على ذمه الآيات

القرآنية والأحاديث النبوية الكثيرة، لسعوا إلى الاتفاق، ولأمكنهم ذلك في أكثر هذه المسائل بما نصب الله تعالى عليها من الأدلة التي يعرف بها الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، ثم عذر بعضهم بعضا فيما قد يختلفون فيه، ولكن لماذا هذا السعي وهم يرون أن الاختلاف رحمة، وأن المذاهب على اختلافها كشرائع متعددة! وإن شئت أن ترى أثر هذا الاختلاف والإصرار عليه، فانظر إلى كثير من المساجد، تجد فيها أربعة محاريب يصلى فيها أربعة من الأئمة!

ولكل منهم جماعة ينتظرون الصلاة مع إمامهم كأنهم أصحاب أديان مختلفة! وكيف لا وعالمهم يقول: إن مذاهبهم كشرائع متعددة! يفعلون ذلك وهم يعلمون قوله صلى الله عليه وسلم:

 

(1/142)

 

 

" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " رواه مسلم وغيره، ولكنهم يستجيزون مخالفة هذا الحديث وغيره محافظة منهم على المذهب كأن المذهب معظم عندهم ومحفوظ أكثر من أحاديثه عليه الصلاة والسلام! وجملة

القول أن الاختلاف مذموم في الشريعة، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن، لأنه من أسباب ضعف الأمة كما قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} ، أما الرضا به وتسميته رحمة فخلاف الآيات الكريمة المصرحة بذمه، ولا مستند له إلا هذا الحديث الذي لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهنا قد يرد سؤال وهو: إن الصحابة قد اختلفوا وهم أفاضل الناس، أفيلحقهم الذم المذكور؟ .

وقد أجاب عنه ابن حزم رحمه الله تعالى فقال (5 / 67 - 68) : كلا ما يلحق أولئك شيء من هذا، لأن كل امرئ منهم تحرى سبيل الله، ووجهته الحق، فالمخطئ منهم مأجور أجرا واحدا لنيته الجميلة في إرادة الخير، وقد رفع عنهم الإثم في خطئهم لأنهم لم يتعمدوه ولا قصدوه ولا استهانوا بطلبهم، والمصيب منهم مأجور أجرين، وهكذا كل مسلم إلى يوم القيامة فيما خفي عليه من الدين ولم يبلغه، وإنما الذم المذكور والوعيد المنصوص، لمن ترك التعلق بحبل الله تعالى وهو القرآن، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النص إليه وقيام الحجة به عليه، وتعلق بفلان وفلان، مقلدا عامدا للاختلاف، داعيا إلى عصبية وحمية الجاهلية، قاصدا للفرقة، متحريا في دعواه برد القرآن

والسنة إليها، فإن وافقها النص أخذ به، وإن خالفها تعلق بجاهليته، وترك القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم

 

(1/143)

 

 

المختلفون المذمومون.

وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة في قول كل عالم، مقلدين له غير طالبين ما أو جبه النص عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.

ويشير في آخر كلامه إلى " التلفيق " المعروف عند الفقهاء، وهو أخذ قول العالم بدون دليل، وإنما اتباعا للهو ى أو الرخص، وقد اختلفوا في جوازه، والحق تحريمه لوجوه لا مجال الآن لبيانها، وتجويزه مستوحى من هذا الحديث

وعليه استند من قال: " من قلد عالما لقي الله سالما "! وكل هذا من آثار الأحاديث الضعيفة، فكن في حذر منها إن كنت ترجوالنجاة {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} .

58 - " أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم ".

موضوع.

رواه ابن عبد البر في " جامع العلم " (2 / 91) وابن حزم في " الإحكام " (6 / 82) من طريق سلام بن سليم قال: حدثنا الحارث بن غصين عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا به، وقال ابن عبد البر: هذا إسناد لا تقوم به حجة لأن الحارث بن غصين مجهول.

وقال ابن حزم: هذه رواية ساقطة، أبو سفيان ضعيف، والحارث بن غصين هذا هو أبو وهب الثقفي، وسلام بن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة وهذا منها بلا شك.

 

(1/144)

 

 

قلت: الحمل في هذا الحديث على سلام بن سليم - ويقال: ابن سليمان وهو الطويل - أولى فإنه مجمع على ضعفه، بل قال ابن خراش: كذاب، وقال ابن حبان:

روى أحاديث موضوعة.

وأما أبو سفيان فليس ضعيفا كما قال ابن حزم، بل هو صدوق كما قال الحافظ في " التقريب "، وأخرج له مسلم في " صحيحه ".

والحارث بن غصين مجهول كما قال ابن حزم، وكذا قال ابن عبد البر وإن ذكره ابن حبان في " الثقات "، ولهذا قال أحمد: لا يصح هذا الحديث كما في " المنتخب " لابن قدامة (10 / 199 / 2) .

وأما قول الشعراني في " الميزان " (1 / 28) : وهذا الحديث وإن كان فيه مقال عند المحدثين، فهو صحيح عند أهل الكشف، فباطل وهراء لا يتلفت إليه!

ذلك لأن تصحيح الأحاديث من طريق الكشف بدعة صوفية مقيتة، والاعتماد عليها يؤدي إلى تصحيح أحاديث باطلة لا أصل لها، كهذا الحديث لأن الكشف أحسن أحواله - إن صح - أن يكون كالرأي، وهو يخطيء ويصيب، وهذا إن لم يداخله الهوى، نسأل الله السلامة منه، ومن كل ما لا يرضيه.

وروي الحديث عن أبي هريرة بلفظ: " مثل أصحابي " وسيأتي برقم (438)

وروي نحوه عن ابن عباس وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله.

أما حديث ابن العباس فهو:

 

(1/145)

 

 

59 - " مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به، لا عذر لأحدكم في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله، فسنة مني ماضية، فإن لم يكن سنة مني ماضية، فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيها أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " الكفاية في علم الرواية " (ص 48) ومن قبله أبو العباس الأصم في الثاني من حديثه رقم 142 من نسختي، وعنه البيهقي في " المدخل " رقم (152) ، والديلمي (4 / 75) ، وابن عساكر (7 / 315 / 2) من طريق سليمان ابن أبي كريمة عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا: سليمان بن أبي كريمة قال ابن أبي حاتم (2 / 1 /138) عن أبيه: ضعيف الحديث.

وجويبر هو ابن سعيد الأزدي، متروك، كما قال الدارقطني والنسائي وغيرهما، وضعفه ابن المديني جدا.

والضحاك هو ابن مزاحم الهلالي لم يلق ابن عباس، وقال البيهقي عقبه: هذا حديث متنه مشهور، وأسانيده ضعيفة، لم يثبت في هذا إسناد.

والحديث أورد منه الجملة الأخيرة الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 /25) وأورده السيوطي بتمامه في أول رسالته " جزيل المواهب في اختلاف المذاهب " من رواية البيهقي في " المدخل " ثم قال العراقي: وإسناده ضعيف.

والتحقيق أنه ضعيف جدا لما ذكرنا من حال جويبر، وكذلك قال السخاوي

 

(1/146)

 

 

في " المقاصد " ولكنه موضوع من حيث معناه لما تقدم ويأتي.

فإذا عرفت هذا فمن الغريب قول السيوطي في الرسالة المشار إليها: في هذا الحديث فوائد، منها إخباره صلى الله عليه وسلم باختلاف المذاهب بعده في الفروع، وذلك من معجزاته، لأنه من الإخبار بالمغيبات، ورضاه بذلك وتقريره عليه حيث جعله رحمة، والتخيير للمكلف في الأخذ بأيها شاء ... فيقال له: أثبت العشر ثم انقش، وما ذكره من التخيير باطل لا يمكن لمسلم أن يلتزم القول والعمل به على إطلاقه لأنه يؤدي إلى التحلل من التكاليف الشرعية كما لا يخفى.

وانظر الكلام على الحديث الآتي (63) .

ومما سبق، تعلم أن تصحيح الشيخ مهدي حسن الشاهجهانبوري لهذا الحديث في كتابه " السيف المجلى على المحلى " (ص 3) وقوله: إنه حديث مشهور ليس بصحيح بل هو مخالف لأقوال أهل العلم بهذا الفن كما رأيت، وله مثله كثير فانظر الحديث (87) .

وأما حديث عمر بن الخطاب فهو:

60 - " سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى الله إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء، بعضها أضوأ من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى ".

موضوع.

رواه ابن بطة في " الإبانة " (4 / 11 / 2) والخطيب أيضا ونظام الملك في " الأمالي " (13 / 2) ، والديلمي في " مسنده " (2 / 190) ، والضياء في

 

(1/147)

 

 

" المنتقى عن مسموعاته بمرو" (116 / 2) وكذا ابن عساكر (6 / 303 / 1) من طريق نعيم بن حماد حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب مرفوعا.

وهذا سند موضوع، نعيم بن حماد ضعيف، قال الحافظ: يخطئ كثيرا، وعبد الرحيم بن زيد العمي كذاب كما تقدم (53) فهو آفته وأبوه خير منه.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " برواية السجزي في " الإبانة " وابن عساكر عن عمر، وقال شارحه المناوي: قال ابن الجوزي في " العلل ": هذا لا يصح نعيم مجروح، وعبد الرحيم قال ابن معين: كذاب، وفي " الميزان ":

هذا الحديث باطل، ثم قال المناوي: ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر أخرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه تعقبه بقوله: قال ابن سعد: زيد العمي أبو الحواري كان ضعيفا في الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه ومن يروي عنه ضعفاء، ورواه عن عمر أيضا البيهقي، قال الذهبي: وإسناده واه.

قلت: وروى ابن عبد البر عن البزار أنه قال في هذا الحديث: وهذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وربما رواه عبد الرحيم عن أبيه عن ابن عمر، كذا في الموضعين: ابن عمر، والظاهر أن لفظة (ابن) مقحمة من الناسخ في الموضع الأول وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم بن زيد، لأن أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه، والكلام أيضا منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح:

 

(1/148)

 

 

" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ "، وهذا الكلام يعارض حديث عبد الرحيم لوثبت، فكيف ولم يثبت؟!

والنبي صلى الله عليه وسلم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه.

ثم روى عن المزني رحمه الله أنه قال: إن صح هذا الخبر فمعناه: فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه، فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به، لا يجوز عندي غير هذا، وأما ما قالوا فيه برأيهم فلوكان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضا، ولا أنكر بعضهم على بعض، ولا رجع منهم أحد إلى قول صاحبه فتدبر.

قلت: الظاهر من ألفاظ الحديث خلاف المعنى الذي حمله عليه المزني رحمه الله، بل المراد ما قالوه برأيهم، وعليه يكون معنى الحديث دليلا آخر على أن الحديث موضوع ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم، إذ كيف يسوغ لنا أن نتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم يجيز لنا أن نقتدي بكل رجل من الصحابة مع أن فيهم العالم والمتوسط في العلم ومن هو دون ذلك! وكان فيهم مثلا من يرى أن البرد لا يفطر الصائم بأكله! كما سيأتي ذكره بعد حديث.

وأما حديث ابن عمر فهو:

61 - " إنما أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم ".

موضوع.

ذكره ابن عبد البر معلقا (2 / 90) وعنه ابن حزم من طريق أبي شهاب الحناط عن حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به.

 

(1/149)

 

 

وقد وصله عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (86 / 1) : أخبرني أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب به، ورواه ابن بطة في " الإبانة " (4 / 11 / 2) من طريق آخر عن أبي شهاب به، ثم قال ابن عبد البر: وهذا إسناد لا يصح، ولا يرويه عن نافع من يحتج به.

قلت: وحمزة هذا هو ابن أبي حمزة، قال الدارقطني: متروك، وقال ابن عدي:

عامة مروياته موضوعة، وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالموضوعات حتى كأنه المتعمد لها، ولا تحل الرواية عنه، وقد ساق له الذهبي في " الميزان "

أحاديث من موضوعاته هذا منها.

قال ابن حزم (6 / 83) : فقد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلا، بل لا شك أنها مكذوبة، لأن الله تعالى يقول في صفة نبيه صلى الله عليه وسلم: {وما ينطق عن الهو ى، إن هو إلا وحي يوحى} ، فإذا كان كلامه عليه الصلاة والسلام في الشريعة حقا كله وواجبا فهو من الله تعالى بلا شك، وما كان من الله تعالى فلا يختلف فيه لقوله تعالى: {ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}

 

(1/150)

 

 

وقد نهى تعالى عن التفرق والاختلاف بقوله: {ولا تنازعوا} ،فمن المحال أن يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع كل قائل من الصحابة رضي الله عنهم وفيهم من يحلل الشيء، وغيره يحرمه، ولوكان ذلك لكان بيع الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب، ولكان أكل البرد للصائم حلالا اقتداء بأبي طلحة، وحراما اقتداء بغيره منهم، ولكان ترك الغسل من الإكسال واجبا بعلي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب وحراما اقتداء بعائشة وابن عمر وكل هذا مروى عندنا بالأسانيد الصحيحة.

ثم أطال في بيان بعض الآراء التي صدرت من الصحابة وأخطأوا فيها السنة، وذلك في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، ثم قال (6 / 86) : فكيف يجوز تقليد قوم يخطئون ويصيبون؟ ! .

وقال قبل ذلك (5 / 64) تحت باب ذم الاختلاف: وإنما الفرض علينا اتباع ما جاء به القرآن عن الله تعالى الذي شرع لنا دين الإسلام، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى ببيان الدين ... فصح أن الاختلاف لا يجب أن يراعى أصلا، وقد غلط قوم فقالوا: الاختلاف رحمة، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "، قال: وهذا الحديث باطل مكذوب من توليد أهل الفسق لوجوه ضرورية.

أحدها: أنه لم يصح من طريق النقل.

والثاني: أنه صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يأمر بما نهى عنه، وهو عليه السلام قد أخبر أن أبا بكر قد أخطأ في تفسير فسره، وكذب عمر في تأويل تأوله في الهجرة، وخطأ أبا السنابل في فتيا أفتى بها في العدة، فمن المحال الممتنع

الذي لا يجوز البتة أن يكون

 

(1/151)

 

 

عليه السلام يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ.

فيكون حينئذ أمر بالخطأ تعالى الله عن ذلك، وحاشا له صلى الله عليه وسلم من هذه الصفة، وهو عليه الصلاة والسلام قد أخبر أنهم يخطئون، فلا يجوز أن يأمرنا باتباع من يخطيء، إلا أن يكون عليه السلام أراد نقلهم لما رووا عنه فهذا صحيح لأنهم رضي الله عنهم كلهم ثقات، فمن أيهم نقل، فقد اهتدى الناقل.

والثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول الباطل، بل قوله الحق، وتشبيه المشبه للمصيبين بالنجوم تشبيه فاسد وكذب ظاهر، لأنه من أراد جهة مطلع الجدي، فأم جهة مطلع السرطان لم يهتد، بل قد ضل ضلالا بعيدا وأخطأ خطأ فاحشا، وليس كل النجوم يهتدى بها في كل طريق، فبطل التشبيه المذكور ووضح كذب ذلك الحديث وسقوطه وضوحا ضروريا.

ونقل خلاصته ابن الملقن في " الخلاصة " (175 / 2) وأقره، وبه ختم كلامه على الحديث فقال: وقال ابن حزم: خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط.

وروي هذا الحديث بلفظ آخر:

62 - " أهل بيتي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم ".

موضوع.

وهو في نسخة أحمد بن نبيط الكذاب، وقد وقفت عليها، وهي من رواية أبي نعيم الأصبهاني قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن القاسم بن الريان المصري المعروف باللكي - بالبصرة في نهر دبيس قراءة عليه في صفر سنة سبع وخمسين وثلاث مئة فأقر به قال - أنبأنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط أبو جعفر الأشجعي بمصر - سنة اثنتين وسبعين ومئتين قال - حدثني أبي

 

(1/152)

 

 

إسحاق بن إبراهيم ابن نبيط، قال: حدثني أبي إبراهيم بن نبيط عن جده نبيط بن شريط مرفوعا.

قلت: فذكر أحاديث كثيرة هذا منها (ق 158 / 2) ، وقد قال الذهبي في هذه النسخة: فيها بلايا! وأحمد بن إسحاق لا يحل الاحتجاج به فإنه كذاب.

وأقره الحافظ في " اللسان ".

قلت: والراوي عنه أحمد بن القاسم اللكي ضعيف.

والحديث أورده ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2 / 419) تبعا لأصله " ذيل الأحاديث الموضوعة " للسيوطي (ص 201) وكذا الشوكاني في " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " (ص 144) نقلا عن " المختصر " لكن وقع فيه نسخة نبيط الكذاب فكأنه سقط من النسخة لفظة (ابن) وهو أحمد بن إسحاق نسب إلى جده،

وإلا فإن نبيطا صحابي.

63 - " إن البرد ليس بطعام ولا بشراب ".

منكر.

أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 347) وأبو يعلى في " مسنده " (ق 191 / 2) والسلفي في " الطيوريات " (7 / 1 - 2) وابن عساكر (6 / 313 / 2) من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أنس قال: مطرت السماء بردا فقال لنا أبو طلحة: ناولوني من هذا البرد، فجعل يأكل وهو صائم وذلك في رمضان! فقلت: أتأكل البرد وأنت صائم؟ فقال: إنما هو برد نزل من السماء نطهر به بطوننا وإنه ليس بطعام ولا بشراب! فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال: " خذها عن عمك ".

قلت: وهذا سند ضعيف، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف كما قال الحافظ

 

(1/153)

 

 

في " التقريب "، وقال شعبة بن الحجاج: حدثنا علي بن زيد وكان رفاعا يعني أنه كان يخطيء فيرفع الحديث الموقوف وهذا هو علة هذا الحديث، فإن الثقات رووه عن أنس موقوفا على أبي طلحة خلافا لعلى بن زيد الذي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخطأ، فرفعه منكر، فقد أخرجه أحمد (3 / 279) وابن عساكر (6 / 313 /2) من طريق شعبة عن قتادة وحميد عن أنس قال: مطرنا بردا وأبو طلحة صائم فجعل يأكل منه، قيل له: أتأكل وأنت صائم؟ ! فقال: إنما هذا بركة! وسنده صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن حزم في " الإحكام " (6 / 83) وأخرجه الطحاوي من طريق خالد بن قيس عن قتادة، ومن طريق حماد بن سلمة عن ثابت، كلاهما عن أنس به نحوه، ورواه البزار موقوفا وزاد: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فكرهه، وقال: إنه يقطع الظمأ، قال البزار: لا نعلم هذا الفعل إلا عن أبي طلحة، فثبت أن الحديث موقوف ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخطأ في رفعه ابن جدعان كما جزم بذلك الطحاوي.

والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (3 / 171 - 172) مرفوعا ثم قال:

رواه أبو يعلى وفيه علي بن زيد وفيه كلام، وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح.

 

(1/154)

 

 

وأورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 116) من رواية الديلمي بإسناد يقول فيه كل من رواته: أصم الله هاتين إن لم أكن سمعته من فلان ولكن ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (1 / 159) رد عليه حكمه عليه بالوضع ونقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال في " المطالب العالية ": إسناده ضعيف، ثم ختم ابن عراق كلامه بقوله: ولعل السيوطي إنما عنى أنه موضوع بهذه الزيادة من التسلسل لا مطلقا، والله أعلم.

قلت: وهذا الحديث الموقوف من الأدلة على بطلان الحديث المتقدم: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "، إذ لوصح هذا لكان الذي يأكل البرد في رمضان لا يفطر اقتداء بأبي طلحة رضي الله عنه، وهذا مما لا يقوله مسلم اليوم فيما أعتقد.

64 - " نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن ".

ضعيف.

أخرجه الترمذي (2 / 355) والبيهقي (9 / 271) وأحمد (2 / 444 - 445) من طريق عثمان بن واقد عن كدام بن عبد الرحمن عن أبي كباش قال: جلبت غنما جذعانا إلى المدينة فكسدت علي، فلقيت أبا هريرة فسألته؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث، قال: فانتهبه الناس، وقال الترمذي: حديث غريب يعني ضعيف، ولذا قال الحافظ في " الفتح " (10 / 12) :

وفي سنده ضعف.

 

(1/155)

 

 

وبين علته ابن حزم فقال في " المحلى " (7 / 365) : عثمان بن واقد مجهول، وكدام بن عبد الرحمن لا ندري من هو، عن أبي كباش الذي جلب الكباش الجذعة إلى المدينة فبارت عليه، هكذا نص حديثه، وهنا جاء ما جاء

أبو كباش، وما أدراك ما أبو كباش، ما شاء الله كان! كأنه يتهم أبا كباش بهذا الحديث، وهو مجهول مثل الراوي عنه كدام، وقد صرح بذلك الحافظ في " التقريب "، وأما عثمان بن واقد فليس بمجهول فقد وثقه ابن معين وغيره،

وقال أبو داود: ضعيف، وللحديث علة أخرى وهي الوقف فقال البيهقي عقبه:

وبلغني عن أبي عيسى الترمذي قال: قال البخاري: رواه غير عثمان بن واقد عن أبي هريرة موقوفا، وله طريق آخر بلفظ: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فقال: كيف رأيت نسكنا هذا؟ قال: لقد باهى به أهل السماء، واعلم يا محمد أن الجذع من الضأن خير من الثنية من الإبل والبقر ولو علم الله ذبحا أفضل منه لفدى به إبراهيم عليه السلام، وفيه إسحاق بن إبراهيم الحنيني، قال البيهقي: تفرد به وفي حديثه ضعف.

قلت: وهو متفق على ضعفه، وقد أورده العقيلي في " الضعفاء " وساق له حديثا وقال: لا أصل له، ثم ساق له هذا الحديث، ثم قال:

 

(1/156)

 

 

يروي عن زياد بن ميمون وكان يكذب عن أنس، ومن أو هى التعقب ما تعقب به ابن التركماني قول البيهقي المتقدم فقال: قلت: ذكر الحاكم في المستدرك هذا الحديث من طريق إسحاق المذكور ثم قال: صحيح الإسناد!

قلت: وكل خبير بهذا العلم الشريف يعلم أن الحاكم متساهل في التوثيق والتصحيح ولذلك لا يلتفت إليه، ولا سيما إذا خالف، ولهذا لم يقره الذهبي في " تلخيصه " على تصحيحه بل قال (4 / 223) : قلت: إسحاق هالك، وهشام ليس بمعتمد، قال ابن عدي: مع ضعفه يكتبه حديثه.

وليس يخفى هذا على مثل ابن التركماني لولا الهوى! فإن هذا الحديث يدل على جواز الجذع في الأضحية وهو مذهب الحنفية وابن التركماني منهم ولما كانت الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة لا يحتج بها أراد أن يقوي بعضها بالاعتماد على تصحيح الحاكم! ولو أن تصحيحه كان على خلاف ما يشتهيه مذهبه لبادر إلى رده متذرعا بما ذكرناه من التساهل! وهذا عيب كبير من مثل هذا العالم النحرير، وعندنا على ما نقول أمثلة أخرى كثيرة لا فائدة كبيرة من ذكرها.

ومن الأحاديث المشار إليها:

65 - " يجوز الجذع من الضأن أضحية ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (2 / 275) والبيهقي وأحمد (6 / 338) من طريق محمد بن أبي يحيى مولى الأسلميين عن أمه عن أم بلال بنت هلال عن أبيها مرفوعا، وهذا سند ضعيف من أجل أم محمد بن أبي يحيى فإنها مجهولة كما قال ابن

 

(1/157)

 

 

حزم (7 / 365) وقال: وأم بلال مجهولة، ولا ندري لها صحبة أم لا، قال السندي قال الدميري: أصاب ابن حزم في الأول، وأخطأ في الثاني، فقد ذكر أم بلال في الصحابة ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر، ثم قال الذهبي في

" الميزان ": إنها لا تعرف ووثقها العجلي.

قلت: الحق ما قاله ابن حزم فيها، فإنها لا تعرف إلا في هذا الحديث، ومع أنه ليس فيه التصريح بصحبتها ففي الإسناد إليها جهالة كما علمت فأنى ثبوت الصحبة لها؟ ! ثم من الغرائب أن يسكت الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 217 - 218) على هذا الحديث مع ثبوت ضعفه! وفي الباب أحاديث أخرى أوردها ابن حزم في " المحلى " (7 / 364 - 365) وضعفها كلها، وقد أصاب إلا في تضعيفه لحديث عقبة بن عامر قال: ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن.

أخرجه النسائي (2 / 204) والبيهقي (9 / 270) من طريق بكير بن الأشج عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عنه، وهذا إسناد جيد رجاله ثقات، وإعلال بن حزم له بقوله: ابن خبيب هذا مجهول، غير مقبول، فإن معاذا هذا وثقه ابن معين وأبو داود وابن حبان وقال الدارقطني: ليس بذاك ولهذا قال الحافظ في " الفتح " بعد أن عزاه للنسائي:

 

(1/158)

 

 

سنده قوي، لكن رواه أحمد (4 / 152) من طريق أسامة بن زيد عن معاذ به بلفظ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذع؟ فقال: " ضح به، لا بأس به "، وإسناده حسن وهو يخالف الأول في أنه مطلق،

وذاك خاص في الضأن، وعلى الأول فيمكن أن يراد به الجذع من المعز وتكون خصوصية لعقبة، لحديثه الآخر قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت: يا رسول الله صارت لي جذعة، وفي رواية عتود وهو الجذع من المعز قال: " ضح بها "، أخرجه البخاري (10 / 3 - 4 و9 - 10) والبيهقي (9 / 270) وزاد: " ولا أرخصه لأحد فيها بعد "، ويمكن أن يحمل المطلق على الضأن أيضا بدليل حديث أسامة وعليه يحتمل أن يكون ذلك خصوصية له أيضا، أو كان ذلك لعذر مثل تعذر المسنة من الغنم وغلاء سعرها وهذا هو الأقرب لحديث عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا نؤمر علينا في المغازي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكنا بفارس، فغلت علينا يوم النحر المسان، فكنا نأخذ المسنة بالجذعين والثلاثة، فقام فينا رجل من مزينة فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبنا مثل هذا اليوم فكنا نأخذ المسنة بالجذعين والثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الجذع يوفي مما يوفي الثني "، أخرجه النسائي والحاكم (4 / 226) وأحمد (268) وقال الحاكم: حديث صحيح، وهو كما قال.

 

(1/159)

 

 

وقال ابن حزم (7 / 267) : إنه في غاية الصحة، ورواه أبو داود (2 / 3) وابن ماجه (2 / 275) والبيهقي (9 / 270) مختصرا، وفي روايتهم تسمية الصحابي بمجاشع بن مسعود السلمي وهو رواية للحاكم، فهذا الحديث يدل بظاهره على أن الجذعة من الضأن إنما تجوز عند غلاء سعر المسان وتعسرها، ويؤيده حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا: " لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن "، أخرجه مسلم (6 / 72) وأبو داود (2 / 3) (3 / 312، 327) وقال الحافظ في " الفتح ": إنه حديث صحيح.

وخلاصة القول أن حديث الباب لا يصح، وكذا ما في معناه، وحديث جابر وعاصم ابن كليب على خلافها، فالواجب العمل بهما، وتأويلهما من أجل أحاديث الباب لا يسوغ لصحتهما وضعف معارضهما، والله أعلم.

(فائدة) : المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم، وهي من الغنم والبقر ما دخل في السنة الثالثة، ومن الإبل ما دخل في السادسة والجذع من الضأن ما له سنة تامة على الأشهر عند أهل اللغة وجمهو ر أهل العلم كما قال الشوكاني وغيره.

استدراك: ذلك ما كنت كتبته سابقا منذ نحوخمس سنوات، وكان محور اعتمادي في ذلك على حديث جابر المذكور من رواية مسلم عن أبي الزبير عنه

 

(1/160)

 

 

مرفوعا: " لا تذبحوا إلا مسنة ... "، وتصحيح الحافظ ابن حجر إياه، ثم بدا لي أني كنت واهما في ذلك، تبعا للحافظ، وأن هذا الحديث الذي صححه هو وأخرجه مسلم كان الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة، لا أن تتأول به الأحاديث الصحيحة ذلك لأن أبا الزبير هذا مدلس، وقد عنعنه، ومن المقرر في " علم المصطلح " أن المدلس لا يحتج بحديثه إذا لم يصرح بالتحديث، وهذا هو الذي صنعه أبو الزبير هنا، فعنعن، ولم يصرح، ولذلك انتقد المحققون من أهل العلم أحاديث يرويها أبو الزبير بهذا الإسناد أخرجها مسلم، اللهم إلا ما كان من رواية الليث بن سعد عنه، فإنه لم يروعنه إلا ما صرح فيه بالتحديث، فقال الحافظ الذهبي في ترجمة أبي الزبير - واسمه محمد بن مسلم بن تدرس بعد أن ذكر فيه طعن بعض الأئمة بما لا يقدح في عدالته: وأما أبو محمد بن حزم، فإنه يرد من حديثه ما يقول فيه عن جابر ونحوه لأنه عندهم ممن يدلس، فإذا قال: سمعت، وأخبرنا احتج به،

ويحتج به ابن حزم إذا قال: عن مما رواه عنه الليث بن سعد خاصة، وذلك لأن سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا الليث قال: جئت أبا الزبير، فدفع إلى كتابين، فانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو أننى عاودته فسألته أسمع هذا من جابر؟ فسألته، فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حدثت به، فقلت: أعلم لي على ما سمعت منه، فأعلم لي على هذا الذي عندي، ثم قال الذهبي: وفي " صحيح مسلم " عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر، ولا هي من طريق الليث عنه، ففي القلب منها شيء، وقال الحافظ في ترجمته من " التقريب ": صدوق إلا أنه يدلس.

 

(1/161)

 

 

وأورده في المرتبة الثالثة من كتابه " طبقات المدلسين (ص 15) وقال: مشهور بالتدليس، ووهم الحاكم في " كتاب علوم الحديث " فقال في سنده:

وفيه رجال غير معروفين بالتدليس! وقد وصفه النسائي وغيره بالتدليس، وقال في مقدمة الكتاب في صدد شرح مراتبه: الثالثة من أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم، كأبي الزبير المكي.

قلت: والصواب من ذلك المذهب الأول وهو قبول ما صرحوا فيه بالسماع وعليه الجمهور خلافا لابن حزم فإنه يرد حديثهم مطلقا ولوصرحوا بالتحديث كما نص عليه في أول كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " على ما أذكر، فإن يدي لا تطوله الآن وأرى أنه قد تناقض في أبي الزبير منهم خاصة، فقد علمت مما نقلته لك عن الذهبي آنفا أن ابن حزم يحتج به إذا قال: سمعت، وهذا ما صرح به في هذا الحديث ذاته فقال في " المحلى " في صدد الرد على المخالفين له (7 / 363 - 364) : هذا حجة على الحاضرين من المخالفين، لأنهم يجيزون الجذع من الضأن، مع وجود المسنات، فقد خالفوه، وهم يصححونه، وأما نحن فلا نصححه، لأن أبا الزبير مدلس ما لم يقل في الخبر أنه سمعه من جابر، هو أقر بذلك على نفسه، روينا ذلك عنه من طريق الليث بن سعد.

انظر " الإحكام " (1 / 139 - 140) ، ومقدمتي لـ" مختصر مسلم " (المكتبة الإسلامية) .

وجملة القول: أن كل حديث يرويه أبو الزبير عن جابر أو غيره بصيغة عن ونحوها وليس من رواية الليث بن سعد عنه، فينبغي التوقف عن الاحتجاج به، حتى يتبين سماعه، أو ما يشهد له، ويعتضد به.

هذه حقيقة يجب أن يعرفها كل محب للحق، فطالما غفل عنها عامة الناس،

 

(1/162)

 

 

وقد كنت واحدا منهم، حتى تفضل الله علي فعرفني بها، فله الحمد والشكر، وكان من الواجب علي أن أنبه على ذلك، فقد فعلت، والله الموفق لا رب سواه.

وإذا تبين هذا، فقد كنت ذكرت قبل حديث جابر هذا حديثين ثابتين في التضحية بالجذع من الضأن، أحدهما حديث عقبة بن عامر، والآخر حديث مجاشع بن مسعود السلمي وفيه: " أن الجذع يوفي مما يوفي الثني "، وكنت تأولتهما بما يخالف ظاهرهما توفيقا بينهما وبين حديث جابر، فإذ قد تبين ضعفه، وأنه غير صالح للاحتجاج به، ولتأويل ما صح من أجله، فقد رجعت عن ذلك، إلى دلالة الحديثين الظاهرة في جواز التضحية بالجذع من الضأن خاصة، وحديث مجاشع وإن كان بعمومه يشمل الجذع من المعز، فقد جاء ما يدل على أنه غير مراد وهو حديث البراء قال:

ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تلك شاة لحم "، فقال: يا رسول الله إن عندي جذعة من المعز، فقال: " ضح بها، ولا تصلح لغيرك " وفي رواية: " اذبحها، ولن تجزئ عن أحد بعدك " وفي أخرى:

" ولا تجزيء جذعة عن أحد بعدك "، أخرجه مسلم (6 / 74 - 76) والبخاري نحوه ويبدو جليا من مجموع الروايات أن المراد بالجذعة في اللفظ الأخير الجذعة من المعز، فهو في ذلك كحديث عقبة المتقدم من رواية البخاري، وأما فهم ابن حزم من هذا اللفظ جذعة العموم فيشمل عنده الجذعة من الضأن فمن ظاهريته وجموده على اللفظ دون النظر إلى ما تدل عليه الروايات بمجموعها، والسياق والسباق، وهما من المقيدات، كما نص على ذلك ابن دقيق العيد وغيره من

 

(1/163)

 

 

المحققين.ذلك هو الجواب الصحيح عن حديث جابر رضي الله عنه، وأما قول الحافظ في " التلخيص " (ص 385) .

تنبيه: ظاهر الحديث يقتضي أن الجذع من الضأن لا يجزئ إلا إذا عجز عن المسنة، والإجماع على خلافه، فيجب تأويله، بأن يحمل على الأفضل وتقديره: المستحب أن لا تذبحوا إلا مسنة.

قلت: هذا الحمل بعيد جدا، ولوسلم فهو تأويل، والتأويل فرع التصحيح، والحديث ليس بصحيح كما عرفت فلا مسوغ لتأويله.

وقد تأوله بعض الحنابلة بتأويل آخر لعله أقرب من تأويل الحافظ، ففسر المسنة بما إذا كانت من المعز! ويرد هذا ما في رواية لأبي يعلى في " مسنده " (ق 125 / 2) بلفظ: " إذا عز عليك المسان من الضأن، أجزأ الجذع من الضأن "

وهو وإن كان ضعيف السند كما بينته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " (رقم 1131) ، فمعناه هو الذي يتبادر من اللفظ الأول.

ولعل الذي حمل الحافظ وغيره على ارتكاب مثل هذا التأويل البعيد هو الاعتقاد بأن الإجماع على خلاف ظاهر الحديث، وقد قاله الحافظ كما رأيت.

فينبغي أن يعلم أن بعض العلماء كثيرا ما يتساهلون في دعوى الإجماع في أمور الخلاف فيها معروف، وعذرهم في ذلك أنهم لم يعلموا بالخلاف، فينبغي التثبت في هذه الدعوى في مثل هذه المسألة التي لا يستطيع العالم أن يقطع بنفي الخلاف فيها كما أرشدنا الإمام أحمد رحمه الله بقوله:

 

(1/164)

 

 

من ادعى الإجماع فهو كاذب، وما يدريه لعلهم اختلفوا، أو كما قال رواه ابنه عبد الله بن أحمد في " مسائله ".

فمما يبطل الإجماع المزعوم في هذه المسألة ما روى مالك في " الموطأ " (2 /482 / 2) عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن ورواه عبد الرزاق عن مالك عن نافع بن ابن عمر قال: " لا تجزيء إلا الثنية فصاعدا "، ذكره ابن حزم (7 / 361) وذكر بمعناه آثارا أخرى فليراجعها من شاء

الزيادة.

وختاما أقول: نستطيع أن نستخلص مما سبق من التحقيق: أن حديث هلال هذا:

" نعمت الأضحية الجذع من الضأن " وكذا الذي قبله، وإن كان ضعيف المبنى، فهو صحيح المعنى، يشهد له حديث عقبة ومجاشع، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، لما أوردتهما في هذه " السلسلة " ولأوردت بديلهما حديث جابر هذا، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ولله في خلقه شؤون.

66 - " من عرف نفسه فقد عرف ربه ".

لا أصل له.

قال في " المقاصد " للحافظ السخاوي (ص 198) : قال أبو المظفر بن السمعاني:

لا يعرف مرفوعا وإنما يحكي عن يحيى بن معاذ الرازي من قوله وكذا قال النووي:

إنه ليس بثابت.

ونقل السيوطي في " ذيل الموضوعات " (ص 203) كلام النووي هذا وأقره، وقال في " القول الأشبه " (2 / 351) من " الحاوي للفتاوى ": هذا الحديث ليس بصحيح.

ونقل الشيخ القاري في " موضوعاته " (ص 83) عن ابن تيمية أنه قال:

 

(1/165)

 

 

موضوع.

وقال العلامة الفيروز أبادي - صاحب القاموس - في " الرد على المعترضين على الشيخ ابن عربي " (ق 37 / 2) : ليس من الأحاديث النبوية، على أن أكثر الناس يجعلونه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح أصلا، وإنما يروي في الإسرائيليات: " يا إنسان اعرف نفسك تعرف ربك ".

قلت: هذا حكم أهل الاختصاص على هذا الحديث، ومع ذلك فقد ألف بعض الفقهاء المتأخرين من الحنفية رسالة في شرح هذا الحديث! وهي محفوظة في مكتبة الأوقاف الإسلامية في حلب، وكذلك شرح أحدهم حديث: " كنت كنزا مخفيا ... " في رسالة

خاصة أيضا موجودة في المكتبة المذكورة برقم (135) مع أنه حديث لا أصل له أيضا

كما سيأتي (6023) ، وذلك مما يدل على أن هؤلاء الفقهاء لم يحاولوا - مع

الأسف الشديد - الاستفادة من جهو د المحدثين في خدمة السنة وتنقيتها مما أدخل

فيها، ولذلك كثرت الأحاديث الضعيفة والموضوعة في كتبهم، والله المستعان.

67 - " من قرأ في الفجر بـ {ألم نشرح} و {ألم تر كيف} لم يرمد ".

لا أصل له.

قال السخاوي (ص 200) : لا أصل له، سواء أريد بالفجر هنا سنة الصبح أو الصبح لمخالفته سنة القراءة فيهما.

 

(1/166)

 

 

يشير إلى أن السنة في سنة الفجر {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} ، وفي فرض الفجر قراءة ستين آية فأكثر على ما هو مفصل في كتابي " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ".

68 - " قراءة سورة {إنا أنزلناه} عقب الوضوء ".

لا أصل له.

كما قال السخاوي، قال: ورأيته في المقدمة المنسوبة للإمام أبي الليث من الحنفية، فالظاهر إدخاله فيها من غيره وهو مفوت سنة.

قلت: يعني سنة القول بعد الوضوء: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين " وهو في مسلم والترمذي، أو يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك " رواه الحاكم وغيره بسند صحيح.

قلت: وقوله: لا أصل له يوهم أنه لا إسناد له، وليس كذلك كما سيأتي (1449) .

 

(1/167)

 

 

69 - " مسح الرقبة أمان من الغل ".

موضوع.

قال النووي في " المجموع شرح المهذب: (1 / 465) : هذا موضوع ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

 

(1/167)

 

 

ونقله السيوطي في ذيل " الأحاديث الموضوعة " (ص 203) عن النووي وأقره.

وقال الحافظ ابن حجر في " تلخيص الحبير " (1 / 433) ما مختصره: أورده أبو محمد الجويني، وقال: لم يرتض أئمة الحديث إسناده، وأورده الغزالي في " الوسيط " وتعقبه ابن الصلاح فقال: هذا الحديث غير معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من قول بعض السلف، قال الحافظ: يحتمل أن يريد به ما رواه أبو عبيد في كتاب " الطهور " عن عبد الرحمن بن مهدي عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة قال: " من مسح قفاه مع رأسه وقي الغل يوم القيامة.

قلت: فيحتمل أن يقال: هذا وإن كان موقوفا فله حكم الرفع، لأن هذا لا يقال من قبل الرأي، فهو على هذا مرسل.

قلت: لكن المسعودي كان قد اختلط فلا حجة في حديثه لوكان مرفوعا، فكيف وهو موقوف؟ ثم قال الحافظ (1 / 434 - 453) : قال أبو نعيم في " تاريخ أصبهان ":

حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا عبد الرحمن بن داود، حدثنا عثمان بن {خرزاذ} حدثنا عمر بن محمد بن الحسن، حدثنا محمد بن عمرو الأنصاري عن أنس بن سيرين عن عمر أنه كان إذا توضأ مسح عنقه ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من توضأ ومسح عنقه لم يغل بالأغلال يوم القيامة "، وفي " البحر " للروياني: قرأت جزءا رواه أبو الحسين بن فارس بإسناده عن فليح بن سليمان عن نافع

 

(1/168)

 

 

عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من توضأ ومسح بيديه على عنقه وقي الغل يوم القيامة "، وقال: هذا إن شاء الله حديث صحيح، قلت (هو الحافظ) : بين ابن فارس وفليح مفازة فينظر فيها.

قلت: وحديث ابن عمر في " تاريخ أصبهان " (2 / 115) ، وعزاه الشيخ علي القاري في " الموضوعات " (ص 73) لـ" مسند الفردوس " بسند ضعيف.

قلت: وعلته محمد بن عمرو الأنصارى هذا، وهو أبو سهل البصري، متفق على تضعيفه، وكان يحيى بن سعيد يضعفه جدا ويقول: روى عن الحسن أو ابد! .

وشيخ أبي نعيم ضعيف أيضا، وهو محمد بن أحمد بن علي بن المحرم، قال الذهبي في " الميزان ": هو من كبار شيوخ أبي نعيم الحافظ، روى عنه الدارقطني وضعفه وقال البرقاني: لا بأس به، وقال ابن أبي الفوارس: لم يكن عندهم بذاك وهو ضعيف.

ثم رأيت ابن عراق قال في " تنزيه الشريعة " (2 / 75) بعد أن ذكر الحديث من رواية أبي نعيم في " التاريخ ": وفيه أبو بكر المفيد شيخ أبي نعيم، قال الحافظ العراقي: وهو آفته.

وسيأتي الكلام على الحديث مع زيادة تحقيق برقم (744) أو نحوه إن شاء الله تعالى.

قلت: فمثل هذا الحديث يعد منكرا، ولا سيما أنه مخالف لجميع الأحاديث الواردة في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم، إذ ليس في شيء منها ذكر لمسح الرقبة، اللهم إلا في

 

(1/169)

 

 

حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال وهو أول القفا.

وفي رواية: ومسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره حتى أخرج يديه من تحت أذنيه.

أخرجه أبو داود وغيره، وذكر عن ابن عيينة أنه كان ينكره، وحق له ذلك فإن له ثلاث علل، كل واحدة منها كافية لتضعيفه، فكيف بها وقد اجتمعت، وهي الضعف، والجهالة، والاختلاف في صحبة والد مصرف، ولهذا ضعفه النووي وابن تيمية والعسقلاني وغيرهم، وقد بينت ذلك في " ضعيف سنن أبي داود " (رقم 15) .

70 - " من أطعم أخاه خبزا حتى يشبعه، وسقاه ماء حتى يرويه، بعده الله عن النار سبع خنادق، بعد ما بين خندقين مسيرة خمس مئة سنة ".

موضوع.

أخرجه الدولابي في " الكنى " (1 / 117) ويعقوب الفسوي في " التاريخ " (2 /527) وابن عبد الحكم في " فتوح مصر " (ص 254) والحاكم (4 / 129) وكذا الطبراني في " الأوسط " (1 / 95 / 1 ـ من زوائد المعجمين) وابن عساكر (6 /115 / 2) من طريق إدريس بن يحيى الخولاني، حدثني رجاء بن أبي عطاء عن واهب بن عبد الله الكعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا، وقال الحاكم:

صحيح الإسناد ووافقه الذهبي! وهذا من أغلاطهما الفاحشة، فإن رجاءا هذا، لم يوثقه أحد، بل هو متهم، فاسمع ما قال فيه الحاكم نفسه! فيما ذكره الذهبي نفسه في " الميزان " قال: صويلح! ، قال الحاكم: مصري صاحب موضوعات (!) ، وقال ابن حبان:

 

(1/170)

 

 

يروي الموضوعات، ثم ساق له الحديث الذي وقع لنا مسلسلا بالمصريين.

قلت: يعني هذا وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 172) وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 87) وعزاه في " الجامع الكبير " والزيادة لـ (ن) أي:

النسائي وهو وهم أو تحريف، ثم ساق الذهبي إسناده إلى رجاء به ثم قال: هذا حديث غريب منكر تفرد به إدريس أحد الزهاد.

قلت: إدريس هذا صدوق كما قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 265) فالتهمة منحصرة في رجاء هذا، وزاد الحافظ في " لسان الميزان ": وهذا الحديث أورده ابن حبان وقال: إنه موضوع، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، فما أدري ما وجه الجمع بين كلاميه! (يعني تصحيحه للحديث وقوله في راويه: صاحب موضوعات) كما لا أدري كيف الجمع بين قول الذهبي " صويلح " وسكوته على تصحيح الحاكم في " تلخيص المستدرك " مع حكايته عن الحافظين (يعني الحاكم وابن حبان) أنهما شهدا عليه برواية الموضوعات! .

قلت: والحديث عزاه الهيثمي في " المجمع " (2 / 130) للطبراني في " الكبير " و" الأوسط " قال: وفيه رجاء بن أبي عطاء، وهو ضعيف، كذا قال، ورجاء أشد ضعفا مما ذكر كما تقدم، ومع هذا، فالهيثمي أقرب إلى الصواب من المنذري، فإنه أورد الحديث في " الترغيب " (2 / 48 ـ رقم 14) ثم قال: رواه الطبراني في " الكبير " وأبو الشيخ ابن حيان في " الثواب " والحاكم، والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

 

(1/171)

 

 

فأقر الحاكم على تصحيحه، فأو هم أنه صحيح، وليس كذلك، وهذا هو الحامل لي على نشر هذا الحديث وتحقيق القول في وضعه كي لا يغتر أحد بزلة هؤلاء الأفاضل فيقع في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاننا الله من ذلك بمنه وفضله.

71 - " التكبير جزم ".

لا أصل له.

كما قال الحافظ ابن حجر والسخاوي، وكذا السيوطي، وله رسالة خاصة في الحديث في كتابه " الحاوي للفتاوي " (2 / 71) وقد بين فيها أنه من قول إبراهيم النخعي، وأن معنى قوله جزم لا يمد ثم ذكر قول من فسره بأنه لا يعرب بل يسكن آخره.

ثم رده من وجوه ثلاثة أوردها فليراجعها من شاء.

ثم إن الحديث مع كونه لا أصل له مرفوعا، وإنما هو من قول إبراهيم، فإنما يريد به التكبير في الصلاة كما يستفاد من كلام السيوطي في الرسالة المشار إليها فلا علاقة له بالأذان كما توهم بعضهم، فإن هناك طائفة من المنتمين للسنة في مصر وغيرها تؤذن كل تكبيرة على حدة: الله أكبر، الله أكبر، عملا بهذا الحديث زعموا! والتأذين على هذه الصفة مما لا أعلم له أصلا في السنة، بل ظاهر الحديث الصحيح خلافه، فقد روى مسلم في " صحيحه " (2 / 4) من حديث عمر ابن الخطاب مرفوعا: " إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم:

الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله ألا الله، الحديث ... " ففيه إشارة ظاهرة إلى أن المؤذن يجمع بين كل تكبيرتين، وأن السامع يجيبه كذلك، وفي " شرح صحيح مسلم " للنووي ما يؤيد هذا فليراجعه من شاء.

ومما يؤيد ذلك ما ورد في بعض الأحاديث أن الأذان كان شفعا شفعا.

 

(1/172)

 

 

72 - " أدبني ربي فأحسن تأديبي ".

ضعيف.

قال ابن تيمية في " مجموعة الرسائل الكبرى " (2 / 336) : معناه صحيح، ولكن لا يعرف له إسناد ثابت، وأيده السخاوي والسيوطي فراجع " كشف الخفاء " (1 /70) .

 

(1/173)

 

 

73 - " مسح العينين بباطن أنملتي السبابتين عند قول المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله ... إلخ وأن من فعل ذلك حلت له شفاعته صلى الله عليه وسلم ".

لا يصح.

رواه الديلمي في " مسند الفردوس " عن أبي بكر رضي الله عنه مرفوعا.

قال ابن طاهر في " التذكرة ": لا يصح، كذا في " الأحاديث الموضوعة " للشوكاني

(ص 9) وكذلك قال السخاوي في " المقاصد ".

 

(1/173)

 

 

74 - " عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم ".

لا أصل له بهذا اللفظ.

قال ابن الصلاح: هذا حديث غير معروف ولا ثابت، نقله الشيخ إسماعيل العجلوني في " الكشف " ومن قبله ابن الملقن في " الخلاصة " (164 / 2) وزاد: قلت:

وأسنده صاحب الفردوس بلفظ " استفرهو ا " بدل " عظموا " أي:

 

(1/173)

 

 

ضحوا بالثمينة القوية السمينة.

قلت: وسنده ضعيف جدا، وسوف يأتي تحقيق الكلام عليه بإذن الله تعالى (2687) .

75 - " عجلوا بالصلاة قبل الفوت، وعجلوا بالتوبة قبل الموت ".

موضوع.

ومعناه صحيح، أورده الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 4 - 5) .

 

(1/174)

 

 

76 - " الناس كلهم موتى الا العالمون، والعالمون كلهم هلكى الا العاملون والعاملون كلهم غرقى الا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم ".

موضوع.

أورده الصغاني (ص 5) وقال: وهذا الحديث مفترى ملحون، والصواب في الإعراب: " العالمين والعاملين والمخلصين) ".

قلت: وهو شبيه بكلام الصوفية، ومثله قول سهل بن عبد الله التستري: الناس كلهم سكارى إلا العلماء، والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه، رواه الخطيب في " اقتضاء العلم العمل " (رقم 22 - بتحقيقي) ثم روى من طريق أخرى عنه قال:

" الدنيا جهل وموات، إلا العلم، والعلم كله حجة إلا العمل به، والعمل كله هباء إلا الإخلاص، والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به ".

قلت: وهذا أقرب إلى هذا الحديث، فلعله هو أصله، رفعه بعض جهلة الصوفية.

 

(1/174)

 

 

77 - " لا مهدي إلا عيسى ".

منكر.

أخرجه ابن ماجه (2 / 495) والحاكم (4 / 441) وابن الجوزي في " الواهيات " (1447) وابن عبد البر في " جامع العلم " (1 / 155) وأبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (3 / 3 / 2، 4 / 9 / 1، 5 / 22 / 2) والسلفي في " الطيوريات " (62 / 1) والخطيب (4 / 221) من طريق محمد بن خالد الجندي

عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس مرفوعا بلفظ:

" لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه علل ثلاث:

الأولى: عنعنة الحسن البصري، فإنه قد كان يدلس.

الثانية: جهالة محمد بن خالد الجندي، فإنه مجهول كما قال الحافظ في " التقريب " تبعا لغيره كما يأتي.

الثالثة: الاختلاف في سنده.

قال البيهقي: قال أبو عبد الله الحافظ: محمد بن خالد مجهول واختلفوا عليه في إسناده، فرواه صامت بن معاذ قال: حدثنا يحيى بن السكن، حدثنا محمد بن خالد ... فذكره، قال صامت: عدلت إلى الجند مسيرة يومين من صنعاء، فدخلت على محدث لهم، فوجدت هذا الحديث عنده عن محمد بن خالد عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلا، قال البيهقي: فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد الجندي وهو مجهول عن أبان أبي عياش، وهو متروك عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو منقطع، والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسنادا، نقله في " التهذيب ".

 

(1/175)

 

 

وقال الذهبي في " الميزان ": إنه خبر منكر، ثم ساق الرواية الأخيرة عن ابن أبي عياش عن الحسن مرسلا ثم قال: فانكشف ووهى.

وقال الصغاني: موضوع كما في " الأحاديث الموضوعة " للشوكاني (ص 195) ونقل السيوطي في " العرف الوردي في أخبار المهدي " (2 / 274 من الحاوي) عن القرطبي أنه قال في " التذكرة ": إسناد ضعيف، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه.

وقد أشار الحافظ في " الفتح " (6 / 385) إلى رد هذا الحديث لمخالفته لأحاديث المهدي.

وهذا الحديث تستغله الطائفة القاديانية في الدعوة لنبيهم المزعوم: ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة، ثم ادعى أنه هو عيسى بن مريم المبشر بنزوله في آخر الزمان، وأنه لا مهدي إلا عيسى بناء على هذا الحديث المنكر، وقد راجت دعواه على كثيرين من ذوي الأحلام الضعيفة، شأن كل دعوة باطلة لا تعدم من يتباناها ويدعوإليها، وقد ألفت كتب كثيرة في الرد على هؤلاء الضلال، ومن أحسنها رسالة الأستاذ الفاضل المجاهد أبي الأعلى المودودى رحمه الله في الرد عليها، وكتابه الآخر الذي صدر أخيرا بعنوان " البيانات " فقد بين فيهما حقيقة القاديانيين، وأنهم مرقوا من دين المسلمين بأدلة لا تقبل الشك، فليرجع إليهما من شاء.

(تنبيه) قوله في هذا الحديث:

 

(1/176)

 

 

" ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " هذه الجملة منه صحيحة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن مسعود! خرجه مسلم وأحمد.

78 - " سؤر المؤمن شفاء ".

لا أصل له.

قال الشيخ أحمد الغزي العامري في " الجد الحثيث " (رقم 168 من نسختي) : ليس بحديث، وأقره الشيخ العجلوني في " كشف الخفاء " (1 / 458) .

قلت: وأما قول الشيخ على القاري في " موضوعاته " (ص 45) : هو صحيح من جهة المعنى لرواية الدارقطني في " الأفراد " من حديث ابن عباس مرفوعا: " من التواضع أن يشرب الرجل من سؤر أخيه " أي المؤمن، فيقال له كما تعلمنا منه في مثل هذه المناسبة: ثبت العرش ثم انقش! "، فإن هذا الحديث غير صحيح أيضا، وبيانه فيما بعد، على أنه لوصح لما كان شاهدا له! كيف وليس فيه أن سؤر المؤمن شفاء لا تصريحا ولا تلويحا، فتأمل.

 

(1/177)

 

 

79 - " من التواضع أن يشرب الرجل من سؤر أخيه، ومن شرب من سؤر أخيه ابتغاء وجه الله تعالى رفعت له سبعون درجة، ومحيت عنه سبعون خطيئة، وكتب له سبعون درجة ".

موضوع.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 40) برواية الدارقطني من طريق نوح بن أبي مريم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا به، وقال ابن الجوزي:

 

(1/177)

 

 

تفرد به نوح وهو متروك، وتعقبه السيوطي في " اللآليء المصنوعة " (2 / 259 طبع المكتبة الحسينية) بقوله: قلت: له متابع، قال الإسماعيلي في " معجمه " (ق 123 / 2 - مصورة الجامعة الإسلامية) : أخبرني علي بن محمد بن حاتم أبو الحسن القومسي: حدثنا جعفر بن محمد الحداد القومسي، حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي، حدثنا الحسن بن رشيد المروزي عن ابن جريج، وعنه يعني المروزي هذا ثلاثة أنفس، فيه لين، الأصل: فيهم وهو خطأ.

قلت: بل الحسن هذا منكر الحديث، فقد قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 14) بعد أن نقل عن أبيه أنه مجهول: يدل حديثه على الإنكار، وذلك أنه روى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: " من صبر في حر مكة ساعة باعد الله عز وجل منه جهنم سبعين خريفا، ومن مشى في طريق مكة ساعة، كل قدم يضعها ترفع له درجة، والأخرى حسنة ".

وفي " اللسان ": وقال العقيلي فيه: في حديثه وهم، ويحدث بمناكير، ثم ساق حديث ابن عباس الذي استنكره ابن أبي حاتم وقال: هذا حديث باطل لا أصل له.

والحديث رواه السهمي الجرجاني في " تاريخ جرجان " (262) من طريق شيخه أبي بكر الإسماعيلى قال: حدثنا علي بن محمد بن حاتم بن دينار أبو الحسن القومسي وكان صدوقا، إلخ ... وقال: قال شيخنا أبو بكر الإسماعيلى: إبراهيم ابن أحمد والحسن بن رشيد مجهولان.

 

(1/178)

 

 

ومما أوردنا يتبين أن هذه المتابعة لا تسمن ولا تغني من جوع لشدة ضعفها، وجهالة الراوي عنها، فلا قيمة لتعقب

السيوطي على ابن الجوزي، ولعله يشير لهذا صنيع الشوكاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 68) حيث ساق الحديث ثم اكتفى في تخريجه على قوله: رواه الدارقطني وفي إسناده متروك، فلم يتعرض للمتابعة المزعومة بذكر!

قلت: ونوح هذا كان من أهل العلم، وكان يسمى: الجامع، لجمعه فقه أبي حنيفة ولكنه متهم في الرواية، قال أبو علي النيسابوري: كان كذابا، وقال أبو سعيد النقاش: روى الموضوعات، وقال الحاكم: هو مقدم في علومه إلا أنه ذاهب الحديث بمرة، وقد أفحش أئمة الحديث القول فيه ببراهين ظاهرة، وقال أيضا: لقد كان جامعا، رزق كل شيء إلا الصدق! نعوذ بالله تعالى من الخذلان، وكذا قال ابن حبان، وقد أورد الحافظ برهان الدين الحلبي في رسالة " الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث " كما في " الفوائد البهية في تراجم الحنفية " (ص 221) .

ثم إن للحديث علة أخرى لم أر من تنبه لها وهي عنعنة ابن جريج، فإنه على جلالة قدره كان مدلسا.

 

(1/179)

 

 

قال الإمام أحمد: بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذها، يعني قوله: أخبرت وحدثت عن فلان، كذا في " الميزان "، وقال الدارقطني: تجنب تدليس ابن جريج

فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما، كذا في " التهذيب "، فإن سلم الحديث من ابن أبي مريم والحسن بن رشيد، فلن يسلم من تدليس ابن جريج.

80 - " المهدي من ولد العباس عمي ".

موضوع.

أخرجه الدارقطني في " الأفراد " (ج 2 رقم 26 من أصلى المنقول عن مخطوطة الظاهرية) وعنه الديلمي (4 / 84) وابن الجوزي في " الواهيات " (1431) من طريق محمد بن الوليد القرشي، حدثنا أسباط بن محمد وصلة بن سليمان الواسطي عن سليمان التيمي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان مرفوعا، وقال الدارقطني: غريب، تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم بهذا الإسناد.

قلت: وهو متهم بالكذب، قال ابن عدي: كان يضع الحديث، وقال أبو عروبة:

 

(1/180)

 

 

كذاب، وبهذا أعله المناوي في " الفيض " نقلا عن ابن الجوزي، وبه تبين خطأ السيوطي في إيراده لهذا الحديث في " الجامع الصغير ".

قلت: ومما يدل على كذب هذا الحديث أنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:

" المهدي من عترتي من ولد فاطمة "، أخرجه أبو داود (2 / 207 - 208) وابن ماجه (2 / 519) والحاكم (4 / 557) وأبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (99 - 100) وكذا العقيلي (139 و300) من طريق زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة مرفوعا، وهذا سند جيد رجاله كلهم

ثقات، وله شواهد كثيرة، فهو دليل واضح على رد هذا الحديث، ومثله:

81 - " يا عباس إن الله فتح هذا الأمر بي، وسيختمه بغلام من ولدك يملؤها عدلا كما ملئت جورا، وهو الذى يصلي بعيسى ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (4 / 117) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " الواهيات " (1437) في ترجمة أحمد بن الحجاج بن الصلت قال: حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا خلف بن خليفة عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عمار بن ياسر مرفوعا.

قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم غير أحمد بن الحجاج هذا ولم يذكر فيه الخطيب جرحا ولا تعديلا، وقد اتهمه الذهبي بهذا الحديث فقال:

 

(1/181)

 

 

رواه بإسناد الصحاح مرفوعا، فهو آفته! والعجيب أن الخطيب ذكره في " تاريخه " ولم يضعفه وكأنه سكت عنه لانتهاك حاله، ووافقه الحافظ في " لسان الميزان " والحديث أورده السيوطي في " اللآليء المصنوعة " (1 / 431 - 434) وسكت عليه! ومن هنا يتبين لك الفرق بين الذهبي والسيوطي، فإن الأول حافظ نقاد، والآخر جماع نقال، وهذا هو السر في كثرة خطئه وتناقضه في كتبه، والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 37) من حديث ابن عباس نحوه وقال:

موضوع، المتهم به الغلابي محمد بن زكريا، وأقره السيوطي في " اللآليء " (1 / 435) ، ورواه الخطيب في " التاريخ " (3 / 323 - 324) ، وعنه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (2 / 375 / 1438) من طريق أخرى، ثم قال ابن الجوزي (2 / 378) : لا بأس بإسناده كذا قال وهو منه عجيب فإن فيه علتين:

إحداهما: عبد الصمد بن علي وهو الهاشمي ضعفه العقيلي (3 / 84 / 1053) وساق له حديث استنكره الذهبي وسيأتي برقم (2898) .

والأخرى: محمد بن نوح بن سعيد المؤذن، أورده الذهبي وقال: خبره كذب يعني هذا وأبوه مجهول.

تنبيه: اختلط هذا الإسناد على بعض الطلبة فظن أنه من رواية الغلابي، وليس هو فيه!

 

(1/182)

 

 

وأما صلاة المهدي بعيسى عليه السلام، فصحيح ثابت في أحاديث كثيرة، ومثل هذا الحديث:

82 - " ألا أبشرك يا أبا الفضل؟ إن الله عز وجل افتتح بي هذا الأمر، وبذريتك يختمه ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 135) من طريق لاهز بن جعفر التيمي، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، أخبرني علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: تفرد به لاهز بن جعفر وهو حديث عزيز.

قلت: وهو متهم، قال فيه ابن عدي: بغدادي مجهول يحدث عن الثقات بالمناكير، ثم ساق له حديثا في فضل علي ثم قال ابن عدي: وهذا باطل، قال الذهبي: إي والله هذا من أكبر الموضوعات، وعلي، فلعن الله من لا يحبه، والحديث أورده في " كنز العمال " (رقم 38693) برواية أبي نعيم في " الحلية " عن أبي هريرة بغير هذا اللفظ، ولم أعثر عليه الآن في " الحلية "، فالله أعلم.

تنبيه: إذا علمت حال هذا الحديث والذي قبله، فلا يليق نصب الخلاف بينهما وبين الحديث الصحيح المتقدم قريبا: " المهدي من ولد فاطمة " لصحته وشدة ضعف مخالفه، وعليه: لا مسوغ لمحاولة التوفيق بينهما كما فعل بعض المتقدمين والأستاذ المودودي رحمه الله في " البيانات " (ص 115، 165) ، والله تعالى هو الموفق لا إله سواه.

 

(1/183)

 

 

83 - " نعم المذكر السبحة، وإن أفضل ما يسجد عليه الأرض، وما أنبتته الأرض ".

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (4 / 98 ـ مختصره) قال: أنا عبدوس بن عبد الله أنا أبو عبد الله الحسين بن فنجويه الثقفي، حدثنا علي بن محمد بن نصرويه، حدثنا محمد بن هارون بن عيسى بن منصور الهاشمي حدثني محمد بن علي بن حمزة العلوي حدثني عبد الصمد بن موسى حدثتني زينب بنت سليمان بن علي حدثتني أم الحسن بنت جعفر بن الحسن عن أبيها عن جدها عن علي مرفوعا، ذكره السيوطي في رسالته: " المنحة في السبحة " (2 / 141 ـ من الحاوي) ونقله عنه الشوكاني في " نيل الأو طار " (2 / 166 - 167) وسكتا عليه!

قلت: وهذا إسناد ظلمات بعضها فوق بعض، جل رواته مجهولون، بل بعضهم متهم، أم الحسن بنت جعفر بن الحسن، لم أجد من ترجمها، وزينب بنت سليمان بن علي ترجمها الخطيب " في تاريخه " (14 / 334) وقال: كانت من فضائل النساء.

وعبد الصمد بن موسى، هو الهاشمي ترجمه الخطيب (14 / 41) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولكن نقل الذهبي في " الميزان " عن الخطيب أنه قال فيه: قد ضعفوه فلعل ذلك في بعض كتبه الأخرى، ثم استدركت فقلت: بل ذلك في حديث آخر سيأتي برقم (2898) .

 

(1/184)

 

 

ثم قال الذهبي: يروي مناكير عن جده محمد بن إبراهيم الإمام.

قلت: فلعله هو آفة هذا الحديث، ومحمد بن علي بن حمزة العلوي ترجمه الخطيب أيضا (3 / 63) وقال: قال ابن أبي حاتم: سمعت منه وهو صدوق، مات سنة 286 ومحمد بن هارون هو محمد بن هارون بن العباس بن أبي جعفر المنصور، كذلك أورده الخطيب (3 / 356) وقال: كان من أهل الستر والفضل والخطابة، وولي إمامة

مسجد المدينة ببغداد خمسين سنة، وكانت وفاته سنة 308.

وأبو عبد الله بن الحسين بن فنجويه الثقفي ثقة مترجم في " سير أعلام النبلاء " (17 / 383) و" شذرات الذهب " (3 / 200) .

ومثله عبدوس بن عبد الله له ترجمة في " سير أعلام النبلاء " (19 / 97) و" لسان الميزان " (4 / 95) .

ومما سبق يتبين لك أن الإسناد ضعيف لا تقوم به حجة، ثم إن الحديث من حيث معناه باطل عندي لأمور:

الأول: أن السبحة بدعة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدثت بعده صلى الله عليه وسلم، فكيف يعقل أن يحض عليه الصلاة والسلام أصحابه على أمر لا يعرفونه؟ ! والدليل على ما ذكرت ما روى ابن وضاح القرطبي في " البدع والنهي عنها " (ص 12) عن

 

(1/185)

 

 

الصلت بن بهرام قال: مر ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه، ثم مر برجل يسبح بحصا، فضربه برجله، ثم قال: لقد سبقتم! ركبتم بدعة ظلما! ولقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما! وسنده

إلى الصلت صحيح، وهو ثقة من أتباع التابعين، فالسند منقطع.

ثم روى عن أبان بن أبي عياش قال: سألت الحسن عن النظام (خيط ينظم فيه لؤلؤ وخرز ونحوهما) من الخرز والنوى ونحوذلك يسبح به؟ فقال: لم يفعل ذلك أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولا المهاجرات، ولكن سنده ضعيف جدا.

الثاني: أنه مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن عمرو: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه، رواه أبو داود (1 / 235) والترمذي (4 / 255) وحسنه، وابن حبان (2334 - موارد) والحاكم (1 /547) والبيهقي (2 / 352) وإسناده صحيح كما قال الذهبي، ثم خرجته في " صحيح أبي داود " (1346) .

ثم هو مخالف لأمره صلى الله عليه وسلم حيث قال لبعض النسوة: " عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، ولا تغفلن فتنسين التوحيد " وفي رواية: " الرحمة واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ومستنطقات "، وهو حديث حسن أخرجه أبو داود وغيره، وصححه الحاكم والذهبي، وحسنه النووي والعسقلاني، وله شاهد عن عائشة موقوف انظر " صحيح أبي داود " (1345) .

 

(1/186)

 

 

ولذلك ضعف الحديث جماعة كما ذكره الشيخ محمد خليل القاوقجى في " شوارق الأنوار الجليلة " (ق 113 / 1) .

ثم تبين لي فيما بعد أن السند أشد ضعفا مما ذكرنا، وأن آفته محمد بن هارون بن عيسى بن منصور الهاشمي، فإنه كان يضع الحديث كما يأتي، وقولي أولا هو محمد ابن هارون بن العباس.. إلخ وهم، سببه أنني ذهلت عن الترجمة التي بعد ابن العباس هذا في " تاريخ الخطيب " فقد قال: محمد بن هارون بن عيسى بن إبراهيم بن عيسى بن أبي جعفر المنصور، يكنى: أبا إسحاق، ويعرف بـ " ابن برية " ... وفي حديثه مناكير كثيرة، وقال الدارقطني: لا شيء، وقال ابن عساكر في " تاريخ دمشق ": يضع الحديث، ثم ساق له حديثا، ثم قال: هذا من موضوعاته، وكذلك اتهمه الخطيب، فقال عقب الحديث المشار إليه (7 / 403) : والهاشمي يعرف بابن برية، ذاهب الحديث، يتهم بالوضع، وإنما جزمت بأن هذا هو راوي الحديث، لأن السند فيه أنه محمد بن هارون بن عيسى، وليس فيه أنه محمد بن هارون بن العباس، فهما شخصان: اتفقا في اسمهما واسم أبيهما، واختلفا في اسم جدهما، فالأول اسم جده عيسى، والآخر اسم جده العباس وهذا مستور، والأول متهم كما عرفت، فانحصرت شبهة وضع الحديث فيه، وبرئت ذمة عبد الصمد ابن موسى منه على ضعفه وروايته المناكير، والفضل في تنبهي لهذه الحقيقة يعود إلى مقال لي قديم في الكلام على هذا الحديث، فالحمد لله على توفيقه.

 

(1/187)

 

 

هذا معنى ما كنت أوردته في ردي على " التعقب الحثيث " للشيخ الحبشي (ص 14 - 15) ، فإن قيل: قد جاء في بعض الأحاديث التسبيح بالحصى وأنه صلى الله عليه وسلم أقره، فلا فرق حينئذ بينه وبين التسبيح بالسبحة كما قال الشوكاني؟ قلت: هذا قد يسلم لو أن الأحاديث في ذلك صحيحة، وليس كذلك، فغاية ما روي في ذلك حديثان أوردهما السيوطي في رسالته المشار إليها، فلابد من ذكرهما، وبيان علتهما:

الأول: عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ فقال: " سبحان الله عدد ما خلق في السماء.. "، الحديث رواه أبو داود (1 / 235) والترمذي (4 / 277 - 278) وابن حبان (2330 - زوائده) والدورقي في " مسند سعد " (130 / 1) والمخلص في " الفوائد " (9 / 17 / 2) والحاكم (1 / 547 - 548) من طريق عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها، وقال الترمذي:

 

(1/188)

 

 

حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي فأخطأ، لأن خزيمة هذا مجهول، قال الذهبي نفسه في " الميزان ": خزيمة، لا يعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال وكذا قال الحافظ في " التقريب ": إنه لا يعرف، وسعيد بن أبي هلال مع ثقته حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، وكذلك وصفه بالاختلاط يحيى كما في " الفصل "

لابن حزم (2 / 95) ، ولعله مما يؤيد ذلك روايته لهذا الحديث، فإن بعض الرواة الثقات عنه لم يذكروا في إسناده خزيمة فصار الإسناد منقطعا ولذلك لم يذكر الحافظ المزي عائشة بنت سعد في شيوخ ابن أبي هلال فلا يخلوهذا الإسناد من علة الجهالة أو الانقطاع فأنى للحديث الصحة أو الحسن؟ ! .

وجهل ذلك أو تجاهله بعض من ألف في سنية السبحة! من أهل الأهواء من المعاصرين مقلدا في ذلك شيخه عبد الله الغماري الذي تجاهل هذه الحقائق، فأورد هذا الحديث في " كنزه " (103) ليتوصل منه إلى تجويز السبحة لمريديه! ثم إلى تجويز تعليقها على العنق كما يفعل بعض مشايخ الطرق، انظر الرد عليه في مقدمة المجلد الثالث من هذه السلسلة (ص 37) ترى العجب العجاب.

الآخر: عن صفية قالت:

 

(1/189)

 

 

دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فقال: " يا بنت حيي، ما هذا؟ "، قلت: أسبح بهن، قال: " قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا "، قلت: علمني يا رسول الله،

قال: " قولي: سبحان الله عدد ما خلق الله من شيء.. "، أخرجه الترمذي (4 /274) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (73 / 255 / 1) ، والحاكم (1 /547) من طريق هاشم بن سعيد عن كنانة مولى صفية عنها، وضعفه الترمذي بقوله:

هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف، وفي الباب عن ابن عباس، وأما الحاكم فقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي وهذا منه عجب، فإن هاشم بن سعيد هذا أورده هو في " الميزان " وقال: قال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن عدي: مقدار ما يرويه لا يتابع عليه، ولهذا قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف، وكنانة هذا مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان.

ثم استدركت فقلت: لكن قد روى عن كنانة جمع منهم زهير وحديج ابنا معاوية، ومحمد بن طلحة بن مصرف، وسعدان بن بشير الجهني، وكل هؤلاء الأربعة ثقات، يضم إليهم يزيد بن مغلس الباهلي، وثقه جماعة وضعفه آخرون فسبيل من

 

(1/190)

 

 

روى عنه هؤلاء أن يحشر في زمرة من قيل فيه: صدوق، كما حققته أخيرا في بحث مستفيض فريد في " تمام المنة " (ص 204 - 206) ، فلا تغتر ببعض الجهلة كالسقاف وغيره، وعليه فعلة الحديث هاشم فقط.

ومما يدل على ضعف هذين الحديثين أن القصة وردت عن ابن عباس بدون ذكر الحصى ولفظه قال: عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لووزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته "، أخرجه مسلم (8 / 83 - 84) والترمذي (4 / 274) وصححه والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (161 - 165) وابن ماجه (1 / 23) وأحمد (6 / 325 و429 - 430) ، فدل هذا الحديث الصحيح على أمرين:

الأول: أن صاحبة القصة هي جويرية، لا صفية كما في الحديث الثاني؟ .

الآخر: أن ذكر الحصى في القصة منكر، ويؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين رآهم يعدون بالحصى، وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق أحدها ولوكان ذلك مما أقره صلى الله عليه وسلم لما خفي على ابن مسعود إن شاء الله وقد تلقى هذا الإنكار منه بعض من تخرج من مدرسته ألا وهو إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه

 

(1/191)

 

 

الكوفي، فكان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسبيح التي يسبح بها! رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 89 / 2) بسند جيد.

قد يقول قائل: إن العد بالأصابع كما ورد في السنة لا يمكن أن يضبط به العدد إذا كان كثيرا، فالجواب: إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى وهي ذكر الله في عدد محصور كثير لم يأت به الشارع الحكيم، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى وهي السبحة! فإن أكثر ما جاء من العدد في السنة الصحيحة، فيما ثبت لدي إنما هو مئة، وهذا يمكن ضبطه بالأصابع بسهو لة لمن كان ذلك عادته.

وأما حديث: من قال في يوم مئتي مرة: " إله إلا الله وحده لا شريك له ... " الحديث، فالمراد: مئة إذا أصبح، ومئة إذا أمسى كما جاء مصرحا به في بعض الروايات الثابتة، وبيان ذلك في " الصحيحة " (2762) .

وأما ما رواه ابن أبي شيبة (2 / 391) عن وقاء عن سعيد بن جبير قال: رأى عمر بن الخطاب رجلا يسبح بتسابيح معه، فقال عمر: إنما يجزيه من ذلك أن يقول:

سبحان الله.... إلخ، فهو منكر لوجوه، منها الانقطاع بينه وبين سعيد، وضعف وقاء، وهو ابن إياس، وهو لين الحديث.

ولولم يكن في السبحة إلا سيئة واحدة وهي أنها قضت على سنة العد بالأصابع أو كادت، مع اتفاقهم على أنها أفضل، لكفى! فإني قلما أرى شيخا يعقد التسبيح بالأنامل! ثم إن الناس قد تفننوا في الابتداع بهذه البدعه، فترى بعض المنتمين لإحدى

 

(1/192)

 

 

الطرق يطوق عنقه بالسبحة! وبعضهم يعد بها وهو يحدثك أو يستمع لحديثك!

وآخر ما وقعت عيني عليه من ذلك منذ أيام أننى رأيت رجلا على دراجة عادية يسير بها في بعض الطرق المزدحمة بالناس وفي إحدى يديه سبحة! ! يتظاهرون للناس بأنهم لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين! وكثيرا ما تكون هذه البدعة سببا لإضاعة ما هو واجب، فقد اتفق لي مرارا - وكذا لغيري - أنني سلمت على أحدهم فرد علي السلام بالتلويح بها! دون أن يتلفظ بالسلام! ومفاسد هذه البدعة لا تحصى، فما أحسن ما قال الشاعر:

وكل خير في اتباع من سلف * * * وكل شر في ابتداع من خلف

ثم وقفت على حديث ثالث عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " كان يسبح بالحصا "، ولكن إسناده واه جدا، فيه من روى عن مالك أحاديث موضوعة، وسيأتي بيان ذلك برقم (1002) من هذه السلسلة إن شاء الله تعالى.

84 - " كلكم أفضل منه ".

ضعيف.

لم أجده في شيء من كتب السنة، وإنما أخرجه ابن قتيبة في " عيون الأخبار " (1/ 26) بسند ضعيف فقال: حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمر عن أبي إسحاق عن خالد الحذاء

 

(1/193)

 

 

عن أبي قلابة عن مسلم بن يسار أن رفقة من الأشعريين كانوا في سفر، فلما قدموا قالوا: يا رسول الله! ليس أحد بعد رسول الله أفضل من فلان، يصوم النهار، فإذا نزلنا قام يصلي حتى يرتحل! قال: " من كان يمهن له أو يعمل له؟ "، قالوا: نحن، قال: " كلكم أفضل منه؟ "، وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات، لكنه مرسل، فإن مسلم بن يسار هذا وهو البصري الأموي تابعي، ثم أنهم ذكروا في ترجمته أن أكثر روايته عن أبي الأشعث الصنعاني وأبي قلابة، وهذا الحديث من رواية أبي قلابة عنه، وقد كانت وفاتهما بعد المائة ببضع سنين ولكن أبا قلابة مدلس، قال الذهبي في ترجمته من " الميزان ": إمام شهير من علماء التابعين، ثقة في نفسه، إلا أنه مدلس عمن لحقهم وعمن لم يلحقهم، وكان له صحف يحدث منها ويدلس، ولهذا أورده الحافظ برهان الدين العجمي الحلبي في رسالته " التبيين لأسماء المدلسين " (ص 21) ، وكذا الحافظ ابن حجر في " طبقات المدلسين " (ص 5) وقال: وصفه بذلك الذهبي والعلائي، فلو أن الحديث سلم من الإرسال لما سلم من عنعنة أبي قلابة، فالحديث ضعيف على كل حال.

ثم رأيت الحديث في " مصنف عبد الرزاق " (20442) عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: ... فذكره نحوه، ولم يذكر فيه مسلم بن يسار، وهذا مرسل أيضا.

ويغني عنه حديث أنس قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم، ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلا في

 

(1/194)

 

 

يوم حار، أكثرنا ظلا صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام، فقام المفطرون،

فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذهب المفطرون اليوم بالأجر "، رواه البخاري (6 / 64) ومسلم (3 / 144) ، واللفظ له والنسائي في " الكبرى " (ق 20 / 1) .

85 - " يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولوحبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي - وفي رواية - إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبوا.. إلخ ".

منكر.

أخرجه ابن ماجه (518 - 519) والحاكم (4 / 463 - 464) من طريقين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان مرفوعا بالرواية الأولى، وأخرجه أحمد (5 / 277) عن علي بن زيد، والحاكم أيضا (4 / 502) من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء عن أبي قلابة به، لكن علي بن زيد وهو ابن جدعان لم يذكر أبا أسماء في إسناده، وهو من أوهامه، ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في كتاب " الأحاديث الواهية " (1445) مختصرا وابن حجر في " القول المسدد في الذب عن المسند " (ص 45) وقال: وعلي بن زيد فيه ضعف.

 

(1/195)

 

 

وبه أعله المناوي في " فيض القدير " فقال: نقل في " الميزان " عن أحمد وغيره تضعيفه، ثم قال الذهبي: أراه حديثا منكرا، وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " قال ابن حجر: ولم يصب إذ ليس فيهم متهم بالكذب، انتهى.

قلت: وفي هذا الكلام أخطاء يجب التنبيه عليها:

1 - إعلاله الحديث بابن جدعان يوهم أنه تفرد به، وليس كذلك، فقد تابعه خالد الحذاء عند الحاكم وابن ماجه كما تقدم وهو ثقة من رجال الصحيحين.

2 - أنه يوهم أن ابن الجوزي أورده من طريق ابن جدعان، وليس كذلك، فإنما أورده في " الموضوعات " (2 / 39) من طريق عمرو بن قيس عن الحسن عن أبي عبيدة عن عبد الله يعني ابن مسعود مرفوعا نحوالرواية الثانية عن ثوبان، ثم قال ابن الجوزي: لا أصل له، عمرو لا شيء، ولم يسمع من الحسن، ولا سمع الحسن من أبي عبيدة، قلت: ولا أبو عبيدة سمع من أبيه ابن مسعود، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 437) بحديث ابن ثوبان هذا، وقد قال في " الزوائد " (ق 249 / 2) : إسناده صحيح ورجاله ثقات، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي! مع أنه يقول في " الميزان ": أراه منكرا كما تقدم.

 

(1/196)

 

 

وهذا هو الصواب، وقد ذهل من صححه عن علته، وهي عنعنة أبي قلابة، فإنه من المدلسين كما تقدم نقله عن الذهبي وغيره في الحديث السابق ولعله لذلك ضعف الحديث ابن علية من طريق خالد كما حكاه عنه أحمد في " العلل " (1 / 356) وأقره، لكن الحديث صحيح المعنى، دون قوله: فإن فيها خليفة الله المهدي فقد أخرجه ابن

ماجه (2 / 517 ـ 518) من طريق علقمة عن ابن مسعود مرفوعا نحورواية ثوبان الثانية، وإسناده حسن بما قبله، فإن فيه يزيد بن أبي زياد وهو مختلف فيه فيصلح للاستشهاد به، وليس فيه أيضا ذكر خليفة الله ولا خراسان، وهذه الزيادة خليفة الله ليس لها طريق ثابت، ولا ما يصلح أن يكون شاهدا لها، فهي منكرة كما يفيده كلام الذهبي السابق، ومن نكارتها أنه لا يجوز في الشرع أن يقال: فلان خليفة الله، لما فيه من إيهام ما لا يليق بالله تعالى من النقص والعجز، وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقال في " الفتاوى " (2 / 461) : وقد ظن بعض القائلين الغالطين كابن عربي، أن الخليفة هو الخليفة عن الله، مثل نائب الله، والله تعالى لا يجوز له خليفة،

ولهذا قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله! فقال: لست بخليفة الله، ولكن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسبي ذلك بل هو سبحانه يكون خليفة لغيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في

 

(1/197)

 

 

سفرنا، واخلفنا في أهلنا "، وذلك لأن الله حي شهيد مهيمن قيوم رقيب حفيظ غني عن العالمين، ليس له شريك ولا ظهير، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، والخليفة إنما يكون عند عدم المستخلف بموت أو غيبة، ويكون لحاجة

المستخلف، وسمي خليفة، لأنه خلف عن الغزووهو قائم خلفه، وكل هذه المعاني منتفية في حق الله تعالى، وهو منزه عنها، فإنه حي قيوم شهيد لا يموت ولا يغيب ... ولا يجوز أن يكون أحد خلفا منه ولا يقوم مقامه، إنه لا سمي له ولا كفء، فمن جعل له خليفة فهو مشرك به.

86 - " الطاعون وخز إخوانكم من الجن ".

لا أصل له بهذا اللفظ.

وإن أورده ابن الأثير في مادة وخز من " النهاية " تبعا لغريبي الهروي، وإنما هو مركب من حديثين صحيحين كما يأتي بيانه وقال الحافظ في " الفتح " (10 / 147) : لم أره بهذا اللفظ بعد التتبع الطويل البالغ في شيء من طرق

الحديث المسندة، لا في الكتب المشهورة، ولا الأجزاء المنثورة، وقد عزاه بعضهم لـ " مسند أحمد " و" الطبراني " و" كتاب الطواعين " لابن أبي الدنيا، ولا وجود لذلك في واحد منها.

قلت: والحديث في مسند أحمد (4 / 395، 413، 417) وكذا الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 71) والحاكم أيضا (1 / 50) من طرق عن أبي موسى الأشعري مرفوعا بلفظ: " الطاعون وخز أعدائكم من الجن ".

 

(1/198)

 

 

وقال الحاكم:

صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

قلت: هو صحيح، أما على شرط مسلم، فلا، فإن فيه عند الحاكم وكذا أحمد في بعض طرقه أبا بلج واسمه يحيى بن سليم وهو ثقة، إلا أنه ليس من رجال مسلم، وله عند أحمد طريق أخرى بسند صحيح أيضا، وصححه الحافظ، فهذا هو المحفوظ في الحديث: وخز أعدائكم، وأما لفظ إخوانكم فإنما هو في حديث آخر، وهو قوله

صلى الله عليه وسلم: " فلا تستنجوا بهما يعني العظم والبقر فإنهما طعام إخوانكم من الجن "، رواه مسلم وغيره انظر " نيل الأو طار " فكأنه اختلط على بعضهم هذا بالأول.

قال السيوطي في " الحاوي ": وأما تسميتهم إخوانا في حديث العظم، فباعتبار الإيمان، فإن الأخوة في الدين لا تستلزم الاتحاد في الجنس، وقد أطال الكلام على طرق الحديث وبيان أنه لا أصل لهذه اللفظة " إخوانكم " في شيء من طرقه الحافظ ابن حجر في كتابه القيم " بذل الماعون في فضل الطاعون " (ق 26 / 1 - 28 / 2) .

87 - " إذا صعد الخطيب المنبر، فلا صلاة ولا كلام ".

باطل.

قد اشتهر بهذا اللفظ على الألسنة وعلق على المنابر ولا أصل له! وإنما رواه الطبراني في " الكبير " عن ابن عمرو مرفوعا بلفظ: " إذا دخل أحدكم المسجد والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام، حتى

 

(1/199)

 

 

يفرغ الإمام " وفيه أيوب بن نهيك، قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 259) : سمعت أبي يقول: هو ضعيف الحديث، سمعت أبا زرعة يقول: لا أحدث عن أيوب ابن نهيك، ولم يقرأ علينا حديثه وقال: وهو منكر الحديث، وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 184) : وهو متروك ضعفه جماعة ... ولهذا قال الحافظ في " الفتح " (2 / 327) : إنه حديث ضعيف، وأخرجه البيهقي في سننه (3 / 193) من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " خروج الإمام يوم الجمعة للصلاة يقطع الكلام "، وقال:

رفعه خطأ فاحش وإنما هو من كلام سعيد بن المسيب أو الزهري، وأقره الزيلعي في " نصب الراية " (2 / 201) ، وإنما حكمت على الحديث بالبطلان لأنه مع ضعف سنده يخالف حديثين صحيحين: الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين ". أخرجه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث جابر، وفي رواية أخرى عنه قال: جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له: " يا سليك! قم فاركع

 

(1/200)

 

 

ركعتين وتجوز فيهما "، ثم قال: " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما "، أخرجه مسلم (3 / 14 - 15) وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1023) .

الآخر: قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت " متفق عليه، وهو مخرج في " الإرواء " (619) .

فالحديث الأول صريح بتأكد أداء الركعتين بعد خروج الإمام، بينما حديث الباب ينهي عنهما! فمن الجهل البالغ أن ينهي بعض الخطباء عنهما من أراد أن يصليهما وقد دخل والإمام يخطب خلافا لأمره صلى الله عليه وسلم، وإني لأخشى على مثله أن يدخل في وعيد قوله تعالى: {أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى} وقوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} ولهذا قال النووي رحمه الله: هذا نص لا يتطرق إليه التأويل، ولا أظن عالما يبلغه ويعتقده صحيحا فيخالفه.

والحديث الآخر يدل بمفهو م قوله: والإمام يخطب أن الكلام والإمام لا يخطب لا مانع منه، ويؤيده جريان العمل عليه في عهد عمر رضي الله عنه، كما قال ثعلبة بن أبي مالك:

 

(1/201)

 

 

إنهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر حتى يسكت المؤذن، فإذا قام عمر على المنبر لم يتكلم أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما، أخرجه مالك في " موطئه " (1 / 126) والطحاوي (1 / 217) والسياق له، وابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 201) وإسناد الأولين صحيح.

فثبت بهذا أن كلام الإمام هو الذي يقطع الكلام، لا مجرد صعوده على المنبر، وأن خروجه عليه لا يمنع من تحية المسجد، فظهر بطلان حديث الباب، والله تعالى هو الهادي للصواب.

88 - " الزرع للزارع، وإن كان غاصبا ".

باطل لا أصل له.

قال الصنعاني في " سبل السلام " (3 / 60) : لم يخرجه أحد، قال في " المنار ": وقد بحثت عنه فلم أجده، والشارح نقله وبيض لمخرجه، وقال الشوكاني في " نيل الأو طار " (5 / 272) : ولم أقف عليه فلينظر فيه.

قلت: نظرت فيه فلم أعثر عليه، بل وجدته مخالفا للأحاديث الثابتة في الباب:

الأول: " من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق ".

أخرجه أبو داود (2 / 50) بسند صحيح عن سعيد بن زيد رضي الله عنه، وحسنه الترمذي (2 / 229) وهو مخرج في " الإرواء " (1550) ، قال في النهاية:

 

(1/202)

 

 

وليس لعرق ظالم حق، هو أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسا غصبا ليستوجب به الأرض، والرواية لعرق بالتنوين، وهو على حذف المضاف، أي: لذي عرق ظالم، فجعل العرق نفسه ظالما، والحق لصاحبه، أو يكون الظالم من صفة صاحب العرق، وإن روي عرق بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق والحق

للعرق، وهو أحد عروق الشجرة.

قلت: فظاهر الحديث يدل على أنه ليس له حق في الأرض، ويحتمل أنه حق مطلقا لا في الأرض ولا في الزرع، ويؤيده الحديث التالي، وهو.

الثاني: " من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وترد عليه نفقته "، أخرجه أبو داود (2 / 23) والترمذي (2 / 291) وابن ماجه (2 /90) والطحاوي في " المشكل " (3 / 280) والبيهقي (6 / 136) وأحمد (4 /141) من حديث رافع بن خديج، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، والعمل عليه عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن، قال الصنعاني: وله شواهد تقويه.

قلت: وقد خرجتها مع الحديث، وبينت صحته في " إرواء الغليل " (1519) فليراجعه من شاء.

 

(1/203)

 

 

89 - " صاحب الشيء أحق بحمله إلا أن يكون ضعيفا يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم ".

موضوع.

رواه ابن الأعرابي في " معجمه " (235 / 1 - 2) وابن بشران في " الأمالي " (2 / 53 - 54) والحافظ محمد بن ناصر في " التنبيه " (16 / 1 - 2) من طريق يوسف بن زياد البصري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم السوق، فقعد إلى

البزازين، فاشترى سراويل بأربعة دراهم، قال: وكان لأهل السوق رجل يزن بينهم الدراهم يقال له: فلان الوزان، قال: فدعي ليزن ثمن السراويل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " اتزن وأرجح "، فقال الوزان: إن هذا القول ما سمعته من أحد من الناس، فمن أنت؟ قال أبوهريرة: فقلت: حسبك من الرهق والجفاء في

دينك ألا تعرف نبيك؟ فقال: أهذا نبي الله؟ وألقى الميزان ووثب إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجذبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " مه إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها، وإني لست بملك، إنما أنا رجل منكم " ثم جلس فاتزن الدراهم وأرجح كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرفنا تناولت السراويل من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحملها عنه فمنعني وقال: الحديث، قال.. قلت: يا رسول الله أو إنك لتلبس السراويل؟ قال: " نعم بالليل والنهار، وفي السفر والحضر "، قال يوسف: وشككت أنا في قوله: ومع أهلي، " فإني أمرت بالستر فلم أجد ثوبا أستر من السراويل ".

قلت: وهذا إسناد واه بمرة، يوسف هذا قال البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 388) : منكر الحديث، وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 /47) من طريق ابن عدي عن يوسف هذا، ثم قال:

 

(1/204)

 

 

لا يصح، قال الدارقطني في " الأفراد ": الحمل فيه على يوسف بن زياد لأنه مشهور بالأباطيل، ولم يروه عن

الإفريقي غيره، وقال المناوي في " الفيض ": قال الحافظ العراقي وابن حجر:

ضعيف، وقال السخاوي: ضعيف جدا، بل بالغ ابن الجوزي فحكم بوضعه، وقال:

فيه يوسف بن زياد عن عبد الرحمن الإفريقي، ولم يروه عنه غيره ورده المؤلف يعني السيوطي أنه لم يتفرد به يوسف، فقد خرجه البيهقي في " الشعب " و" الأدب " من طريق حفص بن عبد الرحمن، ويرد بأن عبد الرحمن يعني الإفريقي قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، فهو كاف بالحكم بوضعه.

قلت: والحق مع ابن الجوزي لما سيأتي، وما ذكره المناوي عن السيوطي من متابعة حفص بن عبد الرحمن، لعله تحريف، فالذي رأيته في " التعقبات على الموضوعات " للسيوطي (ص 32 - 33) جعفر بن عبد الرحمن بن زياد، ولا آمن على نسخة " التعقبات " وكذا " الفيض " التحريف، وعلى كل حال لم أعرف ابن عبد الرحمن هذا والله أعلم، وكلام ابن الجوزي السابق نقله السيوطي في " اللآليء " (2 / 263) وارتضاه لأنه لم يتعقبه بشيء، لكنه قال: أخرجه الطبراني، وقال في " الحاوي " (2 / 101) بعد أن عزاه للطبراني وأبي يعلى:

ويوسف وشيخه ضعيفان، وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 121 - 122) :

 

(1/205)

 

 

رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط "، وفيه يوسف بن زياد البصري وهو ضعيف.

قلت: فذهل عن كونه شديد الضعف وعن علته الأخرى، وهي ضعف الإفريقي، ويوسف هذا ترجمه الخطيب في " تاريخه " (14 / 295 - 296) وروى عن النسائي أنه قال: ليس بثقة، وعن البخاري والساجي: منكر الحديث وكذا قال أبو حاتم كما في " الجرح والتعديل " (4 / 222) ، فهو متهم، ثم رأيت السخاوي قد أورد الحديث في " الفتاوى الحديثية " (ق 86 / 1) وقال: سنده ضعيف جدا، واقتصر شيخنا في " فتح الباري " على ضعف رواته، ولشدة ضعفه جزم بعض العلماء بأنه صلى الله عليه وسلم لم يلبس السراويل.

90 - " عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم، وعليكم بلباس الصوف تجدوا قلة الأكل، وعليكم بلباس الصوف تعرفون به في الآخرة، وإن لباس الصوف يورث القلب التفكر، والتفكر يورث الحكمة، والحكمة تجري في الجوف مجرى الدم فمن كثر تفكره قل طعمه، وكل لسانه، ورق قلبه، ومن قل تفكره كثر طعمه، وعظم بدنه، وقسا قلبه، والقلب القاسي بعيد من الجنة، قريب من النار ".

موضوع.

رواه أبو بكر بن النقور في " الفوائد " (1 / 147 - 148) وابن بشران في " الأمالي " (2 / 9 / 1) والديلمي في " مسند الفردوس " (2 / 281) ،

 

(1/206)

 

 

وابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 48) من طريق الخطيب عن محمد بن يونس الكديمي، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي التمار حدثنا إسماعيل بن عياش عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة مرفوعا به، ثم قال ابن النقور: غريب، تفرد به عبد الله بن داود الواسطي التمار وفيه نظر، وعنه الكديمى، وقال ابن الجوزي: لا يصح، الكديمي يضع، وشيخه لا يحتج به.

وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 264) إلا أنه بين أن في الحديث إدراجا فقال: قلت: قال البيهقي في شعب الإيمان: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ (هو الحاكم صاحب المستدرك) أنبأنا أبو بكر الفقيه، أنبأنا محمد بن يونس - قلت:

فساق إسناده مثلما تقدم مقتصرا من المتن على قوله: " عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان " - قال البيهقي: وأنبأنا أبو عبد الرحمن - قلت: فساق إسناده إلى الكديمي مثله، وزاد في الحديث متنا منكرا، فضربت عليه وهو قوله:

" عليكم بلباس الصوف تجدون قلة الأكل إلخ ... " الحديث، ويشبه أن يكون من كلام بعض الرواة فألحق بالحديث، والله أعلم.

وفي العبارة تشويش يوضحها ما في " فيض القدير ":

 

(1/207)

 

 

قال البيهقي: وهذه زيادة منكرة، ويشبه كونها من كلام..، ثم وجدت العبارة قد نقلها السيوطي في " المدرج إلى المدرج " (64 / 2) علي الصواب، فقال ما نصه: أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان "، وقال: إن المرفوع منه " عليكم بلباس الصوف تجدون حلاوة الإيمان في قلوبكم " فقط، والباقي زيادة منكرة، قال: ويشبه ... قلت: وهذا هو مستند السيوطي في اقتصاره في " الجامع الصغير " على الشطر الأول من الحديث عازيا له للحاكم والبيهقي، وماذا يفيده هذا ما دام المزيد عليه، كالمزيد كلاهما من طريق محمد بن يونس الوضاع؟ ! وقال ابن حبان: لعله وضع أكثر من ألفي حديث!

ثم رأيته في " المستدرك " (1 / 28) من هذا الوجه مقتصرا على الجملة الأولى منه أورده شاهدا، وقال الذهبي: طريق ضعيف.

لكن أخرجه الديلمي أيضا من طريق عبد الرحمن بن محمد المروزي حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا أخي محمد عن إسماعيل بن عياش به نحوه.

قلت: والمروزي هذا الظاهر أنه ابن حبيب الحبيبي المروزي، قال في " اللسان " قال الدارقطني: يحدث بنسخ وأحاديث مناكير، وأحمد بن عبد الله أظنه الجويباري الكذاب المشهور، وأخوه محمد أرى أنه الذي في " اللسان ": محمد بن عبد الله الجويباري عن مالك، قال الخطيب: مجهول.

 

(1/208)

 

 

91 - " لأن أحلف بالله وأكذب، أحب إلي من أن أحلف بغير الله وأصدق "

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 267) وفي " أخبار أصبهان " (2 / 181) من طريق محمد بن معاوية حدثنا عمر بن علي المقدمي، حدثنا مسعر عن وبرة عن همام عن ابن مسعود مرفوعا، وقال أبو نعيم في " الأخبار ": ورواه الناس موقوفا، وقال في " الحلية ": تفرد به محمد بن معاوية.

قلت: وهو النيسابوري كذبه الدارقطني، وقال ابن معين: كذاب، والمعروف كما ذكر أبو نعيم أن الحديث من قول ابن مسعود. كذلك رواه الطبراني في " الكبير " (3 / 17 / 2) بسند صحيح، ورجاله رجال الصحيح كما في " المجمع " (4 / 177) .

 

(1/209)

 

 

92 - " ثلاث من كن فيه نشر الله عليه كنفه وأدخله الجنة: رفق بالضعيف، والشفقة على الوالدين، والإحسان إلى المملوك ".

موضوع.

أخرجه الترمذي (3 / 316) من طريق عبد الله بن إبراهيم الغفاري المديني، حدثني أبي عن أبي بكر بن المنكدر عن جابر مرفوعا، وقال الترمذي: هذا حديث غريب.

قلت: عبد الله بن إبراهيم نسبه ابن حبان إلى أنه يضع الحديث، وقال

 

(1/209)

 

 

الحاكم:

روى عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة لا يرويها غيره.

قلت: وأبوه مجهول كما في " التقريب " فالحديث بهذا الإسناد موضوع، وقد أورده المنذري في " الترغيب " (2 / 49) مشيرا لضعفه بزيادة: " وثلاث من كن فيه أظله الله عز وجل تحت عرشه يوم لا ظل إلا ظله: الوضوء في المكاره، والمشي إلى المساجد في الظلم، وإطعام الجائع "، وقال: رواه الترمذي بالثلاث الأول فقط، وقال: حديث غريب، ورواه أبو الشيخ في " الثواب " وأبو القاسم الأصبهاني بتمامه.

93 - " يصف الناس يوم القيامة صفوفا، فيمر الرجل من أهل النار على الرجل فيقول:

يا فلان أما تذكر يوم استسقيت، فسقيتك شربة؟ قال: فيشفع له، ويمر الرجل فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهورا؟ فيشفع له، ويمر الرجل فيقول: يا فلان أما تذكر يوم بعثتني في حاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (2 / 394) من طريق يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا، ويزيد هذا هو ابن أبان وهو ضعيف كما قال الحافظ وغيره، وقد روى غيره نحو هذا عن أنس، ولا يصح منها شيء، انظر " الترغيب " (2 / 50 - 51) .

 

(1/210)

 

 

94 - " عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة، عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان ".

ضعيف.

رواه أبو يعلى في " مسنده " (ق 126 / 2) واللالكائي في " السنة " (1 / 202 / 1) من طريق مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس، قال حماد: ولا أعلمه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

قال المنذري (1 / 196) وتبعه الهيثمي (1 / 48) : وإسناده حسن.

قلت: وفيما قالاه نظر، فإن عمرا هذا لم يوثقه غير ابن حبان (7 / 228، 8 /487) ، وهو متساهل في التوثيق حتى أنه ليوثق المجهولين عند الأئمة النقاد كما سبق التنبيه على ذلك مرارا، فالقلب لا يطمئن لما تفرد بتوثيقه، ولا سيما أنه قد قال هو نفسه في مالك هذا: يعتبر حديثه من غير رواية ابنه يحيى عنه، يخطيء ويغرب، فإذا كان من شأنه أن يخطيء ويأتي بالغرائب، فالأحرى به أن لا يحتج بحديثه إلا إذا توبع عليه لكي نأمن خطأه، فأما إذا تفرد بالحديث كما هنا - فاللائق به الضعف.

وأيضا فإن مؤمل بن إسماعيل صدوق كثير الخطأ كما قال أبو حاتم وغيره.

 

(1/211)

 

 

ويغلب على الظن أن الحديث إن كان له أصل عن ابن عباس رضي الله عنه فهو موقوف عليه، فقد تردد حماد بن زيد بعض الشيء في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، نعم جزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم سعيد بن زيد أخوحماد، لكن سعيد هذا ليس بحجة كما قال السعدي، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي، ثم إن ظاهر

الحديث مخالف للحديث المتفق على صحته: " بني الإسلام على خمس ... " الحديث، وذلك من وجهين:

الأول: أن هذا جعل أسس الإسلام خمسة، وذاك صيرها ثلاثة.

الآخر: أن هذا لم يقطع بكفر من ترك شيئا من الأسس، بينما ذاك يقول: من ترك واحدة منهن فهو كافر، وفي رواية سعيد بن حماد: فهو بالله كافر ولا أعتقد أن أحدا من العلماء المعتبرين يكفر من ترك صوم رمضان مثلا غير مستحل له خلافا لما يفيده ظاهر الحديث، فهذا دليل عملي من الأمة على ضعف هذا الحديث والله أعلم.

ومما لا شك فيه أن التساهل بأداء ركن واحد من هذه الأركان الأربعة العملية مما يعرض فاعل ذلك للوقوع في الكفر كما أشار إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

" بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة "، رواه مسلم وغيره.

 

(1/212)

 

 

فيخشى على من تهاون بالصلاة أن يموت على الكفر والعياذ بالله تعالى، لكن ليس في هذا الحديث الصحيح ولا في غيره القطع بتكفير تارك الصلاة وكذا تارك الصيام مع الإيمان بهما بل هذا مما تفرد به هذا الحديث الضعيف، والله أعلم.

وأما الركن الأول من هذه الأركان الخمسة " شهادة أن لا إله إلا الله " فبدونها لا ينفع شيء من الأعمال الصالحة، وكذلك إذا قالها ولم يفهم حقيقة معناها، أو فهم، ولكنه أخل به عمليا كالاستغاثة بغير الله تعالى عند الشدائد ونحوها من الشركيات.

95 - " التائب حبيب الله ".

لا أصل له بهذا اللفظ.

وقد أورده الغزالي في " الإحياء " (4 / 434) جازما بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم! وقال الشيخ تاج الدين السبكي في " الطبقات " (4 / 14 - 170) : لم أجد له إسنادا، ونحوه الحديث الآتي:

 

(1/213)

 

 

96 - " إن الله يحب العبد المؤمن المفتن التواب ".

موضوع.

أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد " المسند " (رقم 605، 810) ومن طريقه أبو نعيم في " الحلية " (3 /178 - 179) عن أبي عبد الله مسلمة الرازي عن أبي عمرو البجلي عن عبد الملك بن سفيان الثقفي عن أبي جعفر محمد بن علي عن محمد بن الحنفية عن أبيه مرفوعا، وهذا إسناد موضوع: أبو عبد الله مسلمة الرازي لم أجد له ترجمة، ولم يورده الحافظ بن حجر في " تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة " مع أنه على شرطه،

 

(1/213)

 

 

وقد فاته من مثله تراجم كثيرة، وأبو عمرو البجلي، قال الذهبي في " الميزان " ثم الحافظ في " التعجيل ":

يقال: اسمه عبيدة، حدث عنه حرمي بن حفص، قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به وقد جزم الحافظ في " الكنى " من " لسان الميزان " (6 / 419) بأنه هو عبيدة ابن عبد الرحمن، ويؤيده أن الذهبي ثم العسقلاني أورداه في " الأسماء " هكذا عبيدة بن عبد الرحمن أبو عمرو البجلي، ذكره ابن حبان فقال: روى عن يحيى بن سعيد، حدث عنه حرمي بن حفص، يروي الموضوعات عن الثقات روى عن يحيى عن سعيد بن المسيب عن أبي أيوب قال: أخذت من لحية النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال:

" لا يصيبك السوء أبا العرب ".

قلت: وقد أورده ابن أبي حاتم فيمن اسمه عبيدة بالفتح (3 / 1 / 92) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وفي هذا تنبيه على أنه لا ينبغي أن يحمل سكوت ابن أبي حاتم عن الرجل على أنه ثقة كما جرى عليه بعض المحدثين المعاصرين وبعض مدعي العلم، فإنك ترى هذا الرجل قد سكت عنه ويبعد جدا أن يكون عنده ثقة مع قول ابن حبان فيه ما تقدم فتأمل، بل إن ابن أبي حاتم رحمه الله قد نص في أول كتابه (1 / 1 / 38) على أن الرواة الذين أهملهم من الجرح والتعديل إنما هو لأنه لم يقف فيهم على شيء من ذلك، فأوردهم رجاء أن يقف فيهم على الجرح والتعديل فيلحقه بهم، وعبد الملك بن سفيان الثقفي قال الحسينى:

مجهول وأقره الحافظ في " التعجيل ".

 

(1/214)

 

 

والحديث في " مجمع الزوائد " (10 / 200) وقال: رواه عبد الله وأبو يعلى وفيه من لم أعرفه، وعزاه إليهما شيخه العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 5) وقال: سنده ضعيف، ثم رأيته في " مفتاح المعاني " (67 / 1) من طريق الواقدي: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل عن عبد الله بن أبي سفيان عن يزيد بن ركانة عن محمد بن الحنفية به، لكن الواقدي كذاب، فالحديث موضوع وإن ذكره في " الجامع " من طريق الأولى.

97 - " إن الله يحب الشاب التائب ".

ضعيف.

قال العراقي في " التخريج " (4 / 4 - 5) : رواه ابن أبي الدنيا في " التوبة " وأبو الشيخ في كتاب " الثواب " من حديث أنس بسند ضعيف.

 

(1/215)

 

 

98 - " إن الله يحب الشاب الذي يفني شبابه في طاعة الله عز وجل ".

موضوع.

رواه أبو نعيم (5 / 360) وعنه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 2 / 247) من طريق محمد بن الفضل بن عطية عن سالم الأفطس عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله مرفوعا، وهذا إسناد موضوع: محمد بن الفضل كذاب وقد تقدم، هذه هي علة الحديث.

 

(1/215)

 

 

ثم إني أخشى أن يكون منقطعا بين عمر بن عبد العزيز وابن عمر، فقد كانت سن عمر يوم وفاة ابن عمر نحوثلاثة عشر سنة.

99 - " إن الله يحب الناسك النظيف ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " تاريخه " (10 / 11 - 12) من طريق عبد الله بن إبراهيم الغفاري عن المنكدر بن محمد عن أبيه محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا، وهذا سند موضوع: الغفاري متهم بالوضع، والمنكدر لين الحديث كما قال الحافظ في " التقريب "، وهذا الحديث والذي قبله من موضوعات " الجامع الصغير "! .

 

(1/216)

 

 

100 - " حسنات الأبرار سيئات المقربين ".

باطل لا أصل له.

وقد أورده الغزالي في " الإحياء " (4 / 44) بلفظ: قال القائل الصادق: " حسنات الأبرار.. "، قال السبكي (4 / 145 - 171) : ينظر إن كان حديثا، فإن المصنف قال: قال القائل الصادق، فينظر من أراد.

قلت: الظاهر أن الغزالي لم يذكره حديثا، ولذلك لم يخرجه الحافظ العراقي في " تخريج أحاديث الإحياء " وإنما أشار الغزالي إلى أنه من قول أبي سعيد الخراز الصوفي، وقد أخرجه عنه ابن الجوزي في " صفوة الصفوة " (2 / 130 / 1) وكذا ابن عساكر في ترجمته كما في " الكشف " (1 / 357) قال: وعده بعضهم حديثا وليس كذلك.

 

(1/216)

 

 

قلت: وممن عده حديثا، الشيخ أبو الفضل محمد بن محمد الشافعي فإنه قال في كتابه " الظل المورود " (ق 12 / 1) : فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:

فذكره، ولا يشفع له أنه صدره بصيغة التمريض - إن كانت مقصودة منه لأن ذلك إنما يفيد فيما كان له أصل ولوضعيف، وأما فيما لا أصل له - كهذا - فلا.

قلت: ثم إن معنى هذا القول غير صحيح عندي، لأن الحسنة لا يمكن أن تصير سيئة أبدا مهما كانت منزلة من أتى بها، وإنما تختلف الأعمال باختلاف مرتبة الآتين بها إذا كانت من الأمور الجائزة التي لا توصف بحسن أو قبح، مثل الكذبات الثلاث التي أتى بها إبراهيم عليه السلام، فإنها جائزة لأنها كانت في سبيل الإصلاح، ومع ذلك فقد اعتبرها إبراهيم عليه السلام سيئة، واعتذر بسببها عن أن يكون أهلا لأن يشفع في الناس صلى الله عليه وعلى نبينا وسائر إخوانهما أجمعين وأما اعتبار الحسنة التي هي قربة إلى الله تعالى سيئة بالنظر إلى أن الذي صدرت منه من المقربين، فمما لا يكاد يعقل، ثم وقفت على كلام مطول في هذا الحديث لشيخ الإسلام ابن تيمية قال فيه: هذا ليس محفوظا عمن قوله حجة، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من سلف الأمة وأئمتها وإنما هو كلام لبعض الناس وله معنى صحيح وقد يحمل على معنى فاسد، ثم أفاض في بيان ذلك فمن شاء الإطلاع عليه فليراجعه في رسالته في التوبة (ص 251 - ص 255) من " جامع الرسائل " تحقيق صديقنا الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله تعالى.

 

(1/217)

 

 

101 - " أما إني لا أنسى، ولكن أنسى لأشرع ".

باطل لا أصل له.

وقد أورده بهذا اللفظ الغزالي في " الإحياء " (4 / 38) مجزوما بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم فقال العراقي في " تخريجه ": ذكره مالك بلاغا بغير إسناد، وقال ابن عبد البر: لا يوجد في " الموطأ " إلا مرسلا لا إسناد له، وكذا قال حمزة الكناني: إنه لم يرد من غير طريق مالك، وقال أبو طاهر الأنماطي: وقد طال بحثي عنه وسؤالي عنه للأئمة والحفاظ فلم أظفر به ولا سمعت عن أحد أنه ظفر به، قال: وادعى بعض طلبة الحديث أنه وقع له مسندا.

قلت: فالعجب من ابن عبد البر كيف يورد الحديث في " التمهيد " جازما بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غير موضع منه، فانظر (1 / 100 و5 / 108 و10 / 184) ؟ ! .

قلت: الحديث في " الموطأ " (1 / 161) عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لأنسى أو أنسى لأسن ".

فقول المعلق على " زاد المعاد " (1 / 286) ، وإسناده منقطع ليس بصحيح بداهة لأنه كما ترى بلاغ لا إسناد له، ولذلك قال الحافظ فيما نقل الزرقاني في " شرح الموطأ " (1 / 205) : لا أصل له.

وظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لا ينسى بباعث البشرية وإنما ينسيه الله ليشرع، وعلى هذا فهو مخالف لما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من حديث ابن مسعود مرفوعا: " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني "، ولا ينافي هذا أن يترتب على نسيانه صلى الله عليه وسلم حكم وفوائد من البيان والتعليم، والقصد أنه لا يجوز نفي النسيان الذي هو من طبيعة البشر عنه صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث الباطل! لمعارضته لهذا الحديث الصحيح.

 

(1/218)

 

 

102 - " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهو ا ".

لا أصل له.

أورده الغزالي (4 / 20) مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم! فقال الحافظ العراقي وتبعه السبكي (4 / 170 - 171) : لم أجده مرفوعا، وإنما يعزي إلى علي بن أبي طالب، ونحوه في " الكشف " (2 / 312) .

 

(1/219)

 

 

103 - " جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة ".

لا أصل له.

أورده الغزالي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم! فقال مخرجه العراقي (4 /31) وتبعه السبكي (4 / 171) : لم أجده مرفوعا، قال العراقي: وهو من قول عون بن عبد الله رواه ابن أبي الدنيا في التوبة.

 

(1/219)

 

 

104 - " من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (270 / 14) من طريق علي بن الحسين بن حبان قال: وجدت في كتاب أبي - بخط يده - قال أبو زكريا (يعني ابن معين) يعقوب بن محمد الزهري صدوق، ولكن لا يبالي عمن حدث، حدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا به، قال ابن معين: هذا كذب وباطل لا يحدث بهذا أحد يعقل، وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 157) من طريق الخطيب ثم قال ابن الجوزي:

 

(1/219)

 

 

يعقوب، قال أحمد بن حنبل: لا يساوي شيئا.

وتعقبه السيوطي (2 / 76) بنقول أوردها، فيها توثيق ليعقوب هذا، ثم لم يكشف القناع عن علة هذا الحديث الباطل وهي الانقطاع، فقد قال الذهبي في ترجمة يعقوب: وأخطأ من قال: إنه روى عن هشام بن عروة، لم يلحقه ولا كأنه ولد إلا بعد موت هشام، ثم قال: وأردأ ما روى: عن رجل عن هشام عن أبيه عن عائشة مرفوعا هذا الحديث.

قلت: ولعل هذا الرجل الذي لم يسم هو عبد الله بن محمد بن زاذان المدني وهو هالك كما يأتي، فقد أخرج الحديث ابن عدي ومن طريقه السهمي في " تاريخ جرجان " (282) وكذا الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (33 / 2) من طريق عبد الله هذا عن أبيه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا به، أورده ابن الجوزي من هذا الوجه أيضا وأعله بقوله: قال ابن عدي: عبد الله بن محمد بن زاذان له أحاديث غير محفوظة، وقال الذهبي في " الميزان ": هالك ثم ساق له هذا الحديث من طريق ابن عدي، قال الذهبي: هذا كذب، وأقره الحافظ في " اللسان ".

وللحديث طريق أخرى رواه الخطيب أيضا (1 / 258) من طريق إسماعيل بن محمد الطلحي عن سليم يعني المكي عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن أبي

 

(1/220)

 

 

هريرة مرفوعا به وأعله ابن الجوزي بقوله: لا يصح، طلحة، وسليم، والطلحي متروك.

فتعقبه السيوطي (2 / 85) بقوله: قلت: الطلحي روى عنه ابن ماجه ووثقه مطين وذكره ابن حبان في الثقات.

قلت: كأن السيوطي يشير بهذا إلى أن علة الحديث ممن فوق الطلحي هذا، وهو الصواب، فإن سليما هذا هو ابن مسلم الخشاب، قال النسائي: متروك الحديث، وقال أحمد: لا يساوي حديثه شيئا، وطلحة بن عمرو قال النسائي: متروك الحديث وقد أنكر عليه عبد الرحمن بن مهدي أحاديث حدث بها الناس على مصطبة فقال:

أستغفر الله العظيم وأتوب إليه منها! فقال له: اقعد على مصطبة وأخبر الناس فقال: أخبروهم عني! ثم قال السيوطي:

 

(1/221)

 

 

وقد سرق هذا الحديث أبو الحسن محمد بن أحمد بن سهل الباهلي فرواه عن وهب بن بقية عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبيه عن عائشة، أخرجه ابن عدي (318 / 1) وقال: الزهري لم يروعن أبيه حرفا والحديث باطل، والحمل فيه على أبي الحسن هذا فإنه كان ممن يضع الحديث إسنادا ومتنا، ويسرق من حديث الضعاف ويلزقها على قوم ثقات.

تنبيه: أورد هذا الحديث الشيخ العجلوني في " الكشف " (2 / 277) ولم يتكلم عليه بشيء هو ولا من نقله عنه وهو ابن حجر الهيتمي! وهذا مما يدل على أن الشيخ العجلوني ليس من النقاد وإلا كيف يخفى عليه حال هذا الحديث الباطل.

وقد قال الشيخ علي القاري في هذا الحديث (ص 85) : لا يصح، يعني أنه موضوع.

ونقل (ص 109) عن ابن القيم أن من علامات الحديث الموضوع أن يكون باطلا في نفسه فيدل بطلانه على أنه ليس من كلامه عليه الصلاة والسلام، ثم ساق أحاديث هذا منها، وقال: فإن اللعنة لا تقوم مقام الصدقة أبدا.

105 - " من وافق من أخيه شهو ة غفر الله له ".

موضوع.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (436، 437) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 66) من طريق نصر بن نجيح الباهلي قال حدثنا عمر أبو حفص عن زياد النميري عن أنس بن مالك عن أبي الدرداء مرفوعا، قال العقيلي:

 

(1/222)

 

 

ونصر وعمر مجهولان بالنقل، والحديث غير محفوظ، ومن طريق العقيلي أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 171) وقال: موضوع، عمر متروك، وأقره الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 11) وأما السيوطي فتعقبه في " اللآليء " (2 /87) بقوله: قلت: أخرجه البزار والطبراني وقال: أبو حفص لم يكن بالقوي.

قلت: هذا القول فيه تساهل كثير فالرجل شديد الضعف حتى قال ابن خراش: كذاب يضع الحديث، ثم ذكر له السيوطي شاهدا وهو الحديث الآتي، وفيه متهم كما يأتي فلا قيمة لهذا التعقيب!.

106 - " من أطعم أخاه المسلم شهو ته حرمه الله النار ".

موضوع.

أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " بإسناده إلى محمد بن عبد السلام حدثنا عبد الله بن مخلد بن خالد التميمي صاحب أبي عبيد حدثنا عبد الله بن المبارك عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا به، وقال البيهقي: هو بهذا الإسناد منكر.

قلت: وعلته محمد بن عبد السلام وهو ابن النعمان، وقال ابن عدي: كان ممن يستحل الكذب.

قلت: وهذا الحديث ذكره السيوطي في " اللآليء " (2 / 87) شاهدا للحديث الذي قبله، وقد تبين أنه موضوع أيضا، وكلا الحديثين أوردهما في " الجامع الصغير "! .

 

(1/223)

 

 

107 - " من لذذ أخاه بما يشتهي كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحى عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة وأطعمه الله من ثلاث جنات: جنة الفردوس، وجنة عدن، وجنة الخلد ".

موضوع.

أورده الغزالي في " الإحياء " (2 / 11) جازما بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم! وقال السبكي في " الطبقات ": إنه لم يجد له إسنادا، وأما العراقي فقال في " تخريج الإحياء ": وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية محمد ابن نعيم عن أبي الزبير عن جابر، وقال أحمد بن حنبل: هذا باطل كذب، وكذا في " الميزان " و" اللسان ".

قلت: لكن ابن الجوزي إنما أورد الحديث (2 / 172) إلى قوله: (ألف ألف حسنة) دون باقيه، وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 87) ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (262 / 2) وأورده موفق الدين بن قدامة في " المنتخب " (10 / 196 / 1) ونقل عن أحمد أنه قال: هذا كذب هذا باطل.

 

(1/224)

 

 

108 - " كان يأكل العنب خرطا ".

موضوع.

رواه ابن عدي في " الكامل " (280 / 1) ، ومن طريق البيهقي في " الشعب " (2/ 201 / 1) بسنده عن سليمان بن الربيع عن كادح بن رحمة حدثنا حصين بن نمير عن حسين بن قيس عن عكرمة عن ابن عباس عن العباس مرفوعا، وقال ابن عدي:

 

(1/224)

 

 

وكادح عامة ما يرويه غير محفوظ ولا يتابع عليه في أسانيده ولا في متونه، ومن طريق ابن عدي أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 287) وقال: حسين ليس بشيء وكادح كذاب، وسليمان ضعفه الدارقطني، ثم ساقه البيهقي وابن الجوزي من طريق العقيلي بسنده عن داود بن عبد الجبار أبي سليمان الكوفي حدثنا الجارود عن حبيب بن يسار عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل العنب خرطا، قال العقيلي (2 / 34) : لا أصل له، وداود ليس بثقة ولا يتابع عليه.

قلت: ومن طريقه رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (110 / 1) والطبراني في " الكبير " (3 / 174 / 2) وبه تعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 211) بقوله: قلت: أخرجه الطبراني من هذا الطريق وأخرجه البيهقي في " الشعب " من الطريقين ثم قال: ليس فيه إسناد قوي، واقتصر العراقي في " تخريج الإحياء " على تضعيفه.

قلت: وهذا تعقيب لا طائل تحته، فإن تضعيف العراقي والبيهقي إجمالي لا تفصيل فيه وإعلال الذين قبلهما مفصل، فهو يقضي على المجمل، وداود المذكور قال فيه ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة: يكذب، فمثله لا يصلح شاهدا لحديث كادح الكذاب.

ولهذا أقر الذهبي ثم العسقلاني العقيلي على قوله: لا أصل له، فإيراد السيوطي لحديث ابن عباس في " الجامع الصغير " مما لا يتفق مع شرطه! .

 

(1/225)

 

 

109 - " عمل الأبرار من الرجال من أمتي الخياطة، وعمل الأبرار من أمتي من النساء المغزل ".

موضوع.

رواه ابن عدي (153 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 303) وابن عساكر (15 / 261 / 1) عن أبي داود النخعي سليمان بن عمرو عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا، وقال ابن عدي:

هذا مما وضعه سليمان بن عمرو على أبي حازم، وعزاه السيوطي في " الجامع الصغير " لرواية تمام والخطيب وابن عساكر عن سهل بن سعد وهو في " تاريخ بغداد " (9 / 15) من طريق أبي داود النخعي هذه، وقال المناوي في شرحه على " الجامع الصغير ": وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه وأقره، والأمر بخلافه، بل قدح في سنده فتعقبه بأن أبا داود النخعي أحد رواته كذاب وضاع دجال، وبسط ذلك بما يجيء منه أنه أكذب الناس، وجزم الذهبي في " الضعفاء " بأنه كذاب دجال، وفي " الميزان " عن أحمد: كان يضع الحديث، وعن يحيى: كان أكذب الناس، ثم سرد له أحاديث هذا منها، ووافقه في " اللسان " وحكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف إلا بإيراد حديث تمام وقال: موسى متروك، ولم يزد على ذلك.

قلت: ذكر السيوطي هذا في " اللآليء " (2 / 154) وكذا في " الفتاوى " له (2 / 107) من رواية تمام بإسناده عن موسى بن إبراهيم المروزي حدثنا مالك بن أنس عن أبي حازم به، وموسى بن إبراهيم المروزي قد كذبه يحيى فلا يفرح بمتابعته، ولهذا أورد الحديث ابن عراق في الفصل الأول من المعاملات من كتابه " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " (294 / 2) ، وهذا الفصل قد نص في مقدمة الكتاب أنه يورد فيه ما حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يخالف فيه.

 

(1/226)

 

 

وقد قال الذهبي في هذا الحديث: قبح الله من وضعه! ذكره في ترجمة أبي داود هذا الكذاب، ومن أحاديثه:

110 - " لوخشع قلب هذا خشعت جوارحه ".

موضوع.

عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " لرواية الحكيم عن أبي هريرة.

قلت: وصرح الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على " تفسير البيضاوى " (202 /2) بأن سنده ضعيف، وهو أشد من ذلك فقد قال الشارح المناوي: رواه في " النوادر " عن صالح بن محمد عن سليمان بن عمرو عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته وهو في الصلاة، فذكره، قال الزين العراقي في " شرح الترمذي ": وسليمان بن عمرو هو أبو داود النخعي متفق على ضعفه، وإنما يعرف هذا عن ابن المسيب، وقال في " المغني " (1 / 151) : سنده ضعيف، والمعروف أنه من قول سعيد، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، وفيه رجل لم يسم، وقال ولده: فيه سليمان بن عمرو مجمع على ضعفه، وقال الزيلعي: قال ابن عدي أجمعوا على أنه يضع الحديث.

 

(1/227)

 

 

قلت: رواه موقوفا على سعيد عبد الله بن المبارك في " الزهد " (213 / 1) :

أنا معمر عن رجل عنه به وهذا سند ضعيف لجهالة الرجل.

وصرح عبد الرزاق في " المصنف " (2 / 226) باسمه فقال: ... عن أبان ... وهو ضعيف أيضا.

قلت: فالحديث موضوع مرفوعا، ضعيف موقوفا بل مقطوعا، ثم وجدت للموقوف طريقا آخر فقال أحمد في " مسائل ابنه صالح " (ص 83) : حدثنا سعيد بن خثيم قال حدثنا محمد بن خالد عن سعيد بن جبير قال: نظر سعيد إلى رجل وهو قائم يصلي. . إلخ.

قلت: وهذا إسناد جيد، يشهد لما تقدم عن العراقي أن الحديث معروف عن ابن المسيب.

111 - " كذب النسابون، قال الله تعالى: وقرونا بين ذلك كثيرا ".

موضوع.

أورده السيوطي في " الجامع " من رواية ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس وأورده فيما بعد بلفظ: " كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبته معد بن عدنان بن أد ثم يمسك ويقول: كذب النسابون ... " وقال: رواه ابن سعد عن ابن عباس.

وسكت عليه شارحه المناوي في الموضعين، وكأنه لم يطلع على سنده، وإلا لما جاز له ذلك، وقد أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 1 / 28) قال: أخبرنا هشام قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس مرفوعا بتمامه.

 

(1/228)

 

 

قلت: وهشام هذا هو ابن محمد بن السائب الكلبي النسابة المفسر وهو متروك كما قال الدارقطني وغيره وولده محمد بن السائب شر منه قال الجوزجاني وغيره:

كذاب، وقد اعترف هو نفسه بأنه يكذب، فروى البخاري بسند صحيح عن سفيان الثوري قال: قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب! .

قلت: كذا في " الميزان " وفيه سقط أو اختصار يمنع نسبة الاعتراف بالكذب إلى الكلبي، كما سيأتي بيانه في الحديث (5449) .

وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به؟ ! ، ومن هذه الطريق أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 197 / 1، 198 / 2) من مخطوطة ظاهرية دمشق.

112 - " الجراد نثرة حوت في البحر ".

موضوع.

أخرجه ابن ماجه (2 / 292) من طريق زياد بن عبد الله بن علاثة عن موسى بن محمد ابن إبراهيم عن أبيه عن جابر وأنس:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال: " اللهم أهلك كباره واقتل صغاره،

 

(1/229)

 

 

وأفسد بيضه واقطع دابره، وخذ بأفواهها عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء "، فقال رجل: يا رسول الله كيف تدعوعلى جند من أجناد الله بقطع دابره؟ فقال: " إن الجراد.. ".

قلت: وهذا سند ضعيف جدا موسى بن محمد هذا هو التيمي المدني وهو منكر الحديث كما قال النسائي وغيره وقد ساق له الذهبي من مناكيره هذا الحديث، وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 14) من رواية موسى هذا، ثم قال: لا يصح، موسى متروك وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 333) فلم يتعقبه بشيء إلا

قوله: قلت: أخرجه ابن ماجه، ومع هذا فقد أورده في " الجامع الصغير "! ، ثم رأيت ابن قتيبة أخرجه في " غريب الحديث " (3 / 114) من رواية أبي خالد الواسطي عن رجل عن ابن عباس موقوفا عليه، وهذا مع أنه موقوف وهو به أشبه فإن سنده واه جدا، لأن أبا خالد هذا وهو عمرو بن خالد متروك ورماه وكيع بالكذب.

قلت: ويشبه أن يكون هذا الحديث من الإسرائيليات.

113 - " اتقوا مواضع التهم ".

لا أصل له.

أورده الغزالي في " الإحياء " (3 / 31) وقال مخرجه الحافظ العراقي، لم أجد له أصلا.

 

(1/230)

 

 

وكذا قال السبكي في " الطبقات " (4 / 162) ، وقد روي موقوفا نحوه فانظر " شرح الإحياء " للزبيدي (7 / 283) .

114 - " من ربى صبيا حتى يقول: لا إله إلا الله لم يحاسبه الله عز وجل ".

موضوع.

أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 75) وابن عدي (162 / 2) وابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (10 / 163 / 2) من طريق أبي عمير عبد الكبير ابن محمد بن عبد الله من ولد أنس عن سليمان الشاذكوني حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا.

قلت: وهذا سند موضوع عبد الكريم هذا وشيخه الشاذكوني كلاهما متهم بالكذب وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 178) من طريق ابن عدي بسنده عن عبد الكبير به وقال: لا يصح، قال ابن عدي: لعل البلاء فيه من أبي عمير، قال: وقد رواه إبراهيم بن البراء عن الشاذكوني، وإبراهيم حدث بالبواطيل، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 90 / 91) بقوله: قلت: أخرجه الطبراني في " الأوسط " عن عبد الكبير به، وله طريق آخر.

قلت: ثم ساقه من رواية الخلعي بسنده إلى أبي على الحسن بن علي بن الحسن السريرى الأعسم حدثني أشعث بن محمد الكلاعي حدثنا عيسى بن يونس به ثم قال:

وأشعث في الأصل: أشعب في الموضعين وهو خطأ ضعيف.

قلت: وهذا تعقب لا طائل تحته فإن أشعث هذا لا يعرف إلا في هذا السند ومن أجله أورده في " الميزان " ثم قال:

 

(1/231)

 

 

أتى بخبر موضوع يشير إلى هذا، وأقره الحافظ في " اللسان "، وفي ترجمة إبراهيم بن البراء من " الميزان ": قال

العقيلي: يحدث عن الثقات بالبواطيل، وقال ابن حبان: يحدث عن الثقات بالموضوعات، لا يجوز ذكره إلا على سبيل القدح فيه، ثم قال: هو الذي روى عن الشاذكوني عن الدراوردي كذا عن هشام عن أبيه عن عائشة مرفوعا: " من ربي صبيا حتى يتشهد وجبت له الجنة "، وهذا باطل.

قال الذهبي: قلت: أحسب أن إبراهيم بن البراء هذا الراوي عن الشاذكوني آخر صغير، وقال الحافظ في " اللسان ": إبراهيم بن البراء عن سليمان الشاذكوني بخبر باطل عن الدراوردي ... الظاهر أنه غير الأول، والشاذكوني هالك، وأما ابن حبان فجعلهما واحدا.

قلت: فقد اتفقت كلمات هؤلاء الحفاظ ابن حبان وابن عدي والذهبي والعسقلاني على أن هذا الحديث باطل، وجعلوا بطلانه دليلا على اتهام كل من رواه من الضعفاء والمجهولين، بعكس ما صنع السيوطي من محاولته تقوية الحديث بوروده من الطريق الأخرى التي فيها أشعث الذي أشار الذهبي إلى اتهامه بهذا الحديث فتأمل الفرق بين من ينقد ومن يجمع! .

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني وابن عدي وتعقبه شارحه المناوي بمختصر ما ذكرناه عن الذهبي والعسقلاني من أنه حديث باطل ثم تناقض المناوي فاقتصر في " التيسير " على تضعيف إسناده! .

 

(1/232)

 

 

115 - " أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة، ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم ".

موضوع.

أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 19 - 20) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 57) وابن عدي في " الكامل " (40 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 96) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (ص 156 رقم 482) والبيهقي في " الشعب " (2 / 211 / 1) من طريق بزيع أبي الخليل: حدثنا هشام بن عروة عن

أبيه عن عائشة مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع، قال العقيلي: بزيع لا يتابع عليه، وقال ابن عدي بعد أن ساق له أحاديث أخرى: وهذه الأحاديث مناكير كلها لا يتابعه عليها أحد، وقال البيهقي: هذا منكر تفرد به بزيع وكان ضعيفا.

وقال الذهبي في " الميزان ": متهم، قال ابن حبان: يأتي عن الثقات بأشياء موضوعات كأنه المتعمد لها، روى عن هشام عن أبيه عن عائشة هذا الحديث وفي " اللسان ": قال البرقاني عن الدارقطني: متروك.

قلت: له عن هشام عجائب، قال: هي بواطيل، ثم قال: كل شيء له باطل.

وقال الحاكم: يروي أحاديث موضوعة، ويرويها عن الثقات، والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 69) من هذا الوجه

 

(1/233)

 

 

برواية ابن عدي ومن روايته أيضا (37 / 2) من طريق أصرم بن حوشب حدثنا عبد الله بن إبراهيم الشيباني عن

هشام بن عروة به، وقال ابن الجوزي: موضوع، بزيع متروك وأصرم كذاب، قال ابن عدي: هو معروف ببزيع، فلعل أصرم سرقه منه، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (3 / 254) بقوله: أخرجه من الطريق الأول الطبراني في " الأوسط " وابن السني في " عمل اليوم والليلة " وأبو نعيم في " الطب " والبيهقي في " الشعب " وقال: تفرد به بزيع وكان ضعيفا، وأخرجه من الطريق الثاني ابن السني في " الطب " واقتصر العراقي في " تخريج الإحياء " على تضعيفه، قال المناوي في " شرح الجامع ":

وأنت خبير بأن هذا التعقب أو هى من بيت العنكبوت وصدق رحمه الله.

واعلم أن أسعد الناس بهذا الحديث المكذوب هم أولئك الأكلة الرقصة الذين يملؤون بطونهم بمختلف الطعام والشراب، ثم يقومون آخذا بعضهم بيد بعض يذكرون الله تعالى - زعموا - يميلون يمنة ويسرة وأماما وخلفا، وينشدون الأشعار الجميلة بالأصوات المطربة حتى يذوب ما في بطونهم؟ ومع ذلك فهم يحسبون أنهم يحسنون

صنعا! وصدق من قال:

متى علم الناس في ديننا * * * بأن الغنا سنة تتبع

وأن يأكل المرء أكل الحما * * * ر ويرقص في الجمع حتى يقع

وقالوا: سكرنا بحب الإلـ * * * ــه وما أسكر القوم إلا القصع

 

(1/234)

 

 

كذاك البهائم إن أشبعت * * * يرقصها ريها والشبع

فيا للعقول ويا للنهى * * * ألا منكر منكم للبدع

تهان مساجدنا بالسماع * * * وتكرم عن مثل ذاك البيع

116 - " تعشوا ولوبكف من حشف، فإن ترك العشاء مهرمة ".

ضعيف جدا.

أخرجه الترمذي (3 / 100) والقضاعي (63 / 1) من طريق عنبسة بن عبد الرحمن القرشي عن عبد الملك بن علاق عن أنس مرفوعا، وقال الترمذي:

هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه عنبسة يضعف في الحديث، وعبد الملك ابن علاق مجهول.

قلت: وعنبسة هذا، قال أبو حاتم: كان يضع الحديث كما في " الميزان " للذهبي وساق له أحاديث هذا أحدها، والحديث رواه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 214 - 215) والخطيب (3 / 396) من طريق عنبسة بن عبد الرحمن عن مسلم كذا عن أنس به.

وقال أبو محمد بن أبي حاتم في " العلل " (2 / 11) : قرأ علينا أبو زرعة كتاب الأطعمة فانتهى إلى حديث كان حدثهم قديما إسماعيل بن أبان الوراق عن عنبسة بن عبد الرحمن عن علاق بن مسلم كذا عن أنس بن مالك به، قال أبو زرعة: ضعيف، ولم يقرأ علينا.

ثم رأيته في " الكامل " لابن عدي (232 / 2) رواه على وجه آخر من طريق عبد الرحمن بن مسهر البغدادي عن عنبسة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن ابن أنس بن مالك عن أبيه مرفوعا وقال:

 

(1/235)

 

 

ابن مسهر هذا مقدار ما يرويه لا يتابع عليه وهذا الحديث لعله لم يؤت من قبله، وإنما أتي من قبل عنبسة لأنه ضعيف، والحديث عن موسى غير محفوظ.

قلت: فتبين من الروايات أن عنبسة كان يضطرب في إسناده، فمرة يقول:

عبد الملك بن علاق ومرة مسلم ولا ينسبه، وأخرى علاق بن مسلم وتارة عن موسى بن عقبة عن ابن أنس وهذا ضعف آخر في الحديث وهو الاضطراب في سنده.

وأورده الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 12) ومن قبله ابن الجوزي (3 / 36) وذكره من طريق الترمذي ونقل كلامه عليه ولم يزد فتعقبه السيوطي (2 / 255) بقوله: قلت: ورد من حديث جابر، قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن عبد الله الرقي حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن عبد الله بن باباه المخزومي حدثنا عبد الله بن ميمون عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تدعوا العشاء ولوبكف من تمر فإن تركه يهرم "، ووجدت لحديث أنس طريقا آخر قال ابن النجار في تاريخه ".

قلت: ثم ساق إسناده من طريق أبي الهيثم القرشي عن موسى بن عقبة عن أنس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد لا يفرح به! قال الذهبي في " الميزان ": أبو الهيثم القرشي عن موسى بن عقبة، قال أبو الفتح الأزدي: كذاب، وكذا في " اللسان "، وأما حديث جابر فهو عند ابن ماجه (2 / 322) بالسند المذكور وهو ضعيف جدا إبراهيم ابن عبد السلام أحد المتروكين كما في " تهذيب التهذيب "

 

(1/236)

 

 

وفي " الميزان ": ضعفه ابن عدي وقال عندي أنه يسرق الحديث، وعبد الله بن ميمون إن كان هو القداح فهو متروك، وإن كان غيره فهو مجهول، وقد رجح الأول الحافظ ابن حجر في " التقريب " ورجح الآخر المزي في " التهذيب " قال: لأن القداح لم يدرك ابن المنكدر إن كان إبراهيم بن عبد السلام في روايته عنه صادقا! .

117 - " من أحب أن يكثر الله خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع ".

منكر.

رواه ابن ماجه (3260) وأبو الشيخ في " كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه " (ص 235) وابن عدي في " الكامل " (ق 275 / 1) وابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (10 / 153 / 2) من طرق عن كثير بن سليم عن أنس مرفوعا.

أورده ابن عدي في ترجمة كثير هذا، وقال بعد أن ساق له أحاديث أخرى عن أنس:

وهذه الروايات عن أنس عامتها غير محفوظة.

قلت: وقد اتفقوا على تضعيف كثير هذا، بل قال فيه النسائي: متروك وقد أعله البوصيري في " الزوائد " بعلة أخرى فقال: جبارة وكثير ضعيفان، وفاته أن جبارة لم يتفرد به، فقد توبع عليه كما أشرنا إليه، بقولنا:

 

(1/237)

 

 

من طرق، وفي " العلل " لابن أبي حاتم (2 / 11) قال أبو زرعة: هذا حديث منكر، وامتنع عن

قراءته فلم يسمع منه.

والمشهور في هذا الباب - على ضعفه! - الحديث الآتي رقم (168) ، " بركة الطعام الوضوء قبله وبعده "، فراجعه.

118 - " لا تنتفعوا من الميتة بشيء ".

ضعيف.

رواه ابن وهب في مسنده عن زمعة بن صالح عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا، وزمعة فيه مقال، كذا في " نصب الراية " (1 / 122) .

قلت: ومن طريق ابن وهب أخرجه الطحاوى في " شرح معاني الآثار " (1 / 271) بهذا السند عن جابر قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه ناس فقالوا: يا رسول الله إن سفينة لنا انكسرت، وإنا وجدنا ناقة سمينة ميتة فأردنا أن ندهن بها سفينتنا وإنما هي عود وهي على الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وهذا إسناد ضعيف وله علتان:

الأولى: زمعة هذا قال الحافظ في " التقريب " وفي " التلخيص " (1 / 297) :

ضعيف.

الأخرى: عنعنة أبي الزبير فإنه كان مدلسا.

ومما سبق تعلم أن قول الشيخ سليمان حفيد محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله

 

(1/238)

 

 

في حاشيته على " المقنع " (1 / 20) :

رواه الدارقطني بإسناد جيد، غير جيد، على أنني في شك كبير من عزو هـ للدارقطني فإني لم أره في " سننه "، وهو المراد عند إطلاق العزو إليه ولم أجد من عزاه إليه غير الشيخ هذا، وابن الجوزي لما أورده في " التحقيق " (15 / 1) لم يعزه لأحد مطلقا بل قال: رواه أصحابنا من حديث جابر، ولوكان عند الدارقطني لعزاه إليه كما هي عادته، وإنما عزاه الموفق بن قدامة في " المغني " (1 / 67) لأبي بكر الشافعي بإسناده عن أبي الزبير عن جابر، قال: وإسناده حسن.

وقال الحافظ في " التلخيص " (1 / 297) بعد أن ذكره من طريق زمعة: رواه أبو بكر الشافعي في " فوائده " من طريق أخرى، قال الشيخ الموفق: إسناده حسن.

قلت: قد علمت مما نقلته عن الموفق أنه من طريق أبي الزبير أيضا عن جابر وعلمت علته مما بينا، فالإسناد ضعيف على كل حال، وقد راجعت فوائد أبي بكر الشافعي رواية ابن غيلان عنه، فلم أجد الحديث فيه، لكن في النسخة نقص هو الجزء الأول وأو راق من أجزاء أخرى، كما راجعت من حديثه أجزاء أخرى فلم أعثر عليه والله أعلم.

وإنما صح الحديث بلفظ: " لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب "، وفي ثبوته خلاف كبير بين العلماء، لكن الراجح عندنا صحته كما حققناه في كتابنا " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " (رقم 38) .

 

(1/239)

 

 

والفرق بينه وبين هذا الحديث الضعيف واضح، وهو أنه خاص بالإهاب (وهو الجلد قبل الدبغ) والعصب فلا يصح الانتفاع بهما إلا بعد دبغهما لقوله صلى الله عليه وسلم: " كل إهاب دبغ فقد طهر "، وهذا عام يشمل الشعر والصوف والعظم والقرن ونحوذلك، وليس هناك ما يدل على عدم الانتفاع بها إلا هذا الحديث الضعيف، ولا تقوم به حجة والأصل الإباحة، فلا ينقل منها إلا بنقل صحيح وهو معدوم.

(تنبيه) : كنت قد أعللت الحديث بضعف زمعة بن صالح وعنعنة أبي الزبير وبأنه مخالف للحديث الصحيح المخرج في " الإرواء " ثم وجدت تصريح أبي الزبير بالسماع في مطبوعة جديدة قيمة من آثار السلف ووجدت له شاهدا قويا من حديث عبد الله بن عكيم بهذا اللفظ كنت خرجته في " الإرواء " فأعدت النظر في إسناده فتأكدت من

صحته فأخرجته مع حديث أبي الزبير في " الصحيحة " (3133) .

(تنبيه) : كان هنا بهذا الرقم حديث " يا نساء المؤمنات عليكن بالتهليل والتكبير، ولا تغفلن فتنسين الرحمة " الحديث، ثم وجدت له شاهدا موقوفا على عائشة له حكم المرفوع فبدا لي أنه لا يليق إيراده هنا مع هذا الشاهد وقد ذكرته في رسالة " الرد على التعقب الحثيث " وليت الذين يردون علينا يفيدوننا مثل هذه الفائدة حتى نبادر إلى الرجوع إلى الصواب، مع الاعتراف لهم بالشكر والفضل، والمعصوم من عصمه الله عز وجل.

119 - " عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله بهلاك القرى ".

موضوع.

رواه ابن ماجه (2 / 48) وأبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (176 / 1 / 2) وعنه ابن عساكر (12 / 238 / 1) من طريق عثمان بن عبد الرحمن زاد ابن الأعرابي: الحراني، حدثنا علي بن عروة عن المقبري عن أبي

 

(1/240)

 

 

هريرة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم، وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج وقال: فذكره، قال السندي في " حاشيته على ابن ماجه ": وفي " الزوائد ": في إسناده علي بن عروة تركوه، وقال ابن حبان: يضع الحديث وعثمان بن عبد الرحمن مجهول، والمتن ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال الذهبي في " الميزان ": وكذبه صالح جزرة وغيره لأنه روى هذا الحديث.

قلت: وقول البوصيري في " الزوائد ": إن عثمان بن عبد الرحمن مجهول، ليس كذلك، بل هو معروف وهو الحراني كما صرح به ابن الأعرابي في روايته، وقد قال الحافظ في ترجمته من " التقريب ": صدوق أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، وضعف بسبب ذلك حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب، وقد وثقه ابن معين.

قلت: وابن الجوزي أورده (2 / 304) من طريق ابن عدي (5 / 1851) بسنده إلى علي بن عروة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا به دون قوله " عند اتخاذ ... " ثم رواه ابن الجوزي من طريق العقيلي بسنده إلى غياث بن إبراهيم عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس به، ثم قال: لا يصح، علي بن عروة وغياث يضعان الحديث! وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 227) بقوله، قلت: له طريق آخر، ثم ساق طريق ابن ماجه المذكور الذي فيه علي بن عروة الوضاع! ، ولذلك صرح ابن عراق (325 / 1) بضعف هذا التعقب.

 

(1/241)

 

 

والحديث في " الضعفاء " للعقيلى (351) مثل رواية ابن عدي وقال: غياث قال ابن معين: كذاب ليس بثقة

ولا مأمون وقال البخاري: تركوه، وقد تابعه من هو دونه أو مثله.

120 - " يا حميراء من أعطى نارا فكأنما تصدق بجميع ما نضجت تلك النار، ومن أعطى ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طيب ذلك الملح، ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة، ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث لا يوجد، فكأنما أحياها ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (2 / 92) من طريق علي بن غراب عن زهير بن مرزوق عن على بن زيد ابن جدعان عن سعيد بن المسيب عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: " الماء والملح والنار "، قالت: قلت: يا رسول الله هذا الماء قد عرفناه فما بال الملح والنار؟ قال: " يا حميراء ... " وهذا سند ضعيف، علي بن غراب مدلس، وقد عنعنه، وزهير بن مرزوق قال ابن معين: لا أعرفه، وقال البخاري: منكر الحديث، مجهول، وساق له الذهبي هذا الحديث، وعلي بن زيد بن جدعان فيه ضعف، والحديث رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق ابن زهير هذا كما في " المجمع " (3 / 133) .

 

(1/242)

 

 

وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 170) الشطر الثاني منه من طريق أخرى عن عائشة وقال: قال ابن عدي: موضوع آفته أحمد بن محمد بن علي بن الحسين بن شفيق، فتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 85) بطريق ابن ماجه هذه وليس فيها أحمد هذا وأورده من حديث أنس وأعله بصالح بن بيان، قال الدارقطني: متروك وأقره السيوطي.

قلت: وقد وجدت للحديث طريقا ثالثا أخرجه الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 153) من طريق عبيد بن واقد عن عرضي بن زياد السدوسي عن شيخ من عبد قيس عن عائشة مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف أيضا، عبيد ضعيف وعرضي بن زياد لم أجد من ترجمه، وشيخه مجهول لم يسم.

121 - " قل ما يوجد في آخر الزمان درهم من حلال، أو أخ يوثق به ".

ضعيف جدا أو موضوع.

أخرجه أبو نعيم (4 / 94) من طريق محمد بن سعيد الحراني حدثنا أبو فروة الرهاوي حدثنا أبي حدثنا محمد بن أيوب الرقى عن ميمون بن مهران عن ابن عمر مرفوعا.

 

(1/243)

 

 

قلت: وهذا سند ضعيف جدا محمد بن سعيد الحراني قال النسائي: لا أدري ما هو وأبو فروة الرهاوي اسمه يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان بن يزيد، ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 2 / 288) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأبوه محمد بن يزيد قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 128) : سألت أبي عنه؟ فقال: ليس بالمتين، هو أشد غفلة من أبيه مع أنه كان رجلا صالحا لم يكن من أحلاس الحديث، صدوق، وكان يرجع إلى ستر وصلاح، وكان النفيلي يرضاه، وقال البخاري: يروي عن أبيه مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي، ومحمد بن أيوب الرقي، قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 197) : سألت أبي عنه؟ فقال: ضعيف الحديث.

قلت: وبهذا ترجمه الذهبي في " الميزان "، ثم قال عقبه: محمد بن أيوب الرقي آخر، عن مالك بخبر باطل، وعنه زهير بن عباد، ثم أعاده بعد خمس تراجم فقال:

محمد بن أيوب عن مالك بن أنس، قال ابن حبان: يضع الحديث، ثم ساق ابن حبان له خبرا باطلا في فضل أو يس، وقال الحافظ في " اللسان " عقب هذه الترجمة:

 

(1/244)

 

 

محمد ابن أيوب الرقي عن ميمون بن مهران وعنه محمد بن يزيد بن سنان، قال أبو حاتم ضعيف الحديث، وفرق النباتي بينه وبين الراوي عن مالك، والذي يظهر لي أنهما واحد.

122 - " نهى عن الغناء، والاستماع إلى الغناء، ونهى عن الغيبة، وعن الاستماع إلى الغيبة، وعن النميمة، وعن الاستماع إلى النميمة ".

ضعيف جدا.

أخرجه الخطيب في " تاريخه " (8 / 226) والطبراني في " الكبير " و" الأوسط " مفرقا كما في " المجمع " (8 / 91) وأبو نعيم (4 / 93) دون ذكر الغناء، كلهم من طريق فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر مرفوعا.

قلت: والفرات هذا قال النسائي والدارقطني: متروك، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أحمد: هو قريب من محمد بن الطحان في ميمون يتهم بما يتهم به ذاك.

قلت: والطحان هذا هو ابن زياد اليشكري وقد كذبه أحمد وغيره، وقد تقدم

 

(1/245)

 

 

له بعض الأحاديث فانظر الأحاديث (16 - 19) ، وعليه فالفرات هذا متهم عند أحمد.

والحديث عزاه العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 127) للطبراني ثم قال:

وهو ضعيف، وقال الهيثمي: وفيه فرات بن السائب وهو متروك، وفي تحريم النميمة والغيبة أحاديث صحيحة تغني عن هذا الحديث الضعيف فراجع إن شئت " الترغيب " (3 / 296 - 303) .

وأما الغناء فليس كله حراما بل ما كان منه في وصف الخدود والخصور والخمور ونحوذلك فحرام قطعا، وما خلا من ذلك فالإكثار منه مكروه، وأما آلات الطرب فهي محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ".. الحديث، أخرجه البخاري تعليقا ووصله أبو داود (2 / 174) وغيره بسند صحيح، وقد ضعفه ابن حزم بدون حجة، ولي رسالة في الرد عليه، أسأل الله تيسير نشرها، ثم نشرت الحديث وتكلمت على تضعيف ابن حزم له، وبينت صحته في " سلسلة الأحاديث " فراجعها برقم (91) .

123 - " إن الله يسأل عن صحبة ساعة ".

اشتهر هكذا على الألسنة ولا أعرفه بهذا اللفظ.

وهو بمعنى الحديث الآتي وهو:

 

(1/246)

 

 

124 - " ما من صاحب يصحب صاحبا ولوساعة من نهار إلا سئل عن صحبته هل أقام فيها

حق الله أم أضاعه؟ ".

موضوع.

أورده الغزالي في " الإحياء " (2 / 154) جازما بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم بلفظ: " إنه دخل غيضة مع بعض أصحابه فاجتنى منه سواكين أحدهما معوج والآخر مستقيم فدفع المستقيم إلى صاحبه فقال له: يا رسول الله كنت والله أحق بالمستقيم مني فقال: ... " فذكره، قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء ":لم أقف له على أصل، وذكر نحوه السبكي في " الطبقات " (4 / 156) .

وأقول: قد وجدت له أصلا ولكنه موضوع لأنه من رواية أحمد بن محمد بن عمر بن يونس اليمامي، قال ابن أبي حاتم في ترجمته (1 / 1 / 71) : سألت أبي عنه فقال: قدم علينا، وكان كذابا، وكتبت عنه، ولا أحدث عنه، فقال الذهبي في ترجمته من " الميزان ": روى عن عمر بن يونس - يعني جده - عن أبيه سمع حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل غيضة فاجتنى سواكين أحدهما مستقيم، قلت: فذكر الحديث بتمامه إلا أنه قال: " إنه ليس من صاحب يصاحب صاحبا ولوساعة إلا سأله الله عن مصاحبته إياه ".

قلت: أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 143 - 144) ، ورواه الطبري (5 / 53) عن فلان عن الثقة عنده مرفوعا نحوه، وهذا مرسل ضعيف.

 

(1/247)

 

 

125 - " سوء الخلق ذنب لا يغفر، وسوء الظن خطيئة تفوح ".

باطل لا أصل له.

وقد أورده الغزالي (3 / 45) جازما بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم وإذا جاز أن يخفى عليه بطلانه من الناحية الحديثية فلست أدري كيف خفي

 

(1/247)

 

 

عليه بطلانه من الناحية الفقهية؟! فإن الحديث معارض تمام المعارضة لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ، ولعل في هذا عبرة لمن يتساهلون برواية الأحاديث ونسبتها إليه صلى الله عليه وسلم دون أن يتثبتوا من صحتها على طريقة المحدثين جزاهم الله عن المسلمين خيرا.

وهذا الحديث أورده السبكي في " الطبقات " (4 / 162) في فصل الأحاديث التي لم يجد لها إسنادا مما وقع في كتاب " الإحياء "، وأما الحافظ العراقي فإنه استشهد له في تخريجه إياه بالحديث الآتي وهو:

126 - " ما من شيء إلا له توبة، إلا صاحب سوء الخلق، فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شر منه ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 114) والأصبهاني في " الترغيب " (151 / 1) من طريق عمرو بن جميع عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة مرفوعا.

وقال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا عمرو، ولا يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد.

قلت: وهو موضوع، فإن عمرا هذا قال النقاش: أحاديثه موضوعة وكذبه يحيى بن معين وقال ابن عدي: كان يتهم بالوضع، ومنه تعلم أن قول الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 45) بعد أن عزاه

 

(1/248)

 

 

للطبراني: وإسناده ضعيف، قصور إلا أن يلاحظ أن الموضوع من أنواع الضعيف كما هو مقرر في المصطلح.

وقال الحافظ الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 25) : رواه الطبراني في " الصغير "، وفيه عمرو بن جميع وهو كذاب.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " برواية أبي الفتح الصابوني في " الأربعين " عن عائشة ويعترض عليه من وجهين.

الأول: إيراده فيه مع أنه ليس على شرطه لتفرد الكذاب به!

الآخر: اقتصاره في العزو على الصابوني فأو هم أنه ليس عند من هو أشهر منه!

ثم إن الحديث أورده العراقي شاهدا للحديث الذي قبله وليس بصواب لأمرين.

الأول: أنه ليس فيه " أن سوء الخلق ذنب لا يغفر ".

الآخر: أنه ليس فيه: " وسوء الظن خطيئة تفوح " وهو تمام الحديث قبله.

127 - " صلاة بعمامة تعدل خمسا وعشرين صلاة بغير عمامة، وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بغير عمامة، إن الملائكة ليشهدون الجمعة معتمين، ولا يزالون يصلون على أصحاب العمائم حتى تغرب الشمس ".

موضوع.

أخرجه ابن النجار بسنده إلى محمد بن مهدي المروزي أنبأنا أبو بشر بن سيار الرقي حدثنا العباس بن كثير الرقي عن يزيد بن أبي حبيب قال: قال لي مهدي بن ميمون:

 

(1/249)

 

 

دخلت على سالم بن عبد الله بن عمر وهو يعتم، فقال لي: يا أبا أيوب ألا أحدثك بحديث تحبه وتحمله وترويه؟ قلت: بلى، قال: دخلت على عبد الله بن عمر وهو يعتم فقال: يا بني أحب العمامة، يا بني اعتم تجل وتكرم وتوقر، ولا يراك الشيطان إلا ولى هاربا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

فذكره، قال الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان " (3 / 244) : هذا حديث موضوع ولم أر للعباس بن كثير في " الغرباء " لابن يونس ولا في " ذيله " لابن الطحان ذكرا، وأما أبو بشر بن سيار فلم يذكره أبو أحمد الحاكم في " الكنى " وما عرفت محمد بن مهدي المروزي، ولا مهدي بن ميمون الراوي للحديث المذكور عن سالم وليس هو البصري المخرج في " الصحيحين " ولا أدري ممن الآفة.

ونقله السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 110) وأقره وتبعه ابن عراق (159 / 2) .

ثم ذكر السيوطي أنه أخرجه ابن عساكر في " تاريخه " من طريق عيسى بن يونس والديلمي من طريق سفيان بن زياد المخرمي كلاهما عن العباس بن كثير به.

قلت: ثم ذهل عن هذا السيوطي فأورد الحديث في " الجامع الصغير " من رواية ابن عساكر عن ابن عمر، وتعقبه المناوي في شرحه بأن ابن حجر قال: إنه موضوع ونقله عنه السخاوي وارتضاه.

قلت: ولو تعقبه بما نقله السيوطي نفسه في " الذيل " عن ابن حجر كان أولى كما لا يخفى، وكلام السخاوي المشار إليه في " المقاصد " (ص 124) .

ونقل الشيخ على القاري في " موضوعاته " (ص 51) عن المنوفي أنه قال:

 

(1/250)

 

 

هذا حديث باطل.

ثم تعقبه القاري بأن السيوطي أورده في " الجامع الصغير " مع التزامه بأنه لم يذكر فيه الموضوع ونقل العجلوني نحوه عن النجم.

قلت: وهذا تعقب باطل تغني حكايته عن إطالة الرد عليه، وما جاءهم ذلك إلا من حسن ظنهم بعلم السيوطي، وعدم معرفتهم بما في " الجامع الصغير " من الأحاديث الموضوعة التي نص هو نفسه في غير " الجامع " على وضع بعضها كهذا الحديث وغيره مما سبق ويأتي، فكن امرءا لا يعرف الحق بالرجال، بل اعرف الحق تعرف الرجال.

وقد علمت مما سبق أن الحافظ ابن حجر إنما حكم بوضع هذا الحديث من قبل ما فيه من مبالغة في الفضل لأمر لا يشهد له العقل السليم بمثل هذا الأجر، ولولا هذا لاكتفى بتضعيفه لأنه ليس في سنده من يتهم، فإذا عرفت هذا أمكنك أن تعلم حكم الحديث الذي بعده من باب أولى، وهو:

128 - " ركعتان بعمامة خير من سبعين ركعة بلا عمامة ".

موضوع.

أورده السيوطي في " الجامع الصغير " برواية الديلمي في " مسند الفردوس " عن جابر! وكان حقه أن يورده في " ذيل الأحاديث الموضوعة " كما صنع بالحديث الذي قبله، لأنه أشد مبالغة في فضل الصلاة بالعمامة من ذاك فكان الحكم عليه بالوضع أولى وأحرى.

هذا وقال المناوي في " شرح الجامع ": ورواه عن جابر أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي، فلوعزاه إلى الأصل لكان أولى، ثم إن فيه طارق بن عبد الرحمن، أورده الذهبي في " الضعفاء "

 

(1/251)

 

 

وقال: قال النسائي: ليس بقوى عن محمد بن عجلان ذكره البخاري " في الضعفاء "، وقال الحاكم: سيء الحفظ ومن ثم قال السخاوي: هذا الحديث لا يثبت.

قلت: محمد بن عجلان ثقة حسن الحديث، فلا يعل بمثله هذا الحديث، وطارق بن عبد الرحمن اثنان أحدهما البجلي الكوفي روى عن سعيد بن المسيب ونحوه، وهو ثقة من رجال الشيخين والآخر القرشي الحجازي يروي عن العلاء بن عبد الرحمن ونحوه قال الذهبي: لا يكاد يعرف، قال النسائي: ليس بالقوي، فالظاهر أن هذا هو المراد وليس الأول لأنه في طبقته وذكره ابن حبان في " الثقات " فلعله هو علة الحديث وإلا فمن دونه.

ويؤسفني أنني لم أقف على سند الحديث لأنظر فيه مع أن المناوي ذكر فيما تقدم أن أبا نعيم رواه أيضا، ولم أجده في " البغية في ترتيب أحاديث الحلية " للشيخ عبد العزيز بن محمد بن الصديق الغماري فالله أعلم.

ثم رأيت بخط الحافظ ابن رجب الحنبلى في قطعة من شرحه على الترمذي (83 / 2) ما نصه: سئل أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل عن شيخ نصيبي يقال: محمد بن نعيم قيل له: روى شيئا عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:

" صلاة بعمامة أفضل من سبعين صلاة بغير عمامة "، قال: هذا كذاب، هذا باطل.

ثم رأيت رواية أبي نعيم، فتأكدت أن آفة الحديث ممن دون طارق بن عبد الرحمن، فخرجته فيما سيأتي (برقم 5699) .

 

(1/252)

 

 

129 - " الصلاة في العمامة تعدل بعشرة آلاف حسنة ".

موضوع.

أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 111) من رواية الديلمي (2 / 256) بسنده إلى أبان عن أنس مرفوعا.

وقال: أبان متهم وتبعه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (257 / 2) .

قلت: وقال الحافظ السخاوي في " المقاصد " (ص 124) تبعا لشيخه الحافظ ابن حجر: إنه موضوع وقال المنوفي: إنه حديث باطل كما في " موضوعات " الشيخ القاري (ص 51) .

ولا شك عندي في بطلان هذا الحديث وكذا الحديثين قبله، لأن الشارع الحكيم يزن الأمور بالقسطاص المستقيم، فغير معقول أن يجعل أجر الصلاة في العمامة مثل أجر صلاة الجماعة بل أضعاف أضعافها! مع الفارق الكبير بين حكم العمامة وصلاة الجماعة، فإن العمامة غاية ما يمكن أن يقال فيها: إنها مستحبة، والراجح أنها من سنن العادة لا من سنن العبادة، أما صلاة الجماعة فأقل ما قيل فيها:

إنها سنة مؤكدة، وقيل: إنها ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها، والصواب أنها فريضة تصح الصلاة بتركها مع الإثم الشديد، فكيف يليق بالحكيم العليم أن يجعل ثوابها مساويا لثواب الصلاة في العمامة بل دونها بدرجات! ولعل الحافظ ابن حجر لاحظ هذا المعنى حين حكم على الحديث بالوضع.

ومن آثار هذه الأحاديث السيئة وتوجيهاتها الخاطئة أننا نرى بعض الناس حين يريد الدخول في الصلاة يكور على رأسه أو طربوشه منديلا لكي يحصل بزعمه

 

(1/253)

 

 

على هذا الأجر المذكور مع أنه لم يأت عملا يطهر به نفسه ويزكيها! ومن العجائب أن ترى بعض هؤلاء يرتكبون إثم حلق اللحية فإذا قاموا إلى الصلاة لم يشعروا بأي نقص يلحقهم بسبب تساهلهم هذا ولا يهمهم ذلك أبدا، أما الصلاة في العمامة فأمر لا يستهان به عندهم! ومن الدليل على هذا أنه إذا تقدم رجل ملتح يصلي بهم لم يرضوه حتى يتعمم، وإذا تقدم متعمم ولوكان عاصيا بحلقه للحيته لم يزعجهم ذلك ولم يهتموا له فعكسوا شريعة الله حيث استباحوا ما حرمه، وأو جبوا، أو كادوا أن يوجبوا ما أباحه، والعمامة إن ثبت لها فضيلة فإنما يراد بها العمامة التي

يتزين بها المسلم في أحواله العادية! ويتميز بها عن غيره من المواطنين، وليس يراد بها العمامة المستعارة التي يؤدي بها عبادة في دقائق معدودة، فما يكاد يفرغ منها حتى يسجنها في جيبه! والمسلم بحاجة إلى عمامة خارج الصلاة

أكثر من حاجته إليها داخلها بحكم أنها شعار للمسلم تميزه عن الكافر ولا سيما في هذا العصر الذي اختلطت فيه أزياء المؤمن بالكافر حتى صار من العسير أن يفشي المسلم السلام على من عرف ومن لم يعرف، فانظر كيف صرفهم الشيطان عن العمامة النافعة إلى العمامة المبتدعة، وسول لهم أن هذه تكفي وتغني عن تلك وعن

إعفاء اللحية التي تميز المسلم من الكافر كما قال صلى الله عليه وسلم:

" خالفوا المشركين احفوا وفي رواية قصوا الشوارب وأو فوا اللحى "، رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر وغيره وهو مخرج في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 93 - 95) .

وما مثل من يضع هذه العمامة المستعارة عند الصلاة إلا كمثل من يضع لحية مستعارة عند القيام إليها! ولئن كنا لم نشاهد هذه اللحى المستعارة في بلادنا فإني لا أستبعد أن أراها يوما ما بحكم تقليد كثير من المسلمين للأوربيين. فقد قرأت في " جريدة العلم الدمشقية " عدد (2485) بتاريخ 25 ذي القعدة سنة 1364 هـ ما نصه:

 

(1/254)

 

 

لندن - عندما اشتدت وطأة الحر، وانعقدت جلسة مجلس اللوردات سمح لهم الرئيس بأن يخلعوا لحاهم المستعارة!

فهل من معتبر؟ .

130 - " إن الله تعالى لا يعذب حسان الوجوه سود الحدق ".

موضوع.

أخرجه الديلمي، أنبأنا بنجير بن منصور عن جعفر بن محمد بن الحسين الأبهري وعن علي بن أحمد الحروري عن جعفر بن أحمد الدقاق عن عبد الملك بن محمد الرقاشي عن عمرو بن مرزوق عن شعبة عن قتادة عن أنس مرفوعا.

أورده السيوطي في " اللآليء " (1 / 113 ـ 114) ، عند كلامه على الحديث الآتي بعد هذا، كأنه ساقه شاهدا له، وسكت عنه، فرأيت أن أتكلم عنه وأكشف عن علته ولا سيما وقد سألني عنه أقرب الناس إلي وهو والدي رحمه الله وجزاه الله عني خير الجزاء، فأقول: علة هذا الحديث من الرقاشي فمن دونه، وكلهم مجهولون لم

أجد لهم ذكرا في شيء من كتب الرجال التي تحت يدي إلا الرقاشي فإنه من رجال ابن ماجه وله ترجمة واسعة في " تهذيب التهذيب " (6 / 419 - 421) و" تاريخ بغداد " (10 / 425 - 427) ويتلخص مما جاء فيها أنه في نفسه صدوق، لكنه اختلط حين جاء بغداد فكثر خطؤه في الأسانيد والمتون، فلعل هذا الحديث من

تخاليطه! وإلا فهو من وضع أحد أولئك المجهولين، وقال ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (1 / 174) : في سنده جعفر بن أحمد الدقاق، وهو آفته فيما أظن، والله أعلم.

قلت: ولست أشك في بطلان هذا الحديث لأنه يتعارض مع ما ورد

 

(1/255)

 

 

في الشريعة، من أن الجزاء إنما يكون على الكسب والعمل {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} لا على ما لا صنع ولا يد للإنسان فيه كالحسن أو القبح، وإلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " رواه مسلم (8 / 11) ، وغيره وهو مخرج في " غاية المرام " (415) ، وراجع التعليق عليه في مقدمتي على " رياض الصالحين " للنووي (ص: ل ـ ن) ، فإنه مهم جدا، ومثل هذا الحديث الموضوع في البطلان الحديث الآتي وهو:

131 - " عليكم بالوجوه الملاح والحدق السود فإن الله يستحي أن يعذب وجها مليحا بالنار ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " التاريخ " (7 / 282 ـ 283) في ترجمة الحسن بن علي بن زكريا بإسناده عن شعبة عن توبة العنبري عن أنس رفعه وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات "، وقال: آفته الحسن بن علي بن زكريا العدوي يضع الحديث، قال السيوطي في " اللآليء " (1 / 113) : هو أحد المعروفين بالوضع، وقال الشيخ القاري (ص 110) : فلعنة الله على واضعه الخبيث، ثم وجدت له طريقا أخرى فقال لاحق بن محمد في " شيوخه "، (114 /

 

(1/256)

 

 

1 / 2) : أخبرنا أبو مسعود حدثنا لاحق بن الحسين المقدسي حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي درة القاضي حدثنا محمد بن طلحة العروقي حدثنا إبراهيم بن سليمان الزيات حدثنا شعبة عن توبة العنبري عن أنس بن مالك مرفوعا به.

قلت: وهذا كالذي قبله أو شر منه، وفيه علل:

1 - الزيات هذا قال ابن عدي: ليس بالقوي.

2 - والعروقي، والراوي عنه محمد القاضي لم أعرفهما.

3 - لاحق هذا وهو آفة الحديث فإنه كذاب وضاع، وقال الإدريسى الحافظ: كان كذابا أفاكا يضع الحديث على الثقات، لا نعلم له ثانيا في عصرنا مثله في الكذب والوقاحة.

وقال الشيرازي في " الألقاب ": حدثنا أبو عمر لاحق بن الحسين بن أبي الورد فذكر خبرا موضوعا ظاهر الكذب، متنه: " عليكم بالوجوه الملاح ... " فذكره.

قلت: ومن أحاديث هذا العدوي الكذاب الحديث الآتي.

132 - " النظر إلى الوجه الحسن يجلوالبصر، والنظر إلى الوجه القبيح يورث الكلح ".

موضوع.

أخرجه الخطيب (3 / 226) ومن طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 162 - 163) من طريق الحسن بن علي بن زكريا البصري حدثنا بشر بن معاذ حدثنا بشر بن الفضل عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس

 

(1/257)

 

 

مرفوعا.

ورواه محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان الطرازي عن الحسن بن علي بن زكريا بإسناد آخر عن أنس مرفوعا، لكنها رواية أخطأ فيها الطرازي هذا وقد روى مناكير وأباطيل، والصواب عن الحسن بن زكريا الرواية الأولى كما قال الخطيب، والحسن هذا قال ابن عدي: عامة ما حدث به إلا القليل موضوعات وكنا نتهمه بل نتيقن أنه هو الذي وضعها، وقال ابن حبان: لعله حدث عن الثقات بالأشياء

الموضوعات ما يزيد على ألف حديث، وقال ابن الجوزى: لا نشك أن أبا سعيد هو الذي وضعه ومثله:

133 - " النظر إلى وجه المرأة الحسناء والخضرة يزيدان في البصر ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 201 - 202) وعنه الديلمي (4 / 106) من طريق أحمد بن الحسين الأنصاري حدثنا إبراهيم بن حبيب بن سلام المكي حدثنا ابن أبي فديك حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعا.

إبراهيم هذا لم أجد من ترجمه وكذا الراوي عنه أحمد بن الحسين، لكن تابعه محمد ابن يعقوب عن أبي الشيخ في " التاريخ " (236) إلا أنه قال: حدثنا إبراهيم بن سلام المكي وتابعه أيضا محمد بن أحمد القاضي البوراني قال: حدثنا إبراهيم بن

 

(1/258)

 

 

حبيب بن سلام به، رواه أبو نعيم أيضا كما ذكره السيوطي في " اللآليء " (1 /116) والبوراني هذا ترجمه الخطيب (1 / 295) وروي عن الدارقطني أنه قال فيه: لا بأس به، ولكنه يحدث عن شيوخ ضعفاء.

قلت: فالظاهر أن إبراهيم شيخ البوراني في هذا الحديث من أولئك الشيوخ الضعفاء فهو آفة هذا الحديث وقد ذكره الذهبي في " الميزان " في ترجمة محمد بن عبد الرحمن أبي الفضل بسنده عن ابن أبي فديك به، وقال: خبر باطل.

قلت: وأورده الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 7) ، وقال ابن القيم:

هذا الحديث ونحوه من وضع الزنادقة.

قلت: وهو وما بعده مما سود به السيوطي " الجامع الصغير " وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ولكن بلفظ آخر وهو:

134 - " ثلاثة يزدن في قوة البصر: النظر إلى الخضرة، وإلى الماء الجاري، وإلى الوجه الحسن ".

موضوع.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 163) من طريق وهب بن وهب القرشي عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن علي بن الحسين عن جده علي بن أبي طالب مرفوعا.

وقال ابن الجوزي: باطل، وهب كذاب.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 115 - 117) بأن له طرقا أخرى يرقي الحديث بها عن درجة الوضع، ثم ساقها من حديث ابن عمرو وبريدة وعائشة وجابر

 

(1/259)

 

 

وقد تقدم قبل هذا وأبي سعيد الخدري وابن عباس موقوفا عليه.

قلت: وكل من هذه الطرق فيها ضعيف أو مجهول أو متهم، وبيان ذلك مما يطول به الكلام جدا فاكتفيت بالإشارة، والحكم على هذا الحديث وما في معناه بالوضع من قبل معناه أقوى من الحكم عليه به من جهة الإسناد، فقد قال ابن القيم رحمه الله في رسالته " المنار ": فصل: ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا، ثم ذكر في بيان ذلك فصولا قيمة جدا نقلها عنه الشيخ على القاري في " خاتمة الموضوعات " قال (ص 109) : فصل: ومنها أن يكون الحديث لا يشبه كلام الأنبياء بل لا يشبه كلام الصحابة كحديث: " ثلاثة يزدن في البصر: النظر إلى الخضرة، والوجه الحسن "، وهذا الكلام مما يجل عنه أبوهريرة وابن عباس بل سعيد بن المسيب والحسن، بل أحمد ومالك.

وتعقبه الشيخ القاري بأنه ضعيف لا موضوع.

قلت: لا تعارض بين قوليهما فهو ضعيف سندا موضوع متنا، وقد سبق لهذا بعض الأمثلة.

135 - " إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوا، وإذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوا به، وإنه يصير إلى ما جبل عليه ".

ضعيف.

أخرجه أحمد (6 / 443) من طريق الزهري أن أبا الدرداء قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر ما يكون إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث.

وهذا إسناد منقطع.

 

(1/260)

 

 

وبه أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 696) وتبعه المناوي في " شرح الجامع الصغير " فقال: قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا أن الزهري لم يدرك أبا الدرداء، وقال السخاوي: حديث منقطع، وبه يعرف ما في رمز المؤلف لصحته.

قلت: وكأن الشيخ العجلوني اغتر بالرمز المشار إليه فإنه قال في " الكشف " (1 / 87) ، رواه أحمد بسند صحيح "! ومن عجيب أمره أنه ذكره في موضع آخر (1 / 82) برواية أحمد وسكت عليه فلم يصححه، ثم أورده في مكان ثالث (1 /259) ونقل عن " المقاصد " أنه منقطع! ، وهذا من الأدلة الكثيرة على أن العجلوني مقلد ناقل، وهذا الحديث يستشم منه رائحة الجبر وأن المسلم لا يملك تحسين خلقه لأنه لا يملك تغييره! ، وحينئذ فما معنى الأحاديث الثابتة في الحض على تحسين الخلق كقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " رواه أبو داود (2 / 288) وغيره في حديث.

وسنده صحيح، فهذا يدل على أن حديث الباب منكر، والله أعلم.

136 - " من حدث حديثا فعطس عنده فهو حق ".

باطل.

أخرجه تمام في " الفوائد " (148 / 2) وكذا الترمذي الحكيم وأبو يعلى والطبراني في " الأوسط " وابن شاهين من طريق بقية عن معاوية بن يحيى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا، وأورده ابن الجوزي في

" الموضوعات " (3 / 77) من طريق ابن شاهين ثم قال:

 

(1/261)

 

 

باطل تفرد به معاوية وليس بشيء، وتابعه عبد الله بن جعفر المديني أبو علي عن أبي الزناد، وعبد الله متروك.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 286) بأحاديث أوردها، بعضها مرفوعة وبعضها موقوفة، ثم إن بعضها في فضل العطاس مطلقا فلا يصلح شاهدا لوصح.

وأما قول النووي رحمه الله في فتاويه (ص 36 - 37) بعد أن عزاه لأبي يعلى:

إسناده جيد حسن، كل رجاله ثقات متقنون إلا بقية بن الوليد فمختلف فيه، وأكثر الحفاظ والأئمة يحتجون بروايته عن الشاميين، وهو يروي هذا الحديث عن معاوية ابن يحيى الشامي.

قلت: فهذا من أوهامه رحمه الله فإن بقية معروف بالتدليس وقد رواه عن معاوية معنعنا وقد قال النسائي وغيره: إذا قال:حدثنا وأخبرنا فهو ثقة، وقال غير واحد: كان مدلسا فإذا قال: عن فليس حجة، ولهذا قال أبو مسهر: أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية، ذكره الذهبي ثم قال: وبقية ذو غرائب ومناكير، أقول هذا لبيان حال بقية وإلا فالظاهر من كلام السيوطي في " اللآليء " أنه لم يتفرد به عن معاوية، فعلة الحديث هو معاوية هذا فإنه ضعيف جدا

 

(1/262)

 

 

قال ابن معين: هالك ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ضعيف في حديثه إنكار، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الحاكم أبو أحمد: يروي عنه الهقل بن زياد عن الزهري أحاديث منكرة شبيهة بالموضوعة، وقال الساجي: ضعيف الحديث جدا، وهكذا باقي أقوال الأئمة كلها متفقة على تضعيفه ليس فيهم من وثقه، فانظر كيف انصرف النووي عن علة الحديث الحقيقية، وأخذ يدافع عن بقية مع أنه لم يحمل عليه في هذا الحديث أحد! فلولا أن النووي رحمه الله وهم لما جاز له أن يصف يحيى هذا بالثقة والإتقان، وقد علم أنه متفق على تضعيفه! والحديث رواه البيهقي أيضا وقال: إنه منكر، كما في " شرح المناوي " وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 59) : رواه الطبراني في " الأوسط " وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد وأبو يعلى، وفيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف، وقد قال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 342) : سألت أبي عن حديث رواه داود بن رشيد عن بقية عن معاوية بن يحيى عن أبي الزناد.. عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من حدث بحديث فعطس عنده فهو حق "؟ قال

 

(1/263)

 

 

أبي: هذا حديث كذب، فبعد شهادة مثل هذا الإمام النقاد أنه حديث كذب، فما يفيد المتساهلين محاولتهم إنقاذ إسناد هذا الحديث من الوضع إلى الضعف أو الحسن لأنها محاولات لا تتفق مع قواعد الحديث في شيء، وما أحسن ما قاله المحقق ابن القيم رحمه الله فيما نقله عنه الشيخ القاري في " موضوعاته " (ص 106 ـ 107) : وهذا الحديث وإن صحح بعض الناس سنده فالحس يشهد بوضعه، لأنا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله، ولوعطس مئة ألف رجل عند حديث يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم بصحته بالعطاس، ولوعطسوا عنده بشهادة رجل لم يحكم بصدقه، وتعقبه هو والزركشي من قبل وغيرهما بقولهم:

إن إسناده إذا صح ولم يكن في العقل ما يأباه وجب تلقيه بالقبول.

قلت: أنى لإسناده الصحة وفيه من اتفقوا على ضعفه ويشهد الإمام أبو حاتم بأن حديثه هذا كذب؟ ! ثم العقل يأباه كما بينه ابن القيم فيما سبق ولو صح هذا الحديث لكان يمكن الحكم على كل حديث نبوي عطس عنده بأنه حق وصدق، ولو كان عند أئمة الحديث زورا وكذبا؟ وهذا ما لا يقوله فيما أظن أحد.

137 - " أصدق الحديث ما عطس عنده ".

باطل.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 191 / 2 / 3502 ـ بترقيمي) من طريق عمارة ابن زاذان عن ثابت عن أنس مرفوعا، وقال: لم يروه عن ثابت إلا عمارة.

قلت: وعمارة هذا، قال أحمد: يروي عن ثابت عن أنس أحاديث مناكير.

 

(1/264)

 

 

قلت: وهذا الحديث من روايته عن ثابت عن أنس، فهو علة الحديث، وإلى ذلك أشار الهيثمي بقوله في " المجمع " (8 / 59) : رواه الطبراني في " الأوسط " عن شيخه جعفر بن محمد بن ماجد ولم أعرفه، وعمارة بن زاذان وثقه أبو زرعة وجماعة وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

وابن ماجد وثقه الخطيب في " التاريخ " (7 / 196) فلا يعل به الحديث، والله أعلم.

وقد تقدم الكلام على بطلان الحديث من حيث معناه في الحديث الذي قبله فأغنى عن الإعادة.

138 - " ثلاث يفرح بهن البدن ويربوعليها: الطيب، والثوب اللين، وشرب العسل ".

موضوع.

رواه ابن حبان في " الضعفاء والمتروكين " (3 / 141) وأبو نعيم (6 / 340) من طريق الطبراني عن محمد بن روح القتيري حدثنا يونس بن هارون الأزدي عن مالك ابن أنس عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب مرفوعا، وقال أبو نعيم:

غريب من حديث مالك عن أبيه تفرد به القتيري في الأصل القشيري في الموضعين وهو تصحيف.

قلت: والقتيرى هذا بفتح القاف وبعدها مثناة ضبطه ابن ماكولا وغيره، وتصحف على ابن السمعاني فذكره في القنبري، وقال: نسبة إلى قنبر مولى علي رضي الله عنه، منكر الحديث.

قلت: قال فيه ابن يونس أيضا:

 

(1/265)

 

 

منكر الحديث، وقال الدارقطني فيه وفي شيخه يونس بن هارون ضعيفان، وقال في " غرائب مالك ": لا يصح هذا الحديث عن مالك وقال ابن حبان في ترجمة يونس بن هارون: روى عجائب لا تحل الرواية عنه، ما روى مالك عن أبيه ولا جده شيئا.

139 - " أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا والآخرة ".

موضوع.

أخرجه الحاكم (4 / 322) والبيهقي في " السنن " (7 / 13) والطبراني في " الأوسط " (2 / 294 / 1 9423) من طريق خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الدمشقي عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.

وقال الطبراني: لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد تفرد به خالد.

قلت: وهو ضعيف متهم ولكنه لم يتفرد به كما يأتي قريبا.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

قلت: وهذا من أوهامهما الفاحشة، فإن خالدا هذا قال أحمد: ليس بشيء، وقال ابن أبي الحواري: سمعت ابن معين يقول: بالشام كتاب ينبغي أن يدفن كتاب الديات لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب على الصحابة قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت هذا الكتاب عن خالد ثم أعطيته للعطار، فأعطى للناس

فيه

 

(1/266)

 

 

حوائج! ذكره الذهبي في " الميزان "، وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 359) : سئل أبي عن خالد هذا؟ فقال: يروي أحاديث مناكير.

وللحديث طريق ثان، فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 278) : وسمعت أبي وحدثنا عن حرملة عن ابن وهب عن الماضي بن محمد الغافقي أبي مسعود عن هشام عن الحسن عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به، قال أبي: هذا حديث باطل، وماضى لا أعرفه، وذكر نحوه في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 242) وأقره الذهبي في " الميزان " وقال: لم يروعنه غير ابن وهب، قال ابن عدي: منكر الحديث، ورواه أبو سعيد بن الأعرابي في " المعجم " (99 / 1 / 2) والطبراني في " الأوسط " (1 / 102 / 2 / 2085) من طريقين آخرين عن ابن وهب قال: أخبرني الماضي بن محمد عن هشام بن حسام عن الحسن عن أبي سلمة عن أبي سعيد به.

وأعله الهيثمي (10 / 267) بشيخ الطبراني أحمد بن طاهر، وهو كذاب وقلده المعلق على " الأوسط " (2 / 528) وهو متابع كما ترى وإنما علته الماضي كما عرفت، وقد أخرجه ابن عدي أيضا عنه (6 / 432) وأعله به.وله طريق ثالث سوف يأتي بلفظ: " اللهم توفني إليك فقيرا ... "، ورابع أخرجه القضاعي (94 / 1) عن محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه عن عطاء به.

وهذا سند واه من أجل يزيد بن سنان، وابنه محمد، وهو أشد ضعفا من أبيه.

 

(1/267)

 

 

ثم وجدت له شاهدا لكنه مما لا يفرح به، يرويه أحمد بن إبراهيم المزني: حدثنا محمد بن كثير حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " ألا أخبركم بأشقى الأشقياء.... " الحديث، وهو لفظ ابن عدي عن الماضي.

أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 144) ومن طريقه ابن الجوزي في " العلل " (2 / 325) وقال: لا يصح، قال ابن حبان: كان المزني يضع الحديث على الثقات وضعا.

قلت: فهو بكتاب ابن الجوزي الآخر " الموضوعات " أولى، وله من مثله الشيء الكثير، كما أنه يورد في هذا ما هو بـ " العلل " أولى، كما هو معروف عند العلماء.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الطبراني، ثم تكلم عليه المناوي بما نقله عن الهيثمي، وذكرت بعض كلامه آنفا، ثم قال المناوي:

ومن العجب العجاب أنه رمز لصحته لكن الحديث كله مضروب عليه في مسودة المصنف، وأما قوله في " التيسير " وهو حسن لا صحيح خلافا للمؤلف ولا ضعيف خلافا لبعضهم فهو مما لا يساعد عليه شدة ضعف طرقه مع إبطال أبي حاتم إياه، ومن أحاديث هذا الماضي:

140 - " الزنا يورث الفقر ".

باطل.

رواه القضاعي في " مسند الشهاب " (7 / 2) عن أحمد بن عبد الرحمن بن أخي وهب قال أخبرنا عمي قال أنبأنا الماضي بن محمد عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر مرفوعا.

قلت: وهذا سند واه، وله علتان: الأولى ضعف ليث بن أبي سليم.

 

(1/268)

 

 

والأخرى الماضي بن محمد وهو مجهول، منكر الحديث كما تقدم، وعزاه السيوطي في " الجامع " لرواية القضاعي والبيهقي عن ابن عمر، وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 190) : رواه البيهقي، وفي إسناده الماضي بن محمد.

قلت: هو عنده في " الشعب " (4 / 363) من طريق ابن عدي وهذا في " الكامل " (6 / 432) وقال الذهبي: له أحاديث منكرة منها هذا الحديث.

قلت: والحديث رواه ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 410 - 411) : سمعت أبي وحدثنا عن حرملة عن ابن وهب عن الماضي بن محمد عن هشام عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، قال أبي: هذا حديث باطل، وماضي لا أعرفه.

قلت: ثم وجدت له متابعا، فقال أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (359 / 2) : حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا القاسم بن عباد حدثنا عباد حدثنا أحمد بن حرب عن حسان عن إسماعيل عن ليث به.

قلت: فانحصرت علة الحديث في الليث ولعل أصله موقوف وهم فيه الليث فرفعه، فقد رواه ابن حبان في " الثقات، (2 / 295) من طريق مكحول الشامي قال لي ابن عمر يا مكحول إياك والزنا فإنه يورث الفقر.

ثم وجدت له طريقا آخر أخرجه البيهقي في " الشعب " والديلمي في " مسند الفردوس " (2 / 99 / 2 - الغرائب) كلاهما من طريق الحاكم عن شيخه محمد ابن صالح بن هانيء وهو ثقة قال حدثنا أحمد بن سهل بن مالك حدثني محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا الحسن بن علي الصفار حدثنا أبو خالد الأحمر حدثنا محمد ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر به.

 

(1/269)

 

 

قلت: وهذا إسناد حسن لولا أنني لم أعرف الحسن بن علي بن صفار وأحمد بن سهل ابن مالك، فمن كان عنده علم عنهما فليتفضل بإعلامي مشكورا وجزاه الله خيرا.

وللحديث شاهد ولكنه واه وهو:

141 - " إياكم والزنا فإنه فيه ست خصال: ثلاثا في الدنيا وثلاثا في الآخرة، فأما اللواتي في الدنيا فإنه يذهب بالبهاء، ويورث الفقر، وينقص الرزق، وأما اللواتي في الآخرة: فإنه يورث سخط الرب، وسوء الحساب والخلود في النار ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي (20 / 23) وأبو نعيم (4 / 111) من طريق مسلمة بن علي عن الأعمش عن شقيق عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعا، وقال ابن عدي: وهذا عن الأعمش غير محفوظ وهو منكر، وقال أبو نعيم: غريب من حديث الأعمش، تفرد به مسلمة وهو ضعيف الحديث.

قلت: وهو مجمع على تركه، بل قال الحاكم: روى عن الأوزاعي والزبيدي المناكير والموضوعات وقد ساق له الذهبي من مناكيره أحاديث كثيرة منها هذا، وآخر قال فيه أبو حاتم: باطل موضوع وسيأتي إن شاء الله برقم (145) .

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 107) من طريق أبي نعيم ثم قال: مسلمة متروك، وتابعه أبان بن نهشل عن إسماعيل بن أبي خالد عن الأعمش به وأبان منكر الحديث جدا، قال ابن حبان: ولا أصل لهذا الحديث، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 191) بما نقله عن أبي نعيم من اقتصاره

 

(1/270)

 

 

على تضعيف مسلمة، وبأن البيهقي أخرجه في " شعب الإيمان " وقال: هذا إسناد ضعيف، مسلمة متروك وأبو عبد الرحمن الكوفي مجهول.

قلت: أبو عبد الرحمن هذا وقع في رواية ابن الجوزي بين مسلمة والأعمش، وليس هو في سند " الحلية " ولا في سند الحديث في " الميزان " فالله أعلم.

ثم رأيت الحديث في جزء من " أمالي الشريف أبي القاسم الحسيني " (55 / 1) وفيه أبو عبد الرحمن الكوفي هذا، وكذا هو في " الشعب " (4 / 379 / 5475) .ثم وجدت له طريقا آخر عن الأعمش أخرجه الواحدي في " الوسيط " (3 / 100 / 1) من طريق معاوية بن يحيى عن سليمان عن الأعمش.

قلت: ومعاوية هذا هو الصدفي وهو ضعيف جدا، قال النسائي: ليس بثقة وضعفه هو في رواية وغيره، ولا يخفى أن تعقب السيوطي المذكور لا فائدة منه لأن كلام البيهقي وكذا أبي نعيم ليس نصا في أن الحديث غير موضوع حتى يعارض به حكم ابن الجوزي بوضعه لما أخبرناك غير مرة أن الموضوع من أنواع الحديث الضعيف.

فتنبه، وقد روي هذا الحديث بلفظ آخر وهو:

142 - " إياكم والزنا فإن في الزنا ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، فأما اللواتي في دار الدنيا فذهاب نور الوجه، وانقطاع الرزق، وسرعة الفناء وأما اللواتي في الآخرة فغضب الرب، وسوء الحساب، والخلود في النار إلا أن يشاء الله ".

موضوع.

أخرجه الخطيب (12 / 493) وعنه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 107) من طريق كعب بن عمرو بن جعفر البلخي إملاءً: حدثنا

 

(1/271)

 

 

أبو جابر عرس بن فهد الموصلي في الموصل: حدثنا الحسن بن عرفة العبدي: حدثني يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس مرفوعا، وقال الخطيب وتبعه ابن الجوزي: رجال إسناد هذا الحديث ثقات سوى كعب وكان غير ثقة، ثم روى عن محمد بن أبي الفوارس أنه قال: كان سيء الحال في الحديث، وعن العتيقي قال: فيه تساهل في الحديث.

والحديث رواه من هذا الوجه الواحدي في " تفسيره " (ق 155 / 1) ، وتعقب ابن الجوزي السيوطي في " اللآليء " (2 / 191) بقوله: قلت: وله طريق آخر واه أخرجه أبو نعيم: حدثنا أبو بكر المفيد حدثنا أبو الدنيا الأشج عن علي بن أبي طالب رفعه، والله أعلم.

قلت: لم يخجل السيوطي عفا الله عنا وعنه من أن يستشهد بهذا الإسناد الباطل فإن أبا الدنيا هذا كذاب أفاك لا يخفى حاله على السيوطي، فقد ترجمه الذهبي في " الميزان " فقال: كذاب طرقي، كان بعد الثلاث مئة ادعى السماع من علي بن أبي طالب واسمه عثمان بن خطاب أبو عمرو، حدث عنه محمد بن أحمد المفيد بأحاديث وأكثرها متون معروفة ملصوقة بعلي بن أبي طالب ... وما يعني برواية هذا الضرب ويفرح بعلوها إلا الجهلة، وقال في ترجمته من الأسماء: طير طرأ على أهل بغداد، وحدث بقلة حياء بعد الثلاث مئة عن علي بن أبي

 

(1/272)

 

 

طالب فافتضح بذلك وكذبه النقادون.

فإذا كان السيوطي لا يحكم بوضع حديث يرويه مثل هذا الرجل البين كذبه، فهو دليل واضح على مبلغ تساهله في حكمه على الأحاديث، فاعلم هذا ولا تنسه يفدك ذكرك إياه في مواطن النزاع.

وروي هذا الحديث على لفظ، آخر وهو:

143 - " إياكم والزنا فإن فيه أربع خصال: يذهب بالبهاء من الوجه، ويقطع الرزق، ويسخط الرحمن، والخلود في النار ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " (2 / 144 / 2 / 7238 - بترقيمي) وابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 106) من رواية ابن عدي عن عمرو بن جميع عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا، وقال الطبراني: لم يروه، عن ابن جريج إلا عمرو، وقال ابن الجوزي: عمرو كذاب، وهو كما قال الهيثمي في " المجمع " (6 / 255) : رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عمرو بن جميع وهو متروك، وأما السيوطي فتعقبه في " اللآليء " (2 / 189) بقوله: قلت: أخرجه الطبراني في " الأوسط "، وبناء على هذا التعقيب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع أورد السيوطي الحديث في " الجامع " برواية الطبراني وابن عدي فتعقبه الشارح المناوي بعد أن ذكر تعقب السيوطي لابن الجوزي فقال:

 

(1/273)

 

 

وهو تعقب أو هى من بيت العنكبوت لأن ابن جميع الذي حكم بوضع الحديث لأجله في سند الطبراني أيضا فما الذي صنعه؟

! ثم وجدت له متابعا فقال أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (99 / 2) أنبأنا إبراهيم بن إسماعيل الطلحي أبو إسحاق الكوفي يعرف بابن جهد، أنبأنا مختار بن غسان قال سمعت إسماعيل بن مسلم عن ابن جريج به.

قلت: ومن طريق ابن الأعرابي رواه ابن الحمامي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " (34 / 2) ، وهذا السند خير من الذي قبله، ولكنه معلول من وجوه ثلاثة: الأول: إسماعيل هذا هو البصري ثم المكي ضعيف.

الثاني: مختار بن غسان لم يوثقه أحد.

الثالث: إبراهيم بن إسماعيل لم أجد من ترجمه نعم ذكره ابن حبان (في الثقات) (80 / 88) ثم إن مدار السندين على ابن جريج وقد عنعنه!

144 - " أكذب الناس الصباغون والصواغون ".

موضوع.

أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1 / 262 من ترتيب المسند) قال: حدثنا همام عن فرقد السبخي عن يزيد بن عبد الله الشخير عن أبي هريرة مرفوعا، وكذا أخرجه ابن ماجه (2 / 6) وأحمد (2 / 292، 324، 345) وأبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (78 / 2) من طرق عن همام به، وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير فرقد هذا وهو أحد زهاد البصرة، قال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث

 

(1/274)

 

 

وقال النسائي: ليس بثقة، وقال البخاري: في حديثه مناكير كذا في " الميزان " ثم ساق له من مناكيره أحاديث هذا أولها! ولهذا أورده ابن الجوزي في " العلل " وقال: لا يصح، وللحديث طريق أخرى رواه ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 278) من طريق يحيى بن سلام عن عثمان بن مقسم عن نعيم بن المجمر عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أكذب الكاذبين الصياغ "، ثم قال: قال أبي هذا حديث كذب، وعثمان هو البري ويحيى بن سلام هو الذي روى عنه عبد الحكم بصرى وقع إلى مصر.

قلت: زاد في ترجمته من " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 155) : وهو صدوق.

وأما الدارقطني فضعفه، وقال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعفه، وأما عثمان البري فقد كذبه ابن المعين والجوزجاني، فهو علة هذه الطريق، وقد ساق الذهبي في ترجمته هذا الحديث.

 

(1/275)

 

 

وله طريق ثالث عن أبي هريرة، رواه ابن عدي (316 / 2) عن محمد بن يونس الكديمي حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به وقال: والكديمي أظهر أمرا من أن يحتاج أن يبين ضعفه.

قلت: يشير بذلك إلى أنه كذاب وضاع.

وللحديث شاهد أخرجه ابن عدي (315 / 2) عن محمد بن الوليد بن أبان حدثنا هدبة قال حدثنا همام عن قتادة عن أنس مرفوعا، وقال: وهذا عن أنس بهذا الإسناد باطل، وابن الوليد القلانسي يضع الحديث، والحديث أورده ابن طاهر في " تذكرة الموضوعات " (ص 15) من الطريقين الأولين، وقال ابن القيم رحمه الله: الحس يرد هذا الحديث، فإن الكذب في غيرهم أضعافه فيهم، كالرافضة فإنهم أكذب خلق الله والكهان والطرقية والمنجمون، وقد تأوله بعضهم على أن المراد بالصباغ الذي يزيد في الحديث ألفاظا تزينه، والصواغ الذي يصوغ الحديث ليس له

أصل، وهذا تكلف بارد لحديث باطل، وتعقبه الشيخ القاري في " موضوعاته " (ص 107) بقوله: وهذا غريب منه فإن الحديث بعينه رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة كما في " الجامع الصغير ".

قلت: وهذا لا شيء فبعد ثبوت ضعف سند الحديث لا مجال للرد به على من انتقده من حيث معناه، وإنما يصح مثل هذا التعقيب فيما لوصح سند الحديث وهيهات هيهات!

 

(1/276)

 

 

145 - " كان لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث ".

موضوع.

أخرجه ابن ماجه (1 / 439) وأبو الشيخ في " الأخلاق " (255) وابن عساكر (16 / 226 / 2 / 19 / 131 / 1) من طريق مسلمة بن علي حدثنا ابن جريج عن حميد الطويل عن أنس مرفوعا.

قلت: ابن جريج مدلس وقد عنعنه، وهو إنما يدلس عن الضعفاء! ومسلمة متهم كما سبق بيانه في الحديث (141) وهو آفة هذا الحديث فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 315) : سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديث باطل موضوع، قلت: ممن هو؟ قال: مسلمة ضعيف، وأقره الذهبي في " الميزان " ومع ذلك فقد

سود به السيوطي " جامعه ".

وأخرجه البيهقي في " الشعب " وقال: إسناده غير قوي، وذكره الحافظ في " تهذيب التهذيب " من منكرات مسلمة، وقد حاول بعضهم أن يشد من عضد الحديث بحديث آخر بمعناه ولكنه لم ينجح لأنه موضوع كهذا، وهو:

 

(1/277)

 

 

146 - " لا يعاد المريض إلا بعد ثلاث ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 200 / 1 / 3647 ـ بترقيمي) عن نصر بن حماد أبي الحارث الوراق عن روح بن جناح عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الطبراني: تفرد به أبو الحارث الوراق.

 

(1/277)

 

 

قلت: وهذا سند لا يساوي شيئا، أبو الحارث هذا قال ابن معين: كذاب، وقال البخاري: يتكلمون فيه.

وروح متهم ويأتي له حديث آخر قريبا.

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية ابن عدي بسنده عن نصر به إلا أنه قال: روح بن غطيف، بدل روح بن جناح، ثم قال ابن الجوزي ما ملخصه:

لا يصح، روح متروك وكذا نصر.

وقد تعقب ابن الجوزي السيوطي في " اللآليء " (2 / 403) فقال: قلت له شاهد، ثم ساق الحديث الذي قبله فلم يصنع شيئا لأنه حديث موضوع كما تقدم.

ثم ذكر له شاهدا آخر من طريق نوح بن أبي مريم حدثنا أبان عن أنس مرفوعا.

ونوح هذا متهم بالكذب وقد مضى، وكذا أبان وهو ابن أبي عياش.

147 - " تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له العرش ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (12 / 191) ومن طريقه ابن الجوزي (2 /277) في ترجمة عمرو بن جميع عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي بن أبي طالب مرفوعا، وقال: عمرو كان يروي المناكير عن المشاهير والموضوعات عن الأثبات.

 

(1/278)

 

 

قلت: وهو كذاب وقد تقدم له أحاديث، وجويبر ضعيف جدا وتقدم له شيء، وبهذا أعله ابن الجوزي وقال: لا يصح.

والحديث أورده الصغاني في " الموضوعات " (ص 8) .

وأقر ابن الجوزي السيوطي في " اللآليء " (2 / 179) فالعجب منه كيف أورده من رواية ابن عدي في " الجامع الصغير " الذي اشترط في مقدمته أن يصونه مما تفرد به كذاب أو وضاع! وأعجب من هذا استدراك الشيخ العجلوني في " الكشف " (1 / 304) على حكم الصغاني عليه بالوضع بقوله: لكن عزاه في " الجامع الصغير " لابن عدي بسند ضعيف عن علي! وكيف لا يكون هذا الحديث موضوعا، وقد طلق جماعة من السلف بل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق زوجته حفصة بنت عمر رضي الله عنهما؟ ! .

148 - " تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم "، وفي لفظ: " إذا كان في الثوب قدر الدرهم من الدم غسل الثوب وأعيدت الصلاة ".

موضوع.

أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 298) ، والدارقطني في " سننه " (ص 154) والبيهقي (2 / 404) عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وقال ابن حبان: هذا خبر موضوع لا شك فيه ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما اخترعه أهل الكوفة، وروح يروي الموضوعات عن الثقات

 

(1/279)

 

 

وأقره الزيلعي في " نصب الراية " (1 / 212) وابن الملقن في " الخلاصة " (ق 30 / 1) ، وقال الدارقطني: لم يروه عن الزهري غير روح بن غطيف وهو متروك الحديث، وقال البخاري في " التاريخ الصغير " (ص 138) : ولا يتابع عليه، وروى البيهقي من طريق الحافظ ابن عدي بسنده إلى أحمد بن العباس قال: قلت لابن معين: تحفظ عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث؟ فقال: لا والله، ثم قال: ممن؟

قلت: حدثنا محرز بن عون، قال: ثقة، عمن؟ قلت: عن القاسم بن مالك المزني قال: ثقة، عمن؟ قلت: عن روح بن غطيف، قال: ها، قلت: يا أبا زكريا ما أرى أتينا إلا من روح بن غطيف؟ قال: أجل، قال ابن عدي: هذا لا يرويه عن الزهري فيما أعلمه غير روح بن غطيف وهو منكر بهذا الإسناد، وفيما بلغني عن يحيى الذهلي قال: أخاف أن يكون هذا موضوعا.

والحديث رواه العقيلي في " الضعفاء " (133) من هذا الوجه ثم قال: حدثني آدم قال: سمعت البخاري يقول: هذا الحديث باطل، وروح هذا منكر الحديث، ومن طريق العقيلي أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 76) ، وأقره السيوطي في " اللآلىء " ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (428 / 2) فالعجب من السيوطي كيف أورده في " الجامع الصغير "!

وللحديث طريق أخرى بلفظ آخر وهو:

 

(1/280)

 

 

149 - " الدم مقدار الدرهم يغسل وتعاد منه الصلاة ".

موضوع.

أخرجه الخطيب (9 / 330) ، وعنه ابن الجوزي أيضا (2 / 75) من طريق نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا.

وهذا سند موضوع نوح بن أبي مريم متهم، وقال ابن الجوزي: نوح كذاب، وأقره الزيلعي في " نصب الراية " (1 / 212) والسيوطي في " اللآليء " (1 / 3) ، ومع ذلك ذكره في " الجامع ".

واعلم أن هذا الحديث هو حجة الحنفية في تقدير النجاسة المغلظة بالدرهم، وإذا علمت أنه حديث موضوع يظهر لك بطلان التقييد به، وأن الواجب اجتناب النجاسة ولوكانت أقل من الدرهم لعموم الأحاديث الآمرة بالتطهير.

 

(1/281)

 

 

150 - " ثلاث لا يعاد صاحبهن: الرمد، وصاحب الضرس، وصاحب الدملة ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 11 / 1 / 150 - بترقيمي) والعقيلي (421) وابن عدي (319 / 2) من طريق مسلمة بن علي الخشني حدثني الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الطبراني وابن عدي: لم يروه عن الأوزاعي إلا مسلمة.

قلت: وهو متهم، كما يأتي وقال العقيلي:

 

(1/281)

 

 

قال ابن معين: ليس بشيء.

وقال البخاري: منكر الحديث.

وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 208) من طريق العقيلي وقال:

موضوع، والحمل فيه على مسلمة وإنما يروى من كلام يحيى بن أبي كثير.

قلت: وقال العقيلي عقبه: هذا أولى، يعني أنه من كلام يحيى، وكذا قال البيهقي كما يأتي، وذكره الحافظ في " التهذيب " من منكرات الخشني وقال:

قال أبو حاتم: هذا باطل منكر، وقد تعقب ابن الجوزي السيوطي في " اللآليء " (2 / 406) بقوله: قلت: مسلمة لم يتهم بالكذب، والحديث أخرجه الطبراني في " الأوسط " والبيهقي في " الشعب " وضعفه.

قلت: الحق مع ابن الجوزي فإن مسلمة قد روى أحاديث موضوعة تقدم بعضها فانظر الحديث (141 و145) ، ولذلك لم يصب السيوطي بذكره في " الجامع "، وقد جزم البيهقي في " الشعب " (6 / 535 / 9190) بأن الصحيح أنه من قول يحيى.

ومما يدل على وضعه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود صاحب الرمد، قال أنس: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم من رمد كان به.

أخرجه علي بن الجعد في " مسنده " (2 / 844 / 2335) والحاكم (1 / 342) من طريق آخر وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا وله شاهد من حديث زيد نفسه صححه الحاكم أيضا والذهبي، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2716) ومن موضوعات الخشني:

 

(1/282)

 

 

151 - " العنكبوت شيطان مسخه الله فاقتلوه ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي (320 / 1) في ترجمة مسلمة بن علي الخشني حدثنا سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن عبد الله بن عمر مرفوعا، وقال ابن عدي: مسلمة كل أحاديثه أو عامتها غير محفوظة.

ومما يدل على بطلان هذا الحديث أنه مخالف لما ثبت في " الصحيح " مرفوعا:

" إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا "، رواه مسلم (8 / 55) .

وقال ابن حزم في " المحلى " (7 / 430) : وكل ما جاء في المسوخ في غير القرد والخنزير فباطل وكذب موضوع.

وخالف السيوطي كعادته فذكره في " جامعه ".

 

(1/283)

 

 

152 - " استشفوا بما حمد الله به نفسه قبل أن يحمده خلقه، وبما مدح الله به نفسه: {الحمد لله} ، و {قل هو الله أحد} ، فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ".

ضعيف جدا.

رواه أبو محمد الخلال في " فضائل قل هو الله أحد " (198 / 2) حدثنا أحمد بن عروة الكاتب أنبأنا عبد الله بن محمد بن سعيد الجمال حدثنا يزيد بن عمرو بن البراء أبو سفيان الشوف حدثنا أحمد بن الحارث الغساني حدثنا ساكنة بنت الجعد قالت: سمعت رجاء الغنوي يقول: فذكره، رواه الواحدي في " تفسيره " (2 /185 / 2) من طريق آخر عن أحمد بن الحارث الغساني، مقتصرا على الجملة الأخيرة منه.

 

(1/283)

 

 

وكذا أخرجه الثعلبي كما في " تخريج أحاديث الكشاف " للحافظ ابن حجر (ص 103 رقم 304) .

قلت: وابن الحارث هذا قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 47) : سألت أبي عنه فقال: متروك الحديث، وقال النسائي: منكر الحديث، وقال البخاري والدولابي: فيه نظر، وقال العقيلي: له مناكير لا يتابع عليها، قال: ولا يعرف لرجاء الغنوي رواية، ولا صحت له صحبة،

وأورده السيوطي في " الجامع " برواية ابن قانع عن رجاء الغنوي، قال المناوي في شرحه: وقد أشار الذهبي في " تاريخ الصحابة " إلى عدم صحة هذا الخبر فقال في ترجمة رجاء هذا: له صحبة، نزل البصرة، وله حديث لا يصح في فضل القرآن، انتهى بنصه.

وهذا الحديث يوحي بترك المعالجة بالأدوية المادية والاعتماد فيها على تلاوة القرآن وهذا شيء لا يتفق في قليل ولا كثير مع سنته صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية، فقد تعالج

 

(1/284)

 

 

صلى الله عليه وسلم بالأدوية المادية مرارا، وأمر بذلك فقال: يا عباد الله تداووا فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له

دواء "، أخرجه الحاكم بسند صحيح، وهو مخرج في " غاية المرام " (292) عن جمع من الصحابة نحوه.

153 - " من استشفى بغير القرآن فلا شفاه الله تعالى ".

موضوع.

أورده الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 12) وأقره الشيخ العجلوني في " الكشف " (2 / 332) .

قلت: وأصل هذا اللفظ في الحديث الذي قبله.

 

(1/285)

 

 

154 - " السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، وجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل ".

ضعيف جدا.

أخرجه الترمذي (3 / 143) والعقيلي " في الضعفاء " (154) ، وابن حبان في " روضة العقلاء " (ص 246) وابن عدي (183 / 2) ، والطبري في " التهذيب " (مسند عمر / 100 / 163) من طريق سعيد بن محمد الوراق عن يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا، وضعفه الترمذي بقوله: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث سعيد بن محمد، وقد خولف سعيد بن محمد في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، إنما يروي عن يحيى بن سعيد عن عائشة شيء مرسل

 

(1/285)

 

 

وقال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل من حديث يحيى ولا غيره.

وقال ابن حبان: إن كان حفظ سعيد بن محمد إسناد هذا الخبر فهو غريب غريب.

قلت: وسعيد هذا قال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن سعد وغيره: ضعيف، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك.

وقد اضطرب في رواية هذا الحديث فمرة رواه كما سبق، ومرة قال: عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه عن عائشة مرفوعا به، أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 132 / 1 / 2545 - بترقيمي) وقال:

لم يروه بهذا الإسناد إلا سعيد، وكذلك رواه الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (127 / 2) إلا أنه لم يقل: عن أبيه، والحديث أورده ابن الجوزي من هذه الطريق وغيرها في " الموضوعات " (2 /

 

(1/286)

 

 

180) وقال: لا يصح، ثم بين عللها.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 92 - 93) بطرق أخرى ذكرها، وكلها ضعيفة، عند تدقيق النظر فيها، وقد فاته أن الحافظ أبا حاتم قال في حديث الوراق هذا: هذا حديث منكر، وكذا قال أحمد كما في ترجمة سعيد من " التهذيب " وقال أبو حاتم في طريق أخرى للحديث عن عائشة: هذا حديث باطل، وسعيد بن مسلمة ضعيف الحديث أخاف أن يكون أدخل له، انظر " العلل " لابن أبي حاتم (2 / 283 - 284) .

155 - " ربيع أمتي العنب والبطيخ ".

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسنده " (2 / 176 ـ 177) ، وابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق محمد بن أحمد بن مهدي: حدثنا محمد بن الضوء بن الدلهمس حدثنا عطاف بن خالد عن نافع عن ابن عمر، وقال ابن الجوزي: موضوع، محمد بن الضوء كذاب مجاهر بالفسق، وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 210) ! ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (317 / 2) .

قلت: ومحمد بن أحمد بن مهدي ضعيف جدا، كما قال الدارقطني.

 

(1/287)

 

 

والحديث أورده ابن القيم في " الموضوعات " فقال في " المنار " (ص 21) :

ومما يعرف به كون الحديث موضوعا سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه.

ثم ذكر أحاديث هذا منها، وأقره الشيخ القاري في " موضوعاته " (ص 107 - 108) وسيأتي في آخر الحديث (167) عن السخاوي أن أحاديث فضل البطيخ كلها باطلة ولذلك فقد شان به السيوطي كتابه " الجامع الصغير " فأورده فيه من رواية أبي عبد الرحمن السلمي في " كتاب الأطعمة " وأبي عمر النوقاني في " كتاب البطيخ " والديلمي في " مسند الفردوس " عن ابن عمر.

156 - " احترسوا من الناس بسوء الظن ".

ضعيف جدا.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 36 / 1 / 592) وابن عدي (6 / 2398) من طريق بقية عن معاوية بن يحيى عن سليمان بن سليم عن أنس مرفوعا، وقال الطبراني: تفرد به بقية، قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 89) : بقية بن الوليد مدلس، وبقية رجاله ثقات.

كذا قال: ومعاوية بن يحيى ضعيف جدا ولم يوثقه أحد وقد ذكرت بعض أقوال الأئمة في تضعيفه عند الحديث (رقم 136) وقد ساق له الذهبي أحاديث مما أنكر عليه هذا أحدها، وقد نقل المناوي في " الفيض " أن الحافظ ابن حجر قال في " الفتح ": خرجه الطبراني في " الأوسط " من طريق أنس وهو من رواية بقية بالعنعنة عن

 

(1/288)

 

 

معاوية بن يحيى وهو ضعيف، فله علتان، وصح من قول مطرف أخرجه مسدد.

قلت: وكذا أخرجه ابن عساكر (16 / 291 / 2) عن مطرف.

وروي من قول عمر وغيره، فأخرج أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (ق 12 / 1 - 2) عن عيسى بن إبراهيم عن الضحاك بن يسار عن أبي عثمان النهدي قال: قال عمر بن الخطاب: " ليأتين على الناس زمان يكون صالحوا لحي فيهم في أنفسهم إن غضبوا غضبوا لأنفسهم، وإن رضوا رضوا لأنفسهم، لا يغضبون

لله عز وجل ولا يرضون لله عز وجل، فإذا كان ذلك الزمان فاحترسوا "، الحديث، لكن عيسى بن إبراهيم هذا وهو الهاشمي ضعيف جدا، وروى أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 202) من طريق آخر عن عمر قال: " إن الحزم أن تسيء الظن بالناس "، وسنده ضعيف أيضا.

ورواه ابن سعد (2 / 177) من قول الحسن البصري وسنده صحيح.

ثم إن الحديث منكر عندي لمخالفته للأحاديث الكثيرة التي يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها المسلمين بأن لا يسيئوا الظن بإخوانهم، منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ... " رواه البخاري (10 / 395 - 398) وغيره، وهو مخرج في " غاية المرام " (417) .

ثم إنه لا يمكن التعامل مع الناس على أساس سوء الظن بهم، فكيف يعقل أن يأمر صلى الله عليه وسلم أمته أن يتعاملوا على هذا الأساس الباطل؟ !

 

(1/289)

 

 

157 - " الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم ".

ضعيف.

عزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني في " مكارم الأخلاق " والبيهقي في " الشعب " عن ابن عمر، وسكت عليه الشارح المناوي وهو ضعيف فقد قال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 284) : سألت أبي عن حديث رواه عن هشام بن عمار عن المخيس بن تميم عن حفص بن عمر عن إبراهيم بن عبد الله بن الزبير عن نافع عن ابن عمر فذكره، قال أبي: هذا حديث باطل، ومخيس وحفص مجهولان.

قلت: وكذا قال الذهبي في ترجمة مخيس وقال: روى عنه هشام بن عمار خبرا منكرا ثم ساق هذا الحديث، وأقره الحافظ في " اللسان ".

ومن هذا الوجه أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (1 / 55 / 33) .

 

(1/290)

 

 

158 - " اغتسلوا يوم الجمعة ولوكأسا بدينار ".

موضوع.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 104) من رواية الأزدي بسنده إلى ابن حبان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا، وقال ابن الجوزي: ابن حبان هو إبراهيم بن البحتري ساقط لا يحتج به.

قلت: هو إبراهيم بن البراء وقد سبق له حديث موضوع (رقم 114) .

هذا وقد تعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 26) فقال: قلت: له طريق آخر أخرجه ابن عدي: حدثنا إبراهيم بن مرزوق: حدثنا

 

(1/290)

 

 

حفص بن عمر أبو إسماعيل الديلمي.... عن أنس مرفوعا به.

قلت: وهذا تعقب فاشل فإن حفص بن عمر هذا كذاب كما قال أبو حاتم فيما نقله الذهبي في " الميزان " ثم ساق له أحاديث هذا أحدها ولهذا قال ابن عراق (248 /2) فلا يصلح شاهدا، ومن الغرائب أن السيوطي أورد الحديث في " الجامع " من رواية ابن عدي هذه، ومن رواية ابن أبي شيبة عن أبي هريرة موقوفا، قال المناوي: وهو شاهد للأول يعني المرفوع، وبه رد المصنف على ابن الجوزي جعله الحديث موضوعا.

قلت: وهذا رد واه فإن الحديث إذا ثبت وضعه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يفيده أن يرد موقوفا على بعض الصحابة إلا أن يكون من الأحاديث التي لا تقال بالاجتهاد والرأي فحينئذ يكون لها حكم المرفوع وليس منها هذا الحديث كما لا يخفى، هذا وقد سقط من النسخة المطبوعة من " اللآليء " إسناد حديث ابن أبي شيبة عن أبي هريرة فلم نتمكن من النظر في صحته ولو أنه موقوف، ثم وقفت على إسناده فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (11 / 20 / 2) : أنبأنا وكيع عن ثور عن زياد النميري عن أبي هريرة قال: لأغتسلن يوم الجمعة ولوكأسا بدينار.

وهذا سند ضعيف، زياد هو ابن عبد الله وهو ضعيف كما في " التقريب "، ثم ساق السيوطي موقوفا آخر على كعب، وسنده ضعيف أيضا، وبالجملة فالحديث موضوع مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ضعيف موقوفا، والله

 

(1/291)

 

 

سبحانه وتعالى أعلم.

ويغني عنه الأحاديث الصحيحة في الأمر بالغسل يوم الجمعة كقوله صلى الله عليه وسلم: " غسل الجمعة واجب على كل محتلم "، رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في " الإرواء " (رقم 143) ، وقد تساهل أكثر الناس بهذا الواجب يوم الجمعة فقل من يغتسل منهم لهذا اليوم، ومن اغتسل فيه فإنما هو للنظافة، لا لأنه من حق الجمعة، فالله المستعان.

159 - " إن الله عز وجل وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الكبير "، ومن طريقه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 189 - 190) من طريق العلاء بن عمرو الحنفي حدثنا أيوب بن مدرك عن مكحول عن أبي الدرداء مرفوعا.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 105) من هذا الوجه وقال: لا أصل له تفرد به أيوب، قال الأزدي: هو من وضعه كذبه يحيى وتركه الدارقطني، وتعقبه السيوطي بقوله (2 / 27) : اقتصر على تضعيفه الحافظان: العراقي في " تخريج الإحياء " وابن حجر في " تخريج الرافعي "، والله أعلم.

قلت: وتقليدا منه لهما، وهو مجتهد عصره! ، أورده في " الجامع الصغير "!

وقد تعقبه الشارح بقوله بعد أن ذكر قول ابن الجوزي السابق: ولم يتعقبه المؤلف بشيء سوى أنه اقتصر على تضعيفه العراقي وابن حجر، ولم يزد على ذلك، وأنت خبير بما في هذا التعقب من التعصب.

 

(1/292)

 

 

قلت: وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 176) بعد أن عزاه للطبراني: وفيه أيوب بن مدرك قال ابن معين: إنه كذاب، ونقل هذا عنه الذهبي في " الميزان " ثم ساق له هذا الحديث وفي " اللسان ": وقال العقيلي: يحدث بمناكير لا يتابع عليها، وقال في حديث العمائم: لا يتابع عليه.

قلت: والراوي عنه العلاء بن عمرو الحنفي متهم أيضا ومن أحاديثه الآتي عقب هذا بإذن الله.

ثم رأيت العقيلي قد أخرجه في " الضعفاء " (ص 42) من طريق يوسف بن عدي قال:

حدثنا أيوب بن مدرك به، ويوسف هذا ثقة من رجال البخاري، فبرئت ذمة العلاء بن عمرو منه وانحصرت التهمة في شيخه أيوب بن مدرك، وأخرجه ابن عدي (18 / 1) من طريق ثالث عنه، وقال: وهذا الحديث منكر.

160 - " أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي ".

موضوع.

أخرجه الحاكم في " المستدرك " (4 / 87) وفي " معرفة علوم الحديث (ص 161 - 162) والعقيلي في " الضعفاء " (327) والطبراني في " الكبير " (3 / 122 /1) و" الأوسط "، وتمام في " الفوائد " (22 / 1) ومن طريقه الضياء المقدسي في " صفة الجنة " (3 / 79 / 1) والبيهقي في " شعب الأيمان "

 

(1/293)

 

 

والواحدي في " تفسيره " (81 / 1) وابن عساكر (6 / 230 / 1 و7 / 34 / 1) وكذا أبو بكر الأنباري في " إيضاح الوقف والابتداء " (ق 6 / 1 نسخة الإسكندرية) كلهم من طريق العلاء بن عمرو الحنفي حدثنا يحيى بن يزيد الأشعري أنبأنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، وله ثلاث علل:

الأولى: العلاء بن عمرو، قال الذهبي في " الميزان ": متروك، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال، ثم ساق له هذا الحديث من طريق العقيلي ثم قال: هذا موضوع، قال أبو حاتم: هذا كذب، ثم ساق له حديثا آخر ثم قال:

وهو كذب، وقال في " اللسان ": وقال الأزدي: لا يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: ربما خالف، وقال النسائي: ضعيف، وقال صالح جزرة: لا بأس به، وقال أبو حاتم:

 

(1/294)

 

 

كتبت عنه وما رأيت إلا خيرا.

قلت: لعل قول أبي حاتم هذا وهو في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 359) قبل أن يطلع على روايته للأحاديث المكذوبة، وإلا فتوثيقه لا يتفق في شيء مع تكذيبه لحديثه كما نقله الذهبي عنه، وهو في كتاب " العلل " لابنه قال: (2 /375 - 376) قال: سألت أبي عن حديث رواه العلاء بن عمرو الحنفي (قلت: فذكره قال) : فسمعت أبي يقول: هذا حديث كذب.

لكن قد يقال: ما دام أن الحديث له علل كثيرة فجائز أن تكون العلة عند أبي حاتم في غير العلاء هذا، والله أعلم.

وقال في ترجمته من " اللسان ": وقال العقيلي بعد تخريجه: منكر ضعيف المتن لا أصل له وأقره الحافظ.

قلت: وليس في نسختنا من العقيلي قوله: ضعيف المتن، والله أعلم.

وتوثيق ابن حبان إياه مع قوله فيما نقله الذهبي عنه لا يجوز الاحتجاج به بحال فيه تناقض ظاهر، فلعل التوثيق كان قبل الاطلاع على حقيقة أمره، والله أعلم.

وقد يؤيده قول الهيثمي في " المجمع " (10 / 52) بعد أن عزاه للطبراني:

وفيه العلاء بن عمرو الحنفي وهو مجمع على ضعفه.

الثانية: يحيى بن يزيد كذا وقع في هذه الرواية: يزيد، قال الذهبي: (وهو تصحيف، وإنما هو: بريد) .

قلت: وكذلك وقع في " الضعفاء " للعقيلى و" المعرفة " للحاكم وهكذا أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 12 / 131) وروى عن ابن معين

 

(1/295)

 

 

أنه قال: ضعيف، وعن ابن نمير قال: ما يسوى تمرة؟ وعن أبي زرعة: منكر الحديث وعن أبيه قال: ضعيف الحديث ليس بالمتروك يكتب حديثه قال في " اللسان ":

وذكره الساجي والعقيلي وابن الجارود في الضعفاء، وقد تابعه عند الحاكم محمد بن الفضل وهو متهم كما سبق في الحديث (26) ثم قال الحاكم: حديث يحيى ابن يزيد عن ابن جريج صحيح، فتعقبه الذهبي بقوله: بل يحيى ضعفه أحمد وغيره، والعلاء بن عمرو الحنفي ليس بعمدة، وأما محمد بن الفضل فمتهم وأظن الحديث موضوعا، وكذلك تعقبه الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (5 /1) فقال: قلت: وليس كما قال، بل هو ضعيف لأن يحيى بن يزيد بن أبي بردة ضعيف عندهم، وكذلك راويه عنه: العلاء بن عمرو الحنفي.

الثالثة: عنعنة ابن جريج فإنه كان مدلسا، قال أحمد:

 

(1/296)

 

 

بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذها:

يعني قوله: أخبرت وحدثت عن فلان كذا في " الميزان ".

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 41) من طريق العقيلي، ثم قال: قال العقيلي: منكر لا أصل له، قال ابن الجوزي: يحيى يروي المقلوبات.

قال السيوطي في " اللآليء " (1 / 442) : قلت: إنما أورده العقيلي في ترجمة العلاء بن عمرو على أنه من مناكيره، وكذا فعل صاحب " الميزان " ثم ذكر توثيق ابن حبان وصالح جزرة للعلاء متغافلا عن قاعدة (الجرح مقدم على التعديل) وعن قول ابن حبان الآخر فيه: لا يحل الاحتجاج به بحال، وعن قول الحافظ العراقي:

ضعيف عندهم، كما تقدم، ثم ذكر تصحيح الحاكم له وما تعقبه الذهبي به، ثم تعقبه السيوطي بقوله: وله شاهد.

قلت: ولكنه منكر باعتراف السيوطي نفسه فلم يصنع شيئا! وهو الآتي بعده.

والحديث أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم " (ص

 

(1/297)

 

 

76 - طبعة الخانجي) من طريق العقيلي وأنه قال: لا أصل له وأن ابن الجوزي ذكره في " الموضوعات " وأقرهما على ذلك، إلا أنه نقل قبل ذلك عن الحافظ السلفي: هذا حديث حسن، قال شيخ الإسلام: فما أدري أراد (حسن إسناده) على طريقة المحدثين أو (حسن متنه) على الاصطلاح العام.

قلت: وغالب الظن أنه أراد الثاني وبه جزم في " الفيض " لكنه عزاه لابن تيمية مع أن كلامه كما رأيت لا يدل على جزمه بذلك، وعلى كل حال فإني أستبعد جدا أن يستحسن السلفي إسناد هذا الحديث مع أن أحسن أحواله أن يكون ضعيفا جدا، وقد حكم بوضعه غير واحد من الأئمة الذين سبقوه مثل أبي حاتم والعقيلي دون أن

يخالفهم في ذلك أحد ممن يوثق بعلمه.

والشاهد الذي أشار إليه السيوطي فيما سبق هو:

161 - " أنا عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 285 / 1 / 9301) قال حدثنا مسعدة بن سعد حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا عبد العزيز بن عمران حدثنا شبل بن العلاء عن أبيه عن جده عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: لم يروه عن شبل إلا عبد العزيز ابن عمران.

وقد ساقه السيوطي في " اللآليء " (1 / 442) شاهدا للحديث الذي قبله ثم عقبه بقوله: قال الذهبي في " المغني ": شبل بن العلاء بن عبد الرحمن، قال ابن عدي: له مناكير.

قلت: وأعله الهيثمي في " المجمع " (10 / 52 - 53) بالراوي عنه فقال:

 

(1/298)

 

 

وفيه عبد العزيز بن عمران وهو متروك.

قلت: وقال ابن معين فيه: ليس بثقة، فالحمل في هذا الحديث عليه أولى، ولهذا قال الحافظ العراقي في " المحجة " (56 / 1) : لكن عبد العزيز بن عمران الزهري متروك قاله النسائي وغيره، وقال البخاري: لا يكتب حديثه، وعلى هذا فلا يصح هذا الحديث وأقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (209) .

ومما يدل على بطلان نسبة هذا الحديث إليه صلى الله عليه وسلم أن فيه افتخاره صلى الله عليه وسلم بعروبته وهذا شيء غريب في الشرع الإسلامي لا يلتئم مع قوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا فضل لعربي على عجمي ... إلا بالتقوى " رواه أحمد (5 / 411) بسند صحيح كما قال ابن تيمية في " الاقتضاء " (ص 69) ولا مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن الافتخار بالآباء وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس بنوآدم، وآدم من تراب، مؤمن تقي وفاجر شقي، لينتهين أقوام يفتخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأفواها ".

رواه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ابن تيمية (ص 35، 69) وهو مخرج في " غاية المرام " (312) .

 

(1/299)

 

 

فإذا كانت هذه توجيهاته صلى الله عليه وسلم لأمته فكيف يعقل أن يخالفهم إلى ما نهاهم عنه؟ !

ومن أحاديث ابن عمران هذه التي تدل على حاله! الحديث الآتي وهو:

162 - " لما تجلى الله للجبل - يعني جبل الطور - طارت لعظمته ستة جبال فوقعت ثلاثة في المدينة، وثلاثة بمكة، بالمدينة أحد وورقان ورضوى، ووقع بمكة حراء وثبير وثور ".

موضوع.

رواه المحاملي في " الأمالي " (1 / 172 / 1) ، ومن طريقه الخطيب في " التاريخ " (10 / 440 ـ 441) وابن الأعرابي في " معجمه " (166 / 2) وابن أبي حاتم في " تفسيره " من طريق عبد العزيز بن عمران عن معاوية بن عبد الله عن الجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس مرفوعا، وقال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (2 / 245) : وهذا حديث غريب بل منكر.

قلت: ولم يبين علته، وهي من عبد العزيز بن عمران فإنه غير ثقة كما تقدم في الحديث الذي قبله، وفي ترجمته ساق له الذهبي هذا الحديث والجلد بن أيوب قال الدارقطني: متروك.

ثم وجدت الحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 120) من طريق الخطيب وقال: قال ابن حبان: موضوع، وعبد العزيز متروك يروي المناكير عن المشاهير، وتعقبه السيوطي (1 / 24) بما لا يجدي، كما هي عادته.

 

(1/300)

 

 

163 - " إذا ذلت العرب ذل الإسلام ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 340) ، وكذا أبو يعلى في " مسنده " (3 / 402 / 1881) عن منصور بن أبي مزاحم حدثنا محمد بن الخطاب البصري عن علي ابن زيد عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا، وذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 376) فقال: سألت أبي عن حديث رواه منصور بن أبي مزاحم فذكره قال: فسمعت أبي يقول: هذا حديث باطل ليس له أصل.

قلت: وله علتان:

الأولى: محمد بن الخطاب فإنه مجهول الحال، قال ابن أبي حاتم في " الجرح " (3 / 2 / 246) : سألت أبي عنه؟ فقال: لا أعرفه، وفي " الميزان "، وقال الأزدي: منكر الحديث، ثم ساق له هذا الحديث، يشير بذلك إلى أنه منكر، وأقره الحافظ في " اللسان " وزاد عليه أن ابن الخطاب هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 139) .

قلت: وتوثيق ابن حبان لا يعتمد عليه كما سبق التنبيه عليه مرارا وبخاصة إذا خولف! .

الأخرى: علي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف وقد مضى.

وأما قول الهيثمي في " المجمع " (10 / 53) : رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن الخطاب البصري ضعفه الأزدي وغيره، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.

 

(1/301)

 

 

فهذا من أوهامه رحمه الله لأن ابن جدعان ليس من رجال الصحيح، ثم هو ضعيف كما تقدم، ومنه تعلم خطأ قول المناوي في " فيض القدير ": قال العراقي في " القرب ": صحيح، ثم نقل ما ذكرت عن الهيثمي آنفا ثم قال: ورمز المصنف لضعفه باطل ... يعني أنه صحيح، ثم ناقض نفسه بنفسه في شرحه الآخر " التيسير " فقال: قال العراقي: صحيح وفيه ما فيه! واغتر بذلك السيد رشيد رضا فقال في مجلة " المنار " (17 / 920) : رواه أبو يعلى بسند صحيح.

ثم رأيت الحافظ العراقي يقول في " محجة القرب في فضل العرب " (5 / 2 - 5 / 1) بعد أن ساق الحديث من طريق أبي يعلى عن منصور به: ومحمد بن الخطاب بن جبير بن حية تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله، وعلي بن زيد بن جدعان مختلف فيه، وقد أخرج له مسلم في المتابعات والشواهد، وذكر في الباب المشار إليه أن محمد بن الخطاب زالت جهالة عينه برواية جماعة عنه ذكرهم، ولا يخفى أن زوال جهالة العين لا يلزم منه زوال جهالة الحال، وعلى هذا فكلام الحافظ المذكور يدل على أن الحديث ضعيف عنده للعلتين اللتين ذكرهما، فهذا التحقيق الذي ذكرته أنا يجعلني أشك في التصحيح الذي نقله المناوي عن العراقي، والحق أنه ضعيف كما رمز له السيوطي، ولولا أن في معناه ما يدل على بطلانه لاقتصرنا على تضعيفه، ذلك لأن الإسلام لا يرتبط عزه بالعرب فقط بل قد يعزه الله بغيرهم من المؤمنين كما وقع ذلك زمن الدولة العثمانية لا سيما في أو ائل أمرها فقد أعز الله بهم الإسلام حتى امتد سلطانه إلى أو اسط أو ربا، ثم لما أخذوا

 

(1/302)

 

 

يحيدون عن الشريعة إلى القوانين الأو ربية (يستبدلون الأدنى بالذي هو خير) تقلص سلطانهم عن تلك البلاد وغيرها حتى لقد زال عن بلادهم! فلم يبق فيها من المظاهر التي تدل على إسلامهم إلا الشيء اليسير! فذل بذلك المسلمون جميعا بعد عزهم ودخل الكفار بلادهم واستذلوهم إلا قليلا منها، وهذه وإن سلمت من استعمارهم إياها ظاهرا فهي تستعمرها بالخفاء تحت ستار المشاريع الكثيرة كالاقتصاد ونحوه! فثبت أن الإسلام يعز ويذل بعز أهله وذله سواء كانوا عربا أو عجما، " ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى "، فاللهم أعز المسلمين وألهمهم الرجوع إلى كتابك وسنة نبيك حتى تعز بهم الإسلام.

بيد أن ذلك لا ينافي أن يكون جنس العرب أفضل من جنس سائر الأمم، بل هذا هو الذي أؤمن به وأعتقده وأدين الله به - وإن كنت ألبانيا فإني مسلم ولله الحمد - ذلك لأن ما ذكرته من أفضلية جنس العرب هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، ويدل عليه مجموعة من الأحاديث الواردة في هذا الباب منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ".

رواه أحمد (4 / 107) والترمذي (4 / 392) وصححه وأصله في " صحيح مسلم " (7 / 48) وكذا البخاري في " التاريخ الصغير " (ص 6) من حديث واثلة بن الأسقع، وله شاهد عن العباس بن عبد المطلب، عند الترمذي وصححه، وأحمد، وآخر عن ابن عمر عند الحاكم (4 / 86) وصححه.

 

(1/303)

 

 

ولكن هذا ينبغي ألا يحمل العربي على الافتخار بجنسه، لأنه من أمور الجاهلية التي أبطلها نبينا محمد العربي صلى الله عليه وسلم على ما سبق بيانه، كما ينبغي أن لا نجهل السبب الذي به استحق العرب الأفضلية، وهو ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم، الأمر الذي أهلهم لأن يكونوا حملة الدعوة الإسلامية إلى الأمم الأخرى، فإنه إذا عرف العربي هذا وحافظ عليه أمكنه أن يكون مثل سلفه عضوا صالحا في حمل الدعوة الإسلامية، أما إذا هو تجرد من ذلك فليس له من الفضل شيء، بل الأعجمي الذي تخلق بالأخلاق الإسلامية هو خير منه دون شك ولا ريب، إذ الفضل الحقيقي إنما هو اتباع ما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان والعلم، فكل من كان فيه أمكن، كان أفضل، والفضل إنما هو بالأسماء المحددة في الكتاب والسنة مثل الإسلام والإيمان والبر والتقوى والعلم، والعمل الصالح والإحسان ونحوذلك، لا بمجرد كون الإنسان عربيا أو أعجميا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وإلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " رواه مسلم، ولهذا قال الشاعر العربي:

لسنا وإن أحسابنا كرمت * * * يوما على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أو ائلنا * * * تبني ونفعل مثل ما فعلوا

وجملة القول: إن فضل العرب إنما هو لمزايا تحققت فيهم فإذا ذهبت بسبب إهمالهم لإسلامهم ذهب فضلهم، ومن أخذ بها من الأعاجم كان خيرا منهم، " لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى "، ومن هنا يظهر ضلال من يدعوإلى العروبة وهو لا يتصف بشيء من خصائصها المفضلة، بل هو أو ربي قلبا وقالبا!

 

(1/304)

 

 

164 - " المدبر لا يباع ولا يوهب، وهو حر من الثلث ".

موضوع.

أخرجه الدارقطني (ص 384) والبيهقي (10 / 314) عن عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وقال الدارقطني: لم يسنده غير عبيدة بن حسان وهو ضعيف، وإنما هو عن ابن عمر موقوف من قوله.

قلت: وعبيدة هذا بالفتح، قال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان (2 /189) : يروي الموضوعات عن الثقات.

قلت: وهذا منها بلا شك فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم باع المدبر، فقال جابر رضي الله عنه: إن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمان مئة درهم، فدفع إليه، رواه البخاري (5 / 25) ومسلم (5 /97) وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (1288) ، والحديث روى منه ابن ماجه (2 / 104) والعقيلي (297) والدارقطني والبيهقي من طريق علي بن ظبيان عن عبيد الله نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " المدبر من الثلث "، وقال ابن ماجه:

 

(1/305)

 

 

سمعت ابن أبي شيبة يقول: هذا خطأ، قال ابن ماجه: ليس له أصل.

قلت: يعني مرفوعا وقال العقيلي: لا يعرف إلا به، يعني علي بن ظبيان، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 432) : سئل أبو زرعة عن حديث رواه علي بن ظبيان عن عبيد الله قلت: فذكره، فقال أبو زرعة: هذا حديث باطل وامتنع من قراءته، ثم أشار ابن أبي حاتم إلى أنه من قول ابن عمر موقوفا عليه ولهذا قال ابن الملقن في " الخلاصة " (179 / 1) : وأطبق الحفاظ على أن الصحيح رواية الوقف.

ورواه أبو داود في " المراسيل " (351) عن أبي قلابة مرسلا، ومع إرساله فيه عمر بن هشام القبطي، مجهول.

ومنه يتبين خطأ السيوطي في إيراده الحديث في " الجامع " بلفظيه! .

165 - " كلوا التين، فلوقلت: إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت: هي التين، وإنه يذهب بالبواسير، وينفع من النقرس ".

ضعيف.

ذكره السيوطي في " الجامع " برواية ابن السني وأبي نعيم والديلمي في " مسند الفردوس " (6 / 47) بدون سند عن أبي ذر، وقال شارحه المناوي:

 

(1/306)

 

 

رووه كلهم من حديث يحيى بن أبي كثير عن الثقة عن أبي ذر.

قلت: فالإسناد ضعيف لجهالة هذا الذي قيل فيه الثقة! فإن هذا التوثيق غيرمقبول عند علماء الحديث حتى ولوكان الموثق إماما جليلا كالشافعي وأحمد حتى يتبين اسم الموثق، فينظر هل هو ثقة اتفاقا أم فيه خلاف، وعلى الثاني ينظر ما هو الراجح أتوثيقه أم تضعيفه؟ وهذا من دقيق نظر المحدثين رضي الله عنهم وشدة تحريهم في رواية الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال العلامة ابن القيم في " زاد المعاد " (3 / 214) بعد أن ذكر الحديث: وفي ثبوته نظر.

قلت: ويغلب على الظن أن هذا الحديث موضوع فإنه ليس عليه نور النبوة، وقد قال الشيخ العجلوني في " الكشف " (1 / 423) : جميع ما ورد في الفاكهة من الأحاديث موضوع، كأنه يعني في فضلها، ثم رأيت الحافظ ابن حجر عزاه في " تخريج أحاديث الكشاف " (4 / 186) لأبي نعيم في الطب والثعلبي من حديث أبي ذر وقال: وفي إسناده من لا يعرف.

166 - " إن أهل البيت ليقل طعمهم فتستنير بيوتهم ".

موضوع.

رواه ابن أبي الدنيا في " كتاب الجوع " (5 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (222) وعنه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 35) وابن عدي (89 / 1) والطبراني في " الأوسط " (2 / 15 / 5298) من طريق عبد الله بن المطلب العجلي عن الحسن بن ذكوان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الطبراني:

 

(1/307)

 

 

لم يروه عن الحسن إلا عبد الله بن المطلب.

قلت: أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: لا يعرف.

وقال ابن الجوزي: لا يصح، قال العقيلي: عبد الله بن المطلب مجهول، وحديثه منكر غير محفوظ، وقال أحمد: الحسن بن ذكوان أحاديثه أباطيل، وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 253) ومع هذا فقد أورده في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني في " الأوسط " عن أبي هريرة، والطريق هو هو! كما رأيت.

والحديث ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 5) من هذا الوجه وقال: سألت أبي عنه؟ قال: هذا حديث كذب، وعبد الله بن المطلب مجهول، وقال الذهبي في " الميزان ": إنه خبر منكر، وأقره الحافظ في " اللسان ".

167 - " البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلا، ويذهب بالداء أصلا ".

موضوع.

أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 282 و10 / 287 ـ المصورة) ، والذهبي في ترجمة أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار الجرجاني حدثنا الفضل بن صالح ابن عبيد حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا، وفيه قصة للزهري مع عبد الملك، وقال ابن عساكر:

 

(1/308)

 

 

شاذ لا يصح، وقال المناوي عقبه في " التيسير ": بل لا يصح أصلا وبينه في " الفيض "، فقال فيه مع شذوذه أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار الجرجاني، قال البيهقي: روى أحاديث موضوعة لا أستحل رواية شيء منها ومنها هذا الخبر، وقال الحاكم: أحمد هذا يضع الحديث كاشفته وفضحته.

قلت: وهذا نقله عن " الميزان "! ووافقه الحافظ في " اللسان " بل إن السيوطي نفسه قد أورد هذا الحديث في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 136 / 645 - بترقيمي) وأعله بما تقدم عن ابن عساكر والذهبي (ص 136) ووافقه ابن عراق (331 / 1) ومع ذلك شان به " الجامع الصغير "!

فائدة: قال الحافظ السخاوي في " المقاصد " وتبعه جماعة: صنف أبو عمر النوقاني في فضائل البطيخ جزءا، وأحاديثه باطلة.

وقد ساق بعضها السيوطي في " الذيل " ولوائح الوضع عليها ظاهرة جدا.

168 - " بركة الطعام الوضوء قبله وبعده ".

ضعيف.

أخرجه الطيالسي في " مسنده " (655) : حدثنا قيس عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان قال: في التوراة أن بركة الطعام الوضوء قبله، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

وأخرجه أبو داود (3761) والترمذي (1 / 329) وعنه البغوي في " شرح

السنة " (3 / 187 / 1) والحاكم (4 / 106 - 107) وأحمد (5 / 441) من طرق عن قيس بن الربيع به، وقال أبو داود:

 

(1/309)

 

 

وهو ضعيف، وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الربيع، وقيس يضعف في الحديث.

وقال الحاكم: تفرد به قيس بن الربيع عن أبي هاشم، وانفراده على علو محله أكثر من أن يمكن تركه في هذا الكتاب، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: مع ضعف قيس فيه إرسال.

قلت: ولم يتبين لي الإرسال الذي أشار إليه، فإن قيسا قد صرح بالتحديث عن أبي هاشم، وهذا من الرواة عن زاذان، وقيل لابن معين: ما تقول في زاذان؟ روى عن سلمان؟ قال: نعم روى عن سلمان وغيره، وهو ثبت في سلمان.

فعلة الحديث قيس هذا وبه أعله كل من ذكرنا وغيرهم، ففي " تهذيب السنن " لابن القيم (5 / 297 / 298) أن مهنا سأل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال: هو منكر ما حدث به إلا قيس بن الربيع.

والحديث أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 10) فقال: سألت أبي عنه؟

فقال: هذا حديث منكر، لوكان هذا الحديث صحيحا، كان حديثا ويشبه هذا الحديث أحاديث أبي خالد الواسطي عمرو بن خالد، عنده من هذا النحوأحاديث موضوعة عن أبي هاشم.

قلت: وعمرو بن خالد هذا كذاب فإن كان الحديث حديثه فهو موضوع، والله أعلم.

 

(1/310)

 

 

وأما قول المنذري في " الترغيب " (3 / 129) بعد أن ساق كلام الترمذي في قيس ابن الربيع: قيس بن الربيع صدوق وفيه كلام لسوء حفظه لا يخرج الإسناد عن حد الحسن.

قلت: وهذا كلام مردود بشهادة أولئك الفحول من الأئمة الذين خرجوه وضعفوه فهم أدري بالحديث وأعلم من المنذري، والمنذري يميل إلى التساهل في التصحيح والتحسين، وهو يشبه في هذا ابن حبان والحاكم من القدامى، والسيوطي ونحوه من المتأخرين، وفي الباب حديث آخر ولكنه منكر، تقدم برقم (117) ، ثم قال المنذري: وقد كان سفيان يكره الوضوء قبل الطعام، قال البيهقي: وكذلك مالك ابن أنس كرهه، وكذلك صاحبنا الشافعي استحب تركه، واحتج بالحديث، يعني حديث ابن عباس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء ثم إنه رجع فأتي بالطعام، فقيل: ألا تتوضأ؟ قال: " لم أصل فأتوضأ ".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي بنحوه إلا أنهما قالا: " إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة ".

قلت: فهذا دليل آخر على ضعف الحديث وهو ذهاب هؤلاء الأئمة الفقهاء إلى خلافه ومعهم ظاهر هذا الحديث الصحيح.

وقد تأول بعضهم الوضوء في هذا الحديث بمعنى غسل اليدين فقط، وهو معنى غير معروف في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى "

 

(1/311)

 

 

(1 / 56) فلوصح هذا الحديث لكان دليلا ظاهرا على استحباب الوضوء قبل الطعام وبعده ولما جاز تأويله.

هذا، واختلف العلماء في مشروعية غسل اليدين قبل الطعام على قولين، منهم من استحبه، ومنهم من لم يستحبه، ومن هؤلاء سفيان الثوري فقد ذكر أبو داود عنه أنه كان يكره الوضوء قبل الطعام، قال ابن القيم: والقولان هما في مذهب أحمد وغيره، والصحيح أنه لا يستحب.

قلت: وينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن على اليدين من الأوساخ ما يستدعي غسلهما، وإلا فالغسل والحالة هذه لا مسوغ للتوقف عن القول بمشروعيته، وعليه يحمل ما رواه الخلال عن أبي بكر المروذي قال: رأيت أبا عبد الله يعني الإمام أحمد يغسل يديه قبل الطعام وبعده، وإن كان على وضوء.

والخلاصة أن الغسل المذكور ليس من الأمور التعبدية، لعدم صحة الحديث به، بل هو معقول المعنى، فحيث وجد المعنى شرع وإلا فلا.

169 - " إن لكل شيء قلبا، وإن قلب القرآن يس، من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرات ".

موضوع.

أخرجه الترمذي (4 / 46) والدارمي (2 / 456) من طريق حميد بن عبد الرحمن عن الحسن بن صالح عن هارون أبي محمد عن مقاتل بن حيان عن قتادة عن أنس مرفوعا وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وهارون أبو محمد مجهول، وفي الباب عن أبي بكر الصديق ولا يصح، وإسناده ضعيف وفي الباب عن أبي هريرة.

 

(1/312)

 

 

قلت: كذا في نسختنا من الترمذي حسن غريب، ونقل المنذري في " الترغيب " (2 /322) والحافظ ابن كثير في " تفسيره " (3 / 563) والحافظ في " التهذيب " أنه قال: حديث غريب ليس في نقلهم عنه أنه حسنه، ولعله الصواب فإن الحديث ضعيف ظاهر الضعف بل هو موضوع من أجل هارون، فقد قال الحافظ الذهبي في ترجمته

بعد أن نقل عن الترمذي تجهيله إياه: قلت: أنا أتهمه بما رواه القضاعي في " شهابه ": ثم ساق له هذا الحديث، قلت: هو فيه برقم (1035) .

وفي " العلل " (2 / 55 - 56) لابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقال: مقاتل هذا، هو مقاتل بن سليمان، رأيت هذا الحديث في أول كتاب وضعه مقاتل بن سليمان وهو حديث باطل لا أصل له.

قلت: كذا جزم أبو حاتم - وهو الإمام الحجة - أن مقاتلا المذكور في الإسناد هو ابن سليمان مع أنه وقع عندي الترمذي والدارمي مقاتل بن حيان كما رأيت، فلعله خطأ من بعض الرواة، ويؤيده أن الحديث رواه القضاعي كما سبق وكذا أبو الفتح الأزدي من طريق حميد الرؤاسي بسنده المتقدم عن مقاتل عن قتادة به، كذا قال:

عن مقاتل، لم ينسبه فظن بعض الرواة أنه ابن حيان فنسبه إليه، من هؤلاء الأزدي نفسه فإنه ذكر عن وكيع أنه قال في مقاتل بن حيان: ينسب إلى الكذب قال الذهبي:

كذا قال أبو الفتح وأحسبه التبس عليه مقاتل بن حيان بمقاتل بن سليمان فابن حيان صدوق قوي الحديث، والذي كذبه وكيع هو ابن سليمان، ثم قال أبو الفتح (قلت: فساق إسناد الحديث كما ذكرت آنفا) فتعقبه الذهبي بقوله: قلت: الظاهر أنه مقاتل بن سليمان.

 

(1/313)

 

 

قلت: وإذا ثبت أنه ابن سليمان كما استظهره الذهبي وجزم به أبو حاتم فالحديث موضوع قطعا لأنه أعني ابن سليمان كذاب كما قال وكيع وغيره.

ثم اعلم أن حديث أبي بكر الذي أشار إليه الترمذي وضعفه لم أقف على متنه وأما حديث أبي هريرة فقال الحافظ ابن كثير: منظور فيه ثم قال: قال أبو بكر البزار حدثنا عبد الرحمن بن الفضل حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حميد المكي مولى آل علقمة عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مرفوعا به دون قوله: " من قرأها ... " ثم قال البزار: لا نعلم رواه إلا زيد عن حميد.

قلت: وحميد هذا مجهول كما قال الحافظ في " التقريب " وعبد الرحمن بن الفضل شيخ البزار لم أعرفه، وحديثه في " كشف الأستار " برقم (2304) .

والحديث مما شان به السيوطي " جامعه " وكذا الشيخ الصابوني " مختصره " 3 /154) الذي زعم أنه لا يذكر فيه إلا الصحيح من الحديث! وهيهات فإنه مجرد ادعاء! .

170 - " إن آدم صلى الله عليه وسلم لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون} قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة، حتى يهبط بهما الأرض، فننظر كيف يعملان؟ قالوا: ربنا! هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض، ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تكلما

 

(1/314)

 

 

بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله، فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها قالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: والله لا نقتله أبدا، فذهبت ثم رجعت بقدح خمر، فسألاها نفسها، قالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبى، فلما أفاقا، قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا مما أبيتما علي إلا قد فعلتما حين سكرتما، فخيرا بين عذاب الدنيا والآخرة، فاختارا عذاب الدنيا ".

باطل مرفوعا.

أخرجه ابن حبان (717 ـ موارد) وأحمد (2 / 134 ورقم 6178 - طبع شاكر) وعبد بن حميد في " المنتخب " (ق 86 / 1) وابن أبي الدنيا في " العقوبات " (ق 75 / 2) والبزار (2938 ـ الكشف) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (651) من طريق زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع مولى ابن عمر عن

عبد الله بن عمر أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.

وقال البزار: رواه بعضهم عن نافع عن ابن عمر موقوفا وإنما أتى رفع هذا عندي من زهير لأنه لم يكن بالحافظ.

قلت: والموقوف صحيح كما يأتي وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره " (1 / 254) : وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ورجاله كلهم ثقات من رجال " الصحيحين " إلا موسى بن جبير هذا هو الأنصاري.... ذكره ابن أبي حاتم في " كتاب الجرح والتعديل " (4 / 1 / 139) ولم يحك فيه شيئا من هذا ولا هذا، فهو مستور الحال، وقد تفرد به عن نافع.

 

(1/315)

 

 

وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 451) ولكنه قال: وكان يخطيء ويخالف.

قلت: واغتر به الهيثمي فقال في " المجمع " (5 / 68) بعد ما عزى الحديث لأحمد والبزار: ورجاله رجال الصحيح خلا موسى بن جبير وهو ثقة.

قلت: لو أن ابن حبان أورده في كتابه ساكتا عليه كما هو غالب عادته لما جاز الاعتماد عليه لما عرف عنه من التساهل في التوثيق فكيف وهو قد وصفه بقوله:

يخطيء ويخالف وليت شعري من كان هذا وصفه فكيف يكون ثقة ويخرج حديثه في " الصحيح "؟ ! .

قلت: ولذلك قال الحافظ ابن حجر في موسى هذا: إنه مستور، ثم إن الراوي عنه زهير بن محمد وإن كان من رجال " الصحيحين " ففي حفظه كلام كثير ضعفه من أجله جماعة، وقد عرفت آنفا قول البزار فيه أنه لم يكن بالحافظ.

وقال أبو حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 590) : محله الصدق، وفي حفظه سوء، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه، فما حدث من كتبه فهو صالح، وما حدث من حفظه ففيه أغاليط.

قلت: ومن أين لنا أن نعلم إذا كان حدث بهذا الحديث من كتابه، أو من حفظه؟ !

ففي هذه الحالة يتوقف عن قبول حديثه، هذا إن سلم من شيخه المستور، وقد تابعه مستور مثله، أخرجه ابن منده كما في ابن كثير من طريق سعيد بن سلمة حدثنا موسى ابن سرجس عن نافع به بطوله.

سكت عن علته ابن كثير ولكنه قال:

 

(1/316)

 

 

غريب، أي ضعيف، وفي " التقريب " موسى بن سرجس مستور.

قلت: ولا يبعد أن يكون هو الأول، اختلف الرواة في اسم أبيه، فسماه بعضهم جبيرا، وبعضهم سرجسا، وكلاهما حجازي، والله أعلم.

ثم قال الحافظ ابن كثير: وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال عبد الرزاق في " تفسيره ": عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار قال: ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب فقيل لهم: اختاروا منكم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت ... إلخ، رواه ابن جرير من طريقين عن عبد الرزاق به، ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عصام عن مؤمل عن سفيان الثوري به، ورواه ابن جرير أيضا حدثني المثنى أخبرنا المعلى وهو ابن أسد أخبرنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة حدثني سالم أنه سمع عبد الله يحدث عن كعب الأحبار فذكره، فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل، وعلق عليه الشيخ رشيد رضا رحمه الله بقوله:

 

(1/317)

 

 

من المحقق أن هذه القصة لم تذكر في كتبهم المقدسة، فإن لم تكن وضعت في زمن روايتها فهي في كتبهم الخرافية، ورحم الله ابن كثير الذي بين لنا أن الحكاية خرافة إسرائيلية وأن الحديث المرفوع لا يثبت.

قلت: وقد استنكره جماعة من الأئمة المتقدمين، فقد روى حنبل الحديث من طريق أحمد ثم قال: قال أبو عبد الله (يعني الإمام أحمد) : هذا منكر، وإنما يروى عن كعب، ذكره في " منتخب ابن قدامة " (11 / 213) ، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 69 - 70) : سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر.

قلت: ومما يؤيد بطلان رفع الحديث من طريق ابن عمر أن سعيد بن جبير ومجاهدا روياه عن ابن عمر موقوفا عليه كما في " الدر المنثور " للسيوطي (1 / 97 - 98) وقال ابن كثير في طريق مجاهد: وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن عمر، ثم هو - والله أعلم - من رواية ابن عمر عن كعب كما تقدم بيانه من رواية سالم عن أبيه، ومن ذلك أن فيه وصف الملكين بأنهما عصيا الله تبارك وتعالى بأنواع من المعاصي على خلاف وصف الله تعالى لعموم ملائكته في قوله عز وجل: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} .

وقد رويت فتنة الملكين في أحاديث أخرى ثلاثة، سيأتي الكلام عليها في المجلد الثاني رقم (910 و912 و913) إن شاء الله تعالى.

 

(1/318)

 

 

171 - " من ولد له مولود، فسماه محمدا تبركا به، كان هو ومولوده في الجنة ".

موضوع.

رواه ابن بكير في " فضل من اسمه أحمد ومحمد " (ق 58 / 1) ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 157) حدثنا حامد بن حماد بن المبارك العسكري حدثنا إسحاق بن يسار أبو يعقوب النصيبي حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا حماد بن سلمة عن برد بن سنان عن مكحول عن أبي أمامة مرفوعا، وقال ابن الجوزي: في إسناده من تكلم فيه، ولم يزد، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 106) بقوله: قلت: هذا أمثل حديث ورد في الباب، وإسناده حسن، ومكحول من علماء التابعين وفقهائهم وثقه غير واحد، واحتج به مسلم في " صحيحه "، وروى له البخاري في " الأدب "، والأربعة، وثقه ابن معين والنسائي، وضعفه ابن المديني وقال أبو حاتم: ليس بالمتين، وقال مرة:

كان صدوقا، وقال أبو زرعة: لا بأس به، والله أعلم.

قلت: لقد أبعد السيوطي عفا الله عنه النجعة فأخذ يتكلم على بعض رجال السند موهما أنهم موضع النظر منه، مع أن علة الحديث ممن دونهم، ألا وهو حامد بن حماد العسكري شيخ ابن بكير قال الذهبي في " الميزان ": روى عن إسحاق بن يسار النصيبي خبرا موضوعا هو آفته، ثم ساق له هذا.

ووافقه الحافظ ابن حجر في " اللسان ".

ولذلك قال المحقق ابن القيم:

 

(1/319)

 

 

إنه حديث باطل، كما نقله الشيخ القاري في " موضوعاته " عنه، (ص 109) وأقره.

وغفل عن هذا التحقيق المناوي فأقر تحت الحديث الآتي (437) السيوطي على تحسينه فلا تغتر به، ثم وجدت ابن عراق قد تعقب السيوطي في " تنزيه الشريعة " (82 / 1) بمثل ما تعقبته به، إلا أنه زاد فقال: لكن وجدت له طريقا أخرى أخرجها ابن بكير أيضا والله أعلم.

قلت: وسكت عليه! وفيه ثلاثة لم أجد من ذكرهم، فأحدهم آفته.

172 - " قال الله لداود: يا داود ابن لي في الأرض بيتا، فبنى داود بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمر به، فأوحى الله إليه: يا داود بنيت بيتك قبل بيتي؟ قال: أي رب هكذا قلت فيما قضيت: من ملك استأثر، ثم أخذ في بناء المسجد، فلما تم سور الحائط سقط، فشكا ذلك إلى الله، فأوحى الله إليه أنه لا يصح أن تبني لي بيتا! قال: أي رب ولم؟ قال: لما جرى على يديك من الدماء، قال: أي رب أولم يكن ذلك في هو اك؟ قال: بلى ولكنهم عبادي وإمائي وأنا أرحمهم، فشق ذلك عليه فأوحى الله إليه: لا تحزن فإني سأقضى بناءه على يد ابنك سليمان ... ".

باطل موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 12) و" مسند الشاميين " (ص 62 و 99 - المصورة) ، وابن حبان في " الضعفاء " (2 / 300) وعنه

 

(1/320)

 

 

ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 200) ، عن محمد بن أيوب بن سويد حدثنا أبي حدثنا إبراهيم ابن أبي عبلة عن أبي الزاهرية عن رافع بن عمير مرفوعا، وقال ابن الجوزي:

موضوع، محال، تتنزه الأنبياء عن مثله ويقبح أن يقال: أبيح له قتل قوم أو أمر بذلك، ثم أبعد بذلك عن الرضا، كيف وقد قال تعالى في حق العصاة: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} قال ابن حبان: ومحمد بن أيوب يروي الموضوعات وأقره السيوطي في " اللآلئ " (1 / 170) وقال: قلت: أخرجه الطبراني وابن مردويه في " التفسير " وقد وافق صاحب " الميزان " على أنه موضوع، قال أبو زرعة: محمد بن أيوب رأيته قد أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة.

وقال ابن حبان، كان يضع الحديث، والموضوع منه قصة داود، وأما سؤال سليمان الخصال الثلاث فورد من طرق أخرى.

قلت: وقد حذفت السؤال منه وأشرت إليه بالنقط ( ... ) لأنه صحيح من حديث عبد الله بن عمرو، وقد صححه جمع كما هو مبين في " التعليق الرغيب " (2 /137) ، وراجع تعليقي على " صحيح ابن خزيمة " (2 / 288 / 1334) ، وقد أورده بتمامه الهيثمي (4 / 7 - 8) وقال: رواه الطبراني في " الكبير " وفيه محمد ابن أيوب ابن سويد الرملي وهو متهم بالوضع.

 

(1/321)

 

 

173 - " فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة ".

موضوع.

أخرجه أبو الشيخ في " العظمة " (1 / 297 / 42) وعنه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 144) من طريق عثمان بن عبد الله القرشي حدثنا إسحاق بن نجيح الملطي حدثنا عطاء الخراساني عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: عثمان وشيخه كذابان، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 227) بقوله: قلت:

اقتصر العراقي في " تخريج الإحياء " على تضعيفه، وله شاهد.

قلت: ثم ساق من رواية الديلمي وهذا في " مسنده " (2 / 46) بسنده إلى سعيد ابن ميسرة سمعت أنس بن مالك يقول: تفكر ساعة في اختلاف الليل والنهار خير من عبادة ألف سنة.

قلت: هذا مع كونه موقوفا ومغايرا للفظ الحديث فهو موضوع أيضا، سعيد بن ميسرة قال الذهبي: مظلم الأمر، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات، وقال الحاكم:

روى عن أنس موضوعات، وكذبه يحيى القطان.

قلت: فمثله لا يستشهد به ولا كرامة! ولذلك فقد أساء بذكره في " جامعه ".

 

(1/322)

 

 

174 - " إذا بنى الرجل المسلم سبعة أو تسعة أذرع، ناداه مناد من السماء: أين تذهب يا أفسق الفاسقين؟! ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 75) من طريق الطبراني قال: حدثنا علي بن سعيد الرازي قال: حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي قال: حدثنا الوليد بن موسى الدمشقي قال: حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن الحسن عن أنس

 

(1/322)

 

 

مرفوعا وقال: غريب من حديث الحسن ويحيى والأوزاعي، تفرد به الوليد بن موسى القرشي وهو ضعيف ليس كالوليد بن موسى الدمشقي.

قلت: وابن موسى هذا القرشي قال الذهبي في " الميزان ": قال الدارقطني: منكر الحديث، وقواه أبو حاتم، وقال غيره: متروك، ووهاه العقيلي وابن حبان، وله حديث موضوع.

قلت: ولعله يشير إلى هذا الحديث فإنه ظاهر الوضع لأن الارتفاع بالبناء القدر المذكور في هذا الحديث ليس ذنبا بله كبيرة حتى يحكم على فاعله بأنه أفسق الفاسقين، فقاتل الله الوضاعين ما أقل حياءهم وأجرأهم على النار.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " بهذا اللفظ وبلفظ: " من بنى فوق عشرة أذرع ناداه مناد من السماء: يا عدوالله إلى أين تريد "، وقال: رواه الطبراني عن أنس، أما شارحه المناوي فقال: أغفل المصنف من خرجه، وعزاه في " الدرر " إلى الطبراني عن أنس، وفيه

 

(1/323)

 

 

الربيع بن سليمان الجيزي أورده الذهبي في " ذيل الضعفاء " وقال: كان فقيها دينا لم يتقن السماع من ابن وهب.

قلت: تعصيب الجناية بالجيزي مع أن فوقه من هو أشد ضعفا منه ليس من الإنصاف في شيء ألا وهو الوليد بن موسى القرشي فقد عرفت مما سبق أنه متهم، ثم إن الحسن هو البصري وهو على جلالة قدره مدلس ولم يصرح بسماعه من أنس فهو منقطع.

ثم إن الحديث لم يورده الهيثمي في " المجمع " وإنما أورد فيه (4 / 70) ما نصه: وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر ببنية قبة لرجل من الأنصار فقال: " ما هذه "؟ قالوا: قبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

" كل بناء، وأشار بيده على رأسه أكبر من هذا فهو وبال على صاحبه يوم القيامة "، رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات.

قلت: هذا رواه أبو داود في " سننه " (3 / 347 و348) بنحوه من طريق آخر تبين فيما بعد أنه جيد، كما قال الحافظ العراقي، فنقلته إلى " الصحيحة " (8830) .

175 - " من بنى بناء فوق ما يكفيه كلف يوم القيامة بحمله على عاتقه ".

باطل.

أخرجه الطبراني (3 / 71 / 2) وابن عدي (333 / 1 - 2) وأبو نعيم (8 / 246) من طريق المسيب بن واضح حدثنا يوسف عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود مرفوعا، وقال أبو نعيم وابن عدي: غريب من حديث الثوري تفرد به المسيب عن يوسف، ثم رواه أبو نعيم (8 / 252) من طريق محمد يعني ابن المسيب حدثنا عبد الله بن خبيق حدثنا يوسف بن أسباط به.

 

(1/324)

 

 

قلت: وهذا سند ضعيف من أجل يوسف بن أسباط قال أبو حاتم: كان رجلا عابدا، دفن كتبه، وهو يغلط كثيرا، وهو رجل صالح، لا يحتج به، كما في " الجرح " (4 / 2 / 418) ، والحديث أورده السيوطي في " الجامع " والهيثمي في " المجمع " (4 / 70) وقال: رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه المسيب بن واضح وثقه النسائي وضعفه جماعة.

قلت: قد تابعه عبد الله بن خبيق كما سبق، فعلة الحديث من شيخهما ابن أسباط، ثم إن له علة أخرى هي الانقطاع بين أبي عبيدة وأبيه عبد الله بن مسعود فإنه لم يسمع منه وأشار لهذا الحافظ العراقي فقال في " تخريج الإحياء " (4 / 204) :

رواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد فيه لين وانقطاع، والحديث قال الذهبي في ترجمة المسيب: وهذا حديث منكر، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 115 و116) : سألت أبي عن حديث رواه المسيب بن واضح عن يوسف بن أسباط..

قلت: فذكره، قال: قال أبي: هذا حديث باطل لا أصل له بهذا الإسناد.

176 - " لا تسقوني حلب امرأة ".

منكر.

أخرجه وكيع في " الزهد " (3 / 494 / 408) حدثنا قيس بن الربيع عن امرئ القيس عن عاصم بن بحير عن ابن أبي الشيخ المحاربي قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " نصركم الله يا معشر محارب! لا تسقوني ... ".

 

(1/325)

 

 

وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " (6 / 43) من طريقين آخرين عن قيس بن الربيع به، وزاد أحدهما: قال قيس بن الربيع: فرأيت امرأ القيس إذا أتى بشيراز (كذا) قال: حلاب امرأة هذا؟ .

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم، ابن أبي الشيخ لا يعرف إلا في هذا الحديث بهذا الإسناد، أورده ابن الأثير وغيره هكذا في الصحابة.

وعاصم بن بحير ـ بالحاء المهملة مكبرا أو مصغرا ـ كما في" الإكمال " وغيره ولم أجد له ترجمة، وامرؤ القيس، أورده في " الميزان " بروايته هذه عن عاصم وقال: قال الأزدي: حدث بخبر منكر لا يصح، وكذا في " اللسان ".

وقيس بن الربيع، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به.

قلت: فلا يبعد أن يكون هذا الحديث بهذا الإسناد المظلم مما أدخله عليه ابنه والله أعلم.

177 - " من بنى بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء، أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان أجره جاريا ما انتفع به أحد من خلق الرحمن تبارك وتعالى ".

ضعيف.

أخرجه أحمد (3 / 438) والطحاوي في " المشكل " (1 / 416 - 417) والطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 187 / رقم 410 و411) من طريق زبان بن فائد عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه مرفوعا.

 

(1/326)

 

 

وهذا ضعيف من أجل زبان فإنه ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته كما قال الحافظ في " التقريب "، والحديث قال في " المجمع " (4 / 70) : رواه أحمد والطبراني في " الكبير " وفيه زبان بن فائد ضعفه أحمد وغيره، ووثقه أبو حاتم.

178 - " من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ".

موضوع.

أخرجه الترمذي (3 / 318) وابن أبي الدنيا في " ذم الغيبة " وابن عدي (296 / 2) والخطيب في " تاريخه " (2 / 339 - 340) من طريق محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل مرفوعا، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل، وخالد بن معدان لم يدرك معاذ بن جبل.

قلت: أنى له الحسن إذن؟ ! فإنه مع هذا الانقطاع فيه محمد بن الحسن هذا، كذبه ابن معين وأبو داود كما في " الميزان " ثم ساق له هذا الحديث، ولهذا أورده الصغاني في " الموضوعات " (ص 6) ومن قبله ابن الجوزي (3 / 82) ذكره من طريق ابن أبى الدنيا ثم قال: لا يصح محمد بن الحسن كذاب، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 293) بقوله: قلت: أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب، وله شاهد.

قلت: ثم ذكر الشاهد وهو من طريق الحسن قال:

 

(1/327)

 

 

كانوا يقولون: " من رمى أخاه بذنب تاب إلى الله منه، لم يمت حتى يبتليه الله به "، وهو مع أنه ليس مرفوعا

إليه صلى الله عليه وسلم، فإن في سنده صالح بن بشير المري، وهو ضعيف كما في " التقريب " فلا يصح شاهدا لضعفه وعدم رفعه، وقد رواه عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (ص 281) قال أخبرت عن سيار حدثنا صالح المري قال: سمعت الحسن يقول: فذكره، وله شاهد آخر مرفوع ولكنه ضعيف فانظر أجوبة ابن حجر على

القزويني مع مقدمتي لها المنشورة في آخر " المشكاة " بتحقيقنا (ج 3 ص ح) .

179 - " الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض ".

موضوع.

أخرجه أبو يعلى (439) وابن عدي (296 / 2) والحاكم (1 / 492) والقضاعي (4 / 2 / 1) من طريق الحسن بن حماد الضبي حدثنا محمد بن الحسن بن الزبير الهمداني حدثنا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه مرفوعا، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح فإن محمد بن الحسن هذا هو التل وهو صدوق في الكوفيين ووافقه الذهبي وهذا منه خطأ فاحش لأمرين:

الأول: أن فيه انقطاعا كما ذكره الذهبي نفسه في " الميزان " بين علي بن الحسين وجده علي بن أبي طالب.

الآخر: أن محمد بن الحسن الهمداني هذا ليس هو التل الصدوق كما قال الحاكم، وإنما هو محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني الكذاب المذكور في

 

(1/328)

 

 

الحديث المتقدم ويدل على هذا أمور:

1 - أن الذهبي نفسه أورد الحديث في ترجمته بعد أن نقل تكذيبه عن ابن معين وغيره، وكذلك أورده ابن عدي في ترجمته، فإيراد السيوطي الحديث في " الجامع " خطأ.

2 - أن الحديث ذكره الهيثمي في " المجمع " (10 / 147) وقال: رواه أبو يعلى وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد وهو متروك.

3 - أن محمد بن الحسن التل لم يذكر في شيوخه جعفر بن محمد، وإنما ذكر هذا في شيوخ محمد بن الحسن الهمداني.

4 - أن التل لم ينسب إلى همدان، وإنما نسب إليها ابن أبي يزيد، فالظاهر أن لفظة (الزبير) تحرفت على بعض الرواة في " المستدرك " من (أبي يزيد) ، وبناء عليه ذهب الحاكم إلى أنه التل فأخطأ والله أعلم.

والجملة الأولى من الحديث وردت من كلام الفضيل بن عياض، رواه السلفي في " الطيوريات " (64 / 1) ، ورويت في حديث آخر لا يصح وهو:

180 - " ألا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويدر لكم أرزاقكم؟ تدعون الله ليلكم ونهاركم، فإن الدعاء سلاح المؤمن ".

ضعيف.

رواه أبو يعلى (3 / 346 / 1812) من طريق سلام بن سليم عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا.

وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 147) : رواه أبو يعلى من حديث جابر بن عبد الله وفيه محمد بن أبي حميد وهو ضعيف.

وأما قول الشيخ العجلوني في " الكشف " (1 / 403) عقب الحديث المتقدم

 

(1/329)

 

 

وقول الهيثمي هذا: وقال ابن الغرس: قال شيخنا: صحيح، فلعله أراد باعتبار انجباره فتدبر.

قلت: قد علمت أن الحديث الذي قبله موضوع فلا تأثير له في تقوية هذا الحديث الضعيف، كما هو مقرر في علم المصطلح.

على أن له علة أخرى تبينت لي بعد أن وقفت على إسناده في " مسند أبي يعلى "، فإنه قال: حدثنا أبو الربيع حدثنا سلام يعني ابن سليم عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله به.

قلت: سلام هذا هو الطويل المدني، وهو متروك متهم بالوضع فإعلال الحديث به أولى من إعلاله بمحمد بن أبي حميد وقد مضى له حديث موضوع برقم (58) وآخر ضعيف توبع عليه برقم (26) فالحديث موضوع أيضا كالذي قبله، وليس ضعيفا فقط كما كنا عللناه بابن أبي حميد من قبل بناء على عبارة الهيثمي فتنبه.

181 - " إن الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة، وترك الدعاء معصية ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 147) وابن عدي في " الكامل " (11 / 2) من طريق إسماعيل بن يحيى التيمي عن مسعر بن كدام عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا.

وهذا إسناد موضوع، إسماعيل هذا كذاب كما قال أبو علي النيسابوري والدارقطني والحاكم، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه بواطيل، وعطية العوفي ضعيف وقد مضى له حديث رقم (24) .

 

(1/330)

 

 

وقال المناوي في " شرح الجامع ": قال الهيثمي: وفيه عطية العوفي ضعيف، قال السخاوي: سنده ضعيف.

وقد ذهلوا جميعا عن علة الحديث الحقيقية، وإلا لما جاز تعصيب الجناية برأس عطية دون إسماعيل الكذاب! ولعله لذلك أورده السيوطي في " الجامع ".

ثم إن مما يدل على بطلان الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه "، رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1486) .

فهذا يدل على أن الحسنة سبب في زيادة الرزق كما أنها سبب في إطالة العمر، ولا تعارض عند التحقيق بين هذا وبين قوله تعالى {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} ولبسط هذا موضع آخر.

182 - " خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم ".

موضوع.

أخرجه أبو داود (رقم 5120) من طريق أيوب بن سويد عن أسامة بن زيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا من أجل أيوب بن سويد ضعفه أحمد وأبو داود وغيرهما.

وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 231) :

سمعت أبي قال: أول ما أنكرنا على أيوب بن سويد حديث أسامة بن زيد عن

 

(1/331)

 

 

سعيد بن المسيب عن سراقة بن مالك (فذكر هذا الحديث) ، وما أعلم أسامة روى عن سعيد بن المسيب شيئا، وقال في موضع آخر (2 / 209) : قال أبي: كنت أسمع منذ حين يذكر عن يحيى بن معين أنه سئل عن أيوب بن سويد فقال: ليس بشيء، وسعيد بن المسيب عن سراقة لا يجيء، وهذا حديث موضوع، بابه حديث الواقدي.

والحديث أعله المنذري في " مختصر السنن " (8 / 18) بأيوب بن سويد، وبالانقطاع بين سعيد بن المسيب وسراقة، وذهل المناوي في " شرح الجامع الصغير " عن الانقطاع فأعله بأيوب فقط؟

وأورده الهيثمي في " المجمع " (8 / 110) من حديث خالد بن عبد الله بن حرملة المدلجي ثم قال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.

والذي تقتضيه الصناعة الحديثية أن الحديث ضعيف جدا، لولا حكم أبي حاتم بوضعه فإنه إمام حجة، والله أعلم.

183 - " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ".

ضعيف.

أخرجه الدارقطني (ص 161) والحاكم (1 / 246) والبيهقي (3 / 57) من طريق سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، سكت عنه الحاكم! وقال البيهقي: وهو ضعيف.

قلت: وعلته سليمان هذا فإنه ضعيف جدا، قال ابن معين: ليس بشيء.

 

(1/332)

 

 

وقال البخاري: منكر الحديث، قال الذهبي: قال البخاري: من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل رواية حديثه.

ثم أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن سكين الشقري المؤذن، أنبأنا عبد الله بن بكير الغنوي، عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا به، وفي لفظ عنده: " لا صلاة لمن سمع النداء ثم لم يأت إلا من علة ".

وهذا سند ضعيف من أجل محمد بن سكين، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 283) وساق له هذا الحديث باللفظ الثاني ثم قال: سمعت أبي يقول: هو مجهول، والحديث منكر، وقال الذهبي في " الميزان ": لا يعرف وخبره منكر، ثم ساق له هذا الحديث باللفظ الأول، ثم قال: قال الدارقطني:

هو ضعيف.

ورواه أحمد في " مسائل ابنه صالح " (ص 56) بسند صحيح عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي به موقوفا عليه، وزاد قيل: ومن جار المسجد؟ قال: " من سمع النداء "، ثم رواه من طريق أبي إسحاق عن الحارث عنه دون الزيادة.

والحديث أخرجه العقيلي في " الضعفاء " من هذا الوجه باللفظ الثاني ثم قال:

وهذا يروى من وجه آخر صالح.

قلت: يشير إلى حديث ابن عباس مرفوعا:

 

(1/333)

 

 

" من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر ".

أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي، وسند ابن ماجه وغيره صحيح، وقد صححه النووي والعسقلاني والذهبي ومن قبلهم الحاكم، وهو مخرج تخريجا دقيقا في " الإرواء " (551) .

وأما قول مؤلف كتاب " التاج الجامع للأصول " (1 / 268) : رواه أبو داود وابن ماجه بسند ضعيف.

فمن تخليطاته وأخطائه الكثيرة التي بينتها في " نقد التاج " (رقم 180) ، ثم إن الحديث بلفظه الأول أورده الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 6) وكذا ابن الجوزي أورده في " الموضوعات " (2 / 93) من طريق صالح كاتب الليث: حدثنا عمر بن راشد عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا به، وقال: قال ابن حبان: عمر لا يحل ذكره إلا بالقدح، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 16) بقوله: قلت: قد وثقه العجلي وغيره، وروى له الترمذي وابن ماجه، وله طرق أخر عن جابر وأبي هريرة وعلي.

ثم ذكر ما تقدم من حديث جابر وأبي هريرة، وأما حديث علي فموقوف أخرجه البيهقي وأحمد كما تقدم من طريق أبي حيان عن أبيه عن علي موقوفا.

وهذا سند ضعيف أيضا والد أبي حيان اسمه سعيد بن حيان، قال الذهبي: لا يكاد يعرف، وقال ابن القطان: إنه مجهول.

 

(1/334)

 

 

مع أن ابن حبان والعجلي وثقاه!

فكأنهما لم يعتدا بتوثيقها، كما فعل الذهبي في " الميزان " على ما بينته في " تيسير الانتفاع " نفعنا الله به وإياك.

تنبيه: عمر بن راشد الذي طعن فيه ابن حبان ووثقه العجلي هو أبو حفص اليمامي ومن طبقته راوآخر، وهو عمر بن راشد الجاري المصري، وأنا أرجح أنه راوي الحديث لأمرين، الأول: أن راويه عنه صالح كاتب الليث مصري، والآخر: أن شيخه فيه ابن أبي ذئب، وهذا ذكروه في شيوخه لا في شيوخ اليمامي، فإذا صح هذا فهو أشد ضعفا من الأول فإنه متفق على تضعيفه، وقال الدارقطني: كان يتهم بوضع الحديث على الثقات.

ولكن مجيء الحديث من الطرق التي أوردنا يخرجه عن كونه موضوعا إلى درجة الضعيف وأما قول المناوي: ومن شواهده حديث الشيخين: " من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر "، ففيه نظر من وجهين: الأول: أنه لا يصلح شاهدا لحديث الباب لأنه أخص منه فإنه يفيد أن جار المسجد ينبغي أن يصلي في مسجده الذي هو جاره فإن صلى في غيره فلا صلاة له وهذا ما لا يفيده الشاهد المذكور كما لا يخفى، وهذا فرق جوهري بين الحديث الضعيف والحديث الصحيح.

الآخر: أن عزو الحديث للشيخين خطأ بين كما يشعر به تخريجنا المتقدم له.

 

(1/335)

 

 

وبالجملة فالحديث بلفظه الأول ضعيف لا حجة فيه، وبلفظه الثاني صحيح لشاهده المتقدم.

184 - " إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في أجله فإن ذلك لا يرد شيئا ويطيب نفسه ".

ضعيف جدا.

أخرجه الترمذي (3 / 177) وابن ماجه (1 / 439) وابن عدي (324 / 2) من طريق موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.

وضعفه الترمذي بقوله: هذا حديث غريب.

قلت: وعلته موسى هذا وقد أخرج له ابن الجوزي في " موضوعاته "، وأقره السيوطي كما تقدم في الحديث (رقم 112) ، وقد ساق له الذهبي في ترجمته منكرات هذا أحدها، ونقل المناوي عن النووي أنه قال في " الأذكار ": إسناده ضعيف، وعن ابن الجوزي قال: حديث لا يصح، وهو في كتابه " العلل المتناهية " (2 /388) .

قلت: وفيه أحاديث هي من حق كتابه الآخر " الموضوعات "، وعلى العكس، انظر الحديثين الآتيين بعده.

وقال الحافظ في " الفتح ": في سنده لين

 

(1/336)

 

 

وكذا قال في " بذل الماعون " (2 / 2 من الكراس 11) .

قلت: وفي " العلل " لابن أبي حاتم (2 / 241) : سألت أبي عن هذا الحديث؟

فقال: هذا حديث منكر، كأنه موضوع، وموسى ضعيف الحديث جدا.

185 - " الحمد لله، دفن البنات من المكرمات ".

موضوع.

أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة " (3 / 159) والطبراني في " الكبير " (3 /144 / 2) " والأوسط " (1 / 76 / 2) و" مسند الشاميين " (2408) والبزار (790 - زوائده) وأبو القاسم المهراني في " الفوائد المنتخبة " (3 / 26 /1) والخطيب في " تاريخه " (5 / 57) والقضاعي في " مسند الشهاب " (15 /2) وابن عساكر (1 / 216 و8 / 503 / 1 و11 / 262 / 1 و15 / 159 / 2 و16 /25 / 2) من طريق عراك بن خالد بن يزيد عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما عزي رسول الله صلى الله عليه وسلم على رقية امرأة عثمان ابن عفان قال: فذكره، وقال الطبراني: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وقال المهراني: غريب تفرد به عثمان بن عطاء، وهذا أولى من قول الطبراني المذكور فإنه مردود برواية ابن عدي إياه في " الكامل " (300 /1) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن طلحة القرشي حدثنا عثمان بن عطاء به، وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 236) وقال: لا يصح، عثمان ضعيف وأبوه رديء الحفظ، وعراك ليس بالقوي، ومحمد

 

(1/337)

 

 

بن عبد الرحمن ضعيف يسرق الحديث، قال: وسمعت شيخنا عبد الوهاب بن الأنماطي الحافظ يحلف بالله عز وجل

أنه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا شيئا قط، وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 438) ، ومع هذا فقد أورده في " الجامع الصغير " وتعقبه شارحه المناوي بما ذكرناه من الإقرار، ثم تناقض، فقال في " التيسير ":

إسناده ضعيف، والحديث أورده الصغاني أيضا في الموضوعات " (ص 8) ، وقد روي عن ابن عمر وهو:

186 - " دفن البنات من المكرمات ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (80 / 2) والخطيب (7 / 291) عن حميد بن حماد عن مسعر بن كدام عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا به.

قلت: وهذا سند ضعيف حميد بن حماد قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالمناكير والحديث غير محفوظ، وقال أبو داود: ضعيف، وبه أعله ابن الجوزي فأورد الحديث في " الموضوعات " (3 / 235) من هذا الوجه ثم قال: لا يصح، حميد يحدث عن الثقات بالمناكير، وأقره السيوطي في " اللآليء " كالحديث الذي قبله، ومع هذا أورده أيضا في " الجامع الصغير "! وتعقبه المناوي أيضا بما سبق عن ابن عدي وقال:

 

(1/338)

 

 

وحكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه الذهبي والمؤلف في " مختصر الموضوعات ".

ثم تناقض المناوي أيضا، فقال: إسناده ضعيف.

187 - " إن الله تعالى ينزل على أهل هذا المسجد - مسجد مكة - في كل يوم وليلة عشرين ومئة رحمة: ستين للطائفين، وأربعين للمصلين، وعشرين للناظرين ".

ضعيف.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 123 / 2) و" الكبير " (11475) ووقع عنده يوسف بن الفيض، وابن عساكر (9 / 476 / 2) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" عن عبد الرحمن بن السفر الدمشقي حدثنا الأوزاعي عن عطاء حدثني ابن عباس مرفوعا، وعزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للحاكم أيضا في " الكنى " وابن عساكر، وقال الطبراني: لم يروه عن الأوزاعي إلا ابن السفر.

قلت: وهو كذاب يضع الحديث كما يأتي، قال المناوي في " شرح الجامع " بعد أن عزاه للخطيب أيضا في " التاريخ " والبيهقي في " الشعب ": ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه وسكت عليه، والأمر بخلافه، فإنه أورده في ترجمة عبد الرحمن ابن السفر من حديثه، ونقل عن ابن منده أنه متروك، وتبعه الذهبي، وقال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (2 / 82 - 83) :

 

(1/339)

 

 

حديث لا يصح، تفرد به يوسف بن السفر وهو كما قال الدارقطني والنسائي: متروك، وقال الدارقطني:

يكذب، وابن حبان: لا يحل الاحتجاج به وقال يحيى: ليس بشيء.

ومنه أخذ الهيثمي (3 / 292) قوله بعد ما عزاه الطبراني: فيه يوسف بن السفر وهو متروك.

قلت: ويقال فيه ابن الفيض وهكذا رواه ابن حبان في " الضعفاء " (3 / 136 - 137) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 116 و307) ، وقال ابن حبان:

يوسف بن الفيض يروي عن الأوزاعي المناكير الكثيرة والأوهام الفاحشة، كأنه كان يعملها تعمدا.

وأورده ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 287) بسنده هذا وقال: سألت أبي عنه فقال: هذا حديث منكر، ويوسف ضعيف الحديث شبه المتروك، وفيه يقول ابن عدي:

روى بواطيل، والبيهقي: هو في عداد من يضع الحديث ذكره الذهبي في " الميزان " ثم ساق له أحاديث هذا أحدها، وهو عبد الرحمن بن السفر المتقدم في كلام المناوي، قال ابن حجر في ترجمته من " اللسان ": كذا سماه بعضهم والصواب يوسف ابن السفر متروك، وذكره البخاري فقال: عبد الرحمن بن السفر روى حديثا موضوعا.

قلت: وكما ذكره البخاري رواه الطبراني في " الكبير " (3 / 123 / 1) ، وعلى

 

(1/340)

 

 

الصواب رواه ابن الأعرابي في " معجمه " (185 / 2) ، ثم رواه من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص موقوفا عليه وفي سنده جعفر بن محمد الأنطاكي، قال الذهبي:

ليس بثقة وله خبر باطل.

قلت: وسيأتي هذا الخبر بلفظ: " يبعث معاوية عليه رداء من نور ".

وأما قول المنذري في " الترغيب " (2 / 121) : رواه البيهقي بإسناد حسن فهو فيما أظن من تساهله أو أوهامه، ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عن ابن جريج فقال الأزرقي في " أخبار مكة " (256) حدثني جدي عن سعيد بن سالم وسليم بن مسلم عن ابن جريج به، وهذا إسناد لا بأس به إلى ابن جريج فإن جد الأزرقي ثقة، واسمه أحمد بن محمد بن الوليد، وسعيد بن سالم هو القداح، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يهم.

وأما قرينه سليم بن مسلم فهو الخشاب وهو متروك فلا يعتد به والعمدة على القداح، فلولا عنعنة ابن جريج فإنه مدلس، لحكمت على هذا السند بأنه حسن، ولفظ هذه الرواية مثل لفظ حديث الترجمة.

ثم رأيت الحديث رواه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (96 - من زوائده) وابن حبان في " الضعفاء " (1 / 321) وعنه ابن الجوزي، وقال ابن حبان: قد تبرأنا من عهدة سالم، وتابعه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك متهم رواه الأصبهاني في " الترغيب " (1 / 444) من طريق أخرى عن سعيد به مثله، ثم صدق ظني حين رأيت الحديث في " شعب الإيمان / الحج " للبيهقي (ق

 

(1/341)

 

 

66 / 1) رواه من طريق النيسابوري باللفظ الآتي بعده وعلقه من طريق يوسف بن السفر وقال: وهو ضعيف.

والحديث في " المعجم الكبير " من طريق أخرى فيه كذاب آخر بلفظ مغاير لهذا بعض الشيء وسيأتي إن شاء الله تعالى برقم (6245) ، وأما الخطيب فرواه من طريق يوسف هذا في " الموضح " (2 / 255) وقال: تفرد به أبو الفيض يوسف بن السفر عن الأوزاعي، ورواه في غيره من طريق آخر بلفظ:

188 - " إن الله تعالى ينزل في كل يوم مئة رحمة: ستين منها على الطائفين بالبيت، وعشرين على أهل مكة، وعشرين على سائر الناس ".

ضعيف.

أخرجه ابن عدي (314 / 1) والخطيب في " تاريخه " (6 / 27) والبيهقي (3 /454 - 455) من طريق محمد بن معاوية النيسابوري حدثنا محمد بن صفوان عن ابن جريج عن عطاء ابن عباس مرفوعا، وقال ابن عدي: وهذا منكر، وروي عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس رواه عنه يوسف بن السفر وهو ضعيف.

قلت: وابن معاوية هذا قال ابن معين والدارقطني: كذاب، زاد الثاني: يضع الحديث، وساق الذهبي في ترجمته هذا الحديث.

 

(1/342)

 

 

189 - " إياكم والجلوس في الشمس فإنها تبلي الثوب وتنتن الريح وتظهر الداء الدفين ".

موضوع.

أخرجه الحاكم في " المستدرك " (4 / 411) من طريق محمد بن زياد الطحان حدثنا ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعا، وسكت عليه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: ذا من وضع الطحان.

قلت: ومع هذا أورده السيوطي في " الجامع الصغير " فتعقبه المناوي بكلام الذهبي هذا، ثم قال المناوي: فكان ينبغي للمصنف حذفه.

 

(1/343)

 

 

190 - " ما من أحد إلا وفي رأسه عرق من الجذام تنعر، فإذا هاج سلط الله عليه الزكام فلا تداووا له ".

موضوع.

أخرجه الحاكم (4 / 411) وكذا القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " (2 / 154 / 1) من طريق محمد بن يونس القرشي حدثنا بشر بن حجر السلمي، حدثنا فضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس عن عائشة مرفوعا، وسكت عليه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: كأنه موضوع فالكديمي متهم.

قلت: وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 205) بإسناده إلى الكديمي به، ثم قال: لا يصح، محمد بن يونس هو الكديمي يضع الحديث.

وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 402) فإنه لم يتعقبه بشيء إلا أنه ذكر

 

(1/343)

 

 

أن الحاكم أخرجه وأن الذهبي تعقبه بما سبق، ومع هذا أورده في " الجامع الصغير "! وبذلك تعقبه المناوي في " شرحيه "، وأخرجه الديلمي (4 / 22) من طريق ابن لال: حدثنا محمد بن أحمد بن منصور حدثنا الحسين بن يوسف الفحام بمصر حدثنا محمد بن سحنون التنوخي حدثنا محمد بن بشر المصري حدثنا أبو معاوية الضرير عن

الأعمش عن زيد بن وهب عن جرير بن عبد الله رفعه.

قلت: وهذا المتهم به عندي محمد بن أحمد بن منصور أو شيخه الفحام، فإن هذا لم أعرفه، ويحتمل أنه الحسين بن يوسف الذي قال ابن عساكر: مجهول، والأول قال الذهبي: روى عن أبي حفص الفلاس خبرا باطلا في لعن الرافضة والجهمية، لا يدرى من هو وكذلك الراوي عنه.

191 - " الجمعة حج الفقراء، وفي لفظ: المساكين ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 190) والقضاعي (رقم 79) وابن عساكر (11 / 132) عن ابن عباس باللفظ الأول، وابن زنجويه والقضاعي (78) أيضا باللفظ الثاني أيضا كما في " الجامع الصغير " وقال المناوي في شرحه: ورواه الحارث بن أبي أسامة، أخرجوه كلهم من حديث عيسى بن إبراهيم الهاشمي عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس، قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف، وأورده في " الميزان " في ترجمة عيسى هذا وقال عن جمع: هو منكر الحديث، متروك.

وقال السخاوي: مقاتل ضعيف، وكذا الراوي

 

(1/344)

 

 

عنه.

قلت: هذا الكلام إنما هو على اللفظ الثاني، وأما اللفظ الأول وهو الثاني في ترتيب السيوطي فلم يتكلم عليه المناوي بشيء فلعله اكتفى بذلك إشارة إلى أن طريقهما واحد وهو الظاهر من صنيع " الكشف " ولعله تبع فيه أصله " المقاصد " فإنه أورده باللفظين ثم قال: وفي سنده مقاتل ضعيف.

قلت: أما مقاتل فكذاب كما تقدم نقله عن وكيع في الحديث (168) ، وأما الراوي عنه عيسى بن إبراهيم فضعيف جدا، قال البخاري والنسائي: منكر الحديث فما دام أن الحديث من رواية الكذاب فكان اللائق بالسيوطي أن ينزه منه الكتاب! ولهذا ذكره الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 7) ومن قبله ابن الجوزي في

" الموضوعات " وأقره السيوطي نفسه لكن بلفظ آخر، وهو:

192 - " الدجاج غنم فقراء أمتي، والجمعة حج فقرائها ".

موضوع.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 8) من رواية ابن حبان في " المجروحين " (3 / 90) من طريق عبد الله بن زيد - محمش - النيسابوري عن هشام ابن عبيد الله الرازي عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ثم قال:

قال ابن حبان: باطل لا أصل له، وهشام لا يحتج به، وقال الدارقطني: هذا كذب، والحمل فيه على محمش كان يضع الحديث.

وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 28) فلم يتعقبه بشيء البتة، وأما ابن عراق فتعقبه في " تنزيه الشريعة " (236 / 2) بقوله: قلت: اقتصر الحافظ الذهبي في " طبقات الحفاظ " على قوله بعد إيراد

 

(1/345)

 

 

الحديث: هذا غير صحيح، والله أعلم.

قلت: وهذا التعقب لا طائل تحته لسببين، الأول: أن علة الحديث المقتضية لوضعه ظاهرة، وهو كونه من رواية هذا الوضاع، ولا سيما أنه قد صرح الدارقطني بأنه حديث كذب، وابن حبان ببطلانه.

والآخر أن قوله: لا يصح، لا ينافي كونه موضوعا بل كثيرا ما تكون هذه اللفظة مرادفة لكلمة موضوع، وهي هنا بهذا المعنى لما سبق، ولأن الذهبي نفسه قد أورد هذا الحديث وحديثا آخر في ترجمة الرازي هذا من رواية ابن حبان عنه ثم قال الذهبي: قلت: كلاهما باطل، ووصف هذا الخبر في " النبلاء " (10 / 447) بأنه:

لا يحتمل.

ونقل المناوي (6 / 163) عنه أنه قال في " الضعفاء ": إنهما حديثان موضوعان.

فتبين أن الذهبي من القائلين بوضع الحديث خلافا لما ظنه ابن عراق.

193 - " من سعادة المرء خفة لحيته ".

موضوع.

أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 360) والطبراني (3 / 282 / 1) وابن عدي (358 / 2) والخطيب في " تاريخه " (14 / 297) من طريق يوسف بن الغرق عن سكين بن أبي سراج عن المغيرة بن سويد عن ابن عباس مرفوعا، ثم روى الخطيب: عن أبي علي صالح بن محمد: قال بعض الناس: إنما هذا تصحيف إنما هو: " من سعادة المرء خفة لحييه بذكر الله "، ثم قال الخطيب:

 

(1/346)

 

 

سكين مجهول منكر الحديث، والمغيرة بن سويد أيضا مجهول، ولا يصح هذا الحديث، ويوسف بن الغرق منكر الحديث، ولا تصح لحيته، ولا لحييه، وقال ابن حبان: سكين يروي الموضوعات عن الأثبات والملزقات عن الثقات، والحديث ذكره الهيثمي في " المجمع " (5 /164 - 165) وقال: رواه الطبراني وفيه يوسف بن الغرق قال الأزدي: كذاب، وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 166) من هذا الوجه، ثم ساقه من رواية الجوهري من طريق سويد بن سعيد، حدثنا بقية بن الوليد عن أبي الفضل عن مكحول عن ابن عباس مرفوعا بمثله، ومن رواية ابن عدي من طريق أبي داود النخعي عن حطان بن خفاف عن ابن عباس، ومن روايته أيضا (97 / 2) عن الحسين بن المبارك حدثنا بقية حدثنا ورقاء بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا ثم قال ابن الجوزي: لا يصح، المغيرة مجهول، وسكين يروي الموضوعات عن الأثبات، ويوسف كذاب وسويد ضعفه يحيى، وبقية مدلس، وشيخه أبو الفضل هو بحر بن كنيز السقاء ضعيف، فكفاه تدليسا، والنخعي يضع، وورقاء لا يساوي شيئا، والحسين بن المبارك قال ابن عدي: حدث بأسانيد ومتون منكرة.

قلت: وقال ابن عدي (153 / 2) في ترجمة النخعي: هذا مما وضعه هو.

وتعقب ابن الجوزي السيوطي في " اللآليء " (1 / 121) بما ينتج منه أنه وافقه على وضعه، فإنه إنما تعقبه فيما ذكره من الجرح في بعض رواة الحديث فقال:

 

(1/347)

 

 

قلت: المغيرة ذكره ابن بان في " الثقات ".

قلت: قد سبق غير مرة أن توثيق ابن حبان وحده لا يعتمد عليه لتساهله فيه ولا سيما عند المخالفة كما هو الأمر هنا فقد سمعت قول الخطيب في المغيرة هذا أنه مجهول، وكذا قال أبو علي النيسابوري فيما نقله الذهبي في " الميزان "، ثم هب أنه ثقة فالراوي عنه سكين مجهول أيضا كما تقدم في كلام الخطيب، وقد قال الحافظ العسقلاني في ترجمته من " اللسان ": قال ابن حبان: يروي الموضوعات، روى عن المغيرة عن ابن عباس رفعه: " من سعادة المرء خفة لحيته ".

قلت: فالحديث إذا موضوع من هذا الوجه حتى عند ابن حبان الذي وثق المغيرة فهو إنما يتهم به سكين هذا، فالراوي عنه يوسف الغرق قد تابعه عليه عبد الرحمن بن قيس عند أبي بكر الكلاباذي في " مفتاح معاني الآثار " (16 / 1 رقم 18) .

ثم قال السيوطي: وورقاء هو اليشكري ثقة صدوق عالم روى عنه الأئمة الستة.

قلت: صدق السيوطي، وأخطأ ابن الجوزي في قوله فيه لا يساوي شيئا، لكن هذا لا ينجي الحديث من الوضع ما دام في الطريق إليه بقية وهو مدلس مشهور، ولا يفرح بتصريحه بالتحديث هنا لأن الراوي عنه الحسين بن المبارك غير ثقة كما يشعر به كلام ابن عدي المتقدم وهو في " الكامل " (97 / 2) وقد سلمه السيوطي، بل قال الذهبي في ترجمته: قال ابن عدي: متهم، ثم ساق له حديثين هذا أحدهما وقال عقبه:

 

(1/348)

 

 

وهو كذب، وأقره الحافظ في " اللسان ".

ويؤيد ما ذهبت إليه من موافقة السيوطي على وضع هذا الحديث أنه نقل في فتاواه (2 / 205) عن ابن الجوزي أنه أورده في " الموضوعات "، ولم يتعقبه بشيء.

ومع هذا أورده في كتابه " الجامع الصغير "! فأخطأ وتناقض ولذا تعقبه شارحه المناوي ببعض ما ذكرناه عن ابن الجوزي والذهبي والعسقلاني، والحديث أورده ابن أبي حاتم (2 / 263) من طريق بقية عن أبي الفضل ثم ذكر أنه سأل أباه عنه فقال: هذا حديث موضوع باطل، وذكر ابن قتيبة في " مختلف الحديث " (ص 90) عن أصحاب الحديث أنهم قالوا في هذا الحديث: لا أصل له.

194 - " عليكم بهذه الشجرة المباركة زيت الزيتون فتداووا به فإنه مصحة من الباسور ".

كذب.

رواه الطبراني في " الكبير " (17 / 247 / 774) وعنه أبو نعيم في " الطب " (80 / 2) حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح حدثني أبي حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد واه، قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 100) : رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح، ولكن ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة عثمان بن صالح، ونقل عن أبي حاتم أنه كذب.

 

(1/349)

 

 

قلت: قال ابنه في " العلل " (2 / 279) : سمعت أبي حدثنا عن يحيى بن عثمان عن أبيه عن ابن لهيعة عن زيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة مرفوعا بهذا الحديث قال أبي: هذا حديث كذب.

وأقره الذهبي في " الميزان "، وأشار إلى علته فقال: قال أبو زرعة: لم يكن عثمان يعني ابن صالح ممن يكذب، ولكن كان يكتب مع خالد بن نجيح، فبلوا به، كان يملي عليهم ما لم يسمعوا من الشيخ.

وقال ابن أبي حاتم في ترجمة خالد بن نجيح من " الجرح والتعديل " (1 / 2 /355) عن أبيه: كان يصحب عثمان بن صالح المصري وأبا صالح كاتب الليث وابن أبي مريم، وهو كذاب يفتعل الأحاديث ويضعها في كتب ابن أبي مريم وأبي صالح، وهذه الأحاديث التي أنكرت على أبي صالح يتوهم أنها من فعله.

قلت: فالظاهر أن خالدا هذا هو الذي افتعل هذا الحديث واستطاع أن يوهم عثمان ابن صالح أنه كتبه عن الشيخ، وهو ابن لهيعة، وأما كيف تمكن من ذلك فالله أعلم به، وابن لهيعة ضعيف الحفظ معروف بذلك، ومع هذا لم يحملوا في هذا الحديث عليه كأنهم رأو اأنه مع ضعفه لا يليق به ذلك والله أعلم.

وقد خفيت علة هذا الحديث على السيوطي فأورده في " الجامع الصغير "! .

فتعقبه المناوي في " شرحيه " بتكذيب أبي حاتم المتقدم، وقد ذكره السيوطي من قبل مختصرا بلفظ: " عليكم بزيت الزيتون فكلوه وادهنوا به، فإنه ينفع من الباسور "، وقال: رواه ابن السني عن عقبة.

 

(1/350)

 

 

زاد المناوي: ورواه عنه الديلمي أيضا.

قلت: وسكتا عنه وظني أنه عنده بلفظ حديث الترجمة وإسناده فقد رأيته في " الفردوس " (3 / 27 / 4054) بلفظ حديث الترجمة، ولم أره في " الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس " لابن حجر العسقلاني، والله أعلم.

195 - " إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى ".

موضوع.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 271) من رواية ابن عدي (44 / 1) عن هشام بن خالد حدثنا بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا، ثم قال ابن الجوزي: قال ابن حبان: كان بقية يروي عن كذابين ويدلس، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه، فيشبه أن يكون هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج ثم دلس عنه، وهذا موضوع.

قال السيوطي في " اللآليء " (2 / 170) : وكذا نقل ابن أبي حاتم في " العلل " عن أبيه، قال الحافظ ابن حجر: لكن ذكر ابن القطان في " كتاب أحكام النظر " أن بقي بن مخلد رواه عن هشام بن خالد عن بقية قال: حدثنا ابن جريج، فما بقي فيه إلا التسوية، قال: وقد خالف ابن الجوزي ابن الصلاح فقال: إنه جيد الإسناد، انتهى.

والحديث أخرجه البيهقي في " سننه " من الطريقين التي عنعن فيها بقية والتي صرح فيها بالتحديث، والله

 

(1/351)

 

 

أعلم.

قلت: وكذلك رواه ابن عساكر (13 / 295 / 2) وكذا ابن أبي حاتم (2 / 295) عن أبيه عن هشام عن بقية حدثنا ابن جريج به، ساقه ابن أبي حاتم بعد أن روى بهذا الإسناد حديثين آخرين لعلنا نذكرهما فيما بعد، وأشار إلى أن تصريح بقية بالتحديث خطأ من الراوي عنه هشام فقال: وقال أبي: هذه الثلاثة الأحاديث موضوعة لا أصل لها، وكان بقية يدلس، فظن هؤلاء أنه يقول في كل حديث حدثنا، ولم يفتقدوا الخبر منه، وأقره الذهبي في " الميزان " وجعله أصل قوله في ترجمة هشام: يروي عن ثقات الدماشقة، لكن يروج عليه، وكأنه لهذا تبع ابن الجوزي في الحكم على الحديث بالوضع ابن دقيق العيد صاحب " الإمام " كما في " خلاصة البدر المنير " (118 / 2) ، وقال عبد الحق في " أحكامه " (143 /1) لا يعرف من حديث ابن جريج، وقد رواه ابن عساكر في مكان آخر (18 / 188 / 1) من طريق هشام بن عمار عن بقية عن ابن جريج به، فلا أدري هذه متابعة من هشام بن عمار لهشام بن خالد، أم أن قوله: عمار محرف عن خالد كما أرجح، ومنه تعلم أن قول ابن الصلاح: إنه جيد الإسناد غير صواب وإنه اغتر بظاهر التحديث ولم ينتبه لهذه العلة الدقيقة التي نبهنا عليها الإمام أبو حاتم جزاه الله خيرا.

 

(1/352)

 

 

ومن الغرائب أن ابن الصلاح مع كونه أخطأ في تقوية هذا الحديث فإنه فيها مخالف لقاعدة له وضعها هو لم يسبق إليها، وهي أنه انقطع التصحيح في هذه الأعصار فليس لأحد أن يصحح! كما ذكر ذلك في " مقدمة علوم الحديث " (ص 18 بشرح الحافظ العراقي) بل الواجب عنده الاتباع لأئمة الحديث الذين سبقوا! فما باله خالف هذا الأصل هنا، فصحح حديثا يقول فيه الحافظان الجليلان أبو حاتم الرازي وابن حبان: إنه موضوع؟ ! وخالف السيوطي كعادته فذكره في " جامعه ".

والنظر الصحيح يدل على بطلان هذا الحديث، فإن تحريم النظر بالنسبة للجماع من باب تحريم الوسائل فإذا أباح الله تعالى للزوج أن يجامع زوجته فهل يعقل أن يمنعه من النظر إلى فرجها؟ ! اللهم لا، ويؤيد هذا من النقل حديث عائشة

قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي، أخرجه الشيخان وغيرهما، فإن الظاهر من هذا الحديث جواز النظر، ويؤيده رواية ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته؟ فقال: سألت عطاء فقال سألت عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه، قال الحافظ في " الفتح " (1 / 290) :

 

(1/353)

 

 

وهو نص في جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، وإذا تبين هذا فلا فرق حينئذ بين النظر عند الاغتسال أو الجماع فثبت بطلان الحديث.

196 - " إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج فإنه يورث العمى، ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس ".

موضوع.

أورده ابن الجوزي (2 / 271) من رواية الأزدي عن إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي حدثنا محمد بن عبد الرحمن القشيري عن مسعر بن كدام عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا، ثم قال الأزدي: إبراهيم ساقط، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 170) بقوله: قلت: روى له ابن ماجه، وقال في " الميزان " قال أبو حاتم وغيره: صدوق، وقال الأزدي وحده: ساقط، قال: ولا يلتفت إلى قول الأزدي فإن في لسانه في الجرح رهقا، انتهى.

قال الخليل في " مشيخته ": هذا الحديث تفرد به محمد بن عبد الرحمن القشيري وهو شامى يأتي بمناكير.

قلت: فهذا هو علة الحديث قال فيه الذهبي: متهم ليس بثقة، وقد قال فيه أبو الفتح الأزدي: كذاب متروك الحديث، ونقل في " اللسان " عن الدارقطني أنه قال: متروك الحديث، وعن العقيلي قال: في أحاديثه عن مسعر عن المقبري حديث منكر ليس له أصل ولا يتابع

 

(1/354)

 

 

عليه وهو مجهول.

قلت: ونحوه في " كامل ابن عدي " (6 / 2261) ، والحديث في " الجامع " أيضا ثم ساق له السيوطي شاهدا وهو:

197 - " لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فإن منه يكون الخرس والفأفأة ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن عساكر (5 / 700) بسنده إلى أبي الدرداء هاشم بن محمد بن صالح الأنصاري حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو الأو يسي الأصل عامر وهو خطأ حدثنا خيران بن العلاء الكيساني ثم الدمشقي عن زهير بن محمد عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره قلت: وأورده السيوطي في " اللآليء " (2 / 170 - 171) شاهدا للحديث المتقدم من رواية ابن عساكر وسكت عنه وله علل أربع:

الأولى: الإرسال فإن قبيصة هذا تابعي قيل: له رؤية.

الثانية: زهير بن محمد هو التميمي مختلف فيه قال الحافظ في " التقريب ":

رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهيرا الذي يروي عنه الشاميون آخر، قال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه وفي " الميزان "، قال الترمذي في " العلل ": سألت البخاري عن حديث زهير هذا فقال: أنا أتقي هذا الشيخ كأن حديثه موضوع وليس هذا عندي زهير بن محمد.

قلت: وهذا الحديث من رواية أهل الشام عنه فدل على ضعفه.

 

(1/355)

 

 

الثالثة: خيران بن العلاء، ليس بالمشهور ولم يوثقه غير ابن حبان وقد أشار لهذا الذهبي حين قال في ترجمته: وثق، له خبر منكر، لعل ذلك من شيخه يعني زهير بن محمد ولعله عنى هذا الحديث، ثم بدا لي بأن تعصيب علة هذا الحديث بمن فوق خيران أو من دونه أولى، لأنه قد روى عنه ثمانية، وأثنى عليه الأوزاعي، وهو من شيوخه، كما حققته في ترجمته من " تيسير الانتفاع ".

الرابعة: أبو الدرداء هاشم بن محمد بن صالح الأنصاري لم أجد له ترجمة.

ويبعد جدا أن يكون هو الذي في " ثقات ابن حبان " (9 / 244) ، لأنه أعلى طبقة من هذا بدرجتين، ثم إن ابن حبان لم ينسبه إلى جده الأنصاري، والله أعلم.

وبالجملة فالإسناد ضعيف جدا لا تقوم به حجة والخبر منكر والله أعلم.

198 - " من أصيب بمصيبة في ماله أو جسده وكتمها ولم يشكها إلى الناس كان حقا على الله أن يغفر له ".

موضوع.

رواه الطبراني (3 / 122 / 1) وابن حبان في " المجروحين " (1 / 202) عن هشام بن خالد، أنبأنا بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا، قال الهيثمي في " المجمع " (2 / 331) : رواه الطبراني في " الكبير " وفيه بقية مدلس.

وقال في مكان آخر (10 / 256) : رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله وثقوا وأظن أن قوله " الأوسط " خطأ من الناسخ ويؤيده أن المنذري قال: (4 / 148)

 

(1/356)

 

 

رواه الطبراني ولا بأس بإسناده، كذا قال والمقصود أنه أطلق العزو للطبراني والمراد به في هذه الحالة " معجمه الكبير "، والله أعلم.

قلت: ومن طريقه رواه ابن أبي حاتم في " العلل " وذكر عن أبيه أنه قال: حديث موضوع لا أصل له، وأقره الذهبي وقد نقلت كلام أبي حاتم بتمامه في الحديث (195) فراجعه، وذكره في ترجمة بقية من " الميزان " من طريق ابن حبان وقال أعني ابن حبان: وهذا من نسخة كتبناها بهذا الإسناد كلها موضوعة يشبه أن يكون

بقية سمعه من إنسان واه عن ابن جريج فدلس عنه والتزق به.

قلت: وكأن السيوطي عفا الله عنا وعنه لم يقف على حكم هذين الإمامين بوضع هذا الحديث، وإلا لما سود به " الجامع الصغير "! ، أولعله قلد الهيثمي والمنذري، وقد تعقبهم المناوي بقول أبي حاتم والذهبي، ثم تراجع عن ذلك في شرحه الآخر " التيسير "، فنقل كلام المنذري فقط، وأقره.

199 - " حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه ".

موضوع.

رواه أبو محمد جعفر بن محمد بن الحسين السراج القاري " في الفوائد " (5 / 32 / 1 من مجموع 98) ومحمد بن عبد الواحد المقدسي وهو الضياء في " المنتقى من مسموعاته " (ج 4 ورقة 26 / 1 مجموع 101) من طريق محمد بن عيسى قال حدثنا محمد ابن الفضل عن أبيه عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا، وقال القاري: غريب لا أعلم رواه إلا محمد بن الفضل وهو ضعيف جدا، وأما أبوه فكان ثقة.

 

(1/357)

 

 

قلت: محمد بن الفضل رماه ابن أبي شيبة بالكذب، وقال الفلاس: كذاب، وقال أحمد: حديثه حديث أهل الكذب.

ومحمد بن عيسى هو المدائني وهو متروك كما قال الدارقطني والحاكم.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية البيهقي في " الشعب " فتعقبه المناوي بقوله: وقضية تصرف المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه، بل قال: محمد بن الفضل بن عطية ضعيف بمرة انتهى.

وفيه أيضا محمد بن عيسى المدائني قال في " الضعفاء ": قال الدارقطني: ضعيف متروك.

قلت: ولم يتفرد به فقد رواه أبو بكر الجصاص في " أحكام القرآن " (3 / 574) من طريق جبارة قال: حدثنا محمد بن الفضل به، لكن جبارة هذا هو ابن المغلس قال ابن معين: كذاب، وقال ابن نمير: يوضع له الحديث فيرويه ولا يدري! .

200 - " الحج جهاد، والعمرة تطوع ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (2 / 232) وابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 286) من طريق الحسن بن يحيى الخشني حدثنا عمر بن قيس، أخبرني طلحة بن

 

(1/358)

 

 

يحيى عن عمه إسحاق بن طلحة عن طلحة بن عبيد الله مرفوعا.

قال البوصيري في " الزوائد " (2 / 138) : هذا إسناد ضعيف عمر بن قيس هو المعروف بمندل ضعفه أحمد وابن معين والفلاس وأبو زرعة والبخاري وأبو حاتم وأبو داود والنسائي وغيرهم، والحسن أيضا ضعيف.

قلت: بل هما متروكان، فالأول قال فيه أحمد: أحاديثه بواطيل، والحسن قال فيه النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي عن الثقات ما لا أصل له، ثم ساق له حديثا قال فيه: إنه موضوع وسأذكره عقب هذا إن شاء الله تعالى.

وهذا الحديث قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟ فقال: هذا حديث باطل.

قلت: لكن له طرق أخرى، فرواه البيهقي في " سننه " (4 / 348) من طريق سعيد ابن سالم أن سفيان الثوري أخبره عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي مرفوعا به.

قلت: وهذا سند ضعيف لإرساله، وسعيد بن سالم فيه ضعف، وقد روى البيهقي عن الشافعي أنه قال:

 

(1/359)

 

 

هو منقطع يعني مرسل، ثم قال البيهقي: وقد روي من حديث شعبة عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة موصولا، والطريق فيه إلى شعبة طريق ضعيف، ورواه محمد بن الفضل بن عطية عن سالم الأفطس عن ابن جبير عن ابن عباس مرفوعا، ومحمد هذا متروك.

قلت: بل هو كذاب، كذبه ابن معين والفلاس وغيرهما كما سبق برقم (26) ، وقد رواه من طريقه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 154 / 1) .

201 - " ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه، ومررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم في قبره بين عائلة وعويلة ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 333) من طريق شيخه سليمان بن أحمد وهو الطبراني صاحب " المعاجم " الثلاثة، وهذا في " مسند الشاميين " (ص 64) وابن عساكر (17 / 197 / 1) عن الحسن بن يحيى حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن زيد بن أبي مالك عن أنس بن مالك مرفوعا به، ثم قال أبو نعيم وابن عساكر:

غريب من حديث يزيد لم نكتبه إلا من حديث الخشني.

قلت: والخشني هذا متروك كما تقدم في الحديث قبله، ومن طريقه ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 239) و (1 / 303) من رواية ابن حبان في " المجروحين " (1 / 235) عنه، ثم قال يعني ابن حبان: باطل والخشني منكر الحديث جدا يروي عن الثقات ما لا أصل له.

 

(1/360)

 

 

قلت: ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن حبان إنه قال: هذا باطل موضوع، وأقره في " تهذيب التهذيب " (2 / 327) وكذلك نقله عنه الذهبي في " الميزان " في ترجمة الخشني هذا وقال: إنه انفرد به، أخرجه ابن الجوزي في " الموضوعات " وأقره أيضا.

وأما السيوطي فخالفهم جميعا! فتعقب ابن الجوزي، في " اللآليء " (1 / 285) قائلا: قلت: هذا الحديث أخرجه الطبراني وأبو نعيم في " الحلية " وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن، والخشني من رجال ابن ماجه، ضعفه الأكثر، ولم ينسب إلى وضع ولا كذب، وقال دحيم: لا بأس به، وقال أبو حاتم: صدوق سيء الحفظ، وقال ابن عدي: تحتمل رواياته، ومن هذا حاله لا يحكم على حديثه بالوضع.

قلت: قد علمت مما نقلناه في الحديث السابق (رقم 198) عن أئمة الجرح والتعديل أن هذا الرجل أعني الحسن بن يحيى الخشني متروك، منكر الحديث، ولا يلزم منه أن يكون ممن يتعمد الكذب، بل قد يقع منه ذلك لكثرة غفلته وشدة سوء حفظه، فلا يرد على هذا قول السيوطي: إنه لم ينسب إلى وضع ولا كذب، إن كان يقصد به الوضع والكذب مطلقا، وإلا فعبارة ابن حبان المتقدمة: يروي عن الثقات ما لا أصل له، ظاهرة في نسبة الكذب إليه، ولا سيما بعد حكمه على حديثه الذي نحن بصدد الكلام عليه بأنه موضوع، ولكن عبارته هذه لا تفيد اتهامه

بأنه يضع قصدا فتأمل.

ثم إن ما نقله السيوطي عن ابن عدي يوهم أن روايات هذا الرجل كلها تحتمل، وهذا ما لم يقصد إليه ابن عدي، فإن الحافظ ابن حجر بعد أن نقل عبارة ابن عدي

 

(1/361)

 

 

السابقة عقبها بقوله: قلت: قال ذلك بعد أن ساق له عدة مناكير وقال: هذا أنكر ما رأيت له، وهذا في " كامل ابن عدي " (90 / 1) فجزى الله ابن حجر خيرا حيث كشف لنا بهذه الكلمة عن حقيقة قصد ابن عدي من عبارته المتقدمة، ومنه يتبين أن ابن عدي من جملة المضعفين للخشني، فلا يجوز حشر ابن عدي في جملة الموثقين له كما فعل السيوطي عفا الله عنا وعنه، وسيأتي له نحو هذا الخطأ في الحديث (233) .

ثم لوسلمنا أنه وثقه مثل " دحيم "، فلا قيمة تذكر لهذا التوثيق إذا ما استحضرنا القاعدة التي تقول: إن الجرح المفسر مقدم على التعديل.

ثم وجدت ما يؤيد الذي ذهبت إليه مما فهمته من عبارة ابن حبان المنقولة آنفا وهو أن الرجل قد يكذب بدون قصد منه، فإن نصها بتمامها في " ضعفائه " (1 / 235) : منكر الحديث جدا، ويروي عن الثقات ما لا أصل له، وعن المتقنين ما لا يتابع عليه، وقد سمعت ابن جوصاء يوثقه ويحكيه عن أبي زرعة، وكان رجلا صالحا يحدث من حفظه، كثير الوهم فيما يرويه، حتى فحشت المناكير في أخباره التي يرويها عن الثقات، حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها، فلذلك استحق الترك.

فهذا نص في أنه كان لا يتعمد الكذب، وإنما يقع ذلك منه وهما، فهو على كل حال ساقط الاعتبار ضعيف جدا، فحديثه قد يحكم عليه بالوضع لأدنى شبهة.

وأنا أرى أن هذا الحديث يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ".

رواه أبو داود (1 / 319) والبيهقي (5 / 245) وأحمد (2 / 527) بإسناد حسن عن أبي هريرة، وهو مخرج في الكتاب الآخر " الصحيحة " (2266) .

 

(1/362)

 

 

ووجه التعارض أنه يدل على أن روحه صلى الله عليه وسلم ليست مستقرة في جسده الشريف، بل هي ترد إليه ليرد سلام المسلمين عليه صلى الله عليه وسلم، بينما هذا الحديث الموضوع يقرر صراحة أن روح كل نبي ترد إليه بعد أربعين صباحا من وفاته، فلوصح هذا فكيف ترد روحه صلى الله عليه وسلم إلى جسده ليرد السلام، هذا أمر غير معقول، بل هو ظاهر التناقض، فلابد من رد أحدهما، وليس هو إلا هذا الحديث المنكر حتى يسلم الحديث القوي من المعارض، فتأمل هذا فإنه مما ألهمت به، لا أذكر أني رأيته لأحد قبلي، فإن كان صوابا فمن الله، وإلا فمن نفسي.

ومما يدل على بطلان هذا الحديث بهذا اللفظ أن رؤيته صلى الله عليه وسلم لموسى يصلي في قبره صحيح، لكن ليست فيه هذه الزيادة: " بين عائلة وعويلة "، أخرجه مسلم (7 / 102) من حديث أنس مرفوعا: " مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره " وهو مخرج في " الصحيحة " (2627) .

فدل هذا على بطلان هذه الزيادة في الحديث كما دل حديث أبي هريرة على بطلان الشطر الأول منه، ومع هذا كله فقد ذكره في " الجامع ".

ثم إنه سبق في كلام السيوطي أن للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن! فلابد من النظر في ذلك لتتبين الحقيقة لكل من ينشدها، فأول ذلك أن ليس هناك شواهد، وإنما هما شاهدان فقط ذكرهما السيوطي نفسه لم يزد عليهما.

ثم إن أحدهما من طريق أبي المقدام ثابت بن هرمز الكوفي - صدوق يهم - عن سعيد بن المسيب قال: " ما مكث نبي في قبره من الأرض أكثر من أربعين يوما "، زاد في رواية:

 

(1/363)

 

 

" حتى يرفع "، وهذا سند قوي، ولكنه مقطوع فلا حجة فيه لاحتمال كونه من الإسرائيليات.

ثم إن هذه الزيادة يبطلها حديث: " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء "، وهو حديث صحيح رواه أبو داود وابن حبان في " صحيحه " والحاكم وغيرهم، (انظر " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " بتحقيقي رقم 22، 23) فإنه صريح في أن من خصوصيات الأنبياء أن الأرض لا تبلي أجساد الأنبياء، وهذه الخصوصية تنتفي إذا أثبتنا رفعهم بأجسادهم من قبورهم، كما هو مفاد هذه الزيادة، فثبت بذلك بطلانها، ولوثبتت لانتفت خصوصية أخرى لعيسى عليه السلام وهي كونه في السماء حيا بروحه وجسده، فتأمل مفاسد وآثار الأحاديث الواهية!

ثم إن هذه الزيادة لوصحت لعادت بالنقض على الحديث، لأنه صريح في أن الروح تعود إليه وهو في قبره، بينما هذه الزيادة تفيد أن الجسد يرفع، فكيف يصح أن يجعل النقيض شاهدا لنقيضه؟ !

وأما الشاهد الآخر فيحسن أن نفرده بالكلام عليه وهو:

202 - " إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور ".

موضوع.

أخرجه البيهقي في " كتاب حياة الأنبياء " (ص 4) قال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أحمد بن علي الحسنوي إملاء، حدثنا أبو عبد الله بن محمد العباسي الحمصي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا إسماعيل بن طلحة بن يزيد عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ثابت عن أنس مرفوعا، وقال البيهقي:

 

(1/364)

 

 

وهذا إن صح بهذا اللفظ فالمراد به - والله أعلم - لا يتركون يصلون هذا المقدار ثم يكونون مصلين فيما بين يدي الله عز وجل.

قلت: وهذا إسناد موضوع، الحسنوي هذا متهم، وهو شيخ الحاكم وقد ضعفه هو فقال: هو في الجملة غير محتج بحديثه.

وقال الخطيب: لم يكن بثقة، وقال فيه محمد بن يوسف الجرجاني الكشي: هو كذاب ونحوه عن أبي العباس الأصم.

ومحمد بن العباس هذا لم أعرفه ويراجع له " تاريخ دمشق " لابن عساكر، وكذا شيخه إسماعيل بن طلحة بن يزيد لم أجد له ترجمة، وابن أبي ليلى ضعيف سيء الحفظ معروف بذلك.

والحديث أورده السيوطي في " اللآليء " (1 / 285) شاهدا للذي قبله كما سبق، ولا يصلح لذلك من وجهين: الأول: أنه موضوع لما تقدم بيانه آنفا، وهو سكت عليه فأساء! وليته على الأقل نقل كلام البيهقي الذي سبق في تضعيفه! وأسوأ منه أنه ذكره في " الجامع ".

الآخر: أنه مخالف للمشهو د له، فإنه صريح في أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين، وذلك - وهو موضوع أيضا - يقول بأن الروح تعود إليه وهو في قبره فأين هذا من ذاك؟ !

ثم إن الحديث يعارض حديثا صحيحا سبق ذكره في الحديث الذي قبله، فدل

 

(1/365)

 

 

ذلك على وضعه أيضا.

ويعارضه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: " الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ".

وهو حديث صحيح كما تبين لي بعد أن وقفت على متابع له قال البيهقي: إنه تفرد به فكتبت بحثا حققت فيه صحة الحديث وأن التفرد المشار إليه غير صحيح وأو دعت ذلك في السلسلة الأخرى برقم (621) .

203 - " من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا وكل بها ملك يبلغني، وكفي بها أمر دنياه وآخرته، وكنت له شهيدا أو شفيعا ".

موضوع بهذا التمام.

أخرجه ابن سمعون في " الأمالي " (2 / 193 / 2) والخطيب في " تاريخه " (3 /291 - 292) وابن عساكر (16 / 70 / 2) من طريق محمد بن مروان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.

وأخرج طرفه الأول أبو بكر بن خلاد في الجزء الثاني من حديثه (115 / 2) وأبوهاشم السيلقي فيما انتقاه على ابن بشرويه (6 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (4 / 136 - 137) والبيهقي في " الشعب " (2 / 218) وقال

العقيلي: لا أصل له من حديث الأعمش، وليس بمحفوظ، ولا يتابعه إلا من هو دونه، يعني ابن مروان هذا، ثم روى الخطيب بإسناده عن عبد الله بن قتيبة قال:

سألت ابن نمير عن هذا الحديث؟ فقال: دع ذا، محمد بن مروان ليس بشيء.

 

(1/366)

 

 

قلت: ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 303) من رواية العقيلي ثم قال: لا يصح، محمد بن مروان هو السدي الصغير كذاب، قال العقيلي:

لا أصل لهذا الحديث.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 283) بقوله: قلت: أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " من هذا الطريق، وأخرج له شواهد.

قلت: ثم ساقها السيوطي وبعضها صحيح، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام " وقوله صلى الله عليه وسلم:

" ما من أحد يسلم علي ... " الحديث وتقدم ذكره قريبا (ص 362) ، وهي كلها إنما تشهد للحديث في الجملة، وأما التفصيل الذي فيه وأنه من صلى عليه عند قبره صلى الله عليه وسلم فإنه يسمعه، فليس في شيء منها شاهد عليه.

وأما نصفه الآخر، فلم يذكر السيوطي ولا حديثا واحدا يشهد له، نعم قال السيوطي: ثم وجدت لمحمد بن مروان متابعا عن الأعمش، أخرجه أبو الشيخ في " الثواب " حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الأعرج حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا أبو معاوية عن الأعمش به.

قلت: ورجال هذا السند كلهم ثقات معروفون غير الأعرج هذا، والظاهر أنه الذي أورده أبو الشيخ نفسه في " طبقات الأصبهانيين " (ص 342 / 463) فقال:

عبد الرحمن بن أحمد الزهري أبو صالح الأعرج، ثم روى عنه حديثين ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو مجهول، وسيأتي

 

(1/367)

 

 

تخريج أحدهما برقم (5835) وسوف يأتي له ثالث برقم (6246) بإذن الله.

فقول الحافظ في " الفتح " (6 / 379) : سنده جيد، غير مقبول، ولهذا قال ابن القيم في هذا السند: إنه غريب، كما نقله السخاوي عنه في " القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع " (ص 116) وقال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي في الرد على السبكي " (ص 190) : وقد روى بعضهم هذا الحديث من رواية أبي

معاوية عن الأعمش، وهو خطأ فاحش، وإنما هو محمد بن مروان تفرد به وهو متروك الحديث متهم بالكذب.

على أن هذه المتابعة ناقصة، إذ ليس فيها ما في رواية محمد بن مروان:

" وكفي بها أمر دنياه ... "، كذلك أورده الحافظ ابن حجر والسخاوي من هذا الوجه خلافا لما يوهمه فعل السيوطي حين قال: ... عن الأعمش به، يعني بسنده ولفظه المذكور في رواية السدي كما لا يخفى على المشتغلين بهذا العلم الشريف.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الرد على الأخنائي " (ص 210 - 211) : وهذا الحديث وإن كان معناه صحيحا (لعله يعني في الجملة) فإسناده لا يحتج به، وإنما يثبت معناه بأحاديث أخر، فإنه لا يعرف إلا من حديث محمد بن مروان السدي الصغير عن الأعمش وهو عند أهل المعرفة بالحديث موضوع على الأعمش.

وقال في مختصر الرد المذكور (27 / 241 ـ مجموع الفتاوي) : حديث موضوع، وإنما يرويه محمد بن مروان السدي عن الأعمش، وهو

 

(1/368)

 

 

كذاب بالاتفاق وهذا الحديث موضوع على الأعمش بإجماعهم.

وجملة القول أن الشطر الأول من الحديث ينجومن إطلاق القول بوضعه لهذه المتابعة التي خفيت على ابن تيمية وأمثاله، وأما باقيه فموضوع لخلوه من الشاهد، وبالشطر الأول أورده في " الجامع " من رواية البيهقي!

فائدة: قال الشيخ ابن تيمية عقب كلامه المتقدم على الحديث: وهو لوكان صحيحا فإنما فيه أنه يبلغه صلاة من صلى عليه نائيا، ليس فيه أنه يسمع ذلك كما وجدته منقولا عن هذا المعترض (يريد الأخنائي) ، فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم، ولا يعرف في شيء من الحديث، وإنما يقوله بعض المتأخرين الجهال:

يقولون: إنه ليلة الجمعة ويوم الجمعة يسمع بأذنيه صلاة من يصلي عليه، فالقول إنه يسمع ذلك من نفس المصلين (عليه) باطل، وإنما في الأحاديث المعروفة إنه يبلغ ذلك ويعرض عليه، وكذلك السلام تبلغه إياه الملائكة.

قلت: ويؤيد بطلان قول أولئك الجهال قوله صلى الله عليه وسلم:

" أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني ... " الحديث وهو صحيح كما تقدم (ص 364) فإنه صريح في أن هذه الصلاة يوم الجمعة تبلغه ولا يسمعها من المصلي عليه صلى الله عليه وسلم.

204 - " من حج حجة الإسلام، وزار قبري، وغزا غزوة، وصلى علي في المقدس، لم يسأله الله فيما افترض عليه ".

موضوع.

أورده السخاوي في " القول البديع " (ص 102) وقال: هكذا ذكره المجد اللغوي وعزاه إلى أبي الفتح الأزدي في الثامن من " فوائده " وفي ثبوته نظر.

 

(1/369)

 

 

قلت: لقد تساهل السخاوي رحمه الله، فالحديث موضوع ظاهر البطلان، فكان الأحرى به أن يقول فيه كما قال في حديث آخر قبله: لوائح الوضع ظاهرة عليه، ولا أستبيح ذكره إلا مع بيان حاله.

ذلك لأنه يوحي بأن القيام بما ذكر فيه من الحج والزيارة والغزويسقط عن فاعله المؤاخذة على تساهله بالفرائض الأخرى، وهذا ضلال وأي ضلال، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينطق بما يوهم ذلك فكيف بما هو صريح فيه؟ ! .

ثم رأيت الحديث قد نقله ابن عبد الهادي في رده على السبكي (ص 155) عنه بسنده إلى أبي الفتح الأزدي محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي الحافظ: حدثنا النعمان بن هارون بن أبي الدلهاث، حدثنا أبو سهل بدر بن عبد الله المصيصي حدثنا الحسن بن عثمان الزيادي، حدثنا عمار بن محمد حدثني خالي سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به ثم قال ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى: هذا الحديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا ريب عند أهل المعرفة بالحديث، وأدنى من يعد من طلبة هذا العلم يعلم أن هذا الحديث مختلق مفتعل على سفيان الثوري، وأنه لم يطرق سمعه قط، قال: والحمل في هذا الحديث على بدر بن عبد الله المصيصي فإنه لم يعرف بثقة ولا عدالة ولا أمانة أو على صاحب الجزء أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي فإنه متهم بالوضع وإن كان من الحفاظ، ثم ذكر أقوال العلماء فيه ثم قال: ولا يخفى أن هذا الحديث الذي رواه في " فوائده " موضوع مركب مفتعل إلا على من لا يدري علم الحديث ولا شم رائحته.

قلت: الأزدي هذا ترجمه الذهبي في " الميزان " وذكر تضعيفه عن بعضهم،

 

(1/370)

 

 

ولم يذكر عن أحد اتهامه بالوضع، وكذلك الحافظ في " اللسان " ولم يزد على ما في " الميزان " بل قال الذهبي في " تذكرة الحفاظ " (3 / 166) : ووهاه جماعة بلا مستند طائل.

فالظاهر أنه بريء العهدة من هذا الحديث، فالتهمة منحصرة في المصيصي هذا.

وهو الذي أشار إليه الذهبي في ترجمته في " الميزان " فقال: بدر بن عبد الله أبو سهل المصيصي عن الحسن بن عثمان الزيادي بخبر باطل وعنه النعمان بن هارون.

قال الحافظ في " اللسان ": والخبر المذكور أخرجه أبو الفتح الأزدي، ثم ذكر هذا الحديث وقد ذكره السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (رقم 571) وقال (ص 122) : قال في " الميزان ": هذا خبر باطل آفته بدر.

205 - " ما من مسلم يسلم علي في شرق ولا غرب إلا أنا وملائكة ربي نرد عليه السلام، فقال له قائل: يا رسول الله فما بال أهل المدينة؟ فقال له: وما يقال لكريم في جيرته وجيرانه مما أمر الله به من حفظ الجوار وحفظ الجيران؟ ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 349) : حدثنا سليمان بن أحمد (هو الطبراني) حدثنا عبيد الله بن محمد العمري حدثنا أبو مصعب، حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا، وقال أبو نعيم: غريب من حديث مالك تفرد به أبو مصعب.

 

(1/371)

 

 

قلت: واسم أبي مصعب هذا أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث الزهري المدني أحد رواة " الموطأ " عن مالك، وهو ثقة فقيه، فالحمل في الحديث على الراوي عنه عبيد الله بن محمد العمري وهو القاضي، قال في " الميزان ": رماه النسائي بالكذب.

قلت: ومن طريقه أخرجه الدارقطني في " غرائب مالك " ثم قال: ليس بصحيح، تفرد به العمري وكان ضعيفا، كما في " اللسان "، وقال السخاوي في " القول البديع " (ص 117) : وفي سنده عبيد الله بن محمد العمري واتهمه الذهبي بوضعه.

وقال ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (ص 176) : هو حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أصل والمتهم بوضعه هذا الشيخ العمري المدني ويكفي في افتضاحه روايته هذا الحديث بمثل هذا الإسناد الذي كالشمس، ويجوز أن يكون وضع له وأدخل عليه فحدث به، نعوذ بالله من الخذلان.

206 - " من سب الأنبياء قتل، ومن سب أصحابي جلد ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 137) و" الأوسط " (1 / 281 / 4739 - بترقيمي) حدثنا عبيد الله بن محمد العمري القاضي - بمدينة طبرية - سنة سبع وسبعين ومئتين حدثنا إسماعيل بن أبي أو يس حدثنا موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي رضي الله عنه مرفوعا.

قلت: وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات إلا العمري كما قال الحافظ في " اللسان " والعمري متهم بالكذب والوضع كما تقدم في الحديث الذي قبله، قال الحافظ:

 

(1/372)

 

 

ومن مناكيره هذا الخبر.

والحديث ذكره الهيثمي في " المجمع " (6 / 260) وقال: رواه الطبراني في " الصغير " و" الأوسط " عن شيخه عبيد الله بن محمد العمري رماه النسائي بالكذب.

207 - " أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة ".

باطل لا أصل له.

وأما قول الزيلعي - على ما في " حاشية ابن عابدين " (2 / 348) : رواه رزين ابن معاوية في تجريد الصحاح.

فاعلم أن كتاب رزين هذا جمع فيه بين الأصول الستة: " الصحيحين " و" موطأ مالك " و" سنن أبي داود " والنسائي والترمذي، على نمط كتاب ابن الأثير المسمى " جامع الأصول من أحاديث الرسول " إلا أن في كتاب " التجريد " أحاديث كثيرة لا أصل لها في شيء من هذه الأصول كما يعلم مما ينقله العلماء عنه مثل المنذري في " الترغيب والترهيب " وهذا الحديث من هذا القبيل فإنه لا أصل له في هذه الكتب ولا في غيرها من كتب الحديث المعروفة، بل صرح العلامة ابن القيم في " الزاد " (1 / 17) ببطلانه فإنه قال بعد أن أفاض في بيان مزية وقفة الجمعة من وجوه عشرة ذكرها: وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل اثنتين وسبعين حجة، فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين.

وأقره المناوي في " فيض القدير " (2 / 28) ثم ابن عابدين في " الحاشية ".

 

(1/373)

 

 

208 - " ما قبل حج امرئ إلا رفع حصاه، يعني حصى الجمار ".

ضعيف.

قال في " المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة ": رواه الديلمي عن ابن عمر مرفوعا!

قلت: واقتصاره في العزو على الديلمي إشارة منه - على ما فيه من قصور - إلى ضعف الحديث، وقد صرح بذلك الإمام البيهقي كما يأتي، فقد أخرجه الديلمي (4 /50) من طريق عبد الرحمن بن خراش عن العوام عن نافع عن ابن عمر وعبد الرحمن هذا والعوام لم أعرفهما، لكن أخشى أن يكون في " المصورة " خطأ نسخي، فقد رواه ابن عدي في " الكامل " (7 / 2555) من طريق عبد الله بن خراش عن واسط بن الحارث عن نافع به، وقال: واسط عامة أحاديثه لا يتابع عليها، وذكر له في " الميزان " مناكير هذا منها، وأخرج البيهقي في " سننه الكبرى " (5 / 128)

والدارقطني (ص 289) والحاكم (1 / 476) وكذا الطبراني في " الأوسط " (1 / 121 / 1) من طريق يزيد بن سنان عن يزيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أبي سعيد قال: قلنا:

يا رسول الله هذه الحجارة التي يرمى بها كل عام، فنحتسب أنها تنقص؟ فقال:

" إنه ما تقبل منها رفع، ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال "، ضعفه البيهقي بقوله: يزيد بن سنان ليس بالقوي في الحديث، وروي من وجه آخر ضعيف عن ابن

 

(1/374)

 

 

عمر مرفوعا.

قلت: وخالفه شيخه الحاكم فقال: صحيح الإسناد، يزيد بن سنان ليس بالمتروك.

والحق قول البيهقي، وهو أعلم من شيخه بالجرح والتعديل، إلا أن الحاكم يستلزم من كون يزيد هذا ليس بالمتروك أن حديثه صحيح، مع أن هذا غير لازم، فإنه قد يكون الراوي ضعيفا وهو غير متروك، فيكون ضعيف الحديث، ويزيد من هذا القبيل، على أنه قد تركه النسائي، ولهذا تعقبه الذهبي في " تلخيص المستدرك " بقوله: قلت: يزيد ضعفوه.

والحديث ذكره الهيثمي (3 / 260) وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه يزيد بن سنان التميمي وهو ضعيف.

قلت: وقد ورد موقوفا أخرجه الأزرقي في " تاريخ مكة " (ص 403) والدولابي في " الكنى " (2 / 56) من طريق ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال:

" ما تقبل من الحصا رفع " وسنده صحيح، وابن أبي النعم، اسمه عبد الرحمن.

وكذلك أخرجه موقوفا عن ابن عباس الأزرقي والبيهقي بسند صحيح أيضا، فالصواب في الحديث الوقف، ولينظر هل هو في الحكم المرفوع؟ فإنه لم يتبين لي.

 

(1/375)

 

 

209 - " حلت شفاعتي لأمتي إلا صاحب بدعة ".

منكر.

أخرجه ابن وضاح القرطبي في كتابه القيم " البدع والنهي عنها " (ص 36) من طريق أبي عبد السلام قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

قلت: فهذا مرسل، بكر هذا تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ومع إرساله، فالسند إليه ضعيف، لأن أبا عبد السلام واسمه صالح بن رستم الهاشمي مجهول كما قال الحافظ ابن حجر في " التقريب ".

ومع ضعف إسناد الحديث فهو مخالف لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:

" شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ".

وهو حديث صحيح، خلافا لمن يظن ضعفه من المغرورين بآرائهم، المتبعين لأهو ائهم! .

وهو مخرج من طرق في " ظلال الجنة " (830 ـ 832) و" الروض النضير " (3 و65) و" المشكاة " (5598) .

 

(1/376)

 

 

210 - " من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك ".

منكر.

أخرجه البيهقي (5 / 31) من طريق جابر بن نوح عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: {وأتموا الحج والعمرة لله} قال: فذكره.

وهذا سند ضعيف، ضعفه البيهقي بقوله: فيه نظر.

قلت: ووجهه أن جابرا هذا متفق على تضعيفه، وأورد له ابن عدي (50 / 2)

 

(1/376)

 

 

هذا الحديث وقال: لا يعرف إلا بهذا الإسناد، ولم أر له أنكر من هذا.

وقد خفي هذا على الشوكاني فقال في " نيل الأو طار " (4 / 254) : ثبت هذا مرفوعا من حديث أبي هريرة، أخرجه ابن عدي والبيهقي! .

قلت: وقد رواه البيهقي من طريق عبد الله بن سلمة المرادي عن علي موقوفا ورجاله ثقات، إلا أن المرادي هذا كان تغير حفظه، وعلى كل حال، هذا أصح من المرفوع، وقد روى البيهقي كراهة الإحرام قبل الميقات عن عمر وعثمان رضي الله عنهما، وهو الموافق لحكمة تشريع المواقيت، وما أحسن ما ذكر الشاطبي رحمه الله في " الاعتصام " (1 / 167) ومن قبله الهروي في " ذم الكلام " (3 / 54 / 1) عن الزبير بن بكار قال: (حدثني سفيان بن عيينة قال) : سمعت مالك ابن أنس وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة، فقال وأي فتنة في هذه؟ إنما هي أميال أزيدها! قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! إني سمعت الله يقول! {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} !

فانظر مبلغ أثر الأحاديث الضعيفة في مخالفة الأحاديث الصحيحة والشريعة المستقرة، ولقد رأيت بعض مشايخ الأفغان هنا في دمشق في إحرامه، وفهمت منه أنه

 

(1/377)

 

 

أحرم من بلده! فلما أنكرت ذلك عليه احتج على بهذا الحديث! ولم يدر المسكين أنه ضعيف لا يحتج به ولا يجوز العمل به لمخالفته سنة المواقيتالمعروفة، وهذا مما صرح به الشوكاني في " السيل الجرار " (2 / 168) ونحو هذا الحديث الآتي:

211 - " من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود (1 / 275) وابن ماجه (2 / 234 - 235) والدارقطني (ص 282) والبيهقي (5 / 30) وأحمد (6 / 299) من طريق حكيمة عن أم سلمة مرفوعا.

قال ابن القيم في " تهذيب السنن " (2 / 284) : قال غير واحد من الحفاظ:

إسناده غير قوي.

قلت: وعلته عندي حكيمة هذه فإنها ليست بالمشهورة، ولم يوثقها غير ابن حبان (4 / 195) وقد نبهنا مرارا على ما في توثيقه من التساهل، ولهذا لم يعتمده الحافظ فلم يوثقها وإنما قال في " التقريب ": مقبولة، يعني عند المتابعة وليس لها متابع هاهنا فحديثها ضعيف غير مقبول، هذا وجه الضعف عندي، وأما المنذري فأعله بالاضطراب فقال في " مختصر السنن " (2 / 285) : وقد اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافا كثيرا.

وكذا أعله بالاضطراب الحافظ ابن كثير كما في " نيل الأو طار " (4 / 235) .

 

(1/378)

 

 

ثم إن المنذري كأنه نسي هذا فقال في " الترغيب والترهيب " (2 / 119 / - 120) :

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح! .

وأنى له الصحة وفيه ما ذكره هو وغيره من الاضطراب، وجهالة حكيمة عندنا؟ !

ثم إن الحديث قال السندي وتبعه الشوكاني: يدل على جواز تقديم الإحرام على الميقات.

قلت: كلا، بل دلالته أخص من ذلك، أعني أنه إنما يدل على أن الإحرام من بيت المقدس خاصة أفضل من الإحرام من المواقيت، وأما غيره من البلاد فالأصل الإحرام من المواقيت المعروفة وهو الأفضل كما قرره الصنعاني في " سبل السلام " (2 / 268 - 269) ، وهذا على فرض صحة الحديث، أما وهو لم يصح كما رأيت، فبيت المقدس كغيره في هذا الحكم، لما سبق بيانه قبل حديث ولا سيما أنه قد روي ما يدل عليه بعمومه وهو:

212 - " ليستمتع أحدكم بحله ما استطاع فإنه لا يدري ما يعرض في إحرامه ".

ضعيف.

أخرجه الهيثم بن كليب في " مسنده " (132 / 1) والبيهقي في " سننه " (5 / 30 - 31) من طريق واصل بن السائب الرقاشي عن أبي سورة عن عمه أبي أيوب الأنصاري مرفوعا، وقال: هذا إسناد ضعيف، واصل بن السائب منكر الحديث، قاله البخاري وغيره.

قلت: وأبو سورة ضعيف كما في " التقريب "

ثم رواه البيهقي من طريق الشافعي: أنبأنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء مرفوعا

 

(1/379)

 

 

نحوه، وأعله بقوله: وهذا مرسل.

قلت: ومسلم شيخ الشافعي هو ابن خالد الزنجي الفقيه وهو صدوق كثير الأوهام كما في " التقريب "، وابن جريج مدلس وقد عنعنه.

213 - " إني لأعلم أرضا يقال لها: عمان، ينضح بجانبها البحر، الحجة منها أفضل من حجتين من غيرها ".

ضعيف.

أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (رقم 4853) والثقفي في " مشيخته النيسابوريين " (184 - 185) والبيهقي في " سننه " (4 / 335) من طريق الحسن ابن هادية قال: لقيت ابن عمر فقال لي: ممن أنت؟ قلت: من أهل عمان، قال: من أهل عمان؟ قلت: نعم، قال: أفلا أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.

قلت: ورجاله كلهم ثقات معرفون، غير ابن هادية هذا فقد ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 40) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

وأما قول الحافظ في " اللسان ": قال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا أعرفه فأخشى أن يكون انتقل نظره إلى ترجمة أخرى عقب هذه، روى ابن أبي حاتم فيها عن أبيه ما نقله الحافظ عنه، والله أعلم.

وأما ابن حبان فقد ذكره في " الثقات " (4 / 123) ، وهذا منه على عادته في

 

(1/380)

 

 

توثيق المجهولين كما سبق التنبيه عليه مرارا، وتوثيق ابن حبان هذا هو عمدة الهيثمي حين قال في " المجمع " (3 / 217) : رواه أحمد ورجاله ثقات.

وحجة الشيخ الفاضل أحمد محمد شاكر في قوله في تعليقه على " المسند ": إسناده صحيح، وهذا غير صحيح لما سبق، وكم له في هذا التعليق وغيره من مثل هذه التصحيحات المبنية على مثل هذه التوثيقات التي لا يعتمد عليها لضعف مستندها.

214 - " من لم يصل علي فلا دين له ".

ضعيف.

قال ابن القيم: رواه محمد بن حمدان المروزي حدثنا عبد الله بن {خبيق} حدثنا يوسف ابن أسباط عن سفيان الثوري عن رجل عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا.

كذا أورده في كتابه " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام " (ص 25- 26) ساكتا عليه لظهور ضعفه من سنده، فأحببت أن أكشف عنه، وله علتان:

الأولى: يوسف بن أسباط، قال أبو حاتم: كان رجلا عابدا، دفن كتبه وهو يغلط كثيرا، وهو رجل صالح لا يحتج بحديثه.

الأخرى: راويه عن زر، فإنه رجل لم يسم، وعلى هذا اقتصر الحافظ السخاوي في " القول البديع " (ص 114) في إعلاله وهو قصور.

ثم رأيته في " المعجم الكبير " (رقم 8941 و8942) للطبراني أخرجه من

 

(1/381)

 

 

طريقين عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: " من لم يصل فلا دين له ".

وإسناده حسن، وليس فيه " علي " ثم هو موقوف، وهو الأشبه بالصواب.

215 - " من صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين عاما، فقيل له: وكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال: تقول: اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبى الأمي، وتعقد واحدا ".

موضوع.

أخرجه الخطيب (13 / 489) من طريق وهب بن داود بن سليمان الضرير حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم، حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس مرفوعا.

ذكره في ترجمة الضرير هذا وقال: لم يكن بثقة، قال السخاوي في " القول البديع " (ص 145) : وذكره ابن الجوزي في " الأحاديث الواهية " (رقم 796) .

قلت: وهو بكتابه الآخر " الأحاديث الموضوعات " أولى وأحرى، فإن لوائح الوضع عليه ظاهرة، وفي الأحاديث الصحيحة في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم غنية عن مثل هذا، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا "

 

(1/382)

 

 

رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1369) ، ثم إن الحديث ذكره السخاوي في مكان آخر (ص 147) من رواية الدارقطني يعني عن أبي هريرة مرفوعا، ثم قال: وحسنه العراقي، ومن قبله أبو عبد الله بن النعمان، ويحتاج إلى نظر، وقد تقدم نحوه من حديث أنس قريبا يعني هذا.

قلت: والحديث عند الدارقطني عن ابن المسيب قال: أظنه عن أبي هريرة كما في الكشف (1 / 167) .

216 - " إنا لنكشر في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم ".

لا أصل له مرفوعا.

وقد بيض له العجلوني في " الكشف " (206) وإنما ذكره البخاري (10 / 434) معلقا موقوفا فقال: ويذكر عن أبي الدرداء: " إنا لنكشر ... " وقد وصله جماعة منهم أبو نعيم في " الحلية " (1 / 222) من طريق خلف بن حوشب قال: قال أبو الدرداء.. فذكره موقوفا، وهو منقطع كما قال الحافظ في " الفتح " ووصله أبو بكر بن المقري في " فوائده " من طريق أبي صالح عن أبي الدرداء.

قال الحافظ: هو منقطع أيضا، ووصله ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي في " غريب الحديث " والدينوري في " المجالسة " من طريق أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء. ولم يذكر

 

(1/383)

 

 

الدينوري في إسناده جبير بن نفير.

قلت: فعلى هذا فهو منقطع أيضا، لكن لعله يتقوى بهذه الطرق.

وبالجملة، فالحديث لا أصل له مرفوعا، والغالب أنه ثابت موقوفا، والله أعلم.

217 - " الزرقة في العين يمن، وكان داود أزرق ".

موضوع.

رواه الحاكم في " تاريخه " من طريق الحسين بن علوان عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا.

ذكره السيوطي في " اللآليء " (1 / 114) شاهدا فأساء، ابن علوان هذا كذاب وضاع، والجملة الأولى من الحديث أوردها ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 /162) من رواية ابن حبان وهذا في ترجمة عباد من " الضعفاء " (2 / 164) عن محمد بن يونس عن عباد بن صهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا، وقال ابن الجوزي: لا يصح، عباد متروك والراوي عنه هو الكديمي والبلاء منه.

ومن هذا الوجه رواه يوسف بن عبد الهادي في " جزء أحاديث منتقاة " (337 / 1) وقد غفل المعلق على " المراسيل " لأبي داود (333) عن إشارة ابن الجوزي إلى أن إعلاله بالكديمي أولى! فأعله بعباد فقط. ثم ذكره ابن

الجوزي من رواية الحارث بن أبي أسامة، حدثنا إسماعيل المؤدب، حدثنا سليمان بن أرقم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " من الزرقة يمن " وقال:

 

(1/384)

 

 

لا يصح، سليمان متروك، وإسماعيل لا يحتج به.

فتعقبه السيوطي بقوله: قلت: قال أبو داود في " مراسيله " (رقم 479) : حدثنا عباس بن عبد العظيم، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا رجل من أهل العراق عن معمر عن الزهري مرفوعا: " الزرقة يمن ".

قلت: هذا مرسل، وفيه العراقي الذي لم يسم فهو المتهم به، وقد غمز من صحته أبو داود نفسه، فقال عقبه: " كان فرعون أزرق، وعاقر الناقة أزرق ".

ثم ساق السيوطي الشاهد المتقدم من طريق الحاكم، وقد علمت وضعه، وقد نقل الشيخ العجلوني في " الكشف " (1 / 439) عن ابن القيم أنه قال: حديث موضوع.

218 - " من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره ".

ضعيف.

رواه الدارقطني في " الأفراد " من حديث ابن عمر مرفوعا.

قال ابن القيم في " الزاد " (1 / 145) : وهو من حديث ابن لهيعة.

قلت: وهو ضعيف من قبل حفظه، وأشار الحافظ في " التلخيص " إلى إعلاله به، وأما تصحيح البجيرمي للحديث في " الإقناع " (2 / 177) فمما لا وجه له إطلاقا.

 

(1/385)

 

 

وروى ابن أبي شيبة (1 / 206 / 1) بسند صحيح عن حسان بن عطية قال:

" إذا سافر يوم الجمعة دعي عليه أن لا يصاحب ولا يعان في سفر ".

فهذا مقطوع، ولعل هذا هو أصل الحديث، فوصله ورفعه ابن لهيعة بسوء حفظه!

وللحديث طريق أخرى لكنها موضوعة وهو:

219 - " من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه أن لا يصحب في سفره ولا تقضى له حاجة ".

موضوع.

أخرجه الخطيب في " كتاب أسماء الرواة عن مالك " من رواية الحسين بن علوان عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، ثم قال الخطيب: الحسين ابن علوان غيره أثبت منه، قال العراقي: قد ألان الخطيب الكلام في الحسين هذا وقد كذبه يحيى بن معين ونسبه ابن حبان إلى الوضع، وذكر له الذهبي في الميزان هذا الحديث وإنه مما كذب فيه على مالك، كذا في " نيل الأوطار " (3 / 194 - 195) .

قلت: ومن العجيب حقا أن العراقي نفسه قد ألان القول أيضا في الحديث هذا بقوله في " تخريج الإحياء " (1 / 188) بعد أن عزاه للخطيب:.... بسند ضعيف.

وليس في السنة ما يمنع من السفر يوم الجمعة مطلقا، بل روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه سافر

 

(1/386)

 

 

يوم الجمعة من أول النهار، ولكنه ضعيف لإرساله، وقد روى البيهقي (3 / 187) عن الأسود بن قيس عن أبيه قال: أبصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا عليه هيئة السفر فسمعه يقول: لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت قال عمر رضي الله عنه: اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفر، ورواه ابن أبي شيبة (2 / 205 / 2) مختصرا، وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات، وقيس والد الأسود وثقه النسائي وابن حبان، فهذا الأثر مما يضعف هذا الحديث وكذا المذكور قبله إذ الأصل أنه لا يخفى على أمير المؤمنين عمر لوكان صحيحا.

220 - " إن له (يعني إبراهيم بن محمد صلى الله عليه وسلم) مرضعا في الجنة، ولو عاش لكان صديقا نبيا، ولوعاش لعتقت أخواله القبط، وما استرق قبطي قط ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (1 / 459 ـ 460) من طريق إبراهيم بن عثمان، حدثنا الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى رسول الله عليه وقال: فذكره.

وهذا سند ضعيف من أجل إبراهيم بن عثمان، فإنه متفق على ضعفه، ولكن الجملة الأولى من الحديث وردت من حديث البراء، رواه أحمد (4 / 283، 284، 289، 297، 300، 302، 304) وغيره بأسانيد بعضها صحيح.

والجملة الثانية وردت عن عبد الله بن أبي أوفى قيل له: رأيت إبراهيم ابن

 

(1/387)

 

 

رسول الله؟ قال: مات وهو صغير، ولوقضي أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي لعاش ابنه ولكن لا نبي بعده، رواه البخاري في " صحيحه " (10 / 476) وابن ماجه (1 / 459) وأحمد (4 / 353) ولفظه: ولوكان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه إبراهيم، وعن أنس قال: رحمة الله على إبراهيم لوعاش كان صديقا نبيا، أخرجه أحمد (3 / 133 و280 - 281) بسند صحيح على شرط مسلم، ورواه ابن منده وزاد: " ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء " كما في " الفتح " للحافظ ابن حجر (10 / 476) وصححه.

وهذه الروايات وإن كانت موقوفة فلها حكم الرفع إذ هي من الأمور الغيبية التي لا مجال للرأي فيها، فإذا عرفت هذا يتبين لك ضلال القاديانية في احتجاجهم بهذه الجملة: " لوعاش إبراهيم لكان نبيا " على دعواهم الباطلة في استمرار النبوة بعده صلى الله عليه وسلم لأنها لا تصح هكذا عنه صلى الله عليه وسلم وإن ذهبوا إلى تقويتها بالآثار التي ذكرنا كما صنعنا نحن فهي تلقمهم حجرا وتعكس دليلهم عليهم إذ إنها تصرح أن وفاة إبراهيم عليه السلام صغيرا كان بسبب أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ولربما جادلوا في هذا - كما هو دأبهم - وحاولوا أن يوهنوا من الاستدلال بهذه الآثار، وأن يرفعوا عنها حكم الرفع، ولكنهم لم ولن يستطيعوا الانفكاك مما ألزمناهم به من ضعف دليلهم هذا ولومن الوجه الأول وهو أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم مرفوعا صراحة.

 

(1/388)

 

 

221 - " الحج قبل التزوج ".

موضوع.

أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الديلمي في " مسند الفردوس " عن أبي هريرة، وتعقبه المناوي بقوله: وفيه غياث بن إبراهيم، قال الذهبي:

تركوه، وميسرة بن عبد ربه قال الذهبي: كذاب مشهور.

قلت: والأول أيضا كذاب معروف، قال ابن معين: كذاب خبيث، وقال أبو داود:

كذاب، وقال ابن عدي: بين الأمر في الضعف، وأحاديثه كلها شبه الموضوع وهو الذي ذكر أبو خيثمة أنه حدث المهدي بخبر: " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر " فزاد فيه: " أو جناح " فوصله المهدي، ولما قام قال: أشهد أن قفاك قفا كذاب.

فأعجب من السيوطي كيف يورد في " جامعه " أحاديث هؤلاء الكذابين!

والحديث في " الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس " (1 / 97) من طريق غياث بن إبراهيم (وما فوقه غير ظاهر في المصورة إلا: ابن ميسرة عن أبيه عن أبي هريرة) ، وميسرة بن عبد ربه دون هذه الطبقة، فليحقق.

وقد روى هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ آخر وهو:

 

(1/389)

 

 

222 - " من تزوج قبل أن يحج فقد بدأ بالمعصية ".

موضوع.

رواه ابن عدي (20 / 2) عن أحمد بن جمهو ر القرقساني، حدثنا محمد بن أيوب حدثني أبي عن رجاء بن روح حدثتني ابنة وهب بن منبه عن أبيها عن أبي هريرة مرفوعا، وقال ابن عدي: وبعض روايات أيوب بن سويد أحاديث لا يتابعه أحد عليها.

ومن طريق ابن عدي ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 213) وقال: محمد ابن أيوب يروي الموضوعات، وأبوه قال يحيى: ليس بشيء.

وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 120) وزاد عليه قوله: قلت: وأحمد بن جمهو ر متهم بالكذب.

قلت: ورجاء بن روح - كذا في " ابن عدي " وفي " الموضوعات " و" اللآليء ": ابن نوح لم أجد له ترجمة.

 

(1/390)

 

 

223 - " الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده ".

منكر.

أخرجه أبو بكر بن خلاد في " الفوائد " (1 / 224 / 2) وابن عدي (17 / 2) وابن بشران في " الأمالي " (2 / 3 / 1) والخطيب (6 / 328) وعنه ابن الجوزي في " الواهيات " (2 / 84 / 944) من طريق إسحاق بن بشر الكاهلي، حدثنا أبو معشر المدائني عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا.

ذكره الخطيب في ترجمة الكاهلي هذا وقال: يروي عن مالك وغيره من الرفعاء أحاديث منكرة، ثم ساق له هذا الحديث ثم روى تكذيبه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وقد كذبه

 

(1/390)

 

 

أيضا موسى بن هارون وأبو زرعة، وقال ابن عدي عقب الحديث: هو في عداد من يضع الحديث، وكذا قال الدارقطني كما في " الميزان "، وزاد ابن الجوزي: لا يصح، وأبو معشر ضعيف.

وقال المناوي متعقبا على السيوطي حيث أورده في " الجامع " من رواية الخطيب وابن عساكر: قال ابن الجوزي: حديث لا يصح، وقال ابن العربي: هذا حديث باطل فلا يلتفت إليه.

ثم وجدت للكاهلي متابعا، وهو أحمد بن يونس الكوفي، وهو ثقة أخرجه ابن عساكر (15 / 90 / 2) من طريق أبي علي الأهوازي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن جعفر ابن عبيد الله الكلاعي الحمصي بسنده عنه به، أورده في ترجمة الكلاعي هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن أبو علي الأهوازي متهم، فالحديث باطل على كل حال، ثم رأيت ابن قتيبة أخرج الحديث في " غريب الحديث " (3 / 107 / 1) عن إبراهيم بن يزيد عن عطاء عن ابن عباس موقوفا عليه، والوقف أشبه وإن كان في سنده ضعيف جدا، فإن إبراهيم هذا وهو الخوزي متروك كما قال أحمد والنسائي، لكن روي الحديث بسند آخر ضعيف عن ابن عمرو رواه ابن خزيمة (2737) والطبراني في " الأوسط " (1 / 33 / 2) ، وقال: تفرد به عبد الله بن المؤمل ولذا ضعفه البيهقي في " الأسماء " (ص 333) وهو مخرج في " التعليق الرغيب " (2 / 123) .

 

(1/391)

 

 

وإذا عرفت ذلك، فمن العجائب أن يسكت عن الحديث الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات " (7 / 174 - 175) ويتأول ما روي عن ابن الفاعوس الحنبلي أنه كان يقول: " الحجر الأسود يمين الله حقيقة "، بأن المراد بيمينه أنه محل الاستلام والتقبيل، وأن هذا المعنى هو حقيقة في هذه الصورة وليس مجازا، وليس فيه ما يوهم الصفة الذاتية أصلا، وكان يغنيه عن ذلك كله التنبيه على ضعف الحديث، وأنه لا داعي لتفسيره أو تأويله لأن التفسير فرع التصحيح كما لا يخفى.

224 - " حملة القرآن أولياء الله، فمن عاداهم فقد عادى الله، ومن والاهم فقد والى الله ".

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسنده " (2 / 90) من طريق أبي نعيم معلقا عليه بسنده عن الحسن بن إدريس العسكري حدثنا إبراهيم بن سهل حدثنا داود بن المحبر عن صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر به.

وذكره السيوطي في " الجامع " من رواية الديلمي وابن النجار عن ابن عمر، وتعقبه المناوي بقوله: وفيه داود بن المحبر، قال الذهبي في " الضعفاء ":

قال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات، ورواه عنه أبو نعيم في " الحلية " ومن طريقه أورده الديلمي مصرحا، فلوعزاه له لكان أولى.

قلت: بل الأولى حذفه أصلا! فقد أورده السيوطي نفسه في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (رقم 155، ص 32) من رواية أبي نعيم في " تاريخ أصبهان " وقال السيوطي: قال الحافظ في " اللسان ": هذا خبر منكر ساقه أبو نعيم في ترجمة الحسن

 

(1/392)

 

 

بن إدريس، لكن الآفة من داود بن المحبر، وتبعه ابن عراق في " تنزيه الشريعة ": (135 / 1) ، والحديث في " أخبار أصبهان " (1 / 264) وليس في " الحلية " كما ظن المناوي! .

والحسن بن إدريس هو من شيوخ أبي الشيخ كما ترجمه في " طبقاته " (389 / 531) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وكذلك صنع أبو نعيم، وإبراهيم بن سهل لم أعرفه، ثم رواه الديلمي من حديث علي نحوه وفيه محمد بن الحسين، قال الخطيب (2 / 248) : قال لي محمد بن يوسف القطان: كان غير ثقة يضع للصوفية الأحاديث.

225 - " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ".

ضعيف.

بهذا السياق والتمام، أخرجه أصحاب السنن الأربعة إلا ابن ماجه وابن أبي شيبة في " المصنف " (4 / 140) والبغوي في حديث علي بن الجعد (7 / 70 / 1) والطبراني (3 / 174 / 2) وأبو عبد الله القطان في " حديثه " (54 / 1) والحاكم (1 / 374) والبيهقي (4 / 78) وكذا الطيالسي (1 / 171) وأحمد (2030) من طريق محمد بن جحادة قال: سمعت أبا صالح زاد القطان، بعد ما كبر، وهو رواية لابن أبي شيبة (2 / 84 / 1) عن ابن عباس قال: فذكره، وقال الحاكم وتبعه الذهبي: أبو صالح باذان ولم يحتجا به، وأما الترمذي فقال:

 

(1/393)

 

 

حديث حسن، وأبو صالح هذا هو مولى أم هانيء بنت أبي طالب واسمه باذان ويقال: باذام أيضا.

قلت: وهو ضعيف عند جمهو ر النقاد، ولم يوثقه أحد إلا العجلي وحده كما قال الحافظ في " التهذيب " بل كذبه إسماعيل بن أبي خالد والأزدي، ووصمه بعضهم بالتدليس، وقال الحافظ في " التقريب ": ضعيف مدلس.

قلت: وكأنه لهذا، قال ابن الملقن في " خلاصة البدر المنير " بعد أن حكى تحسين الترمذي للحديث قال (59 / 1) : قلت: فيه وقفة لنكتة ذكرتها في الأصل يعني " البدر المنير " ولم أقف عليه لنقف على النكتة التي أشار إليها وإن كان الظاهر أنه أراد بها ضعف أبي صالح المذكور وتدليسه، وبه أعله عبد الحق الإشبيلي في " أحكامه الكبرى " (80 / 1) فقال: وهو عندهم ضعيف جدا.

قلت: فمن هذا حاله لا يحسن تحسين حديثه كما فعل الترمذي! فكيف تصحيحه كما فعل الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " وعلى سنن الترمذي (2 / 136 - 138) ؟ وهذا التحسين والتصحيح بالإضافة إلى اشتهار الاستدلال بهذا الحديث على تحريم إيقاد السرج، حملني على أن أبين حقيقة إسناد هذا الحديث لكي لا ينسب إليه صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، نعم قد جاء غالب الحديث من طرق أخرى، فلعن زائرات القبور، رواه ابن ماجه (1 / 478) والحاكم، والبيهقي وأحمد (3 / 142) من حديث حسان بن ثابت، والترمذي وابن ماجه والبيهقي والطيالسي وأحمد (2 / 337) عن أبي هريرة بلفظ: " زوارات القبور "، انظر " أحكام الجنائز " (185 - 187) .

 

(1/394)

 

 

ولعن المتخذين على القبور المساجد متواتر عنه صلى الله عليه وسلم في " الصحيحين " وغيرهما من حديث عائشة وابن عباس وأبي هريرة وزيد بن ثابت وأبي عبيدة بن الجراح وأسامة بن زيد، وقد سقت أحاديثهم وخرجتها في

" التعليقات الجياد على زاد المعاد " ثم في " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد "، وهو مطبوع، ونص حديث عائشة وابن عباس مرفوعا:

" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد " زاد أحمد في روايته: " يحرم ذلك على أمته " وأخرج أيضا من حديث ابن مسعود مرفوعا:

" إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد ".

ومع هذه الأحاديث الكثيرة في لعن من يتخذ المساجد على القبور تجد كثيرا من المسلمين يتقربون إلى الله ببنائها عليها والصلاة فيها، وهذا عين المحادة لله ورسوله، انظر " الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر " للفقيه أحمد بن حجر الهيثمي (1 / 121) وقد صرح بعض الحنفية وغيرهم بكراهة الصلاة فيها، بل نقل بعض المحققين اتفاق العلماء على ذلك، فانظر " فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية " (1 / 107، 2 / 192) " وعمدة القاري شرح صحيح البخاري " للعيني الحنفي (4 /149) وشرحه للحافظ ابن حجر (3 / 106) ، وأما لعن المتخذين عليها السرج.

فلم نجد في الأحاديث ما يشهد له، فهذا القدر من الحديث ضعيف، وإن لهج إخواننا السلفيون في بعض البلاد بالاستدلال به، ونصيحتي إليهم أن يمسكوا عن نسبته إليه صلى الله عليه وسلم لعدم صحته، وأن يستدلوا على منع السرج على القبور بعمومات الشريعة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:

 

(1/395)

 

 

" كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار "، ومثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، ونهيه عن التشبه بالكفار ونحوذلك.

226 - " تختموا بالعقيق فإنه مبارك ".

موضوع.

أخرجه المحاملي في " الأمالي " (ج 2 رقم 41 - نسختي) والخطيب في " تاريخه " (11 / 251) وكذا العقيلي في " الضعفاء " (466) من طريق يعقوب بن الوليد المدني، وابن عدي (356 / 1) من طريق يعقوب بن إبراهيم الزهري، كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا.

ومن طريق العقيلي ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 423) وقال: يعقوب كذاب يضع، قال العقيلي: ولا يثبت في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء.

قلت: قال الذهبي في ترجمة يعقوب: قال أحمد: كان من الكذابين الكبار، يضع الحديث، ثم ساق له هذا الحديث، وقال ابن عدي: يعقوب بن إبراهيم هذا ليس بالمعروف، وقد سرقه منه يعقوب بن الوليد.

وقد تعقب ابن الجوزي السيوطي في " اللآلئ " (2 / 272) كعادته فقال:

وللحديث طريق آخر عن هشام أخرجه الخطيب وابن عساكر (4 / 283 / 2) من طريق أبي سعيد شعيب بن محمد بن إبراهيم الشعيبى، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن وصيف {الفامي} ، أنبأنا محمد بن سهل بن الفضل بن عسكر أبو الفضل، حدثنا خلاد بن يحيى عن هشام بن عروة به.

قلت: وهذا إسناد مظلم، فإن من دون خلاد لا يعرفون، أما شعيب بن محمد

 

(1/396)

 

 

بن إبراهيم الشعيبي فلعله الذي في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 352) : شعيب بن محمد بن شعيب العبدي، بغدادي، روى عن بشر بن الحارث وعبد الرحمن بن عفان كتب عنه أبي في الرحلة الثانية وكذا في " تاريخ بغداد " (9 / 244) للخطيب نقلا عن ابن أبي حاتم.

وأما محمد بن وصيف {الفامي} فلم أجد من ذكره إلا أن يكون الذي ذكره الخطيب في " تاريخه " (3 / 336) : محمد بن وصيف أبو جعفر السامري، ثم ساق له حديثا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولكن هذا كنيته أبو جعفر، والمترجم كنيته أبو عبد الله، فالله أعلم.

وأما محمد بن سهل بن فضل، فيحتمل أنه محمد بن سهل العطار، وقد تردد في هذا الحافظ ابن حجر في " اللسان " والله أعلم.

والعطار معروف بوضع الحديث، وصفه بذلك الدارقطني وغيره فهو آفة هذا الإسناد أو من دونه، والله أعلم.

وقد روي الحديث بألفاظ أخرى من طرق أخرى وكلها باطلة كما قال الحافظ السخاوي في " المقاصد " وأما قول الشيخ علي القاري في " الموضوعات " (ص 37) : لكن رواه الديلمي من حديث أنس وعمر وعلي وعائشة بأسانيد متعددة فيدل على أن الحديث له أصل.

فهو ذهول عن قول الحافظ السخاوي: إنها كلها باطلة، وعن القاعدة المتفق عليها عند المحدثين أن تعدد الطرق إنما يقوي الحديث إذا كان الضعف فيها ناشئا من قلة الضبط والحفظ، وليس الأمر في هذا الحديث كذلك، فإن غالبها لا يخلومن متهم بالكذب، كما يأتي بعد، ثم إن في ألفاظها اضطرابا شديدا فبعضها يقول: فإنه مبارك، كما في حديث عائشة هذا.

 

(1/397)

 

 

وبعضها يقول: " فإنه ينفي الفقر "، وغير ذلك من الألفاظ التي لا يشهد بصحتها شرع ولا عقل، ومنها الحديث الآتي:

227 - " تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر ".

موضوع.

ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 58) من رواية ابن عدي وعنه الديلمي (2 / 31) عن الحسين بن إبراهيم البابي حدثنا حميد الطويل عن أنس مرفوعا به، وقال ابن الجوزي: قال ابن عدي: باطل والحسين مجهول، وقال الذهبي في " الميزان ": حديث موضوع، وأقره الحافظ في " اللسان " وكذا أقر ابن الجوزي

على وضعه السيوطي في " اللآليء " (2 / 273) وزاد: قلت: قال في " الميزان ": حسين لا يدرى من هو فلعله من وضعه.

ومع اعتراف السيوطي بوضعه فقد ذكره في " الجامع الصغير " من رواية ابن عدي!!

ومن طريق ابن عدي وغيره أخرجه ابن عساكر في " التاريخ " (14 / 26 - ط) ، وأعله بجهالة البابي، ولم أره في " كامل ابن عدي ".

 

(1/398)

 

 

228 - " تختموا بالعقيق فإنه أنجح للأمر، واليمنى أحق بالزينة ".

موضوع.

أخرجه ابن عساكر (4 / 291 / 1 - 2) في ترجمة الحسن بن محمد بن أحمد بن هشام السلمي بسنده إلى أبي جعفر محمد بن عبد الله

 

(1/398)

 

 

البغدادي حدثني محمد بن الحسن - بالباب والأبواب - حدثنا حميد الطويل عن أنس مرفوعا به، قال الحافظ في " اللسان " (2 / 269) : وهو موضوع لا ريب فيه، لكن لا أدري من وضعه.

وأقره السيوطي في " اللآليء ": (2 / 273) .

229 - " تختموا بالخواتم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه ".

موضوع.

رواه الديلمي في " مسنده " (2 / 32) من طريق علي بن مهرويه القزويني، وفي سنده داود بن سليمان الغازي الجرجاني كذبه ابن معين، وقال الذهبي:

شيخ كذاب، له نسخة موضوعة عن علي بن موسى الرضا.

قلت: وهذا الحديث من النسخة المذكورة كما يتبين لمن نظر " المقاصد الحسنة " و" كشف الخفاء ".

 

(1/399)

 

 

230 - " من تختم بالعقيق لم يزل يرى خيرا ".

موضوع.

رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 57) من طريق ابن حبان يعني في " الضعفاء " (3 / 153) عن زهير بن عباد حدثنا أبو بكر بن شعيب عن مالك عن الزهري عن عمرو بن الشريد عن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا وقال ابن حبان وتبعه ابن الجوزي: أبو بكر يروي عن مالك ما ليس من حديثه.

 

(1/399)

 

 

وأقره في " اللآليء " (2 / 271) ، وقال الذهبي في ترجمة أبي بكر المذكور وقد ساق له هذا الحديث: هذا كذب، ووافقه الحافظ في " اللسان ".

والحديث أخرجه الطبراني في " الأوسط " من هذا الوجه وقال: لم يروه عن مالك إلا أبو بكر تفرد به زهير، كما في " جزء منتقى " من معجمي الطبراني " الأوسط " و" الكبير " ومن " مسند المقلين " لدعلج بخط الحافظ الذهبي وروايته عن الحافظ المزي (ورقة 1 وجه 2) وكذلك هو في " جزء من حديث الطبراني رواية أبي نعيم " (26 / 1) ، وفي " جزء ما انتقاه ابن مردويه من حديث الطبراني " (113 / 1) ثم رأيته في " المعجم الأوسط " (1 / 8 / 101) .

ومن هذا يتبين خطأ قول الهيثمي بعد أن ساق الحديث (5 / 154 - 155) :

رواه الطبراني في " الأوسط " وعمرو بن الشريد لم يسمع من فاطمة، وزهير بن عباس الرواسي وثقه أبو حاتم، وبقية رجاله رجال الصحيح!

فهذا خطأ فاحش، فإن أبا بكر هذا ليس من رجال الصحيح، بل ولا من رجال السنن و" المسانيد "! ثم هو متهم كما يشير إليه كلام ابن حبان وابن الجوزي السابق فيه.

وقد غفل عن هذا المعلق على " الأوسط " (1 / 104) فنقل كلام الهيثمي ثم أقره.

وبالجملة فكل أحاديث التختم بالعقيق باطلة كما سبق عن الحافظ السخاوي.

 

(1/400)

 

 

231 - " كلوالبلح بالتمر، فإن الشيطان إذا رآه غضب وقال: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق ".

موضوع.

رواه ابن ماجه (1 / 317) والعقيلي في " الضعفاء " (467) وابن عدي (364 / 2) وابن حبان في " الضعفاء " (3 / 120) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 134) والحاكم في " المستدرك " (4 / 21) وفي " معرفة علوم الحديث " (ص 100 - 101) والبيهقي في " الآداب " (318 / 667) وأبو الحسن الحمامي في " الفوائد المنتقاة " (9 / 207 / 2) والخطيب في " تاريخه " (5 / 353) وهبة الله الطبري في " الفوائد " (1 / 134 / 2) واستغربه عن أبي زكير يحيى ابن محمد بن قيس قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا، وقال ابن عدي والحاكم في " المعرفة " والبيهقي والحمامي والخطيب: تفرد به أبو زكير، والحاكم مع تساهله المعروف لم يصححه في " المستدرك " وقال الذهبي في " الميزان ":

هذا حديث منكر، وكذا قال في تلخيص " المستدرك " وزاد:

ولم يصححه المؤلف.

قال السندي: وفي " الزوائد ": في إسناده أبو زكير في الأصل زكريا وهو تصحيف يحيى بن محمد ضعفه ابن معين وغيره، وقال ابن عدي: أحاديثه مستقيمة سوى أربعة أحاديث.

قلت: وقد عد هذا الحديث من جملة تلك الأحاديث، وقال النسائي: إنه حديث منكر.

 

(1/401)

 

 

قلت: وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 26) وقال: قال الدارقطني: تفرد به أبو زكير عن هشام قال العقيلي: لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به، قال ابن حبان: وهو يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل من غير تعمد فلا يحتج به، روى هذا الحديث ولا أصل له، قال ابن الجوزي: هذا قدح ابن حبان في أبي زكير وقد أخرج عنه مسلم في " الصحيح " ولعل الزلل من قبل محمد بن شداد المسمعي (يعني أحد رواته) عن أبي زكير قال الدارقطني: لا يكتب حديثه، وتابعه نعيم بن حماد عن أبي زكير، ونعيم ليس بثقة.

وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 243) على وضعه لكنه تعقبه في محاولته تبرئة أبي زكير من عهدة الحديث فإنه ذكر له طرقا أخرى عن أبي زكير، تحمل الباحث على أن يحصر التهمة في أبي زكير، وهو الصواب، وبه أعل الأئمة هذا الحديث والله أعلم.

ومسلم إنما أخرج له في " المتابعات "، كما في " التهذيب "، وقال في " التقريب ": صدوق يخطيء كثيرا.

ومع اعتراف السيوطي بوضعه فإنه أورده في " الجامع الصغير " من رواية النسائي وابن ماجه والحاكم عن عائشة!

هذا وقد عزاه للنسائي ابن القيم أيضا في " زاد المعاد " (3 / 211) فالظاهر أنه في " سننه الكبرى "، وهو في الوليمة منه، كما في " تحفة الأشراف " (12 / 224) وقال النسائي: هذا منكر.

 

(1/402)

 

 

كما تقدم عن " الزوائد "، ثم إن ابن القيم سكت عن هذا الحديث فكأنه لم يستحضر علته فكان عمله هذا من جملة الدواعي على تحرير القول فيه.

232 - " كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الدود ".

موضوع.

رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (9 / 106 / 1) وابن عدي (258 / 2) عن عصمة بن محمد حدثنا موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس مرفوعا.

وقال ابن عدي: وعصمة بن محمد كل حديثه غير محفوظ وهو منكر الحديث.

وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 25) من طريق ابن عدي عن عصمة، ثم قال: لا يصح، عصمة كذاب.

وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 243) ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (320 / 2) ومن قبلهما ابن القيم في " المنار " وقال (ص 25) : هو بوصف الأطباء والطرقية أشبه وأليق.

ومع هذا فقد أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أبي بكر الشافعي هذا والديلمي عن ابن عباس، فانظر كم هو متناقض؟ ! .

 

(1/403)

 

 

233 - " أكثر خرز الجنة العقيق ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 281) في ترجمة سلم، وفي " الحلية " سالم ابن ميمون الخواص من طريق أبي محمد سلم الزاهد: ثنا القاسم

 

(1/403)

 

 

ابن معن عن أخته أمينة بنت معن عن عائشة مرفوعا، وقال: غريب من حديث القاسم لم نكتبه إلا من هذا الوجه، وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 58) من هذا الوجه وقال: سلم بن سالم كذاب.

وعقب عليه السيوطي بقوله في " اللآليء " (2 / 273) : قلت: اتفقوا على تضعيفه غير ابن عدي فقال: أرجوأنه يحتمل حديثه، وقال العجلي: لا بأس به، وهو صاحب حديث العدس، ثم راجعت " الحلية " فوجدته أخرجه في ترجمة سلم بن ميمون الخواص الزاهد المشهور، وهو صوفي من كبار الصوفية والعباد غير أن في

حديثه مناكير، قال ابن حبان: غلب عليه الصلاح حتى شغل عن حفظ الحديث وإتقانه.

قلت: وتمام كلام ابن حبان (1 / 345) : فربما ذكر الشيء بعد الشيء ويقلبه توهما، فبطل الاحتجاج به.

وقال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 167) عن أبيه: لم أكتب عنه، روى عن أبي خالد الأحمر حديثا منكرا شبه الموضوع، وميل السيوطي إلى أن الحديث لسلم بن ميمون يؤيده إيراد أبي نعيم له في ترجمته، لكن لم أر أحدا ممن ترجمه ذكر له كنية مطلقا، بخلاف سلم بن سالم فقد جزم بأن كنيته أبو محمد ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 266) ، وابن سعد في " طبقاته " (7 / 374) و" تاريخ بغداد " (9 / 141) للخطيب واعتمده هو حيث قال في أول ترجمته:

سلم بن سالم أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن البلخي.

 

(1/404)

 

 

فهذا يؤيد أنه سلم بن سالم وهو موصوف بالزاهد أيضا مثل سلم بن ميمون فكان ذلك من دواعي الاشتباه، والأرجح ما ذهب إليه ابن الجوزي أنه سلم بن سالم وهو متهم، وروى الخطيب عن أحمد بن سيار قال: سلم بن سالم كان يروي أحاديث ليست لها خطم ولا أزمة شبيهة بالموضوع، وعن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال: غير

ثقة، سمعت إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهو يه يقول: سئل ابن المبارك عن الحديث الذي حدث في أكل العدس أنه قدس على لسان سبعين نبيا؟ فقال: ولا على لسان نبي واحد، إنه لمؤذ منفخ، من يحدثكم به؟ قالوا: سلم بن سالم، قال: عمن؟

قالوا: عنك، قال: وعني أيضا؟ ! ثم روى الخطيب تضعيفه عن أحمد والنسائي وغيرهما، وقال ابن أبي حاتم في ترجمته (1 / 1 / 367) : سمعت أبا زرعة يقول: لا يكتب حديثه، كان مرجئا، وكان لا - وأو مأ بيده إلى فيه -يعني لا يصدق، وقال ابن حبان (1 / 344) : منكر الحديث يقلب الأخبار قلبا، وكان ابن المبارك يكذبه.

وأما استثناء السيوطي ابن عدي من المضعفين له بسبب قوله: أرجوأن يحتمل حديثه فغير مستقيم لأنه إنما قال هذا بعد أن أورد له أحاديث قال فيها:

 

(1/405)

 

 

" هذه الأحاديث أنكر ما رأيت له، وله أفراد، وأرجوأن يحتمل حديثه " كذا في " اللسان "، فهذا يفيد أن ابن عدي ضعفه بسبب روايته لتلك الأحاديث المنكرة، ورجاؤه أن يحتمل ما له من الأفراد والأحاديث القليلة، لا يوثقه بعد روايته الأحاديث المنكرة، وهذا بين لا يخفى على من له دراية بهذا الفن الشريف.

وقد سبق للسيوطي مثل هذه الخطأ فانظر الحديث (201) .

وبالجملة فالحديث موضوع سواء كان من رواية سلم بن سالم أو من رواية سلم بن ميمون فإن كل واحد منهما شر في الحديث من الآخر كما تبين لك من أقوال العلماء فيهما، وقد مضى عن السخاوي في الحديث (رقم 222) أن كل طرق حديث خاتم العقيق باطلة، ثم إن الحديث ذكره الذهبي في ترجمة سلم بن عبد الله الزاهد، وقال:

وهاه ابن حبان وقال: حدثنا ابن قتيبة وحدثنا حاتم بن نصر - بأستروشنة - قالا: حدثنا عبيد بن الغار العسقلاني حدثنا سلم بن عبد الله الزاهد عن القاسم بن معن.. .

قلت: فذكر الحديث بإسناده ولفظه، وقد عزاه الحافظ في " اللسان " لأبي نعيم وقال: ولم تقع في روايته ولا رواية ابن حبان تسمية والد سلم والعلم عند الله.

كذا قال لكن ابن حبان أورده في ترجمة سلم بن عبد الله الزاهد أبو محمد من " ضعفائه " (1 / 344) عقب ترجمة سلم بن سالم المتقدم، وقال: لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل الاعتبار.

 

(1/406)

 

 

234 - " أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر، فإنه من كان طعامها في نفاسها التمر خرج ولدها ذلك حليما، فإنه كان طعام مريم حين ولدت عيسى، ولوعلم الله طعاما هو خير لها من التمر أطعمها إياه ".

موضوع.

أخرجه الخطيب (8 / 366) من طريق داود بن سليمان الجرجاني حدثنا سليمان بن عمرو عن سعد بن طارق عن سلمة بن قيس مرفوعا.

ذكره في ترجمة الجرجاني ثم روى عن ابن معين أنه قال فيه: كذاب.

قلت: وقد سبق له حديث موضوع قريبا (229) ، وشيخه في هذا الحديث سليمان بن عمرو وهو النخعي كذاب أيضا.

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 27) من هذا الوجه وقال:

سليمان النخعي وداود كذابان.

وعقب عليه السيوطي في " اللآليء " بقوله (2 / 244) : قلت: داود توبع.

ثم ساقه من رواية ابن منده من طريق حامد بن المسور حدثنا الحسن بن قتيبة حدثنا سليمان بن عمرو النخعي به، وأخرجه أبو نعيم في " الطب " من طريق حامد بن المسور.

قلت: وهذه المتابعة لا تجدي لأنها تدور على سليمان النخعي الكذاب أيضا باعتراف السيوطي فكأنه يعترف بوضع هذا الحديث، لكنه قد روي بإسناد آخر ضعيف ولفظه قريب من هذا فانظر الحديث الآتي

 

(1/407)

 

 

(263) ، وقد جزم ابن القيم في " المنار " (ص 25) بوضعه فقال: هو بوصف الأطباء والطرقية أشبه وأليق.

235 - " ترك الدنيا أمر من الصبر، وأشد من حطم السيوف فى سبيل الله، ولا يتركها أحد إلا أعطاه مثل ما يعطي الشهداء، وتركها قلة الأكل والشبع، وبغض الثناء من الناس، فإنه من أحب الثناء من الناس أحب الدنيا ونعيمها، ومن سره النعيم فليدع الثناء من الناس ".

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسنده " (2 / 44) قال أنبأنا أبي أخبرنا أحمد بن عمرو البزار عن عبد الله بن عبد الرحمن الجزري عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود مرفوعا.

وذكره السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 191) من رواية الديلمي، وقال السيوطي: قال في " الميزان ": عبد الله بن عبد الرحمن الجزري عن الثوري والأوزاعي بمناكير وعجائب، اتهمه ابن حبان بالوضع، وفي " اللسان " قال ابن حبان: يأتي عن الثوري بالأوابد حتى لا يشك من كتب الحديث إنه عملها (2 / 35) ، وأقره ابن عراق (358 / 1) .

قلت: ومع هذا فقد أورد السيوطي طرف الحديث الأول في " الجامع الصغير " من رواية الديلمي هذه! فأساء من وجهين.

الأول: إيراده فيه مع أنه من رواية ذاك المتهم بالوضع.

الآخر: اقتصاره على القدر المذكور فأو هم أنه كذلك عند الديلمي وليس

 

(1/408)

 

 

كذلك.

والشارح المناوي لم يتعقبه بشيء يذكر فقال: ورواه عنه البزار أيضا، ومن طريقه عنه أورده الديلمي.

قلت: إطلاق العزو للبزار يعني إنه رواه في " مسنده " كما هو المصطلح عليه عند المحدثين وما أظن البزار أخرجه فيه وإلا لذكره الهيثمي في " المجمع " ولم أره فيه، والله أعلم.

ثم استدركت فقلت: ليس البزار في إسناد الديلمي هو أحمد بن عمرو صاحب " المسند " المعروف به، فإنه توفي سنة (292) ووالد الديلمي واسمه شيرويه ابن شهردار مات سنة (509) فبينهما قرنان من الزمان! .

236 - " ما تزين الأبرار في الدنيا بمثل الزهد في الدنيا ".

موضوع.

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 191 / 1617) حدثنا سليمان الشاذكوني حدثنا إسماعيل بن أبان حدثنا علي بن الحزور قال: سمعت أبا مريم يقول: سمعت عمار ابن ياسر يقول: ... فذكره مرفوعا، وذكره الهيثمي في " المجمع " (10 /286) وقال: وفيه سليمان الشاذكوني وهو متروك.

قلت: بل هو كذاب وقد مضى له عدة أحاديث أقربها الحديث (234) .

ثم إن اقتصاره عليه يوهم أنه ليس فيه من هو مثله أو قريب منه، وليس كذلك بل فوقه آخران أحدهما شر من الآخر استدرك عليه أحدهما المعلق على " المسند " فقال: وعلي بن الحزور متروك وباقي رجاله ثقات.

 

(1/409)

 

 

قلت: ولقد أخطأ أيضا، فإن إسماعيل بن أبان ليس هو الوراق الثقة وإنما هو إسماعيل بن أبان الغنوي، قال الحافظ: متروك رمي بالوضع.

237 - " ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني في " الكبير " (1 / 180 / 1) وفي " الأوسط " (484 - 485 - حرم) عن حامد بن آدم المروزي أنبأنا الفضل بن موسى عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن سلمة بن كهيل عن جندب بن سفيان مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، وفيه علتان: الأولى: محمد العرزمي هذا فإنه متروك كما في " التقريب ".

الأخرى: حامد بن آدم المروزي فقد كذبه الجوزجاني وابن عدي، وعده أحمد بن علي السلماني فيمن اشتهر بوضع الحديث ولهذا قال الهيثمي في " المجمع " (10 /225) بعد أن عزاه للطبراني: وفيه حامد بن آدم وهو كذاب.

قلت: لكن تعصيب الجناية به وحده قصور مع أن فوقه ذاك المتروك، ولا سيما ولم يتفرد به حامد فقد أخرجه أبو بكر الذكواني في " اثنا عشر مجلسا " (7 / 2) قال حدثنا أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سلم الجعابي حدثنا عمر بن أيوب السقطي حدثنا محمد بن عمر بن أبي رزمة حدثنا الفضل بن موسى به وابن أبي رزمة هذا الظاهر أنه محمد بن عبد العزيز أبو رزمة فإنه الذي ذكروه في الرواة عن الفضل بن موسى شيخه في هذا السند، فإذا كان هو هذا فهو ثقة من

 

(1/410)

 

 

رجال البخاري ويكون تصحف اسم أبيه عبد العزيز على بعض النساخ فكتب بدله: عمر، وأما الراوي عنه عمر بن أيوب السقطي فالظاهر أيضا أنه الموصلي وهو ثقة من رجال مسلم بل هو غيره فهذا عبدي كما في " التهذيب " وذاك سقطي وهو مترجم في " تاريخ بغداد " (11 /219) وهو ثقة، لكن الراوي عنه الجعابي ضعيف، فإنه وإن كان حافظا مشهورا فإنه فاسق رقيق الدين كما قال الذهبي، وذكر الدارقطني أنه اختلط وإن كان الجعابي حفظ هذا السند فتلك متابعة قوية لحامد بن آدم، وهي مما يستدرك على السيوطي فإنه أورد الحديث من طريق الطبراني التي فيها ذاك الكذاب وأعرض عن هذه السالمة من مثله! وتبعه على ذلك المناوي إلا أنه تعقبه بكلام الهيثمي السابق

في حامد وذهل عن هذه الطريق السالمة منه وهذا كله يصدق المثل السائر: كم ترك الأول للآخر! .

238 - " إذا وضعت المائدة فلا يقوم رجل حتى ترفع المائدة، ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم، وليعذر فإن الرجل يخجل جليسه فيقبض يده وعسى أن يكون له في الطعام حاجة ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن ماجه (2 / 309) من طريق عبد الأعلى عن يحيى بن أبي كثير عن عروة بن الزبير عن ابن عمر مرفوعا.

قال البوصيري في " الزوائد " (4 / 14) : في إسناده عبد الأعلى بن أعين وهو ضعيف.

قلت: بل ضعيف جدا، قال أبو نعيم:

 

(1/411)

 

 

روى عن يحيى بن أبي كثير المناكير.

قلت: وهذه منها.

وقال الدارقطني: ليس بثقة، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به.

والجملة الأولى من الحديث رويت بإسناد آخر ولكنه ضعيف جدا أيضا وهو:

239 - " نهى أن يقام عن الطعام حتى يرفع ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن ماجه (2 / 309) من طريق الوليد بن مسلم عن منير بن الزبير عن مكحول عن عائشة مرفوعا، قال البوصيري في " الزوائد " (4 / 13) : في إسناده الوليد بن مسلم مدلس، وكذلك مكحول الدمشقي، ومنير بن الزبير قال فيه دحيم:

ضعيف، وقال ابن حبان: يأتي عن الثقات بالمعضلات لا تحل الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار.

وفي " الميزان " بعد أن ذكر قول ابن حبان فيه وساق له هذا الحديث: والحديث أيضا منقطع، يعني بين مكحول وعائشة، قال المناوي في شرح " الجامع ": فرمز المصنف لحسنه غير حسن.

 

(1/412)

 

 

240 - " نهى عن ذبائح الجن ".

موضوع.

ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 302) من رواية ابن حبان في " المجروحين " (2 / 19) عن عبد الله بن أذينة عن ثور بن يزيد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: قال ابن حبان: عبد الله منكر الحديث جدا يروي عن ثور ما ليس من حديثه.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 226) فقال: قلت: أخرجه أبو عبيد في " غريبه " والبيهقي من طريقه: أنبأنا عمر بن هارون عن يونس عن الزهري رفع الحديث.

قلت: وهذا التعقيب لا طائل تحته، فإن عمر بن هارون متفق على تضعيفه بل قال فيه يحيى بن معين وصالح جزرة: كذاب، فسقط حديثه.

والحديث في " سنن البيهقي " (9 / 314) من الوجه الذي ذكره السيوطي وعنده عقب الحديث ما نصه: قال: (لعله يعني الزهري) وأما ذبائح الجن: أن تشتري الدار وتستخرج العين وما أشبه ذلك فتذبح لها ذبيحة للطيرة، وقال أبو عبيد:

وهذا التفسير في الحديث معناه: أنهم يتطيرون إلى هذا الفعل مخافة أنهم إن لم يذبحوا فيطعموا أن يصيبهم فيها شيء من الجن يؤذيهم، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا ونهى عنه.

قلت: لقد علمت أن الحديث غير صحيح، فالعمدة في النهي عن هذه الذبائح الأحاديث الصحيحة في النهي عن الطيرة، والله أعلم.

 

(1/413)

 

 

241 - " إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت ".

موضوع.

أخرجه ابن ماجه (2 / 322) وابن أبي الدنيا في " كتاب الجوع " (8 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (10 / 213) والبيهقي في " الشعب " (2 / 169 / 1) من طرق عن بقية بن الوليد حدثنا يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس مرفوعا.

قال أبو الحسن السندي في حاشيته على ابن ماجه: وفي " الزوائد ": هذا إسناد ضعيف لأن نوح بن ذكوان متفق على تضعيفه، وقال الدميري: هذا الحديث مما أنكر عليه.

قلت: وأورده ابن الجوزي في " الأحاديث الموضوعة " (3 / 30) من رواية الدارقطني عن يحيى بن عثمان حدثنا به، وقال: لا يصح، يحيى منكر الحديث وكذا نوح.

وعقب عليه السيوطي في " اللآليء " (2 / 246) بقوله: قلت: يحيى بريء من عهدته، ثم ذكر رواية ابن ماجه من الطرق المشار إليها عن بقية ورواية الخرائطي في " اعتلال القلوب " من طريق أخرى عن بقية فانحصرت التهمة بإرشاد السيوطي بنوح بن ذكوان، وهذا يتضمن اعتراف السيوطي بوضع الحديث كما لا يخفى، ومع ذلك فقد أورده في " الجامع الصغير " برواية ابن ماجه! .

وأما قول المناوي في شرحه: وعده ابن الجوزي في الموضوع، لكن تعقب بأن له شواهد؟ .

فما أظنه إلا وهما، فإني لا أعلم له ولا شاهدا واحدا ولوكان معروفا لبادر السيوطي إلى إيراده في " اللآليء " متعقبا به على ابن الجوزي كما هي عادته! وكذلك

 

(1/414)

 

 

لم يذكر له أي شاهد المنذري في " الترغيب " (3 / 124) والعجلوني في " الكشف " (1 / 255) والله أعلم.

وفي الحديث علة أخرى خفيت على ابن الجوزي ثم السيوطي! قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب ": يوسف بن أبي كثير هو أحد شيوخ بقية الذين لا يعرفون ونحوه في " الميزان " للذهبي.

وثمة علة ثالثة وهي عنعنة الحسن وهو البصري فقد كان يدلس، فلا تغتر بما نقله المنذري عن البيهقي أنه صحح هذا الحديث، فإنه من زلات العلماء التي لا يجوز اقتفاؤها.

ثم استدركت فقلت: لعل المناوي يشير إلى مثل هذا الحديث الآتي عن عائشة (رقم 257) ولكن هذا حديث آخر مخرجا ولفظا ومعنى، على أنه ضعيف السند جدا كما سيأتي بيانه هناك.

242 - " أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع، وطهروها بالجوع تصغر وترق ".

لا أصل له.

كما يفيده الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 73) ، والتاج السبكي في " الطبقات الكبرى " (4 / 163) .

 

(1/415)

 

 

243 - " أفضل الناس من قل طعمه وضحكه، ويرضى بما يستر به عورته ".

لا أصل له.

قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 69) والتاج السبكي في " الطبقات الكبرى ":

 

(1/415)

 

 

لم أجد له أصلا.

244 - " أفضلكم عند الله منزلة يوم القيامة أطولكم جوعا وتفكيرا في الله سبحانه، وأبغضكم عند الله عز وجل يوم القيامة كل نؤوم أكول شروب ".

لا أصل له.

وإن ذكره الغزالي في " الإحياء " (3 / 96) من حديث الحسن البصري مرسلا مرفوعا.

فقد قال الحافظ العراقي في " تخريجه " والتاج السبكي في " الطبقات " (4 / 162) : لم أجد له أصلا.

 

(1/416)

 

 

245 - " البسوا واشربوا في أنصاف البطون فإنه جزء من النبوة ".

لا أصل له.

كما أفاده الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 69) والسبكي في " الطبقات الكبرى " (4 / 162) .

 

(1/416)

 

 

246 - " إن الأكل على الشبع يورث البرص ".

لا أصل له.

وهو من الأحاديث الكثيرة الباطلة التي شحن بها الغزالي كتبه، ولا سيما كتابه " الإحياء " وقد قال مخرجه الحافظ العراقي في هذا الحديث (3 / 70) : لم أجد له أصلا.

وكذا قال السبكي عبد الوهاب في " الطبقات الكبرى " (4 / 163) .

 

(1/416)

 

 

247 - " جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش، فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله وإنه ليس من عمل أحب إلى الله من جوع وعطش ".

باطل لا أصل له.

وقد ذكره الغزالي في " الإحياء " (3 / 69) مجزوما برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم! ولوائح الوضع عليه ظاهرة، وقد قال الحافظ العراقي في تخريجه: لم أجد له أصلا، وكذا قال السبكي في " الطبقات الكبرى " (4 / 62) .

 

(1/417)

 

 

248 - " سيد الأعمال الجوع، وذل النفس لباس الصوف ".

لا أصل له.

قال العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 9) والسبكي في " الطبقات الكبرى " (4 / 162) : لم أجد له أصلا.

 

(1/417)

 

 

249 - " الفكر نصف العبادة، وقلة الطعام هي العبادة ".

باطل.

وقد أفاد العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 69) أنه لا أصل له.

 

(1/417)

 

 

250 - " كان إذا تغدى لم يتعش، وإذا تعشى لم يتغد ".

ضعيف.

رواه ابن بشران في " الأمالي " (73 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (3 /323) وابن عساكر في آخر جزء " أخبار لحفظ القرآن " (ق 8 / 2) وكذا في " التاريخ " (11 / 65 / 1) عن سليمان بن عبد الرحمن حدثنا أيوب بن حسان الجرشي حدثنا الوضين بن عطاء عن عطاء بن أبي رباح قال:

 

(1/417)

 

 

دعي أبو سعيد الخدري إلى وليمة فرأى صفرة وخضرة فقال: أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... الحديث.

قلت: وهذا إسناد ضعيف ورجاله ثقات لكن الوضين بن عطاء سيء الحفظ فهو لهذا ضعيف، ثم إنه مرسل كما هو الظاهر لأن عطاء لم يوصله عن أبي سعيد بمثل قوله: عن أبي سعيد، ونحوه.

(تنبيه) هذا الحديث مما خفي مخرجه على الحافظ العراقي ثم التاج السبكي فذكرا أنه من الأحاديث التي أوردها الغزالي في " الإحياء " ولا أصل لها! .

وتعقبه الزبيدي في " إتحاف السادة " (7 / 409) برواية أبي نعيم فقط! ورواه البيهقي في " الشعب " (2 / 158 / 2) موقوفا على أبي جحيفة، وفيه الوليد بن عمرو بن ساج وهو ضعيف، وتناقض فيه ابن حبان كما بينته في " تيسير الانتفاع ".

251 - " من أجاع بطنه عظمت فكرته، وفطن قلبه ".

لا أصل له.

كما يفيده كلام الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 73) والسبكي في " الطبقات " (4 / 163) .

 

(1/418)

 

 

252 - " البطنة أصل الداء، والحمية أصل الدواء، وعودوا كل جسم ما اعتاد ".

لا أصل له.

وقد أورده الغزالي في " الإحياء " مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم! فقال الحافظ العراقي في تخريجه: لم أجد له أصلا، وأقره الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " (1035) وقال المحقق ابن

 

(1/418)

 

 

القيم في " زاد المعاد " (3 /97) : وأما الحديث الدائر على ألسنة كثير من الناس: الحمية رأس الدواء، والمعدة بيت الداء، وعودوا كل جسم ما اعتاد، فهذا الحديث إنما هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قاله غير واحد من أئمة الحديث.

لكن ذكر السخاوي أن الخلال روى من حديث عائشة: " الأزم دواء، والمعدة داء، وعودوا بدنا ما اعتاد ".

وظاهره أنه مرفوع، وقد صرح بذلك السيوطي في " الدرر " كما في " كشف الخفاء " (2 / 74 / 1788) ، وأورده في " الجامع الكبير " (1 / 320 / 2) ولكنهم لم يذكروا إسناده لينظر فيه، وغالب الظن أنه لا يصح، والله أعلم.

ثم رأيت ابن القيم ذكره في " الزاد " (3 / 102) من كلام الحارث بن كلدة أيضا بهذا اللفظ وهو الأشبه، ثم قال ابن القيم: والأزم: الإمساك عن الأكل يعني به الجوع، وهو من أكبر الأدوية في شفاء الأمراض الامتلائية كلها بحيث أنه أفضل في علاجها من المستفرغات.

وبهذه المناسبة أقول: لقد جوعت نفسي في أو اخر سنة 1379 أربعين يوما متتابعا، لم أذق في أثنائها طعاما قط، ولم يدخل جوفي إلا الماء! وذلك طلبا للشفاء من بعض الأدواء، فعوفيت من بعضها دون بعض، وكنت قبل ذلك تداويت عند بعض الأطباء نحوعشر سنوات دون فائدة ظاهرة، وقد خرجت من التجويع المذكور بفائدتين ملموستين: الأولى: استطاعة الإنسان تحمل الجوع تلك المدة الطويلة خلافا لظن الكثيرين من الناس.

والأخرى: أن الجوع يفيد في شفاء الأمراض الامتلائية كما قال ابن القيم

 

(1/419)

 

 

رحمه الله تعالى، وقد يفيد في غيرها أيضا كما جرب كثيرون، ولكنه لا يفيد في جميع الأمراض على اختلاف الأجسام خلافا لما يستفاد من كتاب " التطبيب بالصوم " لأحد الكتاب الأوربيين، وفوق كل ذي علم عليم.

253 - " صوموا تصحوا ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 225 / 1 / 8477) وأبو نعيم في " الطب " (ق 24 / 1 و2) من طريق محمد بن سليمان بن أبي داود، أخبرنا زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به، وقال الطبراني: لم يروه بهذا اللفظ إلا زهير.

قلت: وهو ضعيف في رواية الشاميين عنه وهذه منها.

قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 75) رواه الطبراني في " الأوسط " وأبو نعيم في " الطب النبوي " من حديث أبي هريرة بسند ضعيف.

قلت: ولا ينافيه قول المنذري في " الترغيب " (2 / 60) والهيثمي في " المجمع " (3 / 179) بعد أن نسباه للطبراني: ورجاله ثقات، لأنه لا ينفي أن يكون في السند مع ثقة رجاله علة تقتضي ضعفه، كما لا يخفى على العارف بقواعد هذا العلم، وقد كشفنا عن علته، ولعل الصغاني قد بالغ حين قال (ص 7) :

وهذا الحديث موضوع، ثم إن لفظ الحديث عندهما: " اغزوا تغنموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا ".

 

(1/420)

 

 

ورواه ابن عدي (7 / 2521) بهذا اللفظ من طريق نهشل عن الضحاك عن ابن عباس، ونهشل متروك، والضحاك لم يسمع من ابن عباس.

وقد روي الحديث بدون ذكر الصوم فيه وهو:

254 - " سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا ".

ضعيف.

أخرجه أحمد (2 / 380) من طريق ابن لهيعة عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف من أجل ابن لهيعة فإنه ضعيف الحفظ، ودراج فإنه صاحب مناكير، ولكن الراوي عن ابن لهيعة قتيبة بن سعيد، قال الذهبي في " سير النبلاء " (8 / 15) : قال قتيبة: قال لي أحمد: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح، فقلت لأنا كنا نكتب من كتاب ابن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة، فالعلة من دراج إذن.

وقال ابن أبي حاتم (2 / 206) عن أبيه: إنه حديث منكر، وله شاهد ضعيف جدا وهو:

 

(1/421)

 

 

255 - " سافروا تصحوا وتغنموا ".

منكر.

رواه ابن عدي (299 / 2) والطبراني في " الأوسط " (1 / 112 / 1) وابن بشران في " الأمالي " (3 / 66 / 1) والخطيب في " تاريخه " (10 / 387) والقضاعي (52 / 2) وكذا تمام الرازي في " الفوائد " (رقم 767) عن محمد بن

 

(1/421)

 

 

عبد الرحمن بن رداد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا، وقال ابن عدي: لا أعلم يرويه غير ابن الرداد هذا وعامة ما يرويه غير محفوظ.

وقال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 115) : ليس بالقوي، ذاهب الحديث، وقال أبو زرعة: لين، وساق في " الميزان " من منكراته هذا الحديث، وسلفه في ذلك أبو حاتم فقد قال ابنه في " العلل " (2 / 306) : قال أبي: هذا حديث منكر.

وابن الرداد هذا هو علة الحديث، وخفي ذلك على الهيثمي (3 / 201) فأعله براوآخر في طريق الطبراني وحده!

ثم رواه ابن عدي (189 / 2) وأبو نعيم (ق 25 / 2) عن سوار بن مصعب عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا، وقال: سوار هذا عامة ما يرويه ليس بمحفوظ.

قلت: وعطية وهو العوفي ضعيف.

ورواه عبد الرزاق في " المصنف " (11 / 434) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: قال عمر: وذكره موقوفا عليه دون قوله " وتغنموا " ورجاله ثقات كما ولكنه منقطع بين طاووس وعمر ولعل الموقوف هو الصواب.

 

(1/422)

 

 

256 - " ينزل الله كل يوم عشرين ومئة رحمة، ستون منها للطائفين وأربعون للعاكفين حول البيت، وعشرون منها للناظرين إلى البيت ".

موضوع.

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 115 / 1) من طريق خالد بن يزيد العمرى: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد الليثي عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع خالد بن يزيد هذا كذبه أبو حاتم ويحيى بن معين، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات.

والليثي متروك أيضا، كما في " اللسان " (5 / 216) ، وغيره.

وللحديث طريقان آخران موضوعان أيضا بلفظين مغايرين لهذا بعض المغايرة وقد سبق ذكرهما مع الكلام على سنديهما برقمي (187، 188) فمن شاء فليرجع إليهما.

 

(1/423)

 

 

257 - " إياك والسرف، فإن أكلتين في يوم من السرف ".

موضوع.

ذكره الغزالي في " الإحياء " (3 / 78) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة.

وقال الحافظ العراقي في تخريجه: رواه البيهقي في " الشعب " من حديث عائشة وقال: في إسناده ضعف.

قلت: ونص الحديث كما في " الترغيب " (3 / 124) : عن عائشة قالت: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أكلت في اليوم مرتين فقال: " يا عائشة أما تحبين أن يكون لك شغل إلا جوفك؟ الأكل في اليوم مرتين من الإسراف {والله لا يحب المسرفين} .

 

(1/423)

 

 

وفي رواية: " يا عائشة اتخذت الدنيا بطنك؟ ! أكثر من أكلة كل يوم سرف {والله لا يحب المسرفين} " رواه البيهقي، وفيه ابن لهيعة.

قلت: هو ضعيف من قبل حفظه، وقد روي بنحوه من حديث أنس، فانظر الحديث (241) .

ثم وقفت على إسناده عند البيهقي في " الشعب " (2 / 158 / 1) فتبين أن فيه علة أخرى هي مما يزداد الحديث بها ضعفا، فإنه قال: أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي بسنده عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة ... به.

وأبو عبد الرحمن هذا اسمه محمد بن الحسين الصوفي، قال محمد بن يوسف القطان:

كان يضع الأحاديث للصوفية، ثم رواه (2 / 161 / 2) من طريق خالد بن نجيح المصري حدثنا عبد الله بن لهيعة به نحوه، وخالد هذا، قال أبو حاتم: كذاب يفتعل الحديث.

258 - " إن من السنة أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار ".

موضوع.

أخرجه ابن ماجه (2 / 323) وابن الأعرابى في " معجمه " (246 / 2) وعنه القضاعي (95 / 1) من طريق علي بن عروة عن عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، وعلته علي بن عروة هذا قال الذهبي:

 

(1/424)

 

 

قال ابن حبان:

كان يضع الحديث، وكذبه صالح جزرة وغيره، ثم ساق له أحاديث هذا منها.

ثم وجدت له طريقا آخر، أخرجه ابن عدي (169 / 2) من طريق سلم بن سالم البلخي حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا، أورده في ترجمة سلم هذا في أحاديث أخرى له ثم قال: له أحاديث أفراد وغرائب، وأنكر ما رأيت له ما ذكرته من هذه الأحاديث.

قلت: وقد نقل غير واحد الاتفاق وقال أبو حاتم: لا يصدق، وقال الجوزجاني: غير ثقة.

وقد تقدم الكلام عليه في الحديث رقم (233) ، ثم إن ابن جريج مدلس وقد عنعنه.

259 - " لا تتمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا ".

منكر.

قال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 321) : سألت أبي عن حديث رواه عاصم بن إبراهيم الداري عن محمد بن سليمان الصنعاني عن منذر بن النعمان الأفطس عن وهب ابن منبه عن عبد الله بن عباس مرفوعا بهذا الحديث قال أبي: هذا حديث منكر.

قلت: وعلته محمد بن سليمان هذا قال الذهبي في " الميزان ": مجهول، والحديث الذي رواه منكر، يعني هذا.

 

(1/425)

 

 

260 - " أطعموا نفساءكم الرطب، قالوا: ليس في كل حين يكون الرطب، قال: فتمر، قالوا: كل التمر طيب فأي التمر خير؟ قال: إن خير تمراتكم البرني يدخل الشفاء ويخرج الداء، لا داء فيه، أشبعه للجائع، وأدفؤه للمقرور ".

ضعيف.

رواه ابن سمعون الواعظ في " الأمالي " (2 / 192 / 1) حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر المطيري أنبأنا القاسم بن إسماعيل الكوفي، أنبأنا زيد بن الحباب العكلي عن شعبة عن يعلى بن عطاء الطائفي عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف رجاله كلهم ثقات معروفون غير القاسم هذا فلم أجد من ترجمه إلا أن يكون الذي في " ثقات ابن حبان " (9 / 19) : القاسم بن إسماعيل الهاشمي كوفي يروي عن عبيد الله بن موسى حدثنا عنه محمد بن المنذر بن سعيد، فإنه من هذه الطبقة على أنه قد توبع كما يأتي.

وشهر بن حوشب ضعيف لا يحتج به لكثرة خطئه وكأنه لذلك إنما أخرج له مسلم مقرونا بغيره كما في " خاتمة الترغيب " للمنذري (4 / 284) وقال الحافظ فيه:

صدوق كثير الإرسال والأوهام، ثم رأيته في " الطب " لأبي نعيم (23 - 24) من طريق أخرى عن شعبة به، فانحصرت العلة في شهر، والحديث أورده السيوطي في " اللآليء " (1 / 156) شاهدا للحديث المتقدم برقم (234) من رواية ابن السني وأبي نعيم معا في " الطب " من طريق شعبة به ثم

 

(1/426)

 

 

قال: وإسناده على شرط مسلم!

كذا قال: ولا يخفى ما فيه لما ذكرنا من حال شهر.

261 - " أحسنوا إلى عمتكم النخلة فإن الله تعالى خلق آدم ففضل من طينتها فخلق منها النخلة ".

موضوع.

رواه ابن عدي (57 / 2) والباطرقاني في جزء من " حديثه " (157 / 2) وابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 184) كلهم عن جعفر بن أحمد بن علي الغافقي حدثنا أبو صالح كاتب الليث حدثنا وكيع عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا.

وقال ابن عدي: وهذا الحديث موضوع ولا شك أن جعفر وضعه، وقال ابن الجوزي:

لا يصح وجعفر وضاع، وأقره الحافظ بن حجر في " اللسان " وأما السيوطي فتعقبه كعادته في " اللآليء " (1 / 156) فلم يصنع شيئا لأنه لم يزد على أن ذكر له شاهدا من حديث أبي سعيد الخدري وهو الآتي عقب هذا وفيه طعن شديد كما سترى، ومن عجائبه أنه لم يسق إسناده ولا بين حاله! .

 

(1/427)

 

 

262 - " خلقت النخلة والرمان والعنب من فضل طينة آدم صلى الله عليه وسلم ".

ضعيف جدا.

رواه المحاملي في الثالث من " الأمالي " (38 / 2) وعنه ابن عساكر (2 / 309 / 2) عن الحاكم بن عبد الله الكلبي أبي سالم من أهل قزوين عن يحيى بن سعيد البحراني من أهل غطيف عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد

 

(1/427)

 

 

الخدري قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماذا خلقت النخلة؟ فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، وأبوهارون العبدي اسمه عمارة بن جوين وهو متروك ومنهم من كذبه كما في " التقريب "، ومع هذا الضعف الشديد فقد ذكره السيوطي في " اللآليء " شاهدا للحديث الذي قبله! من رواية ابن عساكر، ولم يقتصر على هذا بل أورده في " الجامع الصغير " فتعقبه المناوي بقوله: وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من ابن عساكر، ولا أقدم، مع أن الديلمي أخرجه عن أبي سعيد أيضا، لكن سنده مطعون فيه.

قلت: المحاملي أشهر وأقدم من الديلمي أيضا فالعزو إليه أولى، والموفق هو الله تعالى.

263 - " أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران، فأطعموا نساءكم الوالد الرطب، فإن لم يكن رطبا فتمر ".

موضوع.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (430) وأبو الشيخ في " الأمثال " (رقم 263) وابن عدي (330 / 1) وابن حبان في " الضعفاء " (3 / 44 - 45 حلب) والباغندي في " حديث شيبان وغيره " (190 / 1) وعنه ابن عساكر (2 / 309 / 2 و19 / 267 / 1) وأبو نعيم في " الطب " (2 / 23 / 2) و" الحلية " (6 /123) والسياق له من طريق مسرور بن سعيد التميمي عن الأوزاعي عن عروة بن رويم عن علي مرفوعا. وقال أبو نعيم:

 

(1/428)

 

 

غريب من حديث الأوزاعي عن عروة تفرد به مسرور بن سعيد، وقال العقيلي: حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به، وقال ابن عساكر: عروة لم يدرك عليا، والحديث غريب، والتميمي مجهول.

قلت: بل هو متهم، قال الذهبي في " الميزان ": غمزه ابن حبان فقال: يروي عن الأوزاعي المناكير الكثيرة.

ومن طريق أبي نعيم أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 184) وقال: لا يصح، مسرور منكر الحديث يروي عن الأوزاعي المناكير، وعقب عليه السيوطي في " اللآليء " (1 / 156) بقوله: أخرجه العقيلي وقال: أنه غير محفوظ، لا يعرف إلا بمسرور، وأخرجه ابن عدي وقال: هذا منكر عن الأوزاعي، وعروة عن علي مرسل، ومسرور غير معروف لم أسمع بذكره إلا في هذا الحديث، وأخرجه أبو يعلى في " مسنده " عن شيبان به، وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه معا في " التفسير " وابن السني، ولأوله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، ولآخره شاهد.

قلت: حديث أبي سعيد الخدري ضعيف جدا فلا يصلح شاهدا اتفاقا، وقد بينت حاله قبيل هذا، وأما الشاهد الآخر فهو حديث أبي أمامة الذي تقدم برقم (260) وقد بينا هناك أن إسناده ضعيف، ثم ذكر الحديث الآتي:

 

(1/429)

 

 

264 - " ما للنفساء عندي شفاء مثل الرطب، ولا للمريض مثل العسل ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الطب " عن أبي هريرة مرفوعا، ذكره السيوطي شاهدا للحديث الذي قبله، ولم يسق إسناده لينظر فيه، ولا هو تكلم عليه ليعرف حاله من لم يقف عليه، وأحسن أحواله أن يكون ضعيفا إن لم يكن موضوعا.

ثم تحقق الظن فيه، فقد رأيته أخرجه (2 / 24 / 1) في " الطب " عن علي بن عروة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وعلي بن عروة كذاب يضع الحديث، وقد مضى له حديث موضوع برقم (119) .

وتبع ابن عراق السيوطي في السكوت عن الحديث في " تنزيه الشريعة " (1 / 209) ولكنه قال: قلت: وأخرج وكيع في " الغرر " هذا من حديث عائشة لكنه من طريق أصرم بن حوشب، يعني: وهو كذاب.

 

(1/430)

 

 

265 - " يا أبا هريرة، علم الناس القرآن وتعلمه، فإنك إن مت وأنت كذلك زارت الملائكة قبرك كما يزار البيت العتيق، وعلم الناس سنتي وإن كرهو اذلك، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة فلا تحدث في دين الله حدثا برأيك ".

موضوع.

أخرجه الخطيب (4 / 380) وأبو الفرج بن المسلمة في " مجلس من الأمالي " (120 / 2) من طريق عبد الله بن صالح اليماني حدثني أبوهمام القرشي عن سليمان ابن المغيرة عن قيس بن مسلم عن طاووس عن أبي هريرة مرفوعا، ومن هذا الوجه ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 264) وقال: لا يصح، وأبوهمام: محمد بن مجيب (الأصل محبب وهو تصحيف) .

 

(1/430)

 

 

قال يحيى: كذاب، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 222) بقوله: قلت له طريق آخر قال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن شبيب عن محمد بن قدامة المصيصي عن جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: فذكره نحوه إلا أنه قال: " فإن أتاك الموت وأنت كذلك حجت الملائكة إلى قبرك كما يحج المؤمنون إلى بيت الله الحرام ".

وسكت عليه السيوطي، وهو بهذا اللفظ أشد نكارة عندي من الأول لما فيه من ذكر الحج إلى القبر فإنه تعبير مبتدع لا أصل له في الشرع ولم يرد فيه إطلاق الحج إلى شيء مما يزار إلا إلى بيت الله الحرام، وإنما يطلق الحج إلى القبور، المبتدعة الذين يغالون في تعظيم القبور مثل شد الرحال إليها والبيات عندها والطواف حولها، والدعاء والتضرع لديها ونحوذلك مما هو من شعائر الحج حتى لقد ألف بعضهم كتابا سماه " مناسك حج المشاهد والقبور "! على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه، وهذا ضلال كبير لا يشك مسلم شم رائحة التوحيد الخالص في كونه أكره شيء إليه صلى الله عليه وسلم، فكيف يعقل إذن أن ينطق عليه السلام بهذه الكلمة: " حجت الملائكة إلى قبرك كما يحج المؤمنون إلى بيت الله الحرام "؟ ! اللهم إن القلب يشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صدر منه حرف من هذا، فقبح الله من وضعه.

وأنا أتهم به ابن شبيب هذا، فإن رجال إسناده كلهم ثقات غيره، أما عبد الله ابن محمد بن جعفر شيخ أبي نعيم فهو أبو الشيخ ابن حبان الحافظ الثقة صاحب كتاب " طبقات الأصبهانيين " وله ترجمة في " تذكرة الحفاظ " للذهبي (3 / 147 - 149) و" شذرات الذهب " (3 / 69) وغيرهما.

وأما سائر الرواة فكلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير ابن شبيب

 

(1/431)

 

 

فهو المتهم به، ولم أجد له ترجمة إلا في " طبقات الأصبهانيين " (ص 234) فإنه قال: محمد بن عبد الرحيم بن شبيب أبو بكر توفي سنة ست وتسعين ومئتين، كان من أئمة القراء، حدث عن عثمان بن أبي شيبة وابن ماسرجس وإسحاق بن أبي إسرائيل ومشكدانة، ومما لم نكتب إلا عنه ... .

قلت: ثم ساق له أحاديث سأذكر إن شاء الله بعضها، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول، والحمل عليه عندي في هذا الحديث وعنه أيضا أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 226) والله أعلم.

ولم يعرفه ابن عراق فقال في " تنزيه الشريعة " (115 / 2) : ولم أقف له على ترجمة، وشيخ أبي نعيم عبد الله بن محمد بن جعفر أظنه القزويني وهو وضاع كما مر في المقدمة.

كذا قال والصواب أنه أبو الشيخ كما ذكرنا، فإن أبا نعيم يكثر عنه في " الحلية " وغيرها ولوكان هو هذا الكذاب لنسبه تمييزا بينهما فتأمل.

ثم استدركت فقلت: بل ليس هو القزويني يقينا، لأن أبا نعيم لم يدركه، فقد ولد بعد وفاته بإحدى وعشرين سنة كما سيأتي بيانه تحت الحديث (5291) .

ثم وجدت لابن شبيب متابعا فقال أبو الحسن بن عبد كويه في " ثلاثة مجالس " (5 / 1) أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب المقري حدثنا محمد بن إبراهيم بن شقيق حدثنا محمد بن قدامة المصيصي به.

ثم تبين لي أن محمد بن إبراهيم بن شقيق تحرف اسمه على بعض النساخ وإنما هو محمد بن عبد الرحيم بن شبيب المذكور آنفا فقد قال أبو نعيم في " أخبار

 

(1/432)

 

 

أصبهان " (2 / 226) : حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب المقري، حدثنا محمد ابن عبد الرحيم بن شبيب به.

وعلقه الديلمي في " مسنده " (3 / 268) على أبي نعيم، ووقع فيه عبد الله بن محمد بن جعفر كما تقدم في نقل السيوطي وابن عراق عنه، فلعل أبا نعيم له فيه شيخان، والله أعلم.

وقال ابن منده يحيى في " تاريخ أصبهان " (229 - مخطوطة الظاهرية) في ترجمة أحمد بن محمد بن أحمد بن سدوس: وجدت في كتاب سمع منه حدثنا أبو بكر بن عبد الوهاب حدثنا أبو بكر بن عبد الرحيم المقري حدثنا محمد بن قدامة المصيصي به وقد ترجم أبو نعيم لأبي بكر هذا (2 / 289) وذكر أنه ختم عليه القرآن ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ثم رأيت الحديث أخرجه السلفي في " الأربعين "، (20 / 1) من الطريق الأولى إلا أنه قال: طارق بن شهاب بدل طاووس وكتب محمد ابن المحب بخطه على النسخة ما نصه: هذا حديث منكر، قال الحافظ الدمشقي: كذا قال، ووجدته في جزء أبي السكين عن طاووس وكذلك وجدته في تاريخ بغداد وهو الصواب وطارق وهم فيه السلفي رحمه الله، ثم رأيت الحديث في " طرق أربعين السلفي " (54 / 1 - 2) للحافظ القاسم ابن الحافظ ابن عساكر أخرجه من الطريق الأولى مثل رواية السلفي ثم قال: كذا قال: عن طارق بن شهاب، وأظن أنه الصواب ... ، ثم نقل كلام والده الذي نقله ابن المحب آنفا، لكن النسخة أصابها الماء فذهب ببعض الكلمات فلم نستطع نقل ما كتبه بتمامه.

 

(1/433)

 

 

ثم رواه القاسم من طريق أبي السكين زكريا بن يحيى الطائي حدثني عبد الله بن صالح اليماني به وقال: عن طاووس، ثم قال القاسم: هذا حديث غريب، وأبوهمام القرشي لم أجد له ذكرا في الكتب، وليس بمعروف، وعبد الله ابن صالح مجهول أيضا.

266 - " كان إذا أشفق من الحاجة أن ينساها جعل فى يده خيطا ليذكرها ".

باطل.

رواه ابن عدي (172 / 1) وابن سعد (1 / 286) والحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (17 ـ من زوائده) ، وأبو الحسن الآبنوسي في " الفوائد " (26 / 2) عن سالم بن عبد الأعلى عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.

وقال ابن عدي: سالم معروف بهذا الحديث، وأنكر عليه ابن معين وغيره.

وذكره السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن سعد والحكيم عن ابن عمر فتعقبه شارحه المناوي بقوله: رواه أبو يعلى، قال الزركشي: فيه سالم بن عبد الأعلى قال فيه ابن حبان: وضاع، وقال ابن أبي حاتم: حديث باطل، وقال ابن شاهين في " الناسخ ": أحاديثه منكرة، وقال المصنف في " الدرر ": قال أبو حاتم: حديث باطل، وقال ابن شاهين: منكر لا يصح.

قلت: وقول أبي حاتم رواه عنه ابنه في " العلل " (2 / 252) قال:

 

(1/434)

 

 

سألت أبي عن حديث رواه محمد بن يعلى السلمي قال: حدثنا سالم بن عبد الأعلى أبو الفيض عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت: فذكره، قال أبي: هذا حديث باطل.

قلت: فما حال سالم؟ قال: ضعيف الحديث، وهذا من سالم.

وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 186) : سالم قال ابن معين: ليس حديثه بشيء، قلت: وتمام كلام ابن معين في " تاريخه " (ق 86 /2) : وهو الذي يروي عن نافع عن ابن عمر، فذكر هذا الحديث، ثم قال ابن أبي حاتم: وقال أبي: متروك الحديث، وقال ابن طاهر في " التذكرة ": يضع الحديث على " الثقات " وتبع في ذلك ابن حبان، وقال الحاكم والنقاش:

روى عن نافع أحاديث موضوعة كذا في " اللسان ".

قلت: وهذا من روايته عن نافع، وقد رواه الخطيب (11 / 85) من هذا الوجه، وكذا الدارقطني، ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 73) وقد ذكره فيه من ثلاثة طرق:

الأول: هذا.

الثاني: من طريق أبي عمرو بشر بن إبراهيم الأنصاري حدثنا الأوزاعي عن مكحول عن واثلة بن الأسقع مرفوعا نحوه رواه الدارقطني وكذا ابن عساكر في " تاريخه " (3 / 10 / 1 - المصورة عن

 

(1/435)

 

 

الأزهرية) .

قال ابن الجوزي: تفرد به بشر وهو يضع الحديث.

قلت: وقد ذكر الذهبي في ترجمته أن هذا الحديث من مصائبه! وأخرج له ابن عدي في " الكامل " (33 / 2) أحاديث منها هذا ثم قال: وهذه الأحاديث عن الأوزاعي وغيره لا يرويها عنه غير بشر وهي بواطيل وضعها عليهم، وكذلك سائر أحاديثه التي لم أذكرها موضوعات عن كل من روى عنهم.

الثالث: من طريق غياث بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن رافع بن خديج مرفوعا نحوه، قال الدارقطني: تفرد به غياث وهو متروك.

قلت: وهو متهم بالوضع كما سبق، وقد ذكر السيوطي في " اللآليء " (2 / 180) للحديث طريقا رابعا من رواية الطبراني في " الكبير " (رقم 4431) من طريق بقية ابن الوليد حدثنا أبو عبد الرحمن مولى بنى تميم عن سعيد المقبري عن رافع بن خديج به، وسكت عليه، وليس بجيد فإن بقية إذا روى عن المجهولين ليس بشيء كما قال ابن معين والعجلي، وهذه الرواية من هذا الصنف فإن أبا عبد الرحمن هذا من شيوخ بقية الذين لا يعرفون كما في " اللسان ".

ثم وجدت له طريقا خامسا عن ابن عمر، أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في

 

(1/436)

 

 

" المعجم " (110 / 1) قال: أنبأنا إبراهيم يعني ابن فهد أنبأنا بشر بن عبيد الله الدراسي، أنبأنا عيسى بن شعيب عن يحيى بن أبي الفرات عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا.

بشر هذا أورده السمعاني في الدارسي، فقال: والمشهور بهذه النسبة أبو علي بشر بن عبيد الله الدارسي من أهل البصرة ويقال له: المدارسي أيضا هكذا ذكره أبو حاتم بن حبان، يروي عن حماد بن سلمة والبصريين، روى عنه يعقوب بن سفيان الفارسي.

قلت: الذي ي " ثقات ابن حبان " (8 / 142) : الدارس مكان الدارسي، وكذلك هو في " ترتيب الثقات " (1 / 51 / 1) .

ونحوه في " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (1 / 1 / 362) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن عدي فقال: منكر الحديث عن الأئمة.

وفيه نظر بينته في " تيسير الانتفاع ".

ويحيى بن أبي الفرات لم أعرفه وعيسى بن شعيب فيه ضعف، فأحدهما هو آفة هذا الطريق والله أعلم.

وقد روي ما يخالف هذا الحديث وهو:

267 - " من حول خاتمه أو عمامته أو علق خيطا في أصبعه ليذكره حاجته فقد أشرك بالله عز وجل، إن الله هو يذكر الحاجات ".

موضوع.

رواه ابن عدي (33 / 1 - 2) وابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 74) من طريق بشر بن الحسين حدثنا الزبير بن عدي عن أنس مرفوعا، وقال

 

(1/437)

 

 

ابن عدي: لا يصح وقال ابن الجوزي: لا أصل له، بشر يروي عن الزبير بواطيل.

وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 /283) وزاد عليه بقوله: قلت: قال ابن حبان: روى بشر بن الحسين الأصبهاني عن الزبير نسخة موضوعة شبيها بمائة وخمسين حديثا، وأقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (322 / 2) .

268 - " من رفع قرطاسا من الأرض فيه بسم الله الرحمن الرحيم إجلالا أن يداس كتب عند الله من الصديقين، وخفف عن والديه وإن كانا مشركين، ومن كتب بسم الله الرحمن الرحيم فجوده تعظيما لله غفر له ".

موضوع.

أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في " طبقات الأصبهانيين " (ص 234) مفرقا في موضعين وابن عدي (246 / 1) بتمامه من طريق أبي سالم الرواسي العلاء بن مسلمة قال: حدثنا أبو حفص العبدي عن أبان عن أنس مرفوعا، وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 226) من رواية ابن عدي ثم قال: أبان ضعيف جدا، وأبو حفص أشد منه ضعفا، وأبو سالم العلاء بن مسلمة كذبه محمد بن طاهر الأزدي لا تحل الرواية عنه.

قال السيوطي في " اللآليء " (1 / 202) :

 

(1/438)

 

 

قلت: أورده ابن عدي في ترجمة العبدي وقال: إنه متروك الحديث، قال: وقد روي عن علي بن أبي طالب من وجه لا يصح.

269 - " العالم لا يخرف ".

موضوع.

قال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 439) ، وسئل أبي عن حديث رواه العلاء ابن زيدل عن أنس مرفوعا: " العالم لا يخرف "، فقال: العلاء ضعيف الحديث متروك الحديث، وقد وجدنا من ينسب إلى العلم المسعودي والجريري وسعيد بن أبي عروبة وعطاء بن السائب وغيرهم يعني أنهم قد تغيروا في آخر عمرهم.

قلت: العلاء هذا قال الذهبي: تالف، قال ابن المديني: كان يضع الحديث وقال ابن حبان: روى عن أنس نسخة موضوعة.

وقد روي الحديث بلفظ آخر وهو:

 

(1/439)

 

 

270 - " لا يخرف قارئ القرآن ".

موضوع.

ذكره السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 25) وتبعه ابن عراق فأورده في " تنزيه الشريعة " (36 / 2) من طريق أبي نعيم وهذا في " أخبار أصبهان " (2 / 343) أنبأنا لاحق بن الحسين حدثنا خيثمة بن سليمان حدثنا عبيد بن محمد حدثنا محمد بن يحيى بن جميل حدثنا بكر بن السرور حدثنا يحيى بن مالك عن أنس عن أبيه

عن الزهري عن أنس رفعه، ورواه الديلمي (4 / 190) ورواه ابن عساكر في " تاريخه " (18 / 1 / 2) من

 

(1/439)

 

 

طريق أبي نعيم وغيره، أخبرنا لاحق به، ثم قال السيوطي: قال في " الميزان ": لاحق كذاب، وروى عنه أبو نعيم في " الحلية " وغيرها مصائب، وقال في " اللسان ": قال الإدريسي: يضع الحديث على الثقات، ولعله لم يخلق في الكذابين مثله، وقال ابن السمعاني: كان أحد الكذابين وضع نسخا لا يعرف أسماء رواتها وقال ابن النجار: مجمع على كذبه.

قلت: ومع هذا كله فقد سود به السيوطي كتابه " الجامع الصغير "! وبيض له المناوي في " شرحيه ".

ورواه عبد الرحمن بن نصر الدمشقي في " الفوائد " (2 / 226 / 2) عن الشعبي من قوله وسنده ضعيف، فلعله أصل الحديث، رفعه بعض الكذبة! .

وقد وجدت له طريقا أخرى بنحوه وهو:

271 - " من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت ".

موضوع.

رواه أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (111 / 2) : أخبرنا إبراهيم بن الهيثم يعني البلدي أخبرنا أبو صالح عبد الله بن صالح، أخبرنا رشدين بن سعد عن جرير بن حازم عن حميد عن أنس مرفوعا، ورواه ابن عساكر (2 / 111 / 2) من طريق آخر عن أبي صالح به.

وهذا سند ضعيف جدا، رشدين بن سعد قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف، رجح أبو حاتم عليه ابن لهيعة، وقال ابن يونس: كان صالحا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث.

قلت: فالظاهر أن هذا من تخاليطه، ويحتمل أن يكون من وضع خالد بن نجيح جار لعبد الله بن صالح كان يضع الحديث في كتب عبد الله وهو لا يشعر! انظر " الميزان " (2 / 46 - 48) ، وقول أبي حاتم المتقدم تحت الحديث (194) .

 

(1/440)

 

 

272 - " اعتبروا عقل الرجل فى طول لحيته ونقش خاتمه وكنوته ".

موضوع.

ذكره السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 10) من رواية ابن عساكر بسنده عن عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي عن يزيد بن سنان الأشعري عن أبي دوس الأشعري قال: كنا عند معاوية جلوسا إذ أقبل علينا رجل طويل اللحية، فقال معاوية:

أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طول اللحية، فسكت القوم، فقال معاوية: لكني أحفظه، فلما جلس الرجل قال معاوية: أما اللحية فلسنا نسأل عنها! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، قال: فما كنوتك؟

قال: أبو كوكب الدرى، قال: فما نقش خاتمك؟ قال: وتفقد الطير، فقال: ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين، فقال: وجدنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا، قال السيوطي: يزيد ضعيف، والطرائفي كذبه ابن نمير.

 

(1/441)

 

 

273 - " لا حبس (أي وقف) بعد سورة النساء ".

ضعيف.

أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (2 / 250) والطبراني (3 / 114 / 1) والدارقطني (4 / 68 / 3 و4) والبيهقي في " سننه " (6 / 162) من طريق عبد الله بن لهيعة حدثنا عيسى بن لهيعة عن عكرمة قال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد ما نزلت سورة النساء وفرضت فيها الفرائض: فذكره، وقال الدارقطني: وأقره البيهقي:

 

(1/441)

 

 

لم يسنده غير ابن لهيعة عن أخيه وهما ضعيفان.

قلت: وبه يعرف ما في رمز السيوطي في " الجامع الصغير " لحسنه، وقد رده عليه المناوي في شرحه بقول الدارقطني هذا، وبقول الهيثمي في " المجمع " (7 / 2) : رواه الطبراني وفيه عيسى بن لهيعة وهو ضعيف، والحديث استدل به

الطحاوي لأبي حنيفة في قوله: إن الوقف باطل، وهو استدلال واه لأمور:

الأول: أن الحديث ضعيف كما علمت فلا يجوز الاحتجاج به.

الثاني: أنه معارض بأحاديث صحيحة في مشروعية الوقف، منها قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: " حبس الأصل، وسبل الثمرة " أي اجعله وقفا حبيسا، رواه الشيخان في " صحيحيهما "، وهو مخرج في " الإرواء " (6 / 30 / 1582) .

الثالث: أنه يمكن تفسيره بمعنى لا يتعارض مع الأحاديث الصحيحة وبه فسره ابن الأثير في " النهاية " فقال: أراد أنه لا يوقف مال ولا يزوى عن وارثه، وكأنه إشارة إلى ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من حبس مال الميت ونسائه، كانوا إذا كرهو االنساء لقبح أو قلة مال حبسوهن عن الأزواج لأن أولياء الميت كانوا أولى بهن عندهم.

 

(1/442)

 

 

274 - " أو صاني جبرائيل عليه السلام بالجار إلى أربعين دارا، عشرة من ها هنا وعشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا ".

ضعيف.

أخرجه البيهقي (6 / 276) عن إسماعيل بن سيف حدثتني سكينة قالت: أخبرتني أم هانيء بنت أبي صفرة عن عائشة مرفوعا، وقال: في إسناده ضعف.

قلت: وأقره في " نصب الراية " (4 / 414) وذلك لأن إسماعيل هذا قال ابن عدي (1 / 318) : حدث بأحاديث عن الثقات غير محفوظة، ويسرق الحديث.

قلت: وسكينة وأم هانيء لم أعرفهما ولا يفيد هنا بصورة خاصة توثيق ابن حبان (8 / 103) لإسماعيل هذا لأنه قال: مستقيم الحديث إذا حدث عن ثقة.

وقد روي عن كعب بن مالك وهو:

 

(1/443)

 

 

275 - " ألا إن أربعين دارا جوار، ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه "، قيل للزهري: أربعين دارا؟ قال: أربعين هكذا، وأربعين هكذا.

ضعيف.

أخرجه الطبراني في " الكبير " (19 / 73 / رقم 143) عن يوسف بن السفر عن الأوزاعي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك

 

(1/443)

 

 

عن أبيه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله إني نزلت محلة بني فلان، وإن أشدهم لي أذى أقربهم لي جوارا، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا أن يأتوا باب المسجد فيقوموا عليه فيصيحوا: ألا ... ".

ويوسف بن السفر أبو الفيض فيه مقال، كذا قال الزيلعي (4 / 413 - 414) وقد ألان القول جدا في ابن السفر هذا، فإن مثل هذا القول: فيه مقال إنما يقال فيمن هو مختلف في توثيقه وتجريحه، وابن السفر هذا متفق على تركه بل كذبه الدارقطني وقال البيهقي: هو في عداد من يضع الحديث، وقد مضى بعض أحاديثه الموضوعة (برقم 187) ولهذا قال الهيثمي بعد أن ساق له هذا الحديث في " المجمع " (8 / 169) : وفيه يوسف بن السفر وهو متروك.

قلت: وقد خالفه هقل بن زياد فقال: حدثنا الأوزاعي عن يونس عن ابن شهاب الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره مرسلا، أخرجه أبو داود في " المراسيل " (رقم 350) حدثنا إبراهيم بن مروان الدمشقي حدثني أبي حدثنا هقل بن زياد به، ويأتي لفظه بعد حديث.

وهذا سند رجاله ثقات ولولا إرساله لحكمت عليه بالصحة، وعلى من يقول بصحة المرسل أن يأخذ به كالحنفية ولهذا أقول: إن قول صاحب " الهداية "، وما قاله الشافعي إن الجوار إلى أربعين دار بعيد، وما يرويه فيه ضعف لا يتفق مع قول الحنفية: إن الحديث المرسل حجة، فتأمل.

 

(1/444)

 

 

والحديث قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 189) بعد أن ساقه من الوجهين المرسل والموصول: إنه حديث ضعيف، وكذا قال الحافظ في " الفتح " (10 / 397) .

قلت: وأما قوله: " ولا يدخل الجنة ... "، فصحيح لأنه جاء من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه " أخرجه مسلم (1 / 49) والبخاري في " الأدب المفرد " (ص 20) ، وهو مخرج في " السلسلة الأخرى " (رقم 549) .

وقد روي الحديث عن أبي هريرة أيضا وهو:

276 - " حق الجوار إلى أربعين دارا، وهكذا وهكذا وهكذا يمينا وشمالا وقدام وخلف ".

ضعيف جدا.

رواه أبو يعلى في " مسنده " (10 / 385 / 5982) حدثنا محمد بن جامع العطار حدثنا محمد بن عثمان حدثنا عبد السلام بن أبي الجنوب عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وعن أبي يعلى رواه ابن حبان في " الضعفاء " (2 /150) وأعله بعبد السلام هذا وقال: إنه منكر الحديث.

قلت: وأقره الزيلعي في " نصب الراية " (3 / 414) ثم تناقض ابن حبان فذكره في " الثقات " (7 / 127) ، انظر " تيسير الانتفاع ".

 

(1/445)

 

 

وقال أبو حاتم: (3 / 1 / 45) : متروك الحديث.

قلت: وفيه علة أخرى فقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 168) : رواه أبو يعلى عن شيخه محمد بن جامع العطار وهو ضعيف.

قلت: بل هو أسوأ حالا، قال أبو زرعة: ليس بصدوق، ومحمد بن عثمان وهو الجمحي المكي ضعيف فهذه علة ثالثة.

ولهذا قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 189) : إنه حديث ضعيف، وقد روي مرسلا وهو:

277 - " الساكن من أربعين دارا جار ".

ضعيف.

أخرجه أبو داود في " المراسيل " (450) عن الزهري مرسلا مرفوعا وفيه:

قيل للزهري: وكيف أربعون دارا؟ قال: أربعون عن يمينه وعن يساره، وخلفه وبين يديه، ورجاله ثقات، فهو صحيح عند من يحتج بالمرسل كما سبق بيانه قبل حديث.

وقد اختلف العلماء في حد الجوار على أقوال ذكرها في " الفتح " (10 / 367) ، وكل ما جاء تحديده عنه صلى الله عليه وسلم بأربعين ضعيف لا يصح، فالظاهر أن الصواب تحديده بالعرف، والله أعلم.

 

(1/446)

 

 

278 - " العلم خزائن، ومفتاحها السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمجيب لهم ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم (3 / 192) وأبو عثمان النجيرمي في " الفوائد " (24 / 1) من طريق داود بن سليمان القزاز حدثنا علي بن موسى الرضى حدثني أبي عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب مرفوعا، وقال أبو نعيم: هذا حديث غريب لم نكتبه إلا بهذا الإسناد.

قلت: وهو إسناد موضوع من داود بن سليمان هذا الجرجاني الغازي.

قال الذهبي: كذبه يحيى بن معين، ولم يعرفه أبو حاتم، وبكل حال فهو شيخ كذاب له نسخة موضوعة عن علي بن موسى الرضى، ثم ساق له أحاديث هذا أحدها وأقره الحافظ في " اللسان ".

ولهذا فقد أساء السيوطي بإيراده لهذا الحديث في " الجامع الصغير "، وقد تعقبه شارحه المناوي بما نقلناه عن الذهبي ثم العسقلاني، ثم كأنه نسي ذلك في شرحه الآخر " التيسير "، فقال: إسناده ضعيف.

نعم رواه الشيروي في " العوالي " (213 / 1) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (2 / 32 ـ ط الرياض) من طريق عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي حدثني أبي حدثني علي بن موسى الرضى به، لكن عبد الله هذا حاله كحال الجرجاني! قال الذهبي: روى عن أبيه عن علي الرضى عن آبائه بتلك النسخة الموضوعة الباطلة ما

 

(1/447)

 

 

تنفك عن وضعه أو وضع أبيه.

279 - " نبي ضيعه قومه، يعنى سطيحا ".

لا أصل له.

في شيء من كتب الإسلام المعهودة ولم أره بإسناد أصلا، كذا قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " (2 / 271) وسيأتي بعد حديث ما يعارضه.

 

(1/448)

 

 

280 - " أوحى الله إلى عيسى عليه السلام يا عيسى آمن بمحمد وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة ولا النار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن ".

لا أصل له مرفوعا.

وإنما أخرجه الحاكم في " المستدرك " (2 / 614 - 615) من طريق عمرو بن أوس الأنصاري حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: فذكره موقوفا وقال: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: أظنه موضوعا على سعيد.

قلت: يعني ابن أبي عروبة، والمتهم به الراوي عنه عمرو بن أوس الأنصارى، قال الذهبي في " الميزان ": يجهل حاله، وأتى بخبر منكر.

 

(1/448)

 

 

ثم ساق له هذا الحديث وقال: وأظنه موضوعا، ووافقه الحافظ ابن حجر في " اللسان " فأقره.

281 - " ذاك نبي ضيعه قومه، يعنى خالد بن سنان ".

لا يصح.

أخرجه الحاكم (2 / 598 - 599) وكذا أبو يعلى من طريق المعلى بن مهدي حدثنا أبو عوانة عن أبي يونس قال سماك بن حرب: سئل عنه يعني خالد بن سنان النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره.

وهذا إسناد ضعيف لإرساله، والمعلى بن مهدي ضعفه أبو حاتم قال: يأتي أحيانا بالمناكير، وقال الهيثمي (8 / 214) : هذا منها.

قلت: ورواه الطبراني (3 / 154 / 1) وكذا البزار (2361 - زوائده) وابن عدي (271 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 187) من طريق قيس بن الربيع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا، قال البزار:

لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وكان قيس بن الربيع ثقة في نفسه إلا أنه كان رديء الحفظ، وكان له ابن يدخل في حديثه ما ليس منه، قال: وقد رواه الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير مرسلا.

ذكره ابن كثير في " البداية " (2 / 211) ، وقال ابن عدي: لم يوصله فقال فيه عن ابن عباس غير ابن الربيع، ثم قال ابن كثير:

 

(1/449)

 

 

وهذه المرسلات لا يحتج بها ها هنا، وقال في موضع آخر (2 / 271) : لا يصح.

قلت: وقد وجدته موصولا أخرجه الخطيب في " تلخيص المتشابه " (13 / 148 - 149) عن محمد بن عمير حدثني عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي حدثني جدي إبراهيم بن العلاء أخبرنا أبو محمد القرشي الهاشمي، أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن أبي عمارة بن حزن بن شيطان مرفوعا به، وقال الخطيب: في إسناده

نظر.

قلت: ولعل وجهه أن فيه جماعة لم أعرفهم، منهم القرشي هذا، وانظر " الإصابة " (2 / 507) .

وروي من حديث عائشة أخرجه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (4 / 176) عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن عائشة مرفوعا به، لكن الكلبي كذاب.

قلت: ومع ضعف الحديث فإنه معارض كما قال الهيثمي (8 / 214) للحديث الصحيح: " أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، الأنبياء إخوة لعلات، وليس بيني وبينه نبي " رواه البخاري في " صحيحه " (6 / 380) ومسلم (7 / 96) .

282 - " لولاك لما خلقت الأفلاك ".

موضوع.

كما قاله الصغاني في " الأحاديث الموضوعة " (ص 7) ، وأما قول الشيخ القاري (67 - 68) : لكن معناه صحيح، فقد روى الديلمي عن ابن عباس مرفوعا: " أتاني جبريل

 

(1/450)

 

 

فقال: يا محمد لولاك لما خلقت الجنة، ولولاك ما خلقت النار " وفي رواية ابن عساكر: " لولاك ما خلقت الدنيا ".

فأقول: الجزم بصحة معناه لا يليق إلا بعد ثبوت ما نقله عن الديلمي، وهذا مما لم أر أحدا تعرض لبيانه، وأنا وإن كنت لم أقف على سنده، فإنى لا أتردد في ضعفه، وحسبنا في التدليل على ذلك تفرد الديلمي به، ثم تأكدت من ضعفه، بل وهائه، حين وقفت على إسناده في " مسنده " (1 / 41 / 2) من طريق عبيد الله بن موسى القرشي حدثنا الفضيل بن جعفر بن سليمان عن عبد الصمد بن علي بن عبد الله ابن عباس عن أبيه عن ابن عباس به.

قلت: وآفته عبد الصمد هذا، قال العقيلي: حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به.

ثم ساق له حديث آخر في إكرام الشهو د سيأتي برقم (2898) ، ومن دونه لم أعرفهما، وأما رواية ابن عساكر فقد أخرجها ابن الجوزي أيضا في " الموضوعات " (1 / 288 ـ 289) في حديث طويل عن سلمان مرفوعا وقال: إنه موضوع، وأقره السيوطي في " اللآليء " (1 / 272) .

ثم وجدته من حديث أنس وسوف نتكلم عليه إن شاء الله.

283 - " ارموا، فإن أيمان الرماة لغو، لا حنث فيها ولا كفارة ".

باطل.

رواه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 237) حدثنا يوسف بن يعقوب بن عبد العزيز الثقفي حدثني أبي حدثنا سفيان بن عيينة عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده

 

(1/451)

 

 

أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يرمون، وهم يحلفون: أخطأت والله أصبت والله، فلما رأو ارسول الله صلى الله عليه وسلم أمسكوا فقال: فذكره.

قال الطبراني: تفرد به يوسف بن يعقوب عن أبيه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات غير يوسف بن يعقوب وأبيه، قال الحافظ في ترجمة يوسف من " اللسان ": لا أعرف حاله، أتى بخبر باطل بإسناد لا بأس به، قال الطبراني في " كتاب الرمي ": حدثنا يوسف بن يعقوب بمصر ... قلت: فذكر هذا الحديث، ثم قال الحافظ: الحمل فيه على يوسف أو على أبيه، فما حدث به ابن

عيينة قط، فما أظن في يوسف بن يعقوب العدل، روى عن جعفر بن إبراهيم، وعنه صدقة بن هبيرة الموصلي، قال الخطيب: مجهول.

284 - " يا معاذ إني مرسلك إلى قوم أهل كتاب، فإذا سئلت عن المجرة التي في السماء فقل: هي لعاب حية تحت العرش ".

موضوع.

أخرجه الطبراني (1 / 176 / 1) والعقيلي (3 / 449) وابن عدي (263 / 1) من طريق الفضل بن المختار عن محمد بن مسلم الطائفي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله مرفوعا.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 142) وقال: الفضل منكر الحديث، وقال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " (1 / 39) : هذا حديث منكر جدا، بل الأشبه أنه موضوع، وراويه الفضل بن المختار هذا أبو سهل البصري قال فيه أبو حاتم الرازي: هو مجهول، حدث بالأباطيل، وقال

 

(1/452)

 

 

الحافظ أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث جدا، وقال ابن عدي: لا يتابع على أحاديثه لا متنا وإسنادا.

قلت: وقد ساق له الذهبي أحاديث ثم قال: فهذه أباطيل وعجائب.

وأورده ابن الجوزي من طريق أخرى عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه، رواه العقيلي في ترجمة عبد الأعلى بن حكيم (253) وقال: هذا الحديث غير محفوظ، وعبد الأعلى مجهول بالنقل.

وفيه أبو بكر بن أبي سبرة متروك وسليمان بن داود الشاذكوني وهو متهم.

وقال الذهبي في ترجمة عبد الأعلى هذا: وهذا إسناد مظلم، ومتن ليس بصحيح.

285 - " ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء ".

منكر.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 215 / 2) والطحاوي في " معاني الآثار " (1 / 337) وأبو سهل الجواليقي في " أحاديث ابن الضريس " (189 / 2) ومن طريقه أبو مطيع المصري في " الأمالي " (95 / 1) وابن عدي (250 / 1) أيضا والخطيب في " الأمالي بمسجد دمشق " (4 / 6 / 2) من طريق عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات كما قال المنذري في " الترغيب " (2 / 78) والهيثمي في " المجمع " (3 / 186) ، ولكن عبد الجبار بن الورد في حفظه ضعف كما أشار لذلك البخاري بقوله: يخالف في بعض حديثه.

 

(1/453)

 

 

وقال ابن حبان: يخطيء ويهم.

وأنا لا أشك أنه أخطأ في رواية هذا الحديث لأمرين: الأول: أنه اضطرب في إسناده فمرة قال: عن ابن أبي مليكة، كما في هذه الرواية ومرة أخرى قال: عن عمرو بن دينار، رواه الطبراني، وهذا يدل على أنه لم يحفظ.

الآخر: أنه قد خولف في متن هذا الحديث فرواه جماعة من الثقات عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس قال: ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان.

رواه البخاري (4 / 200 - 201) ومسلم (3 / 150 - 151) وأحمد (رقم 1938، 2856، 3475) والطحاوي والطبراني والبيهقي (4 / 286) من طرق عن عبيد الله به، وأحد أسانيده عند أحمد ثلاثي.

فهذا هو أصل الحديث، وهو كما ترى من قول ابن عباس ولفظه بناء على ما علمه من صيامه صلى الله عليه وسلم، فجاء عبد الجبار هذا فرواه مرفوعا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وشتان ما بين الروايتين، فإن هذه الرواية الضعيفة تتعارض مع الأحاديث الأخرى التي تصرح بأن لبعض أيام أخرى غير يوم عاشوراء فضلا على سائر الأيام كقوله صلى الله عليه وسلم: " صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية ".

رواه مسلم (3 / 168) وغيره عن أبي قتادة، وهو مخرج في " الإرواء " (955) فكيف يعقل مع هذا أن يقول عليه السلام ما رواه عنه عبد الجبار هذا؟ ! .

أما الرواية الصحيحة لحديث ابن عباس، فإنما فيها إثبات التعارض بين نفي ابن عباس فضل يوم غير عاشوراء وإثبات غير كأبي قتادة، وهذا الأمر فيه هين؛

 

(1/454)

 

 

لما تقرر في الأصول: أن المثبت مقدم على النافي وإنما الإشكال الواضح أن ينسب النفي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه قد صرح فيما صح عنه بإثبات ما عزي إليه من النفي.

ومما تقدم تبين أن لا إشكال، وأن نسبة النفي إليه صلى الله عليه وسلم وهم من بعض الرواة، والحمد لله على توفيقه.

286 - " قد أتى آدم عليه السلام هذا البيت ألف آتية من الهند على رجليه لم يركب فيهن من ذلك ثلاث مئة حجة وسبع مئة عمرة، وأول حجة حجها آدم عليه السلام وهو واقف بعرفات أتاه جبريل عليه السلام فقال: السلام عليك يا آدم بر الله نسكك، أما إنا قد طفنا هذا البيت قبل أن تخلق بخمسة آلاف سنة ".

ضعيف جدا.

رواه ابن بشران في " الأمالي " (160 / 2 - 161 / 1) من طريق العباس بن الفضل الأنصاري عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي جعفر عن أبيه عن أبي حازم عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، العباس بن الفضل الأنصاري متروك واتهمه أبو زرعة كما في " التقريب ".

والقاسم بن عبد الرحمن هو الأنصاري، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث مضطرب الحديث، حدثنا عنه الأنصاري (يعني: محمد

 

(1/455)

 

 

بن عبد الله) بحديثين باطلين: أحدهما وفاة آدم صلى الله عليه وسلم والآخر عن أبي حازم.

كذا في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 113) .

قلت: ولعل الحديث الباطل الآخر عن أبي حازم هو هذا والله أعلم.

287 - " ما ترك القاتل على المقتول من ذنب ".

لا أصل له.

ولا يعرف في شيء من كتب الحديث بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضا، ولكن قد يتفق في بعض الأشخاص يوم القيامة (أن) يطالب المقتول القاتل، فتكون حسنات القاتل لا تفي بهذه المظلمة فتحول من سيئات المقتول إلى القاتل كما ثبت به الحديث الصحيح في سائر المظالم، والقتل من أعظمها، كذا في " البداية والنهاية " (1 / 93 - 94) لابن كثير.

قلت يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " إن المفلس من أمتي من يأتي بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار "، رواه مسلم، وهو مخرج في " الصحيحة " (847) .

 

(1/456)

 

 

288 - " كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها ".

موضوع.

أخرجه الترمذي (3 / 11) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 288) وابن عدي (243 / 2) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (306) من طريق عمر ابن هارون البلخي عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا وقال الترمذي: هذا حديث غريب، سمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن هارون

 

(1/456)

 

 

مقارب الحديث لا أعرف له حديثا ليس له أصل أو قال: يتفرد به إلا هذا الحديث.

قلت: وفي ترجمته رواه العقيلي ثم قال: ولا يعرف إلا به، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد أنه قال: " اعفوا اللحى، واحفوا الشوارب " وهذه الرواية أولى.

وعمر هذا قال في " الميزان ": قال ابن معين: كذاب خبيث، وقال صالح جزرة:

كذاب، ثم ساق له هذا الحديث، لكن قال ابن عدي عقبه: وقد روى هذا عن أسامة غير عمر بن هارون، فلينظر فإنه خلاف ما قاله البخاري والعقيلي: إنه تفرد به عمر.

289 - " من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا ".

ضعيف.

أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (178 - من زوائده) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 674) وابن لال في " حديثه " (116 / 1) وابن بشران في " الأمالي " (20 / 38 / 1) والبيهقي في " الشعب " وغيرهم من طريق أبي شجاع عن أبي طيبة عن ابن مسعود مرفوعا.

وهذا سند ضعيف، قال الذهبي: أبو شجاع نكرة لا يعرف، عن أبي طيبة، ومن أبو طيبة؟ عن ابن مسعود بهذا الحديث مرفوعا.

 

(1/457)

 

 

وقد أشار بهذا الكلام إلى أن أبا طيبة نكرة لا يعرف، وصرح في ترجمته بأنه مجهول.

ثم إن في سند الحديث اضطرابا من وجوه ثلاثة بينها الحافظ ابن حجر في " اللسان " في ترجمة أبي شجاع هذا فليراجعه من شاء، وفي " فيض القدير " للمناوي: وقال الزيلعي تبعا لجمع: هو معلول من وجوه: أحدها: الانقطاع كما بينه الدارقطني وغيره.

الثاني: نكارة متنه كما ذكره أحمد.

الثالث: ضعف رواته كما قاله ابن الجوزي.

الرابع: اضطرابه، وقد أجمع على ضعفه أحمد وأبو حاتم وابنه والدارقطني والبيهقي وغيرهم.

وقال المناوي في " التيسير ": والحديث منكر.

290 - " من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا، ومن قرأ كل ليلة {لا أقسم بيوم القيامة} لقي الله يوم القيامة ووجهه في صورة القمر ليلة البدر ".

موضوع.

رواه الديلمي من طريق أحمد بن عمر اليمامي بسنده إلى ابن عباس رفعه.

 

(1/458)

 

 

ذكره السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (177) وقال: أحمد اليمامي كذاب.

291 - " من قرأ سورة الواقعة وتعلمها لم يكتب من الغافلين، ولم يفتقر هو وأهل بيته ".

موضوع.

أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (277) من رواية أبي الشيخ بسنده عن عبد القدوس بن حبيب عن الحسن عن أنس رفعه.

وقال السيوطي: عبد القدوس بن حبيب متروك.

قلت: وقال عبد الرزاق: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله: كذاب إلا لعبد القدوس وقد صرح ابن حبان بأنه كان يضع الحديث.

 

(1/459)

 

 

292 - " أما ظلمة الليل وضوء النهار فإن الشمس إذا سقطت تحت الأرض فأظلم الليل لذلك وإذا أضاء الصبح ابتدرها سبعون ألف ملك وهي تقاعس كراهية أن تعبد من دون الله حتى تطلع فتضيء فيطول النهار بطول مكثها فيسخن الماء لذلك، وإذا كان الصيف قل مكثها فبرد الماء لذلك، وأما الجراد فإنه نثرة حوت في البحر يقال له:

الإيوان، وفيه يهلك.

 

(1/459)

 

 

وأما منشأ السحاب فإنه ينشأ من قبل الخافقين، ومن بين الخافقين تلجمه الصبا والجنوب ويستدبره الشمال والدبور، وأما الرعد فإنه ملك بيده مخراق يدني القاصية، ويؤخر الدانية، فإذا رفع برقت، وإذا زجر رعدت، وإذا ضرب صعقت، وأما ما للرجل من الولد وما للمرأة فإن للرجل العظام والعروق والعصب، وللمرأة اللحم والدم والشعر، وأما البلد الأمين فمكة ".

باطل.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 188 / 2 / 7891) من طريق محمد بن عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو عمران الحراني يوسف بن يعقوب أخبرنا ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن خزيمة بن ثابت وليس بالأنصاري قال: يا رسول الله أخبرني عن ضوء النهار وظلمة الليل وعن حر الماء في الشتاء وعن برده في الصيف، وعن البلد الأمين، وعن منشأ السحاب، وعن مخرج الجراد، وعن الرعد والبرق وعما للرجل من الولد وما للمرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

وقال الطبراني: لم يروه عن ابن جريج إلا أبو عمران الحراني، تفرد به محمد بن عبد الرحمن السلمي.

قلت: هو مجهول كشيخه، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه يوسف بن يعقوب أبو عمران ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته ولم ينقل تضعيفه عن أحد.

قلت: روايته مثل هذا الحديث كافية في تضعيفه فقد قال الذهبي في

 

(1/460)

 

 

ترجمته: إنه خبر باطل، والراوي عنه مجهول واسمه محمد عبد الرحمن السلمي، وأقره الحافظ في " اللسان ".

293 - " وكل بالشمس تسعة أملاك يرمونها بالثلج كل يوم، لولا ذلك ما أتت على شيء إلا أحرقته ".

موضوع.

رواه ابن عدي (230 / 2) وعنه ابن الجوزي في " الواهيات " (1 / 34) والطبراني في " الكبير " (8 / 197 / 7705) وأبو حفص الكناني في " الأمالي " (1 / 9 / 2) والحافظ أبو محمد السراج القاريء في " الفوائد المنتخبة " (1 / 125 / 1) وأبو عمرو السمرقندي في " الفوائد المنتقاة " (71 / 1) والخطيب في " الموضح " (2 / 79، 165، 166 / 1) ، عن عفير بن معدان عن سليمان بن عامر الخبائري عن أبي أمامة مرفوعا، وقال القاري وابن عدي وتبعه ابن الجوزي: حديث غريب لا أعلم رواه غير عفير بن معدان.

قلت: وهو ضعيف جدا كما قال الهيثمي (8 / 131) بعد أن عزا هذا الحديث لرواية الطبراني، وكذلك عزاه السيوطي في " الجامع " وقال المناوي بعد أن حكى عن الهيثمي تضعيف عفير المذكور: وتعصيب الجناية برأس عفير وحده يوهم أنه ليس فيه من يحمل عليه سواه والأمر بخلافه، ففيه مسلمة بن علي الخشني قال في " الميزان ": واه، تركوه، واستنكروا حديثه، ثم ساق له أخبارا هذا منها، وقال ابن الجوزي: لا يرويه غير مسلمة، وقد قال يحيى: ليس بشيء، والنسائي: متروك.

قلت: لكن بعض طرقه سالم من مسلمة، فالتعصيب في محله.

وهذا الحديث مع ضعفه الشديد إسنادا فإني لا أشك أنه موضوع متنا، إذ

 

(1/461)

 

 

ليس عليه لوائح كلام النبوة والرسالة، بل هو أشبه بالإسرائيليات.

ويؤيد وضعه مخالفته لما ثبت في علم الفلك أن السبب في عدم حرق الشمس لما على وجه الأرض إنما هو بعدها عن الأرض بمسافات كبيرة جدا يقدرونها بمئة وخمسين مليون كيلومتر تقريبا كما في كتاب " علم الفلك " للأستاذ طالب الصابوني الذي يدرس في الصف الحادي عشر.

ثم رأيت الحديث رواه أبو العباس الأصم في " حديثه " (3 / 145 / 1) (رقم 77 من نسختي) موقوفا على أبي أمامة فقال: حدثنا أبو عتبة حدثنا بقية حدثنا أبو عائذ المؤذن حدثني سليم بن عامر عن أبي أمامة قال: فذكره موقوفا عليه، وإسناده ضعيف، والوقف هو الأشبه، والله أعلم.

294 - " الأرض على الماء، والماء على صخرة، والصخرة على ظهر حوت يلتقي حرفاه بالعرش، والحوت على كاهل ملك قدماه في الهواء ".

موضوع.

ذكره الهيثمي (8 / 131) من حديث ابن عمر مرفوعا ثم قال: رواه البزار عن شيخه عبد الله بن أحمد يعني ابن شبيب وهو ضعيف.

قلت: لم أره في " الميزان " ولا في " اللسان " ولا في غيرهما من كتب الرجال فلعله تحرف اسمه على الطابع، والظاهر أنه من الإسرائيليات كالذي قبله.

ثم رأيت الحديث رواه ابن عدي (175 / 1) من طريق محمد بن حرب عن سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة - كثير بن مرة - عن ابن عمر مرفوعا، وقال:

سعيد بن سنان الحمصي عامة ما يرويه وخاصة عن أبي الزاهرية غير محفوظة.

 

(1/462)

 

 

قلت: وهو ضعيف جدا بل قال فيه الجوزجاني: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة.

وساق له الذهبي في " الميزان " أحاديث هذا منها.

ثم رأيت له طريقا أخرى، أخرجها ابن منده في " التوحيد " (27 / 2) عن عبد الله بن سليمان الطويل عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمر مرفوعا، وقال: هذا إسناد متصل مشهور.

قلت: لكن دراجا ذومناكير، وقد سبق له بعض مناكيره، وعبد الله بن سليمان الطويل سيء الحفظ فلعله أخطأ هو أو شيخه في سنده فرفعه وهو موقوف، ومما يؤيد أن الصواب وقفه أن ابن منده رواه (5 / 1 - 2، 28 / 2) عن ابن عباس موقوفا عليه دون ذكر الملك وسنده صحيح، فهذا يؤيد أن الحديث من الإسرائيليات.

ثم وقفت على إسناد البزار بواسطة " كشف الأستار " (2 / 449 / 2066) للهيثمي قال البزار: حدثنا عبد الله بن أحمد يعني ابن شبيب حدثنا أبو اليمان حدثنا سعيد بن سنان به مثل رواية ابن عدي المتقدمة، وقال البزار: علته سعيد بن سنان.

قلت: فتكشفت لي الحقائق التالية:

الأولى: أن الهيثمي غفل عن العلة القادحة في هذا الإسناد، مع تصريح البزار بها وهي سعيد بن سنان لأنه متهم كما تقدم.

الثانية: أنه تحرف على الهيثمي في الكتابين " المجمع " و" الكشف " اسم جد عبد الله بن أحمد فقال: ابن شبيب، وإنما هو ابن شَبَّويه كذلك وقع في كثير من

 

(1/463)

 

 

الأحاديث التي رواها البزار من طريقه وهاك أرقام بعضها من المجلد الأول من " الكشف " (29 و53 و508 و537 و621 و762 و782 و859 و892 و948 و1049) والرقم الأول فيها بهذا السند عينه، وإعلال البزار إياه بسعيد نفسه.

الثالثة: لا يوجد في الرواة عبد الله بن أحمد بن شبيب، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وإنما فيهم عبد الله بن شبيب أبو سعيد الربعي فتوهم الهيثمي أنه هو فضعفه وهو حري بذلك وهو من شيوخ البزار أيضا في عدة أحاديث أخرى كالأحاديث (173 و247 و417) ولوفرض أنه هو صاحب هذا الحديث لم يجز إعلاله به لأنه متابع عند ابن عدي كما تقدم، وأما ابن شبويه فهو في " ثقات ابن حبان " (8 / 366) وقال: مستقيم الحديث.

295 - " من قرأ قل هو الله أحد مئتي مرة غفرت له ذنوب مئتي سنة ".

منكر.

رواه ابن الضريس في " فضائل القرآن " (3 / 113 / 1) والخطيب (6 / 187) وابن بشران (ج 12 ق 62 وجه 1) والبيهقي في " الشعب " (1 / 2 / 35 / 1 - 2) من طريق الحسن بن أبي جعفر الجعفري حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك مرفوعا.

وهذا سند ضعيف جدا الحسن بن جعفر الجعفري قال الذهبي: ضعفه أحمد والنسائي، وقال البخاري والفلاس: منكر الحديث، ومن بلاياه

 

(1/464)

 

 

هذا الحديث.

قلت: إلا أنه لم يتفرد به فقال السيوطي في " اللآليء " (1 / 239) : أخرجه ابن الضريس في " فضائل القرآن " والبيهقي في " شعب الإيمان " من طريق الحسن بن أبي جعفر به، وأخرجه البزار من طريق الأغلب بن تميم عن ثابت عن أنس، وقال: لا نعلم رواه عن ثابت إلا الحسن بن أبي جعفر والأغلب وهما متقاربان في سوء الحفظ، وأخرجه ابن الضريس والبيهقي من طريق صالح المري عن ثابت عن أنس.

قلت: وصالح هذا هو ابن بشير الزاهد، قال البخاري والفلاس أيضا: منكر الحديث.

والخلاصة أن هذه الطرق الثلاث شديدة الضعف فلا ينجبر بها ضعف الحديث، على أن معناه مستنكر عندي جدا لما فيه من المبالغة، وإن كان فضل الله تعالى لا حد له والله أعلم.

تنبيه: لم أر الحديث في " كشف الأستار "، ولا في " مجمع الزوائد "، والله أعلم.

296 - " إن الله ليس بتارك أحدا من المسلمين صبيحة أول يوم من شهر رمضان إلا غفر له ".

موضوع.

رواه الخطيب (5 / 91) وعنه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 190) من طريق سلام الطويل عن زياد بن ميمون عن أنس مرفوعا.

وهذا إسناد موضوع سلام الطويل اتهمه غير واحد بالكذب والوضع.

 

(1/465)

 

 

وشيخه زياد بن ميمون وضاع باعترافه.

ومن هذا الوجه أورده، وقال ابن الجوزي ما ملخصه: لا يصح، سلام متروك، وزياد كذاب.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 101) بقوله:

قلت: له طريق آخر، ثم ساق الحديث الآتي وهو موضوع أيضا فلم يصنع شيئا! وهو على الراجح نفس الطريق الأولى، كما سترى.

297 - " إن الله ليس بتارك أحدا من المسلمين يوم الجمعة إلا غفر له ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " (48 ـ 49 من زوائده) وابن الأعرابي في " معجمه " (147) وابن بشران في " الأمالي " (24 / 290) عن المفضل بن فضالة عن أبي عروة البصري عن زياد أبي عمار - وقال ابن الأعرابي: زياد بن ميمون - عن أنس بن مالك مرفوعا وقال الطبراني: لا يروى إلا بهذا الإسناد، وأبو عروة عندي معمر، وأبو عمار: زياد النميري، كذا قال، وفيه نظر في موضعين:

الأول: زياد النميري هو ابن عبد الله البصري، لم أجد من كناه أبا عمار، بخلاف زياد بن ميمون فقد كنوه بأبي عمار، وقال ابن معين في النميري: ضعيف، وقال في موضوع آخر: ليس به بأس قيل له: هو زياد أبو عمار؟ قال: لا، حديث أبي عمار ليس بشيء.

فقد فرق هذا الإمام بين زياد بن عبد الله النميري وبين زياد أبي عمار، فضعف

 

(1/466)

 

 

الأول تضعيفا يسيرا، وضعف أبا عمار جدا، فثبت أنه غير النميري، وإنما هو ابن ميمون كما صرحت بذلك رواية ابن الأعرابي وهو وضاع باعترافه كما سبق مرارا قال الذهبي: زياد بن ميمون الثقفي الفاكهي عن أنس، ويقال له زياد أبو عمار البصري، وزياد بن أبي حسان، يدلسونه لئلا يعرف في الحال، قال ابن معين:

ليس يسوى قليلا ولا كثيرا، وقال يزيد بن هارون: كان كذابا، ثم ساق له أحاديث مناكير، هذا أحدها.

والثاني: قوله: إن أبا عروة البصري، هو معمر يعني ابن راشد الثقة شيخ عبد الرزاق، فإن هذا وإن كان يكنى أبا عروة فإني لم أجد ما يؤيد أنه هو في هذا السند، وصنيع الحافظين الذهبي والعسقلاني يشير إلى أنه ليس به فقالا في

" الميزان " و" اللسان ": أبو عروة عن زياد بن فلان مجهول، وكذلك شيخه.

قلت: شيخه هو زياد بن ميمون الكذاب كما سبق آنفا فلعل أبا عروة كان يدلسه فيقول: زياد بن فلان، كما قال في هذا الحديث: زياد أبي عمار لكي لا يعرف، فإذا صح هذا فهو كاف عندنا في تجريح أبي عروة هذا، والله أعلم.

ثم وجدت ما يؤيد أن الحديث حديث زياد بن ميمون، فقد أخرجه الواحدي في " تفسيره " (4 / 145 / 1) عن عثمان بن مطر عن سلام بن سليم عن زياد بن ميمون عن أنس، لكن سلام هذا وهو المدائني كذاب أيضا وعثمان بن مطر ضعيف، لكن رواه ابن عساكر (11 / 50 / 2) من طريق عثمان بن سعيد الصيداوي، أخبرنا سليم بن

صالح عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبي عمار به.

 

(1/467)

 

 

وأخرجه الديلمي (4 / 189) من طريق محمد بن الفضل بن عطية عن سلام بن سلم عن زياد الواسطي عن أنس.

قلت: وابن الفضل هذا متروك وسلام بن سلم هو ابن سليم نفسه وزياد الواسقي هو ابن ميمون ذاته وقد أورده بحشل في " تاريخ واسط " (58 ـ 59) .

وبالجملة فإن مدار الحديث على أبي عمار وهو زياد بن ميمون وهو كذاب.

298 - " سبحان الله ماذا تستقبلون، وماذا يستقبل بكم؟ قالها ثلاثا، فقال عمر:

يا رسول الله وحي نزل أو عدوحضر؟ قال: لا، ولكن الله يغفر فى أول ليلة من رمضان لكل أهل هذه القبلة، قال: وفي ناحية القوم رجل يهز رأسه يقول: بخ بخ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كأنك ضاق صدرك مما سمعت؟ قال: لا والله يا رسول الله ولكن ذكرت المنافقين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المنافق كافر، وليس لكافر في ذا شيء ".

منكر.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 97 / 1 من زوائده) وأبو طاهر الأنباري في " مشيخته " (147 / 1 - 2) وابن فنجويه في " مجلس من الأمالي في فضل رمضان " (3 / 2 - 4 / 1) والواحدي في " الوسيط " (1 / 64 / 1) والدولابي في " الكنى " (1 / 107) عن عمرو بن حمزة القيسي أبي أسيد حدثنا أبو الربيع خلف عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حضر شهر رمضان قال: فذكره وقال الطبراني: لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد تفرد به عمرو.

ومن هذا الوجه رواه البيهقي في " شعب الإيمان " كما في " اللآليء المصنوعة "

 

(1/468)

 

 

(2 / 101) للسيوطي، أورده شاهدا للحديث الذي قبله وسكت عليه! وليس بشيء، فإن عمرو بن حمزة هذا ضعفه الدارقطني وغيره، وقال البخاري والعقيلي:

لا يتابع على حديثه، ثم ساق له العقيلي حديثين هذا أحدهما ثم قال: لا يتابع عليهما، وخلف أبو الربيع مجهول، وهو غير خلف بن مهران وقد فرق بينهما البخاري وكذا ابن أبي حاتم، فقد ترجم لابن مهران أولا، ووثقه، ثم ترجم لأبي الربيع ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ثم رأيت ابن خزيمة قد أشار لتضعيف هذا الحديث، فقد ذكره المنذري في " الترغيب " (2 / 63) ثم قال: رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والبيهقي، وقال ابن خزيمة: إن صح الخبر فإني لا أعرف خلفا أبا الربيع بعدالة ولا جرح ولا عمرو بن حمزة القيسي الذي دونه.

قال المنذري: قد ذكرهما ابن أبي حاتم ولم يذكر فيهما جارحا.

قلت: فكان ماذا؟ ! فإنه لم يذكر فيه توثيقا أيضا، فمثل هذا أقرب إلى أن يكون مجهولا عند ابن أبي حاتم من أن يكون ثقة عنده وإلا لما جاز له أن يسكت عنه ويؤيد هذا قوله في مقدمة الجزء الأول (ق 1 ص 38) : على أنا ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل كتبناها ليشتمل الكتاب على كل من روى عنه العلم رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم، فنحن ملحقوها بهم من بعد إن شاء الله، فهذا نص منه على أنه لا يهمل الجرح والتعديل إلا لعدم علمه بذلك، فلا يجوز أن يتخذ سكوته عن الرجل توثيقا منه له كما يفعل ذلك بعض أفاضل عصرنا

 

(1/469)

 

 

من المحدثين، وجملة القول: أن هذا الحديث عندي منكر لتفرد هذين المجهولين به.

299 - " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إلى خلقه، وإذا نظر الله عز وجل إلى عبده لم يعذبه أبدا، ولله عز وجل فى كل ليلة ألف ألف عتيق من النار ".

موضوع.

رواه ابن فنجويه في " مجلس من الأمالي في فضل رمضان " وهو آخر حديث فيه، وأبو القاسم الأصبهاني في " الترغيب " (ق 180 / 1) عن حماد بن مدرك {الفسنجاني} حدثنا عثمان بن عبد الله أنبأنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا، ومن هذا الوجه رواه الضياء المقدسي في " المختارة " (10 / 100 / 1) وله عنده تتمة ثم قال: عثمان بن عبد الله الشامي متهم في روايته.

وكذلك أورده ابن الجوزي بتمامه في " الموضوعات " (2 / 190) ، ثم قال ما ملخصه: موضوع، فيه مجاهيل، والمتهم به عثمان، يضع.

وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 100 - 101) .

والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (2 / 68 / 69) من رواية الأصبهاني فقط مصدرا بقوله: وروى ... مشيرا بذلك إلى أنه ضعيف أو

 

(1/470)

 

 

موضوع، فكتبت هذا التحقيق لرفع الاحتمال الأول وتعيين أن الحديث موضوع لكي لا يغتر من لا علم عنده بإشارة المنذري المحتملة فيروي الحديث عملا بما زعموه أنه من قواعد الحديث وهو أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال! فينسب بسبب ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل! .

300 - " من قرأ قل هو الله أحد مئتي مرة كتب الله له ألفا وخمس مئة حسنة، إلا أن يكون عليه دين ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي (1 / 848 ـ 849) ، وعنه البيهقي في " الشعب " (1 / 2 / 35 /2) والخطيب (6 / 204) من طريق أبي الربيع الزهراني حدثنا حاتم بن ميمون عن ثابت عن أنس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا حاتم هذا قال ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 270) : منكر الحديث على قلته، يروي عن ثابت ما لا يشبه حديثه، لا يجوز الاحتجاج به بحال، وهو الذي يروي عن ثابت عن أنس رفعه: " من قرأ {قل هو الله أحد} ... " الحديث.

وقال البخاري: روى منكرا، كانوا يتقون مثل هؤلاء المشايخ.

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 244) من طريق الخطيب ثم قال: موضوع، حاتم لا يحتج به بحال.

 

(1/471)

 

 

فتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 238) بأن الترمذي ومحمد بن نصر أخرجاه من طريقه بلفظ آخر، وهذا تعقب لا طائل تحته كما هو بين، واللفظ المشار إليه هو: " من قرأ كل يوم مئتي مرة {قل هو الله أحد} محي عنه ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين ".

أخرجه الترمذي (4 / 50) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 66) من طريق محمد ابن مرزوق حدثني حاتم بن ميمون عن ثابت عن أنس مرفوعا، وقال الترمذي: هذا حديث غريب أي ضعيف ولذا قال ابن كثير في " تفسيره " (4 / 568) : إسناده ضعيف.

قلت: حاتم لا يحل الاحتجاج به بحال كما قال ابن حبان، وأورد ابن الجوزي حديثه هذا في " الموضوعات " باللفظ الذي قبله والطريق واحدة.

ورواه الدارمي (2 / 461) من طريق محمد الوطاء عن أم كثير الأنصارية عن أنس مرفوعا بلفظ: " ... خمسين مرة غفر له ذنوب خمسين سنة ".

قلت: وأم كثير هذه لم أعرفها وكذا الراوي عنها محمد الوطاء، وفي " التفسير "، محمد العطار من رواية أبي يعلى، وقال ابن كثير: إسناده ضعيف.

وقد روى من طرق أخرى عن ثابت به بلفظ: " غفرت له ذنوب مئتي سنة ".

وهو منكر كما تقدم قريبا رقم (295) .

 

(1/472)

 

 

301 - " من قرأ {قل هو الله أحد} في مرضه الذي يموت فيه، لم يفتن في قبره، وأمن من ضغطة القبر، وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 54 / 2 / 5913) وأبو نعيم (2 / 213) من طريق أبي الحارث نصر بن حماد البلخي قال: حدثنا مالك بن عبد الله الأزدي قال: حدثنا يزيد بن عبد الله بن الشخير العنبري عن أبيه مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، المتهم به نصر هذا، وقد تفرد به، كما قال الطبراني، قال ابن معين: كذاب، وشيخه مالك بن عبد الله الأزدي لم أعرفه.

 

(1/473)

 

 

302 - " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ".

موضوع.

ومثله:

 

(1/473)

 

 

303 - " كنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين ".

موضوع.

ذكر هذا والذي قبله السيوطي في ذيل " الأحاديث الموضوعة " (ص 203) نقلا عن ابن تيمية، وأقره، وقد قال ابن تيمية في رده على البكري (ص 9) : لا أصل له، لا من نقل ولا من عقل، فإن أحدا من المحدثين لم يذكره، ومعناه باطل، فإن آدم عليه السلام لم يكن بين الماء والطين قط، فإن الطين ماء

 

(1/473)

 

 

وتراب، وإنما كان بين الروح والجسد، ثم هؤلاء الضلال يتوهمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حينئذ موجودا، وأن ذاته خلقت قبل الذوات، ويستشهدون على ذلك بأحاديث مفتراة، مثل حديث فيه أنه كان نورا حول العرش، فقال: يا جبريل أنا كنت ذلك النور، ويدعي أحدهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفظ القرآن قبل أن يأتيه به جبريل.

ويشير بقوله: " وإنما كان بين الروح والجسد " إلى أن هذا هو الصحيح في هذا الحديث ولفظه: " كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " وهو صحيح الإسناد كما بينته في " الصحيحة " (1856) ، وقال الزرقاني في " شرح المواهب " (1 / 33) بعد أن ذكر الحديثين: صرح السيوطي في " الدرر " بأنه لا أصل لهما، والثاني من زيادة العوام، وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن تيمية، فأفتى ببطلان اللفظين وأنهما كذب، وأقره في " النور " (كذا ولعله " الذيل ") والسخاوي في " فتاويه " أجاب باعتماد كلام ابن تيمية في وضع اللفظين قائلا: وناهيك به اطلاعا وحفظا، أقر له المخالف والموافق، قال: وكيف لا يعتمد كلامه في مثل هذا وقد قال فيه الحافظ الذهبي: ما رأيت أشد استحضارا للمتون وعزو ها منه، وكأن السنة بين عينيه وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة وعين مفتوحة.

304 - " ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه ".

منكر.

رواه الترمذي (3 / 152) وأبو بكر الشافعي في " الرباعيات " (1 / 106 / 1 - 2) وعنه البيهقي في " الآداب " (57 / 53) والعقيلي (455) وأبو

 

(1/474)

 

 

الحسن النعالي في " جزء من حديثه " (124 - 125) وابن بشران في " الأمالي " (18 /6 / 1، 22 / 60 / 1) والقطيعي في " جزء الألف دينار " (35 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 185) وزاهر الشحامي في " السباعيات " (7 / 12 /2) وأبو بكر بن النقور في " الفوائد " (1 / 149 / 1) وابن شاذان في " المشيخة الصغرى " (53 / 2) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (277 / 1) وعبد الله العثماني الديباجي في " الأمالي " (1 / 56 / 1) وابن عساكر في تاريخه (14 / 249 / 2) والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (33 / 1) كل هؤلاء أخرجوه عن يزيد بن بيان المعلم عن أبي الرحال عن أنس مرفوعا، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ: يزيد ابن بيان.

وقال العقيلي: لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به.

قلت: وهو ضعيف، قال الذهبي في " الميزان ": قال الدارقطني: ضعيف، وقال البخاري: فيه نظر، ثم ساق له هذا الحديث وقال: قال ابن عدي: هذا منكر.

قلت: وشيخه أبو الرحال نحوه، قال أبو حاتم: ليس بقوي منكر الحديث، وقال البخاري: عنده عجائب، وقد أشار لضعفه ابن النقور فقال عقب الحديث:

 

(1/475)

 

 

إن هذا الحديث من مفاريد أبي الرحال خالد بن محمد الأنصاري، ولا يرويه عنه غير يزيد ابن بيان، وفيهما نظر، ولا يعرف لأبي الرحال عن أنس غير هذا الحديث الواحد وهو مقل له خمسة أحاديث.

305 - " كن ذنبا ولا تكن رأسا ".

لا أصل له فيما أعلم.

وقد أفاد السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص 154) أنه من كلام إبراهيم بن أدهم أو صى به بعض أصحابه.

ثم رأيته في " الزهد " لأحمد (20 / 80 / 1) من قول شعيب، وهو ابن حرب المدائني الزاهد توفي سنة (197 هـ) .

وهو كلام يمجه ذوقي، ولا يشهد لصحته قلبي، بل هو مباين لما نفهمه من الشريعة وحضها على معالي الأمور والأخذ بالعزائم، فتأمل.

 

(1/476)

 

 

306 - " لعن الله الناظر إلى عورة المؤمن والمنظور إليه ".

موضوع.

رواه ابن عدي في " الكامل " (15 / 2) عن إسحاق بن نجيح عن عباد بن راشد المنقري عن (الحسن) عن عمران بن حصين مرفوعا، وقال: وإسحاق بن نجيح بين الأمر في الضعفاء، وهو ممن يضع الحديث، قال ابن معين: هو من المعروفين بالكذب ووضع الحديث، قال ابن عدي: وهذا الحديث عن عباد بن راشد عن الحسن موضوع.

وأورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 149) من أباطيل إسحاق هذا تبعا للذهبي في " الميزان ".

ويغني عن هذا الحديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم:

 

(1/476)

 

 

" احفظ عورتك إلا عن زوجتك وما ملكت يمينك ... " الحديث وسنده حسن، وقد خرجته " في آداب الزفاف في السنة المطهرة " (ص 34 - 35) من الطبعة الثانية.

307 - " لأن أطعم أخا لي في الله لقمة أحب إلي من أن أتصدق بدرهمين، ولدرهمان أعطيهما إياه أحب إلي من أن أتصدق بعشرين، ولعشرون درهما أعطيها إياه أحب إلي من أن أعتق رقبة ".

موضوع.

رواه ابن بشران (26 / 107) من طريق الحجاج، حدثنا بشر عن الزبير عن أنس مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع، آفته من بشر وهو ابن الحسين كذاب، وهو في نسخة الزبير ابن عدي (54 / 2) ، ولكن الحديث روي بلفظ آخر وهو:

 

(1/477)

 

 

308 - " لأن أطعم أخا في الله مسلما لقمة أحب إلي من أن أتصدق بدرهم، ولأن أعطي أخا في الله مسلما درهما أحب إلي من أن أتصدق بعشرة، ولأن أعطيه عشرة أحب إلي من أن أعتق رقبة ".

ضعيف.

قال السيوطي في " الجامع الصغير ": رواه هناد، والبيهقي في " الشعب " عن بديل مرسلا، قال شارحه المناوي: وفيه الحجاج بن فرافصة، قال أبو زرعة: ليس بقوي، وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين.

 

(1/477)

 

 

قلت: ومن طريقه رواه أبو القاسم الحلبي السراج في " حديث ابن السقاء " (7 / 76 / 2) عنه عن أبي العلاء عن يزيد مرفوعا، كذا في الأصل يزيد ولم أعرفه، ولعله يزيد بن عبد الله بن الشخير، وحينئذ فهو بدل من أبي العلاء فإنها كنية يزيد، وعليه فحرف عن بين الكنية والاسم مقحم من بعض الرواة والله أعلم.

ثم رأيته في " الجامع " لابن وهب (ص 33) عن الحجاج بن فرافصة عن أبي العلاء لم يجاوزه، وقد ذكر الذهبي في ترجمة الحجاج هذا حديثا عنه عن يزيد الرقاشي عن أنس، فلعل يزيد في إسناد هذا الحديث هو الرقاشي، ويكون الحجاج رواه عنه بواسطة أبي العلاء هذا، فإن كان الأمر كما ذكرنا، فهذه علة أخرى في الحديث فإن الرقاشي هذا ضعيف، والله أعلم.

ثم ترجح عندي أن يزيد محرف من بديل، فقد رأيت الحديث في " مسند الفردوس " للديلمي، أورده في آخر حرف لا من طريق حجاج بن فرافصة عن أبي العلاء عن بديل ابن ورقاء العدوي، رفعه.

ثم رأيته كذلك في " زهد هناد " (1 / 345 / 643) من طريق الحجاج بن فرافصة أخبرني أبو العلاء عن بديل مرفوعا.

ثم وجدت له شاهدا أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (189 / 1، من الكواكب 575) أنبأ عبيد الله الوصافي بن الوليد عن أبي جعفر مرفوعا به إلا أنه قال في الجملة الأخيرة: " ولأن أعطي أخا لي الله في الله عشرة دراهم أحب إلي من أن أتصدق على مسكين بمئة درهم "، وهذا سند ضعيف ومرسل، ورواه السهمي في " تاريخ جرجان " (316) عن الفضل بن موسى السيناني عن

 

(1/478)

 

 

الوصافي عن كرز بن وبرة مرفوعا وذكر أن ابن وبرة هذا كان معروفا بالزهد والعبادة ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

309 - " من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء، ومن لم يتق الله فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم ".

موضوع.

أخرجه الحاكم (4 / 317) والخطيب في تاريخه (9 / 373) الشطر الأول منه من طريق إسحاق بن بشر حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن حذيفة مرفوعا، وسكت عليه وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: إسحاق عدم، وأحسب الخبر موضوعا.

قلت: وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 132) من طريق الخطيب وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 316 - 317) بطرق أخرى وشواهد ذكرها.

أما الطرق عن حذيفة فاثنان آخران: الأول: عن أبان عن أبي العالية عن حذيفة أراه رفعه، مثل رواية الخطيب.

قلت: وهذا إسناد لا يستشهد به، لأن أبان وهو ابن أبي عياش كذبه شعبة وغيره، لكنه قد توبع كما سيأتي بعد حديثين.

الآخر: عن عبد الله بن سلمة بن أسلم عن عقبة بن شداد الجمحي عن حذيفة رفعه.

وهذا سند ضعيف جدا، عبد الله هذا ضعفه الدارقطني، وقال أبو نعيم: متروك، وعقبة لا يعرف كما في " الميزان "، وفيه جماعة آخرون لم أعرفهم.

 

(1/479)

 

 

وأما الشواهد فهي من حديث ابن مسعود وأنس وأبي ذر، وكلها لا تصح وقد ذكرتها عقب هذا.

310 - " من أصبح وهمه الدنيا، فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس منا ".

ضعيف جدا.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 29 / 1 / 466 / 2) من طريق يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث الصنعاني عن أبي عثمان النهدي عن أبي ذر مرفوعا، وقال: تفرد به يزيد بن ربيعة، أورده السيوطي في " اللآليء " (2 / 317) وسكت عليه.

وأما الهيثمي فقال في " مجمع الزوائد " (10 / 248) : رواه الطبراني، وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو متروك، وأشار المنذري (3 / 9) إلى تضعيفه.

قلت: وقد أنكر أبو حاتم أحاديثه عن أبي الأشعث كما في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 261) وهذا منها كما ترى، وقال الجوزجاني: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة.

 

(1/480)

 

 

311 - " من أصبح وهمه غير الله عز وجل فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم ".

موضوع.

ابن بشران في " الأمالي " (7 / 105 / 1) و (19 / 3 / 2) والحاكم (4 / 320) من طريق إسحاق بن بشر، حدثنا مقاتل بن سليمان عن حماد عن

 

(1/480)

 

 

إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود مرفوعا، سكت عليه الحاكم، وقال ابن بشران: هذا حديث غريب تفرد به إسحاق بن بشر.

وقال الذهبي في " تلخيص المستدرك ": إسحاق ومقاتل ليسا بثقتين ولا صادقين.

قلت: إسحاق بن بشر أبو حذيفة البخاري كذبه ابن المدني والدارقطني، كما في " الميزان " وساق له هذا الحديث ثم قال عقبه: مقاتل أيضا تالف.

قلت: وابن سليمان هذا هو البلخي، قال وكيع: كان كذابا.

والحديث روي من حديث أنس، فقال أبو حامد الحضرمي الثقة في " حديثه " (156 / 2) أخبرنا سليمان بن عمر، حدثنا وهب بن راشد عن فرقد السبخي عن أنس مرفوعا، ومن هذا الوجه رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 193 / 2) وأبو نعيم (3 / 48) وقال: لم يروه عن أنس غير فرقد، ولا عنه إلا وهب بن راشد، ووهب وفرقد غير محتج بحديثهما وتفردهما.

قلت: فرقد ضعيف لسوء حفظه، ووهب بن راشد هو الرقي، قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 27) : سئل أبي عنه، فقال: منكر الحديث، حدث بأحاديث بواطيل، وقال ابن حبان:

 

(1/481)

 

 

لا يجوز الاحتجاج به بحال.

قلت: فالحمل عليه في هذا الحديث، والراوي عنه سليمان بن عمر الرقي ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 1 / 131) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ووثقه ابن حبان (8 / 280) .

وله طريق أخرى ذكرها السيوطي في " اللآليء المصنوعة " (2 / 316) شاهدا لحديث حذيفة المتقدم من رواية ابن النجار بسنده عن عبد الله بن زبيد الأيامي عن أبان عن أنس مرفوعا، وسكت عنه السيوطي وليس بجيد، فإن عبد الله بن زبيد غير معروف العدالة، ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 62) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ووثقه ابن حبان (7 / 23) ، وشيخه أبان هو ابن أبي عياش كذبه شعبة وغيره، فمثله لا يستشهد به، وله طريق أخرى عن أنس مختصرا بلفظ: من أصبح وأكبر همه الدنيا فليس من الله عز وجل.

أخرجه ابن أبي الدنيا في " ذم الدنيا " (6 / 1) عن الحارث بن مسلم الرازي وكانوا يرونه من الأبدال، عن زياد عنه.

وهذا سند واه جدا، زياد هذا هو ابن ميمون الثقفي وهو كذاب، ويحتمل أنه النميري وهو ضعيف، انظر الحديث (296) والحارث قال السليماني: فيه نظر، وله شاهد عن علي، أخرجه أبو بكر الشافعي في " مسند موسى بن جعفر الهاشمي (70 / 1) وفيه

 

(1/482)

 

 

موسى بن إبراهيم المروزي، كذبه يحيى بن معين.

وروى الحديث عن حذيفة وأبي ذر وابن مسعود، وتقدمت ألفاظهم قريبا، ومن ألفاظ حديث حذيفة:

312 - " من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لا يصبح ويمسي ناصحا لله ورسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 188) و" الأوسط " (2 / 171 / 1 / 7626) وعنه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 252) من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع عن أبي العالية عن حذيفة بن اليمان مرفوعا، وقال: لا يروى عن حذيفة إلا بهذا الإسناد.

قلت: وهو ضعيف من أجل عبد الله بن أبي جعفر وأبيه فإنهما ضعيفان، واقتصر الهيثمي في " المجمع " (1 / 87) في إعلال الحديث على تضعيف الابن فقط وهو قصور، فإن الأب أشد ضعفا من الابن.

 

(1/483)

 

 

313 - " كان خطيئة داود عليه السلام النظر ".

موضوع.

رواه الديلمي بسنده عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن الحسن عن سمرة قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس، وفيهم غلام ظاهر الوضاءة، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم خلف ظهره وقال: فذكره.

قال ابن الصلاح في " مشكل الوسيط ": لا أصل لهذا الحديث.

 

(1/483)

 

 

وقال الزركشي في " تخريج أحاديث الشرح ": هذا حديث منكر، فيه ضعفاء، ومجاهيل، وانقطاع، قال: وقد استدل على بطلانه بقوله صلى الله عليه وسلم: " إني أراكم من وراء ظهري "، كذا في " ذيل الأحاديث الموضوعة " للسيوطي (ص 122 - 123) و" تنزيه الشريعة " لابن عراق (308 / 1 - 2) .

قلت: والاستدلال المذكور فيه نظر، لأن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه إنما هي في حالة الصلاة كما تدل عليه الأحاديث الواردة في الباب، وليس هناك ما يدل على أنها مطلقة في الصلاة وخارجها، فتأمل.

وللحديث طريق أخرى رواه أبو نعيم في " نسخة أحمد بن نبيط " وهي موضوعة كما سيأتي (برقم 562) ، ولعل الحديث أصله من الإسرائيليات التي كان يرويها بعض أهل الكتاب، تلقاها عنه بعض المسلمين، فوهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رأيت الحديث في " كتاب الورع " لابن أبي الدنيا (162 / 2) موقوفا على ابن جبير، فقال: أخبرنا محمد بن حسان السمتي عن خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير قال: " كان فتنة داود عليه السلام في النظر ".

وهذا الإسناد فيه ضعف وهو مع ذلك أولى من المرفوع.

وقصة افتتان داود عليه السلام بنظره إلى امرأة الجندي أو ريا مشهورة مبثوثة في كتب قصص الأنبياء وبعض كتب التفسير، ولا يشك مسلم عاقل في بطلانها لما فيها من نسبة ما لا يليق بمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل محاولته تعريض زوجها للقتل، ليتزوجها من بعده! وقد رويت هذه القصة مختصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فوجب ذكرها والتحذير منها

 

(1/484)

 

 

وبيان بطلانها وهي:

314 - " إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثا وأوحى إلى صاحب البعث فقال: إذا حضر العدوفقرب فلانا، وسماه، قال: فقربه بين يدي التابوت، قال: وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به، فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش الذي يقاتله، فقتل زوج المرأة، ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة ".

باطل.

رواه الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا، كما في " تفسير القرطبي " (15 / 167) ، وقال ابن كثير في تفسيره (4 / 31) : رواه ابن أبي حاتم، ولا يصح سنده لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس، ويزيد وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة.

قلت: والظاهر أنه من الإسرائيليات التي نقلها أهل الكتاب الذين لا يعتقدون العصمة في الأنبياء، أخطأ يزيد الرقاشي فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نقل القرطبي (15 / 176) عن ابن العربي المالكي أنه قال: وأما قولهم: إنها لما أعجبته أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل الله، فهذا باطل قطعا، فإن داود صلى الله عليه وسلم لم يكن ليريق دمه في غرض نفسه.

تنبيه: تبين لنا من رواية ابن أبي حاتم في تفسيره لمثل هذا الحديث الباطل أن ما ذكره في أول كتابه " التفسير ": " أنه تحرى إخراجه بأصح الأخبار إسنادا وأثبتها متنا " كما ذكره ابن تيمية ليس على عمومه فليعلم هذا.

 

(1/485)

 

 

315 - " من أكل مع مغفور له غفر له ".

كذب لا أصل له.

قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} .

وقد استدل بهذه الآية الكريمة بعض العلماء على ضعف الحديث الذي يأثره كثير من الناس: " من أكل مع مغفور له غفر له "، وهذا الحديث لا أصل له، وإنما يروى هذا عن بعض الصالحين أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا رسول الله أنت قلت: " من أكل ... " الحديث، قال: " لا "، ولكني الآن أقوله! وفي " المقاصد " قال شيخنا يعني ابن حجر: كذب موضوع، وسبقه إلى ذلك ابن القيم في " المنار " (ص 51) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في أحاديث سئل عنها (رقم 32) من نسختي: هذا ليس له إسناد عند أهل العلم ولا هو في شيء من كتب المسلمين، إنما يروونه عن سنان وليس معناه صحيحا على الإطلاق، فقد يأكل مع المسلمين الكفار والمنافقون.

 

(1/486)

 

 

316 - " ابدأ بأمك وأبيك وأختك وأخيك والأدنى فالأدنى ولا تنسوا الجيران وذا الحاجة ".

ضعيف جدا بهذا التمام.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 150 / 311) من طريق عباد بن أحمد العرزمي حدثنا عمي عن أبيه عن محمد بن سوقة عن

 

(1/486)

 

 

أبي رفاعة عن معاذ بن جبل قال: أقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أعطي من

فضل ما خولني الله؟ قال: فذكره.

قال الهيثمي في " مجمع الزوائد (3 / 120) : رواه الطبراني في " الكبير " وفيه عباد بن أحمد العرزمي، وهو ضعيف.

قلت: فتعقبه أخونا حمدي السلفي في تعليقه على " المعجم " فقال: قلت بل هو متروك.

أقول ولقد أصاب جزاه الله خيرا، فإن العرزمي هذا لم يترجم إلا بقول الدارقطني فيه: متروك، فهو شديد الضعف.

وعمه الظاهر عندي أنه عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي فإنهم ذكروا أنه يروي عن أبيه قال في " الميزان ": ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم: ليس بقوي.

قلت وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال (7 / 91) : يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه.

قلت: وأبوه محمد بن عبيد الله العرزمي متروك أيضا وهو مترجم في " التهذيب " وغيره، والحديث قد ثبت من حديث طارق المحاربي مرفوعا نحوه دون قوله: " ولا تنسوا الجيران وذا الحاجة ".

 

(1/487)

 

 

ولذلك خرجته هنا وحديث طارق مخرج في " إرواء الغليل " مع أحاديث أخرى بمعناه (834) .

تنبيه: كان هنا في الطبعة السابقة حديث آخر بلفظ: " إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع في الآخرة ".

فنقلته إلى " الصحيحة " (343) لأني وجدت له ما يقويه بلفظه عند ابن ماجه وبنحوه عند آخرين فاقتضى التنبيه وقد كنت نبهت على هذا في فهرس بعض الطبعات التي طبعت على طريقة الأو فست بواسطة المكتب الإسلامي والله تعالى هو المسؤول أن يسدد خطانا وأن يعصمنا من الزلل ومن كل ما لا يرضيه.

317 - " إن موسى بن عمران مر برجل وهو يضطرب، فقام يدعوله أن يعافيه، فقيل له: يا موسى إنه ليس الذي يصيبه خبط من إبليس، ولكنه جوع نفسه لي فهو الذي ترى، إني أنظر إليه كل يوم مرات أتعجب من طاعته لي، فمره فليدع لك فإن له عندي كل يوم دعوة ".

ضعيف.

رواه الطبراني (3 / 132 / 1) : حدثنا جبرون بن عيسى المقريء، أخبرنا يحيى بن سليمان الحفري، أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.

ومن طريقه رواه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 345 - 346) وقال: هذا حديث غريب، لم يروه عن فضيل إلا يحيى بن سليمان، وفيه مقال.

قلت: والراوي عنه جبرون لم أعرفه، ولم يزد الدارقطني في " المؤتلف " (2 /849) على قوله فيه:

 

(1/488)

 

 

" كان يحدث بمصر عن يحيى بن سليمان الحفري نسخة. . . " والله أعلم.

318 - " لكل شيء زكاة وزكاة الدار بيت الضيافة ".

موضوع.

عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للرافعي عن ثابت، وذكره في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 114) من رواية ابن أبي شريح في جزء ميني كذا ولعله بيبى حدثنا أحمد بن عثمان النهرواني، حدثني عبد الله بن عبد القدوس أبو صالح الكرخي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا شعبة عن ثابت عن أنس مرفوعا، وقال السيوطي: أورده أبو سعيد النقاش في " الموضوعات "، وقال: وضعه أحمد أو شيخه، وأقره في " الميزان " (1 / 118) وأورده الجوزجانى في " الأباطيل " (2 / 64) وقال: حديث منكر، وعبد الله بن عبد القدوس مجهول.

قلت: لكن له طريق أخرى عن ثابت، رواه ابن عساكر (14 / 13 / 2) عن أبي طالب عيسى بن محمد الباقلاني بسنده الصحيح عن حماد بن سلمة عن ثابت به، ساقه في ترجمة الباقلاني هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو آفته والله أعلم.

قلت: ثم وجدت له طريقا ثالثة عن أنس أخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (363) عن ابن عدي حدثني محمد بن القاسم بن شريح أبو سعيد بجرجان حدثنا العباس بن محمد الدامغاني حدثنا علي بن الحسين الكوفي حدثنا عقبة بن الزبير حدثنا علي بن عاصم عن حميد الطويل عن أنس به، أورده في ترجمة محمد بن القاسم هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وابن

 

(1/489)

 

 

عاصم ضعيف وعلي بن الحسين رافضي.

319 - " سبعة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول: ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل والمفعول به، والناكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وناكح المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره،

والمؤذي لجاره حتى يلعنه ".

ضعيف.

رواه ابن بشران (86 / 1 - 2) من طريق عبد الله بن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة وشيخه الإفريقي، فإنهما ضعيفان من قبل حفظهما، وقد أورد المنذري في " الترغيب " (3 / 195) قطعة من الحديث وقال: رواه ابن أبي الدنيا والخرائطي وغيرهما، وأشار لضعفه.

 

(1/490)

 

 

320 - " كما تكونوا يولى عليكم ".

ضعيف.

أخرجه الديلمي من طريق يحيى بن هاشم عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن جده عن أبي بكرة مرفوعا، والبيهقي في " الشعب " من طريق يحيى عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق مرسلا، ويحيى في عداد من يضع.

 

(1/490)

 

 

لكن له طريق أخرى عند ابن جميع في " معجمه " (ص 149) والقضاعي في " مسنده " (47 / 1) من جهة أحمد بن عثمان الكرماني عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا.

قال ابن طاهر: والمبارك وإن ذكر بشيء من الضعف فالتهمة على من رواه عنه فإن فيهم جهالة، كذا في " المناوي ".

وقال الحافظ ابن حجر في " تخريج الكشاف " (4 / 25) : وفي إسناده إلى مبارك مجاهيل.

قلت: ومن هذا الوجه رواه السلفي في " الطيوريات " (1 / 282) .

ثم إن الحديث معناه غير صحيح على إطلاقه عندي، فقد حدثنا التاريخ تولي رجل صالح عقب أمير غير صالح والشعب هو هو! .

321 - " من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان ".

موضوع.

رواه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1602) وعنه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (200 / 617) وكذا ابن عساكر (16 / 182 / 2) من طريق أبي يعلى وابن بشران في " الأمالي " (88 / 1) وأبو طاهر القرشي في " حديث ابن مروان الأنصاري وغيره " (2 / 1) من طريق يحيى بن العلاء الرازي عن مروان بن سليمان عن طلحة بن عبيد الله العقيلي عن الحسين بن علي مرفوعا.

قلت: وهذا سند موضوع، يحيى بن العلاء ومروان بن سالم يضعان الحديث.

 

(1/491)

 

 

وعزاه ابن القيم في " تحفة المودود " (ص 9) للبيهقي، ثم قال: وقال: إسناده ضعيف.

قلت: وفيه تساهل لا يخفى، ونحوه قول الهيثمي في " المجمع " (4 / 59) : رواه أبو يعلى وفيه مروان بن سليمان الغفاري وهو متروك.

فتعقبه المناوي في " شرح الجامع الصغير " بقوله: وأقول: تعصيب الجناية برأسه وحده يؤذن بأنه ليس فيه من يحمل عليه سواه، والأمر بخلافه ففيه يحيى بن العلاء البجلي الرازي، قال الذهبي في " الضعفاء والمتروكين ": قال أحمد كذاب وضاع، وقال في " الميزان ": قال أحمد: كذاب يضع، ثم أورد له أخبارا هذا منها.

قلت: وقد خفي وضع هذا الحديث على جماعة ممن صنفوا في الأذكار والأوراد، كالإمام النووي رحمه الله، فإنه أورده في كتابه برواية ابن السني دون أن يشير ولوإلى ضعفه فقط، وسكت عليه شارحه ابن علان (6 / 95) فلم يتكلم على سنده بشيء! ثم جاء ابن تيمية من بعد النووي فأورده في " الكلم الطيب " ثم تبعه تلميذه ابن القيم، فذكره في " الوابل الصيب "، إلا أنهما قد أشارا إلى تضعيفه بتصديرهما إياه بقولهما ويذكر، وهذا وإن كان يرفع عنهما مسؤولية السكوت عن تضعيفه، فلا يرفع مسؤولية إيراده أصلا، فإن فيه إشعارا أنه ضعيف فقط وليس

بموضوع، وإلا لما أورداه إطلاقا، وهذا ما يفهمه كل من وقف عليه في كتابيهما ولا يخفى ما فيه، فقد يأتي من بعدهما من يغتر بصنيعهما هذا وهما الإمامان الجليلان فيقول: لا بأس فالحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال! أو

 

(1/492)

 

 

يعتبره شاهدا لحديث آخر ضعيف يقويه به، ذاهلا عن أنه يشترط في هذا أو ذاك أن لا يشتد ضعفه، وقد رأيت من وقع في شيء مما ذكرت، فقد روى الترمذي بسند ضعيف عن أبي رافع قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة، وقال الترمذي: حديث صحيح، والعمل عليه.

فقال شارحه المباركفوري بعد أن بين ضعف إسناده مستدلا عليه بكلمات الأئمة في راويه عاصم بن عبيد الله: فإن قلت: كيف العمل عليه وهو ضعيف؟ قلت: نعم هو ضعيف، لكنه يعتضد بحديث الحسين بن علي رضي الله عنهما الذي رواه أبو يعلى الموصلي وابن السني! فتأمل كيف قوى الضعيف بالموضوع، وما ذلك إلا لعدم علمه بوضعه واغتراره بإيراده من ذكرنا من العلماء، وكدت أن أقع أنا أيضا في مثله، فانتظر.

نعم يمكن تقوية حديث أبي رافع بحديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد وأقام في أذنه اليسرى.

أخرجه البيهقي في " الشعب " مع حديث الحسن بن علي وقال: وفي إسنادهما ضعف، ذكره ابن القيم في " التحفة " (ص 16) .

قلت: فلعل إسناد هذا خير من إسناد حديث الحسن بحيث أنه يصلح شاهدا لحديث رافع والله أعلم.

فإذا كان كذلك، فهو شاهد للتأذين فإنه الذي ورد في حديث أبي رافع، وأما

 

(1/493)

 

 

الإقامة فهي غريبة، والله أعلم.

وأقول الآن وقد طبع " الشعب ": إنه لا يصلح شاهدا لأن فيه كذابا ومتروكا، فعجبت من البيهقي ثم ابن القيم كيف اقتصرا على تضعيفه حتى كدت أن أجزم بصلاحيته للاستشهاد! فرأيت من الواجب التنبيه على ذلك وتخريجه فيما يأتي (6121) .

322 - " سألت ربي عز وجل أن لا يدخل أحدا من أهل بيتي النار فأعطانيها ".

موضوع.

أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (56 / 1) أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا أبو على الحنفي، حدثنا إسرائيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي رجاء عن عمران بن حصين مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، أبو حمزة الثمالي اسمه ثابت بن أبي صفية ليس بثقة كما قال النسائي وغيره، ومحمد بن يونس هو الكديمي وهو وضاع مشهور.

وقد أساء السيوطي فأورده في " الجامع الصغير " ولم يتكلم عليه شارحه المناوي بشيء إلا أنه قال: وأخرجه ابن سعد والملا في " سيرته " وهو عند الديلمي وولده بلا سند.

وأما في " التيسير " فقال: إسناده ضعيف.

 

(1/494)

 

 

323 - " ما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له قبل أن يستغفر ".

موضوع.

أخرجه الحاكم (4 / 253) من طريق هشام بن زياد عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعا، وقال:

 

(1/494)

 

 

صحيح الإسناد، ورده الذهبي في " تلخيصه " بقوله: قلت: بل هشام متروك، وقال ابن حبان (3 / 88) : يروي الموضوعات عن الثقات والمقلوبات عن الأثبات، حتى يسبق إلى قلب المستمع أنه كان المتعمد لها لا يجوز الاحتجاج به.

وله طريق أخرى بلفظ: " ما أذنب عبد ... ".

قلت: وهو موضوع أيضا، وسيأتي برقم (777) ، والأول من موضوعات " الجامع ".

324 - " من أذنب ذنبا فعلم أن له ربا إن شاء أن يغفره له غفره له وإن شاء عذبه كان حقا على الله أن يغفر له ".

موضوع.

أخرجه أبو الشيخ في " أحاديثه " (18 / 2) والطبراني في " حديثه عن النسائي " (313 / 1) وابن حبان في " الثقات " (2 / 150) والحاكم في " المستدرك " (4 / 242) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 286) ومشرق بن عبد الله الفقيه في " حديثه " (60 / 2) من طريق جابر بن مرزوق المكي عن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبي طوالة عن أنس مرفوعا، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله: قلت: لا والله، ومن جابر حتى يكون حجة؟ ! بل هو نكرة، وحديثه منكر

 

(1/495)

 

 

وقال في ترجمة جابر من " الميزان ": متهم، حدث عنه قتيبة بن سعيد وعلي بن بحر بما لا يشبه حديث الثقات، قاله ابن حبان.

قلت: ومع ذلك ذكره السيوطي في " الجامع "! ويغني عنه ما أخرجه الحاكم قبيل هذا عن أبي هريرة مرفوعا: " أن عبدا أصاب ذنبا فقال: يا رب أذنبت ذنبا فاغفره لي، فقال ربه عز وجل: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له.." الحديث وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

لكن استدراكه على الشيخين وهم، كما كنت ذكرت في تعليقي على " صحيح الجامع " (2099) ، فقد أخرجه البخاري (رقم 7507) ومسلم (8 / 99) وأحمد أيضا (2 / 296 و405 و492) .

325 - " من أذنب ذنبا فعلم أن الله قد اطلع عليه غفر له وإن لم يستغفر ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 272 / 1 / 4633) من طريق إبراهيم بن هراسة عن حمزة الزيات عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن ابن مسعود مرفوعا، قال الهيثمي (10 / 211) : وفيه إبراهيم بن هراسة وهو متروك.

قلت: وكذبه أبو داود وغيره، وانظر الحديث قبله.

ومما يبطل هذه الأحاديث الأربعة ما تقرر في الشريعة أن النجاة لا تكون

 

(1/496)

 

 

بمجرد الندم والعلم أن الله مطلع على المذنب بل لابد من التوبة النصوح.

وسوف يأتي حديث آخر بهذا المعنى (6172) .

326 - " من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مئة شهيد ".

ضعيف جدا.

رواه ابن عدي في " الكامل " (90 / 2) وابن بشران في " الأمالي " (93 / 1 و 141 / 2) عن الحسن بن قتيبة أنبأنا عبد الخالق بن المنذر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، وعلته الحسن بن قتيبة، قال الذهبي في " الميزان ": هالك، قال الدارقطني: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف وقال الأزدى: واهي الحديث، وقال العقيلي: كثير الوهم.

قلت: وشيخه ابن المنذر لا يعرف، وقد عزاه المنذري في " الترغيب " (1 /41) للبيهقي من طريق الحسن هذا.

وروي الحديث بلفظ آخر أقرب من هذا، وهو:

 

(1/497)

 

 

327 - " المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد ".

ضعيف.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 200) من طريق الطبراني وهذا في " الأوسط " (2 / 31 / 5746) حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، حدثنا محمد بن صالح العذري حدثنا (عبد المجيد بن) عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: غريب من حديث عبد العزيز عن عطاء، كذا قال وزاد الطبراني:

 

(1/497)

 

 

تفرد به ابنه عبد المجيد.

قلت: وهو مختلف فيه، وفي " التقريب ": صدوق يخطيء، ومحمد بن صالح العذري بالذال المعجمة أو المهملة لم أعرفه، وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 172) : رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن صالح العدوي (كذا) ولم أر من ترجمه، وبقية رجاله ثقات.

ومنه تعلم أن قول المنذري (1 / 41) : وإسناده لا بأس به، ليس كما ينبغي.

ويغني عنه حديث: " إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم ... " الحديث، وهو مخرج في " الصحيحة " (494) .

328 - " من غدا في طلب العلم صلت عليه الملائكة وبورك له في معاشه ولم ينتقص من رزقه، وكان عليه مباركا ".

موضوع.

ابن بشران (154 / 2) وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " (1 / 45) معلقا من طريق أبي زكريا يحيى بن هاشم، حدثنا مسعر بن كدام عن عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، يحيى بن هاشم كذبه ابن معين وغيره.

 

(1/498)

 

 

وعطية العوفي ضعيف مدلس.

ثم وجدت ليحيى متابعا ضعيفا جدا، أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 26) : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الأنصاري قال: حدثنا مسعر بن كدام به، وقال العقيلي: هذا حديث باطل، ليس له أصل، وليس هذا الشيخ (يعني الأنصاري) ممن يقيم الحديث.

ومن هذا الوجه ذكره السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 43) وقال: أورده ابن الجوزي في " العلل الموضوعات ".

329 - " رحم الله أخي يوسف لولم يقل: {اجعلني على خزائن الأرض} لاستعمله من ساعته، ولكنه أخر لذلك سنة ".

موضوع.

قال الحافظ ابن حجر في " تخريج الكشاف " (4 / 90) : أخرجه الثعلبي عن ابن عباس من رواية إسحاق بن بشر عن جويبر عن الضحاك عنه، وهذا إسناد ساقط ومن طريق الثعالبي رواه الواحدي في " تفسيره " (93 / 1) .

 

(1/499)

 

 

330 - " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إلي لئلا تفتضح عند الأمم، فأوحى الله إلي: يا محمد بل أنا أحاسبهم فإن كان منهم زلة سترتها عنك لئلا تفتضح عندك ".

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسنده (2 / 101) بسنده عن أبي بكر النقاش عن الحسن بن الصقر عن يوسف بن كثير عن داود بن المنذر عن بشر بن سليمان الأشعبي عن الأعرج عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به، وأورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 179) من رواية الديلمي ثم قال: النقاش متهم.

قلت: ومع هذا فقد ذكره في كتابه " الجامع الصغير " من رواية الديلمي عن أبي هريرة! وسكت عليه شارحه المناوي فلم يزد على قوله: ورواه ابن شادني وغيره، كذا، وكأنه لم يقف على إسناده، وإلا لم يجز له السكوت عليه ولا أن يقتصر على تضعيف إسناده في كتابه الآخر " التيسير "، ثم ذكره السيوطي من رواية ابن النجار عن أنس بن مالك نحوه، وفيه محمد بن أيوب الرقي، قال ابن حبان: كان يضع الحديث.

وأورده ابن عراق أيضا في " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة " (ق 400 / 1) .

 

(1/500)

 

 

331 - " أنا ابن الذبيحين ".

لا أصل له بهذا اللفظ.

وفي " الكشف " (1 / 199) :

 

(1/500)

 

 

قال الزيلعي وابن حجر في " تخريج الكشاف ": لم نجده بهذا اللفظ.

قلت: الحديث في التخريج (4 / 141) ونص ابن حجر فيه: قلت: بيض له - يعني الزيلعي - وقد أخرجه.

قلت: كذا قال، والظاهر أنه ترك بياضا في الأصل بعد قوله: أخرجه، لإملائه فيما بعد فلم يتمكن، وكأنه كان يظن أن له أصلا فلم يجده، والله أعلم.

وقد وجدت الحاكم قد علق هذا الحديث مجزوما بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال في " المستدرك " (2 / 559) بعد أن روى أثرين عن ابن عباس وابن مسعود أن الذبيح هو إسحاق: وقد كنت أرى مشايخ الحديث قبلنا وفي سائر المدن التي طلبنا الحديث فيه وهم لا يختلفون أن الذبيح إسماعيل، وقاعدتهم فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا ابن الذبيحين " إذ لا خلاف أنه من ولد إسماعيل وأن الذبيح الآخر أبوه الأدنى عبد الله بن عبد المطلب، والآن فإني أجد مصنفي هذه الأدلة يختارون قول من قال: إنه إسحاق.

قلت: فلعل الحاكم يشير بالحديث المذكور إلى ما أخرجه قبل صفحات (2 / 551) من طريق عبد الله بن محمد العتبي، حدثنا عبد الله بن سعيد (عن) الصنابحي قال:

حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم، فقال بعضهم: الذبيح إسماعيل، وقال بعضهم: بل إسحاق الذبيح، فقال معاوية:

سقطتم على الخبير، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه الأعرابي فقال: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة، والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال، فعد علي بما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين، فتبسم رسول الله

صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، فقلنا: يا أمير المؤمنين وما الذبيحان؟ قال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل

 

(1/501)

 

 

الله أمرها أن ينحر بعض ولده، فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله، فأراد ذبحه، فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: أرض ربك وافد ابنك، قال: ففداه بمئة ناقة، قال:

فهو الذبيح، وإسماعيل الثاني، وسكت عليه الحاكم، لكن تعقبه الذهبي بقوله:

قلت: إسناده واه، وقال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (4 / 18) بعد أن ذكره من هذا الوجه من رواية ابن جرير: وهذا حديث غريب جدا.

وأما ما في " الكشف " نقلا عن " شرح الزرقاني " على " المواهب ": والحديث حسن بل صححه الحاكم والذهبي لتقويه بتعدد طرقه، فوهم فاحش، فإنما قال الزرقاني: هذا في حديث " الذبيح إسحاق " وفيه مع ذلك نظر كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

ثم إن صاحب " الكشف " عقب على ما سبق بقوله: وأقول: فحينئذ لا ينافيه ما نقله الحلبي في سيرته عن السيوطي أن هذا الحديث غريب وفي إسناده من لا يعرف.

قلت: وقد عرفت أن الطرق المشار إليها في كلام الزرقاني ليست لهذا الحديث، فقد اتفق قول الذهبي والسيوطي على تضعيفه.

ومن جهل الدكتور القلعجي أنه جزم بنسبة حديث الترجمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تعليقه على " ضعفاء العقيلي " (3 / 94) ثم ساق عقبه حديث الحاكم وسكت عنه متجاهلا تعقب الذهبي! وبناء على جزمه ذكره في " فهرس الأحاديث الصحيحة " الذي وضعه في آخر الكتاب (ص 505) ! .

 

(1/502)

 

 

332 - " الذبيح إسحاق ".

ضعيف.

عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للدارقطني في " الأفراد " عن ابن مسعود والبزار وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب، وابن مردويه عن أبي هريرة.

قلت: حديث ابن مسعود رواه الطبراني أيضا وفيه مدلس وانقطاع، ولفظه: " أكرم الناس ... "، وسيأتي بتمامه قريبا، وقد رواه الحاكم (1 / 559) عنه مرفوعا بلفظ " الجامع "، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي بأنفيه سنيد بن داود ولم يكن بذاك.

قلت: قال الحافظ ابن كثير في " التفسير " (4 / 17) بعد أن ذكره موقوفا عليه: وهذا صحيح عن ابن مسعود.

قلت: فلعله جاء من طريق غير سنيد.

وحديث العباس رواه البزار في " مسنده " (3 / 103 / 2350) وأبو الحسن الحربي في الثاني من " الفوائد " (170 / 2) عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس مرفوعا باللفظ المذكور أعلاه.

وهذا سند ضعيف، الحسن مدلس وقد عنعنه والمبارك فيه ضعف كما تقدم مرارا وبه أعله الهيثمي فقال: رواه البزار وفيه مبارك بن فضالة وقد ضعفه الجمهور.

قلت: ومع ضعفه فقد اضطرب في روايته فمرة رفعه كما في هذه الرواية، ومرة أوقفه على العباس كما رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (13 / 143 / 2) ، وابن أبي حاتم، وكذلك رواه جماعة عن المبارك به عن العباس موقوفا، كما قال البزار.

 

(1/503)

 

 

وقال الحافظ ابن كثير (4 / 17) : وهذا أشبه وأصح.

قال الزرقاني (1 / 97) : وتعقبه السيوطي بأن مباركا قد رفعه مرة، فأخرجه البزار عنه مرفوعا.

قلت: وهذا تعقب ضعيف لأن مباركا ليس بالحافظ الضابط حتى تقبل زيادته على نفسه بل اضطرابه في روايته دليل على ضعفه كما لا يخفى.

وقد روي من طريق أخرى عن العباس وسيأتي قريبا برقم (335) بلفظ: " قال داود صلى الله عليه وسلم أسألك بحق آبائي ... ".

وحديث أبي هريرة رواه ابن أبي حاتم أيضا والطبراني في حديث طويل سيأتي مع بيان علته قريبا.

وروي من حديث أبي سعيد الخدري أيضا، أخرجه العقيلي (261) وقال: إنه غير محفوظ، وسوف يأتي إن شاء الله بلفظ: " إن داود سأل ربه.. ".

وبالجملة فطرق هذا الحديث كلها ضعيفة ليس فيها ما يصلح أن يحتج به، وبعضها أشد ضعفا من بعض، والغالب أنها إسرائيليات رواها بعض الصحابة ترخصا أخطأ في رفعها بعض الضعفاء، وقد أشار لضعفه القسطلاني في " المواهب " بقوله: إن صح وتعقبه الزرقاني بهذه الطرق وزعم أن حديث العباس رواه الحاكم من طرق

 

(1/504)

 

 

عنه وصححه على شرطهما، وقال الذهبي: صحيح، وفي هذا الزعم أوهام كثيرة سيأتي التنبيه عليها عند الكلام على حديث العباس باللفظ الآخر رقم (336) .

ثم قال الزرقاني (1 / 98) : فهذه أحاديث يعضد بعضها بعضا، فأقل مراتب الحديث أنه حسن فكيف وقد صححه الحاكم والذهبي! .

قلت: الذهبي لم يصححه، والحاكم وهم في تصحيحه كما سيأتي بيانه، والطرق فيها ضعف واضطراب، واحتمال كون متونها إسرائيليات، بل هو الغالب كما سبق، فهذا كله يمنع من القول بأن بعضها يعضد بعضا، ولا سيما وقد ذهب المحققون من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم إلى أن الصواب

في الذبيح أنه إسماعيل عليه السلام، قال ابن القيم في " الزاد " (1 / 21) :

وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب مع أنه باطل بنص كتابهم، فإن فيه أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره، وفي لفظ: وحيده.

ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده ... وكيف يسوغ أن يقال: أن الذبيح إسحاق والله تعالى قد بشر أم إسحاق به وبابنه يعقوب، فقال تعالى عن الملائكة أنهم قالوا لإبراهيم لما أتوه بالبشرى: {لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت، فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} هو د: 71، فمحال أن يبشرها بأنه يكون له ولد ثم يأمر بذبحه.ثم ذكر وجوها أخرى في إبطال أنه إسحاق وتصويب أنه إسماعيل فليراجعها من شاء.

 

(1/505)

 

 

333 - " إن الله تبارك وتعالى خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي، وبين أن يجيب شفاعتي، فاخترت شفاعتي ورجوت أن تكون أعم لأمتي، ولولا الذى سبقني إليه العبد الصالح لتعجلت فيها دعوتي، إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق كرب الذبح، قيل له: يا إسحاق سل تعط، فقال: أما والذي نفسي بيده لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان:

اللهم من مات لا يشرك بك شيئا فاغفر له وأدخله الجنة ".

منكر.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي، حدثنا الوليد ابن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا، كذا في " تفسير ابن كثير " (4 / 16) وقال: هذا حديث غريب منكر، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث، وأخشى أن يكون في الحديث زيادة مدرجة وهي قوله: " إن الله لما فرج عن إسحاق ... " إلخ، والله أعلم.

قلت: وما خشي ابن كثير بعيد، فإن الزيادة المذكورة لها صلة تامة بقوله قبلها: ولولا الذي ... فهي كالبيان له والله أعلم.

وعبد الرحمن بن زيد ضعيف جدا، قال الحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة، لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه.

قلت: وهو راوي حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث موضوع كما سبق بيانه في الحديث رقم (25) . وذكرت هناك احتمال كونه من الإسرائيليات، أخطأ في روايته عبد الرحمن بن

 

(1/506)

 

 

زيد فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأقول هنا: إن هذه الزيادة في الحديث هي من الإسرائيليات أيضا بدليل أن كعب الأحبار حدث بها أبا هريرة كما أخرجه الحاكم (2 / 557) بسنده إلى كعب ثم قال عقبه: هذا إسناد صحيح لا غبار عليه ووافقه الذهبي، وأصرح من هذه الرواية رواية عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري أخبرنا القاسم قال: اجتمع أبوهريرة وكعب، فجعل أبوهريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل كعب يحدث عن الكتب، فقال أبوهريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أن لكل نبي دعوة مستجابة وإني قد خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة "، فقال له كعب: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، قال: أفلا أخبرك عن إبراهيم عليه السلام؟ إنه لما رأى ذبح ابنه إسحاق ... قلت: فذكر القصة وليس فيها هذه الزيادة، ولهذا قال الحافظ ابن كثير بعد أن ذكر بعض الآثار عن بعض الصحابة في أن الذبيح إسحاق: وهذه الأقوال - والله أعلم - كلها مأخوذة عن كعب الأحبار، فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي الله عنه عن كتب قديمة، فربما استمع له عمر رضي الله عنه فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده منها وسميتها وليس لهذه الأمة والله أعلم حاجة إلى حرف واحد مما عنده.

والحديث أخرجه الطبراني في " الأوسط " من هذا الوجه (2 / 138 / 2 / 7136) وهو دليل على أن الذبيح إسحاق عليه السلام، وبه قال بعضهم وهو باطل، والصواب أنه إسماعيل كما سبق بيانه في الحديث الذي قبله، ومثله ما يأتي.

 

(1/507)

 

 

334 - " أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ".

منكر بهذا اللفظ.

رواه الطبراني في " كبيره " (10278) من طريق أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: من أكرم الناس؟ قال:

" يوسف بن يعقوب ... "، الحديث، قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 202) : وفيه بقية مدلس، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

قلت: ولكن بقية قد توبع عليه فقد رواه ابن المظفر في " غرائب شعبة " (138 / 1) عن معاوية بن حفص وبقية معا عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود به، ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود موقوفا عليه، وهو الصواب، أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 18 / 1) ، قال الحافظ ابن

كثير بعد أن ساقه في " تفسيره " (4 / 17) : وهذا صحيح عن ابن مسعود.

قلت: والحديث صحيح مرفوعا دون قوله: " إن إسحاق ذبيح الله "، فإن هذه الزيادة منكرة، فقد أخرج الحديث البخاري (6 / 323 - 324) ومسلم (7 / 103) من حديث أبي هريرة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكرم الناس؟ قال: " أتقاهم لله، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: " فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله بن خليل الله ... "، الحديث ليس فيه " ذبيح الله " فدل على نكارتها.

 

(1/508)

 

 

وقد جاءت أحاديث في أن إسحاق هو الذبيح ولكنها كلها ضعيفة كما سبق بيانه قريبا، ومن ذلك الحديثان الآتيان:

335 - " قال داود صلى الله عليه وسلم: أسألك بحق آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقال: أما إبراهيم فألقي في النار فصبر من أجلي، وتلك بلية لم تنلك، وأما إسحاق فبذل نفسه ليذبح فصبر من أجلي، وتلك بلية لم تنلك، وأما يعقوب فغاب عنه يوسف وتلك بلية لم تنلك ".

ضعيف جدا.

قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 202) : رواه البزار عن العباس من رواية أبي سعيد عن علي بن زيد وأبو سعيد لم أعرفه وعلي بن زيد ضعيف، وقد وثق.

قلت: أبو سعيد هذا هو الحسن بن دينار وهو واه بمرة، فقد أخرج الحديث ابن جرير من طريق زيد بن الحباب عن الحسن بن دينار عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن المطلب، ذكره ابن كثير (4 / 17) وقال: لا يصح، في إسناده ضعيفان وهما الحسن بن دينار البصري متروك، وعلي بن زيد بن

جدعان منكر الحديث.

قلت: والحسن بن دينار كنيته أبو سعيد كما في " الميزان " ولكنه لم يتفرد به بل توبع عليه مختصرا كما في الحديث الآتي بعده.

والحديث رواه ابن مردويه أيضا كما في " شرح المواهب " للزرقاني (1 / 97) .

وذكره ابن تيمية في " القاعدة الجليلة " أنه من الإسرائيليات وهو الأشبه

 

(1/509)

 

 

بالصواب.

قلت: وإن مما يؤكد ذلك أنه لا يشرع في ديننا التوسل بحق الآباء، كما تقدم بيانه تحت الأحاديث المتقدمة (22 - 25) .

336 - " قال نبي الله داود: يا رب أسمع الناس يقولون: رب إسحاق؟ قال: إن إسحاق جاد لي بنفسه ".

ضعيف.

أخرجه الحاكم في " المستدرك " (2 / 556) من طريق زيد بن الحباب عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب مرفوعا، وقال: هذا حديث صحيح، رواه الناس عن علي بن زيد بن جدعان تفرد به.

قلت: وسكت عليه الذهبي ولم يزد على قوله: رواه الناس عن ابن جدعان، وابن جدعان ضعيف منكر الحديث كما تقدم عن ابن كثير في الحديث الذي قبله.

وأما قول الزرقانى في " شرح المواهب " (1 / 97) :

رواه الحاكم من طرق عن العباس، وقال: صحيح على شرطهما، وقال الذهبي: صحيح ورواه ابن مردويه عن أبي هريرة، قال ابن كثير: وفيه الحسن بن دينار متروك وشيخه منكر، ففيه أوهام:

الأول: أنه ليس له عند الحاكم إلا هذه الطريق.

الثاني: أنه إنما صححه مطلقا لم يقل: على شرطهما.

 

(1/510)

 

 

الثالث: أن ابن كثير إنما أعل بما نقله الزرقاني عنه حديث العباس الذي قبله هذا، وأما علة حديث أبي هريرة فهي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما تقدم قبل ثلاثة أحاديث.

337 - " إن جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، فلما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه إسحاق قال لأبيه: يا أبت أو ثقني لا أضطرب، فينتضح عليك من دمي إذا ذبحتني، فشده، فلما أخذ الشفرة فأراد أن يذبحه نودي من خلفه {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} ".

ضعيف بهذا السياق.

أخرجه أحمد (رقم 2795) من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا.

وهذا إسناد ضعيف رجاله كلهم ثقات، وعلته أن عطاء بن السائب كان قد اختلط وسمع منه حماد في هذه الحالة وقبلها أيضا، فقول الزرقاني في " شرح المواهب " (1 / 98) والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المسند ": إسناده صحيح، غير مسلم، ومن المعروف عن الشيخ أحمد أنه يحتج في تصحيح هذا السند بأن حمادا سمع

من عطاء قبل الاختلاط، ذكر ذلك في غير ما موضع من تعليقه على " المسند " وغيره وهو ذهول عما ذكره الحافظ في " تهذيب التهذيب " عن بعض الأئمة أنه سمع منه في الاختلاط أيضا، فلا يجوز حينئذ تصحيح حديثه إلا بعد تبين أنه سمعه منه قبل الاختلاط.

 

(1/511)

 

 

والحديث أخرجه الحاكم (1 / 466) من طريق أخرى عن ابن عباس رفعه دون قصة الذبح، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد (رقم 2707) من طريق ثالث عنه أتم منه، وفيه القصة وفيه تسمية الذبيح إسماعيل، وهو الصواب لما تقدم بيانه في حديث: " الذبيح إسحاق " رقم (332) .

338 - " إن الله عز وجل خلق السموات سبعا، فاختار العليا منها فسكنها، وأسكن سائر سمواته من شاء من خلقه، وخلق الأرضين سبعا فاختار العليا منها فأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم،

واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم ".

منكر.

رواه الطبراني (3 / 210 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (458) وابن عدي (74 / 2 / 301 / 2) وأبو نعيم في " دلائل النبوة " (ص 12) وكذا الحاكم (4 / 73 - 74) وابن قدامة المقدسي في " العلو" (165 - 166) والعراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (2 / 201) من طريقين عن محمد بن ذكوان عن عمرو

ابن دينار عن ابن عمر مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا: محمد بن ذكوان، قال النسائي: ليس بثقة

 

(1/512)

 

 

وضعفه الدارقطني وغيره، وقد قال العقيلي: إنه لا يتابع عليه، لكن أخرجه الحاكم من طريق أخرى عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مرفوعا مختصرا.

قلت: وفي سنده أبو سفيان زياد بن سهيل الحارثي ولم أجد له ترجمة.

والحديث أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 367 - 368) من الطريق الأول وقال عن أبيه: إنه حديث منكر، وأقره الذهبي في ترجمة ابن ذكوان من " الميزان ".

ومما ينبغي أن يعلم أن القطعة الأخيرة من الحديث المتضمنة فضل العرب وفضل الرسول صلى الله عليه وسلم ثابتة في أحاديث صحيحة قد ذكرنا بعضها عند الكلام على الحديث الموضوع: " إذا ذلت العرب ذل الإسلام " وتكلمنا هناك عن مسألة أفضلية العرب على العجم وحقيقتها بشيء من التفصيل فراجع الحديث (163) والذي بعده.

339 - " إن إدريس صلى الله عليه وسلم كان صديقا لملك الموت، فسأله أن يريه الجنة والنار، فصعد بإدريس فأراه النار، ففزع منها وكاد يغشى عليه، فالتف عليه ملك الموت بجناحه، فقال ملك الموت: أليس قد رأيتها؟ قال: بلى، ولم أر كاليوم قط، ثم انطلق به حتى أراه الجنة فدخلها، فقال ملك الموت: انطلق قد رأيتها، قال: إلى أين؟ قال ملك الموت: حيث كنت، قال إدريس: لا والله لا أخرج منها بعد أن

 

(1/513)

 

 

دخلتها، فقيل لملك الموت: أليس أنت أدخلته إياها؟ وإنه ليس لأحد دخلها أن يخرج منها ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " (2 / 177 / 1 / 7406) من طريق إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي أخبرنا حجاج بن محمد عن أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أم سلمة مرفوعا، قال الهيثمي (8 / 199 - 200) : وفيه إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي وهو متروك.

قلت: قال الذهبي في " الميزان ": قلت: هذا رجل كذاب، قال الحاكم: أحاديثه موضوعة.

340 - " سووا بين أولادكم في العطية، فلوكنت مفضلا أحدا لفضلت النساء ".

ضعيف.

أخرجه أبو بكر الآجري في " الفوائد المنتخبة " (1 / 103 / 1) والطبراني (3 / 142 / 2) والحارث بن أبي أسامة في " المسند " (ص 106 - من زوائده) والبيهقي (6 / 177) من طرق أربعة قالوا: حدثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.

وهذا سند ضعيف، ابن يوسف هذا متفق على تضعيفه، وقال الحافظ ابن عدي بعد أن أخرج له هذا (3 / 381) : ليس له أنكر من هذا الحديث، ولذا قال ابن حجر في " التقريب " في ترجمته: ضعيف.

 

(1/514)

 

 

ومنه تعلم أن قوله في " الفتح " (5 / 163) : وإسناده حسن، غير حسن.

والشطر الأول من الحديث صحيح، روى معناه الشيخان وغيرهما من حديث النعمان بن بشير بلفظ: " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " وهو مخرج في الإرواء (1598) ومن أوهام الهيثمي في " مجمعه " (4 / 153) أنه أعله بعبد الله بن صالح فقط وذكر الخلاف فيه، وهو متابع من سائر الجمع ولعله سبب وهم الحافظ.

ثم وجدت الحديث قد رواه أبو محمد الجوهري في " الفوائد المنتقاة " (7 / 2) وعنه ابن عساكر (7 / 184 / 2) من طريق الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

وهذا إسناد معضل، وهذا هو أصل الحديث، فإن الأوزاعي ثقة ثبت، فمخالفة سعيد ابن يوسف إياه إنما هو من الأدلة على وهنه وضعفه.

341 - " كان يرى في الظلمة كما يرى في الضوء ".

موضوع.

رواه تمام في " الفوائد " (207 / 1 - 2 / رقم 2210 - من نسختي) وابن عدي (221 / 2) وعنه البيهقي في " الدلائل " (6 / 75) والخطيب في " التاريخ " (4 / 272) ومكي المؤذن في " حديثه " (236 / 1) والضياء المقدسي في " المنتقى من حديث أبي علي الأو قي " (1 / 2) عن عبد الله بن المغيرة عن المعلى بن هلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا، وقال البيهقي: وهذا إسناد فيه ضعيف.

قلت: بل هو ضعيف جدا، وآفته ابن المغيرة هذا، ويقال فيه: عبد الله بن محمد بن المغيرة، قال العقيلي: يحدث بما لا أصل له، وقال ابن يونس:

 

(1/515)

 

 

منكر الحديث، وساق له الذهبي أحاديث هذا أحدها، ثم قال: وهذه موضوعات، ومع ذلك أورده السيوطي في " الجامع الصغير ".

ثم استدركت فقلت: الحمل فيه على شيخ ابن المغيرة - وهو المعلى بن هلال - أولى ذلك لأنه اتفق النقاد على تكذيبه كما قال الحافظ في " التقريب ".

وتابعه محمد بن المغيرة المزني عن هاشم بن عروة عن أبيه مرسلا به.

أخرجه ابن عساكر (17 / 128 / 2) من طريق مخلص بن موحد بن عثمان التنوخي، أخبرنا أبي، أخبرنا محمد بن المغيرة به، ولم يذكر في موحد هذا جرحا ولا تعديلا.

ومحمد بن المغيرة هذا لم أعرفه، ولعله سقط من النسخة اسم ابنه عبد الله كما في الطريق، ثم قال البيهقي: وروي ذلك من وجه آخر ليس بالقوي، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن الخليل النيسابوري، حدثنا صالح بن عبد الله النيسابوري، حدثنا عبد الرحمن بن عمار الشهيد، حدثنا المغيرة بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا نحوه.

قلت: وهذا إسناد مظلم، فإن من دون المغيرة هذا لم أجد لهم ترجمة.

342 - " لما حملت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحارث، فسمته: عبد الحارث، فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره ".

ضعيف.

أخرجه الترمذي (2 / 181 - بولاق) والحاكم (2 / 545) وابن بشران في " الأمالي " (158 / 2) وأحمد (5 / 11) وغيرهم من طريق عمر بن

 

(1/516)

 

 

إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب مرفوعا، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

قلت: وليس كما قالوا، فإن الحسن في سماعه من سمرة خلاف مشهور، ثم هو مدلس ولم يصرح بسماعه من سمرة وقال الذهبي في ترجمته من " الميزان ": كان الحسن كثير التدليس، فإذا قال في حديث: عن فلان، ضعف احتجاجه.

قلت: وأعله ابن عدي في " الكامل " (3 / 1701) بتفرد عمر بن إبراهيم وقال: وحديثه عن قتادة مضطرب، وهو مع ضعفه يكتب حديثه.

ومما يبين ضعف هذا الحديث الذي فسر به قوله تعالى {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ... } الآية، أن الحسن نفسه فسر الآية بغير ما في حديثه هذا، فلوكان عنده صحيحا مرفوعا لما عدل عنه، فقال في تفسيرها: كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم، ذكر ذلك ابن كثير (2 / 274 - 275) من طرق عنه ثم قال: وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، وانظر تمام كلامه فإنه نفيس، ونحوه في " التبيان في أقسام القرآن " (ص 264) لابن القيم.

 

(1/517)

 

 

343 - " ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب ".

موضوع.

رواه أبو العباس الأصم في " حديثه " (ج 3 رقم 153 من نسختي) والطبراني من طريق أبي عقيل الثقفي عن مجاهد، حدثني عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال: فذكره، قال الطبراني: هذا حديث منكر، وأبو عقيل ضعيف الحديث، وهذا معارض لكتاب الله عز وجل، نقله السيوطي في " ذيل الموضوعات " (ص 5) .

وأما ما جاء في " صحيح البخاري " (7 / 403 - 409) من حديث البراء رضي الله عنه في قصة صلح الحديبية: فلما كتب الكتاب، كتبوا: " هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله "، قالوا: لا نقر لك بهذا، لونعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا ولكن أنت محمد بن عبد الله، فقال: " أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله "، ثم قال لعلي: " امح رسول الله "، قال علي: والله لا أمحوك أبدا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى محمد بن عبد الله.. فليس على ظاهره بل هو من باب بنى الأمير المدينة، أي

أمر.

والدليل على هذا رواية البخاري أيضا (9 / 351 - 381) في هذه القصة من حديث المسور بن مخرمة بلفظ: " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله "، ومثله في " صحيح مسلم " (5 / 175) من حديث أنس، ولهذا قال السهيلي: والحق أن معنى: قوله " فكتب " أي: أمر عليا أن يكتب، نقله الحافظ

في " الفتح " (7 / 406) وأقره وذكر أنه مذهب الجمهور من

 

(1/518)

 

 

العلماء، وأن النكتة في قوله: فأخذ الكتاب ... ، لبيان أن قوله: " أرني إياها " أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه لا يحسن الكتابة.

344 - " ما من عبد يحب أن يرتفع في الدنيا درجة فارتفع إلا وضعه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول، ثم قال: {وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} ".

موضوع.

أخرجه الطبراني (6 / 234) وأبو نعيم (4 / 203 - 204) من طريق عبد الغفور ابن سعد الأنصاري عن أبي هاشم الرماني عن زاذان عن سلمان الفارسي مرفوعا.

وهذا سند موضوع، قال ابن حبان في " الضعفاء (2 / 148) : عبد الغفور كان ممن يضع الحديث، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال البخاري: تركوه، وبه أعله في " المجمع " (7 / 49) ، ومع ذلك ذكره في " الجامع ".

 

(1/519)

 

 

345 - " يقوم الرجل للرجل، إلا بني هاشم فإنهم لا يقومون لأحد ".

موضوع.

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 289 / 7946) وأبو جعفر الرزاز في " ستة مجالس من الأمالي " (ق 232 / 2) عن جعفر بن الزبير عن

 

(1/519)

 

 

القاسم عن أبي أمامة مرفوعا.

قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 40) بعدما عزاه للطبراني: وفيه جعفر بن الزبير، وهو متروك.

قلت: بل هو كذاب وضاع، وقد سبقت له عدة أحاديث هو المتهم بها، ولذلك كذبه شعبة وقال: وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مئة حديث.

ومما يدل على وضع هذا الحديث أنه يقرر عادة تخالف ما كان عليه الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد بني هاشم فإنهم كانوا لا يقومون له صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من كراهيته لذلك، كما سيأتي في الحديث الذي بعده، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، على أنه قد جاء ما يخالف هذا الحديث نصا، ولكن إسناده ضعيف عندنا فلا يحتج به وهو الآتي بعده.

ثم وجدت للحديث طريقا آخر، فقال ابن قتيبة في " كتاب العرب أو الرد على الشعوبية " (292 - من رسائل البلغاء) : وحدثني يزيد بن عمرو عن محمد بن يوسف عن أبيه عن إبراهيم عن مكحول مرفوعا نحوه.

قلت: وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة، وفيه علتان:

الأولى: الإرسال، فإن مكحولا تابعي.

والأخرى: يزيد بن عمرو شيخ ابن قتيبة، فلم أعرفه.

ثم وجدت له طريقا ثالثا بلفظ: " لا يقومن أحد ... " وسيأتي، ويعارضه الحديث الآتي:

 

(1/520)

 

 

346 - " لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا ".

ضعيف.

وفي إسناده اضطراب وضعف وجهالة، أخرجه أبو داود (2 / 346) وأحمد (5 / 253) من طريق عبد الله بن نمير، والرامهرمزي في " الفاصل " (ص 64) وتمام في " الفوائد " (41 / 2) عن يحيى بن هاشم كلاهما عن مسعر عن أبي العنبس عن أبي العدبس عن أبي مرزوق عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا، فقمنا إليه فقال ... فذكره.

ثم أخرجه أحمد عن سفيان عن مسعر عن أبي عن أبي عن أبي منهم أبو غالب عن أبي أمامة به، ورواه عبد الغني المقدسي في " الترغيب في الدعاء " (93 / 2) عن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن أبي مرزوق عن أبي العنبس عن أبي العدبس عن أبي أمامة، ثم أخرجه أحمد (5 / 256) والروياني في " مسنده " (30 / 225 /2) من طريق يحيى بن سعيد عن مسعر، حدثنا أبو العدبس عن أبي خلف، حدثنا أبو مرزوق قال: قال أبو أمامة.

وقال الروياني: اليهود بدل الأعاجم، وأخرجه ابن ماجه (2 / 431) من طريق وكيع عن مسعر عن أبي مرزوق عن أبي وائل عن أبي أمامة.

وهذا اضطراب شديد يكفي وحده في تضعيف الحديث، فكيف وأبو مرزوق لين، كما قال الحافظ في " التقريب " وقال الذهبي في " الميزان ": قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به، ثم ساق له هذا الحديث من الطريق الأول، ثم ساقه من طريق ابن ماجه، إلا

 

(1/521)

 

 

أنه قال: أبي العدبس بدل أبي وائل ثم قال: وهذا غلط وتخبيط، وفي بعض النسخ: عن أبي وائل بدل عن أبي العدبس، وأبو العدبس مجهول كما في " الميزان " للذهبي و" التقريب " لابن حجر، وبه أعل الحديث الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 181) .

وقد ذهل المنذري عن علة الحديث الحقيقية وهي الجهالة والضعف والاضطراب الذي فصلته، فذهب يعله في " مختصر السنن " (8 / 93) بأبي غالب، فذكر أقوال العلماء فيه وهي مختلفة، والراجح عندي أنه حسن الحديث، ولم يرجح المنذري ها هنا شيئا، وأما في " الترغيب والترهيب " (3 / 269 - 270) فقال بعد أن عزاه لأبي داود وابن ماجه: وإسناده حسن، فيه أبو غالب، فيه كلام طويل ذكرته في " مختصر السنن " وغيره والغالب عليه التوثيق، وقد صحح له الترمذي وغيره.

قلت: والحق أن الحديث ضعيف وعلته ممن دون أبي غالب كما سبق.

نعم معنى الحديث صحيح من حيث دلالته على كراهة القيام للرجل إذا دخل، وقد جاء في ذلك حديث صحيح صريح، فقال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما كان شخص في الدنيا أحب إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك.

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 136) والترمذي (4 / 7) وصححه والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " وأحمد أيضا في " المسند " (3 / 132) وسنده صحيح على شرط مسلم، ورواه آخرون كما تراه في " الصحيحة " (358) .

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره هذا القيام لنفسه وهي المعصومة من نزغات

 

(1/522)

 

 

الشيطان، فبالأحرى أن يكرهه لغيره ممن يخشى عليه الفتنة، فما بال كثير من المشايخ وغيرهم قد استساغوا هذا القيام وألفوه كأنه أمر مشروع، كلا بل إن بعضهم ليستحبه مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم: " قوموا إلى سيدكم " ذاهلين عن الفرق بين القيام للرجل احتراما وهو المكروه، وبين القيام إليه لحاجة مثل الاستقبال والإعانة عن النزول، وهو المراد بهذا الحديث الصحيح، ويدل عليه رواية أحمد له بلفظ: " قوموا إلى سيدكم فأنزلوه " وسنده حسن وقواه الحافظ في " الفتح "، وقد خرجته في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " رقم (67) ، وللشيخ

القاضي عز الدين عبد الرحيم بن محمد القاهري الحنفي (ت: 851 هـ) رسالة في هذا الموضوع أسماها " تذكرة الأنام في النهي عن القيام " لم أقف عليها، وإنما ذكرها كاتب حلبي في " كشف الظنون ".

347 - " لا تزال الأمة على شريعة ما لم تظهر فيهم ثلاث: ما لم يقبض منهم العلم، ويكثر فيهم ولد الخبث، ويظهر السقارون، قالوا: وما السقارون يا رسول الله؟ قال: بشر يكونون فى آخر الزمان تكون تحيتهم بينهم إذا تلاقوا اللعن ".

منكر.

أخرجه الحاكم (4 / 444) وأحمد (3 / 439) عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه مرفوعا، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ورده الذهبي بقوله: قلت: منكر، وزبان لم يخرجا له.

قلت: وزبان قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته.

 

(1/523)

 

 

348 - " هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون: يعني مروان بن الحكم ".

موضوع.

أخرجه الحاكم (4 / 479) من طريق ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال ... فذكره، قال الحاكم: صحيح الإسناد ورده الذهبي بقوله: قلت: لا والله، وميناء كذبه أبو حاتم.

قلت: وقال ابن معين في كتاب " التاريخ والعلل " (13 / 2) : ليس بثقة ولا مأمون، وربما قال: من ميناء أبعده الله؟ ! ، وقال يعقوب بن سفيان: غير ثقة ولا مأمون، يجب أن لا يكتب حديثه.

 

(1/524)

 

 

349 - " رحم الله حميرا، أفواههم سلام، وأيديهم طعام، وهم أهل أمن وإيمان ".

موضوع.

أخرجه الترمذي (4 / 378) وأحمد (2 / 278) ومن طريقه العراقي في " المحجة " (46 / 2) عن ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت أبا هريرة يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل أحسبه

من قيس، فقال: يا رسول الله ألعن حميرا؟ فأعرض عنه، ثم جاءه من الشق الآخر فأعرض عنه، فقال النبي

 

(1/524)

 

 

صلى الله عليه وسلم: ... فذكره، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ويروي عن ميناء أحاديث مناكير.

قلت: وقد كذبه أبو حاتم كما تقدم في الحديث الذي قبله.

والحديث ذكره السيوطي في " الجامع " من رواية أحمد والترمذي، ولم يتكلم عليه شارحه المناوي بشيء! لا في " الفيض "، ولا في " التيسير ".

350 - " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ".

لا أصل له بهذا اللفظ.

وقد قال الشيخ ابن تيمية: والله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا، وإنما المعروف ما روى مسلم أن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية "، وأقره الذهبي في " مختصر منهاج السنة " (ص 28) وكفى بهما حجة، وهذا الحديث رأيته في بعض كتب الشيعة، ثم في بعض كتب القاديانية يستدلون به على وجوب الإيمان بدجالهم ميرزا غلام أحمد المتنبي، ولوصح هذا الحديث لما كان فيه أدنى إشارة إلى ما زعموا، وغاية ما فيه وجوب اتخاذ المسلمين إماما يبايعونه، وهذا حق كما دل عليه حديث مسلم وغيره.

ثم رأيت الحديث في كتاب " الأصول من الكافي " للكليني من علماء الشيعة رواه (1 / 377) عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن الفضيل عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله مرفوعا، وأبو عبد الله هو الحسين بن علي رضي الله عنهما.

لكن الفضيل هذا وهو الأعور أورده الطوسي الشيعي في " الفهرست " (ص

 

(1/525)

 

 

126) ثم أبو جعفر السروي في " معالم العلماء " (ص 81) ، ولم يذكرا في ترجمته غير أن له كتابا! وأما محمد بن عبد الجبار فلم يورداه مطلقا، وكذلك ليس له ذكر في شيء من كتبنا، فهذا حال هذا الإسناد الوارد في كتابهم " الكافي " الذي هو أحسن كتبهم كما جاء في المقدمة (ص 33) ، ومن أكاذيب الشيعة التي لا يمكن حصرها قول الخميني في " كشف الأسرار " (ص 197) : وهناك حديث معروف لدى الشيعة وأهل السنة منقول عن النبي: ... ثم ذكره دون أن يقرنه بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وهذه عادته في هذا الكتاب! فقوله: وأهل السنة كذب ظاهر عليه لأنه غير معروف لديهم كما تقدم بل هو بظاهره باطل إن لم يفسر بحديث مسلم كما هو محقق في " المنهاج " و" مختصره " وحينئذ فالحديث حجة عليهم فراجعهما.

351 - " يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة ".

موضوع.

أخرجه الترمذي (4 / 328) وابن عدي (59 / 1، 69 / 1) والحاكم (3 / 14) من طريق حكيم بن جبير عن جميع بن عمير عن ابن عمر قال: لما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين أصحابه، فجاء علي رضي الله عنه تدمع عيناه فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك، ولم تواخ بيني وبين أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... الحديث، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وتعقبه الشارح المباركفوري فقال: حكيم بن جبير ضعيف، ورمي بالتشيع.

قلت: تعصيب الجناية برأس حكيم هذا وحده ليس من الإنصاف في شيء

 

(1/526)

 

 

وذلك لأمرين:

الأول: أن شيخه جميع بن عمير متهم، قال الذهبي: قال ابن حبان: رافضي يضع الحديث، وقال ابن نمير: كان من أكذب الناس، ثم ساق له هذا الحديث.

الآخر: أن ابن جبير لم يتفرد به عن جميع، فقد تابعه سالم بن أبي حفصة وهو ثقة، لكن في الطريق إليه إسحاق بن بشر الكاهلي وقد كذبه ابن أبي شيبة، وموسى بن هارون، وقال الدارقطني: هو في عداد من يضع الحديث، أخرجه من طريقه الحاكم أيضا، فتعقبه الذهبي بقوله: قلت: جميع اتهم، والكاهلي هالك، وتابعه أيضا كثير النواء، رواه ابن عدي، فآفة الحديث جميع هذا، وقد قال ابن عدي: وعامة ما يرويه لا يتابعه غيره عليه، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وحديث مواخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكاذيب، وأقره الحافظ الذهبي في " مختصر منهاج السنة " (ص 317) .

352 - " يا علي أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة ".

موضوع.

أخرجه الخطيب (12 / 268) من طريق عثمان بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي مرفوعا.

 

(1/527)

 

 

قلت: وهذا سند موضوع، عثمان بن عبد الرحمن هو القرشي وهو كذاب كما تقدم مرارا، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأحاديث المواخاة كلها كذب، وأقره الذهبي في " مختصر المنهاج " (ص 460) .

353 - " إن الله تعالى أوحى إلي فى علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: أنه سيد المؤمنين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 210) عن مجاشع بن عمرو حدثنا عيسى بن سوادة النخعي حدثنا هلال بن أبي حميد الوزان عن عبد الله بن عكيم الجهني مرفوعا، وقال: تفرد به مجاشع.

قلت: وهو كذاب، وكذا شيخه عيسى بن سوادة، وبه وحده أعله الهيثمي في " المجمع " (9 / 121) فقصر، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا حديث موضوع عند من له أدنى معرفة بالحديث، ولا تحل نسبته إلى الرسول المعصوم، ولا نعلم أحدا هو سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين غير نبينا صلى الله عليه وسلم، واللفظ مطلق، ما قال فيه من بعدي، وأقره الذهبي في " مختصر المنهاج " (ص 473) .

 

(1/528)

 

 

354 - " خلق الله تعالى آدم من طين الجابية، وعجنه بماء الجنة ".

منكر.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (8 / 1) وعنه الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 119) وكذا الضياء في " المجموع " (60 / 2) عن هشام بن

 

(1/528)

 

 

عمار: أخبرنا الوليد بن مسلم عن إسماعيل بن رافع عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعا.

وهذا سند ضعيف جدا، إسماعيل بن رافع قال الدارقطني وغيره: متروك الحديث وقال ابن عدي: أحاديثه كلها مما فيه نظر، ثم ساق له هذا الحديث، ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 190) ، وقال: لا يصح، إسماعيل ضعفه يحيى وأحمد، والوليد يدلس.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " بقوله: قلت: إسماعيل روى له الترمذي، ونقل عن البخاري أنه قال: هو ثقة مقارب الحديث.

قلت: وهذا تعقب لا طائل تحته، لأن الرجل قد يكون في نفسه ثقة، ولكنه سيء الحفظ، وقد يسوء حفظه جدا حتى يكثر الخطأ في حديثه فيسقط الاحتجاج به، وإسماعيل من هذا القبيل فقد قال فيه ابن حبان: كان رجلا صالحا إلا أنه كان يقلب الأخبار حتى صار الغالب على حديثه المناكير التي يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها.

ولهذا تركه جماعة وضعفه آخرون، والبخاري كأنه خفي عليه أمره، والجرح المفسر مقدم على التعديل، كما هو معلوم، ولهذا قال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 297) عن أبيه: هذا حديث منكر.

 

(1/529)

 

 

355 - " الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس الذي قال: {يا قوم اتبعوا المرسلين} ، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} ، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم ".

موضوع.

ذكره السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أبي نعيم في " المعرفة " وابن عساكر عن ابن أبي ليلى، ولم يتكلم عليه شارحه المناوي بشيء، غير أنه قال: رواه ابن مردويه والديلمي، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا حديث كذب، وأقره الذهبي في " مختصر المنهاج " (ص 309) وكفى بهما حجة، وإن من أكاذيب الشيعة التي يقلد فيها بعضهم بعضا أن ابن المطهر الشيعي عزاه في كتابه لرواية أحمد، فأنكره عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رده عليه فقال: لم يروه أحمد لا في " المسند " ولا في " الفضائل " ولا رواه أبدا، وإنما زاده القطيعي عن الكديمي، حدثنا الحسن بن محمد الأنصاري، حدثنا عمرو بن جميع، حدثنا ابن أبي ليلى عن أخيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه مرفوعا.

 

(1/530)

 

 

فعمرو هذا قال فيه ابن عدي الحافظ: يتهم بالوضع، والكديمي معروف بالكذب، فسقط الحديث، ثم قد ثبت في الصحيح تسمية غير علي صديقا، ففي " الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان ... " ضعفه ونكارته، فمن قواه من المعاصرين، فقد جانبه الصواب، ولربما الإنصاف أيضا، وأقره الذهبي في " مختصره " (ص 452 - 453) ، لكن عزو هذا الحديث الصحيح لمسلم وهم، كما بينته في " الصحيحة " تحت الحديث (875) .

ثم وجدت الحديث رواه أبو نعيم أيضا في " جزء حديث الكديمي " (31 / 2) وسنده هكذا: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الأنصاري، حدثنا عمرو بن جميع عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه مرفوعا.

356 - " النظر فى المصحف عبادة، ونظر الولد إلى الوالدين عبادة، والنظر إلى علي بن أبي طالب عبادة ".

موضوع.

أخرجه ابن الفراتي من طريق محمد بن زكريا بن دينار حدثنا العباس بن بكار حدثنا عباد بن كثير عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا.

ذكره السيوطي في " اللآليء " (1 / 346) شاهدا وسكت عليه! وهو موضوع فإن محمد بن زكريا هو الغلابي وهو معروف بالوضع.

والجملة الأخيرة منه أوردها ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية جماعة من الصحابة وأعلها كلها، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 342 - 346) بمتابعات وشواهد كثيرة ذكرها، ولذلك أورده في " الجامع الصغير " وقد صحح الذهبي في " تلخيص المستدرك " (3 / 141) أحد شواهده، وفيه نظر بينته فيما سيأتي

 

(1/531)

 

 

إن شاء الله برقم (4702) .

357 - " علي إمام البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله ".

موضوع.

أخرجه الحاكم (3 / 129) والخطيب (4 / 219) من طريق أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن عثمان قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... فذكره، وقال: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: بل والله موضوع، وأحمد كذاب، فما أجهلك على سعة معرفتك!

قلت: وفي " الميزان ": قال ابن عدي: يضع الحديث، ثم ساق له هذا الحديث، وقال الخطيب: هو أنكر ما روى.

 

(1/532)

 

 

358 - " السبق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين والسابق إلى محمد صلى الله عليه وسلم علي بن أبى طالب ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني (3 / 111 / 2) عن الحسين بن أبي السري العسقلاني، أنبأنا حسين الأشقر، أنبأنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن

 

(1/532)

 

 

ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا إن لم يكن موضوعا، فإن حسين الأشقر وهو ابن الحسن الكوفي شيعي غال، ضعفه البخاري جدا فقال في " التاريخ الصغير " (230) : عنده مناكير، وروى العقيلي في " الضعفاء " (90) عن البخاري أنه قال فيه: فيه نظر، وفي " الكامل " لابن عدي (97 / 1) : قال السعدي: كان غاليا، من الشتامين للخيرة، ووثقه بعضهم ثم قال ابن عدي: وليس كل ما يروي عنه من الحديث الإنكار فيه من قبله، فربما كان من قبل من يروي عنه، لأن جماعة من ضعفاء الكوفيين يحيلون بالروايات على حسين الأشقر، على أن حسينا في حديثه بعض ما فيه.

قلت: وكأن ابن عدي يشير بهذا الكلام إلى مثل هذا الحديث فإنه من رواية الحسين ابن أبي السري عنه، فإنه مثله بل أشد ضعفا، قال الذهبي: ضعفه أبو داود، وقال أخوه محمد: لا تكتبوا عن أخي فإنه كذاب، وقال أبو عروبة الحراني: هو خال أبي وهو كذاب، ثم ساق له هذا الحديث من طريق الطبراني.

وقال الحافظ ابن كثير في " التفسير " (3 / 570) :

هذا حديث منكر، لا يعرف إلا من طريق حسين الأشقر، وهو شيعي متروك، ونقل نحوه المناوي عن العقيلي، ونقل عنه الحافظ في " تهذيب التهذيب " أنه

 

(1/533)

 

 

قال:

لا أصل له عن ابن عيينة، وليس هذا في نسختنا من " الضعفاء " للعقيلى. والله أعلم.

ثم إن المناوي وهم وهما فاحشا في كتابه الآخر: " التيسير " وقال فيه: إسناده حسن أو صحيح.

359 - " كل أحد أحق بماله من والده وولده والناس أجمعين ".

ضعيف.

أخرجه الدارقطني في " سننه " (4 / 235 / 112) ومن طريقه البيهقي في " سننه " (10 / 319) من طريق هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى عن حبان بن أبي جبلة مرفوعا، وأعله البيهقي بقوله: هذا مرسل، حبان بن أبي جبلة القرشي من التابعين.

قلت: وهو ثقة، لكن الراوي عنه لم أعرفه.

ثم عرفته من " تاريخ البخاري " وغيره وذكر أن بعضهم قلب اسمه فقال: يحيى بن عبد الرحمن وهكذا أورده ابن حبان في " ثقاته " (7 / 609) وهو عندي صدوق كما حققته في " التيسير " وظن العلامة أبو الطيب في تعليقه على الدارقطني أنه عبد الرحمن بن يحيى الصدفي أخومعاوية بن يحيى لينه أحمد، وهو وهم فإن هذا دمشقي كما في " تاريخ ابن عساكر " (10 / 242) ويروي عن هشيم، وذاك مصري عنه هشيم كما ترى فالعلة الإرسال.

والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للبيهقي في " سننه " ورمز له بالصحة!

وقد تعقبه المناوي في شرحه فقال: أشار المصنف لصحته، وهو ذهول أو قصور، فقد استدرك عليه الذهبي في " المهذب " فقال: قلت: لم يصح مع انقطاعه.

 

(1/534)

 

 

قلت: وأخرجه البيهقي أيضا (6 / 178) من طريق سعيد بن أبي أيوب عن بشير بن أبي سعيد عن عمر بن المنكدر مرفوعا مرسلا دون قوله: " من والده ... " وبشير وعمر لم أعرفهما، ولكن في " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (1 / 1 /374) ما نصه: بشير بن سعيد المدني، روى عن محمد بن المنكدر، روى عنه سعيد ابن أبي أيوب، سمعت أبي يقول ذلك.

والظاهر أنه هو هذا، ولكن وقع تحريف في اسمه واسم شيخه من نسخة " الجرح " أو " السنن " والله أعلم.

ثم ترجح أن التحريف في " السنن " فقد جاء في " التاريخ "، و" ثقات ابن حبان " (6 / 101) مثل ما في " الجرح " إلا أنهما قالا: ... ابن سعد مكان: ... ابن أبي سعيد، والباقي مثله فهو من مرسل محمد بن المنكدر، والله أعلم.

ومن الغرائب أن بعضهم استدل بهذا الحديث على عدم وجوب التسوية بين الأولاد في العطية، خلافا للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشر والد النعمان - وكان أعطى أحد أولاده غلاما -: " أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " أخرجه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث النعمان بن بشير، وفي رواية لمسلم وغيره: " فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق " وفي رواية: " فإني لا أشهد على جور ". وانظر الحديث المتقدم (340) .

 

(1/535)

 

 

ومع أن هذا الحديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، فإنه لا يخالف حديث النعمان بن بشير، والتوفيق بينهما ممكن، وذلك أن يقال: هذا عام، وحديث النعمان خاص وهو مقدم عليه، فيكون معنى الحديث لوصح: كل أحد أحق بماله إذا صح أنه ماله شرعا، وابن بشير لم يتملك الغلام شرعا كما أفاده حديث النعمان، فلا تعارض، وراجع لهذا البحث " الروضة الندية في شرح الدرر البهية " (2 / 164 - 166) .

360 - " لا تجوز الهبة إلا مقبوضة ".

لا أصل له مرفوعا.

وإنما رواه عبد الرزاق من قول النخعي، كما ذكره الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 121) ، ولا دليل في السنة على اشتراط القبض في " الهبة " ومن أبواب البخاري في " صحيحه ": باب من رأى الهبة الغائبة جائزة، فانظر (5 / 160) من " فتح البارى ".

 

(1/536)

 

 

361 - " إذا كانت الهبة لذي رحم لم يرجع فيها ".

منكر.

أخرجه الدارقطني (ص 307) والحاكم (2 / 52) والبيهقي (6 / 181) من طريق الحسن عن سمرة بن جندب مرفوعا.

وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، وخالفه تلميذه البيهقي فقال: ليس إسناده بالقوي.

وهذا هو الصواب للخلاف المعروف في سماع الحسن وهو البصري من

 

(1/536)

 

 

سمرة، ثم هو مدلس وقد عنعنه، فأنى له الصحة؟ وقد نقل الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 117) عن صاحب " التنقيح " وهو العلامة ابن عبد الهادي أنه قال: ورواة هذا الحديث كلهم ثقات، ولكنه حديث منكر، وهو من أنكر ما روى عن الحسن عن سمرة.

قلت: وهو مخالف للحديث الصحيح: " لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية فيرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم رجع في قيئه " أخرجه أحمد (رقم 2119) بسند صحيح، وأصحاب " السنن " وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر وابن عباس مرفوعا. وهو مخرج في " الإرواء " تحت الحديث رقم (1622) .

تنبيه: عزا صديق خان في " الروضة الندية " (2 / 168) هذا الحديث لرواية الدارقطني أيضا من حديث ابن عباس، وهو وهم، فإن حديث ابن عباس عنده حديث آخر غير هذا، وهو:

362 - " من وهب هبة فارتجع بها فهو أحق بها ما لم يثب عليها، ولكنه كالكلب يعود في قيئه ".

ضعيف.

أخرجه الدارقطني في " سننه " (307) من طريق إبراهيم بن أبي يحيى عن محمد بن عبيد الله عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا.

قال الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 125) : وأعله عبد الحق في " أحكامه " بمحمد بن عبيد الله العرزمي، قال ابن القطان

 

(1/537)

 

 

كالمتعقب عليه: وهو لم يصل إلى العرزمي إلا على لسان كذاب، وهو إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، فلعل الجناية

منه، انتهى.

قلت: والعرزمي متروك كما في " التقريب "، لكن قد روي بسند أصلح من هذا أخرجه الطبراني (11317) من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء به، وابن أبي ليلى سيء الحفظ.

363 - " من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها ".

ضعيف.

أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 307) والحاكم (2 / 52) وعنه البيهقي (6 / 180 - 181) من طريقين عبيد الله بن موسى، أنبأ حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله عن ابن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، إلا أن يكون الحمل فيه على شيخنا يعني إسحاق بن محمد بن خالد الهاشمي

. ولم يتعقبه الذهبي في " تلخيص المستدرك " بشيء على ما في النسخة المطبوعة، لكن قال المناوي في شرح " الجامع الصغير ":

" وقفت على نسخة من " تلخيص المستدرك " للذهبى بخطه، فرأيته كتب على الهامش بخطه ما صورته: موضوع ".

وأما في " الميزان " فقال في ترجمة إسحاق هذا: روى عنه الحاكم واتهمه.

ونقل الحافظ في " اللسان " قول الحاكم المتقدم في شيخه وعقبه بقوله:

قلت: الحمل فيه عليه بلا ريب، وهذا الكلام معروف من قول عمر غير مرفوع.

وهذا ذهول عجيب من قبل الحافظ، فإن الدارقطني أخرجه من غير طريق

 

(1/538)

 

 

إسحاق هذا فبرئت عهدته منه، وقال الدارقطني عقبه: لا يثبت هذا مرفوعا، والصواب عن ابن عمر عن عمر موقوفا (في الأصل: مرفوعا وهو خطأ مطبعي) . وقد أشار البيهقي في " السنن " إلى أن الخطأ فيه من عبيد الله بن موسى، فإنه بعد أن ساقه من طريق الحاكم قال: وكذلك رواه علي بن سهل بن المغيرة (شيخ شيخ الدارقطني فيه) عن عبيد الله وهو وهم، وإنما المحفوظ عن حنظلة عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب يعني موقوفا، ثم ساق سنده بذلك إلى عبد الله بن وهب عن حنظلة، وكذلك رواه وكيع عن حنظلة به كما في " المحلى " لابن حزم (10 / 128) . ثم رأيت الزيلعي ذكر في " نصب الراية " (4 / 126) أن البيهقي قال في " المعرفة " غلط فيه عبيد الله بن موسى " والصحيح رواية عبد الله بن وهب ... ، وأقره الزيلعي ويؤيد وقفه أن البيهقي أخرجه من طريق سعيد بن منصور، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر موقوفا.

ورواه بعض الضعفاء فرفعه وهو إبراهيم بن إسماعيل بن جارية، فقال: عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة مرفوعا. أخرجه ابن ماجه (2 / 70) والدارقطني والبيهقي وقال: وهذا المتن بهذا الإسناد أليق، وإبراهيم بن إسماعيل ضعيف عند أهل العلم بالحديث، وعمرو بن دينار منقطع، والمحفوظ عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه

 

(1/539)

 

 

عن عمر موقوفا. قال البخاري: هذا أصح. قلت: والحديث مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: " العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " متفق عليه، فإنه بعمومه يفيد المنع من الرجوع فيها، ولا يجوز تخصيصه بهذا الحديث لضعفه.

364 - " من صلى فى مسجدي أربعين صلاة لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النار، ونجاة من العذاب، وبرئ من النفاق ".

منكر.

أخرجه أحمد (3 / 155) والطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 32 / 2 / 5576) من طريق عبد الرحمن بن أبي الرجال عن نبيط بن عمر عن أنس بن مالك مرفوعا.

وقال الطبراني: لم يروه عن أنس إلا نبيط تفرد به ابن أبي الرجال.

قلت: وهذا سند ضعيف، نبيط هذا لا يعرف في هذا الحديث، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 483) على قاعدته في توثيق المجهولين، وهو عمدة الهيثمي في قوله في " المجمع " (4 / 8) :

رواه أحمد والطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات.

وأما قول المنذري في " الترغيب " (2 / 136) :

رواه أحمد ورواته رواة الصحيح، والطبراني في " الأوسط ".

فوهم واضح لأن نبيطا هذا ليس من رواة الصحيح، بل ولا روى له أحد من بقية الستة! ومما يضعف هذا الحديث أنه ورد من طريقين يقوى أحدهما الآخر عن أنس

 

(1/540)

 

 

مرفوعا وموقوفا بلفظ:

" من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبير الأولى كتبت له براءتان، براءة من النار، وبراءة من النفاق ".

أخرجه الترمذي (1 / 7 - طبع أحمد شاكر) ثم وجدت له طريقا ثالثا عنه مرفوعا أخرجه بحشل في " تاريخ واسط " (ص 36) وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب مرفوعا.

أخرجه ابن ماجه (1 / 266) بسند ضعيف ومنقطع، ثم استوعبت طرقه وبينت ما لها وما عليها في الصحيحة برقم (2 / 652) وهذا اللفظ يغاير لفظ حديث الترجمة كل المغايرة، وهو أقوى منه فتأكد ضعفه ونكارته فمن قواه من المعاصرين فقد جانبه الصواب ولربما الإنصاف أيضا!

365 - " جهزوا صاحبكم فإن الفرق فلذ كبده ".

ضعيف.

أخرجه الحاكم (3 / 494) وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 1 / 187 / 2) من طريق ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن إسحاق بن حمزة البخاري حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن المبارك أنا محمد بن مطرف عن أبي حازم أظنه عن سهل بن سعد. أن فتى من الأنصار دخلته خشية من النار فكان يبكي عند ذكر النار حتى حبسه ذلك في البيت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجاءه في البيت فلما دخل عليه اعتنقه الفتى وخر ميتا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.

قال الحاكم: صحيح الإسناد.

 

(1/541)

 

 

وتعقبه الذهبي في " تلخيصه " بقوله:

هذا البخاري وأبوه لا يدرى من هما، والخبر شبه موضوع.

وأقره الحافظ في ترجمة إسحاق بن حمزة من " اللسان " إلا فيما قال في إسحاق، فتعقبه بقوله: بل إسحاق ذكره ابن حبان في " الثقات " ... وذكره الخليل في " الإرشاد "

وقال: رضيه محمد بن إسماعيل البخاري وأثنى عليه، لكنه لم يخرجه في تصانيفه.

366 - " جهنم تحيط بالدنيا، والجنة من ورائها، فلذلك صار الصراط على جهنم طريقا إلى الجنة ".

منكر جدا.

أخرجه ابن مخلد العطار في " المنتقى من أحاديثه " (2 / 84 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 93) ومن طريقه الديلمي في مسنده (2 / 79) عن محمد بن حمزة بن زياد الطوسي، حدثنا أبي قال: حدثنا قيس بن الربيع عن عبيد المكتب، عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا.

ومن طريق العطار أخرجه الخطيب (2 / 291) وعنه الذهبي في ترجمة محمد بن حمزة ابن زياد ثم قال:

" هذا منكر جدا، محمد واه، وحمزة تركه أحمد، وقال ابن معين: ليس به بأس.

قال مهنا: سألت أحمد عن حمزة الطوسي؟ فقال: لا يكتب عن الخبيث، وقال في ترجمة محمد بن حمزة: قال ابن منده: حدث بمناكير: قلت: روى عن أبيه، وأبوه فغير عمدة.

والحديث عزاه السيوطي لـ " مسند الفردوس " أيضا، ورواه أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت في حديثه عن ابن عبد العزيز الهاشمي (76 / 1) عن محمد

 

(1/542)

 

 

الطوسي به.

تنبيه: زاد المناوي في إعلال الحديث فقال: وفيه محمد مخلد قال الذهبي:

قال ابن عدي: حدث بالأباطيل، قلت: وهذا هو الرعيني الحمصي وهو غير العطار صاحب هذا الحديث وهو ثقة مترجم في تاريخ بغداد (3 / 310) فوجب التنبيه.

367 - " خيار أمتي علماؤها، وخيار علمائها رحماؤها، ألا وإن الله يغفر للعالم أربعين ذنبا، قبل أن يغفر للجاهل ذنبا واحدا، ألا وإن العالم الرحيم يجيء يوم القيامة وإن نوره قد أضاء يمشي فيه بين المشرق والمغرب كما يضيء الكوكب الدري ".

باطل.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 188) والخطيب في " تاريخه " (1 / 237 - 238) وفي " الموضح " (2 / 62) وابن عساكر في " ذم من لا يعمل بعلمه " (58 / 2) وفي " التاريخ " (16 / 28 / 2) من طريق محمد بن إسحاق السلمي، حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا، وقال أبو نعيم: غريب لم نكتبه إلا من هذا الوجه.

وقال الخطيب: محمد بن إسحاق السلمي أحد الغرباء المجهولين حدث عن عبد الله ابن المبارك حديثا منكرا، ثم ساق له هذا الحديث، وقال الذهبي في " الميزان ":

 

(1/543)

 

 

فيه جهالة، وأتى بخبر باطل، ثم ذكر هذا، وأقره الحافظ في " اللسان " والسيوطي في " اللآليء " (1 / 235) وقال:

وأخرجه ابن الجوزي في " الواهيات " وقد أنكره الخطيب، وكأنه لم يتهم فيه إلا السلمي، ثم قال: " وله طريق آخر عن ابن عمر أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (ق 104 / 1) : أنبأنا محمد بن إسماعيل الفرغاني حدثنا أحمد بن خالد القرشي حدثنا نوح بن حبيب حدثنا ابن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر بمثله سواء، وقال في " الميزان " أحمد بن خالد لا يعرف، والخبر باطل.

قلت: وأقره الحافظ في " اللسان " وقد رواه فيه من طريق القضاعي، فقد اتفق هؤلاء الحفاظ الثلاثة الذهبي والعسقلاني والسيوطي على بطلان هذا الحديث من الوجهين، فأعجب للسيوطى كيف يخالفهم ويناقض نفسه فيورد الحديث في " الجامع الصغير " من الطريقين المذكورين مع اعترافه ببطلانهما وقد ذكر المناوي نحو هذا في " الفيض " وأما في " التيسير " فاقتصر على تضعيف إسناده.

368 - " حامل القرآن حامل راية الإسلام، من أكرمه فقد أكرم الله، ومن أهانه فعليه لعنة الله ".

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسنده " (2 / 88) بسنده إلى محمد بن يونس الكديمي بإسناده إلى أبي أمامة الباهلي مرفوعا وذكره السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 23 رقم 116) وقال عقبه:

 

(1/544)

 

 

الكديمي متهم.

قلت: ومع هذا فقد ذكره في " الجامع الصغير " بهذه الرواية فتعقبه المناوي في " شرحيه " بأن الكديمي وضاع.

369 - " قليل العمل ينفع مع العلم، وكثير العمل لا ينفع مع الجهل ".

موضوع.

أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " (1 / 45) من طريق محمد بن روح بن عمران القتيرى في الأصل: القشيري وهو تصحيف عن مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي عن عباد بن عبد الصمد عن أنس بن مالك قال:

" جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: العلم بالله عز وجل، قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال:

العلم بالله، قال: يا رسول الله أسألك عن العمل وتخبرني عن العلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره.

وهذا إسناد موضوع محمد بن روح القتيرى ضعيف، ومؤمل بن عبد الرحمن الثقفي قال فيه أبو حاتم: لين الحديث، ضعيف الحديث، وقال ابن عدي: عامة حديثه غير محفوظ، ثم ساق له أحاديث واهية، وعباد بن عبد الصمد قال في " الميزان ":

وهاه ابن حبان وقال: حدثنا ابن قتيبة حدثنا غالب بن وزير الغزي ثنا مؤمل

 

(1/545)

 

 

بن عبد الرحمن الثقفي حدثنا عباد بن عبد الصمد عن أنس بنسخة كلها موضوعة.

والحديث أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 41) من رواية الديلمي بسنده عن محمد بن روح به، ثم أعله بقول ابن حبان الذي ذكرته آنفا، وبقوله: وقال البخاري: عباد بن عبد الصمد منكر الحديث، وقال في " المغني " مؤمل بن عبد الرحمن، ضعفه أبو حاتم.

قلت: ومع ذلك فقد أورده السيوطي في " الجامع الصغير " أيضا، فكيف يتفق هذا مع حكمه هو نفسه عليه بالوضع؟ ! ولا ينافيه قول العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 7) إن سنده ضعيف، لما سبق بيانه مرارا من أن الحديث الموضوع من أقسام الحديث الضعيف.

370 - " قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له ".

موضوع.

ذكره السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 6) فقال: قال الحارث: حدثنا داود حدثنا نصر بن طريف عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا.

قلت: أخرجه ابن عدي في " الكامل " (3 / 796) وابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (ج 10 ق 109 / 2) والرافعي في " أخبار قزوين " (4 / 90) عن الحارث به، وسكت السيوطي على هذا السند لوضوح علته، وذلك لأن داود هذا هو ابن المحبر صاحب كتاب " العقل " قال الذهبي:

 

(1/546)

 

 

وليته لم يصنفه، وروى عبد الغني بن سعيد عن الدارقطني قال: كتاب " العقل " وضعه ميسرة بن عبد ربه، ثم سرقه منه

داود بن المحبر فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة، ثم قال السيوطي: أخرجه البيهقي من طريق حامد بن آدم عن أبي غانم عن أبي الزبير به وقال: تفرد به حامد وكان متهما بالكذب.

قلت: ومع هذا أورده في " الجامع الصغير " برواية البيهقي دون أن يذكر ما أعله به! وقد تعقبه المناوي بقوله: فكان على المصنف حذفه، وليته إذ ذكره لم يحذف من كلام مخرجه علته! والحديث عند البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 23 / 2) وقد ذكره السيوطي في موضع آخر من " الجامع " بلفظ: " دين المرء عقله، ومن لا عقل له لا دين له "، وقال: رواه أبو الشيخ في " الثواب "، وابن النجار عن جابر.

ولم يتكلم الشارح عليه بشيء، غير أنه قال: ورواه عنه الديلمي أيضا.

والظاهر أن الطريق واحد، والله أعلم. وقد تقدم الحديث بنحوه، وهو الحديث الأول.

 

(1/547)

 

 

ثم تبين أنه من رواية عمير بن عمران الحنفي عن ابن جريج به وسوف يأتي تخريجه برقم (3603) .

371 - " ستفتح عليكم الآفاق، وستفتح عليكم مدينة يقال لها: قزوين، من رابط فيها أربعين يوما أو أربعين ليلة، كان له فى الجنة عمود من ذهب عليه زبرجدة خضراء، عليها قبة من ياقوتة حمراء، لها سبعون ألف مصراع من ذهب، على كل مصراع زوجة من الحور العين ".

موضوع.

أخرجه ابن ماجه (2 / 179) والرافعي في " أخبار قزوين " (1 / 6 - 7) والمزي في " تهذيب الكمال " (8 / 448 ـ مطبوع) من طريق داود بن المحبر، أنبأنا الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان عن أنس مرفوعا.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 55) من هذا الوجه وقال: موضوع: داود وضاع وهو المتهم به، والربيع ضعيف، ويزيد متروك.

وقال المزي في " التهذيب " وهو حديث منكر لا يعرف إلا من رواية داود وأقره السيوطي في " اللآليء " (1 / 463) :

قلت: وفي ترجمته ساق الذهبي له هذا الحديث، ثم قال:

فلقد شان ابن ماجه " سننه " بإدخاله هذا الحديث الموضوع فيها.

قلت: ومن هذا تعلم قيمة قول الرافعي عقب هذا الحديث مشهور: " رواه عن داود جماعة، وأودعه الإمام ابن ماجه في " سننه "، والحفاظ يقرنون كتابه بـ " الصحيحين "، و" سنن أبي داود " ... !

 

(1/548)

 

 

372 - " ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا ".

ضعيف.

رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 105 / 1) : حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن المطعم بن المقدام مرفوعا.

وأخرجه الخطيب في " الموضح " (2 / 220 - 221) عن موسى بن أبي موسى: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس به، ورواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في جزء " مسائل أبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة شيوخه " (رقم 28) قال: وسمعت مليح بن وكيع يقول: سمعت الوليد بن مسلم يقول: سمعت الأوزاعي يقول:

حدثني الثقة المطعم بن المقدام به.

ومن طريقه رواه ابن عساكر في " تاريخه " (16 / 297 / 2) .

قلت: وهذا سند ضعيف، رجاله كلهم ثقات، لكنه مرسل لأن المطعم هذا تابعي.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن أبي شيبة عن المطعم ابن المقدام.

فتعقبه المناوي بأن فيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة أورده الذهبي في " الضعفاء ".

قلت: وهذا تعقب عجيب، فإن محمد بن عثمان لا تعلق له بالرواية التي عزاها

 

(1/549)

 

 

السيوطي لابن أبي شيبة، فإن هذا هو مؤلف كتاب " المصنف " المشهور به، وهو أعلى طبقة من ابن أخيه محمد بن عثمان، وابن أبي شيبة عند الإطلاق، إنما يراد به أبو بكر هذا صاحب " المصنف " واسمه عبد الله بن محمد بن أبي شيبة: إبراهيم بن عثمان الواسطي ويراد به تارة أخوه عثمان بن محمد، ولا يراد إطلاقا ابنه محمد بن عثمان، فإن كان المناوي تبادر إليه أنه المراد بـ ابن أبي شيبة عند السيوطي فهو عجيب، وإن كان يريد أنه في إسناد ابن أبي شيبة صاحب " المصنف " فهو أعجب، لما علمت أنه متأخر عنه.

نعم قد رواه محمد بن عثمان أيضا كما سبق، لكن ليس هو المراد عند السيوطي.

والحديث عزاه النووي في " الأذكار " (ص 276) للطبراني من حديث المقطم بن المقدام الصحابي، كذا قال، وإنما هو المطعم، وليس بصحابي كما تقدم، فلعل الخطأ من بعض النساخ.

ثم تبين لي أن الخطأ من النووي نفسه، فقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه رآه كذلك بخط النووي، قال: وهو سهو نشأ عن تصحيف، إنما هو المطعم بسكون الطاء وكسر العين، وقوله " الصحابي " إنما هو الصنعاني بصاد ثم نون ساكنة ثم عين مهملة وبعد الألف نون نسبة إلى صنعاء دمشق، وكان في عصر صغار الصحابة، ولم يثبت له سماع من صحابي، بل أرسل عن بعضهم، وجل روايته عن التابعين كمجاهد والحسن، وسنده معضل، أو مرسل إن ثبت له سماع من صحابي. نقلته ملخصا من " شرح الأذكار " لابن علان (5 / 105) وأفاد أنه ليس في " كبير الطبراني " وإنما في كتاب " مناسك الحج " له وقد روى الحديث عن أنس نحوه أتم منه، بلفظ:

 

(1/550)

 

 

" أربع ركعات يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب و {قل هو الله أحد} (1) ثم يقول اللهم إني أتقرب إليك ... " إلخ وهو مسلسل بالعلل كما سيأتي بيانه أن شاء الله برقم (5840) .

ثم إن النووى رحمه الله استدل بالحديث على أنه يستحب للمسافر عند الخروج أن يصلي ركعتين، وفيه نظر بين، لأن الاستحباب حكم شرعي لا يجوز الاستدلال عليه بحديث ضعيف، لأنه لا يفيد إلا الظن المرجوح، ولا يثبت به شيء من الأحكام الشرعية كما لا يخفي، ولم ترد هذه الصلاة عنه صلى الله عليه وسلم فلا تشرع، بخلاف الصلاة عند الرجوع فإنها سنة، وأغرب من هذا جزمه أعني النووي رحمه الله:

" بأنه يستحب أن يقرأ سورة {لإيلاف قريش} فقد قال الإمام السيد الجليل أبو الحسن القزويني الفقيه الشافعي صاحب الكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة والمعارف المتظاهرة: إنه أمان من كل سوء ".

قلت: وهذا تشريع في الدين دون أي دليل إلا مجرد الدعوى! فمن أين له أن ذلك أمان من كل سوء؟ ! لقد كان مثل هذه الآراء التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة من أسباب تبديل الشريعة وتغييرها من حيث لا يشعرون، لولا أن الله تعهد

بحفظها ورضي الله عن حذيفة بن اليمان إذ قال:

" كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها ".

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق ".

ثم وقفت على حديث يمكن أن يستحب به صلاة ركعتين عند النصر (1) وهو مخرج في " الصحيحة " (1323) فراجعه وثمة حديث آخر سيأتي برقم (6235 و6236) .

__________

(1) سورة الإخلاص

 

(1/551)

 

 

373 - " لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله ".

ضعيف.

أخرجه أحمد (5 / 422) والحاكم (4 / 515) من طريق عبد الملك بن عمرو العقدي عن كثير بن زيد عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر، فقال: أتدري ما تصنع؟ ! فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر، سمعت رسول الله صلى

الله عليه وسلم ... " فذكره، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي! وهو من أوهامهما فقد قال

الذهبي نفسه في ترجمة داود هذا: حجازي لا يعرف.

ووافقه الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " فأنى له الصحة؟ ! وذهل عن هذه العلة الحافظ الهيثمي فقال في " المجمع " (5 / 245) : رواه أحمد والطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، وفيه كثير بن زيد وثقه أحمد وغيره، وضعفه النسائي وغيره.

قلت: ثم تبين بعد أن تيسر الرجوع إلى معجمي الطبراني أنه ليس في سنده داود هذا، فأعله الهيثمي بكثير، فقد أخرجه في " الكبير " (4 / 189 / 3999) ، و" الأوسط " (1 / 18 / 1 / 282) بإسناد واحد، فقال: حدثنا أحمد بن رشدين المصري: حدثنا سفيان بن بشير وفي " الأوسط ": بشر، وزاد: الكوفي: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال: قال أبو أيوب لمروان بن الحكم، فذكر الحديث مرفوعا، وقال: لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به حاتم!

 

(1/552)

 

 

كذا قال، وقد فاتته متابعة العقدي المتقدمة.

وحاتم بن إسماعيل من رجال الشيخين، لكن قال الحافظ:

صحيح الكتاب، صدوق يهم.

قلت: فمن المحتمل أن يكون وهم في ذكره المطلب بن عبد الله مكان داود بن أبي صالح، ولكن السند إليه غير صحيح، فيمكن أن يكون الوهم من غيره، لأن سفيان بن بشير أو بشر، لم أعرفه، وليس هو الأنصاري المترجم في " ثقات ابن حبان " (6 / 403) وغيره، فإنه تابع تابعي، فهو متقدم على هذا، من طبقة شيخ شيخه (كثير بن زيد) ! ولعل الآفة من أحمد بن رشدين شيخ الطبراني، فإنه متهم بالكذب، كما تقدم بيانه تحت الحديث (47) ، فكان على الهيثمي أن يبين الفرق والخلاف بين إسناد أحمد والطبراني من جهة، وعلة كل منهما من جهة أخرى، والمعصوم من عصمه الله تعالى.

ولقد كان الواجب على المعلق على " المعجم الأوسط " الدكتور الطحان أن يتولى بيان ذلك، ولكن.....

وأما قول المناوي: وداود بن أبي صالح قال ابن حبان: يروي الموضوعات.

فمن أوهامه أيضا، فإنه رجل آخر متأخر عن هذا يروي عن نافع، وسيأتي له حديث إن شاء الله تعالى قريبا برقم (375) ، وقد شاع عند المتأخرين الاستدلال بهذا الحديث على جواز التمسح بالقبر لوضع أبي أيوب وجهه على القبر، وهذا مع أنه ليس صريحا في الدلالة على أن تمسحه كان للتبرك - كما يفعل الجهال - فالسند إليه بذلك ضعيف كما علمت فلا حجة فيه، وقد أنكر المحققون من العلماء كالنووى وغيره، التمسح بالقبور وقالوا: إنه

 

(1/553)

 

 

من عمل النصارى وقد ذكرت بعض النقول في ذلك في " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " وهي الرسالة الخامسة من رسائل كتابنا " تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة " وهي مطبوعة والحمد لله فانظر (ص 108) منه.

374 - " نهى أن يمشي الرجل بين البعيرين يقودهما ".

ضعيف.

أخرجه الحاكم (4 / 280) من طريق محمد بن ثابت البناني عن أبيه عن أنس مرفوعا، وقال: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله.

محمد ضعفه النسائي.

قلت: وقال الحافظ ابن حجر في " التقريب ": ضعيف.

 

(1/554)

 

 

375 - " نهى أن يمشي الرجل بين المرأتين ".

موضوع.

أخرجه أبو داود (2 / 352) والعقيلي في " الضعفاء " (126) الحاكم (4 / 280) والخلال في " الأمر بالمعروف " (22 / 2) وابن عدي (3 / 955) من طريق داود بن أبي صالح عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وقال الحاكم: صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: داود بن أبي صالح قال ابن حبان: يروي الموضوعات

. قلت: وكذا قال في " الميزان " ثم ذكر عقبه هذا الحديث، وقال المنذري في

 

(1/554)

 

 

" مختصر السنن " (8 / 118) .

وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات حتى كأنه يتعمدها، وذكر له هذا الحديث.

وقال أبو زرعة: لا أعرفه إلا بهذا الحديث وهو منكر.

قلت: وذكر له البخاري في " التاريخ الصغير " (187) هذا الحديث وقال:

لا يتابع في حديثه، وكذا قال العقيلي وزاد: ولا يعرف إلا به وتبعه عبد الحق في " الأحكام " (205 / 1) قال: وله فيه لفظ آخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا استقبلك المرأتان فلا تمر بينهما خذ يمنة أو

يسرة "، ذكره أبو أحمد بن عدي.

قلت: أخرجه من طريق يوسف بن الغرق عن داود به ويوسف كذاب كما تقدم بيانه تحت رقم (193) .

376 - " الأقربون أولى بالمعروف ".

لا أصل له بهذا اللفظ.

كما أشار إليه السخاوي في " المقاصد " (ص 34) ، وبعضهم يتوهم أنه آية!

وإنما في القرآن قوله تعالى {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين} .

 

(1/555)

 

 

377 - " آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له: جهينة، فيسأله أهل الجنة: هل بقي أحد يعذب؟ فيقول: لا، فيقولون: عند جهينة الخبر اليقين ".

موضوع.

رواه محمد بن المظفر في " غرائب مالك " (76 / 2) والدارقطني في " الغرائب " من طريق جامع بن سوادة حدثنا زهير بن عباد: حدثنا أحمد بن الحسين اللهبي حدثنا عبد الملك بن الحكم حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه، قال الدارقطني: هذا الحديث باطل، وجامع ضعيف وكذا عبد الملك.

قلت: كذا ذكره السيوطي في " ذيل الموضوعات " من طريق الدارقطني، وتبعه ابن عراق (399 / 2) ومع هذا فقد أورده السيوطي في " الجامع الصغير " أيضا! من رواية الخطيب في " رواة مالك " عن ابن عمر، ولا فائدة من المغايرة في التخريج لأن طريق الخطيب هي طريق الدارقطني كما بينه الشارح المناوي.

ومن الغرائب أن العجلوني أورد هذا الحديث في " كشف الخفاء " (1 / 15) ثم لم يبين حاله!

 

(1/556)

 

 

378 - " اتبعوا العلماء فإنهم سرج الدنيا ومصابيح الآخرة ".

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسنده " (1 / 39) من طريق القاسم بن إبراهيم الملطي حدثنا لوين المصيصي حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن أنس بن مالك مرفوعا وذكره السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الديلمي مع أنه أورده أيضا في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 39) عن الديلمي وذكر أن القاسم بن إبراهيم

 

(1/556)

 

 

الملطي، قال الدارقطني: كذاب، وقال الخطيب: روى عن لوين عن مالك عجائب من الأباطيل.

379 - " إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما يقربني إلى الله تعالى فلا بورك لي فى طلوع شمس ذلك اليوم ".

موضوع.

أخرجه ابن راهو يه في " مسنده " (4 / 24 / 2) وابن عدي في " الكامل " (ق 161 / 2) وأبو الحسن بن الصلت في " حديثه عن ابن عبد العزيز الهاشمي " (1 / 2) ، وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 188)

والخطيب في " تاريخه " (6 / 100) ، وابن عبد البر (1 / 61) ، وكذا الطبراني في " الأوسط " (2 / 115 / 1 / 6780) من طرق عن الحكم بن عبد الله عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عائشة مرفوعا، وقال أبو نعيم:

غريب من حديث الزهري تفرد به الحكم.

قلت: وهو الحكم بن عبد الله بن خطاف، وقيل: ابن سعد أبو سلمة الحمصي وهو كذاب كما قال أبو حاتم، وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 233) من طريق الخطيب ثم قال:

قال الصوري: منكر لا أصل له لا يرويه عن الزهري غير الحكم.

، والحكم قال أبو حاتم كذاب وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات، قال السيوطي في " اللآليء " (1 / 209) :

قلت: قال الدارقطني: كان يضع الحديث، روى عن الزهري عن ابن

 

(1/557)

 

 

المسيب نحو خمسين حديثا لا أصل لها، ثم قال السيوطي:

وأخرجه أبو علي الحسين بن محمد بن حسين المقري في " جزئه "، حدثنا أحمد بن عمير، أنبأنا أبو أمية محمد بن إبراهيم، حدثنا النفيلي، حدثنا بقية بن الوليد عن أبي سلمة الحمصي عن الزهري به، وقال ابن عمير: ليس أبو سلمة هذا، سليمان بن سلم، هذا رجل آخر.

قلت: صدق ابن عمير وكان من تمام الفائدة أن يبين هو أو السيوطي من هو.

ولكنهما لم يفعلا، وقد تبين لي أنه الحكم بن عبد الله نفسه فإنه يكنى أبا سلمة، وقد ذكره بقية بكنيته دون اسمه يدلسه، وهذا مما اشتهر به بقية، عافانا الله تعالى من كل آفة وبلية ويؤكد ذلك أن بقية قد صرح باسمه في رواية

الطبراني وغيره.

ومع إقرار السيوطي ابن الجوزي على وضع هذا الحديث وتأييده لوضعه، فقد أورده أيضا في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني، وابن عدي، وأبي نعيم في " الحلية " عن عائشة! ولا يفيده رواية ابن عدي أيضا إياه فإن في سنده أيضا متهما، وهو بلفظ:

380 - " إذا أتى علي يوم لم أزدد فيه خيرا فلا بورك لي فيه ".

موضوع.

رواه ابن عدي وابن حبان في " الضعفاء " (1 / 335) من طريق سليمان بن بشار عن سفيان عن الزهري عن سعيد عن عائشة مرفوعا.

وهذا سند موضوع، قال الذهبي:

سليمان بن بشار متهم بوضع الحديث، قال ابن حبان: يضع على الأثبات ما لا يحصى. ووهاه ابن عدي ثم سرد له من الواهيات عدة أحاديث هذا منها.

 

(1/558)

 

 

قلت: ثم رجعت إلى ابن عدي في " كامله " فرأيته ذكر الحديث في ترجمة ابن بشار هذا (161 / 2) معلقا عنه عن ابن عيينة عن بقية عن الحكم بن عبد الله الأيلي عن الزهري به، مثل لفظ الحديث الذي قبله، فتبين أن بين سفيان والزهري بقية والحكم، وهو كذاب، وهو الذي في سند الحديث الذي قبله، فمدار الحديثين على هذا الكذاب غير أن في طريق هذا كذابا آخر! على أنه قد قيل: إن الحكم بن عبد الله الأيلي هو غير الحكم بن عبد الله الحمصي، ورجحه الحافظ، فإن ثبت ذلك فالطريق مختلفة، لكن النتيجة واحدة فإن الأيلي هذا كذاب أيضا! فراجع " اللسان ".

381 - " ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا فى طلب العلم ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي (84 / 2) والسلفي في " المنتخب " من أصول السراج اللغوي (1 / 97 / 2) عن الحسن بن واصل، عن الخصيب بن جحدر، عن النعمان بن نعيم، عن معاذ ابن جبل، وقال ابن عدي: مداره على الخصيب بن جحدر.

قلت: قال البخاري في " التاريخ الصغير " (197) : كذاب، استعدى عليه شعبة في الحديث، وقال النسائي في " الضعفاء " (11) : ليس بثقة قلت: ومثله الراوي عنه الحسن بن واصل، ويقال: الحسن بن دينار فقد كذبه

أحمد ويحيى وأبو حاتم وغيرهم، وفي ترجمته ساق الذهبي هذا الحديث كما أوردته عن ابن عدي، وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 219) من

 

(1/559)

 

 

طريقه فأدخل بين النعمان بن نعيم، ومعاذ، عبد الرحمن بن غنم، وهو عند السلفي بإثبات ابن غنم وإسقاط ابن نعيم، والله أعلم.

ثم قال ابن الجوزي: مداره على الخصيب وقد كذبه شعبة، والقطان، وابن معين، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات ".

وأقره السيوطي في " اللآلئ المصنوعة " (1 / 197) ، ثم تناقض فأورده في " الجامع الصغير " لكن من رواية البيهقي في " الشعب " عن معاذ، ولا يخفى أن هذه المغايرة في التخريج لا فائدة منها ما دام أن الحديث يدور على هذا الكذاب الخصيب! فقد قال المناوي في " شرح الجامع ":

وقضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسلمه، والأمر بخلافه، بل عقبه ببيان علته فقال: هذا الحديث إنما يروي بإسناد ضعيف، والحسن بن دينار ضعيف بمرة، وكذا خصيب هذا لفظه بحروفه، فحذف المصنف له من كلامه غير صواب.

قلت: ولعل السيوطي اغتر بإيراد البيهقي له في " الشعب " بناء على ما نقله هو غير مرة عنه، أنه لا يورد في " الشعب " ما كان موضوعا، فاعلم أن هذا ليس صحيحا على إطلاقه، أو هو رأى البيهقي وحده في كتابه، وإلا فكم فيه من موضوعات سبق بعضها ويأتي الكثير منها، وفي حفظي أن السيوطي قد وافق على وضع بعضها، فهذا كله يدلنا على أن السيوطي يغلب عليه التقليد في كثير من الأحيان، وهذا هو السبب في وقوع الأحاديث الموضوعة في كتابه " الجامع الصغير " الذي نص في مقدمته أنه صانه عما تفرد به كذاب أو وضاع!

هذا وللحديث طريق آخر من حديث أبي أمامة، رواه ابن عدي (240 / 2) عن فهر بن بشر، حدثنا عمر بن موسى عن القاسم عنه مرفوعا به، وقال:

 

(1/560)

 

 

عمر بن موسى الوجيهي في عداد من يضع الحديث متنا وإسنادا.

قلت: وفهر بن بشر لا يعرف كما قال ابن القطان، وأقره الحافظ في " اللسان ".

وله طريق ثالث بنحو هذا اللفظ أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " أيضا، وهو:

382 - " لا حسد ولا ملق إلا فى طلب العلم ".

موضوع.

رواه ابن عدي (365 / 1) والخطيب (13 / 275) وفي العاشر من " الجامع " (20 / 2 من المنتقى منه) من طريق عمرو بن الحصين الكلابي، عن ابن علاثة، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا.

وقال ابن عدي: هذا منكر لا أعلم يرويه عن الأوزاعي غير ابن علاثة.

وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 219) من رواية ابن عدي ثم قال:

ابن علاثة محمد بن عبد الله بن علاثة لا يحتج به، قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (197 / 198) بما خلاصته أن ابن علاثة وثقه ابن معين وغيره، وأن آفة الحديث من عمرو بن الحصين فإنه كذاب كما قال الخطيب قلت: وهذا تعقب شكلي لا يعود على هذا الحديث بالتقوية ما دام أنه لم ينج من هذا الكذاب، لكن السيوطي ذكر له شاهدا لم يتكلم على إسناده وفيه من لا يعرف، وهو:

 

(1/561)

 

 

383 - " من غض صوته عند العلماء كان يوم القيامة مع الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى من أصحابي، ولا خير فى التملق والتواضع إلا ما كان فى الله، أوفى طلب العلم ".

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " من طريق ابن السني، حدثنا الحسين بن عبد الله القطان، عن عامر بن سيار، عن ابن الصباح، عن عبد العزيز بن سعيد عن أبيه مرفوعا. نقلته من " اللآليء " (1 / 198) وسكت عنه.

قلت: وهذا إسناد ظلمات بعضها فوق بعض لم أعرف منه أحد من بعد القطان غير عامر بن سيار، قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 322) عن أبيه: مجهول وأما ابن حبان فذكره على قاعدته في " الثقات " (8 / 502) كما ذكر فيه (5 / 125) عبد العزيز بن سعيد شيخه في هذا الحديث وهذا من أو ضح الأدلة على فساد قاعدته في

التوثيق.

ثم بدا لي أن ابن الصباح هو المثنى اليماني، فإن يكن هو كما يغلب على الظن فهو ضعيف اختلط بآخره، كما في " التقريب " وانظر الحديثين اللذين قبله.

ثم تبين أن قوله في " اللآليء ": ابن الصباح خطأ ولعله مطبعي والصواب أبو الصباح كما يؤخذ من مراجع كثيرة أهمها " كامل ابن عدي " فقد ساق في ترجمة أبي الصباح (5 / 1966) من طريق الحسين القطان المذكور وهو شيخ ابن عدي عن عامر بن سيار حدثنا أبو الصباح يعني عبد الغفور بن عبد العزيز أبو الصباح الواسطي عن عبد العزيز بن سعيد به حديثا آخر وقال عقبه: وبهذا الإسناد اثنان وعشرون حديثا حدثناه بها الحسين هذا، ثم ختم ترجمته بقوله:

 

(1/562)

 

 

وعبد الغفور هذا الضعف على حديثه بين، وهو منكر الحديث.

قلت: فهو آفة حديث الترجمة، وبخاصة أن البخاري قال في " التاريخ الكبير " (3 / 2 / 127) : تركوه، منكر الحديث.

وفي معناه قوله في " التاريخ الصغير " (ص 194) : سكتوا عنه.

384 - " لا يترك الله أحد يوم الجمعة إلا غفر له ".

موضوع.

أخرجه أبو القاسم الشهرزوري في " الأمالي " (180 / 1) والخطيب (5 / 180) من طريق أحمد بن نصر بن حماد بن عجلان، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعا، ذكره الخطيب في ترجمة أحمد هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال الذهبي في ترجمته من " الميزان ":

أتى بخبر منكر جدا، ثم ساق له هذا كأنه يتهمه به، ووافقه الحافظ في " اللسان " وفي ذلك عندي نظر، لأن أباه نصر بن حماد، قال ابن معين: كذاب فالحمل عليه فيه أولى. ومع هذا وذاك فالحديث في " الجامع " وللحديث طريق أخرى عن أنس نحوه وهو موضوع أيضا كما سبق بيانه برقم (297) .

 

(1/563)

 

 

385 - " لا يحرم الحرام الحلال ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (1 / 226) والدارقطني (142) والبيهقي (7 / 168) والخطيب (7 / 182) من طريق عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف من أجل عبد الله بن عمر، وهو العمري المكبر وهو ضعيف.

وقد روى هذا الحديث بسند آخر مع زيادة في متنه يأتي بعد حديث.

 

(1/564)

 

 

386 - " يقول الله تعالى للدنيا: يا دنيا مري على أوليائي، ولا تحلولي لهم فتفتنيهم ".

موضوع.

أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في " طبقات الصوفية " (ص 8 - 9) وعنه الديلمي (4 / 218) قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي، قال: أخبرنا الحسين بن داود البلخي. قال: أخبرنا فضيل بن عياض قال: أخبرنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، أبو جعفر الرازي هذا قال الذهبي: لا أعرفه لكن أتى بخبر باطل هو آفته، قلت: ثم ساق خبرا موقوفا على علي، والحسين بن داود البلخي قال الخطيب في ترجمته من " التاريخ " (8 / 44) :

لم يكن ثقة فإنه روى نسخه عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس أكثرها موضوع. ثم ساق له حديثا آخر بهذا السند ثم قال:

 

(1/564)

 

 

تفرد بروايته الحسين عن الفضيل وهو موضوع ورجاله كلهم ثقات سوى الحسين بن داود، ومن طريقه روى هذا الحديث القضاعي في " مسند الشهاب " (117 / 2) .

387 - " ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام ".

لا أصل له.

قاله الحافظ العراقي في " تخريج المنهاج " ونقله المناوي في " فيض القدير " وأقره، وقد استدل بهذا الحديث على تحريم نكاح الرجل ابنته من الزنى، وهو قول الحنفية وهو وإن كان الراجح من حيث النظر، لكن لا يجوز الاستدلال عليه بمثل هذا الحديث الباطل، وقد قابلهم المخالفون بحديث آخر وهو:

 

(1/565)

 

 

388 - " لا يحرم الحرام، إنما يحرم ما كان بنكاح حلال ".

باطل.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 173 / 2 من زوائد المعجمين) وابن عدي في " الكامل " (287 / 2) وابن حبان في " الضعفاء " (2 / 99) والدارقطني (ص 402) والبيهقي (7 / 269) من طريق المغيرة بن إسماعيل بن أيوب بن سلمة عن عثمان بن عبد الرحمن الزهري عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت:

" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يتبع المرأة حراما، أينكح ابنتها، أو يتبع الابنة حراما، أينكح أمها؟ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، قال البيهقي: تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي هذا وهو ضعيف، قاله يحيى بن معين وغيره من أئمة الحديث.

قلت: بل هو كذاب، قال ابن حبان:

 

(1/565)

 

 

كان يروي عن الثقات الموضوعات، وكذبه ابن معين في رواية عنه، وقال عبد الحق في " الأحكام " (ق 138 / 2) والهيثمي في " المجمع " (4 / 269) :

وهو متروك، وكذا قال الحافظ في " التقريب " وزاد: وكذبه ابن معين.

قلت: والراوي عنه المغيرة بن إسماعيل مجهول كما قال الذهبي.

والحديث ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 418) من طريق المغيرة بن إسماعيل عن عمر بن محمد الزهري عن ابن شهاب به ثم قال:

قال أبي: هذا حديث باطل، والمغيرة بن إسماعيل وعمر هذا، هما مجهولان.

قلت: كذا وقع في " العلل ": عمر بن محمد الزهري بدل عثمان بن عبد الرحمن الزهري فلا أدري أهكذا وقع في روايته، أم تحرف على الناسخ والطابع، وقد استدل بالحديث الشافعية وغيرهم على أنه يجوز للرجل أن يتزوج ابنته من الزنى وقد علمت أنه ضعيف فلا حجة فيه، والمسألة اختلف فيها السلف، وليس فيها نص مع أحد الفريقين، وإن كان النظر والاعتبار يقتضي تحريم ذلك عليه، وهو مذهب أحمد وغيره ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية فانظر " الاختيارات " له (123 - 124) ، وتعليقنا على الصفحة (36 - 39) من كتابنا " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ".

 

(1/566)

 

 

389 - " لوأذن الله لأهل الجنة فى التجارة لاتجروا بالبز والعطر ".

ضعيف.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (229) والطبراني في " الصغير " (ص 145) وفي " الأوسط " (1 / 135 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (10 / 365) وأبو عبد الرحمن السلمي في " طبقات الصوفية " (ص 410) وأبو عثمان البجيرمي في " الفوائد " (2 / 3 / 1) ومكي المؤذن في " حديثه " (230 / 2) وابن عساكر (14 / 337 / 1) من طريق عبد الرحمن ابن أيوب السكوني الحمصي: حدثنا عطاف بن خالد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وقال الطبراني: تفرد به ابن أيوب. قلت: قال الذهبي في " الميزان " وأقره الحافظ في " اللسان ":

لا يجوز أن يحتج بهذا، وقال العقيلي عقب الحديث:

لا يتابع عليه، ثم قال:

ليس بمحفوظ عن نافع، وإنما يروي بإسناد مجهول، ثم ساقه من طريق أخرى مرفوعا نحوه وهو:

 

(1/567)

 

 

390 - " لوتبايع أهل الجنة ولن يتبايعوا ما تبايعوا إلا بالبز ".

ضعيف جدا.

أخرجه العقيلي (229) وكذا أبو يعلى (1 / 104 / 111) من طريق إسماعيل بننوح عن رجل عن

أبي بكر الصديق رفعه، قال العقيلي:

وإسناده مجهول، وهو أولى، يعني من حديث السكوني الذي قبله وليس

 

(1/567)

 

 

له إسناد يصح.

قلت: وإسماعيل بن نوح متروك كما قال الأزدي وتبعه الهيثمي في " المجمع " (10 / 416) .

391 - " هذه يد لا تمسها النار ".

ضعيف.

أخرجه الخطيب (7 / 432) من طريق محمد بن تميم الفريابي بسنده عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فاستقبله سعد بن معاذ الأنصاري، فصافحه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له: " ما هذا الذي أكفت (!) (1) يداك؟

" فقال: يا رسول الله أضرب بالمر والمسحاة في نفقة عيالي، قال: فقبل النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال ... " فذكره.

قال الخطيب: هذا الحديث باطل لأن سعد بن معاذ لم يكن حيا في وقت غزوة تبوك، وكان موته بعد غزوة بني قريظة من السهم الذي رمي به، ومحمد بن تميم الفريابي كذاب يضع الحديث.

قلت: جرى الخطيب على أن سعدا هذا هو ابن معاذ سيد الأوس الصحابي المشهور، وخالفه الحافظ ابن حجر فجزم في " الإصابة " بأنه آخر، ثم ذكر أن الحديث رواه الخطيب في " المتفق " بإسناد واه، وأبو موسى في " الذيل " بإسناد مجهول عن الحسن به.

__________

(1) كذا في الأصل، وفيه شيء، ففي " النهاية ":

" في حدث سعد: رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أكْنَبَت يَداه فقال له: أكْنَبَت يداك؟ فقال: أُعالِج بالمُرّ ... ". أكْنَبَت اليَدُ: إذا ثَخُنَت وغَلُظ جِلْدها وتَعَجَّرَ من مُعاناة الأشياء الشاقة

 

(1/568)

 

 

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 251) معتمدا على قول الخطيب السابق، وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 154) بكلام الحافظ ابن حجر، وقد ذكرت خلاصته آنفا، والله أعلم.

قال الشيخ عبد الحي الكتاني في " التراتيب الإدارية " (2 / 42 ـ 43) بعد ما نقل كلام الحافظ:

قلت: في هذه القصة عجيبة، وهي تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم يد صحابي لأجل ضربه الأرض بالفاس.

قلت: لكن يقال: أثبت العرش ثم انقش، فإن القصة غير ثابتة كما علمت.

392 - " إن فى الجنة بابا يقال: له الضحى، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين كانويديمون على صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة الله عز وجل ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 59 / 1 ـ من " زوائد المعجمين ") وأبو حفص الصيرفي في " حديثه " (263 / 1) وكذا ابن لال في " حديثه " (116 / 1) ونصر المقدسي في " المجلس 121 من الأمالي " (2 / 2) عن سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا سليمان.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، وعلته اليمامي هذا فإنه متروك ومن طريقه رواه الحاكم في جزء له في صلاة الضحى كما في " زاد المعاد " (1 / 129 - 134) .

وله علة أخرى وهي عنعنة ابن أبي كثير فإنه كان يدلس.

والحديث ضعفه المنذري في " الترغيب " (1 / 237) .

 

(1/569)

 

 

393 - " إن فى الجنة بابا يقال له: الضحى، فمن صلى صلاة الضحى حنت إليه صلاة الضحى كما يحن الفصيل إلى أمه حتى إنها لتستقبله حتى تدخله الجنة ".

موضوع.

أخرجه الخطيب (14 / 306 - 307) من طريق يحيى بن شبيب اليماني، حدثنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك مرفوعا، ذكره في ترجمة ابن شبيب وقال: روى أحاديث باطلة، ثم ذكر له ثلاثة أحاديث هذا أحدها، ومنها:

 

(1/570)

 

 

394 - " إن فى الجنة بابا يقال له: الضحى لا يدخل منه إلا من حافظ على صلاة الضحى ".

موضوع.

رواه الخطيب بإسناد الحديث الذي قبله، وأخرجهما ابن عساكر مدموجا بينهما في حديث واحد عن أنس كما في " الفتاوى " للسيوطي (1 / 58) وسكت عليه!

وفي فضل صلاة الضحى أحاديث صحيحة تغني عن مثل هذه الأحاديث الباطلة.

 

(1/570)

 

 

395 - " إن لله ملائكة موكلين بأبواب الجوامع يوم الجمعة يستغفرون لأصحاب العمائم البيض ".

موضوع.

أخرجه الخطيب بإسناد الحديثين السابقين، وقد عرفت أنه من وضع يحيى بن شبيب اليماني.

 

(1/570)

 

 

ومن طريق الخطيب ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 106) وقال: يحيى حدث عن حميد وغيره أحاديث باطلة.

وأيده السيوطي في " اللآليء " (2 / 27) فقال:

قلت: قال في " الميزان ": هذا مما وضعه على حميد، وأقره ابن عراق (236 / 2) .

قلت: لكن وجدت له طريقا أخرى رواها أبو علي القشيري الحراني في " تاريخ الرقة " (ق 38 / 2) عن أبي يوسف محمد بن أحمد الصيدلاني، حدثنا العباس بن كثير أبو مخلد الرقي، حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن ميمون بن مهران، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه مرفوعا، ذكره في ترجمة العباس هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأبو يوسف الصيدلاني لم أجد من ترجمه، فهو أو شيخه آفة هذه الطريق، فإن من فوقهما ثقات، ولا يصح في العمائم شيء غير أنه صلى الله عليه وسلم لبسها، وتقدم بعض أحاديثها برقم (127 - 129) .

396 - " فضل حملة القرآن على الذى لم يحمله كفضل الخالق على المخلوق ".

كذب.

أخرجه الديلمي (2 / 178 / 1 - 2) من طريق محمد بن تميم الفريابي حدثنا حفص بن عمر حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رفعه، وذكره السيوطي في " الذيل " (ص 32) وقال:

قال الحافظ ابن حجر في " زهر الفردوس ": هذا كذب.

قلت: آفته محمد بن

 

(1/571)

 

 

تميم.

قلت: ثم غفل السيوطي عن هذا فأورده في " الجامع الصغير "!

ومحمد بن تميم هذا قال الخطيب كما تقدم قريبا رقم (391) : كذاب يضع الحديث. وقال الحاكم: هو كذاب خبيث، وقال أبو نعيم: كذاب وضاع.

397 - " إذا طلع النجم رفعت العاهة عن أهل كل بلد ".

ضعيف.

أخرجه الإمام محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " (ص 159) : أخبرنا أبو حنيفة قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مرفوعا، ومن طريق أبي حنيفة أخرجه الثقفي في " الفوائد " (3 / 12 / 1) وكذا الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 20) وفي " الأوسط " (1 / 140 / 2) وعنه أبو نعيم في " أخبار أصبهان

" (1 / 121) وقال: والنجم: هو الثريا.

وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن أبا حنيفة رحمه الله على جلالته في الفقه قد ضعفه من جهة حفظه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن عدي، وغيرهم من أئمة الحديث، ولذلك لم يزد الحافظ ابن حجر في " التقريب " على قوله في ترجمته: فقيه مشهور! .

 

(1/572)

 

 

نعم قد تابعه عسل بن سفيان عن عطاء لكنه ضعيف أيضا وخالفه في لفظه فقال: إذا طلع النجم ذا صباح، رفعت العاهة، أخرجه أحمد (2 / 341 و388) والطحاوي في " المشكل " (3 / 92) والطبراني في " الأوسط " أيضا، والعقيلي في " الضعفاء " (347) وقال: عسل بن سفيان في حديثه وهم، قال البخاري: فيه نظر.

ولا يخفى وجه الاختلاف بين اللفظين، فالأول أطلق الطلوع وقيد الرفع بـ عن كل بلد، وهذا عكسه فإنه قيد الطلوع بـ ذا صباح، وأطلق الرفع فلم يقيده بالقيد المذكور، وهذا الاختلاف مع ضعف المختلفين يمنع من تقوية الحديث كما لا يخفى على الماهر بهذا العلم الشريف.

398 - " لا تسبوا قريشا، فإن عالمها يملأ طباق الأرض علما، اللهم إنك أذقت أولها عذابا أو وبالا، فأذق آخرها نوالا ".

ضعيف جدا.

أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2 / 199 من " منحة المعبود ") : حدثنا جعفر بن سليمان عن النضر بن حميد الكندي أو العبدي عن الجارود عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود مرفوعا، ومن طريق الطيالسي أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 295، 9 / 65) وعنه الخطيب في " تاريخه " (2 / 60 - 61) وابن عساكر (14 / 409 / 2)

 

(1/573)

 

 

والحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (184) .

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، النضر بن حميد، قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 477 / 1) : سألت أبي عنه عنه؟ فقال: متروك الحديث ولم يحدثني بحديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، والجارود لم أعرفه، وفي " كشف الخفاء " (2 / 53) تبعا لأصله " المقاصد " (281 / 675) إنه مجهول، وأما قوله: والراوي عنه مختلف فيه، فوهم لأنه متروك بلا خلاف، فالحديث بهذا الإسناد ضعيف جدا.

ثم وجدت الحديث في جزء من " الفوائد المنتقاة " لأبي القاسم السمرقندي (111 /1) رواه من طريق أخرى عن جعفر بن سليمان قال: أنبأ النضر بن حميد الكندي أبو الجارود عن أبي الأحوص..... به.

فهذا يؤديه ما صوبناه في اسم والد النضر أنه (حميد) ، ويرجح ما في " اللسان " من أن (أبو الجارود) كنية النضر هذا، ليس هو شيخه في الحديث. والله أعلم.

ثم رأيته في " مسند الهيثم بن كليب " (80 / 2) من طريق فهد بن عوف: أخبرنا جعفر بن سليمان: حدثني النضر بن حميد الكندي: حدثني الجارود عن أبي الأحوص به.

فهذا يوافق رواية الطيالسي.

لكن فهد هذا لا يحتج به، قال ابن المديني:

" كذاب ".

وتركه مسلم والفلاس.

 

(1/574)

 

 

ولكنه عند العقيلي (435) من طريق خالد بن أبي زيد القرني - وهو صدوق، وهو المزرفي: حدثنا جعفر بن سليمان عن النضر قال: حدثني أبو الجارود به.

قلت: فهذا علة أخرى في الحديث، وهي الاضطراب في سنده، واسم راويه، وتصويب بعضهم أنه أبو الجارود زياد بن المنذر، لمجرد أن المزي ذكر النضر بن حميد في الرواة عنه لا يكفي، لأنه قائم على بعض هذه الروايات المتقدمة المختلفة، فإن ثبت أنه هو، ازداد الحديث وهنا على وهن، لأنه متهم بالكذب والوضع.

وروي الشطر الأول من الحديث عن عطاء مرسلا بلفظ:

" أكرموا قريشا، فإن....... ". وسيأتي إن شاء الله تعالى.

لكن قوله: اللهم إنك أذقت ... ، حسن، فقد أخرجه الترمذي (4 / 371) وأحمد (رقم 2170) والعقيلي (195) ومحمد بن عاصم الثقفي في " حديثه " (2 / 2) والضياء في " المختارة " (229 / 1) وكذا المخلص في " الفوائد المنتقاة " (8 / 6 / 1) من طريق الأعمش عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا به، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: ورجاله عند أحمد ثقات رجال الشيخين، وفي طارق كلام لا يضر.

بل هو صحيح فقد وجدت له شاهدا آخر من حديث ابن عمر أخرجه القضاعي (120 / 2) من طريق أبي سعيد بن الأعرابي قال: أنبأنا محمد بن غالب قال أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال أخبرنا شعبة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير عنه مرفوعا به.

قلت: هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون غير محمد بن غالب وهو تمتام حافظ مكثر وثقه الدارقطني.

 

(1/575)

 

 

399 - " اللهم اهد قريشا فإن علم العالم منهم يسع طباق الأرض، اللهم أذقت أولها نكالا، فأذق آخرها نوالا ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (8 / 2) وأبو نعيم (9 / 65) من طريق إسماعيل ابن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعا، والخطيب (2 / 60 - 61) وعنه العراقي في " محجة القرب " من طريق ابن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب بن كيسان، عن أبي هريرة مرفوعا.

وهذان إسنادان ضعيفان جدا: إسماعيل بن مسلم وعبد العزيز بن عبيد الله الحمصي متروكان، والحديث عزاه في " الكشف " (2 / 53) للترمذي وأحمد عن ابن عباس، وهو وهم، فإنما أخرجا عنه الشطر الثاني منه كما سبق في الحديث الذي قبله.

 

(1/576)

 

 

400 - " لمبارزة علي بن أبى طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة ".

كذب.

أخرجه الحاكم في " المستدرك " (3 / 32) من طريق أحمد بن عيسى الخشاب بـ " تنيس " حدثنا عمرو بن أبي سلمة: حدثنا سفيان الثوري عن بهز بن حكيم، عن أبيه عن جده مرفوعا سكت عنه الحاكم وقال الذهبي في " تلخيصه ":

قبح الله رافضيا افتراه.

قلت: وعلته الخشاب هذا فإنه كذاب كما قال ابن طاهر وغيره ولعله سرقه من كذاب مثله، فقد أخرجه الخطيب (13 / 19) من طريق إسحاق بن بشر القرشي عن بهز به.

 

(1/576)

 

 

وإسحاق هذا هو الكاهلي الكوفي وهو كذاب أيضا وقد سبقت له أحاديث موضوعة، فانظر مثلا الحديث (309 و311 و329 و351) من هذا الجزء.

قلت: وقصة مبارزة علي رضي الله عنه لعمرو بن ود وقتله إياه مشهورة في كتب السيرة وإن كنت لا أعرف لها طريقا مسندا صحيحا وإنما هي من المراسيل والمعاضيل فانظر إن شئت " سيرة ابن هشام " (3 /240 - 234) و" دلائل النبوة " للبيهقي (3 / 435 - 439) و" سيرة ابن كثير " (3 / 203 - 205) .

401 - " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي، فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانت نورا بين عينيه يوم القيامة ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني (1 / 184 / 2) والدارقطني (ص 249) وعنه البيهقي (4 / 274) من طريق كيسان أبي عمر القصار عن يزيد بن بلال عن علي موقوفا.

ثم أخرجوه من هذا الطريق عن عمرو بن عبد الرحمن عن خباب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وضعفه الدارقطني وتبعه البيهقي فقالا:

كيسان أبو عمر ليس بالقوي، ومن بينه وبين علي غير معروف.

وأقرهما ابن الملقن في " خلاصة البدر المنير " (ق 69 / 2) .

وفي " المجمع " (3 / 164 - 165) :

رواه الطبراني في الكبير، ورفعه عن خباب ولم يرفعه عن علي وفيه كيسان أبو عمر وثقه ابن حبان وضعفه غيره.

 

(1/577)

 

 

ونقل المناوي في " الفيض " عن العراقي أنه قال في " شرح الترمذي ":

حديث ضعيف جدا، وعن " تخريج الهداية ": فيه كيسان القعاب، كذا ضعيف جدا، وقال ابن حجر: فيه كيسان ضعيف عندهم، وأما قول العزيزي في " شرح الجامع الصغير " (1 / 129) ، وهو حديث ضعيف منجبر، فهو وهم منه إذ لا جابر له، ولم يدع ذلك غيره بل وقد روى ما يعارضه وهو:

402 - " كان يستاك آخر النهار وهو صائم ".

باطل.

أخرجه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " عن أحمد بن عبد الله بن ميسرة الحراني عن شجاع بن الوليد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.

وأعله ابن حبان بابن ميسرة وقال: لا يحتج به، ورفعه باطل، والصحيح عن ابن عمر من فعله وأقره الزيلعي في " نصب الراية " (2 / 460) ، ويغني عن هذا الحديث في مشروعية السواك للصائم في أي وقت شاء أول النهار أو آخره عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ".

متفق عليه، وهو مخرج في " الإرواء " (رقم 70) وما أحسن ما روى الطبراني (20 / 70 / 133) وفي " مسند

 

(1/578)

 

 

الشاميين " (2250) بإسناد يحتمل التحسين عن عبد الرحمن بن غنم قال:

سألت معاذ بن جبل أأتسوك وأنا صائم؟ قال: نعم، قلت: أي النهار أتسوك؟ قال: أي النهار شئت غدوة أو عشية، قلت: إن الناس يكرهو نه عشية ويقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؟ " فقال: سبحان الله لقد أمرهم بالسواك وهو يعلم أنه لا بد أن يكون بفي الصائم خلوف وإن استاك، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا، ما في ذلك من الخير شيء، بل فيه شر، إلا من ابتلي ببلاء لا يجد منه بدا.

قلت: والغبار في سبيل الله أيضا كذلك إنما يؤجر من اضطر إليه ولا يجد عنه محيصا؟ قال: نعم، فأما من ألقى نفسه في البلاء عمدا فما له في ذلك من أجر.

وقال الحافظ في " التلخيص " (ص 193) : إسناده جيد، ثم قال الزيلعي:

ويدخل فيه أيضا من تكلف الدوران، وكثرة المشي إلى المساجد بالنسبة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " وكثرة الخطا إلى المساجد " ومن يصنع في طلوع الشيب في شعره بالنسبه إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " من شاب شيبة في الإسلام " إنما يؤجر عليهما من بُلِيَ بهما.

403 - " نزل آدم الهند واستوحش، فنزل جبريل فنادى بالأذان الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن محمدا رسول الله مرتين، قال آدم: من محمد؟ قال: آخر ولدك من الأنبياء صلى الله عليه وسلم ".

ضعيف.

رواه ابن عساكر (2 / 323 / 2) عن محمد بن عبد الله بن سليمان أخبرنا علي بن بهرام الكوفي أخبرنا عبد الملك بن أبي كريمة عن عمرو بن قيس عن عطاء

 

(1/579)

 

 

عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف علي بن بهرام لم أعرفه وقد ذكره الحافظ في الرواة عن أبي كريمة هذا وسماه علي بن يزيد بن بهرام، ثم وجدته في تاريخ بغداد وجعل يزيد جده فقال (11 / 353) :

علي بن بهرام بن يزيد أبو حجية المزني العطار، من أهل إفريقية انتقل إلى العراق فسكنه إلى حين وفاته، وحدث ببغداد عن عبد الملك بن أبي كريمة الأنصاري روى عنه أحمد بن يحيى الأو دي وموسى بن إسحاق الأنصاري وعليك الرازي والحسن ابن الطيب الشجاعي، ثم ساق له حديثين ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

ومحمد بن عبد الله بن سليمان هما اثنان أحدهما كوفي قال ابن منده: مجهول والآخر خراساني اتهمه الذهبي بحديث موضوع، والظاهر هنا أنه الأول، وهذا الحديث مع ضعفه أقوى من الحديث المتقدم بلفظ:

" لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله:

يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه بعد؟ ... " الحديث رقم (25) وهو صريح في أن آدم عليه السلام كان يعرف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الجنة قبل هبوطه إلى الأرض، وهذا صريح في أن آدم عليه السلام لم يعرف محمدا صلى الله عليه وسلم حتى بعد نزوله إلى الأرض، ولذلك سأل جبريل: ومن محمد؟ فهذا من أدلة بطلان ذلك الحديث كما سبق بيانه عند تحقيق الكلام على وضعه فتذكر أو راجع إن شئت، وأنا لا أجيز لنفسي الاحتجاج بمثل هذا الحديث كما هو ظاهر ولكن التحقيق العلمي يسمح برد الحديث الواهي بالحديث الضعيف ما دام ضعفه أقل منه كما لا يخفى على من مارس هذا العلم الشريف.

 

(1/580)

 

 

404 - " نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ".

ضعيف.

أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (7 / 425) وأبو داود (1 / 382) وابن ماجه (1 / 528) والطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 112) والعقيلي في " الضعفاء " (106) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 38 / 2) والحاكم (1 / 434) والبيهقي (4 / 284) من طريق حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي. قلت: وهذا من أوهامهما الفاحشة فإن حوشب بن عقيل وشيخه مهدي الهجري لم يخرج لهما البخاري، بل إن الهجري مجهول كما قال ابن حزم في " المحلى " (7 /18) وأقره الذهبي في " الميزان " وذكر عن أبي حاتم نحوه، وفي " التهذيب " عن ابن معين مثله، فأنى للحديث الصحة وفيه هذا الرجل المجهول؟ ولذلك ضعف هذا الحديث ابن حزم فقال: لا يحتج بمثله وكذلك ضعفه ابن القيم في " الزاد " (1 / 16 و237) .

وتوثيق ابن حبان (7 / 501) إياه مما لا يعتد به كما نبهت عليه مرارا، وكذا تصحيح ابن خزيمة لحديثه لا يعتد به لأنه متساهل فيه، ولذلك لم يعتمد الحافظ على توثيقهما إياه فقال في ترجمة الهجري هذا مقبول يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث، وبما أنه تفرد بهذا الحديث فهو عنده لين.

 

(1/581)

 

 

فإن قيل قد روى الطبراني عن عائشة مثل هذا الحديث فهل يتقوى به؟

قلت: لا لأن في إسناده إبراهيم بن محمد الأسلمي وهو ضعيف جدا، فمثله لا يتقوى به فقال الطبراني في " الأوسط " (1 / 105 / 1 من زوائده) : حدثنا إبراهيم هو ابن (بياض في الأصل) حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن شروس حدثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن عائشة مرفوعا به وقال: لم يروه عن صفوان إلا إبراهيم.

قلت: وهو متروك كما قال الحافظ في " التقريب " وابن شروس لم أعرفه، ثم رأيته في " الجرح والتعديل " (8 / 8) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو مجهول.

وأما ما في " المجمع " (3 / 189) : رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن أبي يحيى وفيه كلام كثير وقد وثق قلت: فالظاهر أنه سقط من قلم الناسخ اسم إبراهيم بن فإنه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وقد كذبه مالك والقطان وابن معين وضعفه الجمهور فمثله لا يستشهد به ولا كرامة.

وإبراهيم شيخ الطبراني الذي ترك الهيثمي بعده بياضا هو ابن محمد بن سبرة الصنعاني ففي ترجمته أورده الطبراني في " أوسطه " (1 / 128 / 1 - 130 / 1 - 2 رقم 2513) ، أورده ابن ناصر الدين وغيره ولم يذكروا فيه شيئا.

نقول: هذا بيانا لحقيقة هذا الحديث ولكي لا يغتر به جاهل فيحرم به صيام يوم عرفة على الحاج تمسكا بظاهر النهى، وإلا فالأحب إلينا أن يفطر الحاج هذا اليوم لأنه أقوى له على أداء النسك، ولأنه هو الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من فعله في حجة

 

(1/582)

 

 

الوداع، انظر رسالتنا " حجة النبي صلى الله عليه وسلم "، وإليه يشير كلام أحمد رحمه الله فقد قال ابنه عبد الله في مسائله (ص 166 - مخطوط) : سألت أبي عن الرجل يصوم تطوعا في السفر فهل يأثم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس من البر الصوم في السفر "؟ فقال: إن صام في سفر صوم فريضة أجزأه ولا يعجبني أن يصوم تطوعا ولا فريضة في سفر: ثم رأيت الحديث رواه الدولابي (1 / 133) عن ابن عمر موقوفا عليه وسنده حسن.

وروى ابن سعد (7 / 125) وأبو مسلم الكجي في " جزء الأنصاري " (6 / 1) عن عمر نحوه، وفي سنده ضعيف.

405 - " من صلى الصبح ثم قرأ {قل هو الله أحد} مائة مرة قبل أن يتكلم، فكلما قرأ {قل هو الله أحد} غفر له ذنب سنة ".

موضوع.

أخرجه الطبراني (22 / 96 / 232) وكذا الحاكم (3 / 570) وابن عساكر (19 / 196 / 2) من طريق محمد بن عبد الرحمن القشيري حدثتني أسماء بنت واثلة بن الأسقع قالت: كان أبي إذا صلى الصبح جلس مستقبل القبلة لا يتكلم حتى تطلع الشمس فربما كلمته في الحاجة فلا يكلمني فقلت ما هذا؟ فقال: فذكره.

قلت: سكت عليه الحاكم، وبيض له الذهبي، وقال الهيثمي في " المجمع " (10 /109) بعد أن عزاه للطبراني:

 

(1/583)

 

 

وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري وهو متروك.

قلت: بل هو كذاب كما قال الأزدي، وقال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 325) :

" سألت أبي عنه؟ فقال: متروك الحديث، كان يكذب ويفتعل الحديث.

406 - " من كبر تكبيرة عند غروب الشمس على ساحل البحر رافعا بها صوته أعطاه الله من الأجر بعدد كل قطرة فى البحر عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات ما بين درجتين مسيرة مائة عام بالفرس المسرع ".

موضوع.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 122) وأبو نعيم (3 / 125) والحاكم (3 /587) من طريق إبراهيم بن زكريا العبدسي حدثنا فديك بن سليمان قال: حدثنا خليفة بن حميد عن إياس بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعا.

وقال أبو نعيم:

غريب من حديث إياس ولم يروه عنه إلا خليفة تفرد به عنه فديك.

وسكت عنه الحاكم وقال الذهبي في " تلخيصه ":

قلت: هذا منكر جدا، وخليفة لا يدرى من هو، وفي إسناده إليه من يتهم.

قلت: يشير إلى العبدسي هذا قال فيه ابن عدي:

حدث بالبواطيل، وقال ابن حبان: يأتي عن مالك بأحاديث موضوعة.

وقال الذهبي في ترجمة خليفة هذا من الميزان:

 

(1/584)

 

 

فيه جهالة، وخبره ساقط، ثم ساق هذا الحديث من رواية العقيلي، ونقل الحافظ في " اللسان ": كلام الذهبي في " التلخيص " وأقره عليه، وقد ذهل الهيثمي عن المتهم المشار إليه في كلام الذهبي فاقتصر في إعلاله في " المجمع " (5 / 288) بكلام الذهبي المذكور في ترجمة خليفة، وذلك قصور لا يخفى.

ثم رأيت ابن عراق قد أورد الحديث في " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " (288 / 2) فأصاب.

407 - " من كانت له ثلاث بنات فصبر على لأو ائهن وضرائهن وسرائهن أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن، فقال رجل: أو اثنتان يا رسول الله؟ قال: أو اثنتان، فقال رجل: أو واحدة يا رسول الله؟ قال: أو واحدة ".

ضعيف بهذا اللفظ.

أخرجه الحاكم (4 / 177) وأحمد (2 / 335) من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن عمر بن نبهان عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الحاكم:

صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي وأقره المنذري في " الترغيب " (3 / 85) .

وأقول: كلا: فإن ابن جريج وأبا الزبير مدلسان وقد عنعناه، وعمر بن نبهان فيه جهالة كما قال الذهبي نفسه في " الميزان " فأنى له الصحة؟ !

ويغني عن هذا حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:

 

(1/585)

 

 

" من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال رجل من بعض القوم: واثنتين يا رسول الله؟ قال: واثنتين ".

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 14) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 14) من طريقين عن محمد بن المنكدر عنه، فهذا إسناد صحيح.

408 - " أحب الأسماء إلى الله ما تعبد به ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 59 / 2) و" الأوسط " (1 / 40 / 1 / 685) عن معلل بن نفيل الحراني عن محمد بن محصن عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمي الرجل عبده أو ولده حارثا أو مرة أو وليدا أو حكما أو أبا الحكم أو أفلح أو نجيحا أو يسارا وقال: " أحب الأسماء إلى الله عز وجل ما تعبد به وأصدق الأسماء همام " والسياق " للأوسط " وقال: لم يروه عن سفيان إلا محمد، قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 51) بعد أن عزاه للمعجمين وفيه محمد بن محصن العكاشي وهو متروك.

قلت: بل هو كذاب كما قال ابن معين، وقال الدارقطني يضع الحديث.

والحديث ذكره السيوطي في " الجامع الصغير " برواية الشيرازي في " الألقاب "

والطبراني وأعله الشارح المناوي بكلام الهيثمي السابق ثم قال:

 

(1/586)

 

 

وقال في " الفتح ": في إسناده ضعف، ولم يرمز له المؤلف هنا بشيء، ووهم من زعم أنه رمز له بالضعف ولكنه جزم بضعفه في الدرر ".

قلت: والاقتصار على تضعيفه قصور مع كونه من رواية هذا الكذاب، إلا أن يقال أن الضعيف من أقسامه الموضوع كما تقرر في " المصطلح " فلا منافاة.

وانظر الحديث الآتي بعد حديثين.

409 - " من عشق وكتم وعف فمات فهو شهيد ".

موضوع.

رواه ابن حبان في " المجروحين " (1 / 349) والخطيب في " تاريخه " (5 / 156، 262، 6 / 50 - 51، 71 / 298، 13 /0 184) والثعالبي في " حديثه (129 / 1) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني "

(281 / 2) والسلفي في " الطيوريات " (24 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (12 / 263 / 2) وابن الجوزي في " مشيخته ": الشيخ الثامن والسبعون من طرق عن سويد بن سعيد الحدثاني حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف وله علتان:

الأولى: ضعف أبي يحيى القتات واسمه زاذان وقيل غير ذلك، قال الحافظ في " التقريب ": لين الحديث.

الأخرى: ضعف سويد بن سعيد، قال الحافظ: صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول.

قلت: وقد تكلم فيه ابن معين من أجل هذا الحديث كما يأتي، واتفق الأئمة

 

(1/587)

 

 

المتقدمون على تضعيف هذا الحديث، فقال ابن الملقن في " الخلاصة " (54 / 2) :

وأعله الأئمة، قال ابن عدي والحاكم والبيهقي وابن طاهر وغيرهم هو أحد ما أنكر على سويد بن سعيد قال يحيى بن معين: لوكان لي فرس ورمح لكنت أغزوه.

ولهذا قال الحافظ ابن حجر في " بذل الماعون " (45 / 2) :

وفي سنده مقال، وذهب بعض المتأخرين إلى تقوية الحديث بمجيئه من طريق آخر، فقال الزركشي في " اللآليء المنثورة في الأحاديث المشهورة " (رقم 166 - نسختي) : وهذا الحديث أنكره يحيى بن معين وغيره على سويد بن سعيد، لكن لم يتفرد به، فقد رواه الزبير بن بكار فقال: حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون عن عبد العزيز بن أبي حازم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وهو إسناد صحيح.

قال الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة ": (420 - طبع الخانجي) بعد أن ساق هذه الطريق: وينظر هل هذه هي الطريق التي أورده الخرائطي منها، فإن تكن هي فقد قال العراقي: في سندها نظر، ومن طريق الزبير أخرجه الديلمي في مسنده، ولكن وقع عنده عن عبد الله بن عبد الملك بن الماجشون لا كما هنا.

قلت: أما طريق الخرائطي فلم يسقها السخاوي، وقد أوردها العلامة المحقق ابن القيم وتكلم عليها فقال في كتاب " الداء والدواء " (ص 353 - 354) :

أما حديث ابن الماجشون عن عبد العزيز بن أبي حازم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا، فكذب على ابن الماجشون، فإنه لم يحدث بهذا، ولا حدث به عنه الزبير ابن بكار، وإنما هذا من تركيب بعض الوضاعين، ويا سبحان

 

(1/588)

 

 

الله كيف يحتمل هذا الإسناد مثل هذا المتن فقبح الله الوضاعين.

وقد ذكره أبو الفرج بن الجوزي من حديث محمد بن جعفر بن سهل: حدثنا يعقوب بن عيسى من ولد عبد الرحمن بن عوف عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مرفوعا، وهذا غلط قبيح فإن محمد بن جعفر هذا هو الخرائطي، ووفاته سنة سبع وعشرين وثلاث مئة، فمحال أن يدرك شيخه يعقوب، ابن أبي نجيح ولا سيما وقد رواه في كتابه " الاعتلال " عن يعقوب هذا عن الزبير عن عبد الملك عن عبد العزيز عن ابن أبي نجيح، والخرائطي هذا مشهور بالضعف في الرواية، ذكره أبو الفرج في كتاب " الضعفاء ".

قلت: أما الخرائطي فلا أعرف أحدا من المتقدمين رماه بشيء من الضعف ولهذا لم يورده الذهبي في " ميزان الاعتدال "، ولا استدركه عليه الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان "، وقد ترجمه الخطيب في تاريخه (2 / 139 - 140) ثم السمعاني في " الأنساب " ثم ابن الأثير في " اللباب " فلم يجرحه أحد منهم، بل ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه (15 / 93 / 1 - 2) وروى عن أبي نصر ابن ماكولا أنه قال فيه: كان من الأعيان الثقات.

فأنا في شك كبير من صحة ما ذكره أبو الفرج من ضعف الخرائطي، بل هو ثقة حجة. والله أعلم.

 

(1/589)

 

 

ثم طبع كتاب " الضعفاء " لابن الجوزي فلم أجد فيه محمد بن جعفر الخرائطي وإنما ذكر آخرين (3 / 46 - 47) ليسا من طبقة الخرائطي وهما من رجال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 222 / 1224 و1226) فتبين أن الوهم من ابن القيم والله أعلم. فلعل علة هذا الإسناد من يعقوب بن عيسى شيخ الخرائطي، فإنى لم أجد له ترجمة، ومن

طبقته يعقوب بن عيسى بن ماهان أبو يوسف المؤدب ترجمه الخطيب (14 / 271 - 272) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولكنه لم يذكر أنه من ولد عبد الرحمن بن عوف، والله أعلم، وهو من شيوخ أحمد في المسند قال الحافظ في " التعجيل " قال أبو زرعة ابن شيخنا لا أعرفه، وذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 286) لكن

وقع فيه يعقوب بن يوسف بن ماهان ثم وجدت الحافظ ابن حجر قد تكلم على الحديث في " التلخيص الحبير " (5 / 273)

وأعله من الطريق الأولى بنحو ما نقلناه عن " الخلاصة " وأعل الطريق الثانية من رواية يعقوب عن ابن أبي نجيح بأن يعقوب ضعفه أحمد بن حنبل، ثم قال:

ورواه الخطيب من طريق الزبير بن بكار، وهذه الطريق غلط فيها بعض الرواة فأدخل إسنادا في إسناد، وخلاصة القول: إن هذا الطريق ضعيف أيضا لضعف يعقوب هذا واضطرابه في روايته فمرة يقول: عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مرفوعا، فيرسله ولا يذكر الواسطة بينه وبين ابن أبي نجيح، ومرة يقول عن الزبير عن عبد الملك عن عبد العزيز عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس فيسنده ويوصله.

قال ابن القيم:

 

(1/590)

 

 

وكلام حفاظ الإسلام في إنكار هذا الحديث هو الميزان وإليهم يرجع في هذا الشأن، ولم يصححه ولم يحسنه أحد يعول في علم الحديث عليه، ويرجع في التصحيح إليه، ولا من عادته التسامح والتساهل، فإنه لم يصف نفسه له

، ويكفي أن ابن طاهر الذي يتساهل في أحاديث التصوف ويروي منها الغث والسمين قد أنكره وشهد ببطلانه.

نعم ابن عباس لا ينكر ذلك عنه، وقد ذكر أبو محمد بن حزم عنه أنه سئل عن الميت عشقا فقال: قتيل الهوى لا عقل له ولا قدر، ورفع إليه بعرفات شاب قد صار كالفرخ فقال: ما شأنه؟ قالوا: العشق، فجعل عامة يومه يستعيذ من العشق.فهذا نفس ما روى عنه في ذلك.

ومما يوضح ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عد الشهداء في الصحيح، فذكر المقتول في الجهاد والحرق والغرق، والمبطون، والنفساء يقتلها ولدها، وصاحب ذات الجنب، ولم يذكر منهم من يقتله العشق، وحسب قتيل العشق أن يصح له هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما على أنه لا يدخل الجنة حتى يصبر لله، ويعف لله ويكتم لله، لكن العاشق إذا صبر وعف وكتم مع قدرته على معشوقه وآثر محبته لله وخوفه ورضاه فهو من أحق

 

(1/591)

 

 

من دخل تحت قوله تعالى {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهو ى، فإن الجنة هي المأو ى} وتحت قوله تعالى {ولمن خاف مقام ربه جنتان} .

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الخطيب عن عائشة وعن ابن عباس، وهذا يوهم أن له طريقين أحدهما عن عائشة والآخر عن ابن عباس، والحقيقة أنه طريق واحد، وهم في سنده بعض الضعفاء فصيره من مسند عائشة، وإنما هو من مسند ابن عباس كما تقدم، فقد أخرجه الخطيب في " تاريخه " (12 /479) من طريق أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي: حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا به، وقال:

رواه غير واحد عن سويد عن علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس وهو المحفوظ، وكذا قال في " المؤتلف " أيضا كما في " اللسان " وأشار إلى أن الخطأ في هذا الإسناد من الطوسي هذا، قال الدارقطني: ليس بالقوي، يأتي بالمعضلات.

قلت: فهذا الإسناد منكر لمخالفة الطوسي لرواية الثقات الذين أسندوه عن سويد بسنده عن ابن عباس، فلا يجوز الاستكثار بهذا الإسناد والتقوي به لظهور خطئه ورجوعه في الحقيقة إلى الإسناد الأول، وقد قال ابن القيم في " الداء والدواء " (ص 353) بعد أن ساق رواية الخطيب هذه:

فهذا من أبين الخطأ، ولا يحمل هشام عن أبيه عن عائشة مثل هذا عند من

 

(1/592)

 

 

شم أدنى رائحة الحديث، ونحن نشهد بالله أن عائشة ما حدثت بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، ولا حدث به عروة عنها ولا حدث به هشام قط.

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف الإسناد من الطريقين، وقد أنكره العلامة ابن القيم من حيث معناه أيضا وحكم بوضعه كما رأيت، وقد أو ضح ذلك في كتابه " زاد المعاد " أحسن توضيح فقال (3 / 306 - 307) :

ولا تغتر بالحديث الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساقه من الطريقين ثم قال، فإن هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يكون من كلامه، فإن الشهادة درجة عالية عند الله مقرونة بدرجة الصديقية ولها أعمال وأحوال هي شروط في حصولها وهي نوعان عامة وخاصة، فالخاصة الشهادة في سبيل الله والعامة خمس مذكورة في الصحيح ليس العشق واحدا منها، وكيف يكون العشق الذي هو شرك المحبة وفراغ عن الله وتمليك القلب والروح والحب لغيره تنال به درجة الشهادة! ؟ هذا من المحال، فإن إفساد عشق الصور للقلب فوق كل إفساد بل هو خمر الروح الذي يسكرها ويصدها عن ذكر الله وحبه، والتلذذ بمناجاته والأنس به، ويوجب عبودية القلب لغيره، فإن قلب العاشق متعبد لمعشوقه بل العشق لب العبودية، فإنها كمال الذل والحب والخضوع والتعظيم فكيف يكون تعبد القلب لغير الله مما تنال به درجة أفاضل الموحدين وساداتهم وخواص الأولياء! ؟ فلوكان إسناد هذا الحديث كالشمس كان غلطا ووهما، ولا يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ العشق من حديث صحيح البتة، ثم إن العشق منه حلال ومنه حرام، فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يحكم على كل عاشق يكتم ويعف بأنه شهيد! ؟ أفترى من يعشق امرأة غيره أو يعشق المردان والبغايا ينال بعشقه درجة الشهداء! ؟ وهل هذا إلا خلاف المعلوم من دينه صلى الله عليه وسلم؟ كيف والعشق مرض من الأمراض التي جعل الله سبحانه لها من الأدوية شرعا وقدرا،

 

(1/593)

 

 

والتداوي منه إما واجب إن كان عشقا حراما، وإما مستحب، وأنت إذا تأملت الأمراض والآفات التي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابها بالشهادة وجدتها من الأمراض التي لا علاج لها، كالمطعون والمبطون والمجنون والحرق والغرق، ومنها المرأة يقتلها ولدها في بطنها، فإن هذه بلايا من الله لا صنع للعبد فيها ولا علاج لها، وليست أسبابها محرمة ولا يترتب عليها من فساد القلب وتعبده لغير الله ما يترتب على العشق، فإن لم يكف هذا في إبطال نسبة هذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلد أئمة الحديث العالمين به وبعلله فإنه لا يحفظ عن إمام واحد منهم قط أنه شهد له بصحة، بل ولا بحسن، كيف وقد أنكروا على سويد هذا الحديث ورموه لأجله بالعظائم واستحل بعضهم غزوه لأجله.

وخلاصة الكلام أن الحديث ضعيف الإسناد موضوع المتن كما جزم بذلك العلامة ابن القيم في المصدرين السابقين، وكذا في رسالة " المنار " له أيضا (ص 63) ومثله في " روضة المحبين " والله أعلم.

410 - " التراب ربيع الصبيان ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الكبير " (5775) وابن عدي (311 / 1) عن محمد بن مخلد الحمصي حدثنا مالك بن أنس عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبيان وهم يلعبون بالتراب فنهاهم عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعهم يا عمر فإن التراب ... وقال ابن عدي: وهذا حديث منكر بهذا الإسناد، ومحمد بن مخلد هذا يحدث عن مالك وغيره بالبواطيل.

قلت: وعد الذهبي هذا الحديث من أباطيله، وساق له حديثا آخر قال فيه:

 

(1/594)

 

 

وهو كذب ظاهر، سيأتي تخريجه برقم (1252) والحديث عزاه الهيثمي في " المجمع " (8 / 159) للطبراني

وقال: وفيه محمد بن مخلد الرعيني وهو متهم بهذا الحديث وغيره.

قال السخاوي (ص 74) :

ورواه القضاعي من حديث مالك بن سعيد عن مالك عن نافع عن ابن عمر به، وقال الخطيب: إن المتن لا يصح. قلت: وإسناده عند القضاعي في " مسند الشهاب " (18 / 1) هكذا: أخبرنا أبو القاسم يحيى بن أحمد بن علي بن الحسين قال: أخبرنا جدي علي بن الحسين بن بندار قال: أخبرنا علي بن عبد الحميد الغضائرى قال: أخبرنا محمد بن يوسف الفريابي بمكة قال: أخبرنا مالك بن سعيد به.

قلت: الغضائري هذا ترجمه السمعاني في " الأنساب " وقال: وكان من الصالحين الزهاد الثقات ومن فوقه ثقات معروفون من رجال التهذيب، وأما أبو القاسم وجده علي بن الحسين بن بندار فلم أجد من ترجمهما، وفي " الميزان "

و" اللسان ": علي بن الحسن بن بندار الإستراباذي عن خيثمة الأطرابلسي اتهمه محمد بن طاهر.

قلت: فيحتمل أن يكون هو هذا، فإنه من هذه الطبقة، وعليه تحرف اسم أبيه الحسن بـ الحسين في " المسند "، والله أعلم.

411 - " أحب الأسماء إلى الله ما عبد وما حمد ".

لا أصل له.

كما صرح به السيوطي وغيره (انظر " كشف الخفاء " 1 / 390، 51) ، وقد أخطأ المنذري رحمه الله خطأ فاحشا حيث ذكره في " الترغيب " (3 / 85)

 

(1/595)

 

 

من حديث ابن عمر بهذا اللفظ في رواية لمسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجه، كذا قال، وإنما أخرج هؤلاء عن ابن عمر اللفظ الثاني الذي في الترغيب وهو: " أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ".

أنظر " صحيح مسلم " (6 / 169) و" سنن أبي داود " (2 / 307) والترمذي (4 / 29) وابن ماجه (2 / 404) ، هكذا رواه أيضا الدارمي (2 / 294) وأحمد رقم (4774، 6122) والحاكم (4 / 274) والخطيب (10 / 223) عن ابن عمر.

وكذلك أخرجه أبو داود والنسائي (2 / 119) وأحمد (3 / 345) من حديث أبي وهب الجشمي رضي الله عنه وفيه عقيل بن شبيب مجهول الحال.

فائدة: نقل ابن حزم الاتفاق على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى وعبد الكعبة، وأقره العلامة ابن القيم في " تحفة المودود " (ص 37) وعليه فلا تحل التسمية بـ: عبد على وعبد الحسين كما هو مشهور عند الشيعة، ولا بـ: عبد النبي أو عبد الرسول كما يفعله بعض الجهلة من أهل السنة.

412 - " من صام يوم عرفة كان له كفارة سنتين، ومن صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 200) من طريق الهيثم بن حبيب حدثنا سلام الطويل عن حمزة الزيات عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا وقال: تفرد به الهيثم بن حبيب.

 

(1/596)

 

 

قلت: اتهمه الذهبي بخبر باطل، وذكره ابن حبان في " الثقات "! وسلام الطويل متهم، وابن أبي سليم ضعيف.

والحديث أعله الهيثمي (3 / 190) بالهيثم هذا وهو قصور لا يخفى، وأعجب منه قول المنذري في " الترغيب " (1 / 78) :

رواه الطبراني في " الصغير " وهو غريب وإسناده لا بأس به "! ، وهذا ذهول عجيب، وإلا فكيف يسلم من البأس إذا كان فيه ذاك المتهم الطويل! قال فيه ابن خراش: كذاب، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات، كأنه كان المتعمد لها، وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة.

والحديث رواه الطبراني أيضا في " الكبير " (109 / 1) من هذا الوجه بالشطر الأول فقط، وهذا القدر منه صحيح لأن له شواهد كثيرة منها حديث أبي قتادة مرفوعا: صيام يوم عرفة إنى أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله.

 

(1/597)

 

 

أخرجه مسلم (3 / 167 - 168) وغيره، وهو قطعة من حديث مخرج في " الإرواء " (952) ثم إن الطبراني روى الشطر الثاني من الحديث بلفظ آخر وهو:

413 - " من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون حسنة ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 109 / 1) : حدثنا محمد بن زريق بن جامع حدثنا الهيثم بن حبيب أخبرنا سلام الطويل عن حمزة الزيات عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، وله علل ثلاث تقدم بيانها في الحديث الذي قبله.

ومع أن إسنادهما واحد فالمتن مختلف، ففي هذا قال: " ثلاثون حسنة " وفي ذاك قال: " ثلاثون يوما " وهذه علة أخرى تضم إلى ما قبلها!

وقد ذهل عن علة هذا الحديث أيضا المقتضية لوضعه الهيثمي كما ذهل عنها في الحديث الذي قبله على ما سبق بيانه وقد تبعه في هذا المناوي في " شرح الجامع الصغير " فقال: قال الهيثمي: فيه الهيثم بن حبيب ضعفه الذهبي! .

 

(1/598)

 

 

414 - " ما أوتي قوم المنطق إلا منعوا العمل ".

لا أصل له.

كما أفاده العراقي في " تخريج الأحياء " (1 / 37) والسبكي في " طبقات الشافعية " (4 / 145) .

 

(1/598)

 

 

415 - " من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تجب الشمس ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 105 / 2) و" الأوسط " (2 / 80 / 2 / 6293) من طريق أحمد بن ماهان بن أبي حنيفة حدثنا أبي عن طلحة بن يزيد عن زيد ابن سنان عن يزيد بن خالد الدمشقي عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا.

وقال: تفرد به محمد بن ماهان قلت: وهذا إسناد موضوع، أحمد بن ماهان هو أحمد بن محمد بن ماهان يعرف والده بأبي حنيفة ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 73) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وذكر عن أبيه أنه قال في محمد بن ماهان: إنه مجهول، وطلحة بن زيد متهم بالوضع وقد تقدم ويزيد بن سنان وهو أبو فروة الرهاوي ضعيف.

ومما تقدم تعلم أن قول الحافظ في " تخريج الكشاف " (3 / 73) : رواه الطبراني عن ابن عباس، وإسناده ضعيف فيه قصور ظاهر قلده عليه السيوطي في " الدر المنثور " (2 / 2) فقد قال الحافظ نفسه في ترجمة طلحة هذا من " التقريب ": متروك، قال أحمد وعلي وأبو داود: كان يضع الحديث، وكذلك قول الهيثمي في " المجمع " (2 / 168) : رواه الطبراني في " الأوسط " و" الكبير " وفيه طلحة بن زيد الرقي وهو

 

(1/599)

 

 

ضعيف فيه قصور لا يخفى، لكن في نقل المناوي في شرح " الجامع الصغير " عنه أنه قال: وهو ضعيف جدا، فلعله سقط من الناسخ أو الطابع لفظة جدا.

ثم ذكر المناوي نقلا عن ابن حجر أنه قال فيه: ضعيف جدا ونسبه أحمد وأبو داود إلى الوضع، ثم عقب عليه المناوي بقوله: فكان ينبغي للمصنف يعني السيوطي حذفه.

416 - " اطلبوا العلم ولو بالصين ".

باطل.

رواه ابن عدي (207 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 106) وابن عليك النيسابوري في " الفوائد " (241 / 2) وأبو القاسم القشيري في " الأربعين " (151 / 2) والخطيب في " التاريخ " (9 / 364) وفي " كتاب الرحلة " (1 / 2) والبيهقي في " المدخل " (241 / 324) وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (1 / 7 - 8) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (28 / 1) كلهم من طريق الحسن بن عطية حدثنا أبو عاتكة طريف بن سلمان عن أنس مرفوعا، وزادوا جميعا: " فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم " وقال ابن عدي:

 

(1/600)

 

 

وقوله: ولوبالصين، ما أعلم يرويه غير الحسن بن عطية.

وكذا قال الخطيب في " تاريخه " ومن قبله الحاكم كما نقله عنه ابن المحب ومن خطه على هامش " الفوائد " نقلت، وفي ذلك نظر فقد أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (196) عن حماد بن خالد الخياط قال: حدثنا طريف بن سليمان به، وقال: ولا يحفظ " ولو بالصين " إلا عن أبي عاتكة، وهو متروك الحديث و" فريضة على

كل مسلم " الرواية فيها لين أيضا متقاربة في الضعف.

فآفة الحديث أبو عاتكة هذا وهو متفق على تضعيفه، بل ضعفه جدا العقيلي كما رأيت والبخاري بقوله: منكر الحديث، والنسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم:

ذاهب الحديث، كما رواه ابنه عنه (2 / 1 / 494) وذكره السليماني فيمن عرف بوضع الحديث، وذكر ابن قدامة في " المنتخب " (10 / 199 / 1) عن الدوري أنه قال: وسألت يحيى بن معين عن أبي عاتكة هذا فلم يعرفه، وعن المروزي أن أبا عبد الله يعني الإمام أحمد ذكر له هذا الحديث؟ فأنكره إنكارا شديدا.

قلت: وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 215) وقال: قال ابن حبان: باطل لا أصل له.

 

(1/601)

 

 

وأقره السخاوي في " المقاصد " (ص 63) ، أما السيوطي فتعقبه في " اللآليء " (1 / 193) بما حاصله: أن له طريقين آخرين:

أحدهما من رواية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم العسقلاني بسنده عن الزهري عن أنس مرفوعا به، رواه ابن عبد البر، ويعقوب هذا قال الذهبي: كذاب، ثم ذكر أنه روى بإسناد صحيح، من حفظ على أمتي أربعين حديثا وهذا باطل.

والآخر: من طريق أحمد بن عبد الله الجويباري بسنده عن أبي هريرة مرفوعا، الشطر الأول منه فقط، قال السيوطي: والجويباري وضاع.

قلت: فتبين أن تعقبه لابن الجوزي ليس بشيء!

وقال في " التعقبات على الموضوعات " (ص 4) :

" أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " من طريق أبي عاتكة وقال: متن مشهور وإسناد ضعيف، وأبو عاتكة من رجال الترمذي ولم يجرح بكذب ولا تهمة، وقد وجدت له متابعا عن أنس، أخرجه أبو يعلى وابن عبد البر في " العلم " من طريق كثير بن شنظير عن ابن سيرين عن أنس، وأخرجه ابن عبد البر أيضا من طريق عبيد بن

 

(1/602)

 

 

محمد الفريابي عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس.

ونصفه الثاني، أخرجه ابن ماجه، وله طريق كثيرة عن أنس يصل مجموعها إلى مرتبة الحسن، قاله الحافظ المزي، وأورده البيهقي في " الشعب " من أربع طرق عن أنس، ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.

ولنا عليه تعقبات:

أولا: لينظر فيما نقله عن البيهقي هل يعني النصف الأول من الحديث أعني " اطلبوا العلم ولوبالصين " أم النصف الثاني فإن هذا هو المشهور وفيه أورد السخاوي قول البيهقي المذكور لا في النصف الأول وعليه يدل كلامه في " المدخل " (242 - 243) ثم تأكدت من ذلك بعد طبع " الشعب " (2 / 254 - 255) .

ثانيا: قوله: إن أبا عاتكة لم يجرح بكذب يخالف ما سبق عن السليماني، بل وعن النسائي إذ قال " ليس بثقة " لأنه يتضمن تجريحه بذلك كما لا يخفى.

ثالثا: رجعت إلى رواية كثير بن شنظير هذه في " جامع ابن عبد البر " (ص 9) فلم أجد فيها النصف الأول من الحديث، وإنما هي بالنصف الثاني فقط مثل رواية ابن ماجه، وأظن أن رواية أبي يعلى مثلها ليس فيها النصف الأول، إذ لوكان كما ذكر السيوطي لأوردها الهيثمي في " المجمع " ولم يفعل.

رابعا: رواية الزهري عن أنس عند ابن عبد البر فيها عبيد بن محمد الفريابي ولم أعرفه، وقد أشار إلى جهالته السيوطي بنقله السند مبتدءا به، ولكنه أو هم بذلك أن الطريق إليه سالم، وليس كذلك بل فيه ذاك الكذاب كما سبق!

ثم وجدت ترجمة الفريابي هذا عند ابن أبي حاتم (2 / 2 / 335) بسماع أبيه منه.

وذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 406) وقال: مستقيم.

 

(1/603)

 

 

الحديث فالآفة من يعقوب.

خامسا: قوله: وله طرق كثيرة ... يعني بذلك النصف الثاني من الحديث كما هو ظاهر من كلامه، وقد فهم منه المناوي أنه عنى الحديث كله! فقد قال في شرحه إياه بعد أن نقل إبطال ابن حبان إياه وحكم ابن الجوزي بوضعه:

ونوزع بقول المزي: له طرق ربما يصل بمجموعها إلى الحسن: ويقول الذهبي في " تلخيص الواهيات ": روى من عدة طرق واهية وبعضها صالح.

وهذا وهم من المناوي رحمه الله فإنما عنى المزي رحمه الله النصف الثاني كما هو ظاهر كلام السيوطي المتقدم، وهو الذي عناه الذهبي فيما نقله المناوي عن " التلخيص "، لا شك في ذلك ولا ريب.

وخلاصة القول: إن هذا الحديث بشطره الأول، الحق فيه ما قاله ابن حبان وابن الجوزي، إذ ليس له طريق يصلح للاعتضاد به.

وأما الشطر الثاني فيحتمل أن يرتقي إلى درجة الحسن كما قال المزي، فإن له طرقا كثيرة جدا عن أنس، وقد جمعت أنا منها حتى الآن ثمانية طرق، وروى عن جماعة من الصحابة غير أنس منهم ابن عمر وأبو سعيد وابن عباس وابن مسعود وعلي، وأنا في صدد جمع بقية طرقه لدراستها والنظر فيها حتى أتمكن من الحكم عليه بما يستحق من صحة أو حسن أو ضعف.

ثم درستها وأو صلتها إلى نحو العشرين في " تخريج مشكلة الفقر " (48 - 62) وجزمت بحسنه.

واعلم أن هذا الحديث مما سود به أحد مشايخ الشمال في سوريا كتابه الذي أسماه بغير حق " تعاليم الإسلام " فإنه كتاب محشوبالمسائل الغريبة والآراء الباطلة التي لا تصدر من عالم، وليس هذا فقط، بل فيه كثير جدا من الأحاديث الواهية والموضوعة، وحسبك دليلا على ذلك أنه جزم بنسبة هذا الحديث الباطل إلى

 

(1/604)

 

 

النبي صلى الله عليه وسلم وهو ثانى حديث من الأحاديث التي أوردها في " فضل العلم " من أول كتابه (ص 3) وغالبها ضعيفة، وفيها غير هذا من الموضوعات كحديث " خيار أمتي علماؤها، وخيار علمائها فقهاؤها " وهذا مع كونه حديثا باطلا كما سبق تحقيقه برقم (367) فقد أخطأ المؤلف أو من نقله عنه في روايته، فإن لفظه: " رحماؤها " بدل " فقهاؤها "!

ومن الأحاديث الموضوعة فيه ما أورده في (ص 236) " صلاة بعمامة أفضل من خمس وعشرين ... و" إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة " وقد تقدم الكلام عليهما برقم (127 و159) .

ومنها حديث " المتعبد بغير فقه كالحمار في الطاحون " (ص 4 منه) وسيأتي بيان وضعه برقم (782) إن شاء الله تعالى.

ومن غرائب هذا المؤلف أنه لا يعزو الأحاديث التي يذكرها إلى مصادرها من كتب الحديث المعروفة، وهذا مما لا يجوز في العلم، لأن أقل الرواية عزو الحديث إلى مصدره، ولقد استنكرت ذلك منه في أول الأمر، فلما رأيته يعزي أحيانا ويفترى في ذلك، هان علي ما كنت استنكرته من قبل! فانظر إليه مثلا في الصفحة (247) حيث يقول:

روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كتب هذا الدعاء وجعله بين صدر الميت وكفنه لم ينله عذاب القبر (!) ولم ير منكرا ولا نكيرا (!) وهو هذا ... "، ثم ذكر الدعاء.

فهذا الحديث لم يروه الترمذي ولا غيره من أصحاب الكتب الستة ولا الستين! إذ لا يعقل أن يروي مثل هذا الحديث الموضوع الظاهر البطلان إلا من لم يشم رائحة الحديث ولومرة واحدة في عمره!

 

(1/605)

 

 

وفي الصفحة التي قبل التي أشرنا إليها قوله: في " صحيح مسلم " قال صلى الله عليه وسلم: " من غسل ميتا وكتم عليه غفر الله له أربعين سيئة ".

فهذا ليس في " صحيح مسلم " ولا في شيء من الكتب، وإنما رواه الحاكم فقط والبيهقي بلفظ: " أربعين مرة ".

فهذا قل من جل مما في هذا الكتاب من الأحاديث الموضوعة والتخريجات التي لا أصل لها، ويعلم الله أنني عثرت عليها دون تقصد، ولو أنني قرأت الكتاب من أوله إلى آخره قاصدا بيان ما فيه من المنكرات لجاء كتابا أكبر من كتابه! وإلى الله المشتكى!

وأما ما فيه من المسائل الفقهية المستنكرة فكثيرة أيضا، وليس هذا مجال القول في ذلك، وإنما أكتفي بمثالين فقط، قال (ص 36) في صدد بيان آداب الاغتسال:

وأن يصلى ركعتين بعد خروجه سنة الخروج من الحمام!

وهذه السنة لا أصل لها البتة في شيء من كتب السنة حتى التي تروى الموضوعات!

ولا أعلم أحدا من الأئمة المجتهدين قال بها!

وقال (ص 252 - 253) :

لا بأس بالتهليل والتكبير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعني جهرا قدام الجنازة، لأنه صار شعارا للميت، وفي تركه ازدراء به، وتعرض للتكلم فيه وفي ورثته، ولوقيل بوجوبه لم يبعد!

وهذا مع كونه من البدع المحدثة التي لا أصل لها في السنة فلم يقل بها أحد من الأئمة أيضا، وإنى لأعجب أشد العجب من هؤلاء المتأخرين الذين يحرمون على

 

(1/606)

 

 

طالب العلم أن يتبع الحديث الصحيح بحجة أن المذهب على خلافه، ثم يجتهدون هم فيها لا مجال للاجتهاد فيه لأنه خلاف السنة وخلاف ما قال الأئمة أيضا الذين يزعمون تقليدهم، وايم الله إني لأكاد أميل إلى الأخذ بقول من يقول من المتأخرين بسد باب الاجتهاد حين أرى مثل هذه الاجتهادات التي لا يدل عليها دليل شرعى ولا تقليد لإمام! فإن هؤلاء المقلدين إن اجتهدوا كان خطؤهم أكثر من إصابتهم، وإفسادهم أكثر من إصلاحهم، والله المستعان.

وإليك مثالا ثالثا هو أخطر من المثالين السابقين لتضمنه الاحتيال على استحلال ما حرمه الله ورسوله، بل هو من الكبائر بإجماع الأمة ألا وهو الربا! قال ذلك المسكين (ص 321) :

" إذا نذر المقترض مالا معينا لمقرضه ما دام دينه أو شيء منه صح نذره، بأن يقول: لله علي ما دام المبلغ المذكور أو شيء منه في ذمتي أن أعطيك كل شهر أو كل سنة كذا.

ومعنى ذلك أنه يحلل للمقترض أن يأخذ فائدة مسماه كل شهر أو كل سنة من المستقرض إلى أن يوفي إليه دينه، ولكنه ليس باسم ربا، بل باسم نذر يجب الوفاء به وهو قربة عنده! ! فهل رأيت أيها القاريء تلاعبا بأحكام الشريعة واحتيالا على حرمات الله مثلما فعل هذا الرجل المتعالم؟ أما أنا فما أعلم يفعل مثله أحد إلا أن يكون اليهود الذين عرفوا بذلك منذ القديم، وما قصة احتيالهم على صيد السمك يوم السبت ببعيدة عن ذهن القاريء، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم الشحم جملوه، أي ذوبوه، ثم

 

(1/607)

 

 

باعوه وأكلوا ثمنه "! رواه الشيخان في " صحيحيهما " وهو مخرج في " الإرواء " (1290) بل إن ما فعله اليهود دون ما أتى به هذا المتمشيخ، فإن أولئك وإن استحلوا ما حرم الله، فإن هذا شاركهم في ذلك وزاد عليهم أنه يتقرب إلى الله باستحلال ما حرم الله!! بطريق النذر!

ولا أدري هل بلغ مسامع هذا الرجل أم لا قوله صلى الله عليه وسلم: " لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود، فترتكبوا محارم الله بأدنى الحيل " رواه ابن بطة في " جزء الخلع وإبطال الحيل " وإسناده جيد كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (2 / 257) وغيره في غيره، والذي أعتقده في أمثاله أنه سواء عليه أبلغه هذا الحديث أولا، لأنه ما دام قد سد على نفسه باب الاهتداء بالقرآن والسنة والتفقه بهما استغناء منه عنهما بحثالات آراء المتأخرين كمثل هذا الرأي الذي استحل به ما حرم الله، والذي أظن أنه ليس من مبتكراته! فلا فائدة ترجي له من هذا الحديث وأمثاله مما صح عنه صلى الله عليه وسلم وهذا يقال فيما لوفرض فيه الإخلاص وعدم اتباع الهو ى نسأل الله السلامة.

ومع أن هذا هو مبلغ علم المؤلف المذكور فإنه مع ذلك مغرور بنفسه معجب بعلمه، فاسمع إليه يصف رسالة له في هذا الكتاب (ص 58) : " فإنها جمعت فأوعت كل شيء (!) لا مثيل لها في هذا الزمان، ولم يسمع الزمان بها حتى الآن، فجاءت آية في تنظيمها وتنسيقها وكثرة مسائلها واستنباطها، ففيها من المسائل ما لا يوجد في المجلدات، فظهرت لعالم الوجود عروسا حسناء، بعد جهو د جبارة وأتعاب سنين كثيرة، ومراجعات مجلدات كثيرة

 

(1/608)

 

 

وكتب عديدة، فهي الوحيدة في بابها والزبدة في لبابها، تسر الناظرين وتشرح صدر العالمين!

ولا يستحق هذا الكلام الركيك في بنائه العريض في مرامه أن يعلق عليه بشيء، ولكني تساءلت في نفسي فقلت: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الذين يمدحون غيرهم " احثوا في وجوه المداحين التراب " فماذا يقول فيمن يمدح نفسه وبما ليس فيه؟ فاللهم عرفنا بنفوسنا وخلقنا بأخلاق نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم.

هذه كلمة وجيزة أحببت أن أقولها حول هذا الكتاب " تعاليم الإسلام " بمناسبة هذا الحديث الباطل نصحا مني لإخواني المسلمين حتى يكونوا على بصيرة منه إذا ما وقع تحت أيديهم، والله يقول الحق ويهدى السبيل.

417 - " رب معلم حروف أبي جاد دارس فى النجوم ليس له عند الله خلاق يوم القيامة ".

موضوع.

أخرجه الطبراني (3 / 105 / 1) من طريق خالد بن يزيد العمري أخبرنا محمد بن مسلم أخبرنا إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: خالد هذا كذبه أبو حاتم ويحيى، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 117) بعد أن عزاه للطبراني:

وفيه خالد بن يزيد العمري وهو كذاب.

قلت: ومع ذلك فقد أورد حديثه هذا السيوطي في " الجامع "! وتعقبه المناوي

 

(1/609)

 

 

بما نقلته عن الهيثمي، ثم قال: ورواه عنه أيضا حميد بن زنجويه.

418 - " اللحم بالبر مرقة الأنبياء ".

ضعيف جدا.

أخرجه السلمي في " طبقات الصوفية " (ص 497 - 498) : أخبرني أحمد بن عطاء الروذباري ـ إجازة ـ قال: حدثنا علي بن عبد الله العباسي قال: حدثنا الحسن ابن سعد قال: قال محمد بن أبي عمير قال هشام بن سالم قال عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق حدثني أبي عن أبيه عن جده مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، أحمد بن عطاء قال الخطيب (4 / 336) :

روى أحاديث وهم فيها وغلط غلطا فاحشا، فسمعت أبا عبد الله محمد بن علي الصوري يقول: حدثونا عن الروذباري، عن إسماعيل بن محمد الصفار، عن الحسن بن عرفة أحاديث لم يروها الصفار عن ابن عرفة، قال الصوري: ولا أظنه ممن كان يتعمد الكذب، لكنه اشتبه عليه ".

والحسن بن سعد والاثنان فوقه لم أعرفهم.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن النجار عن الحسين، ولم يتكلم عليه الشارح بشيء، فالظاهر أنه لم يقف على سنده.

 

(1/610)

 

 

419 - " إن العالم والمتعلم إذا مرا بقرية فإن الله يرفع العذاب عن مقبرة تلك القرية أربعين يوما ".

لا أصل له.

كما قال السيوطي في " تخريج أحاديث شرح العقائد " (ورقة 6 / وجه 2) وأقره العلامة القاري في " فرائد القلائد على أحاديث شرح العقائد " (25 / 1) .

 

(1/610)

 

 

420 - " إنكم فى زمان ألهمتم فيه العمل، وسيأتي قوم يلهمون الجدل ".

لا أصل له.

كما أفاده العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 37) والسبكي في " طبقات الشافعية " (4 / 145) .

 

(1/611)

 

 

421 - " من مثل بالشعر فليس له عند الله خلاق ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني (3 / 105 / 1) حدثنا حجاج بن نصير، أخبرنا محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس، عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل حجاج هذا، قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف، كان يقبل التلقين.

والحديث قال في " المجمع " (8 / 121) :

رواه الطبراني وفيه حجاج بن نصير، وقد ضعفه الجمهور، ووثقه ابن حبان وقال: يخطيء، وبقية رجاله ثقات.

 

(1/611)

 

 

422 - " من عمل بما يعلم، ورثه الله علم ما لم يعلم ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم (10 / 14 - 15) من طريق أحمد بن حنبل عن يزيد بن هارون، عن حميد الطويل، عن أنس مرفوعا، ثم قال: ذكر أحمد بن حنبل هذا الكلام عن بعض التابعين، عن عيسى بن مريم عليه السلام، فوهم بعض الرواة أنه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم فوضع هذا الإسناد عليه لسهو لته وقربه، وهذا الحديث لا يحتمل بهذا الإسناد عن أحمد بن حنبل.

قلت: وفي الطريق إليه جماعة لم أعرفهم فلا أدري من وضعه منهم.

 

(1/611)

 

 

423 - " من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للصلاة الأخرى ".

موضوع.

أخرجه الطبراني (3 / 107 / 2) من طريق الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عيينة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال ... فذكره، وكذلك أخرجه الدارقطني (ص 68) ومن طريقه البيهقي (1 / 331 - 332) وقال الدارقطني:

والحسن بن عمارة ضعيف.

قلت: بل هو شر من ذلك، فقد قال فيه شعبة: يكذب، وقال ابن المديني: كان يضع الحديث، وقال أحمد: أحاديثه موضوعة، وقال شعبة أيضا: روى أحاديث عن الحكم، فسألنا الحكم عنها؟ فقال: ما سمعت منها شيئا.

وقول الصحابي: من السنة كذا في حكم المرفوع عند العلماء، ولهذا أوردته، وقد رواه البيهقي (1 / 222) عن الحسن بن عمارة بإسناده السابق عن ابن عباس مرفوعا بلفظ:

" لا يصلى بالتيمم إلا صلاة واحدة " وقال:

 

(1/612)

 

 

والحسن بن عمارة لا يحتج به. قلت: فلا يصح إذن عن ابن عباس مرفوعا ولا موقوفا، بل قد روى عنه خلافه، كما ذكره ابن حزم في " المحلى " (2 / 132) يعني أن المتيمم يصلي بتيممه ما شاء من الصلوات الفروض والنوافل، ما لم ينتقض تيممه بحدث أو بوجود الماء، وهذا هو الحق في هذه المسألة كما قرره ابن حزم، وانظر " الروضة الندية " (1 / 59) .

424 - " لا بأس أن يقلب الرجل الجارية إذا أراد أن يشتريها، وينظر إليها ما خلا عورتها، وعورتها ما بين ركبتيها إلى معقد إزارها ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (ج 3 ق 97 / 2) من طريق حفص بن عمر الكندي، حدثنا صالح بن حسان، عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع حفص بن عمر، هو قاضي حلب، قال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات لا يحل الاحتجاج به، وصالح بن حسان، متفق على تضعيفه، بل قال ابن حبان (1 / 367 - 368) : كان صاحب قينات وسماع (!) وكان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات وأما قول الهيثمي في " المجمع " (2 / 53) :

رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه صالح بن حسان وهو ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات.

 

(1/613)

 

 

قلت: وفيه مؤاخذتان:

الأولى: تعصيب الجناية بصالح هذا وحده مع أن الراوي عنه مثله في الضعف أو أشد ليس من العدل في شيء.

الأخرى: أن صالحا لم يذكره ابن حبان في " الثقات "، وإنما ذكر فيه (6 / 456) صالح بن أبي حسان، وهما من طبقة واحدة، فاشتبه على الهيثمي أحدهما بالآخر، وقد علمت أن ابن حسان اتهمه ابن حبان نفسه بالوضع.

واعلم أنه لم يثبت في السنة التفريق بين عورة الحرة، وعورة الأمة، وقد ذكرت ذلك مع شيء من التفصيل في كتابي " حجاب المرأة المسلمة " فليرجع إليه من شاء وهو الآن تحت الطبع مع زيادات وفوائد جديدة ومقدمة ضافية في الرد على متعصبة المقلدين بإذنه تعالى.

425 - " موت الغريب شهادة، إذا احتضر فرمى ببصره عن يمينه وعن يساره فلم ير إلا غريبا، وذكر أهله وولده، وتنفس، فله بكل نفس يتنفسه يمحوالله عنه ألفي ألف سيئة، ويكتب له ألفي ألف حسنة ".

موضوع.

رواه الطبراني (3 / 107 / 1) من طريق عمرو بن الحصين العقيلي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن علاثة، عن الحكم بن أبان، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع عمرو بن الحصين كذاب، وقد تقدم له أحاديث موضوعة كثيرة، وابن علاثة ضعيف واتهمه بعضهم، لكن قيل: إن الآفة من الراوي عنه ابن

 

(1/614)

 

 

الحصين هذا.

والحديث قال الهيثمي (2 / 317) :

رواه الطبراني في " الكبير " وفيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك ".

قلت: والجملة الأولى منه ذكرها ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق أخرى عن ابن عباس وقال: لا يصح.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 132 - 133) بأن له طرقا أخرى وشواهد،قلت: وكلها معلولة وبعضها أشد ضعفا من بعض، فلا يستفيد الحديث منها إلا الضعف فقط، وأما سائر الحديث، فموضوع لخلوه من شاهد، ومن عجائب السيوطي أنه ذكر هذه الطريق الموضوعة في جملة الطرق والشواهد.

426 - " لولا ما طبع الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها وأيدى الظلمة والأثمة، لاستشفي به من كل عاهة، ولألفي اليوم كهيئته يوم خلقه الله، وإنما غيره الله بالسواد لأن لا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة، وليصيرن إليها، وإنها لياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة وضعه الله حين أنزل آدم فى موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، والأرض يومئذ طاهرة لم يعمل فيها شيء من المعاصي، وليس لها أهل ينجسونها، فوضع له صف من الملائكة على أطراف الحرم يحرسونه من سكان الأرض، وسكانها يومئذ الجن، لا ينبغي لهم أن ينظروا إليه لأنه شيء من الجنة، ومن نظر إلى الجنة دخلها، فليس ينبغي أن

 

(1/615)

 

 

ينظر إليها إلا من قد وجبت له الجنة، فالملائكة يذودونهم عنه وهم وقوف على أطراف الحرم يحدقون به من كل جانب، ولذلك سمي الحرم، لأنهم يحولون فيما بينهم وبينه) .

منكر.

الطبراني في " الكبير " (3 / 107 / 1) عن عوف بن غيلان بن منبه الصنعاني، أخبرنا عبد الله بن صفوان، عن إدريس بن بنت وهب بن منبه، حدثني وهب بن منبه، عن طاووس، عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف لجهالة من دون وهب بن منبه، فإني لم أجد من ذكرهم، والمتن ظاهر النكارة، والله أعلم، وفي " المجمع " (3 / 243) :

رواه الطبراني في " الكبير " وفيه من لم أعرفه ولا له ذكر.

ثم وجدت الحديث قد أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (2 / 266) من طريق غوث بن غيلان بن منبه الصنعاني به مختصرا دون قوله: " ولألفي يوم القيامة ... " إلخ.

أورده في ترجمة عبد الله بن صفوان، وروي عن هشام بن يوسف أنه قال: كان ضعيفا، لا يحفظ الحديث.

وتبين منه أن الراوي عنه إنما هو (غوث) ، وليس: (عوف) كما كنت نقلته عن مخطوطة " الكبير " وعلى الصواب وقع في المطبوع منه (11 / 55 / 11028) ، وهو مترجم في " الجرح " (3 / 57 / 58) ، و" ثقات ابن حبان " (7 / 313 و9 / 2) ، قال ابن معين: لم يكن به بأس.

وإدريس بن بنت وهب اسم أبيه سنان اليماني، ضعفه ابن عدي، وقال

 

(1/616)

 

 

الدارقطني:

متروك.

قلت: فهو آفة هذا الحديث. والله أعلم.

427 - " من قال: لا إله إلا الله قبل كل شيء، ولا إله إلا الله بعد كل شيء، ولا إله إلا الله يبقي ويفني كل شىء، عوفي من الهم والحزن ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (ج 3 ق 93 و1) عن العباس، يعني ابن بكار الضبي، حدثنا أبوهلال، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، العباس هذا، قال الدارقطني: كذاب.

وساق له الذهبي حديثين، قال: إنهما باطلان، وسيأتي أحدهما برقم (2688) واتهمه الحافظ بوضع الحديث الآتى: وفي " المجمع " (10 / 137) : رواه الطبراني، وفيه العباس بن بكار وهو ضعيف، وثقه ابن حبان.

قلت: لم يذكر الذهبي في " الميزان " ولا الحافظ في " اللسان " توثيق ابن حبان له، فالله أعلم.

 

(1/617)

 

 

فإن صح ذلك، فالجرح المفسر مقدم على التعديل كما هو معروف في " المصطلح ".

وبخاصة إذا كان المعدل معروفا بالتساهل، كابن حبان.

ثم رأيته في " ثقاته " (8 / 512) ، وقال:

وكان يغرب، حديثه عن الثقات لا بأس به ".

وبمقابلة كلامه بما زاده في " اللسان " على " الميزان " تبين لي أن الحافظ قد نقل كلام ابن حبان المذكور في " اللسان "، لكن وقع فيه خطأ: " وقال المؤلف.... " مكان قوله: وقال ابن حبان.

ثم تناقض ابن حبان، فأورد العباس هذا في " ضعفائه " أيضا (2 / 190) .

وشيخه أبوهلال اسمه محمد بن سليم الراسبي، فيه لين قال أحمد:

يحتمل حديثه إلا أنه يخالف في قتادة.

428 - " ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث، وإنما سماها فاطمة، لأن الله فطمها ومحبيها من النار ".

موضوع.

أخرجه الخطيب (12 / 331) بإسناد له عن ابن عباس ثم قال: في إسناده من المجهولين غير واحد، وليس بثابت، ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 421) وأقره السيوطي في " اللآليء " (1 / 400) .

وذكر الحافظ في ترجمة العباس ابن بكار المذكور في الحديث المنصرم بسنده عن أم سليم قالت: لم ير لفاطمة دم في حيض ولا نفاس، ثم قال: هذا من وضع العباس.

 

(1/618)

 

 

429 - " كان لا يرى بالهميان للمحرم بأسا ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 99 / 1) عن يوسف بن خالد السمتي، حدثنا زياد بن سعد عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: والسمتي هذا كذا، كما قال ابن معين، وصالح ضعيف. والصواب في الحديث أنه موقوف على ابن عباس، كذلك أخرجه البيهقي في " سننه " (5 / 69) من طريق سعيد بن جبير عنه، وفي سنده شريك القاضي، وفيه ضعف.

 

(1/619)

 

 

430 - " شاوروهن - يعنى النساء - وخالفوهن ".

لا أصل له مرفوعا.

كما أفاده السخاوي، ثم المناوي (4 / 263) ، ولعل أصل هذه الجملة ما رواه العسكري في " الأمثال " عن عمر قال:

" خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة "، وإن كنت لا أعرف صحته، فإن السيوطي لم يسق إسناده في " اللآليء " (2 / 174) لننظر فيه:

ثم وقفت على إسناده، رواه علي بن الجعد الجوهري في " حديثه " (12 / 177 / 1) من طريق أبي عقيل عن حفص بن عثمان بن عبيد الله عن عبد الله بن عمر قال: قال عمر رحمه الله ... فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف، فيه علتان:

الأولى جهالة حفص هذا، فقد أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 184) برواية أبي عقيل هذا وحده ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

 

(1/619)

 

 

وفي " ثقات ابن حبان " (6 / 196) :

حفص بن عثمان بن محمد بن عرادة عن عكرمة، وعنه أبو عقيل "

فيحتمل أن يكون هو هذا مع ملاحظة اختلاف اسم الجد، وذلك مما يؤكد جهالته كما يشير إليه أحمد في قوله الآتي.

والعلة الأخرى أبو عقيل واسمه يحيى بن المتوكل العمري صاحب بهية ضعيف كما في " التقريب "، وقال أحمد: روى عن قوم لا أعرفهم.

ثم إن معنى الحديث ليس صحيحا على إطلاقه، لثبوت عدم مخالفته صلى الله عليه وسلم لزوجته أم سلمة حين أشارت عليه بأن ينحر أمام أصحابه في صلح الحديبية حتى يتابعوه في ذلك، وانظر الحديث الآتى عدد (435) .

431 - " استوصوا بالمعزى خيرا فإنها مال رفيق، وهو فى الجنة، وأحب المال إلى الله الضأن، وعليكم بالبياض، فإن الله خلق الجنة بيضاء، فليلبسه أحياؤكم، وكفنوا فيه موتاكم، وإن دم الشاة البيضاء أعظم عند الله من دم السوداوين ".

موضوع.

أخرجه الطبراني (3 / 113 / 1 ـ 2) وابن عدي (2 / 378) من طريق أبي شهاب عن حمزة النصيبي، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد موضوع، وعلته حمزة النصيبي، قال ابن حبان (1 / 270) :

يضع الحديث.

والحديث قال في " المجمع " (4 / 66) :

 

(1/620)

 

 

رواه الطبراني في " الكبير " وفيه حمزة النصيبي، وهو متروك.

ومن طريقه أخرج منه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 330) الطرف الأول.

432 - " نهى عن المواقعة قبل المداعبة ".

موضوع.

رواه الخطيب (13 / 220 - 221) وعنه ابن عساكر (16 / 299 / 2) وأبو عثمان النجيرمي في " الفوائد المخرجة من أصول مسموعاته " (24 / 1) من طريق خلف بن محمد الخيام بسنده عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا، قال الذهبي في ترجمة الخيام هذا من " الميزان ".

قال الحاكم: سقط حديثه بروايته حديث: " نهى عن الوقاع قبل الملاعبة "، وقال الخليلى: خلط، وهو ضعيف جدا، روى فنونا لا تعرف.

قلت: وأبو الزبير مدلس، وقد عنعنه.

والحديث أورده الشيخ أحمد الغماري في " المغير " (ص 100) .

 

(1/621)

 

 

433 - " يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا من الله عز وجل عليهم ".

موضوع.

رواه ابن عدي (17 / 2) عن إسحاق بن إبراهيم الطبري، حدثنا مروان الفزاري، عن حميد الطويل، عن أنس مرفوعا وقال:

هذا منكر المتن بهذا الإسناد، وإسحاق بن إبراهيم منكر الحديث.

وقال ابن حبان:

يروي عن ابن عيينة والفضل بن عياض، منكر الحديث جدا، يأتي عن الثقات بالموضوعات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب، وقال الحاكم:

 

(1/621)

 

 

روى عن الفضيل وابن عيينة أحاديث موضوعة، وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 248) من طريق ابن عدي وقال: لا يصح، إسحاق منكر الحديث.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (2 / 449) بأن له طريقا أخرى عند الطبراني، يعني الحديث الذي بعده، وهو مع أنه مغاير لهذا في موضع الشاهد منه، فإن هذا نصه " بأمهاتهم " وهو نصه " بأسمائهم " وشتان بين اللفظين، وقد رده ابن عراق فقال (2 / 381) :

قلت: هو من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر، فلا يصح شاهدا.

قلت: لأن الشرط في الشاهد أن لا يشتد ضعفه وهذا ليس كذلك، لأن إسحاق بن بشر هذا في عداد من يضع الحديث، كما تقدم في الحديث (223) .

وقد ثبت ما يخالفه، ففي " سنن أبي داود " بإسناد جيد كما قاله النووي في " الأذكار " من حديث أبي الدرداء مرفوعا: " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم " وفي الصحيح من حديث عمر مرفوعا: " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان، والله أعلم.

قلت: حديث أبي الدرداء ضعيف ليس بجيد، لانقطاعه، وقد أعله بذلك أبو داود نفسه، فقد قال عقبه (رقم 4948) : ابن أبي زكريا لم يدرك أبا الدرداء.

وسوف يأتي تخريجه في هذه " السلسلة " (5460) .

 

(1/622)

 

 

قلت: وبذلك أعله جماعة آخرون، كالبيهقى، والمنذري، والعسقلاني.

فلا يغتر بعد هذا بقول النووي ومن تبعه، وانظر " فيض القدير ".

434 - " إن الله تعالى يدعوالناس يوم القيامة بأسمائهم سترا منه على عباده، وأما عند الصراط فإن الله عز وجل يعطي كل مؤمن نورا، وكل مؤمنة نورا، وكل منافق نورا، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات، فقال المنافقون: {انظرونا نقتبس من نوركم} (الحديد: 13) ، وقال المؤمنون: {ربنا أتمم لنا نورنا) (التحريم: 8) فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا ".

موضوع.

أخرجه الطبراني (3 / 115 / 1) من طريق إسماعيل بن عيسى العطار، أخبرنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة، أخبرنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وإسحاق هذا كذاب، وقد تقدم طرفه الأول آنفا بسند آخر له كما تقدمت له أحاديث، وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 359) بعد أن ساق الحديث من رواية الطبراني: وهو متروك.

 

(1/623)

 

 

435 - " طاعة المرأة ندامة ".

موضوع.

رواه ابن عدي (ق 308 / 1) عن عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي، عن عنبسة بن عبد الرحمن، عن محمد بن زاذان، عن أم سعد بنت زيد بن ثابت عن أبيها مرفوعا.

 

(1/623)

 

 

أورده في ترجمة عنبسة هذا وقال: وله غير ما ذكرت، وهو منكر الحديث.

قلت: وقال أبو حاتم كان يضع الحديث، وأما عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي.

فقال ابن عدي (290 / 2) :

لا بأس به، إلا أنه يحدث عن قوم مجهولين بعجائب، وتلك العجائب من جهة المجهولين.

قلت: وعلى هذا جرى من بعده من المحققين، وقد ضعفه بعضهم.

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 272) من رواية ابن عدي هذه وقال: لا يصح، عنبسة ليس بشيء، وعثمان لا يحتج به.

وروى الحديث عن عائشة بلفظ: " طاعة النساء ندامة ".

أخرجه العقيلي (ص 381) وابن عدي (ق 156 / 1) والقضاعي (ق 12 / 2) والباطرقاني في " حديثه " (168 / 1) وابن عساكر (15 / 200 / 2) عن محمد ابن سليمان بن أبي كريمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا، وقال العقيلي:

 

(1/624)

 

 

محمد بن سليمان حدث عن هشام ببواطل لا أصل لها، منها هذا الحديث، وقال ابن عدي: ما حدث بهذا الحديث عن هشام إلا ضعيف، وحدث به عن هشام خالد ابن الوليد المخزومي، وهو أضعف من ابن أبي كريمة.

وقد تعقب السيوطي ابن الجوزي كعادته، فذكر في " اللآليء " (2 / 174) أن له طريقين آخرين عن هشام، وشاهدا من حديث أبي بكرة، لكن في أحد الطريقين خلف بن محمد بن إسماعيل، وهو ساقط الحديث، كما تقدم عن الحاكم في الحديث (422) ، وقد أخرجه من هذه الطريق أبو بكر المقري الأصبهاني في " الفوائد " (12 / 192 / 2) وأبو أحمد البخاري في جزء من حديثه (2 / 1) .

وفي الطريق الأخرى أبو البختري واسمه وهب بن وهب وضاع مشهور.

وأما الشاهد، فهو مع ضعف سنده مخالف لهذا اللفظ، وهو الآتى بعده.

وفاته شاهد آخر، أخرجه ابن عساكر (5 / 327 / 2) من حديث جابر مرفوعا باللفظ الأول، وفيه جماعة لا يعرفون، وعلي بن أحمد بن زهير التميمي.

قال الذهبي: ليس يوثق به، وأما الشاهد عن أبي بكرة فهو:

436 - " هلكت الرجال حين أطاعت النساء ".

ضعيف.

أخرجه ابن عدي (38 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 34) وابن ماسي في آخر " جزء الأنصاري " (11 / 1) والحاكم (4 / 291) ،

 

(1/625)

 

 

وأحمد (5 / 45) من طريق أبي بكرة، بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه، عن أبي بكرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بشير يبشره بظفر خيل له، ورأسه في حجر عائشة، فقام فحمد الله تعالى ساجدا، فلما انصرف أنشأ يسأل الرسول، فحدثه، فكان فيما حدثه من أمر العدو، وكانت تليهم امرأة، وفي رواية أحمد: أنه ولي أمرهم امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

قلت: وهذا ذهول منه عما ذكره في ترجمة بكار هذا من " الميزان ":

قال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن عدي: هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم، وقال في " الضعفاء ": ضعيف مشاه ابن عدي.

قلت: وأنا أظن أن هذا الحديث عن أبي بكرة له أصل بلفظ آخر، وهو ما أخرجه البخاري في " صحيحه " (13 / 46 - 47) عنه: لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال: " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".

وأخرجه الحاكم أيضا، وأحمد (5 / 38، 43، 47، 50، 51) من طرق عن أبي بكرة، هذا هو أصل الحديث، فرواه حفيده عنه باللفظ الأول فأخطأ، والله أعلم.

وبالجملة، فالحديث بهذا اللفظ ضعيف لضعف راويه، وخطئه فيه.

 

(1/626)

 

 

ثم إنه ليس معناه صحيحا على إطلاقه، فقد ثبت في قصة صلح الحديبية من " صحيح البخاري " (5 / 365) أن أم سلمة رضي الله عنها أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم حين امتنع أصحابه من أن ينحروا هديهم أن يخرج صلى الله عليه وسلم ولا يكلم أحدا منهم كلمة حتى ينحر بدنه ويحلق، ففعل صلى الله عليه وسلم، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا، ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أطاع أم سلمة فيما أشارت به عليه، فدل على أن الحديث ليس على إطلاقه، ومثله الحديث الذي لا أصل له:

" شاوروهن وخالفوهن " وقد تقدم برقم (430) .

437 - " من ولد له ثلاثة فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل ".

موضوع.

قال الطبراني في " الكبير " (108 - 109) : حدثنا أحمد بن النضر العسكري، أخبرنا أبو خيثمة مصعب بن سعيد، أخبرنا موسى بن أيمن، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعا، ومن طريق مصعب هذا رواه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (199 - 200 من زوائده) وابن عدي (280 / 2) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، مصعب هذا قال ابن عدي:

يحدث عن الثقات بالمناكير، ثم ساق له منها ثلاثة، عقب الذهبي عليها بقوله:

ما هذه إلا مناكير وبلايا، ثم قال ابن عدي:

 

(1/627)

 

 

والضعف على رواياته بين، وقال صالح جزرة:

شيخ ضرير لا يدرى ما يقول، وتابعه الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحراني، ولكن لم أجد من ترجمه، ثم وجدناه في الجرح (4 / 4 / 10) وثقات ابن حبان (9 / 227) ولكن الراوي عنه أبو بدر أحمد بن خالد بن مسرح الحراني.

قال الدارقطني: ليس بشيء، فلا قيمة لهذه المتابعة، وهي عند الحافظ ابن بكير الصيرفي في فضل من اسمه أحمد ومحمد (58 / 1) .

وليث ابن أبي سليم ضعيف باتفاقهم، وقد روى ابن أبي حاتم (3 / 2 / 178) بإسناد صحيح عن عيسى بن يونس وقد قيل له: لم لم تسمع منه؟ فقال:

قد رأيته، وكان قد اختلط، وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن.

وبه أعل ابن الجوزي هذا الحديث في " الموضوعات " (1 / 154) وقد أورده من رواية ابن عدي بإسناده عن مصعب به ثم قال:

تفرد به موسى عن ليث، وليث تركه أحمد وغيره، قال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 101 - 102) بقوله:

ليث لم يبلغ أمره أن يحكم على حديثه بالوضع، فقد روى له مسلم والأربعة ووثقه ابن معين وغيره.

قلت: إنما قال فيه ابن معين: لا بأس به، كما في " الميزان " و" التهذيب " وهذا في رواية عنه، وإلا فقد روى الثقات عنه تضعيفه، وهذا الذي ينبغي

 

(1/628)

 

 

اعتماده، لأن سبب تضعيفه واضح وهو الاختلاط، ويمكن الجمع بين القولين بأنه أراد بالأول أنه صدوق في نفسه، يعني أنه لا يكذب عمدا، وهذا لا ينافي ضعفه الناتج من شيء لا يملكه، وهو الاختلاط، وهذا ما أشار إليه البخاري حين قال فيه: صدوق، يهم، ومثله قول يعقوب بن شيبة: هو صدوق، ضعيف الحديث ونحوه.

قال عثمان ابن أبي شيبة والساجي: وهؤلاء هم الذين عناهم السيوطي بقوله:

... وغيره، فتبين أن الأئمة مجمعون على تضعيفه، وكونه ثقة في نفسه لا يدفع عنه الضعف الذي وصف به، وهذا بين لا يخفى على من له أدنى إلمام بالجرح والتعديل، فظهر أن ما استروح إليه السيوطي من التوثيق لا فائدة فيه.

نعم قوله: إن ليثا لا يبلغ أمره أن يحكم على حديثه بالوضع، صحيح، ولكن قد يحيط بالحديث الضعيف ما يجعله في حكم الموضوع، مثل أن لا يجرى العمل عليه من السلف الصالح، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإننا نعلم كثيرا من الصحابة كان له ثلاثة أولاد وأكثر، ولم يسم أحدا منهم محمدا، مثل عمر بن الخطاب وغيره، وأيضا، فقد ثبت أن أفضل الأسماء عبد الله، وعبد الرحمن، وهكذا عبد الرحيم، وعبد اللطيف، وكل اسم تعبد لله عز وجل، فلو أن مسلما سمى أولاده كلهم عبيدا لله تعالى، ولم يسم أحدهم محمدا، لأصاب، فكيف يقال فيه:

فقد جهل؟ ولا سيما أن في السلف من ذهب إلى كراهة التسمي بأسماء الأنبياء، وإن كنا لا نرضى ذلك لنا مذهبا.

وإن من توفيق الله عز وجل إياي أن ألهمني أن أعبد له أولادي كلهم وهم: عبد الرحمن وعبد اللطيف وعبد الرزاق من زوجتي الأولى - رحمهما الله تعالى -

 

(1/629)

 

 

وعبد المصور وعبد الأعلى من زوجتي الأخرى والاسم الرابع ما أظن أحدا سبقني إليه على كثرة ما وقفت عليه من الأسماء في كتب الرجال والرواة ثم اتبعني على هذه التسمية بعض المحبين ومنهم واحد من فضلاء المشايخ جزاهم الله خيرا أسأل الله تعالى أن يزيدني توفيقا وأن يبارك لي في آلي {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} ثم رزقت سنة 1383 هـ وأنا في المدينة المنورة غلاما فسميته محمدا ذكرى مدينته صلى الله عليه وسلم وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم " تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي " متفق عليه وفي سنة 1386 هـ رزقت بأخ له فسميته عبد المهيمن، والحمد لله على توفيقه.

وجملة القول أنه لا يلزم من كون الحديث ضعيف السند، أن لا يكون في نفسه موضوعا، كما لا يلزم منه أن لا يكون صحيحا، أما الأول، فلما ذكرنا، وأما الآخر، فلاحتمال أن يكون له طرق وشواهد ترقيه إلى درجة الحسن أو الصحيح، وهذا أمر لا يتساهل السيوطي في مراعاته أقل تساهل، كما هو بين في تعقبه على ابن الجوزي في " اللآليء المصنوعة " بينما لا نراه يعطى الأمر الأول ما يستحقه من العناية والتقدير، فنجده في كثير من الأحاديث التي حكم ابن الجوزي بوضعها، يحاول تخليصها من الوضع، ناظرا إلى السند فقط، بينما ابن الجوزي نظر إلى المتن أيضا، وهو من دقيق نظره الذي يحمد عليه، ومنها الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه.

 

(1/630)

 

 

ولا يتقوى الحديث بأنه روى من حديث واثلة بن الأسقع، ومن حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، ومن حديث عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده، أخرجها ابن بكير في الجزء المذكور " فضل من اسمه أحمد ومحمد " لأن طرقها كلها لا تخلومن متهم، كما بينه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (82 / 1) .

أما حديث واثلة، ففيه عمر بن موسى الوجيهي، وهو وضاع، وأما حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، ففيه عبد الله بن داهر الرازي، اتهمه ابن الجوزي، ثم الذهبي، بالوضع، والحديث الثالث آفته عبد الملك بن هارون، وهو كذاب وضاع.

438 - " مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى ".

موضوع.

رواه القضاعي (109 / 2) عن جعفر بن عبد الواحد قال: قال لنا وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وكتب بعض المحدثين على الهامش وأظنه ابن المحب أو الذهبي:

هذا حديث ليس بصحيح.

قلت: يعني أنه موضوع وآفته جعفر هذا، قال الدارقطني:

يضع الحديث، وقال أبو زرعة: روى أحاديث لا أصل لها، وساق الذهبي أحاديث اتهمه بها، منها هذا، وقال:

 

(1/631)

 

 

إنه من بلاياه، وقد تقدم الحديث بنحوه مع الكلام على طرقه وأكثر ألفاظه برقم (58 - 62) فراجعه إن شئت فإن تحته فوائد جمة.

439 - " يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فى أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 112 / 1) والدارقطني في " سننه " (ص 148) ومن طريقه البيهقي (3 / 137 ـ 138) من طريق إسماعيل بن عياش عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه، وعطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع، سببه عبد الوهاب بن مجاهد، كذبه سفيان الثوري، وقال الحاكم: " روى أحاديث موضوعة ".

وقال ابن الجوزي: " أجمعوا على ترك حديثه ".

وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين، وهذه منها، فإن ابن مجاهد حجازي.

وقد قل البيهقي عقب الحديث:

" وهذا حديث ضعيف إسماعيل بن عياش لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة، والصحيح أن ذلك من قول ابن عباس ".

قلت: أخرجه البيهقي من طريق عمرو بن دينار عن عطاء به موقوفا، وسنده

 

(1/632)

 

 

صحيح.

وابن مجاهد، لم يسم في رواية الطبراني، ولذلك لم يعرفه الهيثمي (2 / 157) .

ومما يدل على وضع هذا الحديث، وخطأ نسبته إليه صلى الله عليه وسلم، ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في أحكام السفر (2 / 6 - 7 من مجموعة الرسائل والمسائل) :

هذا الحديث إنما هو من قول ابن عباس، ورواية ابن خزيمة وغيره له مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم باطلة بلا شك عند أئمة الحديث، وكيف يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة بالتحديد، وإنما قام بعد الهجرة زمنا يسيرا وهو بالمدينة، لا يحد لأهلها حدا كما حده لأهل مكة، وما بال التحديد يكون لأهل مكة دون غيرهم من المسلمين؟!

وأيضا، فالتحديد بالأميال والفراسخ يحتاج إلى معرفة مقدار مساحة الأرض، وهذا أمر لا يعلمه إلا خاصة الناس، ومن ذكره، فإنما يخبر به عن غيره تقليدا، وليس هو مما يقطع به، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقدر الأرض بمساحة أصلا، فكيف يقدر الشارع لأمته حدا لم يجر به له ذكر في كلامه، وهو مبعوث إلى جميع الناس؟!

فلابد أن يكون مقدار السفر معلوما علما عاما.

ومن ذلك أيضا أنه ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة، ومزدلفة، وفي أيام منى، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، وكان يصلي خلفهم أهل مكة، ولم يأمروهم بإتمام الصلاة، فدل هذا على أن ذلك سفر، وبين مكة وعرفة بريد، وهو نصف يوم بسير الإبل والأقدام.

والحق أن السفر ليس له حد في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف، فما كان سفرا في عرف الناس، فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم، وتحقيق هذا البحث الهام تجده في رسالة ابن تيمية المشار إليها آنفا، فراجعها فإن فيها فوائد هامة لا تجدها عند غيره.

 

(1/633)

 

 

440 - " حسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ".

ضعيف جدا.

رواه ابن عدي (304 / 2) عن عيسى بن ميمون: سمعت محمد بن كعب، عن ابن عباس مرفوعا به، ساقه في ترجمة عيسى بن ميمون في جملة أحاديث ثم قال:

وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد، ثم روى عن ابن معين أنه قال فيه: ليس بشيء، وقال البخاري: صاحب مناكير، والنسائي: متروك الحديث.

قلت: وقال ابن حبان: يروي أحاديث كلها موضوعات، ولهذا لم يحسن السيوطي بإيراده لهذا الحديث في " الجامع الصغير " من رواية ابن عدي هذه مقتصرا على الشطر الأول منه! وقد علق عليه المناوي بما لا يتبين منه حال الحديث بدقة فقال: ورواه البيهقي في " الشعب " وضعفه، والخرائطى في " المكارم "، قال العراقي: والسند ضعيف، لكن شاهده خبر الطبراني بسند ضعيف أيضا، ويشير بخبر الطبراني إلى الحديث الآتي، وخفي عليه أنه من هذه الطريق

 

(1/634)

 

 

أيضا! وأما حديث الخرائطي فهو عنده من حديث أنس، وسيأتي بعد حديث.

441 - " الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، والخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ".

ضعيف جدا.

وله طريقان:

الأول عن ابن عباس، رواه الطبراني في " الكبير " (3 / 98 / 1) وأبو محمد القاري في " حديثه " (2 / 203 / 1) عن عيسى بن ميمون قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، عيسى هذا، هو المدني، ويعرف بالواسطي، وهو الذي في سند الحديث المتقدم، روى ابن أبي حاتم (3 / 1 / 287) عن أبيه أنه قال: هو متروك الحديث.

والحديث في " المجمع " (8 / 24) وقال:

رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " وفيه عيسى بن ميمون المدني، وهو ضعيف.

الآخر: عن أنس، أخرجه تمام في " الفوائد " (53 / 1) عن مخيمر بن سعيد المنبجي، حدثنا روح بن عبد الواحد، حدثنا خليد بن دعلج، عن الحسن، عن أنس مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا أيضا، خليد بن دعلج، قال النسائي: ليس بثقة، وعده الدارقطني في جماعة من المتروكين.

 

(1/635)

 

 

وروح بن عبد الواحد، قال أبو حاتم:

ليس بالمتين، روى أحاديث متناقضة، وقال ابن عدي في ترجمة خليد (120 / 2) عقب حديث أورده من رواية روح عن خليد: لعل البلاء فيه من الراوي عنه.

442 - " إن حسن الخلق ليذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد ".

ضعيف جدا.

رواه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 7) من طريق بقية بن الوليد، حدثني أبو سعيد، حدثني عبد الرحمن بن سليمان، عن أنس بن مالك مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، أبو سعيد هذا من شيوخ بقية المجهولين الذين يدلسهم، قال ابن معين:

إذا لم يسم بقية شيخه وكناه فاعلم أنه لا يساوي شيئا.

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الخرائطي هذه، وبيض له المناوي فلم يتكلم عليه بشىء! وأما في التيسير فقال:. . . بإسناد فيه مقال.

 

(1/636)

 

 

443 - " ألا إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب تمور فى جوها، فالله الله فى إخوانكم من أهل القبور، فإن أعمالكم تعرض عليهم ".

ضعيف.

أخرجه الحاكم (4 / 307) من طريق أبي إسماعيل السكوني، قال: سمعت مالك بن أدى يقول: سمعت النعمان بن بشير يقول مرفوعا، وقال:

صحيح الإسناد.

 

(1/636)

 

 

ورده الذهبي بقوله:

قلت: فيه مجهولان.

قلت: وهما السكوني وابن أدى كما صرح في " الميزان " أنهما مجهولان تبعا لأصله " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 303 و4 / 2 / 336) ولكنه قال: وثق يشير بذلك إلى عدم الاعتداد بتوثيق ابن حبان إياهما (5 / 388 و7 / 656) لما عرف من تساهله في توثيق المجهولين.

444 - " كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى ".

لا أصل له.

وقد أورده الغزالي (2 / 251) من حديث جابر مرفوعا، فقال الحافظ العراقي في تخريجه:

لم أجد له أصلا من حديث جابر، وذكره صاحب " الفردوس " من حديث علي بن أبي طالب، ولم يخرجه ولده في " مسنده ".

 

(1/637)

 

 

445 - " من طلب ما عند الله كانت السماء ظلاله، والأرض فراشه، لم يهتم بشيء من أمر الدنيا، فهو لا يزرع ويأكل الخبز، وهو لا يغرس الشجر ويأكل الثمار، توكلا على الله تعالى، وطلبا لمرضاته، فضمن الله السموات السبع والأرضين السبع رزقه، فهم يتعبون فيه، ويأتون به حلالا، ويستوفي هو رزقه بغير حساب عند الله تعالى حتى أتاه اليقين ".

موضوع.

أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 112) أطول منه والحاكم (4 / 310) والسياق له من طريق إبراهيم بن عمرو السكسكي حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا. وقال الحاكم:

 

(1/637)

 

 

صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله:

قلت: بل منكر وموضوع، إذ عمرو بن بكر متهم عند ابن حبان، وإبراهيم ابنه، قال الدارقطني: متروك.

قلت: وفي ترجمة إبراهيم من " الميزان ":

قال ابن حبان: يروي عن أبيه الأشياء الموضوعة، وأبوه أيضا لا شيء، ثم ساق له هذا الحديث.

قلت: وتمام كلام بن حبان تفرد به إبراهيم بن عمرو وهو مما عملت يداه لأن هذا ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ابن عمر ولا نافع وإنما هو شيء من كلام الحسن.

446 - " ألا أخبركم بأفضل الملائكة جبريل عليه السلام، وأفضل النبيين آدم، وأفضل الأيام يوم الجمعة، وأفضل الشهو ر شهر رمضان، وأفضل الليالي ليلة القدر، وأفضل النساء مريم بنت عمران ".

موضوع.

رواه الطبراني (11361) من طريق نافع أبي هرمز، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع، نافع أبوهرمز، كذبه ابن معين، وقال النسائي:

ليس بثقة، وأفضل النبيين إنما هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدليل الحديث الصحيح:

" أنا سيد الناس يوم القيامة ... ".

 

(1/638)

 

 

أخرجه مسلم (1 / 127) ، فهذا يدل على وضع هذا الحديث ومع ذلك أورده في " الجامع " والحديثي أورده الهيثمي في " المجمع " (8 / 198) وضعفه بنافع وقال: متروك ثم ذكره في (3 / 140) و (2 / 165) وقال عنه في الموضعين:

ضعيف.

447 - " يكون فى آخر الزمان عباد جهال، وقراء فسقة ".

موضوع.

أخرجه ابن حبان في " المجروحين " (3 / 135) والحاكم (4 / 315) وأبو نعيم (2 / 331 - 332) وعنه الديلمي (4 / 319) وأبو بكر الآجري في " أخلاق العلماء " (ص 62) من طريق يوسف بن عطية، عن ثابت، عن أنس مرفوعا، وقال أبو نعيم:

غريب لم نكتبه إلا من حديث يوسف بن عطية، وفي حديثه نكارة.

قلت: اتهمه ابن حبان بالوضع، وقد سكت عنه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله:

قلت: يوسف هالك، وقال البخاري مشيرا إلى شدة ضعفه واتهامه:

منكر الحديث ومع ذلك ذكره السيوطي في " الجامع ".

 

(1/639)

 

 

448 - " لا تزال هذه الأمة، أو قال: أمتي بخير ما لم يتخذوا فى مساجدهم مذابح كمذابح النصارى ".

ضعيف.

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 107 / 1) : حدثنا وكيع قال حدثنا أبو إسرائيل عن موسى الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره.

 

(1/639)

 

 

قلت: وهذا سند ضعيف، وله علتان:

الأولى: الإعضال، فإن موسى الجهني وهو ابن عبد الله إنما يروي عن الصحابة بواسطة التابعين، أمثال عبد الرحمن بن أبي ليلى، والشعبي، ومجاهد، ونافع، وغيرهم، فهو من أتباع التابعين، وفيهم أورده ابن حبان في " ثقاته " (7 / 449) ، وعليه فقول السيوطي في " إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب " (ص 30) إنه مرسل، ليس دقيقا، لأن المرسل في عرف المحدثين إنما هو قول التابعي:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس كذلك.

الآخرى: ضعف أبي إسرائيل هذا، واسمه إسماعيل بن خليفة العبسي، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق سيء الحفظ.

وهذا على ما وقع في نسختنا المخطوطة من " المصنف "، ووقع فيما نقله السيوطي عنه في " الأعلام ": إسرائيل يعني إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، وهو من طبقة أبي إسرائيل، وكلاهما من شيوخ وكيع، ولم أستطع البت بالأصح من النسختين، وإن كان يغلب علي الظن الأول، فإن نسختنا جيدة مقابلة بالأصل نسخت سنة (735) ، وبناء على ما وقع للسيوطي قال:

هذا مرسل صحيح الإسناد، وقد عرفت أن الصواب أنه معضل، وهذا إن سلم من أبي إسرائيل، وما أظنه بسالم، فقد ترجح عندي أن الحديث من روايته، بعد أن رجعت إلى نسخة أخرى من " المصنف " (1 / 188 / 1) فوجدتها مطابقة للنسخة الأولى، وعليه فالسند ضعيف مع إعضاله ثم رأيته كذلك في المطبوعة (2 / 59) .

 

(1/640)

 

 

فائدة: المذابح: هي المحاريب كما في " لسان العرب " وغيره، وكما جاء مفسرا في حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب.

رواه البيهقي (2 / 439) وغيره بسند حسن، وقال السيوطي في " رسالته " (ص 21) حديث ثابت واستدل به على النهي عن اتخاذ المحاريب في المساجد، وفيه نظر بينته في " الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب "، خلاصته أن المراد به صدور المجالس، كما جزم به المناوي في " الفيض "، نعم جزم السيوطي في الرسالة السابقة، أن المحراب في المسجد بدعة. وتبعه الشيخ علي القاري في " مرقاة المفاتيح " (1 / 473) وغيره، فهذا أعني كونه بدعة يغني عن هذا الحديث المعضل، وإن كان صريحا في النهي عنه، فإننا لا نجيز لأنفسنا الاحتجاج بما لم يثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد روى البزار (1 / 210 / 416 - كشف الأستار) عن ابن مسعود أنه كره الصلاة في المحراب وقال: إنما كانت للكنائس، فلا تشبهو ابأهل الكتاب يعني أنه كره الصلاة في الطاق.

قال الهيثمي (2 / 51) : ورجاله موثقون.

قلت: وفيما قاله نظر فقد أشار البزار إلى أنه تفرد به أبو حمزة عن إبراهيم واسم أبي حمزة ميمون القصاب وهو ضعيف اتفاقا ولم يوثقه أحد فإعلاله به أولى من إعلاله بشيخ البزار محمد بن مرداس بدعوى أنه مجهول، فقد روى عنه

 

(1/641)

 

 

جمع من الحفاظ منهم البخاري في " جزء القراءة " وقال ابن حبان في ثقاته (9 / 107) : مستقيم الحديث لكن يقويه ما رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم قال: قال عبد الله:

اتقوا هذه المحاريب. وكان إبراهيم لا يقوم فيها.

قلت: فهذا صحيح عن ابن مسعود، فإن إبراهيم وهو ابن يزيد النخعي وإن كان لم يسمع من ابن مسعود، فهو عنه مرسل في الظاهر، إلا أنه قد صحح جماعة من الأئمة مراسيله، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود.

قلت: وهذا التخصيص هو الصواب لما روى الأعمش قال: قلت: لإبراهيم: أسند لي عن ابن مسعود، فقال إبراهيم:

إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله، فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله، فهو عن غير واحد عن عبد الله.

علقه الحافظ هكذا في " التهذيب "، ووصله الطحاوي (1 / 133) ، وابن سعد في " الطبقات " (6 / 272) ، وأبو زرعة في " تاريخ دمشق " (121 / 2) بسند صحيح عنه.

قلت: وهذا الأثر قد قال فيه إبراهيم: " قال عبد الله "، فقد تلقاه عنه من طريق جماعة، وهم من أصحاب ابن مسعود، فالنفس تطمئن لحديثهم لأنهم جماعة، وإن كانوا غير معروفين لغلبة الصدق على التابعين، وخاصة أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه، ثم روى ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال:

" لا تتخذوا المذابح في المساجد ".

وإسناده صحيح.

 

(1/642)

 

 

ثم روى بسند صحيح عن موسى بن عبيدة قال: رأيت مسجد أبي ذر، فلم أر فيه طاقا، وروى آثارا كثيرة عن السلف في كراهة المحراب في المسجد، وفي ما نقلناه عنه كفاية.

وأما جزم الشيخ الكوثري في كلمته التي صدر بها رسالة السيوطي السالفة (ص 17) : أن المحراب كان موجودا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مع مخالفته لهذه الآثار التي يقطع من وقف عليها ببدعية المحراب، فلا جرم جزم بذلك جماعة من النقاد، كما سبق، فإنما عمدته في ذلك حديث لا يصح، ولا بد من الكلام عليه دفعا لتلبيسات الكوثري، وهو من حديث وائل بن حجر، وهو قوله:

449 - " حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهض إلى المسجد، فدخل المحراب [يعني موضع المحراب] ، ثم رفع يديه بالتكبير، ثم وضع يمينه على يسراه على صدره ".

ضعيف.

أخرجه البيهقي (2 / 30) عن محمد بن حجر الحضرمي حدثنا سعيد بن عبد الجبار ابن وائل عن أبيه عن أمه عن وائل.

ومن هذا الوجه رواه البزار والزيادة له والطبراني في " الكبير " كما في " المجمع " (1 / 232، 2 / 134 - 135) وقال:

وفيه سعيد بن عبد الجبار، قال النسائي: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في " الثقات "، ومحمد بن حجر ضعيف وقال في الموضع الآخر:

وفيه محمد بن حجر، قال البخاري: فيه بعض النظر، وقال الذهبي: له مناكير.

 

(1/643)

 

 

قلت: وبه أعله ابن التركماني في " الجوهر النقي " وزاد:

وأم عبد الجبار، هي: أم يحيى، لم أعرف حالها، ولا اسمها، فتبين من كلامهؤلاء العلماء أن هذا الإسناد فيه ثلاث علل:

1 - محمد بن حجر.

2 - سعيد بن عبد الجبار.

3 - أم عبد الجبار.

فمن تلبيسات الكوثري: أنه سكت عن العلتين الأوليين، موهما للقاريء أنه ليس فيه ما يخدش إلا العلة الثالثة، ومع ذلك فإنه أخذ يحاول دفعها بقوله:

وليس عدم ذكر أم عبد الجبار بضائره، لأنها لا تشذ عن جمهرة الراويات اللاتي قال عنهن الذهبي: وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها.

قلت: وليس معنى كلام الذهبي هذا، إلا أن حديث هؤلاء النسوة ضعيف، ولكنه ضعف غير شديد، فمحاولة الكوثري فاشلة، لا سيما بعد أن كشفنا عن العلتين الأوليين.

ولذلك المقدم الآخر لرسالة السيوطي، والمعلق عليها وهو الشيخ عبد الله محمد الصديق الغماري كان منصفا في نقده لهذا الحديث وإن كان متفقا مع الكوثري في استحسان المحاريب، فقد أفصح عن ضعف الحديث فقال (ص 20) وكأنه يرد على الكوثري، وقد اطلع قطعا على كلامه:

والحق أن الحديث ضعيف بسبب جهالة أم عبد الجبار، ولأن محمد بن حجر بن عبد الجبار له مناكير كما قال الذهبي، وعلى فرض ثبوته يجب تأويله بحمل المحراب فيه على المصلي بفتح اللام للقطع بأنه لم يكن للمسجد النبوي محراب إذ ذاك كما جزم به المؤلف يعني السيوطي والحافظ والسيد السمهودي.

قلت: وما ذهب إليه من التأويل هو المراد من الحديث قطعا لوثبت بدليل

 

(1/644)

 

 

زيادة البزار يعني موضع المحراب، فإنه نص على أن المحراب لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ولذلك تأوله الراوي بموضع المحراب، ومن ذلك يتبين للقاريء المنصف سقوط تشبث الكوثري بالحديث سندا ومعنى، فلا يفيده الشاهد الذي ذكره من رواية عبد المهيمن بن عباس عند الطبراني من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه وفيه.... " فلما بنى له محراب تقدم إليه ... ".

ذلك لأن هذا اللفظ " بنى له محراب " منكر تفرد به عبد المهيمن هذا، وقد ضعفه غير واحد، كما زعم الكوثري، وحاله في الحقيقة شر من ذلك، فقد قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة.

فهو شديد الضعف، لا يستشهد به كما تقرر في مصطلح الحديث، هذا لوكان لفظ حديثه موافقا للفظ حديث وائل، فكيف وهما مختلفان كما بينا؟ !

وأما استحسان الكوثرى وغيره المحاريب، بحجة أن فيها مصلحة محققة، وهي الدلالة على القبلة، فهي حجة واهية من وجوه:

أولا: أن أكثر المساجد فيها المنابر، فهي تقوم بهذه المصلحه قطعا، فلا حاجة

 

(1/645)

 

 

حينئذ للمحاريب، وينبغي أن يكون ذلك متفقا بين المختلفين في هذه المسألة لو أنصفوا، ولم يحاولوا ابتكار الأعذار إبقاء لما عليه الجماهير وإرضاء لهم.

ثانيا: أن ما شرع للحاجة والمصلحة، ينبغي أن يوقف عندما تقتضيه المصلحة، ولا يزاد على ذلك، فإذا كان الغرض من المحراب في المسجد، هو الدلالة على القبلة، فذلك يحصل بمحراب صغير يحفر فيه، بينما نرى المحاريب في أكثر المساجد ضخمة واسعة يغرق الإمام فيها، زد على ذلك أنها صارت موضعا للزينة والنقوش التي تلهى المصلين وتصرفهم عن الخشوع في الصلاة وجمع الفكر فيها، وذلك منهي عنه قطعا.

ثالثا: أنه إذا ثبت أن المحاريب من عادة النصارى في كنائسهم، فينبغي حينئذ صرف النظر عن المحراب بالكلية، واستبداله بشيء آخر يتفق عليه، مثل وضع عمود عند موقف الإمام، فإن له أصلا في السنة، فقد أخرج الطبراني في " الكبير " (1 / 89 / 2) و" الأوسط " (2 / 284 / 9296) من طريقين عن عبد الله بن موسى التيمي، عن أسامة بن زيد، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن جابر بن أسامة الجهني قال:

" لقيت النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه في السوق، فسألت أصحاب رسول الله أين يريد؟ قالوا: يخط لقومك مسجدا، فرجعت فإذا قوم قيام، فقلت: ما لكم؟ قالوا: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا، وغرز في القبلة خشبة أقامها فيها.

قلت: وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب "، لكن التيمي مختلف فيه وقد تحرف اسم أحدهم على الهيثمي فقال في " المجمع " (2 / 15) : رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه معاوية بن عبد الله بن حبيب، ولم أجد من ترجمه.

وإنما هو: معاذ لا معاوية وابن خبيب بضم المعجمة، لا

 

(1/646)

 

 

حبيب بفتح المهملة، وعلى الصواب أورده الحافظ في " الإصابة " (1 / 220) من رواية البخاري في " تاريخه "، وابن أبي عاصم، والطبراني، وقد خفيت هذه الحقيقة على المعلق على رسالة السيوطي، وهو الشيخ عبد الله الغماري، فنقل كلام الهيثمي في إعلال الحديث بمعاوية بن عبد الله وأقره،وجملة القول: أن المحراب في المسجد بدعة، ولا مبرر لجعله من المصالح المرسلة، ما دام أن غيره مما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم مقامه مع البساطة، وقلة الكلفة، والبعد عن الزخرفة.

450 - " لواعتقد أحدكم بحجر لنفعه ".

موضوع.

كما قال ابن تيمية، وغيره.

قال الشيخ على القاري في " موضوعاته " (ص 66) : وقال ابن القيم: هو من كلام عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالأحجار.

وقال ابن حجر العسقلاني: لا أصل له، ونحوه: من بلغه شيء عن الله فيه فضيلة ... ".

قلت: يعني الحديث الآتى بعد:

 

(1/647)

 

 

451 - " من بلغه عن الله شيء فيه فضيلة فأخذ به إيمانا به ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وإن لم يكن كذلك ".

موضوع.

أخرجه الحسن بن عرفة في " جزئه " (100 / 1) وابن الأبار في " معجمه " (ص 281) وأبو محمد الخلال في " فضل رجب " (15 / 1 - 2) ، والخطيب (8 / 296) ، ومحمد بن طولون (880 - 953) في " الأربعين " (15 / 2) عن فرات بن سلمان، وعيسى بن كثير، كلاهما عن أبي رجاء، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعا.

 

(1/647)

 

 

ومن هذه الطريق ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 258) وقال:

" لا يصح، أبو رجاء كذاب ".

وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 214) ، وأنا لم أعرف أبا رجاء هذا، ثم وجدت الحافظ السخاوي صرح في " المقاصد " (ص 191) بأنه لا يعرف. وكذا قال فى " القول البديع " (ص 197) .

وأما قول المؤرخ ابن طولون:

" هذا حديث جيد الإسناد، وأبو رجاء هو فيما أعلم محرز بن عبد الله الجزري مولى هشام، وهو ثقة، وللحديث طرق وشواهد ذكرتها في كتابي " التوشيح لبيان صلاة التسبيح ". فهو بعيد جدا عن قواعد هذا العلم.

فإن محرزا هذا إن سلم أنه أبو رجاء، فهو يدلس، كما قال الحافظ في " التقريب " وقد عنعن، فأنى لإسناده الجودة؟ على أنني أستبعد أن يكون أبو رجاء هو محرز هذا، لأسباب: منها أنهم ذكروا في ترجمته أن من شيوخه، فرات بن سلمان، والواقع في هذا الإسناد خلافه، أعنى أن فرات بن سلمان هو راوى الحديث عنه، إلا أن يقال: إنه من رواية الأكابر عن الأصاغر، وفيه بعد. والله أعلم.

ويؤيد أنه ليس به، أنني رأيت على هامش " جزء ابن عرفة ": " العطاردي " إشارة إلى أن هذا نسبه، ولكن لم يوضع بجانبها حرف " صح " إشارة إلى أن هذه النسبة هي من أصل الكتاب سقطت من قلم الناسخ، فاستدركها على الهامش كما هي عادتهم، فإذا لم يشر إلى أنها من الأصل، فيحتمل أن تكون وضعت عليه تبيينا

 

(1/648)

 

 

وتوضيحا، لا على أنها من الأصل، ولعلنا نعثر على نسخة أخرى لهذا الجزء فنتبين حقيقة هذه الكلمة. والله أعلم.

ثم رأيت الحديث قد أخرجه الحافظ القاسم ابن الحافظ ابن عساكر فى " الأربعين " للسلفي (11 / 1) من الطريقين عن أبى رجاء به وقال:

" وهذا الحديث أيضا فيه نظر، وقد سمعت أبي رحمه الله يضعفه ".

ثم أورده ابن الجوزي من رواية الدارقطني بسنده عن ابن عمر، وفيه إسماعيل بن يحيى، قال ابن الجوزي: " كذاب "، ومن رواية ابن حبان من طريق يزيع أبي الخليل عن محمد بن واسع، وثابت بن أبان (كذا الأصل، ولعله ابن أسلم، فإني لا أعرف فى الرواة ثابت بن أبان) عن أنس مرفوعا. وقال ابن الجوزى:

" بزيع متروك ".

قلت: قال الذهبي فى ترجمته:

" متهم، قال ابن حبان: يأتي عن الثقات بأشياء موضوعة كأنه المتعمد لها ".

وقال في " الضعفاء ":

" متروك ".

وفى " اللسان " للحافظ ابن حجر:

" وقال الدارقطني: كل شيء يرويه باطل. وقال الحاكم: يروى عن الثقات أحاديث موضوعة ".

قلت: ومن طريقه أخرجه أبو يعلى، والطبراني في " الأوسط " بنحوه، كما فى " المجمع " (1 / 149) ، وسنذكره بعد هذا.

 

(1/649)

 

 

ثم إن السيوطي تعقب ابن الجوزي، فساق لحديث أنس طريقا آخر فيه متهم أيضا، كما يأتي بيانه في الحديث الذي بعده، وذكر كذلك طريقا أخرى لحديث ابن عمر من رواية الوليد بن مروان عنه، وسكت عنه، والوليد هذا مجهول، كما قال ابن أبى حاتم (4 / 2 / 18) عن أبيه، وكذا قال الذهبي، والعسقلاني. ثم إن فيه انقطاعا، فإن الوليد هذا روى عن غيلان بن جرير، وغيلان لم يروعن غير أنس من الصحابة، فهو من صغار التابعين، فالوليد على هذا من أتباعهم لم يدرك الصحابة، فثبت انقطاع الحديث.

ومن عجائب السيوطي أنه ساق بعد هذا قصة عن حمزة بن عبد المجيد.

خلاصتها: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسأله عن هذا الحديث، فقال: " إنه لمني وأنا قلته ".

ومن المقرر عند العلماء أن الرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي، فبالأولى أن لا يثبت بها حديث نبوي، والحديث هو أصل الأحكام بعد القرآن.

وبالجملة، فجميع طرق هذا الحديث لا تقوم بها حجة، وبعضها أشد ضعفا من بعض، وأمثلها - كما قال الحافظ ابن ناصر الدين في " الترجيح " - طريق أبي رجاء، وقد عرفت وهاءها، ولقد أصاب ابن الجوزي في إيراده إياه في " الأحاديث الموضوعة "، وتابعه على ذلك الحافظ ابن حجر، فقال، كما سبق في الحديث الذي قبله: " لا أصل له ".

وكفى به حجة فى هذا الباب، ووافقه الشوكاني أيضا كما سيأتي في الحديث الذي بعده.

ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه يوحي بالعمل بأي حديث طمعا في ثوابه، سواء كان الحديث عند أهل العلم صحيحا، أو ضعيفا، أو موضوعا، وكان من نتيجة

 

(1/650)

 

 

ذلك أن تساهل جمهو ر المسلمين، علماء، وخطباء، ومدرسين، وغيرهم، فى رواية الأحاديث، والعمل بها، وفي هذا مخالفة صريحة للأحاديث الصحيحة في التحذير من التحديث عنه صلى الله عليه وسلم إلا بعد التثبت من صحته عنه صلى الله عليه وسلم كما بيناه في المقدمة.

ثم إن هذا الحديث وما في معناه كأنه عمدة من يقول بجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ومع أننا نرى خلاف ذلك، وأنه لا يجوز العمل بالحديث إلا بعد ثبوته، كما هو مذهب المحققين من العلماء، كابن حزم، وابن العربي المالكي، وغيرهم - فان القائلين بالجواز قيدوه بشروط:

منها أن يعتقد العامل به كون الحديث ضعيفا.

ومنها: أن لا يشهر ذلك، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة. كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في " تبيين العجب بما ورد فى فضل رجب " (ص 3 - 4) قال: " وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ ابن عبد السلام وغيره، وليحذر المر من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين "، فكيف بمن عمل به، ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو في الفضائل، إذ الكل شرع.

قلت: ولا يخفى أن العمل بهذه الشروط ينافي هذا الحديث الموضوع، فالقائلون بها، كأنهم يقولون بوضعه. وهذا هو المطلوب - فتأمل.

ثم رأيت رسالة ابن ناصر الدين في صلاة التسابيح التي نقلت عنها تجويده لإسناد هذا الحديث قد طبعت بتعليق المدعومحمود بن سعيد المصري، وقد شغب فيها علينا ما شاء له الشغب - كما هي عادته - وتأول كلام العلماء بما يتفق مع جدله بالباطل، ومكابرته الظاهرة لكل قاريء، ولا مجال الآن للرد عليه مفصلا، فحسبي أن أسوق مثالا واحدا على ما نقول:

 

(1/651)

 

 

لقد تظاهر بالانتصار للتجويد المشار إليه، فرد إعلالي للحديث بتدليس محرز، إن سلم بأنه هو أبو رجاء، فزعم (ص 32 و33) بأن محرزا إنما يدلس عن مكحولا فقط، وبذلك تأول ما نقله عن ابن حبان أنه قال:

كان يدلس عن مكحول، يعتبر بحديثه ما بين السماع فيه عن مكحول وغيره.

فتعامى عن قوله: وغيره، الصريح في أنه إذا لم يصرح بالسماع عن مكحول وعن غيره، فلا يعتبر بحديثه، كما تعامى عن قول الحافظ المتقدم: " كان يدلس "، فإنه مطلق يشمل تدليسه عن مكحول وغيره.

وإنما قلت: تظاهر.... لأنه بعد تلك الجعجعة رجع إلى القول بضعف الحديث فقد تشكك (ص 36) أولا في كون أبي رجاء هو محرز بن عبد الله المدلس وثانيا خالف ابن ناصر الدين بقوله:

ولكن الحديث فيه نكارة شديدة توجب ضعفه، فإنه يؤدي للعمل بكل ما يسمع، ولوكان موضوعا أو واهيا، ما دام في الفضائل.

قلت: فقد رجع من نقده إياي بخفي حنين بعد أن سرق ما جاء في استدراكه الأخير من قولي المتقدم قريبا:

" ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه يوحي بالعمل بأي حديث طمعا في ثوابه. . . " إلخ.

أفلا يدل هذا على بالغ حقده وحسده ومكابرته؟ بلى، هناك ما هو أعظم في الدلالة، فانظر مقدمتي لكتابي " آداب الزفاف " طبع المكتبة الإسلامية في عمان، تر العجب العجاب.

والخلاصة: أن العلماء اتفقوا على رد هذا الحديث ما بين قائل بوضعه أو ضعفه، وهم: ابن الجوزي، وابن عساكر، وولداه، وابن حجر، والسخاوي، والسيوطي، والشوكاني، (وهم القوم لا يشقى جليسهم) .

 

(1/652)

 

 

وأما الطريق الأخرى التي سبقت الإشارة إليها من حديث أنس، فهي:

452 - " من بلغه عن الله فضل فأخذ بذلك الفضل الذي بلغه، أعطاه الله ما بلغه وإن كان الذي حدثه كاذبا ".

موضوع.

أخرجه البغوي في " حديث كامل بن طلحة " (4 / 1) ، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (1 / 22) ، وأبو إسماعيل السمرقندي في " ما قرب سنده " (2 / 1) ، وابن عساكر في " التجريد " (4 / 2 / 1) من مخطوطة الظاهرية مجموع (10 / 12) من طريق عباد بن عبد الصمد عن أنس مرفوعا.

قلت: وعباد متهم، قال الذهبي:

وهاه ابن حبان وقال: حدث عن أنس بنسخة كلها موضوعة.

ثم ذكر له الذهبي طرفا من حديث ثم قال: فذكر حديثا طويلا يشبه وضع القصاص، ثم ذكر له آخر ثم قال: فهذا إفك بين.

قلت: ومع أن ابن عبد البر قد ذكر الحديث بإسناده وذلك يبرئ عهدته منه، فقد اعتذر عن ذكره بقوله:

أهل العلم بجماعتهم يتساهلون في الفضائل فيروونها عن كل، وإنما يتشددون في أحاديث الأحكام، وقد تعقبه المحقق الشوكاني فأجاد، فقال في " الفوائد المجموعة " (ص 100) :

وأقول: إن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام لا فرق بينها، فلا يحل إذاعة

 

(1/653)

 

 

الأصل: إضاعة شيء منها إلا بما يقوم به الحجة، وإلا كان من التقول على الله بما لم يقل، وفيه من العقوبة ما هو معروف، والقلب يشهد بوضع ما ورد في هذا المعنى وبطلانه، وقد روي الحديث بلفظ آخر، وهو:

453 - " من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدق بها لم ينلها ".

موضوع.

رواه أبو يعلى في " مسنده " (6 / 163) وابن عدي في " الكامل " (ق 40 / 2) عن بزيع أبي الخليل الخصاف عن ثابت عن أنس مرفوعا، وقال: لا أعلم رواه غير بزيع أبي الخليل.

قلت: وهو متهم بالوضع كما تقدم قبل حديث، وذكره الهيثمي في " المجمع " (1 / 149) من حديث أنس وقال:

رواه أبو يعلى، والطبراني في " الأوسط "، وفيه بزيع أبو الخليل وهو ضعيف.قلت: بل هو متهم، كما قال الذهبي، وتقدمت عبارة ابن حبان وغيره في ذلك قبل حديث.

 

(1/654)

 

 

454 - " إذا صليتم فقولوا: سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمد لله ثلاثا وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين، ولا إله إلا الله عشرا، فإنكم تدركون بذلك من سبقكم، وتسبقون من بعدكم ".

ضعيف بهذا السياق.

أخرجه النسائي (1 / 199) والترمذي (2 / 264 - 265) من طريق عتاب بن بشير عن خصيف عن مجاهد، وعكرمة عن ابن عباس قال:

جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن الأغنياء يصلون كما

 

(1/654)

 

 

نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم أموال يتصدقون وينفقون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وقال الترمذي:

حديث حسن غريب.

قلت: إسناده ضعيف، خصيف، وهو ابن عبد الرحمن الجزري، صدوق، سيء الحفظ، خلط بأخرة، وعتاب: صدوق، يخطيء.

وقوله: و" لا إله إلا الله عشرا " منكر مخالف لحديث أبي هريرة في هذه القصة، وفيه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.... مرة واحدة، وإسناده صحيح،

كما كنت بينته في " الأحاديث الصحيحة " رقم (100) .

455 - " الرجل الصالح يأتي بالخبر الصالح، والرجل السوء يأتي بالخبر السوء ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 95) ، وابن عساكر (13 / 185 / 2) من طريق محمد بن القاسم الطايكاني قال: حدثنا عمر في " الحلية " عمرو وهو خطأ، ابن هارون عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا، وقال:

غريب لم نكتبه إلا من حديث محمد بن القاسم.

قلت: وهو وضاع، وشيخه عمر بن هارون كذاب وخفي هذا على السيوطي، فأورد الحديث في " الجامع الصغير " برواية أبي نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة، ولم يتكلم شارحه على إسناده بشيء، غير أنه قال:

ورواه عنه الديلمي ثم وجدت له طريقا أخرى، رواه أبو بكر الأزدي في " حديثه " (5 / 1) عن يحيى بن عبدويه، حدثني أبو محمد بن سعيد بن المسيب - وأحسب اسمه

 

(1/655)

 

 

عبد الملك - عن أبيه عن جده عن أبي هريرة به.

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، علته ابن عبدويه، رماه ابن معين بالكذب، وأما أحمد فأثنى عليه وأبو محمد بن سعيد بن المسيب لم أعرفه، ولسعيد ابن يدعى محمد، فلعله هذا انقلب اسمه على ابن عبدويه فجعله كنيته، وحسب أن اسمه عبد الملك، ثم زاد في السند " عن جده " فجعله من سند المسيب عن أبي هريرة، والمسيب صحابي، ولا نعرف له رواية عن أبي هريرة وله شاهد لا يساوي فلسا، أخرجه أبو الشيخ في " الأمثال " (66) من طريق داود ابن المحبر: حدثنا عنبسة ابن عبد الرحمن القرشي عن عبد عبد الله بن ربيعة عن أنس مرفوعا.

قلت: وعنبسة وداود وضاعان.

456 - " إن فاطمة حصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار ".

ضعيف جدا.

أخرجه الطبراني (1 / 257 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 286) وابن عدي في " الكامل " (ق 249 / 1) وابن شاهين في " فضائل فاطمة " (ورقة 3 وجه 1) وتمام في " الفوائد " (61 / 2) وابن منده في " المعرفة " (2 / 293 / 1) وابن عساكر (5 / 23 / 1، 17 / 386 / 1) عن معاوية بن هشام، حدثنا عمر ابن غياث الحضرمي عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود مرفوعا، ثم رواه ابن شاهين، وكذا أبو القاسم المهراني في " الفوائد المنتخبة " (2 / 11 / 2) من طريق حفص بن عمر الأبلي، حدثنا عبد الملك بن الوليد بن معدان، وسلام بن سليم القاري عن عاصم به.

 

(1/656)

 

 

وابن شاهين أيضا من طريق محمد بن عبيد بن عتبة، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي حدثنا تليد عن عاصم به.

قلت: فهذه طرق ثلاث عن عاصم، وهي ضعيفة جدا، وبعضها أشد ضعفا من بعض.

ففي الطريق الأولى عمر بن غياث، قال العقيلي:

قال البخاري: في حديثه نظر، قال العقيلي: والحديث هو هذا، وقال البخاري في " التاريخ الصغير " (ص 214) .

ولم يذكر سماعا من عاصم، معضل الحديث، واتهمه ابن حبان فقال: يروي عن عاصم ما ليس من حديثه، وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 128) عن أبيه: هو منكر الحديث، والراوي عنه معاوية بن هشام فيه ضعف، لكن الحمل فيه على شيخه عمر، ومن هذه الطرق برواية ابن عدي أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال: مداره على عمرو بن غياث ويقال فيه عمر، وقد ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: عمرو يروي عن عاصم ما ليس من حديثه، ولعله سمعه في اختلاط عاصم، ثم إن ثبت الحديث فهو محمول على أولادها فقط، وبذلك فسره

محمد بن علي بن موسى الرضى فقال: هو خاص بالحسن والحسين.

قلت: ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (3 / 152) وأبو نعيم (4 / 188) وقال:

 

(1/657)

 

 

هذا حديث غريب تفرد به معاوية، وأما الحاكم فقال: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله:

قلت: بل ضعيف، تفرد به معاوية، وقد ضعف عن ابن غياث، وهو واه بمرة.

قلت: ورواه العقيلي أيضا من طريق آخر عن معاوية بن هشام به، إلا أنه أوقفه على ابن مسعود، وقال العقيلي: والموقوف أولى.

قلت: ولا يصح لا موقوفا ولا مرفوعا.

وأما الطريق الثاني، ففيه حفص بن عمر الأبلي وهو كذاب.

وأما الطريق الثالث، ففيه تليد، قال ابن معين: كذاب يشتم عثمان، وقال أبو داود: رافضي يشتم أبا بكر وعمر، وفي لفظ " خبيث "، فتبين أن هذه الطرق واهية لا تزيد الحديث إلا وهنا، وقد روى أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 206 - 207) بسند فيه نظر عن ابن الرضا أنه سئل عن هذا الحديث فقال: خاص للحسن والحسين.

 

(1/658)

 

 

وذكره العقيلي من قول أبي كريب أحد رواته عن ابن هشام، وزاد:

ولمن أطاع الله منهم، وهذا تأويل جيد لوصح الحديث، وقد ذكر له السيوطي شاهدا من حديث ابن عباس، وهو عندي شاهد قاصر، لأنه أخص منه، على أن إسناده ضعيف، وهو:

457 - " إن الله غير معذبك (يعني فاطمة رضي الله عنها) ولا ولدها ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني (3 / 131 / 2) حدثنا أحمد بن بهرام الإيذجي، أخبرنا محمد بن مرزوق، حدثنا إسماعيل بن موسى بن عثمان الأنصاري، سمعت صيفي بن ربعي يحدث عن عبد الرحمن بن الغسيل عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.

وقد أورده السيوطي في " اللآليء " (1 / 402) شاهدا للحديث الذي قبله وسكت عنه، وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 202) : رواه الطبراني ورجاله ثقات وأقره ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (1 / 417) .

قلت: وفيه نظر من وجوه:

الأول: أن إسماعيل هذا لم يوثقه غير ابن حبان، وقد ذكرنا مرارا أن توثيقه إذا تفرد غير موثوق، ولا سيما إذا خالفه غيره كما هنا، فقد قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 196) عن أبيه: إنه مجهول.

 

(1/659)

 

 

الثاني: أن محمد بن مرزوق وإن خرج له مسلم ففيه لين كما قال ابن عدي.

الثالث: أن الإيذجي هذا أورده السمعاني في " الأنساب " فقال: روى عن محمد بن مرزوق، روى عنه الطبراني، وسمع منه بإيذج، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا والله أعلم، ثم شككت في كون ابن عثمان الأنصاري هو الذي وثقه ابن حبان، لأنه ذكره في (أتباع التابعين) (6 / 43) ، وهذا كما ترى دونه بحيث أدركه محمد بن مرزوق شيخ مسلم، ثم هو لم يجاوز في نسبه أباه موسى الأنصاري، فالله أعلم.

458 - " دية ذمي دية مسلم ".

منكر.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 45 ـ 46 / 780) والدارقطني في " سننه " (ص 343، 349) والبيهقي (8 / 102) من طريق أبي كرز القرشي عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وضعفه الدارقطني بقوله: لم يرفعه عن نافع غير أبي كرز وهو متروك، واسمه عبد الله بن عبد الملك الفهري، وذكر الذهبي في ترجمته من " الميزان " أن هذا الحديث من أنكر ما له، ثم رواه الدارقطني من حديث أسامة بن زيد، وأعله بأن فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي متروك الحديث.

قلت: بل هو متهم، وقد تقدم له غير ما حديث، ثم رواه البيهقي من حديث ابن عباس، وأعله بأن فيه الحسن بن عمارة قال: وهو متروك لا يحتج به.

 

(1/660)

 

 

ومن طريق أخرى عنه، وفيه أبو سعد البقال، قال البيهقي:

لا يحتج به، وقال الزيلعي (4 / 336) : فيه لين.

ورواه الرافقي في حديثه (19 / 2) عن أبي هريرة، وفيه بركة بن محمد الأنصاري وهو الحلبي وليس فيه بركة، قال الدارقطني: كان يضع الحديث.

ثم رواه البيهقي من حديث الزهري مرسلا، وقال: رده الشافعي بكونه مرسلا، وبأن الزهري قبيح المرسل.

قال الشوكاني (7 / 55) مبينا وجه ذلك: لأنه حافظ كبير لا يرسل إلا لعلة.

ورواه الإمام محمد في " كتاب الآثار " (ص 104) قال: أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم مرفوعا.

قلت: وهذا معضل، فإن الهيثم هذا هو ابن حبيب الصيرفي الكوفي وهو من أتباع التابعين، روى عن عكرمة وعاصم بن ضمرة، وأبي حنيفة.

وتوضيحا لذلك أقول: وأبو حنيفة ضعفوا حديثه كما سبق بيانه عند الحديث (397) .

وتوضيحا لذلك أقول: ذكرت هناك أن الإمام رحمه الله قد ضعفه من جهة حفظه:

البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن عدي وغيرهم من أئمة الحديث، فأذكر هنا نصوص الأئمة المشار إليهم وغيرهم ممن صح ذلك عنهم، ليكون

 

(1/661)

 

 

القاريء على بينة من الأمر، ولا يظن أحد منهم أن فيما ذكرنا هناك ما يمكن أن يدعي مدع أنه اجتهاد منا، وإنما هو الاتباع لأهل العلم والمعرفة والاختصاص، والله عز وجل يقول: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ، ويقول: {فاسأل به خبيرا} .

1 - قال الإمام البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 81) : سكتوا عنه.

2 - وقال الإمام مسلم في " الكنى والأسماء " (ق 31 / 1) : مضطرب الحديث ليس له كبير حديث صحيح.

3 - وقال النسائي في آخر " كتاب الضعفاء والمتروكين " (ص 57) : ليس بالقوي في الحديث، وهو كثير الغلط على قلة روايته.

4 - وقال ابن عدي في " الكامل " (403 / 2) :

 

(1/662)

 

 

له أحاديث صالحة، وعامة ما يرويه غلط وتصاحيف وزيادات في أسانيدها ومتونها، وتصاحيف في الرجال، وعامة ما يرويه كذلك، ولم يصح له في جميع ما يرويه، إلا بضعة عشر حديثا، وقد روى من الحديث لعله أرجح من ثلاثمائة حديث، من مشاهير وغرائب، وكله على هذه الصورة، لأنه ليس هو من أهل الحديث، ولا يحمل عمن يكون هذه صورته في الحديث.

5 - قال ابن سعد في " الطبقات " (6 / 256) : كان ضعيفا في الحديث.

6 - وقال العقيلي في " الضعفاء " (ص 432) : حدثنا عبد الله بن أحمد قال:

سمعت أبي يقول: حديث أبي حنيفة ضعيف.

7 - وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 450) : حدثنا حجاج ابن حمزة قال: أنبأنا عبدان بن عثمان قال: سمعت ابن المبارك يقول: كان أبو حنيفة مسكينا في الحديث.

8 - وقال أبو حفص بن شاهين: وأبو حنيفة، فقد كان في الفقه ما لا يدفع من علمه فيه، ولم يكن في الحديث بالمرضي، لأنه للأسانيد نقادا، فإذا لم يعرف الإسناد ما يكتب وما كذب نسب إلى الضعف.

كذا في فوائد ثبتت في آخر نسخة " تاريخ جرجان " (ص 510 - 511) .

9 - قال ابن حبان:

 

(1/663)

 

 

وكان رجلا جدلا ظاهر الورع لم الحديث صناعته حدث بمئة وثلاثين حديثا مسانيد ما له حديث في الدنيا غيرها أخطأ منها في مئة وعشرين حديثا إما أن يكون أقلب إسناده أو غير متنه من حيث لا يعلم فلما غلب خطؤه على صوابه استحق ترك الاحتجاج به في الأخبار.

10 - وقال الدارقطني في " سننه " وقد ساق عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر مرفوعا: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة "، فقال الدارقطني عقبه (ص 123) : لم يسنده عن موسى بن أبي عائشة غير أبي حنيفة، والحسن بن عمارة، وهما ضعيفان.

11 - وأورده الحاكم في " معرفة علوم الحديث " في جماعة من الرواة من أتباع التابعين فمن بعدهم، لم يحتج بحديثهم في الصحيح، وختم ذلك بقوله (ص 256) :

فجميع من ذكرناهم، قوم قد اشتهروا بالرواية، ولم يعدوا في طبقة الأثبات المتقنين الحفاظ.

12 - وذكر الحافظ عبد الحق الأشبيلي في " الأحكام " (ق 17 / 2) حديث خالد بن علقمة عن عبد خير عن على في وضوئه صلى الله عليه وسلم: فمسح برأسه مرة، وقال عقبه: كذا رواه الحفاظ الثقات عن خالد، ورواه أبو حنيفة عن خالد فقال: ومسح رأسه ثلاثا.

 

(1/664)

 

 

ولا يحتج بأبي حنيفة لضعفه في الحديث.

13 - وأورده ابن الجوزي في كتابه " الضعفاء والمتروكين " (3 / 163) ونقل تضعيف النسائي وغيره ممن تقدم ذكره وعن الثوري أنه قال: ليس بثقة وعن النضر ابن شميل: متروك الحديث.

14 - قال الذهبي في " ديوان الضعفاء " (ق 215 / 1 - 2) : النعمان الإمام رحمه الله، قال ابن عدي: عامة ما يرويه غلط وتصحيف وزيادات، وله أحاديث صالحة، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث كثير الغلط والخطأ على قلة روايته، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه.

وهذا النقل عن ابن معين معناه عنده أن أبا حنيفة من جملة الضعفاء، وهو يبين لنا أن توثيق ابن معين للإمام أبي حنيفة الذي ذكره الحافظ في " التهذيب " ليس قولا واحدا له فيه، والحقيقة أن رأى ابن معين كان مضطربا في الإمام، فهو

تارة يوثقه، وتارة يضعفه كما في هذا النقل، وتارة يقول فيما يرويه ابن محرز عنه في " معرفة الرجال " (1 / 6 / 1) : كان أبو حنيفة لا بأس به، وكان لا يكذب، وقال مرة أخرى: أبو حنيفة عندنا من أهل الصدق، ولم يتهم بالكذب.

ومما لا شك فيه عندنا أن أبا حنيفة من أهل الصدق، ولكن ذلك لا يكفي ليحتج بحديثه حتى ينضم إليه الضبط والحفظ، وذلك مما لم يثبت في حقه رحمه الله، بل ثبت فيه العكس بشهادة من ذكرنا من الأئمة، وهم القوم لا يضل من أخذ

 

(1/665)

 

 

بشهادتهم واتبع أقوالهم، ولا يمس ذلك من قريب ولا من بعيد مقام أبي حنيفة رحمه الله في دينه وورعه وفقهه، خلافا لظن بعض المتعصبين له من المتأخرين فكم من فقيه وقاض وصالح تكلم فيهم أئمة الحديث من قبل حفظهم، وسوء ضبطهم، ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعنا في دينهم وعدالتهم، كما لا يخفى ذلك على المشتغلين بتراجم الرواة، وذلك مثل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي وحماد بن أبي سليمان الفقيه وشريك بن عبد الله القاضي وعباد بن كثير وغيرهم، حتى قال يحيى بن سعيد القطان: لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث، رواه مسلم في مقدمة صحيحه (1 / 13) وقال في تفسيره: يقول يجري الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون الكذب، وروى أيضا عن عبد الله بن المبارك قال: قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله (يعني في الصلاح والتقوى) وإذا حدث جاء بأمر عظيم، فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال: سفيان: بلى، قال عبد الله: فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه، وأقول: لا تأخذوا عنه.

قلت: فهذا هو الحق والعدل وبه قامت السماوات والأرض، فالصلاح والفقه شيء وحمل الحديث وحفظه وضبطه شيء آخر، ولكل رجاله وأهله، فلا ضير على أبي حنيفة رحمه الله أن لا يكون حافظا ضابطا، ما دام أنه صدوق في نفسه، أضف إلى ذلك جلالة قدره في الفقه والفهم، فليتق الله بعض المتعصبين له ممن يطعن في مثل الإمام الدارقطني لقوله في أبي حنيفة ضعيف في الحديث.

ويزعم أنه ما قال

 

(1/666)

 

 

ذلك إلا تعصبا على أبي حنيفة، ولم يدر البعض المشار إليه أن مع الدارقطني أئمة الحديث الكبار مثل الشيخين وأحمد وغيرهم ممن سبق ذكرهم أفكل هؤلاء متعصبون ضد أبي حنيفة؟ ! تالله إن شخصا يقبل مثل هذه التهمة توجه إلى مثل هؤلاء، لأيسر عليه وأقرب إلى الحق أن يعكس ذلك فيقول: صدوق هؤلاء فيما قالوه في الإمام أبي حنيفة، ولا ضير عليه في ذلك، فغايته أن لا يكون محدثا ضابطا، وحسبه ما أعطاه الله من العلم والفهم الدقيق حتى قال الإمام الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة، ولذلك ختم الحافظ الذهبي ترجمة الإمام في " سير النبلاء " (5 / 288 / 1) بقوله وبه نختم:

قلت: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام، وهذا أمر لا شك فيه

وليس يصح في الأذهان شيء *** إذا احتاج النهار إلى دليل "

ثم إن الحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 127) من الطريق الأولى، وقال: قال الدارقطني: باطل لا أصل له، وأبو كرز عبد الله بن كرز متروك، وأقره السيوطي في " اللآليء " (2 / 189) وزاد عليه، فذكر ما سبق نقله عن الذهبي وأنه أخرجه الطبراني في " الأوسط " يعني من الطريق المذكور.

وهذا شيء غير معهو د من السيوطي فإن عادته أن يتعقب ابن الجوزي في مثل هذا الحديث، الذي له ما سبق ذكره من الشواهد! ولعله إنما أمسك عن ذكرها لأنها مع ضعفها تعارض الحديث الثابت، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:

" إن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين "، وهم اليهود والنصارى.

أخرجه أحمد (رقم 6692، 5716) وابن أبي شيبة في " المصنف " (11 /

 

(1/667)

 

 

26 / 2) وأصحاب " السنن " والدارقطني والبيهقي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحسنه الترمذي (1 / 312) وصححه ابن خزيمة كما قال الحافظ في " بلوغ المرام " (3 / 342 بشرح سبل السلام) وهو حسن الإسناد عندي، وعلى هذا فكان على السيوطي أن لا يورد الحديث في " الجامع الصغير " لمعارضته لهذا الحديث الثابت، ولفظه عند أبي داود: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار: ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين، وله شاهد من حديث ابن عمر في " المعجم الأوسط " (1 / 188 / 1) .

وقد خرجته في " الإرواء " (2251) .

ومن أراد تحقيق القول في هذا الحديث من الناحية الفقهية فليراجع " سبل السلام " للصنعاني "، و" نيل الأو طار " للشوكاني.

459 - " صام نوح عليه الصلاة والسلام الدهر إلا يوم الفطر ويوم الأضحى ".

ضعيف.

أخرجه ابن ماجه (1 / 524) من طريق ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن أبي فراس أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... فذكره.

قال البوصيري في " الزوائد " (ق 108 / 2) : هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة قلت: وبقية رجال الإسناد ثقات، وأبو فراس اسمه يزيد بن رباح السهمي المصري قال العجلي في " الثقات " (رقم 1572 - نسختي) :

 

(1/668)

 

 

مصري (الأصل: بصري) تابعي ثقة، وهو من رجال مسلم، وقد خفي هذا على المنذري في " الترغيب " (2 / 82) ثم الهيثمي في " المجمع " (3 / 195) فقالا: إنه لا يعرف، وبه أعلا الحديث وقد أورداه بزيادة من رواية الطبراني في " الكبير "، وإنما علته ابن لهيعة كما سبق، ثم إن الحديث لوصح لم يجز العمل به لأنه من شريعة من قبلنا، وهي ليست شريعة لنا على ما هو الراجح عندنا، ولا سيما وقد ثبت النهى عن صيام الدهر في غير ما حديث عنه صلى الله عليه وسلم حتى قال صلى الله عليه وسلم في رجل يصوم الدهر: " وددت أنه لم يطعم الدهر ".

رواه النسائي (1 / 324) ، بسند صحيح.

460 - " أنا أولى من وفى بذمته " قاله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل مسلم كان قتل رجلا من أهل الذمة.

منكر.

أخرجه ابن أبي شيبة (11 / 27 / 1) وعبد الرزاق (18514) وأبو داود في المراسيل (207 / 250) والطحاوي (2 / 111) والدارقطني (ص 345) والبيهقي (8 / 20 - 21) من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل من المسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذمة فأمر به فضرب عنقه وقال ... فذكره، وأعله الطحاوي بالإرسال، وقد وصله الدارقطني والبيهقي من طريق عمار بن مطر، أنبأنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن ابن البيلماني عن ابن عمر به، وقال الدارقطني:

 

(1/669)

 

 

لم يسنده غير إبراهيم بن أبي يحيى وهو متروك الحديث، والصواب عن ربيعة عن ابن البيلماني مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن البيلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف بما يرسله؟ .

وأقره الحافظ في " الفتح " (12 / 221) ، ونقل البيهقي عن الإمام صالح بن محمد الحافظ أنه قال: هو مرسل منكر.

قلت: وروى من وجهين آخرين مرسلين:

الأول: عن يحيى بن سلام عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، أخرجه الطحاوي.

وهذا مع إرساله ضعيف جدا، يحيى بن سلام ضعفه الدارقطني، ومحمد بن أبي حميد ضعيف جدا، قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة.

الآخر: عن عبد الله بن يعقوب حدثنا عبد الله بن عبد العزيز بن صالح الحضرمي عنه صلى الله عليه وسلم نحوه.

أخرجه أبو داود في " المراسيل " (208 / 251) قال الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 336)

وقال ابن القطان في كتابه: وعبد الله بن يعقوب وعبد الله بن عبد العزيز مجهولان ولم أجد لهما ذكرا.

 

(1/670)

 

 

وأقره الزيلعي.

قلت: فهذه طرق شديدة الضعف لا يتقوى بها الحديث، ويزيده ضعفا أنه معارض للحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: لا يقتل مسلم بكافر.

أخرجه البخاري (12 / 220) وغيره عن علي رضي الله عنه وهو مخرج في الإرواء (2209) ، وبه أخذ جمهو ر الأئمة، وأما الحنفية فأخذوا بالأول على ضعفه ومعارضته للحديث الصحيح! وقد أنصف بعضهم فرجع إلى الحديث الصحيح فروى البيهقي والخطيب في " الفقيه " (2 / 57) عن عبد الواحد بن زياد قال: لقيت زفر فقلت له صرتم حديثا في الناس وضحكة! قال: وما ذلك؟ قال: قلت:

تقولون في الأشياء كلها: ادرءوا الحدود بالشبهات، وجئتم إلى أعظم الحدود فقلتم: تقام بالشبهات! قال: وما ذلك؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل مؤمن بكافر "، فقلتم: يقتل به! قال: فإنى أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه، ورواه أبو عبيد بنحوه، وسنده صحيح كما قال الحافظ.

ثم وقفت بعد ذلك على فصل للأستاذ المودودي في " الحقوق العامة لأهل الذمة " في كتابه " نظرية الإسلام وهديه "، لفت انتباهي فيه مسألتان:

الأولى: قوله: إن دية الذمى دية المسلم، وقد سبق بيان ما فيه عند الكلام على الحديث (458) : والأخرى قوله (ص 341) :

دم الذمي كدم المسلم، فإن قتل مسلم أحدا من أهل الذمة اقتص منه له كما لو قتل مسلما، ثم ذكر هذا الحديث من رواية الدارقطني محتجا به، وقد عرفت من تخريجنا

 

(1/671)

 

 

للحديث أن الدارقطني رحمه الله لما خرجه عقبه ببيان ضعفه، فالظاهر أن الأستاذ لم يقف على هذا التضعيف، وإنما رأى بعض فقهاء الحنفية الذين لا معرفة عندهم بالتخريج عزى هذا الحديث إلى الدارقطني ولم يذكر معه تضعيفه، فظن الأستاذ أن الدارقطني سكت عنه، ولولا ذلك لما سكت عنه الأستاذ ولأتبعه بنقل التضعيف كما تقتضيه الأمانة العلمية، ثم إن الأستاذ أتبع الحديث ببعض الآثار عن الخلفاء الثلاثة: عمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم، استدل بها أيضا على قوله المذكور، فرأيت الكلام عليها بما يقتضيه علم الحديث حتى يكون المسلم على بينة من الأمر، أما أثر عمر فخلاصته أن رجلا من بني بكر بن وائل قتل رجلا من أهل الذمة، فأمر عمر بتسليم القاتل إلى أولياء المقتول، فسلم إليهم فقتلوه.

قلت: فهذا لا يصح إسناده لأنه من رواية إبراهيم وهو النخعي أن رجلا.. هكذا رواه عبد الرزاق في " مصنفه " (10 / 101 / 18515) مختصرا ورواه البيهقي في " المعرفة " بتمامه كما في " نصب الراية " للزيلعي (4 / 337) ، وإبراهيم لم يدرك زمان عمر وفي إسناد البيهقي أبو حنيفة وقد عرفت ما قيل فيه قبل حديث، على أنه قد جاء موصولا من طريق أخرى فيها زيادة في آخره تفسد الاستدلال به لوصح، وهي: فكتب عمر: أن يودى ولا يقتل.

رواه الطحاوى (2 / 112) عن النزال بن سبرة قال: قتل رجل من المسلمين رجلا من الكفار ... ".

أما أثر عثمان ففيه قصة طويلة، خلاصتها أن أبا لؤلؤة لعنه الله لما قتل عمر رضي الله عنه، ذهب ابنه عبيد الله إلى ابنة لأبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام، فقتلها

 

(1/672)

 

 

وقتل معها الهرمزان وجفينة وكان نصرانيا، فعل ذلك لظنه أنهم تمالؤوا على قتل أبيه، فلما استخلف عثمان رضي الله عنه استشار المهاجرين على قتله، فكلهم أشاروا عليه بذلك، ثم حال بينه وبين ذلك أن كثر اللغط والاختلاف من جل الناس يقولون لجفينة والهرمزان: أبعدهما الله، لعلكم تريدون أن تتبعوا عمر ابنه! ثم قال عمرو بن العاص لعثمان: يا أمير المؤمنين إن هذا الأمر قد كان قبل أن يكون لك على الناس سلطان، فتفرق الناس عن خطبة عمرو، وانتهى إليه عثمان، وودى الرجلان والجارية.

أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 111) عن سعيد بن المسيب، وفي سنده عبد الله بن صالح وفيه ضعف، لكن رواه ابن سعد في " الطبقات " (3 / 1 / 256 - 258) من طريق أخرى بسند صحيح عن سعيد، وظاهره الإرسال لأنه كان صغيرا لما قتل عمر، كان عمره يومئذ دون التاسعة، ويبعد لمن كان في مثل هذه السن أن يتلقى هذا الخبر عن صاحب القصة مباشرة وهو عبيد الله بن عمر، ثم لا يسنده عنه، فإن كان سمعه منه أو من غيره ممن أدرك القصة من الثقات فالسند صحيح، وإلا فلا، لجهالة الواسطة، اللهم إلا عند من يقول بأن مراسيل سعيد حجة.

وعلى كل حال فليس في القصة نص على أن المسلم يقتل بالذمي لأن عثمان والمهاجرين الذين أرادوا قتله لم يصرحوا بأن ذلك لقتله جفينة النصراني، كيف وهو قد قتل مسلمين معه: ابنة أبي لؤلؤة، والهرمزان فإنه كان مسلما كما رواه البيهقي، فهو يستحق القتل لقتله إياهما، لا من أجل النصراني والله أعلم.

وأما أثر علي، فهو نحوأثر عمر، إلا أن فيه:

" فجاء أخوه (أي القتيل) فقال: قد عفوت، فقال: لعلهم فزعوك أو هددوك؟ قال:

لا ... ".

 

(1/673)

 

 

فهذا إسناده ضعيف، ضعفه الزيلعي (4 / 337) وغيره، وأعلوه بأن فيه حسين بن ميمون، قال أبو حاتم: ليس بالقوي في الحديث، وذكره البخاري في " الضعفاء "، وفيه أيضا قيس بن الربيع وهو ضعيف.

على أنه بالإضافة إلى ضعف إسناده، فإنه مخالف لحديثه المتقدم " لا يقتل مسلم بكافر " ولهذا قال الزيلعي:

قال الشافعي: فيه دليل على أن عليا لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يقول بخلافه ".

فتبين أن هذه الآثار لا يثبت شيء منها، فلا يجوز الاستدلال بها، هذا لو لم تعارض حديثا مرفوعا؟ فكيف وهي معارضة لحديث علي المذكور؟ ! فهذا يبين لك بوضوح أثر الأحاديث الضعيفة بحيث أنه استبيح بها دماء المسلمين!

وعورضت بها الأحاديث الصحيحة الثابتة عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

461 - " النساء لعب فتخيروا ".

منكر.

رواه الحاكم في تاريخه وعنه الديلمي معلقا (3 / 110) من طريق ابن لهيعة عن الأحوص بن حكيم عن عمرو بن العاص مرفوعا.

ذكره السيوطي في " اللآليء " (2 / 189) شاهدا لحديث علي بمعناه قال ابن الجوزي فيه: لا يصح.

 

(1/674)

 

 

قلت: وهذا الشاهد سكت عنه السيوطي كغالب عادته، وهو ضعيف جدا فيه ثلاث علل: ابن لهيعة مشهور بالضعف، والأحوص قال ابن معين وابن المديني: ليس بشيء، ثم إنه منقطع بين الأحوص وعمرو، ولذلك قال ابن عراق (2 / 226) سنده ضعيف، ومما يدل على نكارة الحديث أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" إنما النساء شقائق الرجال "، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (234) قلت: فيبعد كل البعد أن يصفهن عليه الصلاة والسلام بأنهن " لعب ".

وقد روى الحديث بأتم منه وهو ضعيف أيضا، وهو:

462 - " إنما النساء لعب فمن اتخذ لعبة فليحسنها أو فليستحسنها ".

ضعيف.

رواه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (ص 116 - زوائده) : حدثنا أحمد بن يزيد حدثنا عيسى بن يوسف عن زهير بن محمد عن أبي بكر بن حزم مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه ثلاث علل:

الإرسال، فإن أبا بكر وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري تابعي مات سنة (120) .

وضعف زهير بن محمد الخراساني الشامي.

 

(1/675)

 

 

وأحمد بن يزيد لم أعرفه ويحتمل أنه ابن الورتنيس المصري، فقد ذكر له رواية عن عيسى بن يونس في " تهذيب الكمال "، فإن كان هو ففيه ضعف، والله أعلم.

وهذا الحديث مما فات السيوطي فلم يورده في " الجامع الكبير " ولا في " اللآليء " وكذلك فات ابن عراق فلم يورده في " تنزيه الشريعة " والمناوي في " الجامع الأزهر ".

463 - " فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بنضح أو غرب نصف العشر في قليله وكثيره ".

موضوع بهذه الزيادة: " في قليله وكثيره ".

رواه أبو مطيع البلخي عن أبي حنيفة عن أبان بن أبي عياش عن رجل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: وهذا موضوع، أبو مطيع البلخي واسمه الحكم بن عبد الله صاحب أبي حنيفة قال أبو حاتم: كان كذابا، وقال الجوزجاني: كان من رؤساء المرجئة ممن يضع الحديث، وضعفه سائر الأئمة، وقد اتهمه الذهبي بوضع حديث يأتي عقب هذا، وأبان بن أبي عياش متهم أيضا وقد مضى له أحاديث.

والحديث أورده الزيلعي في " نصب الراية " (2 / 385) وقال: قال ابن الجوزي في " التحقيق ": واحتجت الحنفية بما روى أبو مطيع البلخي عن أبي حنيفة ... قال: وهذا الإسناد لا يساوي شيئا، أما أبو مطيع فقال ابن

 

(1/676)

 

 

معين: ليس بشيء، وقال أحمد لا ينبغي أن يروى عنه، وقال أبو داود: تركوا حديثه، وأما أبان فضعيف جدا، ضعفه شعبة.

قلت: بل كذبه شعبة كما في الميزان وقد تقدم.

ومما يدل على كذب هذا الحديث أن البخاري أخرجه في " صحيحه " من حديث ابن عمر دون قوله: " في قليله وكثيره " وكذلك رواه مسلم من حديث جابر والترمذي من حديث أبي هريرة وهو مخرج في " الإرواء " (799) فهذه الزيادة باطلة ويزيدها بطلانا ما في " الصحيحين " وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " وهو مخرج في " الإرواء " أيضا (800) وبهذا الحديث الصحيح أخذ الإمام محمد خلافا لشيخه أبي حنيفة كما صرح به في " كتاب الآثار " (ص 52) .

فهذا أيضا من آثار الأحاديث الضعيفة إيجاب ما لم يوجبه الله على عباده وعلى الرغم من هذا فإننا لا نزال نسمع بعضهم يجهر بمثل هذا الإيجاب أخذا بما تقتضيه المصلحة كما زعموا.

464 - " الإيمان مثبت في القلب كالجبال الرواسي، وزيادته ونقصه كفر ".

موضوع.

أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 103) في ترجمة عثمان بن عبد الله بن عمرو الأموي من روايته عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة

 

(1/677)

 

 

قال:

لما قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جئناك نسألك عن الإيمان أيزيد أو ينقص؟ قال ... فذكره.

قال ابن حبان وتبعه الذهبي: فهذا وضعه أبو مطيع على حماد، فسرقه هذا الشيخ منه، وكان قدم خراسان فحدثهم عن الليث ومالك، وكان يضع عليهم الحديث لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار، وأقره الحافظ في " اللسان ".

وأبو مطيع هذا هو البلخي صاحب أبي حنيفة سبق ذكره في الحديث الذي قبل هذا.

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية الحاكم من طريق أبي مطيع حدثنا حماد بن سلمة به، وقال ابن الجوزي: موضوع أبو مطيع الحكم بن عبد الله كذاب، وكذا أبو مهزم، وسرقه منه عثمان بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وهو أيضا كذاب وضاع، قال الحاكم: إسناده فيه ظلمات، والحديث باطل، والذي تولى كبره أبو مطيع وسرقه منه عثمان فرواه عن حماد.

ووافقه السيوطي في " اللآليء " (1 / 38) .

قلت: وهذا الحديث مخالف للآيات الكثيرة المصرحة بزيادة الإيمان كقوله تعالى:

{ ... ليزداد الذين آمنوا إيمانا ... } (الفتح: 4) فكفى بهذا دليلا على بطلان مثل هذا الحديث وإن قال بمعناه جماعة.

 

(1/678)

 

 

465 - " إن لغة إسماعيل كانت قد درست فأتاني بها جبريل فحفظتها ".

ضعيف.

أخرجه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص 116) من طريق علي بن خشرم قال:

حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال: بلغني أن عمر بن الخطاب قال:

يا رسول الله إنك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره.

قلت: وعلته الانقطاع بين علي بن الحسين وعمر، وقد وصله الحاكم وكذا الغطريف في جزء له (ورقة 4 وجه 2 من مجموع 54 في ظاهرية دمشق) من طريق حامد (وفي جزء الغطريف: حماد) بن أبي حمزة السكري قال حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال حدثنا أبي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب به.

قلت: وحامد هذا أو حماد لم أجد له ترجمة، ووالده أبو حمزة السكري مشهور ثقة واسمه محمد بن ميمون ولم يذكروا في الرواة عنه ابنه هذا فالله أعلم.

وقد أعله الحاكم بالرواية الأولى وهي أصح لأن علي بن خشرم ثقة معروف احتج به مسلم.

والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للغطريف وابن عساكر، ولم يتكلم عليه الشارح المناوي بشيء وكأنه لم يقف على إسناده.

ثم رأيته قال في شرحه الآخر " التيسير " قال ابن عساكر: غريب معلول.

 

(1/679)

 

 

466 - " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ".

لا أصل له.

باتفاق العلماء، وهو مما يستدل به القاديانية الضالة على بقاء النبوة بعده صلى الله عليه وسلم، ولوصح لكان

 

(1/679)

 

 

حجة عليهم كما يظهر بقليل من التأمل.

467 - " من صلى بين المغرب والعشاء عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة ".

موضوع.

أخرجه ابن ماجه (1 / 414) وابن شاهين في " الترغيب والترهيب " (ق 172 / 1 و277 - 278) من طريق يعقوب بن الوليد المديني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا.

قال البوصيري: في " الزوائد " (ق 85 / 1) : في إسناده يعقوب بن الوليد اتفقوا على ضعفه، وقال فيه الإمام أحمد: من الكذابين الكبار، وكان يضع الحديث.

قلت: وقد كذبه أيضا ابن معين وأبو حاتم، ومع هذا فقد أورد حديثه هذا السيوطي في " الجامع الصغير ".

واعلم أن كل ما جاء من الأحاديث في الحض على ركعات معينة بين المغرب والعشاء لا يصح وبعضه أشد ضعفا من بعض، وإنما صحت الصلاة في هذا الوقت من فعله صلى الله عليه وسلم دون تعيين عدد، وأما من قوله صلى الله عليه وسلم فكل ما روي عنه واه لا يجوز العمل به، ومن هذا القبيل:

 

(1/680)

 

 

468 - " من صلى ست ركعات بعد المغرب قبل أن يتكلم غفر له بها ذنوب خمسين سنة ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 33) من طريق محمد بن غزوان الدمشقي حدثنا عمر بن محمد عن سالم بن عبد الله عن أبيه مرفوعا.

 

(1/680)

 

 

وذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 78) من هذا الوجه ثم قال: قال أبو زرعة: اضربوا على هذا الحديث فإنه شبه موضوع، ومحمد بن غزوان الدمشقي منكر الحديث.

469 - " من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة ".

ضعيف جدا.

أخرجه الترمذي (2 / 299) وابن ماجه (1 / 355، 415) وابن نصر (ص 33) وابن شاهين في " الترغيب " (272 / 2) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (8 / 34 / 1) والعسكري في " مسند أبي هريرة " (71 / 1) وابن سمعون الواعظ في " الأمالي " (1 / 61 / 2) من طريق عمر بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا عن عمر بن أبي خثعم، وسمعت محمد بن إسماعيل (يعني البخاري) يقول: عمر بن عبد الله بن أبي خثعم منكر الحديث، وضعفه جدا، وقال الذهبي في ترجمته: له حديثان منكران هذا أحدهما.

 

(1/681)

 

 

470 - " الوضوء من كل دم سائل ".

ضعيف.

أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 157) من طريق بقية عن يزيد بن خالد عن يزيد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز قال: قال تميم الداري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعله الدارقطني بقوله:

 

(1/681)

 

 

عمر بن عبد العزيز لم يسمع من تميم الداري، ولا رآه، واليزيدان مجهولان، وأقره الزيلعي في " نصب الراية " (1 / 37) .

قلت: وبقية مدلس وقد عنعنه كما ترى، فهذه علة أخرى.

وقال عبد الحق في " الأحكام الكبرى " (ق 13 / 2) : وهذا منقطع الإسناد ضعيفه والحديث رواه ابن عدي في ترجمة أحمد بن الفرج عن بقية حدثنا شعبة بسنده عن زيد بن ثابت مرفوعا، قال الزيلعي: قال ابن عدي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أحمد هذا، وهو ممن لا يحتج بحديثه لكنه يكتب، فإن الناس مع ضعفه قد احتملوا حديثه، انتهى.

وقال ابن أبي حاتم في " كتاب العلل ": أحمد بن الفرج كتبنا عنه ومحله عندنا الصدق.

قلت: أحمد بن الفرج هذا حمصي ويلقب بـ " الحجاري " وقد ضعفه جدا محمد بن عوف وهو حمصي أيضا فهو أدرى به من غيره، فقال فيه: كذاب، وليس عنده في حديث بقية أصل، هو فيها أكذب خلق الله، إنما هي أحاديث وقعت له في ظهر قرطاس كتاب صاحب حديث في أولها مكتوب: حدثنا يزيد بن عبد ربه قال: حدثنا بقية ... ثم اتهمه بشرب الخمر في كلام له رواه الخطيب (4 / 341) قال في آخره: فأشهد عليه بالله أنه كذاب، وكذلك كذبه غيره من العارفين به فسقط حديثه جملة ولم يجز أن يستشهد به فكيف يحتج به؟!

ثم رجعت إلى ابن عدي في " الكامل " فرأيته يقول (ق 44 / 1) بعد أن ساق الحديث:

 

(1/682)

 

 

ولبقية عن شعبة كتاب، وفيه غرائب، وتلك الغرائب ينفرد بها بقية عنه وهي محتملة، وهذا عن شعبة باطل.

والحق أنه لا يصح حديث في إيجاب الوضوء من خروج الدم، والأصل البراءة، كما قرره الشوكاني وغيره، ولهذا كان مذهب أهل الحجاز أن ليس في الدم وضوء، وهو مذهب الفقهاء السبعة من أهل المدينة وسلفهم في ذلك بعض الصحابة، فروى ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 92) والبيهقي (1 / 141) بسند صحيح: " أن ابن عمر عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من دم فحكه بين أصبعيه ثم صلى ولم يتوضأ " ثم روى ابن أبي شيبة نحوه عن أبي هريرة.

وقد صح عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه بزق دما في صلاته ثم مضى فيها، (راجع صحيح البخاري مع فتح البارى ج 1 ص 222 - 224) وتعليقي على " مختصر البخاري " (1 / 57) .

471 - " أبى الله أن يجعل للبلاء سلطانا على بدن عبده المؤمن ".

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسنده " (1 / 79 -80) من طريق القاسم بن إبراهيم بن أحمد الملطي عن أبي أمية المبارك بن عبد الله عن مالك عن ابن شهاب عن أنس مرفوعا وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الديلمي عن أنس فقال شارحه المناوي: وفيه القاسم بن إبراهيم الملطي كذاب لا يطاق

قال في " اللسان ": له

 

(1/683)

 

 

عجائب من الأباطيل.

قلت: فكيف أورد السيوطي حديثه في " الجامع " وقد ادعى أنه صانه عما تفرد به كذاب أو وضاع؟ ولا سيما وهذا الحديث ظاهر البطلان، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، والمؤمن يبتلى على قدر دينه ".

ومن الغريب أن السيوطي نفسه قد حكم عليه بالوضع، إذ أورده في " ذيل الموضوعات " (ص 189) من رواية الديلمي نفسه وقال السيوطي: قال الخطيب: الملطي كذاب يضع الحديث روى عن أبي أمية عن مالك عجائب من الأباطيل، وقال غيره: أبو أمية المبارك أحد المجهولين.

قلت: وهو مع ذلك مجسم ضال، فانظر التعليق على الحديث الآتي برقم (476) .

472 - " الدين شين الدين ".

موضوع.

رواه القضاعي في " مسند الشهاب " (4 / 1) عن عبد الله بن شبيب قال أخبرنا سعيد بن منصور قال أخبرنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن مالك بن يخامر عن أبيه عن معاذ بن جبل مرفوعا.

قلت: ابن شبيب هذا اتهمه ابن خراش بأنه يسرق الأحاديث الموضوعة عن الكذابين، وأنا لا أشك أن هذا الحديث منها، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجه وغيرهما استدانوا غير مرة، فهل شانهم ذلك؟

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أبي نعيم في " المعرفة " عن مالك بن يخامر والقضاعي عن معاذ.

 

(1/684)

 

 

فتعقبه المناوي بأن الأول مرسل، وفيه عبد الله بن شبيب الربعي، قال في " الميزان ": أخباري علامة، لكنه واه، وقال الحاكم: ذاهب الحديث، وبالغ فضلك فقال: يحل ضرب عنقه، وقال ابن حبان: يقلب الأخبار، ثم ساق له هذا الخبر، قال المناوي: وفي إسناد القضاعي إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: مختلف فيه وليس بالقوي.

قلت: هذا يوهم أن ابن شبيب ليس في مسند القضاعي وليس كذلك فتنبه.

ثم رأيت الإمام أحمد رواه في " الزهد " (13 / 11 / 1) من طريق سريج بن يونس قال حدثنا ابن عياش به إلا أنه أوقفه على معاذ، وسنده صحيح، فثبت أن رفعه باطل، تفرد برفعه عبد الله بن شبيب وهو متهم.

نعم قد تابعه أبو قتادة فرواه عن صفوان بن عمرو به لكنه لم يذكر معاذا في سنده فقد أرسله، رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 157 / 2) والديلمي في " مسنده " (2 / 151) من طريق أبي نعيم لكنه رواه عن أبي الشيخ معلقا حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سلمة حدثنا أبو اليمان حدثنا صفوان بن عمرو به موصولا مثل رواية ابن شبيب إلا أنه لم يذكر لفظه وسلمة الظاهر أنه ابن شبيب النيسابوري الثقة وعبد الله بن محمد هو أبو مسعود العسكري ترجمه أبو الشيخ في " طبقاته " (407 / 566) وأبو نعيم في " أخباره " (2 / 73 - 74) ولم يذكر فيه جرحا ولا

 

(1/685)

 

 

تعديلا فالظاهر أنه هو علة هذه المتابعة والله أعلم.

فلا تفيده هذه المتابعة مع المخالفة، ولا سيما والمتابع أبو قتادة واسمه عبد الله بن واقد متروك كما قال الحافظ في " التقريب "، فالتهمة محصورة فيه وفي ابن شبيب، وأما إسماعيل بن عياش فهو بريء منها، وهو ثقة في روايته عن

الشاميين وهذه منها، وقد رواه عنه ابن يونس موقوفا كما سبق وهو الصواب.

ومثل هذا الحديث في البطلان الحديث الآتي:

473 - " الدين راية الله في الأرض، فإذا أراد الله أن يذل عبدا وضعه في عنقه ".

موضوع.

أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد المنتقاة " (13 / 93 / 2) والحاكم (2 / 24) والديلمي (2 / 150) من طريق بشر بن عبيد الدارسي حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وقال: صحيح على شرط مسلم، قلت: وهذا خطأ فاحش، لأن بشرا هذا ليس من رجال مسلم، ولا أخرج له أحد الستة، ثم هو

متهم، ولذلك تعقبه المنذري في " الترغيب " (3 / 32) والذهبي في " التلخيص " فقالا: بل فيه بشر بن عبيد الدارسي واه قال المناوي: فالصحة من أين؟ قال فيه ابن عدي: منكر الحديث عن الأئمة، بين الضعف جدا، وقد ساق له الذهبي في " الميزان " أحاديث ثم قال: إنها غير صحيحة، والله المستعان.

 

(1/686)

 

 

ثم ساق له آخر وقال: إنه موضوع.

ولست أشك في أن هذا الحديث موضوع لما ذكرته في الحديث الذي قبله، ومثله:

474 - " الدين ينقص من الدين والحسب ".

موضوع.

أخرجه الديلمي (2 / 152) من طريق أبي الشيخ بسنده عن الحكم بن عبد الله الأيلي عن القاسم عن عائشة مرفوعا وعزاه في " الجامع " للديلمي وتعقبه شارحه المناوي بقوله:

وفيه الحكم بن عبد الله الأيلي، قال الذهبي في " الضعفاء ": متروك متهم بالوضع، ورواه عنها أيضا أبو الشيخ، ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا، فلوعزاه للأصل لكان أولى.

 

(1/687)

 

 

475 - " السلطان ظل الله في أرضه من نصحه هدى، ومن غشه ضل ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في كتاب " فضيلة العادلين " (ورقه 226 وجه 1 من مجموع 60 - ظاهرية دمشق) من طريق يحيى بن ميمون، حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا، ومن طريق داود بن المحبر قال حدثنا عقبة بن عبد الله عن قتادة عن أنس مرفوعا نحوه.

قلت: وهذان إسنادان موضوعان، في الأول يحيى بن ميمون وهو ابن عطاء البصري، قال الدارقطني وغيره:

 

(1/687)

 

 

متروك، وقال الفلاس وغيره: كان كذابا.

وفي الآخر: داود بن المحبر، وهو متهم أيضا وقد تقدم، ومن طريقه رواه العقيلي في " الضعفاء " (358) وقال: عقبة مجهول بالنقل، وحديثه منكر غير محفوظ، ولا يعرف إلا به، ولا يتابعه إلا نحوه في الضعف.

وذكره في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي في " الشعب " عن أنس وتعقبه المناوي بقوله: وفيه محمد بن يونس القرشي وهو الكديمي الحافظ، اتهمه ابن عدي بوضع الحديث، وقال ابن حبان: كان يضع على الثقات، قال الذهبي في " الضعفاء " عقبه: قلت: انكشف عندي حاله.

قلت: ومن طريقه أخرجه أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان في جزء من " أماليه " (151 / 2) قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي أخبرنا عقبة بن عبد الله الرفاعي أخبرنا قتادة عن أنس وكذلك هو في " الشعب " (6 / 19 / 7376) موقوف.

476 - " من قرأ ربع القرآن فقد أوتي ربع النبوة، ومن قرأ ثلث القرآن فقد أوتي ثلث النبوة، ومن قرأ ثلثي القرآن فقد أوتي ثلثي النبوة، ومن قرأ القرآن فقد أوتي النبوة ".

موضوع.

رواه أبو بكر الآجري في " آداب حملة القرآن " (ورقة 135 من مجموع 66 - ظاهرية دمشق) من طريق مسلمة بن علي عن زيد بن واقد عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي مرفوعا.

 

(1/688)

 

 

قلت: مسلمة بن علي متهم وقد سبق مرارا.

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 252) دون جملة الربع وقال: لا يصح، بشر (يعني بن نمير) متروك، وقال يحيى بن سعيد: كذاب.

وتعقبه السيوطي في " اللآليء " (1 / 343) بما لا طائل تحته كعادته! فقال:

أخرجه ابن الأنباري في كتاب " الوقف والابتداء " والبيهقي في " شعب الإيمان " وبشر من رجال ابن ماجه.

قلت: فكان ماذا؟ وابن ماجه معروف بتخريجه للكذابين، وقد مضى قريبا حديث أخرجه ابن ماجه من طريق رجل قال فيه الإمام أحمد: كان من الكذابين الكبار، ثم ساق له السيوطي شاهدا من حديث ابن عمر، وفيه قاسم بن إبراهيم الملطي قال السيوطي: ليس بثقة.

قلت: فما الفائدة من سياق حديثه إذن؟ وقد قال فيه الدارقطني: كذاب، وقال الذهبي: أتى بطامة لا تطاق، ثم ساق له حديثا مرفوعا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رآى ربه ليلة الإسراء، وأنه رأى منه كل شيء حتى التاج قاتله الله ما أجرأه على الله، ثم قال الذهبي: " وأطم منه. . . "

 

(1/689)

 

 

فذكر هذا الحديث ثم قال: وهذا باطل وضلال كالذي قبله.

قلت: ومن هذا وأمثاله يتبين لك الفرق بين الذهبي والسيوطي.

ثم ذكر السيوطي شاهدا آخر من طريق تمام بن نجيح عن الحسن مرفوعا وقد سكت عليه السيوطي وهذا من مساوئه، فإنه مع إرساله فيه تمام، قال ابن حبان: روى أشياء موضوعة عن الثقات كأنه المتعمد لها.

477 - " كثرة الحج والعمرة تمنع العيلة ".

موضوع.

رواه المحاملي في الجزء السادس من " الأمالي " (وجه 1 ورقة 278 من المجموع 63 ـ ظاهرية دمشق) قال: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: حدثني أبو بكر أبي شيبة قال: حدثني فليح بن سليمان عن خالد بن إياس عن مساور بن عبد الرحمن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة مرفوعا.

قلت: عبد الله بن شبيب متهم كما تقدم قريبا، وخالد بن إياس كذلك، قال ابن حبان (1 / 279) : يروي الموضوعات عن الثقات حتى يسبق إلى القلب أنه الواضع لها، لا يكتب حديثه إلا على جهة التعجب، وقال الحاكم: روى عن ابن المنكدر وهشام بن عروة والمقبري أحاديث موضوعة، وكذا قال أبو سعيد النقاش، وضعفه سائر الأئمة.

 

(1/690)

 

 

إذا عرفت هذا فقد أخطأ السيوطي حين أورد الحديث في " الجامع الصغير " من هذا الوجه، وتعقبه المناوي بنحوما ذكرنا.

478 - " لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله، فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا ".

منكر.

أخرجه أبو داود (1 / 389) والخطيب في " التلخيص " (78 / 1) وعنه البيهقي (4 / 334) من طريق بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، وقال الخطيب: قال أحمد: حديث غريب.

قلت: وهذا سند ضعيف فيه جهالة واضطراب.

أما الجهالة فقال الحافظ في ترجمة بشر وبشير من التقريب: مجهولان، ونحوه في " الميزان " نعم تابعه مطرف بن طريف عن بشير بن مسلم عند البخاري في " التاريخ " (1 / 2 / 104) وأبي عثمان النجيرمي في " الفوائد " (2 / 5 / 1) لكنه لم يسلم من جهالة بشير ولذلك قال البخاري عقبه: ولم يصح حديثه.

وأما الاضطراب فقد بينه المنذري في " مختصر السنن " (3 / 359) فقال: في الحديث اضطراب، روي عن بشير هكذا، وروي عنه أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو، وروى عنه عن رجل عن عبد الله بن عمرو، وقيل غير ذلك، وذكره البخاري في " تاريخه "، وذكر له هذا الحديث، وذكر اضطرابه وقال:

 

(1/691)

 

 

لم يصح حديثه، وقال الخطابي: وقد ضعفوا إسناد هذا الحديث.

قلت: وقال ابن الملقن في " الخلاصة " (73 / 1) : وهو ضعيف باتفاق الأئمة، قال البخاري: ليس بصحيح، وقال أحمد: غريب، وقال أبو داود: رواته مجهولون، وقال الخطابي: ضعفوا إسناده، وقال صاحب " الإمام ": اختلف في إسناده، وقال عبد الحق (207 / 2) : قال أبو داود: هذا حديث ضعيف جدا، بشر أبو عبد الله وبشير مجهولان.

ولا يقويه أنه روى الشطر الأول منه من حديث أبي بكر بلفظ:

479 - " لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر ".

منكر

أخرجه الحارث بن أبي أسامة (ص 90 من زوائده) حدثنا الخليل بن زكريا، حدثنا حبيب بن الشهيد، عن الحسن بن أبي الحسن عنه مرفوعا.

قلت: فهذا لا يقوي الحديث الذي قبله، لأن إسناده ضعيف جدا من أجل الخليل هذا قال ابن السكن: حدث عن ابن عون وحبيب بن الشهيد أحاديث مناكير لم يروها غيره وقال العقيلي: يحدث عن الثقات بالبواطل، وقال الحافظ في " التقريب ": إنه متروك.

قلت: ولا يخفى ما في هذا الحديث من المنع من ركوب البحر في سبيل طلب العلم والتجارة ونحوذلك من المصالح التي لا يعقل أن يصد الشارع الحكيم

 

(1/692)

 

 

الناس عن تحصيلها بسبب مظنون ألا وهو الغرق في البحر، كيف والله تعالى يمتن على عباده بأنه خلق لهم السفن وسهل لهم ركوب البحر بها.. فقال: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} (يس: 41، 42) أي السفن على القول الصحيح الذي رجحه القرطبى وابن كثير وابن القيم وغيرهم.

ففي هذا دليل على ضعف هذا الحديث وكونه منكرا، والله أعلم.

ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: " المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد الغرق والغرق له أجر شهيدين "، رواه أبو داود والبيهقي عن أم حرام رضي الله عنها بسند حسن وهو مخرج في " الإرواء (1149) .

ففيه حض على ركوب البحر حضا مطلقا غير مقيد بغزوونحوه، وفيه دليل على أن الحج لا يسقط بكون البحر بينه وبين مكة، وهو مذهب الحنابلة وأحد قولي الشافعي، وقال في قوله الآخر: يسقط، واحتج له بعضهم بهذا الحديث المنكر كما في " التحقيق " لابن الجوزي (2 / 73 - 74) وذلك من آثار الأحاديث الضعيفة!

480 - " من صام يوم الأربعاء والخميس كتب له براءة من النار ".

ضعيف.

رواه أبو يعلى عن ابن عباس مرفوعا، وضعفه المنذري في " الترغيب " (2 / 86) ، وبين السبب الهيثمي فقال (3 / 198) :

 

(1/693)

 

 

وفيه أبو بكر بن أبي مريم، هو ضعيف ثم وقفت على إسناده فوجدت فيه ثلاث علل أخرى: ضعف راوأخر وعنعنة بقية واضطراب ابن أبي مريم في إسناده وتفصيل ذلك سيأتي برقم (5021) .

481 - " أكل الشمر أمان من القولنج ".

موضوع.

رواه أبو نعيم الأصبهاني في " الطب " (ق 139 / 1) من طريق أبي نصر أحمد بن محمد، حدثنا موسى بن إبراهيم عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا موضوع وعلته إبراهيم بن أبي يحيى وهو الأسلمي مولاهم أبو إسحاق المدني وهو كذاب، صرح بتكذيبه جماعات من الأئمة، منهم يحيى بن سعيد وابن معين وابن المديني وابن حبان وغيرهم، ومع هذا فقد روى عنه الشافعي واحتج به وقد أنكر ذلك عليه إسحاق بن راهو يه كما رواه ابن أبي حاتم في " آداب الشافعي " (ص 178) ، وقد قال ابن أبي حاتم في مكان آخر منه (223) :

لم يتبين للشافعي أنه كان يكذب، وقال البزار: كان يضع الحديث، وكان يوضع له مسائل فيضع لها إسنادا وكان قدريا وهو من أستاذي الشافعي، وعز علينا.

قلت: واللذان دونه لم أعرفهما، وصالح مولى التوأمة ضعيف.

 

(1/694)

 

 

ثم بدا لي أنه يحتمل أن يكون موسى بن إبراهيم هو أبو عمران المروزي فإن يكن هو فهو متهم أيضا.

482 - " غسل القدمين بالماء البارد بعد الخروج من الحمام أمان من الصداع ".

موضوع.

أبو نعيم في " الطب " من طريق أبي نصر أحمد بن محمد بإسناد الحديث المذكور قبله، وقد علمت أنه موضوع، وهذا الحديث والذي قبله مما شان به السيوطي كتابه " الجامع الصغير "، ولم يتكلم عليها شارحه المناوي بشيء فكأنه لم يقف على إسنادهما.

 

(1/695)

 

 

483 - " إن الله يحب كل قلب حزين ".

ضعيف.

رواه ابن أبي الدنيا في " كتاب الهم والحزن " (ورقة 2 وجه 1 من مخطوطة الظاهرية 76 مجموع) وابن عدي (37 / 2) والقضاعي (89 / 2) وابن عساكر (13 / 205 / 2) من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن أبي الدرداء مرفوعا، ومن هذا الوجه أخرجه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (303 / 2) والحاكم (4 / 415) وأبو نعيم (6 / 90) من طريق الطبراني وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله: قلت: مع ضعف أبي بكر، منقطع. يعني بالانقطاع ما بين ضمرة وأبي الدرداء فإن بين وفاتيهما نحو مئة سنة.

 

(1/695)

 

 

وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف جدا، ومن هذا تعلم أن قول الهيثمي في " المجمع " (10 / 309 / 310) : رواه البزار والطبراني وإسنادهما حسن.

غير حسن، لأن مداره عند الطبراني على أبي بكر هذا كما عرفت، وكذلك عند البزار فيما يظهر، وإلا لفرق الهيثمي بين إسناديهما كما هي عادته، وقد ضعف أبا بكر هذا الهيثمي نفسه في حديث آخر تقدم قريبا (480) .

ورواه المعافى بن عمران في " الزهد " (258 / 2) عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن رافع وغيره أنه مكتوب في التوراة أو النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وهذا مع التردد في رفعه معضل ضعيف جدا، ثم تبين من كشف الأستار (4 240 / 3624) أن البزار رواه من طريق عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب به، فليس فيه إلا الانقطاع، لكن ابن صالح فيه ضعف.

484 - " إن من المثلة أن ينذر الرجل أن يحج ماشيا، فمن نذر أن يحج ماشيا فليهد هديا ويركب ".

ضعيف.

أخرجه الحاكم (4 / 305) وأحمد (4 / 429) من طريق صالح بن رستم أبي عامر الخزاز حدثني كثير بن شنظير عن الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي ثم الزيلعي في " نصب الراية " (3 / 305) ثم الحافظ العسقلاني في " الدراية " (242) .

 

(1/696)

 

 

وهذا الذي حملني على إيراده كيلا يغتر بذلك من لا علم عنده، فإن لهذا الإسناد علتين:

الأولى: ضعف أبي عامر هذا، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق كثير الخطأ.

والأخرى عنعنة الحسن وهو البصري، وكان مدلسا، وقد روى أحمد وغيره من طرق عن الحسن عن عمران النهي عن المثلة وليس فيه هذا الذي رواه أبو عامر فدل على ضعفه، وكذلك جاءت أحاديث كثيرة في أمر من نذر الحج ماشيا أن يركب ويهدى هديا، وليس في شيء منها، أن نذر الحج ماشيا من المثلة (راجع نيل الأو طار 8 / 204 - 207) .

485 - " من خاف الله خوف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خوفه الله من كل شيء ".

منكر.

رواه القضاعي (36 / 2) عن عامر بن المبارك العلاف قال: أخبرنا سليمان بن عمرو عن إبراهيم بن أبي علقمة عن واثلة بن الأسقع مرفوعا.

قلت: وهذا سند ضعيف، لم أعرف أحدا من رجاله غير سليمان بن عمرو، وأظنه سليمان بن أبي سليمان واسمه فيروز ويقال: عمرو أبو إسحاق الشيباني مولاهم الكوفي وهو ثقة

ثم تكشفت لي - والحمد لله - علة الحديث، فقد رجعت إلى ترجمة إبراهيم بن أبي عبلة من " تهذيب الكمال "، فوجدته قد ذكر في الرواة عنه سليمان بن وهب، فألقي في النفس: العلة سليمان بن عمرو هذا، فرجعت إلى " اللسان " فوجدت فيه

 

(1/697)

 

 

ما نصه: سليمان بن وهب النخعي، أخرج أبو الفضل بن طاهر في الكلام على أحاديث الشهاب من طريق يحيى بن عثمان بن صالح عن سليمان بن وهب عن إبراهيم بن أبي عبلة عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء رضي الله عنه رفعه: فذكر حديثا ... قال ابن طاهر: سليمان بن وهب هو النخعي، ووهب جده، وهو سليمان بن عمرو

، وقد تقدم.

قلت: فتبين لي أن سليمان بن عمرو هذا هو النخعي، وهو كذاب وضاع مشهور بذلك، وقد تقدمت له أحاديث، فراجع " فهرست الرواة " في آخر المجلد.

ولعل من التساهل أيضا قول السخاوي في " المقاصد " بعد أن ذكره من حديث واثلة والحسين بن علي وابن مسعود: وفي الباب عن علي، وبعضها يقوي بعضا.

وذلك لأن حديث واثلة وابن مسعود لا يجوز الاستشهاد بها، لشدة ضعفها، وحديث الحسين وعلي لم يذكر من حال إسنادهما ما يمكن أن يقوى أحدهما بالآخر!

والحديث ذكره المنذري في " الترغيب " (4 / 141) من رواية أبي الشيخ في " الثواب "، ثم قال: ورفعه منكر.

وكذلك ذكره الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 128) وزاد:

وللعقيلي في " الضعفاء " نحوه من حديث أبي هريرة، وكلاهما منكر.

قالت: فيه تساهل واضح، فإن في إسناد هذا كذابا أيضا، كما سيأتي بيانه برقم (4544) .

 

(1/698)

 

 

486 - " ما من أهل بيت يموت منهم ميت فيتصدقون عنه بعد موته إلا أهداها له جبريل عليه السلام على طبق نور، ثم يقف على شفير القبر فيقول: يا صاحب القبر العميق: هذه هدية أهداها إليك أهلك فاقبلها، فيدخل عليه فيفرح بها ويستبشر، ويحزن جيرانه الذين لا يهدى إليهم شيء ".

موضوع.

رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 95 / 2 ـ من زوائد المعجمين) :

حدثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي، حدثنا الحسن بن داود بن محمد المنكدري، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك سمعت أبا محمد الشامي يحدث أنه سمع أبا هريرة أنه سمع أنس بن مالك يقول.... فذكره مرفوعا، وقال:

لا يروي عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن إسماعيل.

قلت: وهو صدوق من رجال الشيخين، وإنما آفة الحديث من شيخه أبي محمد الشامي قال الذهبي: روى حديثا عن بعض التابعين منكرا، قال الأزدي: كذاب.

وكذا في " اللسان "، وكأنهما أرادا بالحديث المنكر هذا، وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 139) : رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو محمد الشامي، قال عنه الأزدي: كذاب.

 

(1/699)

 

 

487 - " ما على أحدكم إذا أراد أن يتصدق لله صدقة تطوعا أن يجعلها عن والديه إذا كانا مسلمين فيكون لوالديه أجرها وله مثل أجورهما بعد أن لا ينقص من أجورهما شيء ".

ضعيف.

رواه ابن سمعون الواعظ في " الأمالي " (1 / 54 / 1) ومحمد بن سليمان الربعي في " جزء من حديثه " (212 / 2) وابن عساكر في " حديث أبو الفتوح عبد الخلاق (ورقة 236 / 1 من مجموع الظاهر 92) من طريق عبد الحميد ابن حبيب، أنبأنا الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا.

وهذا إسناد ضعيف، عبد الحميد بن حبيب هو كاتب الأوزاعي، قال البخاري وغيره: ليس بالقوي، ورواه ابن مخلد في " المنتقى من أحاديثه " (2 / 88 / 1 - 2)

عن عباد بن كثير عن عمرو بن شعيب به، وعباد هذا متهم فلا قيمة لمتابعته.

وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 193) :

رواه الطبراني في الأوسط بسند ضعيف دون قوله: إذا كانا مسلمين.

وذكر الهيثمي (3 / 139) أن في سند الطبراني خارجة بن مصعب الضبي، قال:

وهو ضعيف.

 

(1/700)

 

 

488 - " هزوا غرابيلكم بارك الله فيكم ".

لا أصل له.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " (2 / 196) : وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لما قدم إلى المدينة خرجن بنات النجار بالدفوف،

 

(1/700)

 

 

وهن يقلن

: طلع البدر علينا * * * من ثنيات الوداع

إلى آخر الشعر، فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فمما لا يعرف عنه صلى الله عليه وسلم، وضرب الدف في الأفراح صحيح، فقد كان على عهده صلى الله عليه وسلم.

489 - " إذا اشتد كلب الجوع فعليك برغيف وجر من ماء القراح، وقل: على الدنيا وأهلها مني الدمار ".

موضوع.

عزاه السيوطي في " الجامع " لابن عدي والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة وتعقبه الشارح المناوي بقوله: وفيه الحسين بن عبد الغفار، قال الدارقطني: متروك، والذهبي: متهم، وأبو يحيى الوقار، قال الذهبي: كذاب.

قلت: أبو يحيى هذا اسمه زكريا بن يحيى، قال ابن عدي في ترجمته من الكامل: (148 / 1) ، يضع الحديث، وأخبرني بعض أصحابنا عن صالح جزرة أنه قال: حدثنا أبو يحيى الوقار وكان من الكذابين الكبار، ثم قال ابن عدي:

وله أحاديث موضوعات كان يتهم الوقار بوضعها، والصالحون قد وسموا بهذا الاسم أن يرووا أحاديث في فضائل الأعمال موضوعة بواطل، ويتهم جماعة منهم بوضعها. وقال في ترجمة الحسين بن عبد الغفار (98) :

 

(1/701)

 

 

حدث بأحاديث مناكير.

وتناقض المناوي ففي " الفيض " أعله بما تقدم، وفي " التيسير " قال: إسناده ضعيف.

قلت: وقد وجدت للحديث طريقا أخرى عن أبي هريرة ليس فيها متهم بالوضع، وهو الحديث الآتى عقب هذا، وليس فيه: وقل: " على الدنيا وأهلها مني الدمار " وإنما فيه: " وعلى الدنيا وأهلها الدمار "، فهذا إخبار، والأول إنشاء وأمر، ولا يخفى الفرق بينهما.

490 - " يا أبا هريرة إذا اشتد الجوع فعليك برغيف وكوز من ماء، وعلى الدنيا وأهلها الدمار ".

ضعيف.

أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (ورقة 14 / 1 - من مجموع الظاهرية 82) وأبو بكر بن السني في " كتاب القناعة " (ورقة 237 / 1) من طريق كثير بن واقد، (وقال أبو بكر: عيسى بن واقد البصري) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا.

وكثير بن واقد، أو عيسى بن واقد، لم أجد من ذكره، ورواه الديلمي (4 / 266) عنه فسماه عيسى بن موسى ولم أعرفه أيضا وقد تابعه الماضي بن محمد عن محمد بن عمرو به إلا أنه قال: " على الدنيا وأهلها مني الدمار " أي باللفظ الذي قبله أخرجه ابن السني وابن عدي في ترجمة الماضي هذا (6 / 20425) وقال:

 

(1/702)

 

 

مصري منكر الحديث وعامة ما يرويه لا يتابع عليه ولا أعلم روى عنه غير ابن وهب وقال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 442) عن أبيه: لا أعرفه والحديث الذي رواه باطل وهو منكر الحديث كما قال ابن عدي، وقد روي الحديث بإسناد موضوع وبلفظ مغاير لهذا بعض الشيء، وهو الذي قبله.

491 - " نهى عن بيع وشرط ".

ضعيف جدا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " (18 / 63) حديث باطل ليس في شيء من كتب المسلمين وإنما يروى في حكاية منقطعة، وقال فيها أيضا (29 / 132) ، وفي (3 / 326) : يروى في حكاية عن أبي حنيفة وابن أبي سلمة وشريك، ذكره جماعة من المصنفين في الفقه، ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث، وقد أنكره أحمد وغيره من العلماء، ذكروا أنه لا يعرف، وأن الأحاديث الصحيحة تعارضه، وأجمع العلماء المعروفون من غير خلاف أعلمه أن اشتراط صفة في المبيع ونحوه كاشتراط كون العبد كاتبا أو صانعا، أو اشتراط طول الثوب أو قدر الأرض ونحو ذلك، شرط صحيح.

قلت وقد أشكل هذا على بعض الطلبة في المدينة المنورة فذكر ما أخرجه

 

(1/703)

 

 

الحاكم في " علوم الحديث " (ص 128) بأسانيد له عن عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير قال: حدثنا محمد بن سليمان الذهلي قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال:

قدمت مكة، فوجدت بها أبا حنيفة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة فقلت: ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا؟ قال: البيع باطل والشرط باطل.

ثم أتيت ابن أبي ليلى، فسألته؟ فقال: البيع جائر، والشرط جائز فقلت: يا سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق اختلفتم علي في مسألة واحدة فأتيت أبا حنيفة فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط، البيع باطل والشرط باطل.

ثم أتيت ابن أبي ليلى، فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا، حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة فأعتقها. البيع جائز، والشرط باطل. ثم أتيت ابن شبرمة، فأخبرته، فقال:

ما أدري ما قالا، حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر قال: بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقة، وشرط لي حملانها إلى المدينة.

البيع جائز والشرط جائز.

أقول: ولا إشكال في هذا، لأن السند مداره على ابن زاذان، وهو شديد الضعف، لقول الدارقطني فيه: متروك. وشيخه الذهلي، لم أعرفه.

 

(1/704)

 

 

ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 264 / 4521) .

ثم لوصح السند بذلك إلى أبي حنيفة، لم يصح حديثه، لما هو معروف من حال أبي حنيفة رحمه الله في الحديث، كما سبق بيانه (ص 536، 625) ولذلك استغرب حديثه هذا الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " (3 / 20 - بشرحه سبل السلام)

وعزاه للطبراني أيضا في " الأوسط " واستغربه النووي أيضا وحق لهم ذلك، فالحديث محفوظ من طرق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ:

" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرطين في بيع.... ".

أخرجه أصحاب السنن، والطحاوي، وغيرهم، وهو مخرج في " الإرواء " (1305) .

فهذا هو أصل الحديث، وهم أبو حنيفة رحمه الله في روايته إن كان محفوظا عنه،

والله أعلم.

492 - " سلوا الله عز وجل من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج ".

ضعيف جدا.

رواه الترمذي (4 / 279) وابن أبي الدنيا في " القناعة والتعفف " (ج 1 ورقة 106 / 1 من مجموع الظاهرية 90) وعبد الغني المقدسي في " الترغيب في الدعاء " (89 / 2) من طريق حماد بن واقد قال: سمعت إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص عن ابن مسعود مرفوعا، وقال الترمذي:

هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث، وحماد ليس بالحافظ، وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح.

 

(1/705)

 

 

قلت: وحكيم بن جبير أشد ضعفا من ابن واقد فقد اتهمه الجوزجاني بالكذب وإذا كان الأصح أن الحديث حديثه فهو حديث ضعيف جدا.

والشطر الأخير من الحديث رواه البزار والبيهقي في " الشعب " والقضاعي من حديث أنس، وقال الهيثمي في " المجمع " (18 / 147) بعد أن عزاه للأول:

وفيه من لم أعرفه.

قلت: وهذا إعلال قاصر، فإن فيه عنعنة بقية، وسليمان بن سلمة (الأصل: شرحبيل) وهو الخبائري، وهو كذاب، ومن طريقه أخرجه القضاعي (1283) وغيره، وسيأتي تخريجه مبسطا في " المجلد الرابع " رقم (1572) ، فراجعه إن شئت.

493 - " نهى أن يركب ثلاثة على دابة ".

ضعيف.

روي من حديث جابر: قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 109) : رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه سليمان بن داود الشاذكوني وهو متروك.

قلت: لأنه كان يكذب كما تقدم، لكن روى الحديث بإسناد خير من هذا، فقال أبو بكر بن أبي شيبة في " كتاب الأدب " (1 / 153 / 1) : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن إسماعيل عن الحسن عن مهاجر بن قنفذ قال: كنا نتحدث معه إذ مر ثلاثة على حمار فقال للآخر منهم: انزل لعنك الله.

 

(1/706)

 

 

قال: فقيل له: أتلعن هذا الإنسان؟ قال: فقال: قد نهينا أن يركب الثلاثة على الدابة.

وإسماعيل هو بن مسلم البصري المكي وهو ضعيف، ثم روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن زاذان أنه قال كذا رأى ثلاثة على بغل فقال: لينزل أحدكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث.

وهذا مرسل صحيح الإسناد، لأن زاذان وهو أبو عبد الله الكندي ثقة من رجال مسلم، وقد صح ركوبه صلى الله عليه وسلم على الدابة وأمامه عبد الله بن جعفر، وخلفه الحسن أو الحسين رواه مسلم، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2312) فإن صح النهي حمل على الدابة التي لا تطيق، وذلك من باب الرفق بالحيوان وقد

صح في ذلك الكثير الطيب انظر المجلد الأول من " الصحيحة ".

494 - " رب عابد جاهل، ورب عالم فاجر، فاحذروا الجهال من العباد، والفجار من العلماء، فإن أولئك فتنة الفتناء ".

موضوع.

رواه بن عدي في الكامل (ورقة 33 ـ 34 من مخطوطة ظاهرية دمشق رقم 364 - حديث) ومن طريقه ابن عساكر في المجلس الرابع عشر في " ذم من لا يعمل بعلمه " (ورقة 56 وجه 1 ـ 2 من مجموع الظاهرية رقم 77) وفي " التاريخ " (3 / 154 / 2) من طريق بشر بن إبراهيم قال: حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة مرفوعا، وقال ابن عساكر: تفرد به بشر هذا.

قلت: وهو وضاع، وقال ابن عدي:

 

(1/707)

 

 

إنه منكر الحديث عن الثقات والأئمة، ثم ساق له أحاديث وقال: إنها بواطيل، وضعها بشر.

قلت: وهذه أحدها، ثم قال: وهو عندي ممن يضع الحديث على الثقات، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث، ثم رواه ابن عدي (400 / 1) في ترجمة محفوظ بن بحر عنه عن عمر بن موسى عن خالد بن معدان به دون قول " فإن أولئك.. "، وقال:

منكر، عن خالد بن معدان والراوي عنه عمر بن موسى ويقال له: ابن وجيه، ضعيف.

قلت: وهو ممن يضع الحديث كما تقدم مرارا، ومحفوظ هذا قال أبو عروبة: كان يكذب، لكن قال ابن عدي عقبه: وليس هذا من قبل محفوظ كأنه يشير إلى أن المتهم به هو ابن وجيه هذا وبشر بن إبراهيم، وهذا الحديث مما أورده السيوطي في كتابه " الجامع الصغير " ومن عجيب أمره أنه ذكره من رواية ابن عدي الذي ساقه في ترجمة هذا الوضاع، ثم سكت السيوطي عن هذا كله! .

 

(1/708)

 

 

495 - " من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة، كل حسنة مثل حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: لكل حسنة مائة ألف حسنة ".

ضعيف جدا.

أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 169 / 1) وفي " الأوسط " (1 / 112 / 2) والدولابي في " الكنى " (2 / 13) والحاكم (1 / 461) والبيهقي (10 / 78) من طريق عيسى بن سوادة عن إسماعيل بن أبي خالد عن زاذان عن ابن عباس مرفوعا، وقال الطبراني: لم يروه عن إسماعيل إلا عيسى.

قلت: وهو ضعيف جدا، وأما الحاكم فقال: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله: ليس بصحيح، أخشى أن يكون كذبا، وعيسى قال أبو حاتم: منكر الحديث.

قلت: وتمام كلام أبي حاتم كما في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 277) :

ضعيف، روى عن إسماعيل بن أبي خالد عن زاذان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا منكرا.

قلت: كأنه يعني هذا ... ، والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (2 / 108) وقال: رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والحاكم كلاهما من رواية عيسى بن سوادة وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال ابن خزيمة: إن صح الخبر، فإن في القلب من عيسى بن سوادة شيئا، قال الحافظ المنذري: قال البخاري: هو منكر

 

(1/709)

 

 

الحديث.

قلت: ففي قول البخاري هذا إشارة إلى اتهامه وأنه لا تحل الرواية عنه كما سبق التنبيه عليه مرارا، وانظر الصفحة الآتية (118) وقد أفصح بذلك ابن معين فقال فيه: " كذاب، رأيته "

ثم وجدت له متابعا، فقال أبو علي الهروي في الأول من الثاني من " الفوائد " (9 / 2) : حدثنا سليمان بن الفضل بن جبريل حدثنا محمد بن سليمان حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد به، إلا أنه أوقف الشطر الأخير منه على ابن عباس، وهو: " بكل حسنة مائة ألف حسنة ".

وهذا سند واه، سليمان بن الفضل بن جبريل لم أجد له ترجمة، ولعله الذي في " الكامل " لابن عدي (161 / 1) : سليمان بن الفضل عن ابن المبارك قال ابن عدي: رأيت له غير حديث منكر، وقال أيضا: ليس بمستقيم الحديث. والله أعلم.

496 - " إن للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة، والماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني في الكبير (3 / 165 / 2) والضياء في " المختارة " (204 / 2) من طريق يحيى بن سليم عن محمد بن مسلم الطائفي عن

 

(1/710)

 

 

إسماعيل بن أمية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، يحيى بن سليم ومحمد بن مسلم ضعفهما أحمد وغيره، وقد اضطرب أحدهما في إسناده فمرة رواه هكذا ومرة قال: إبراهيم بن ميسرة بدل إسماعيل بن أمية، أخرجه الأزرقي في " أخبار مكة " (ص 254) وكذا الضياء من طريق الطبراني، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 354) ومرة قال:

إسماعيل بن إبراهيم، رواه البزار كما في " المجمع " (3 / 209) ومرة أخرى أسقطه فقال: عن محمد بن مسلم الطائفي عن سعيد بن جبير، ذكره ابن أبي حاتم في " علل الحديث " (1 / 279) وقال: قال أبي: محمد بن مسلم عن سعيد بن جبير، مرسل، وهذا حديث يروي عن ابن سيش رجل مجهول، وليس هذا بحديث صحيح.

ورواه ابن عدي (ق 226 / 1) من طريق عبد الله بن محمد القدامي حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن جبير به، ولفظه: " من حج راكبا كان له بكل خطوة حسنة، ومن حج ماشيا كان له بكل خطوة سبعين حسنة من حسنات الحرم، قال: قلت: وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف " وقال:

عبد الله بن محمد القدامي عامة حديثه غير محفوظ وهو ضعيف.

قلت: وجملة القول: أن الحديث ضعيف، لضعف راويه، واضطرابه في سنده ومتنه وكيف يكون صحيحا وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام حج راكبا، فلوكان

 

(1/711)

 

 

الحج ماشيا أفضل لاختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولذلك ذهب جمهو ر العلماء إلى أن الحج راكبا أفضل كما ذكره النووي في " شرح مسلم "، وراجع رسالتي " حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه " (ص 16) من الطبعة الأولى، والتعليق (16) من طبعة المكتب الإسلامي.

وفي الحديث عند ابن أبي حاتم، وأبي نعيم زيادة في آخره تقدمت في الحديث الذي قبله، وقد روى بإسناد آخر مختصرا أيضا وهو:

497 - " للماشي أجر سبعين حجة، وللراكب أجر ثلاثين حجة ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 111 ـ 112) عن محمد بن المحصن العكاشي حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الواحد بن قيس سمعت أبا هريرة يقول:

" قدم على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من مزينة وجماعة من هذيل وجماعة من جهينة فقالوا: يا رسول الله خرجنا إلى مكة مشاة، وقوم يخرجون ركبانا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره، وقال: لم يروه عن إبراهيم إلا محمد.

قلت: وهو محمد بن إسحاق بن إبراهيم نسب إلى جده الأعلى، وهو كذاب وقد مضى غيره مرة، وقال الهيثمي (3 / 209) : وهو متروك.

 

(1/712)

 

 

وقد روى الحديث بلفظ آخر وهو الذي قبله.

498 - " صائم رمضان فى السفر كالمفطر فى الحضر ".

منكر.

رواه ابن ماجه (1 / 511) والهيثم بن كليب في " المسند " (22 / 2) والضياء في " المختارة " (1 / 305) من طريق أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف وله علتان:

الأولى: الانقطاع لأن أبا سلمة لم يسمع عن أبيه كما في " الفتح ".

الثانية: أسامة بن زيد في حفظه ضعف، وقد خالفه الثقة وهو ابن أبي ذئب فرواه عن الزهري ابن شهاب به موقوفا.

رواه النسائي (1 / 316) والفريابي في " الصيام " (4 / 70 / 1) من طرق عنه ولذلك قال البيهقى في " السنن " (4 / 144) .

وهو موقوف، وفي إسناده انقطاع، وروى مرفوعا وإسناده ضعيف.

نعم رواه أبو قتادة عبد الله بن واقد الحراني عن ابن أبي ذئب به مرفوعا، لكن أبا قتادة هذا متروك، وفي الطريق إليه آخر ضعيف أخرجه الخطيب (11 / 383) .

وقد رواه النسائي من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه موقوفا أيضا، وإسناده صحيح، فهذا يؤيد خطأ من رفعه عن عبد الرحمن بن عوف، وقد ذكر الضياء أن الدارقطني أيضا صحح وقفه على عبد الرحمن.

 

(1/713)

 

 

499 - " الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله ".

منكر.

رواه ابن الأعرابي في " معجمه " (56 / 2) وتمام الرازي (9 / 138 / 1) وأبو الحسن الأزدي في " المجلس الأول من المجالس الخمسة " (16 - 17) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 34) والخطيب في " تاريخه " (13 / 226) والقضاعي في " مسنده " (6 ب / 2) من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب عن محمد بن خالد المخزومي عن سفيان الثوري عن زبيد الأيامي عن أبي وائل عن ابن مسعود مرفوعا، وقال أبو نعيم والخطيب: تفرد به المخزومي عن سفيان بهذا الإسناد.

قلت: والمخزومي هذا، قال الذهبي في " الميزان ":

قال ابن الجوزي: مجروح، قلت، له عن الثوري.... مرفوعا: اليقين الإيمان كله، وهذا المتن ذكره البخاري تعليقا في كتاب الإيمان، ولم يقل فيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الحافظ في " اللسان ": قال أبو علي النيسابوري: هذا حديث منكر لا أصل له من حديث زبيد ولا من حديث الثوري، وقال في " الفتح " (1 / 41) :

هذا التعليق طرف من أثر وصله الطبراني بسند صحيح، وبقيته: والصبر نصف الإيمان، وأخرجه أبو نعيم والبيهقي في الزهد من حديثه يعني ابن مسعود ولا يثبت رفعه.

قلت: ويعقوب بن حميد فيه ضعف من قبل حفظه وبه أعل الحديث

 

(1/714)

 

 

المناوي وهو قصور بين، ثم ذكر عن البيهقي أنه قال: والمحفوظ عن ابن مسعود من قوله غير مرفوع.

وقال البيهقي في الآداب (ص 404) :

" والموقوف أصح "

500 - " ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعا، فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة ".

باطل.

رواه الخطيب في كتاب " تلخيص المتشابه في الرسم " (ج 13 ورقة 136 / 1) من طريق محمد بن هاشم البعلبكي حدثني أبي هاشم بن سعيد عن يزيد بن زياد البصري وكان يسكن صور عن حميد الطويل عن أنس بن مالك مرفوعا.

ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر في " تاريخه " (18 / 143 / 1) وزاد في آخره.

" ولا تكونوا كلا على الناس " ومن طريق ابن عساكر فقط أورده السيوطي في " الجامع الصغير "، وذكر في كتابه " الحاوي للفتاوي " (2 / 201) أنه رواهالديلمي أيضا من هذا الوجه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، وآفته يزيد هذا وهو الدمشقي ويقال فيه:

ابن أبي زياد، وهو متهم، قال البخاري: منكر الحديث، وكذا قال أبو حاتم، وقال مرة: ضعيف الحديث، كأن حديثه موضوع.

 

(1/715)

 

 

قلت: وقد جزم أبو حاتم في حديث آخر يزيد هذا أنه موضوع، وسيأتي بعد حديثين، وقد اشتهر عن البخاري أنه قال:

كل من قلت فيه: منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه نقله الذهبي في " الميزان " (1 / 5) .

فالحديث بهذا الإسناد واه جدا.

وقد وهم الشيخ عبد الحي الكتانى في " الترابيب الإدارية " حيث ذكر فيه (1 / 10) أن السيوطي صحح حديث ابن عساكر هذا في " الحاوي " وهذا خطأ فاحش، فلم يصححه السيوطي في الموضع الذي سبقت الإشارة إليه من الحاوي، فإن كان صححه في مكان آخر منه وهذا بعيد فهو وهم من السيوطي نفسه رحمه الله، وكم له من مثل

ذلك، ثم رأيت الحديث قد رواه ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 124 - 125) من طريق الوحاظي عن يزيد بن زياد الدمشقي به وقال: وقال أبي: هذا حديث باطل، ثم وجدت ليزيد متابعا، فقال أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 197) حدثنا أبي حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد حدثنا أبو بكر محمد بن عيسى حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا سعيد بن كثير عن حميد به، وهذه متابعة قوية فإن سعيد بن كثير هذا وهو ابن عفير المصري ثقة من رجال الشيخين، ولكن في الطريق إليه من يسرق الحديث وهو محمد بن أحمد بن يزيد وهو السلمي، قال ابن عدي:

يسرق الحديث،ومثله شيخه محمد بن عيسى وهو الطرسوسي، قال ابن عدي:

وهو في عداد من يسرق الحديث، وعامة ما يرويه لا يتابعونه عليه

 

(1/716)

 

 

قلت: فهو أو السلمي آفة هذا السند فلا يفرح بهذه المتابعة. والحديث في نسخة نبيط بن شريط الموضوعة (برقم 22) .

وقد روى موقوفا، أخرجه ابن شاهين في " الفوائد " (ورقة 1 / 2) وابن عساكر (4 / 155 / 1) من طريق شمر بن عطية قال: قال حذيفة ... فذكره نحوه موقوفا.

وهذا إسناد منقطع بين شمر وحذيفة، لأن شمرا إنما يروي عن أبي وائل ونحوه من التابعين، لكن رواه المعافى بن عمران في " الزهد " (ق 255 / 1) والقاسم السرقسطي في " غريب الحديث " (2 / 59 / 1) وابن عساكر عن محمد بن قيس عن عمرو بن مرة قال: قال حذيفة ... فذكره نحوه، بيد أنه يبدو أنه منقطع أيضا بين عمرو وحذيفة، وهذا الموقوف مع ضعفه أولى من المرفوع لشدة ضعف إسناد المرفوع ولقول الإمام أبي حاتم فيه: حديث باطل، وقديما قالوا:

إذ قالت حذام فصدقوها * * * فإن القول ما قالت حذام.

وله طريق أخرى موضوعة بنحو هذا اللفظ، وهو أول حديث في المجلد الثاني.

__________

انتهى المجلد الأول من " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة "، ويليه المجلد الثاني، وأوله:

501 - (خيركم من لم يترك آخرته لدنياه)

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

(1/717)

 

 

صفحة - ج -

بسم الله للرحمن الرحيم

المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد، فهذا هو المجلد الثاني من " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة " أقدمه إلى القراء الكرام، وقد يسر الله تبارك وتعالى إخراجه إلى عالم المطبوعات، بعد انتظار مديد، وصبر طويل، وجهد مرير في سبيل إصداره، وتجاوز العقبات المختلفة التي كانت تحول دون ذلك مع سائر مؤلفاتي، ولا يزال الكثير منها حتى الآن قائماً، مما لا سبيل لشرحه هنا في هذه المقدمة، وحسب القارئ أن يعلم، أنه يجمعها فساد أخلاق أهل الزمان، وعداؤهم الشديد لأهل السنة وأنصارها والدعاة إليها، لا فرق في ذلك بين كبير وصغير، وجليلٍ وحقير، مع ترك الحكم بالعدل، والتزام الإخلاف بالوعد، ولعل القارئ الكريم يتبين شيئا من ذلك إذا علم أننا لما لم نتمكن من طبع هذا المجلد في لبنان بواسطة مكتب الأستاذ الفاضل زهير الشاويش - حفظه الله- بسبب الحرب والفتن التي لا تزال في لبنان حتى الآن- اضطررنا إلى طبعه في غيره من البلاد، فما تمكنا من إصداره إلا في مدة طويلة جاوزت السنتين. لأسباب مطبعية، لا مجال لبيانها الآن، إذ ما كل ما يعلم يقال، والله تعالى هو المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يخلّقهم بأخلاق النبيين والصالحين الصادقين، وأن يعيد إليهم عزهم ومجدهم، برجوعهم إلى إسلامهم المصفى من كل دخيل.

هذا، ولعله من المفيد أن يعلم القراء الكرام أنه قد توفر لدي حتى الآن من أحاديث هذا الكتاب أكثر من (5000) خمسة آلاف حديث. فلو أنه تيسر سبيل الطبع هنا لكان بين أيديهم اليوم عشر مجلدات من هذه السلسلة النافعة إن شاء الله تعالى، فضلا عن مؤلفاتي الأخرى، ولكن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، و (لكل أجل كتاب) ، (قد جعل الله لكل شيء قدرا) .

 

(2/)

 

 

صفحة - د -

هذا وأني لأرجو بواسطة هذه السلسلة، وأختها الأخرى " الأحاديث الصحيحة " أن أكون من المشاركين في القيام بواجب " التصفية " التي كنت تحدثت عنها في محاضرة كنت ألقيتها في " المعهد الشرعي " في (عَمان) سنة (1393) ، كان موضوعها: " التصفية والتربية " ذهبت فيها إلا أنه لا بُد اليوم من أجل استئناف الحياة الإسلامية من القيام بهذين الواجبين: " التصفية والتربية " وأردت بالأول منهما أموراً:

الأول: تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريب عنها، كالشرك، وجحد الصفات الإلهية وتأويلها، ورد الأحاديث الصحيحة لتعلقها بالعقيدة ونحوه!.

الثاني: تصفية الفقه الإسلامي من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة، وضربت على ذلك بعض الأمثلة.

لثالث: تصفية كتب التفسير والفقه والرقائق وغيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والإسرائيليات المنكرة، وهذا ما أقوم به في هذه السلسلة، ونحوها، مثل " ضعيف أبي داود " و" ضعيف الجامع الصغير " وقد تم طبعه والحمد لله، و" ضعيف الترغيب والترهيب "، وسنباشر طبعه قريباً بإذن الله تعالى.

وأما الواجب الآخر، فأريد به تربية الجيل الناشئ على هذا الإسلام المصفى من كل ما ذكرنا تربية إسلامية صحيحة منذ نعومة أظفاره، دون أي تأثر بالتربية الغربية الكافرة.

ومما لا ريب فيه أن تحقيق هذين الواجبين يتطلب جهوداً جبارة متعاونة من الجماعات الإسلامية المخلصة، التي يهمها حقاً إقامة المجتمع الإسلامي المنشود، كل في مجاله واختصاصه. وأما بقاؤنا راضين عن أوضاعنا، متفاخرين بكثرة عددنا، متواكلين على فضل ربنا، أو خروج المهدي ونزول عيسى، صائحين بأن الإسلام دستورنا، جازمين بأننا سنقيم دولتنا، فذلك محال، بل وضلال، لمخالفته لسنة الله الكونية والشرعية معا، قال تعالى:

(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم) ، وقال – صلى الله عليه وسلم -: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه عنكم، حتى ترجعوا إلى دينكم " (1) من أجل ذلك فال أحد الدعاة الإسلاميين اليوم: " أقيموا دولة

الإسلام في قلوبكم، تقم لكم في أرضكم "، وهذا كلام جميل جداً، ولكن أجمل منه العمل به. (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .

وبعد، فان هذه السلسلة وغيرها مما أشرت إليه آنفاً، تساعدك- أيها الأخ المسلم- إلى حد كبير على تصفية عقلك وعقيدتك من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وبذلك تستعد نفسك لتقبل ما يلقى إليك من الأحاديث الأخرى الصحيحة، وإحلالها من قلبك المحل

__________

(1) حديث صحح كما بينته في " الأحاديث الصحيحة " (رقم 11)

 

(2/)

 

 

صفحة - هـ -

اللائق بها من القبول والعمل، وحينئذ تصفو روحك، ويستنير لبك، وتنجو من الأمراض الخفية التي كانت ألمت بك، بسبب سيطرة الأحاديث الواهية التي يقترن بها دائما التصديق بالخرافات والترهات والأباطيل، فضلا عن الأحكام والآراء المخالفة.

ثم لا بد لك مع ذلك من العناية بتربية نفسك، ومن يلوذ بك، تربية إسلامية صحيحة، لا شرقية، ولا غربية، وتخليقها بالأخلاق المحمدية، وبذلك يصلح قلبك، وتسعد في الدنيا قبل الآخرة، وما الأمر الهام الذي ينشده اليوم دعاة الإسلام، إلا أثر من آثار هذه السعادة، إذا ما اخذوا بأسبابها، التي تجمعها كلمتا " التصفية والتربية "، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) .

والله تعالى أسأل أن يجعل عملي هذا صالحاً، ولوجهه خالصا، وأن لا يجعل لأحد سواه فيه حظاً، إنه سمعِ مجيب.

دمشق 10 ذي القعدة سنة 1398

محمد ناصر الدين الألباني

 

(2/)

 

 

501 - " خيركم من لم يترك آخرته لدنياه، ولا دنياه لآخرته، ولم يكن كلًّا على الناس ".

موضوع.

أخرجه أبو بكر الأزدي في " حديثه " (5 / 1) وأبو محمد الضراب في " ذم الرياء " (293 / 1) والخطيب في " تاريخ بغداد " (4 / 221) عن نعيم بن سالم بن قنبر عن أنس بن مالك مرفوعا.

وهذا إسناد موضوع، نعيم بن سالم أورده هكذا في " اللسان " وقال: " قال ابن القطان: " لا يعرف ".

قلت: تصحف عليه اسمه وإلا فهو معروف مشهور بالضعف متروك الحديث، وأول اسمه ياء مثناة من تحت، ثم غين ثم نون، سيأتي ". ثم قال هناك في " يغنم بن سالم ": " وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال ابن حبان:

كان يضع على أنس، وقال ابن يونس: حدث عن أنس فكذب ".

ومن طريقه رواه الديلمي أيضا، كما في " الحاوي " (2 / 202) للسيوطي و" فيض القدير " للمناوي. وقد روي الحديث بإسناد آخر موضوع عن أنس وهو الذي قبله.

 

(2/1)

 

 

502 - " كفى بالموت واعظا، وكفى باليقين غنى، وكفى بالعبادة شغلا ".

ضعيف جدا.

رواه أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (97 / 1) وابن بشران في " مجلس يوم الجمعة 17 ذي الحجة سنة 412 من الأمالي " (ورقة 208 / 2 من مجموع الظاهرية رقم 87) وأبو الفتح الأزدي في " المواعظ " (7 / 1) والقضاعي (114 / 1) والقاسم بن عساكر في " تعزية المسلم " (2 / 216 / 2) وكذا أبو نعيم " في حديث الكديمي " (35 / 2) من طريق الربيع بن بدر عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عمار مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا الربيع بن بدر متروك.

ثم إنه روي موقوفا، فقد أخرجه أحمد في " الزهد " (176) وابن أبي الدنيا في " كتاب اليقين " (رقم 31) بسند صحيح عن جعفر بن سليمان عن يونس قال: حدثني من سمع عمار بن ياسر يقول: فذكره موقوفا غير مرفوع.

وكذلك رواه نعيم بن حماد في " زوائد زهد ابن المبارك " (رقم 148) عن ابن مسعود موقوفا وهو الصواب إن شاء الله.

 

(2/1)

 

 

503 - " من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة - لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله "

 

(2/1)

 

 

ضعيف.

أخرجه ابن ماجة (2 / 134) والعقيلي في " الضعفاء " (457) والبيهقي (8 / 22) من طريق يزيد بن زياد الشامي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. وقال العقيلي: " يزيد هذا قال البخاري: منكر

الحديث " قال: " ولا يتابعه إلا من هو نحوه " وقال البيهقي: " ويزيد منكر الحديث ". قلت: وأفاد البخاري بكلمته السابقة أنه لا تحل الرواية عنه فهو عنده متهم كما تقدم قبل حديثين وذكر الذهبي في ترجمته عن أبي حاتم أنه قال: " هذا حديث باطل موضوع ".

وأقره الذهبي وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 104) من حديث أبي هريرة وعمر وأبي سعيد، وأعلها كلها ثم قال: " قال أحمد: " ليس هذا الحديث بصحيح "، وقال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا أصل له من حديث الثقات ". قلت: وتعقبه السيوطي في " اللآلي " (2 / 187 - 188) بشواهد أوردها تقتضي أن الحديث ضعيف لا موضوع.

قلت: ومن شواهده ما أخرجه ابن لؤلؤ في " الفوائد المنتقاة " (218 / 2) عن الأحوص عن أبي عون المري عن عروة ابن الزبير مرفوعا. وهذا مع إرساله ضعيف، فإن الأحوص - هو ابن حكيم - ضعيف الحفظ.

ومنها ما عند أبي نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 152، 264) من طريق داود بن المحبر عن ضمرة بن جويرية عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وابن المحبركذاب لكن رواه ابن عساكر (2 / 382 / 2) وكذا البيهقي في " الشعب " كما في " اللآلي " من طريقين عن عبد الله بن حفص (وفي اللآلي: عبيد الله بن حفص بن مروان) عن سلمة بن العيار الفزاري عن الأوزاعي عن نافع به. ورجاله ثقات غير ابن حفص هذا فلم أجد له ترجمة. ومنها ما عند أبي نعيم في " الحلية " (5 / 74) عن حكيم بن نافع قال: حدثنا خلف بن حوشب عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن المسيب قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وقال: " غريب تفرد به حكيم ".

قلت: وهو ضعيف.

 

(2/2)

 

 

504 - " نعم الطعام الزبيب يشد العصب ويذهب بالوصب ويطفئ الغضب ويطيب النكهة ويذهب بالبلغم ويصفي اللون. وذكر خصالا تمام العشرة لم يحفظها الراوي ".

 

(2/2)

 

 

موضوع.

رواه ابن حبان في " كتاب المجروحين " المعروف بـ " الضعفاء " (1 / 324 - طبع الهند) وأبو نعيم في " الطب " (9 / 1 نسخة الشيخ السفرجلاني) والخطيب في " التلخيص " (36 / 2) وابن عساكر (7 / 115 / 1) من طريق سعيد بن زياد بن فائد بن زياد بن أبي هند قال: حدثني أبي زياد بن فائد عن أبيه فائد بن زياد عن أبيه عن أبي هند الداري قال: " أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طبق من زبيب مغطى فكشف عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " كلوا بسم الله، نعم.... ".

قلت: وهذا موضوع، سعيد هذا قال الأزدي: " متروك ".

وقال ابن حبان عقبه: " لا أدري البلية ممن هي؟ أمنه أو من أبيه أو جده؟ لأن أباه وجده لا يعرف لهما رواية إلا من حديث سعيد، والشيخ إذا لم يرو عنه ثقة فهو مجهول لا يجوز الاحتجاج به، لأن رواية الضعيف لا يخرج من ليس بعدل عن حد المجهولين إلى جملة أهل العدالة، لأن ما روى الضعيف وما لم يرو في الحكم سيان ".

قلت: وفي تعليله الأخير، إشارة قوية إلى أن مذهبه أنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف، لأنه في حكم ما لم يرو من الحديث، وهو تعليل قوي جدا فتأمل. وساق له الذهبي حديثا آخر وهو:

505 - " قال الله تبارك وتعالى: من لم يرض بقضائي، ويصبر على بلائي، فليلتمس ربا سوائي ".

ضعيف جدا.

رواه ابن حبان في " المجروحين " (1 / 324) والطبراني في " الكبير " وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (376 / 1) والخطيب في " التلخيص " (39 / 2) وابن عساكر (7 / 115 / 1، 12 / 267 / 1، 15 / 304 / 1) من طريق سعيد بن زياد بالإسناد المذكور في الحديث الذي قبله. وقال الهيثمي

في " المجمع " (7 / 207) : " وفيه سعيد بن زياد بن هند وهو متروك ".

وقال العراقي (3 / 296) : " وإسناده ضعيف ". وهذا قصور أو تساهل أولعل في نسختنا من " تخريج الإحياء " سقط، فقد نقل المناوي عنه أنه قال: " ضعيف جدا " وهذا أقرب.

وقد روي الحديث بإسناد آخر لعله خير من هذا وهو:

 

(2/3)

 

 

506 - " من لم يرض بقضاء الله، ويؤمن بقدر الله، فليلتمس إلها غير الله ".

ضعيف جدا.

أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 187) وكذا في " الأوسط " ومن طريقه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 228) والخطيب في " تاريخ بغداد " (2 / 227) من طريق سهيل بن عبد الله عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال الطبراني: " لم يرو هـ عن خالد إلا سهل ". قلت: ويقال فيه: سهيل بن أبي حزم، وهو ضعيف عند الجمهور، وقال ابن حبان (1 /349) : " ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ". وللحديث طريق أخرى تقدم قبله، وثالث لعله يأتي إن شاء الله.

 

(2/4)

 

 

507 - " إذا كان يوم القيامة أنبت الله لطائفة من أمتي أجنحة فيطيرو ن من قبورهم إلى الجنان، يسرحون فيها ويتنعمون فيها كيف شاءوا، فتقول لهم الملائكة: هل رأيتم الحساب؟ فيقولون: ما رأينا حسابا. فتقول لهم: هل جزتم الصراط؟ فيقولون: ما رأينا صراطا. فتقول لهم: هل رأيتم جهنم؟ فيقولون: ما رأينا شيئا. فتقول لهم الملائكة: من أمة من أنتم؟ فيقولون: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فتقول: ناشدناكم الله حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا؟ فيقولون: خصلتان كانتا فينا فبلغنا هذه المنزلة بفضل رحمة الله. فيقولون: وما هما؟ فيقولون: كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه، ونرضى باليسير مما قسم لنا، فتقول الملائكة: يحق لكم هذا ".

موضوع.

أورده الغزالي في " الإحياء " (3 / 295) فقال مخرجه العراقي: " رواه ابن حبان في " الضعفاء " وأبو عبد الرحمن السلمي من حديث أنس مع اختلاف، وفيه حميد بن علي القيسي ساقط هالك، والحديث منكر مخالف للقرآن

وللأحاديث الصحيحة في الورود وغيره ". قلت: اتهمه ابن حبان (1 / 259) بأحاديث ساقها له، هذا أحدها.

 

(2/4)

 

 

508 - " إن الله يحب أن تقبل رخصه، كما يحب العبد

 

(2/4)

 

 

مغفرة ربه ".

باطل بهذا اللفظ.

أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 104 / 1 - 2 زوائد المعجمين) : حدثنا الفضل بن العباس: حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار: حدثنا عمرو بن عبد الجبار: حدثنا عبد الله بن يزيد بن آدم عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأنس بن مالك مرفوعا به. وقال: " لا يروى عن هؤلاء الأربعة إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل ". قلت: وهو ثقة كما قال الخطيب، وإنما الآفة من شيخه عمرو بن عبد الجبار، قال ابن عدي: " روى عن عمه مناكير ". أو من شيخ شيخه عبد الله بن يزيد بل هو بالحمل عليه فيه أولى، فقد قال أحمد: " أحاديثه موضوعة ". وقال الجوزجاني: " أحاديثه منكرة ".

كما في " الميزان " للذهبي، وقال في موضع آخر: " ليس بثقة: تركه الأزدي وغيره، وأتى بعجائب ". وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 197) وقد ساق له حديثا غير هذا: " سألت أبي عنه؟ فقال: لا أعرفه، وهذا حديث باطل ".

قلت: وحديث الترجمة باطل أيضا بهذا اللفظ، فقد ورد من طرق بعضها صحيح بلفظ: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته " وفي رواية: " ... كما يحب أن تؤتى عزائمه ". ورد ذلك عن جماعة من الصحابة، خرجت أحاديثهم وتتبعت طرقها وألفاظها في " إرواء الغليل " (557) يسر الله طبعه.

509 - " عليكم بالهندباء، فإنه ما من يوم إلا وهو يقطر عليه قطرة من قطر الجنة ".

موضوع.

أبو نعيم في " الطب ": حدثنا أبي: حدثنا محمد بن أبي يحيى: حدثنا صالح بن سهل: حدثنا موسى بن معاذ: حدثنا عمر بن يحيى بن أبي سلمة قال: حدثتني أم كلثوم بنت أبي سلمة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، موسى بن معاذ وعمر بن يحيى ضعفهما الدارقطني، وعمر بن يحيى أظنه الذي في إسناد الحديث الآتي بعد هذا بحديث وقد قال فيه أبو نعيم إنه " متروك

 

(2/5)

 

 

الحديث " كما يأتي. ومن دونهما لم أعرفهما. ولهذا قال السيوطي في " اللآلي ": " وهذا الإسناد كله تالف ". وذكره أيضا من حديث أنس وقال: إسناده كالذي قبله.

قلت: ومع هذا فقد ذهل السيوطي أو تساهل فأورد حديث ابن عباس هذا في " الجامع الصغير " من رواية أبي نعيم، وقال المناوي في شرحه:

" وفيه عمرو بن أبي سلمة ضعفه ابن معين وغيره ".

قلت: وهذا وهم منه رحمه الله فليس في إسناد الحديث عمرو هذا، والظاهر أنه تصحف عليه أو على بعض النساخ اسم عمر بن يحيى

بن أبي سلمة بعمرو بن أبي سلمة هذا. والله أعلم. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 298) من حديث الحسين رضي الله عنه نحوه.

ورواه السهمي في " تاريخ جرجان " (ص 64) عن الحسين بن علوان عن أبان بن أبي عياش عن أنس مرفوعا. وأبان متروك متهم بالكذب. وابن علوان كذاب وضاع. وجزم بوضعه ابن القيم كما نقله عنه الشيخ علي القاريء في " موضوعاته " (ص 107، 126) وأقره.

510 - " عليكم بالقرع فإنه يزيد بالدماغ، عليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا ".

موضوع.

رواه أبو موسى المديني في جزء من " الأمالي " (63 / 1) وأبو نعيم في " الطب " عن عمرو بن الحصين: حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة عن ثور بن يزيد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع مرفوعا. وهذا إسناد موضوع، عمرو بن حصين كذاب وشيخه ابن علاثة ضعيف كما تقدم مرارا، آخرها تحت الحديث (425) .

ومن هذا الوجه رواه الطبراني في " الكبير " كما في " المجمع " (5 / 44) وأورده السيوطي من روايته في " الجامع الصغير " فلم يوفق. كما سبق التنبيه عليه برقم (40) ، والغرض هنا الكلام على اللفظ الآخر، وهو: " عليكم بالقرع، فإنه يزيد في العقل، ويكثر الدماغ ". عزاه السيوطي للبيهقي عن عطاء مرسلا، وتعقبه المناوي بقوله:

 

(2/6)

 

 

" إن مخلد بن قريش أورده في " اللسان " وقال:

قال ابن حبان في " الثقات ": يخطيء ". قلت: فإن لم يكن في هذه الطريق إلا الإرسال فهو ضعيف، وإن كان القلب يميل إلى أن هذا المتن موضوع أيضا. والله أعلم.

ثم وقفت على إسناد الحديث عند البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 198 / 2 - مصورة المكتب الإسلامي) ، فإذا فيه علة أخرى، فإنه رواه عن مخلد بن قريش: أنبأنا عبد الرحمن بن دلهم عن عطاء مرسلا مع الطرف الثاني من حديث الترجمة، خلافا لما يوهمه صنيع السيوطي من ذكره الطرف الأول منه فقط. قلت: وابن دلهم لم أجد له ترجمة فيما عندي من كتب الرجال.

511 - " قلوب بني آدم تلين في الشتاء وذلك لأن الله خلق آدم من طين، والطين يلين في الشتاء ".

موضوع.

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 216) من طريق عمر بن يحيى: حدثنا شعبة الحجاج عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل مرفوعا وقال: " تفرد برفعه عمر بن يحيى وهو متروك الحديث، والصحيح من قول خالد ".

وقال الذهبي في ترجمته: أتى بخبر شبه موضوع "، ثم ساق له هذا الحديث ثم قال: " ولا نعلم لشعبة عن ثور رواية ".

وقال في " طبقات الحفاظ ": " هذا حديث غير صحيح مركب على شعبة، وعمر بن يحيى لا أعرفه، تركه أبو نعيم ".

وقال الحافظ ابن حجر: " أظنه عمر بن يحيى بن عمر بن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف، وقد ضعفه الدارقطني والله أعلم ".

كذا في " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " لابن عراق (69 / 1) . قلت: وعمر هذا لعله الذي سبق في إسناد الحديث الذي قبل هذا بحديث. والله أعلم.

 

(2/7)

 

 

512 - " كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه شفاء من سبعين داء، منها الجذام ".

منكر.

أبو نعيم في " الطب " من طريق الطبراني: حدثنا يحيى بن عبد الباقي: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بزة: حدثنا علي بن محمد الرحال مولى بن هاشم قال: سمعت الأوزاعي يقول: حدثني مكحول عن أبي مالك عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: وهذا حديث منكر يحيى بن عبد الباقي هو الأذني، روى عنه الطبراني حديثا

 

(2/7)

 

 

آخر في " المعجم الصغير " (ص 244) ، كنيته أبو القاسم كما في " معجم البلدان " مادة " أذنة " ولم أجد من وثقه. وابن أبي بزة هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن أبي بزة المكي قال أبو حاتم: " ضعيف الحديث، ولست أحدث عنه فإنه روى حديثا منكرا " يعني آخر غير هذا. وقال العقيلي: " منكر الحديث ".

وعلي بن محمد الرحال لم أر له ترجمة. وأبو مالك، الظاهر أنه الذي في " الميزان " و" اللسان ": " أبو مالك الدمشقي، عداده في التابعين، أرسل حديثا، وعنه عبد الله بن دينار، مجهول ".

513 - " غسل الإناء وطهارة الفناء، يورثان الغنى ".

موضوع. رواه الخطيب (12 / 92) والسلفي في " الطيوريات " (105 / 2) عن علي بن محمد الزهري: حدثنا أبو يعلى الموصلي بإسناده عن أنس مرفوعا. وقال الخطيب: " ولم أكتبه إلا عن الزهري هذا، وكان كذابا ".

قلت: ولهذا أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 77) وأيده السيوطي في " اللآلي " (2 / 4) ، وتبعه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (228 / 1) فقال: " قلت: قال في " الميزان ": هذا وضعه علي بن محمد الزهري على أبي يعلى ". قلت: وأقره الحافظ في " اللسان "، فأعجب بعد هذا، كيف أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من هذا الوجه الذي اعترف هو بوضعه!! .

 

(2/8)

 

 

514 - " لن تهلك الرعية وإن كانت ظالمة مسيئة إذا كانت الولاة هادية مهدية، ولن تهلك الرعية وإن كانت هادية مهدية إذا كانت الولاة ظالمة مسيئة ".

ضعيف.

رواه أبو نعيم في " فضيلة العادلين " (ورقة 227 وجه 1 من مجموع الظاهرية رقم 63) من طريق محمد بن حسان السمتي: حدثنا أبو عثمان عبد الله بن زيد: حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن ابن عمر مرفوعا.

وهذا إسناد ضعيف، السمتي هذا وثقه الأكثرون، وضعفه بعضهم، وقال الدارقطني: " ثقة يحدث عن الضعفاء ". قلت: فعلى هذا فشيخه في هذا الحديث عبد الله بن زيد ضعيف، وقد صرح بتضعيفه الأزدي كما في " الميزان " و" اللسان ".

قلت: وترجمه الخطيب في " تاريخ بغداد " (9 / 459) ، وساق له حديثين، هذا أحدهما، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. فهو مجهول عندي إن لم يكن ضعيفا.

 

(2/8)

 

 

515 - " اذكروا الله ذكرا يقول المنافقون: إنكم تراءون ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني (3 / 77 / 1) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 80 - 81) بسنده عن سعيد بن سفيان الجحدري عن الحسن بن أبي جعفر عن عقبة بن أبي ثبيت الراسبي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعا.

وقال: " غريب لم يوصله إلا سعيد عن الحسن ".

قلت: والحسن هذا ضعيف جدا، وقد ذكر له الذهبي أحاديث وصفها بأنها " من بلاياه "! وقد مضى أحدها برقم (295) . وسعيد بن سفيان قال ابن حبان: " كان ممن يخطيء ". قلت: فلعله أخطأ في وصل هذا الحديث

عن ابن عباس، فقد ذكر المنذري (2 / 230) أن البيهقي رواه عن أبي الجوزاء مرسلا. والله أعلم. ثم تبين لي أنه يحتمل أن يكون الخطأ من شيخه الحسن، بل هو الأقرب لشدة ضعفه، ولأنه ورد من طريق أخرى عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء مرسلا وهو:

 

(2/9)

 

 

516 - " أكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقون: إنكم مراءون ".

ضعيف.

أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (204 / 1 / 1022 ط) وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (ص 108) من طريق سعيد بن زيد عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء مرفوعا. وهذا سند ضعيف، لإرساله وضعف سعيد بن زيد. وقد روي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس متصلا مرفوعا ولكن إسناده ضعيف جدا، وهو الذي قبله، ونحوه ما روي بلفظ:

 

(2/9)

 

 

517 - " أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون ".

ضعيف.

أخرجه الحاكم (1 / 499) وأحمد (3 / 68) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (102 / 1) والثعلبي في " التفسير " (3 / 117 - 118) وكذا الواحدي في " الوسيط " (3 / 230 / 2) وابن عساكر (6 / 29 / 2) عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". كذا قال! وأما الذهبي فقد سقط الحديث من " تلخيصه " المطبوع مع " المستدرك " فلم يتبين لي هل تعقبه أم أقره، والأحرى به الأول لأمرين:

أحدهما: أنه الذي نعهده منه في غير ما حديث من أحاديث دراج التي صححها الحاكم،

 

(2/9)

 

 

فإنه يتعقبه بدراج، ويقول فيه " إنه كثير المناكير " وقد مضى أحدها برقم (294) . والآخر: أنه أورد دراجا أبا السمح في " الميزان " فقال: " قال أحمد: أحاديثه مناكير ولينه، وقال يحيى: ليس به بأس. وفي رواية: ثقة. وقال فضلك الرازي: ما هو ثقة ولا كرامة. وقال النسائي: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف. وقد ساق ابن عدي له أحاديث وقال: عامتها لا يتابع عليها ". وقد ساق له الذهبي من مناكيره أحاديث، هذا أحدها. ومنه تعلم أن تحسين الحديث كما فعل الحافظ فيما نقله المناوي عنه غير حسن. والله أعلم.

518 - " من اعتكف عشرا في رمضان كان كحجتين وعمرتين ".

موضوع.

رواه البيهقي في " الشعب " من حديث الحسين بن علي مرفوعا وقال: " إسناده ضعيف ومحمد بن زاذان أي أحد رجاله متروك، وقال البخاري: لا يكتب حديثه. اهـ كلامه وفيه أيضا عنبسة بن عبد الرحمن، قال البخاري: تركوه، وقال الذهبي في " الضعفاء ": متروك متهم أي بالوضع ". كذا في " فيض القدير ".

قلت: وعنبسة هذا هو الذي قال فيه أبو حاتم: " كان يضع الحديث " كما في " الميزان " للذهبي، ثم ساق له أحاديث هذا أحدها، ومن طريقه أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 292 / 1) وأبو طاهر الأنباري في " المشيخة " (ق 162 / 1 - 2) بلفظ: " اعتكاف عشر ... " وقال ابن حبان (2 / 168) : " صاحب أشياء موضوعة وما لا أصل له ".

 

(2/10)

 

 

519 - " إن هاتين صامتا عما أحل الله، وأفطرتا على ما حرم الله عز وجل عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان لحوم الناس ".

ضعيف.

رواه أحمد (5 / 431) عن رجل عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن امرأتين صامتا، وأن رجلا قال: يا رسول الله: إن ها هنا امرأتين قد صامتا وإنهما كادتا أن تموتا من العطش، فأعرض عنه أوسكت، ثم عاد، وأراه قال بالهاجرة قال: يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا، قال: دعهما، قال: فجاءتا، قال: فجيء بقدح أو عس، فقال لإحداهما: قيئي، فقاءت قيحا أو دما وصديدا ولحما، حتى قائت نصف القدح ثم قال للأخرى: قيئي، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح، ثم قال: فذكره.

وهذا سند ضعيف بسبب الرجل الذي لم يسم. وقال الحافظ العراقي (1 / 211) إنه مجهول ورواه الطيالسي (1 / 188) عن أنس فقال: حدثنا الربيع عن يزيد عنه.

 

(2/10)

 

 

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، الربيع هو ابن صبيح ضعيف. ويزيد هو ابن أبان الرقاشي وهو متروك.

520 - " من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ".

موضوع. قال في " المجمع " (2 / 198) : " رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " عن عبادة بن الصامت، وفيه عمر بن هارون البلخي، والغالب عليه الضعف، وأثنى عليه ابن مهدي وغيره ولكن ضعفه جماعة كثيرة ". قلت: ابن مهدي له فيه قول آخر معاكس لهذا وهو: " لم يكن له عندي قيمة "!

وقد قال فيه ابن معين وصالح جزرة: " كذاب ". وكذا قال ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 142) وساق له حديثا اتهمه بوضعه. وقال ابن حبان (2 / 91) : " كان ممن يروي عن الثقات المعضلات، ويدعي شيوخا لم يرهم ". فالرجل ساقط متهم، وقد مضى له بعض الأحاديث الموضوعة، فانظر الأرقام (240 و288 و455) وما يأتي برقم (523) وروي الحديث من طريق أخرى بلفظ:

 

(2/11)

 

 

521 - " من قام ليلتي العيدين محتسبا لله، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن ماجة (1 / 542) عن بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي أمامة مرفوعا. قال في " الزوائد ": " إسناده ضعيف لتدليس بقية ". وقال العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 328) : " إسناده ضعيف ". قلت: بقية سيء التدليس، فإنه يروي عن الكذابين عن الثقات ثم يسقطهم من بينه وبين الثقات ويدلس عنهم! فلا يبعد أن يكون شيخه الذي أسقطه في هذا الحديث من أولئك الكذابين، فقد قال ابن القيم في هديه صلى الله عليه وسلم ليلة النحر من المناسك (1 / 212) : " ثم نام حتى أصبح، ولم يحي تلك الليلة، ولا صح عنه في إحياء ليلتي العيدين شيء ".

ثم رأيت الحديث من رواية عمر بن هارون الكذاب، والمذكور في الحديث السابق، يرويه عن ثور بن يزيد به.

فلا أستبعد أن يكون هو الذي تلقاه بقية عنه ثم دلسه وأسقطه. وسيأتي تخريج حديثه فيما بعد إن شاء الله تعالى برقم (5163) .

 

(2/11)

 

 

522 - " من أحيا الليالي الأربع وجبت له الجنة، ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر ".

موضوع.

رواه نصر المقدسي في جزء من " الأمالي " (186 / 2) عن سويد بن سعيد حدثني عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن وهب بن منبه عن معاذ بن جبل مرفوعا.

وهذا إسناد موضوع كما يأتي بيانه، وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن عساكر عن معاذ. فتعقبه شارحه المناوي بقوله: " قال ابن حجر في " تخريج الأذكار ": حديث غريب، وعبد الرحيم بن زيد العمي أحد رواته متروك وسبقه ابن الجوزي فقال: حديث لا يصح، وعبد الرحيم قال يحيى: كذاب، والنسائي: متروك ".

قلت: وسويد بن سعيد ضعيف أيضا، فالإسناد ظلمات بعضها فوق بعض! والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (2 / 100) بلفظ ".... الليالي الخمس.... " فذكره وزاد في آخره: " وليلة النصف من شعبان " ثم قال: " رواه الأصبهاني ". وأشار المنذري لضعفه أو وضعه. قلت: وهو عند الأصبهاني في " الترغيب " (ق 50 / 2) من الوجه المذكور.

 

(2/12)

 

 

523 - " من أحسن منكم أن يتكلم بالعربية فلا يتكلمن بالفارسية، فإنه يورث النفاق ".

موضوع.

رواه الحاكم (4 / 87) من طريق عمر بن هارون: حدثنا أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. سكت عليه الحاكم ورده الذهبي بقوله: " عمر كذبه ابن معين، وتركه الجماعة ". وقد سود السيوطي " جامعه " بهذا الحديث، فتعقبه الشارح بكلام الذهبي هذا، ثم قال: " فكان ينبغي للمصنف حذفه، وليته إذ ذكره بين حاله ".

 

(2/12)

 

 

524 - " ما أنفقت الورق في شيء أحب إلى الله عز وجل من نحيرة تنحر في يوم عيد ".

ضعيف جدا.

رواه ابن حبان في " المجروحين " (1 / 88) والطبراني (3 / 102 / 1) وأبو القاسم الهمداني في " الفوائد " (1 / 196 / 1) والدارقطني في " سننه " (ص 543) والمخلص في قطعة من " فوائده " (84 / 1) وابن أبي شريح في " جزء بيبي " (168 / 1 - 2) عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا.

 

(2/12)

 

 

وعزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني والبيهقي في " سننه ". وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 17) : "

رواه الطبراني عن ابن عباس، وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو ضعيف ".

قلت: بل هو ضعيف جدا، فقد قال ابن حبان: " روى مناكير كثيرة، وأوهاما غليظة حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها ". وقال البرقي فيه: " كان يتهم بالكذب ".

وأشار إلى هذا الذي ذكره البرقي الإمام البخاري بقوله فيه: " سكتوا عنه "، قال الحافظ ابن كثير في " اختصار علوم الحديث " (ص 118 تحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله) : " إذ قال البخاري في الرجل: " سكتوا عنه "، أو " فيه نظر "، فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح، فليعلم ذلك ". قال شارحه أحمد شاكر: " وكذلك قوله: " منكر الحديث " فإنه يريد الكذابين، ففي " الميزان " للذهبي (ج 1 ص 5) : نقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه: منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه ".

525 - " ما عمل ابن آدم في هذا اليوم أفضل من دم يهراق، إلا أن تكون رحما توصل ".

ضعيف.

قال المنذري (2 / 102) : " رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس وفي إسناده يحيى بن الحسن الخشني لا يحضرني حاله ". وأما الهيثمي فقال (4 / 18) : " هو ضعيف وقد وثقه جماعة ". كذا قال، ولم أجد له ذكرا في شيء من كتب الرجال التي عندي. والله أعلم.

هذا ما كنت نشرته في " مجلة التمدن الإسلامي " الغراء، وأزيد الآن فأقول: ذكر السمعاني في مادة (الخشني) جمعا من الرواة منهم الحسن بن يحيى الخشني، وحكى اختلاف العلماء فيه، وهو من رجال " التهذيب " وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق كثير الغلط ".

فلعله هو راوي هذا الحديث، لكن انقلب اسمه على بعض نساخ " الطبراني " فقال: " يحيى بن الحسن الخشني " فلم يعرفه المنذري، وعرفه الهيثمي، ولكنه فاته أن ينبه على انقلاب اسمه على الناسخ، والله أعلم. ثم راجعت " معجم الطبراني الكبير " فوجدت الحديث فيه (3 / 104 / 1) عن الحسن بن

 

(2/13)

 

 

يحيى الخشني عن إسماعيل بن عياش عن ليث عن طاووس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الأضحى.... فذكره. قلت: فتبين أنه هو الحسن بن يحيى الذي ذكره السمعاني وأنه انقلب اسمه على بعضهم. وازددت علما بضعف الحديث حين رأيت فيه إسماعيل بن عياش وليث وهو ابن أبي سليم فهو إسناد مسلسل بالضعفاء! . والحمد لله على توفيقه.

526 - " ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إرهاق الدم، إنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا ".

ضعيف.

أخرجه الترمذي (2 / 352) وابن ماجة (2 / 272) والحاكم (4 /221 - 222) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 129 / 1) من طريق أبي المثنى سليمان بن يزيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. قلت: وحسنه الترمذي وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! فتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: سليمان واه، وبعضهم تركه ". وكذلك تعقبه المنذري في " الترغيب " (2 / 101) فقال: " رووه كلهم من طريق أبي المثنى وهو واه وقد وثق ". وقال البغوي عقبه: " ضعفه أبو حاتم جدا ".

 

(2/14)

 

 

527 - " الأضاحي سنة أبيكم إبراهيم، قالوا: فما لنا فيها؟ قال: بكل شعرة حسنة، قالوا: فالصوف؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة ".

موضوع.

أخرجه ابن ماجة (2 / 273) والحاكم (2 / 389) عن عائذ الله بن عبد الله المجاشعي عن أبي داود السبيعي عن زيد بن أرقم قال: " قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه الأضاحي قال ": فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! فرده الذهبي بقوله: " قلت: عائذ الله قال أبو حاتم: منكر الحديث ".

وهذا تعقب قاصر يوهم أنه سالم ممن فوق عائذ، قال المنذري بعد أن حكى تصحيح الحاكم: " بل واهية، عائذ الله هو المجاشعي وأبو داود هو نفيع بن الحارث الأعمى وكلاهما ساقط ". وأبو داود هذا قال الذهبي فيه: " يضع ". وقال ابن حبان: " لا تجوز الرواية عنه، هو الذي روى عن زيد بن أرقم ... " فذكر الحديث.

 

(2/14)

 

 

528 - " يا فاطمة! قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه، وقولي: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين) . قال عمران بن حصين: قلت: يا رسول الله! هذا لك ولأهل بيتك خاصة وأهل ذاك أنتم - أم للمسلمين عامة؟ قال: لا، بل للمسلمين عامة ".

منكر.

أخرجه الحاكم (4 / 222) من طريق النضر بن إسماعيل البجلي: حدثنا أبو حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن عمران بن حصين مرفوعا. وقال: " صحيح الإسناد "! فرده الذهبي بقوله: " قلت: بل أبو حمزة ضعيف جدا، و [ابن] إسماعيل ليس بذاك ".

ومن طريق أبي حمزة واسمه ثابت بن أبي صفية رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " كما في " المجمع " (4 / 17) .

ثم ساق له الحاكم شاهدا من طريق عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعا دون قوله: " وقولي.... " وجعل: " قلت: يا رسول الله هذا لك ... " من قول فاطمة، ورده الذهبي أيضا بقوله: " قلت: عطية واه ".

ومن طريقه رواه البزاز وأبو الشيخ ابن حيان في " كتاب الضحايا " كما في " الترغيب " (2 / 102) وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 38 - 39) : " سمعت أبي يقول: هو حديث منكر ".

ورواه أبو قاسم الأصبهاني عن علي نحوه كما في " الترغيب ". وقال: " وقد حسن بعض مشايخنا حديث علي هذا، والله أعلم ".

 

(2/15)

 

 

529 - " من ضحى طيبة بها نفسه، محتسبا لأضحيته، كانت له حجابا من النار ".

موضوع.

قال الهيثمي في " المجمع " (4 / 17) وقد ذكره من حديث حسن بن علي: " رواه الطبراني في " الكبير " وفيه سليمان بن عمرو النخعي وهو كذاب ". قلت: وقال ابن حبان فيه (1 / 330) : " كان رجلا صالحا في الظاهر إلا أنه كان يضع الحديث وضعا ".

 

(2/15)

 

 

ومن سهو السيوطي أنه أورده في " الجامع الصغير " من هذا الوجه! ورده عليه شارحه المناوي بكلام الهيثمي هذا ثم قال: " فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب ".

530 - " أيها الناس ضحوا، واحتسبوا بدمائها، فإن الدم وإن وقع في الأرض، فإنه يقع في حرز الله عز وجل ".

موضوع.

قال الهيثمي وقد ذكره من حديث علي أيضا: " رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك الحديث ".

 

(2/16)

 

 

531 - " يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة، قائدهم في الجنة ".

منكر.

رواه أبو سعيد بن الأعرابي في " المعجم " (77 / 1) : أخبرنا الصاغاني: أخبرنا أبو نعيم أخبرنا عبد الجبار بن العباس عن عطاء بن السائب عن عمر بن الهجنع عن أبي بكرة قال: " قيل له: ما منعك ألا تكون قاتلت عن

صبرتك يوم الجمل؟ فقال " فذكره مرفوعا. ورواه أبو منصور بن عساكر في: " الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين " (28 / 2 الحديث 12) من طريق الصغاني.

وأورده العقيلي في " الضعفاء " (289) وقال: حدثنا محمد بن عبيدة قال: حدثنا أبو نعيم به وقال: " عمر بن الهجنع لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به وعبد الجبار بن العباس من الشيعة ". قلت: وهذا صدوق، وأما عمر بن الهجنع، فقال الذهبي تبعا للعقيلي: " لا يعرف ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 145) على قاعدته في توثيق المجهولين، فلا يغتر به كما نبهنا عليه مرارا.

وعطاء بن السائب كان اختلط، فالحديث ضعيف منكر، وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 10) من طريق العقيلي، وأعله بعبد الجبار هذا، فلم يصنع شيئا! ولذلك رد عليه السيوطي في " اللآلي " (1091) ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (195 / 1) بأن العقيلي أورده في ترجمة ابن الهجنع، فقال فيه ما سبق: " متروك الحديث ". قلت: لأنه كان كذابا، فسقط حديثه.

 

(2/16)

 

 

532 - " إن الله نظر في قلوب العباد فلم يجد قلبا أنقى من أصحابي، ولذلك اختارهم، فجعلهم أصحابا، فما استحسنوا فهو

 

(2/16)

 

 

عند الله حسن، وما استقبحوا فهو عند الله قبيح ".

موضوع.

رواه الخطيب (4 / 165) من طريق سليمان بن عمرو النخعي: حدثنا أبان بن أبي عياش وحميد الطويل عن أنس مرفوعا. وقال: " تفرد به النخعي ". قلت: وهو كذاب كما سبق مرارا، أقربها الحديث (529) ولهذا قال الحافظ ابن عبد الهادي: " إسناده ساقط، والأصح وقفه على ابن مسعود ". نقله في " الكشف " (2 / 188) ويعني بالموقوف الحديث الآتي: " ما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء ".

533 - " ما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء ".

لا أصل له مرفوعا.

وإنما ورد موقوفا على ابن مسعود قال: " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون.... " إلخ.

أخرجه أحمد (رقم 3600) والطيالسي في " مسنده " (ص 23) وأبو سعيد ابن الأعرابي في " معجمه " (84 / 2) من طريق عاصم عن زر بن حبيش عنه. وهذا إسناد حسن. وروى الحاكم منه الجملة التي أوردنا في الأعلى وزاد في آخره: " وقد رأى الصحابة جميعا أن يستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه " وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. وقال الحافظ السخاوي: " هو موقوف حسن ".

قلت: وكذا رواه الخطيب في " الفقيه والمتفقه " (100 / 2) من طريق المسعودي عن عاصم به إلا أنه قال: " أبي وائل " بدل " زر بن حبيش ". ثم أخرجه من طريق عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: فذكره.

وإسناده صحيح. وقد روي مرفوعا ولكن في إسناده كذاب كما بينته آنفا. وإن من عجائب الدنيا أن يحتج بعض الناس بهذا الحديث على أن في الدين بدعة حسنة، وأن الدليل على حسنها اعتياد المسلمين لها! ولقد صار من الأمر المعهود أن يبادر هؤلاء إلى الاستدلال بهذا الحديث عندما تثار هذه المسألة وخفي عليهم.

أ - أن هذا الحديث موقوف فلا يجوز أن يحتج به في معارضة النصوص القاطعة في

 

(2/17)

 

 

أن " كل بدعة ضلالة " كما صح عنه صلى الله عليه وسلم.

ب - وعلى افتراض صلاحية الاحتجاج به فإنه لا يعارض تلك النصوص لأمور: الأول:

أن المراد به إجماع الصحابة واتفاقهم على أمر، كما يدل عليه السياق، ويؤيده استدلال ابن مسعود به على إجماع الصحابة على انتخاب أبي بكر خليفة، وعليه فاللام في " المسلمون " ليس للاستغراق كما يتوهمون، بل للعهد.

الثاني: سلمنا أنه للاستغراق ولكن ليس المراد به قطعا كل فرد من المسلمين، ولوكان جاهلا لا يفقه من العلم شيئا، فلابد إذن من أن يحمل على أهل العلم منهم، وهذا مما لا مفر لهم منه فيما أظن.

فإذا صح هذا فمن هم أهل العلم؟ وهل يدخل فيهم المقلدون الذين سدوا على أنفسهم باب الفقه عن الله ورسوله، وزعموا أن باب الاجتهاد قد أغلق؟ كلا ليس هؤلاء منهم وإليك البيان: قال الحافظ ابن عبد البر في " جامع العلم " (2 / 36 - 37) : " حد العلم عند العلماء ما استيقنته وتبينته، وكل من استيقن شيئا وتبينه فقد علمه، وعلى هذا من لم يستيقن الشيء، وقال به تقليدا، فلم يعلمه، والتقليد عند جماعة العلماء غير الاتباع، لأن الاتباع هو أن تتبع القائل على ما بان لك من صحة قوله، والتقليد أن تقول بقوله وأنت لا تعرفه ولا وجه القول ولا معناه ".

ولهذا قال السيوطي رحمه الله: " إن المقلد لا يسمى عالما " نقله السندي في حاشية ابن ماجة (1 / 7) وأقره. وعلى هذا جرى غير واحد من المقلدة أنفسهم بل زاد بعضهم في الإفصاح عن هذه الحقيقة فسمى المقلد جاهلا فقال صاحب " الهداية " تعليقا على قول الحاشية: " ولا تصلح ولاية القاضي حتى ... يكون من أهل الاجتهاد " قال (5 / 456) من " فتح القدير ": " الصحيح أن أهلية الاجتهاد شرط الأولوية، فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا، خلافا للشافعي ".

قلت: فتأمل كيف سمى القاضي المقلد جاهلا، فإذا كان هذا شأنهم، وتلك منزلتهم في العلم باعترافهم أفلا تتعجب معي من بعض المعاصرين من هؤلاء المقلدة كيف أنهم يخرجون عن الحدود والقيود التي وضعوها بأيديهم وارتضوها مذهبا لأنفسهم، كيف يحاولون الانفكاك

 

(2/18)

 

 

عنها متظاهرين بأنهم من أهل العلم لا يبغون بذلك إلا تأييد ما عليه العامة من البدع والضلالات، فإنهم عند ذلك يصبحون من المجتهدين اجتهادا مطلقا، فيقولون من الأفكار والآراء والتأويلات ما لم يقله أحد من الأئمة المجتهدين، يفعلون ذلك، لا لمعرفة الحق بل لموافقة العامة! وأما فيما يتعلق بالسنة والعمل بها في كل فرع من فروع الشريعة فهنا يجمدون على آراء الأسلاف، ولا يجيزون لأنفسهم مخالفتها إلى السنة، ولوكانت هذه السنة صريحة في خلافها، لماذا؟ لأنهم مقلدون! فهلا ظللتم مقلدين أيضا في ترك هذه البدع التي لا يعرفها أسلافكم، فوسعكم ما وسعهم، ولم تحسنوا ما لم يحسنوا، لأن هذا اجتهاد منكم، وقد أغلقتم بابه على أنفسكم؟! بل هذا تشريع في الدين لم يأذن به رب العالمين، (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وإلى هذا يشير الإمام الشافعي رحمة الله عليه بقوله المشهور: " من استحسن فقد شرع ". فليت هؤلاء المقلدة إذ تمسكوا بالتقليد واحتجوا به - وهو ليس بحجة على مخالفيهم - استمروا في تقليدهم، فإنهم لوفعلوا ذلك لكان لهم العذر أو بعض العذر لأنه الذي في وسعهم، وأما أن يردوا الحق الثابت في السنة بدعوى التقليد، وأن ينصروا البدعة بالخروج عن التقليد إلى الاجتهاد المطلق، والقول بما لم يقله أحد من مقلديهم (بفتح اللام) ، فهذا سبيل لا أعتقد يقول به أحد من المسلمين. وخلاصة القول: أن حديث ابن مسعود هذا الموقوف لا متمسك به للمبتدعة، كيف وهو رضي الله عنه أشد الصحابة محاربة للبدع والنهي عن اتباعها، وأقواله وقصصه في ذلك معروفة في " سنن الدارمي " و" حلية الأولياء " وغيرهما، وحسبنا الآن منها قوله رضي الله عنه: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق ". فعليكم أيها المسلمون بالسنة تهتدوا وتفلحوا.

534 - " الهر سبع ".

ضعيف.

رواه أحمد (2 / 442) والعقيلي (331) والبيهقي (1 / 251 - 252) عن عيسى بن المسيب عن أبي زرعة عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند ضعيف من أجل عيسى بن المسيب، ضعفه ابن معين، وأبو زرعة والنسائي والدارقطني وغيرهم كما في " الميزان " للذهبي، ثم ساق له هذا الحديث وقال العقيلي: " ولا يتابعه إلا من هو مثله أو دونه ".

 

(2/19)

 

 

535 - " حمل العصا علامة المؤمن، وسنة الأنبياء ".

موضوع.

أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (2 / 97 - زهر الفردوس) من طريق

 

(2/19)

 

 

يحيى بن هاشم الغساني عن قتادة عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا موضوع، وإن ذكره السيوطي في " الفتاوي " (2 / 201) وسكت عليه! بل أورده في " الجامع الصغير "! فقد تعقبه شارحه المناوي بأن الغساني هذا قال الذهبي في " الضعفاء ": " قالوا: كان يضع الحديث ".

536 - " كان للأنبياء كلهم مخصرة يتخصرون بها تواضعا لله عز وجل ".

موضوع.

رواه الديلمي من طريق وثيمة بن موسى عن سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رفعه. ذكره السيوطي في " الفتاوي " (2 / 201) وسكت عليه! ووثيمة هذا قال ابن أبي حاتم في " الجرح " (4 / 2 / 5) : " روى عن سلمة أحاديث موضوعة ". واعلم أنه ليس في الباب في الحض على حمل العصا، حديث يصح، وأن حمل العصا من سنن العادة لا العبادة.

 

(2/20)

 

 

537 - " من شم الورد الأحمر، ولم يصل علي، فقد جفاني ".

موضوع.

قال السيوطي في " الفتاوي " (2 / 183، 192، 208) : " هو من الأحاديث المقطوع ببطلانها مما في كتاب (نزهة المجالس) لعبد الرحمن الصفوري ". قلت: ولذلك أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (85 و86) وذكر أنه من وضع بعض المغاربة، فراجعه إن شئت.

 

(2/20)

 

 

538 - " من وجد ماله في الفيء قبل أن يقسم فهو له، ومن وجده بعدما قسم فليس له شيء ".

ضعيف.

أخرجه الدارقطني (ص 472) من طريق إسحاق بن عبد الله عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه ابن عمر مرفوعا، وقال: " إسحاق هو ابن أبي فروة متروك ". قلت: ثم رواه من طريق أخرى عن ابن عمر، وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف، ومن طريق أخرى عن ابن عباس مرفوعا نحوه. وفيه الحسن بن عمارة، وهو يضع. وقد روي من طرق أخرى ضعفها الزيلعي في " نصب الراية " (3 / 435) وروى الدارقطني وغيره معنى هذا الحديث عن عمر موقوفا عليه وهو ضعيف أيضا لانقطاعه كما قال الدارقطني وغيره.

 

(2/20)

 

 

وقد قال بهذا التفصيل الذي تضمنه هذا الحديث جماعة من العلماء، وذهب الشافعي وجماعة آخرون إلى أنه لا يملك أهل الحرب بالغلبة شيئا من المسلمين، ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها وهذا هو الحق الذي لا شك فيه وإن تبجح بعض الكتاب المعاصرين بخلافه، واعتبر ذلك من مفاخر الإسلام فقال:

" إن الإسلام قرر حق تملك الغنائم لمن حازها من المتحاربين، المسلمون وغيرهم في ذلك سواء ". وهذا باطل لأنه مع أنه لا مستند له إلا هذا الحديث الضعيف، فهو مخالف لحديث المرأة الصحابية التي أسرها المشركون، وكانوا أصابوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم (العضباء) ، فانفلتت المرأة ذات ليلة، وهربت على العضباء، فطلبوها فأعجزتهم، وقدمت فقالت: إنها نذرت إن أنجاها الله عليها لتنحرنها! فقال صلى الله عليه وسلم: " لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا في معصية الله تبارك وتعالى ": رواه مسلم (5 / 78 - 79) وأحمد (4 / 429، 430 / 432، 434) .

فهذا صريح في أن هذه المرأة لم تملك هذه الناقة، ولوأن الأمر كما قال ذلك البعض، لكانت الناقة من حق هذه المرأة وهذا بين لا يخفى.

ثم وجدت ابن عبد الهادي في " تنقيح التحقيق " (2 / 374 - 375) استدل بهذا الحديث الصحيح لمذهب أحمد القائل: " إذا استولى المشركون على أموال المسلمين لم يملكوها، (قال:) ووجه الحجة أنه لو ملكها المشركون ما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطل نذرها، إنما أخذ الناقة لأنه أدركها غير مقسومة ".

539 - " لا تذكروني عند ثلاث: تسمية الطعام، وعند الذبح، وعند العطاس ".

موضوع.

رواه البيهقي (9 / 286) من طريق سليمان بن عيسى: أخبرني عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه مرفوعا وقال: " هذا منقطع، وعبد الرحيم وأبوه ضعيفان، وسليمان بن عيسى السجزي في عداد من يضع الحديث ". وذكر نحوه ابن عبد الهادي في " تنقيح التحقيق " (2 / 392) وعزاه للحاكم بدل البيهقي، والله أعلم.

وقال ابن حبان في عبد الرحيم (2 / 152) : " يروي عن أبيه العجائب مما لا يشك من الحديث صناعته أنها معمولة أو مقلوبة كلها ". قلت: فإن سلم منهما فلن يسلم من السجزي.

 

(2/21)

 

 

540 - " نهينا عن صيد كلب المجوسي وطائره ".

ضعيف.

أخرجه الترمذي (2 / 341) والبيهقي (9 / 245) من طريق شريك عن الحجاج

 

(2/21)

 

 

عن القاسم بن أبي بزة عن سليمان اليشكري عن جابر. وضعفه الترمذي بقوله: " غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه "، والبيهقي بقوله: " في هذا الإسناد من لا يحتج به ".

قلت: وهما شريك وهو ابن عبد الله القاضي، وهو ضعيف من قبل حفظه. والحجاج وهو بن أرطاة، وهو مدلس وقد عنعنه. وليس في الباب ما يشهد للحديث، ويمكن فهمه على وجهين: الأول: أن يكون كلب المجوسي صاد بإرسال صاحبه فعلى هذا لا يجوز أكل صيده فيكون معنى الحديث صحيحا.

الثاني: أن يكون الذي أرسله مسلما، وعلى هذا يحل صيده ولا يصح معنى الحديث وقد أوضح المسألة الإمام مالك أحسن التوضيح فقال في " الموطأ " (2 / 41) : "

الأمر المجتمع عليه عندنا أن المسلم إذا أرسل كلب المجوسي الضاري فصاد أو قتل أنه إذا كان متعلما فأكل ذلك الصيد حلال لا بأس به، وإن لم يذكه المسلم، وإنما مثل ذلك مثل المسلم يذبح بشفرة المجوسي، أو يرمي بقوسه، أو بنبله، فيقتل بها، فصيده ذلك وذبيحته حلال لا بأس بأكله، وإذا أرسل المجوسي كلب المسلم الضاري على صيد فأخذه فإنه لا يؤكل ذلك الصيد إلا أن يذكى، وإنما مثل ذلك مثل قوس المسلم ونبله، يأخذها المجوسي، فيرمي بها الصيد فيقتله، وبمنزلة شفرة المسلم يذبح بها المجوسي، فلا يحل أكل شيء من ذلك ".

541 - " ثلاث من أخلاق الإيمان: من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه من حق، ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له ".

موضوع.

أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 31) وعنه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 132) وابن بشران في " الأمالي الفوائد " (2 / 133 / 2) من طريق حجاج بن يوسف بن قتيبة الهمداني: حدثنا بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك مرفوعا.

وقال الطبراني: " لم يرو هـ عن الزبير بن عدي إلا بشر بن الحسين ". قلت: وهو كذاب كما سبق مرارا.

وقال الهيثمي (1 / 59) بعد أن عزاه للمعجم: " وفيه بشر بن الحسين وهو كذاب ".

قلت: وراويه عنه الهمداني مجهول كما قال ابن المديني، والحديث مما سود به السيوطي " جامعه ": ولهذا تعقبه شارحه المناوي بكلام الهيثمي المذكور ثم قال: " فكان ينبغي للمصنف حذفه من هذا الكتاب ".

ولعل السيوطي اغتر باقتصار الحافظ العراقي على تضعيفه في " تخريج الإحياء " (4 / 307)

 

(2/22)

 

 

وهو منه قصور أو ذهو ل أو تسامح في التعبير لأن الحديث الموضوع من أقسام الحديث الضعيف، ثم إن الحديث هو أول حديث في " نسخة الزبير بن عدي " المحفوظة في ظاهرية دمشق حرسها الله تعالى.

542 - " حجوا، فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن ".

موضوع.

رواه أبو الحجاج يوسف بن خليل في " السباعيات " (1 / 18 / 1) عن يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد مرفوعا وموقوفا. ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " (3 / 209) و" الجامع " وقال الهيثمي: " وفيه يعلى بن الأشدق وهو كذاب ".

 

(2/23)

 

 

543 - " حجوا قبل أن لا تحجوا: يقعد أعرابها على أذناب أو ديتها، فلا يصل إلى الحج أحد ".

باطل.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصفهان " (2 / 76 - 77) والبيهقي (4 / 341) والخطيب في " التلخيص " (96 / 2) من طريق عبد الله بن عيسى بن بحير: حدثني محمد بن أبي محمد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا.

قلت: عبد الله هذا هو الجندي، ذكره العقيلي في " الضعفاء "، وساق له هذا الحديث وقال: " إسناد مجهول فيه نظر " وقال الذهبي: " إسناد مظلم، وخبر منكر ".

وقال في " المهذب " كما في المناوي: " إسناده واه ". وشيخه محمد بن أبي محمد مجهول كما قال أبو حاتم، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات " (2 / 268) ! وساق له هذا الحديث ثم قال: " وهذا خبر باطل، وأبو محمد لا يدرى من هو؟ " يعني أنه هو علة الحديث. والله أعلم.

 

(2/23)

 

 

544 - " حجوا قبل أن لا تحجوا، فكأني أنظر إلى حبشي أصمع، أفدع، بيده معول يهدمها حجرا حجرا ".

موضوع.

أخرجه الحاكم (1 / 148) وأبو نعيم (4 / 131) والبيهقي (4 / 340) عن يحيى بن عبد الحميد الحماني: حدثنا حصين بن عمر الأحمسي: حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن علي مرفوعا.

سكت عليه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله:

 

(2/23)

 

 

" قلت: حصين واه، ويحيى الحماني ليس بعمدة ".

وأقول: حصين كذاب كما قال ابن خراش وغيره. وقال الحاكم: (1 / 268) :

" يروي الموضوعات عن الأثبات " وقد تفرد بهذا الحديث كما قال أبو نعيم.

وأما الحماني، فقد تابعه جبارة عند ابن عدي (102 / 2) في ترجمة حصين هذا وقال: " عامة أحاديثه معاضيل ".

545 - " من غش العرب لم يدخل في شفاعتي، ولم تنله مودتي ".

موضوع.

أخرجه الترمذي (4 / 376) وأحمد رقم (519) ومن طريقه العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (8 / 2) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (8 / 1) وأبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (136 / 2) من طريق حصين بن عمر عن مخارق بن عبد الله عن طارق بن شهاب عن عثمان بن عفان مرفوعا.

وقال الترمذي: " حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حصين بن عمر الأحمسي، وليس عند أهل الحديث بذاك القوي ". قلت: بل هو كذاب عند غير واحد منهم، كما سبق ذكره قبل هذا، وحديثه هذا معارض لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ". وهو مخرج في " الروض النضير " رقم (43،

65) ، و" المشكاة " (5598 و5599) .

 

(2/24)

 

 

546 - " للإمام سكتتان، فاغتنموا القراءة فيهما بفاتحة الكتاب ".

لا أصل له مرفوعا.

وإنما رواه البخاري في " جزء القراءة " (ص 33) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: فذكره موقوفا عليه. قلت: وإسناده حسن.

ثم رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة موقوفا عليه، وسنده حسن أيضا. (1)

والذي دعاني إلى التنبيه على بطلان رفعه أنني رأيت ما نقله بعضهم في تعليقه على قول النووي في " الأذكار " (ص 63) : " إنه يستحب للإمام في الصلاة الجهرية أن يسكت بعد التأمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة ". فقال المعلق عليه وهو الشيخ محمد حسين أحمد: " قال الحافظ: دليل استحباب تطويل هذه السكتة حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن

__________

(1) قلت: فيه دليل على أبي هريرة في " مسلم ": " اقرأ بها في نفسك يا فارسي " إنما يعني قراءتها في سكتات الإمام إن وجدت. وهذه فائدة هامة. فخذها شاكرا الله تعالى.

 

(2/24)

 

 

أن للإمام سكتتين.... أخرجه البخاري في كتاب " القراءة خلف الإمام " وأخرجه فيه أيضا عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وعن عروة بن الزبير قال: يا بني اقرؤوا إذا سكت الإمام، واسكتوا إذا جهر، فإنه لا صلاة لمن لم

يقرأ بفاتحة الكتاب ". فقوله: " حديث أبي سلمة.... " فيه إيهام كبير أنه حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن اللفظ من قوله صلى الله عليه وسلم كما هو المتبادر عند الإطلاق، وراجعني من أجل ذلك بعض الشافعية محتجا به! فبينت له أن الحديث ليس هو من كلامه صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مقطوع موقوف على أبي سلمة، حتى ولوكان مرفوعا لكان ضعيفا لأنه مرسل تابعي.

ثم قلت: ولوصح عنه صلى الله عليه وسلم لما كان حجة لكم بل هو عليكم! قال كيف؟ قلت: لأنه يقول: " فاغتنموا القراءة في السكتتين " وهما سكتة الافتتاح وسكتة بعد القراءة، وأنتم لا تقولون بقراءة الفاتحة أو بعضها في السكتة الأولى!

نعم نقل ابن بطال عن الشافعي أن سبب سكوت الإمام السكتة الأولى ليقرأ المأموم فيها الفاتحة. لكن الحافظ تعقبه في " الفتح " (2 / 182) بقوله: " وهذا النقل من أصله غير معروف عن الشافعي، ولا عن أصحابه، إلا أن الغزالي قال في " الإحياء ": إن المأموم يقرأ الفاتحة إذا اشتغل الإمام بدعاء الافتتاح وخولف في ذلك، بل أطلق المتولي وغيره كراهية تقديم المأموم قراءة الفاتحة على الإمام ". وكذلك قول عروة المتقدم حجة على الشافعية، لأنه يأمر المؤتم بالسكوت إذا جهر الإمام. وهذا هو أعدل الأقوال في مسألة القراءة وراء الإمام، أن يقرأ إذا أسر الإمام، وينصت إذا جهر. وقد فصلت القول في هذه المسألة وجمعت الأحاديث الواردة فيها في تخريج أحاديث " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ".

547 - " كان للنبي صلى الله عليه وسلم سكتتان، سكتة حين يكبر، وسكتة حين يفرغ من قراءته ".

ضعيف.

أخرجه البخاري في " جزء القراءة " (ص 23) وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم من حديث الحسن البصري عن سمرة بن جندب. وهذا سند ضعيف أعله الدارقطني في سننه (ص 138) بالانقطاع فقال عقب الحديث: " الحسن مختلف في سماعه من سمرة، وقد سمع منه حديثا واحدا، وهو حديث العقيقة ".

قلت: ثم هو على جلالة قدره مدلس كما سبق التنبيه على ذلك مرارا، ولم أجد تصريحه بسماعه لهذا الحديث بعد مزيد البحث والتفتيش عن طرقه إليه، فلو سلم أنه ثبت سماعه من سمرة لغير حديث العقيقة، لما ثبت سماعه لهذا، كما لا يخفى على المشتغلين بعلم السنة المطهرة. ثم إن للحديث علة أخرى وهي الاضطراب في متنه.

ففي هذه الرواية أن السكتة الثانية محلها بعد الفراغ من القراءة، وفي رواية ثانية: بعد الفراغ

 

(2/25)

 

 

من قراءة الفاتحة، وفي الأخرى بعد الفراغ من الفاتحة وسورة عند الركوع. وهذه الرواية الأخيرة هي الصواب في الحديث لوصح، لأنه اتفق عليها أصحاب الحسن، يونس، وأشعث، وحميد الطويل، وقد سقت رواياتهم في ذلك في " ضعيف سنن أبي داود " (رقم 135 و138) ونقلت فيه عن أبي بكر الجصاص أنه قال: " هذا حديث غير ثابت ". فبعد معرفة علة الحديث لا يلتفت المنصف إلى قول من حسنه. وإذا عرفت هذا فلا حجة للشافعية في هذا الحديث على استحبابهم السكوت للإمام بقدر ما يقرأ المأموم الفاتحة، وذلك لوجوه:

الأول: ضعف سند الحديث.

الثاني: اضطراب متنه.

الثالث: أن الصواب في السكتة الثانية

فيه أنها قبل الركوع بعد الفراغ من القراءة كلها لا بعد الفراغ من الفاتحة.

الرابع: على افتراض أنها أعني السكتة بعد الفاتحة، فليس فيه أنها طويلة بمقدار ما يتمكن المقتدي من قراءة الفاتحة! ولهذا صرح بعض المحققين بأن هذه السكتة الطويلة بدعة فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " (2 / 146 - 147) :

" ولم يستحب أحمد أن يسكت الإمام لقراءة المأموم، ولكن بعض أصحابه استحب ذلك، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لوكان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقل هذا أحد، علم أنه لم يكن، وأيضا فلوكان الصحابة كلهم يقرؤون الفاتحة خلفه صلى الله عليه وسلم، إما في السكتة الأولى وإما في الثانية لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فكيف ولم ينقل أحد من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية يقرءون الفاتحة، مع أن ذلك لوكان شرعا لكان الصحابة أحق الناس بعلمه، فعلم أنه بدعة ".

قلت: ومما يؤيد عدم سكوته صلى الله عليه وسلم تلك السكتة الطويلة قول أبي هريرة رضي الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة سكت هنية، فقلت: يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي.... " الحديث فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت تلك السكتة بعد الفاتحة بمقدارها لسألوه عنها كما سألوه عن هذه.

548 - " لئن أظهرني الله عليهم (يعني كفار قريش الذين قتلوا حمزة) لأمثلن بثلاثين رجلا منهم ".

ضعيف.

رواه ابن إسحاق في " السيرة " عن بعض أصحابه عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة (النمل) بمكة وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد، حين قتل حمزة ومثل به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) ، فلما سمع المسلمون ذلك قالوا:

 

(2/26)

 

 

والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط، فأنزل الله (وإن عاقبتهم فعاقبوا بمثل ما عوقبتهم به) إلى أخر السورة. ذكره الحافظ ابن كثير (2 / 592) وضعفه بقوله: " وهذا مرسل وفيه رجل مبهم لم يسم، وقد روي من وجه آخر متصل ".

قلت: وهذا المتصل من حديث أبي هريرة ضعيف كما يأتي بعده. وروي من حديث ابن عباس وهو: " لئن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين رجلا منهم، فأنزل الله عز وجل في ذلك: (وإن عاقبتهم فعاقبوا) إلى قوله: (يمكرون) ".

549 - " لئن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين رجلا منهم، فأنزل الله عز وجل في ذلك: (وإن عاقبتهم فعاقبوا) إلى قوله: (يمكرون) ".

ضعيف.

رواه الطبراني (3 / 107 - 108) عن أحمد بن أيوب بن راشد البصري: أخبرنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن كعب القرظي والحكم بن عتيبة عن مقسم ومجاهد عن ابن عباس قال: " لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة فنظر إلى ما به قال: لولا أن تحزن النساء ما غيبته ولتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطيور حتى يبعثه الله مما هنالك.

قال: وأحزنه ما [رأى] به فقال " فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف، قال: الهيثمي (6 / 120) : " وفيه أحمد بن أيوب بن راشد وهو ضعيف ".

قلت: لم أجد من صرح بتضعيفه من الأئمة المتقدمين، ولا من وثقه منهم، نعم أورده ابن حبان في " الثقات " وقال: " ربما أغرب "، وهذا ليس بجرح كما أن إيراده إياه في " الثقات " ليس بتوثيق معتمد، كما سبق التنبيه عليه مرارا، فالحق أن الرجل في عداد مجهولي العدالة، ولذلك لم يوثقه الحافظ في " التقريب " ولم يضعفه، بل قال فيه " مقبول " إشارة إلى ما ذكرته. والله أعلم.

ورواه البيهقي في " دلائل النبوة " (ج 1 - غزوة أحد - مخطوط) عن ابن إسحاق قال: حدثني بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب مرفوعا. وهذا مع إرساله ضعيف أيضا، وبريدة بن سفيان قال الحافظ: " ليس بالقوي ". وقد روي هذا الحديث من طريق أخرى عن محمد بن كعب، أخرجه المحاملي في " الأمالي " (ج 7 رقم 2) عن عبد العزيز بن عمران:

حدثني أفلح بن سعيد عن محمد بن كعب عن ابن عباس. وهذا سند ضعيف جدا، عبد العزيز قال الحافظ: " متروك، احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه ".

 

(2/27)

 

 

وروي من حديث أبي هريرة نحوه وأتم منه، وهو:

550 - " رحمة الله عليك إن كنت ما علمت لوصولا للرحم، فعولا للخيرات، والله لولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع - أو كلمة نحوها - أما والله على ذلك لأمثلن بسبعين كمثلتك. فنزل جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم بهذه السورة وقرأ: (وإن عاقبتهم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) إلى آخر الآية، فكفر رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعني عن يمينه) ، وأمسك عن ذلك ".

ضعيف.

أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (2 / 6 / 1 - 2) والحاكم (3 / 197) والبزاز والطبراني والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج 1 - غزوة أحد) والواحدي (146 / 1) عن صالح المري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبد المطلب حين استشهد، فنظر إلى منظر لم ينظر إلى منظر أوجع للقلب منه، أو أوجع لقلبه منه، ونظر إليه وقد مثل به فقال: " فذكره.

وسكت عنه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: صالح واه ". وقال الحافظ ابن كثير (2 / 592) : " وهذا إسناد فيه ضعف لأن صالحا هو ابن بشير المري ضعيف عند الأئمة ".

وكذلك ضعفه الهيثمي في " المجمع " (6 / 119) . ورواه البيهقي أيضا من طريق يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا قيس عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا نحوه وزاد: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نصبر يا رب! ".

وسنده ضعيف، مسلسل بالضعفاء الثلاثة: ابن أبي ليلى فمن دونه! قلت: وقد ثبت بعضه مختصرا من طرق أخرى فأخرج الحاكم (3 / 196) والخطيب في " التلخيص " (44 / 1) عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بحمزة يوم أحد وقد جدع ومثل به فقال: " لولا أن صفية تجد لتركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع، فكفنه في نمرة ". وقال: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي وهو كما قالا. ورواه الحاكم (3 / 197 - 198) والبزاز والطبراني من حديث ابن عباس بسند لا بأس به في المتابعات والشواهد. وسبب نزول الآية السابقة في هذه الحادثة صحيح فقد قال أبي بن كعب: " لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا، ومن المهاجرين ستة، فمثلوا بهم وفيهم حمزة، فقالت الأنصار:

لئن أصبناهم مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله عز وجل:

(وإن عاقبتهم فعاقبوا بمثل ما عوقبتهم به) الآية، فقال رجل: لا قريش

 

(2/28)

 

 

بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفوا عن القوم غير أربعة ".

رواه الترمذي (4 / 133) ، والحاكم (2 / 359) وعبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (5 / 135) وحسنه الترمذي، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

551 - " من قلد عالما لقي الله سالما ".

لا أصل له.

وقد سئل عنه السيد رشيد رضا رحمه الله فأجاب في مجلة " المنار " (34 / 759) بقوله: " ليس بحديث ".

 

(2/29)

 

 

552 - " جلس صلى الله عليه وسلم على مرفقة حرير ".

لا أصل له.

كما أشار لذلك الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 227) ، وقد احتج به صاحب " الهداية " لمذهب الحنفية الذي يجيز للرجال الجلوس على الحرير! . قال الزيلعي: " يشكل على المذهب حديث حذيفة قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه. أخرجه البخاري ". قلت: وهذا هو الحق أنه يحرم الجلوس على الحرير كما يحرم لبسه لحديث البخاري هذا، والأحاديث العامة في تحريم لبسه على الرجال كقوله عليه السلام: " لا تلبسوا الحرير فإنه

من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " متفق عليه، فإنها تتناول بعمومها الجلوس عليه، لأن الجلوس لبس لغة وشرعا، كما قال أنس رضي الله عنه: " قمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس ". فانظر كيف تصرف الأحاديث الموضوعة الناس عن الأحاديث الصحيحة. (فاعتبروا يا أولي الأبصار) .

 

(2/29)

 

 

553 - " عادي الأرض لله وللرسول، ثم لكم من بعد، فمن أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين ".

منكر بهذا التمام.

أخرجه أبو يوسف صاحب أبي حنيفة في " كتاب الخراج " (ص 77) قال: حدثني ليث عن طاووس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه ثلاث علل: الأولى: الإرسال من طاووس، فإنه تابعي. الثانية: ضعف ليث وهو ابن أبي سليم لاختلاطه كما بينه ابن حبان في " كتاب المجروحين " (1 / 57 و2 / 231) .

 

(2/29)

 

 

الثالثة: أبو يوسف فيه ضعف من قبل حفظه، قال الفلاس: " صدوق كثير الخطأ " وضعفه البخاري وغيره ووثقه ابن حبان وغيره.

قلت: وقد تفرد بقوله في آخر الحديث: " وليس لمحتجر.... " فقد أخرجه يحيى بن آدم في " كتاب الخراج " (ص 85، 86، 88) والبيهقي في سننه (6 / 143) من طرق كثيرة عن ليث به مرسلا بدون هذه الزيادة، فهي منكرة.

وكذلك أخرجه الشافعي (2 / 204) والبيهقي عن سفيان الثوري عن ابن طاووس مرسلا. ووصله البيهقي عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا.

وقال: " تفرد به معاوية بن هشام مرفوعا موصولا ". قلت: ومعاوية فيه ضعف، والصواب في الحديث مرسل. ثم إن هذه الزيادة رواها أبو يوسف أيضا موقوفا على عمر رضي الله عنه فلعله الصواب. قال أبو يوسف: وحدثني محمد بن إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله. " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال على المنبر: " من

أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين " وذلك أن رجالا كانوا يحتجرون من الأرض ما لا يعملون ". وهذا سند منقطع في موضعين، لكن رواه يحيى بن آدم (ص 90) وأبو عبيد القاسم بن سلام (ص 290) عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: كان الناس يحتجرون على عهد عمر رضي الله عنه فقال: من أحيا أرضا فهي له. قال يحيى: كأنه لم يحلها له بالتحجير حتى يحييها. وهذا سند صحيح إلى عمر، ولكن ليس فيه " وليس لمحتجر ... ".

لكن يظهر أن هذه الجملة ثابتة عن عمر، فقد رواها أبو يوسف عنه من طريق ثانية، ويحيى من طريق ثالثة، وهي

وإن كانت لا تخلومن ضعف فبعضها يقوي بعضا. وجملة القول: أن هذه الزيادة رفعها منكر، والصواب أنها من قول عمر، وأما الجملة الأولى من الحديث فضعيفة لإرسالها. وأما قوله: " من أحيا أرضا ميتة فهي له " فهي ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق أخرى عند أبي داود وغيره، وللبخاري معناه، وقد خرجتها في " الإرواء " (1548) ، وبعضها في " الأحاديث الصحيحة " رقم (568) من المجلد الثاني منه، وقد تم طبعه قريبا والحمد لله.

فائدة فقهية:

اعلم أن الإحياء غير التحجير، وقد بين الفرق بينهما يحيى بن آدم أحسن بيان فقال (ص 90) : " وإحياء الأرض أن يستخرج فيها عينا أو قليبا أو يسوق إليها الماء، وهي أرض لم تزرع، ولم تكن في يد أحد قبله يزرعها أو يستخرجها حتى تصلح للزرع، فهذه لصاحبها أبدا، لا تخرج

 

(2/30)

 

 

من ملكه، وإن عطلها بعد ذلك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحيا أرضا فهي له "، فهذا إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها للناس، فإن مات فهي لورثته وله أن يبيعها إن شاء " قال:

" والتحجير، فهو غير الإحياء، قال ابن المبارك: التحجير أن يضرب على الأرض من الأعلام والمنار فهذا الذي قيل فيه إن عطلها ثلاث سنين فهي لمن أحياها بعده ". ويظهر أن هذا الفرق الواضح لم ينتبه له رئيس حزب التحرير الإسلامي فإنه احتج بهذا الحديث المنكر في كتابه " النظام الاقتصادي في الإسلام " (ص 20) على أنه يشترط في إحياء الأرض الموات أن يستثمرها مدة ثلاث سنوات من وضع يده عليها، وأن يستمر هذا الإحياء باستغلالها فإن لم يفعل سقط حق ملكيته لها ".

والحديث مع أنه منكر ليس فيه الشرط المذكور، ولا هو في الإحياء كما هو ظاهر بأدنى تأمل، وكم له أولحزبه مثل هذا الاستدلال الباطل، والاحتجاج بالأحاديث المنكرة والأخبار الواهية.

554 - " إن حادينا نام فسمعنا حاديكم فملت إليكم، فهل تدرون أنى كان الحداء؟ قالوا: لا والله، قال: إن أباهم مضر خرج إلى بعض رعاته، فوجد إبله قد تفرقت، فأخذ عصا فضرب بها كف غلامه، فعدا الغلام في الوادي وهو يصيح: يا يداه يا يداه! فسمعت الإبل فعطفت عليه، فقال مضر: لواشتق مثل هذا لانتفعت به الإبل

واجتمعت، فاشتق الحداء ".

موضوع.

رواه ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " (ص 238) من طريق أبي البختري وهب عن طلحة المكي عن بعض علمائهم: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مال ذات ليلة بطريق مكة إلى حاد مع قوم، فسلم عليهم فقال ". فذكره. قلت: وهذا مع إرساله موضوع، والمتهم به أبو البختري هذا، وهو وهب بن وهب المدني القاضي قال ابن معين: " كان يكذب عدوالله! " وقال أحمد: " كان يضع الحديث وضعا ".

وذكر ابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات " (1 / 47 - ط) أنه من كبار الوضاعين، فالعجب منه كيف يروي له في هذا الكتاب (تلبيس إبليس) الذي أكثر قرائه لا علم لهم بالحديث ورجاله! وقد ساق الذهبي في ترجمة أبي البختري هذا أحاديث كثيرة ثم قال: " وهذه أحاديث مكذوبة ".

 

(2/31)

 

 

والموضوع في هذا الحديث إنما هو ما عدا الجملة الأولى منه، فإن لها شاهدا مرسلا قويا، فقال ابن سعد في "

الطبقات " (1 / 2) : أخبرنا الفضل بن دكين أبو نعيم: أخبرنا العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد قال:

" كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فبينا هو يسير بالليل ومعه رجل يسايره إذ سمع حاديا يحدو، وقوم أمامه، فقال لصاحبه، لو أتينا حادي هؤلاء القوم، فقربنا حتى غشينا القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ممن القوم؟ قالوا: من مضر، فقال: وأنا من مضر، وني حادينا، فسمعنا حاديكم، فأتيناكم.

ورواه ابن الأعرابي في " حديث سعدان بن نصر " (1 / 22 / 1) .

وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال مسلم لولا أنه مرسل، ولكنه جاء نحوه من طريق آخر، فقال ابن سعد: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي: أنبأنا حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاووس قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ سمع صوت حاد، فسار حتى أتاهم فقال: من القوم؟ قالوا: مضريون، فقال صلى الله عليه وسلم: وأنا مضري، فقالوا: يا رسول الله إنا أول من حدا، بينما رجل في سفر فضرب غلاما له على يده بعصا فانكسرت يده، فجعل الغلام يقول وهو يسير الإبل: وايداه وايداه! وقال: هيبا هيبا، فسارت الإبل ". وهذا مرسل صحيح أيضا. ورواه ابن الأعرابي عن عكرمة مرسلا بسند صحيح أيضا. وهو يبين أن الأصل في قصة الحداء موقوف، فرفعه ذلك الكذاب أبو البختري.

وقد ذكر الحافظ ابن كثير في " البداية " (2 / 199) عن علماء التاريخ أنهم قالوا: كان مضر أول من حدا، وذلك لأنه كان حسن الصوت، فسقط يوما عن بعيره، فوثبت يده، فجعل يقول: وايداه وايداه؟ فأعنقت الإبل لذلك. وهذا مخالف لهذا المرسل. والله أعلم.

555 - " من فقه الرجل المسلم أن يصلح معيشته، وليس من حبك الدنيا طلب ما يصلحك ".

ضعيف جدا.

رواه ابن عدي (175 / 1) عن سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة عن عبد الله بن عمر مرفوعا، وقال: " سعيد بن سنان أبو مهدي الحمصي عامة ما يرويه غير محفوظ ".

قلت: وفي " التقريب ": " متروك رماه الدارقطني وغيره بالوضع ". قلت: وروي الحديث من طريق آخر بنحوه، وهو:

 

(2/32)

 

 

556 - " من فقه الرجل رفقه في معيشته ".

ضعيف.

رواه أحمد (5 / 194) ومن طريقه الثعلبي في " تفسيره " (3 / 146 / 1) وابن عدي (37 / 2) وابن عساكر (13 / 375 / 1) عن أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن أبي الدرداء مرفوعا.

وقال ابن عدي: " أبو بكر بن أبي مريم الغالب على حديثه الغرائب، وقل ما يوافقه عليه الثقات، وهو ممن

لا يحتج به، ولكن يكتب حديثه ". قلت: ثم هو منقطع لأن ضمرة لم يسمع من أبي الدرداء كما أفاده الذهبي، فإن بين وفاتيهما نحومائة سنة. واقتصر الهيثمي (4 / 74) على إعلاله باختلاط ابن أبي مريم. والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية أحمد والبيهقي عن أبي الدرداء قال شارحه المناوي: " ثم قال البيهقي تفرد به سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية اهـ. قال الذهبي في " الضعفاء ": وسعيد بن سنان عن أبي الزاهرية متهم، أي بالوضع ".

قلت: وهذا يوهم أن الحديث من هذه الطريق عند أحمد أيضا، وليس كذلك كما سبق فتنبه، ورواه ابن عدي عن سعيد بن سنان بسند آخر عن ابن عمر نحوه وتقدم لفظه قريبا. ورواه ابن الأعرابي في " المعجم " (237 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 11) عن فرج بن فضالة: أخبرنا لقمان بن عامر عن أبي الدرداء موقوفا عليه. والفرج بن فضالة ضعيف كما في " التقريب " وبقية رجاله ثقات، فلعل هذا هو أصل الحديث موقوف، أخطأ بعض الضعفاء فرفعه، والله أعلم.

ثم وجدت ما يؤيد وقفه، فقال وكيع بن الجراح في " الزهد " (2 / 78 / 1) : حدثنا سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد " أن رجلا صعد إلى أبي الدرداء وهو في غرفة له، وهو يلتقط حبا منثورا، فقال أبو الدرداء " فذكره موقوفا عليه. ورجاله كلهم ثقات لولا أنه مرسل.

وكذلك رواه ابن عساكر (3 / 375 / 1) من طريق المعتمر بن سليمان عن منصور به. ورواه أيضا من طريق إسماعيل بن عياش عن حريز بن عثمان الرحبي عن أبي حبيب الحارث بن محمد عن أبي الدرداء موقوفا.

 

(2/33)

 

 

557 - " خذوا من القرآن ما شئتم لما شئتم ".

لا أصل له فيما أعلم.

وقال السيد رشيد رضا في " المنار " (مجلد 28 / 660) : " لم أره في شيء من كتب الحديث ".

 

(2/33)

 

 

558 - " ليس بكريم من لم يتواجد عند ذكر الحبيب ".

موضوع.

ذكره محمد بن طاهر المقدسي في " صفوة التصوف " ومن طريقه أبو حفص عمر السهروردي صاحب " عوارف المعارف ": أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشده أعرابي:

قد لسعت حية الهوى كبدي * * * فلا طبيب لها ولا راقي.

إلا الحبيب الذي شغفت به * * * فعنده رقيتي وترياقي.

فتواجد حتى سقطت البردة عن منكبيه فقال معاوية: ما أحسن لهو كم، فقال: مهلا يا معاوية ليس ... " الحديث. قال ابن تيمية في رسالة " السماع والرقص " (ص 169 من مجموعة الرسائل المنيرية ج 3) : " هذا حديث مكذوب موضوع باتفاق أهل العلم بهذا الشأن، قال: وهذا وأمثاله إنما يرويه من هو أجهل الناس بحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم بمعرفة الإيمان والإسلام "! قلت: ثم راجعت كتاب " صفوة التصوف " للحافظ ابن طاهر المقدسي فلم أجد الحديث فيه، وإنما عزاه الحافظ في " لسان الميزان " لكتاب آخر له أسماه " السماع " وقد ساق إسناده السهروردي في " العوارف " (ص 108 - 109) فإذا هو من طريق أبي بكر عمار بن إسحاق قال: حدثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس به.

وقال: " فهذا الحديث أوردناه مسندا كما سمعناه ووجدناه، وقد تكلم في صحته أصحاب الحديث، وما وجدنا شيئا نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاكل وجد أهل الزمان وسماعهم واجتماعهم وهيئتهم، إلا هذا، وما أحسنه من حجة للصوفية وأهل الزمان في سماعهم وتمزيقهم الخرق وقسمتها أن لوصح، ويخالج سري أنه غير صحيح، ولم أجد فيه ذوق اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وما كانوا يعتدونه على ما بلغنا في هذا الحديث، ويأبى القلب قبوله. قلت: والمتهم بهذه القصة عمار بن إسحاق هذا فقد قال الذهبي في ترجمته: " كأنه واضع هذه الخرافة التي فيها: " قد لسعت حية الهوى كبدي ". فإن الباقين ثقات ".

 

(2/34)

 

 

559 - " كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة (قل يا أيها الكافرون) ، و (قل هو الله أحد) ، ويقرأ في العشاء الآخرة ليلة الجمعة (الجمعة) ، و (المنافقين) ".

ضعيف جدا.

أخرجه ابن حبان (552) والبيهقي (2 / 391) الشطر الأول منه من طريق سعيد بن سماك بن حرب: حدثني أبي سماك بن حرب - قال: ولا أعلم إلا - عن جابر بن سمرة قال: فذكره. وأخرجه أيضا في كتابه " الثقات " (2 / 104) في ترجمة سعيد هذا، وقال: " والمحفوظ عن سماك أن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ".

 

(2/34)

 

 

قلت: وهذا من تناقض ابن حبان، فإنه من جهة يعله بالإرسال ويبين أنه لا يصح موصولا عن جابر بن سمرة، ومن جهة أخرى يورد الموصول في " صحيحه "! وعلة الحديث سعيد بن سماك، فقد قال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 32) عن أبيه: " متروك الحديث "، وتوثيق ابن حبان إياه من تساهله الذي عرف به عند المحققين، وقد يغتر به كثير ممن لا تحقيق عندهم، فيصححون أحاديث كثيرة تقليدا له، من ذلك هذا الحديث، فقد جاء في " البجيرمي " (2 / 64) : " ويستحب أيضا قراءة (الجمعة) و (المنافقين) في صلاة عشاء ليلة الجمعة، كما ورد عند ابن حبان بسند صحيح وقد كان السبكي يفعله، فأنكر عليه بأنه ليس في كلام الرافعي.

فرد على المنكر بما مر. أي من الورود وكم من مسائل لم يذكرها الرافعي: فعدم ذكره لها لا يستلزم عدم سنيتها ".

قلت: وهذا الجواب من الوجهة الفقهية صحيح، يدل على تحرر السبكي من الجمود المذهبي، ولكن الحديث ضعيف غير محفوظ بشهادة ابن حبان نفسه، فلا يثبت به الاستحباب فضلا عن السنية، بل إن التزام ذلك من البدع، وهو ما يفعله كثير من أئمة المساجد في دمشق وغيرها من البلدان السورية، ولكنهم جمعوا بين البدعة وإرضاء الناس، فقد تركوا قراءة (المنافقون) أصلا والتزموا قراءة الشطر الثاني من (الجمعة) في الركعتين تخفيفا عن الناس زعموا! وكنت منذ القديم استنكر منهم هذا الالتزام، ولا أعرف مستندهم في ذلك، حتى رأيت كلام البجيرمي هذا، المستند على هذا الحديث، الذي كنت استغربه لعدم وروده في الأمهات الستة وغيرها ولكن ذلك لا يكفي للإنكار، حتى وقفت على إسناده في " موارد الظمآن " ومنه نقلت، فتبين لي ضعفه بل وتضعيف ابن حبان نفسه له في كتابه الآخر، فالحمد لله على توفيقه.

ثم إن مما يدل على ضعف الحديث أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بالسورتين الأوليين في سنة المغرب، وليس في فرضه، جاء ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من طرق، وقد خرجته في " صفة الصلاة " (ص 115 - السابعة) .

560 - " كان يصلي في شهر رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة والوتر ".

موضوع.

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 90 / 2) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (73 / 1 - 2) والطبراني في " الكبير " (3 / 148 / 2) وفي " الأوسط " كما في " المنتقى منه " للذهبي (3 / 2) وفي " زوائد المعجمين " (1 / 109 / 1) وابن عدي في " الكامل " (1 / 2)

 

(2/35)

 

 

والخطيب في " الموضح " (1 / 209) وأبو الحسن النعالي في " حديثه " (127 / 1) وأبو عمرو بن منده في " المنتخب من الفوائد " (268 / 2) والبيهقي في " السنن الكبرى " (2 / 496) كلهم من طريق أبي شيبة إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا، وقال الطبراني: " لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد ".

وقال البيهقي: " تفرد به أبو شيبة وهو ضعيف ". قلت: وكذا قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 172) أن أبا شيبة ضعيف، وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (4 / 205) بعد ما عزاه لابن أبي شيبة: " إسناده ضعيف ".

وكذلك ضعفه الحافظ الزيلعي " في نصب الراية " (2 / 153) من قبل إسناده، ثم أنكره من جهة متنه

فقال: " ثم هو مخالف للحديث الصحيح عن عائشة قالت: " ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة " رواه الشيخان ".

وكذلك قال الحافظ ابن حجر وزاد: " هذا مع كون عائشة أعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم ليلا من غيرها ". قلت: ووافقها جابر بن عبد الله رضي الله عنه فذكر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحيا بالناس ليلة في رمضان صلى ثمان ركعات، وأوتر ".

رواه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 90، 114) والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 108) وابن حبان في صحيحه (رقم 920 - موارد) .

وقد أفسد حديث جابر هذا بعض الضعفاء فرواه محمد بن حميد الرازي حدثنا عمر بن هارون بإسناده عن جابر بلفظ: " فصلى أربعا وعشرين ركعة وأوتر بثلاث ". وأخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (75 و276) .

قلت: ومع أن إسناده إلى محمد بن حميد لا يصح، لأن فيه من لا يعرف حاله، فإن محمد بن حميد وشيخه عمر بن هارون متهمان بالكذب فلا يعتد بروايتهما بله مخالفتهما! وبالجملة فقد اتفقت كلمات أئمة الحديث على تضعيف حديث أبي شيبة هذا، بل عده الحافظ الذهبي في ترجمته من " الميزان " من مناكيره.

وقال الفقيه أحمد بن حجر الهيتمي في " الفتاوى الكبرى " إنه شديد الضعف.

وأنا أرى أنه حديث موضوع، وذلك لأمور:

الأول: مخالفته لحديث عائشة وجابر. الثاني: أن أبا شيبة أشد ضعفا مما يفهمم من عبارة البيهقي السابقة وغيره، فقد قال ابن معين فيه: " ليس بثقة ". وقال الجوزجاني: " ساقط ".

 

(2/36)

 

 

وكذبه شعبة في قصة، وقال البخاري: " سكتوا عنه ".

وقد بينا فيما سبق أن من قال فيه البخاري " سكتوا عنه " فهو في أدنى المنازل وأردئها عنده، كما قال الحافظ ابن كثير في " اختصار علوم الحديث " (ص 118) . الثالث: أن فيه أن صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان كانت في غير جماعة، وهذا مخالف لحديث جابر أيضا، ولحديث عائشة الآخر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بصلاته ". الحديث نحو حديث جابر وفيه: " ولكن خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ".

رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما ". فهذه الأمور تدل على وضع حديث أبي شيبة. والله تعالى هو الموفق. (فائدة) دل حديث عائشة وحديث جابر على مشروعية صلاة التراويح مع الجماعة، وعلى أنها إحدى عشرة ركعة مع الوتر.

وللأستاذ نسيب الرفاعي رسالة نافعة في تأييد ذلك اسمها " أوضح البيان فيما ثبت في السنة في قيام رمضان " فننصح بالاطلاع عليها من شاء الوقوف على الحقيقة.

ثم إن أحد المنتصرين لصلاة العشرين ركعة أصلحه الله - قام بالرد على الرسالة المذكورة في وريقات سماها " الإصابة في الانتصار للخلفاء الراشدين والصحابة " حشاها بالافتراءات، والأحاديث الضعيفة بل الموضوعة، والأقوال الواهية، الأمر الذي حملنا على تأليف رد عليه أسميته " تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة " وقد قسمته إلى ستة رسائل طبع منها: الأولى: في بيان الافتراءات المشار إليها.

الثانية: في " صلاة التراويح ". وهي رسالة جامعة لكل ما يتعلق بهذه العبادة، وقد بينت فيها ضعف ما يروى عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بصلاة التراويح عشرين ركعة، وأن الصحيح عنه أنه أمر بصلاتها إحدى عشرة ركعة وفقا للسنة الصحيحة، وأن أحدا من الصحابة لم يثبت عنه خلافها فلتراجع فإنها مهمة جدا وإنما علينا التذكير والنصيحة.

 

(2/37)

 

 

561 - " إن الله لم يأذن لمترنم بالقرآن ".

موضوع.

رواه الطبراني في " الأوسط " من حديث جابر مرفوعا. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 170) : " وفيه سليمان بن داود الشاذكوني، وهو كذاب ". قلت: وروايته مثل هذا الحديث مما يدل على كذبه، فإنه حديث

باطل معارض للحديث الصحيح: " ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي [حسن الصوت] وفي لفظ: حسن الترنم يتغنى بالقرآن [يجهر به] ". رواه الشيخان والطحاوي وغيرهما كما في كتابي صفة النبي صلى الله عليه وسلم (ص 130 الطبعة السابعة) .

 

(2/38)

 

 

562 - " كان يمكن جبهته وأنفه من الأرض، ثم يقوم كأنه السهم لا يعتمد على يديه ".

موضوع.

قال الهيثمي (2 / 135) : " رواه الطبراني في الكبير عن معاذ بن جبل وفيه الخصيب بن جحدر، وهو كذاب ".

قلت: وهذا الحديث مما يدل على كذبه، روى البخاري في " صحيحه " (1 / 241) عنه صلى الله عليه وسلم: " أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام ".

فهذا خلاف ما روى هذا الكذاب. وهذه الجلسة هي المعروفة بجلسة الاستراحة وهي سنة، وقد رواها بضعة عشر صحابيا عند أبي داود وغيره بسند صحيح، فلا التفات إلى من أنكر استحبابها وزعم أنه صلى الله عليه وسلم إنما فعلها لحاجة أو شيخوخة! وأما تمكين الأنف والجبهة من الأرض، فثابت في غير ما حديث صحيح من فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، ولذلك أوردته في " صفة النبي صلى الله عليه وسلم " مخرجا، فراجعه إن شئت (ص 149) .

 

(2/38)

 

 

563 - " ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء، كما يتأذى الحي بجار السوء ".

موضوع.

رواه القاضي أبو عبد الله الفلاكي في " الفوائد " (91 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 354) من طريق سليمان بن عيسى: حدثنا مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وقال أبو نعيم:

 

(2/38)

 

 

" غريب من حديث مالك لم نكتبه إلا من هذا الوجه ".

قلت: وسليمان هذا كذاب، كما تقدم غير مرة، قال المناوي: " ومن ثم أورد الجوزقاني الحديث في " الموضوعات "، وكذا ابن الجوزي وتعقبه المؤلف، وغاية ما أتى به أن له شاهد حاله كحاله! ".

564 - " الفقر أزين على المؤمن وأحسن من العذار على خد الفرس ".

ضعيف.

وله طرق:

الأول: عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن سعد بن مسعود الكندي مرفوعا. أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (181 / 2 من الكواكب 575 ورقم 568 - ط) والحربي في " الغريب " (5 / 52 / 1) وأبو القاسم

الهمداني في " الفوائد " (1 / 202 / 2) . وهذا إسناد ضعيف جدا، من أجل ابن أنعم هذا، وقد مضى القول فيه مرارا، واتهمه ابن حبان فقال (2 / 53) : " كان يروي الموضوعات عن الثقات، ويأتي عن الأثبات بما ليس من أحاديثهم، وكان يدلس عن محمد بن سعيد بن أبي قيس المصلوب ". والحديث أورده السيوطي في " الذيل " (رقم 803 بترقيمي) من رواية ابن عدي وحكى قوله فيه إنه حديث منكر، فتعقبه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (359 / 1) بأن هذا لا يقتضي أن يكون موضوعا.

ثم ذكر له الشاهد الآتي عن شداد، وآخر تقدم بلفظ: " تحفة المؤمن الفقر ". ومن عجائب السيوطي وتناقضه أنه أورد الحديث في " الجامع الصغير " أيضا! من طريق الطبراني، مع أنه في " الذيل " حكم بوضعه! ثم إن سعد بن مسعود الكندي مختلف في صحبته كما في " الإصابة " فراجعه إن شئت.

الثاني: عن أحمد بن عمار: حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.

رواه القاضي الفلاكي (90 / 2) . وهذا ضعيف جدا أيضا، ابن عمار هذا هو الدمشقي أخوهشام بن عمار، قال الدارقطني: " متروك ". وساق له في " الميزان " حديثا ثم قال: " هذا منكر ".

الثالث: عن شداد بن أنس. رواه الطبراني بسند ضعيف كما في " المغني " للحافظ العراقي (4 / 169) ثم قال: " والمعروف أنه من كلام عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، رواه ابن عدي في الكامل هكذا ".

 

(2/39)

 

 

565 - " من اتخذ مغفرا ليجاهد به في سبيل الله غفر الله له، ومن اتخذ بيضة بيض الله وجهه يوم القيامة، ومن اتخذ درعا كانت له سترا من النار يوم القيامة ".

منكرا جدا.

أخرجه الخطيب (7 / 128) من طريق بشران بن عبد الملك البغدادي: حدثنا أبو عبد الرحمن دهثم بن جناح: حدثنا عبيد الله بن ضرار عن أبيه عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: "منكر جدا مع إرساله، والحمل فيه على من بين بشران والحسن، فإنهم ملطيون، وقد حدثني محمد بن علي الصوري قال: سمعت عبد الغني بن سعيد المصري الحافظ يقول: ليس في الملطيين ثقة ".

وأقره الحافظ في ترجمة دهثم من اللسان ". وعبيد

الله بن ضرار قال الذهبي: " لا يحتج به ولا كرامة ". وأبوه ضرار وهو ابن

عمرو الملطي، قال الذهبي في " المغني ": " متروك الحديث ".

 

(2/40)

 

 

566 - " إن لي حرفتين اثنتين، فمن أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني: الفقر والجهاد ".

لا أصل له.

قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 168) : " لم أجد له أصلا ". قلت: وهو منكر عندي، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ من الفقر، فكيف يعقل أن يحض صلى الله عليه وسلم أمته على حب ما تعوذ منه؟! .

 

(2/40)

 

 

567 - " خير هذه الأمة فقراؤها، وأسرعها تضجعا في الجنة ضعفاؤها ".

لا أصل له.

وقال الحافظ العراقي أيضا (4 / 168) " لم أجد له أصلا ".

 

(2/40)

 

 

568 - " من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له ".

موضوع.

أورده ابن طاهر في " تذكرة الموضوعات " (ص 87) وقال: " فيه مأمون بن أحمد الهروي، دجال يضع الحديث ". وقال الذهبي فيه:

 

(2/40)

 

 

" أتى بطامات وفضائح، وضع على الثقات أحاديث هذا منها ".

وفي " اللسان ": " وقال أبو نعيم: " خبيث وضاع، يأتي عن الثقات بالموضوعات ".

قلت: ويظهر لي من الأحاديث التي افتراها أنه حنفي المذهب، متعصب هالك، فإن الأحاديث التي أوردها في ترجمته كلها تدور على الانتصار للإمام أبي حنيفة، والطعن في الإمام الشافعي، فمنها هذا الحديث فهو طعن صريح في المذهب الشافعي الذي يقول بمشروعية رفع اليدين عند الركوع والرفع منه وهو الحق الذي لا ريب فيه كما يأتي، وانتصار مكشوف لمذهب الحنفية القائل بكراهة ذلك، فلم يكتف هذا الخبيث بما عليه مذهبه من القول بالكراهة حتى افترى هذا الحديث، ليشيع بين الناس أن الرفع مبطل للصلاة، ولعله أراد بذلك أن يؤيد رواية مكحول عن أبي حنيفة أنه قال:

من رفع يديه في الصلاة فسدت صلاته " وهذه الرواية اغتر بها أمير كاتب الاتقاني فبنى عليها رسالة ألفها لبيان بطلان الصلاة بالرفع!

وكذا اغتر بها من سلك مسلكه فحكم بعدم جواز اقتداء الحنفي بالشافعي لأنهم يرفعون أيديهم! مع أن هذه الرواية عن أبي حنيفة باطلة كما حققه العلامة أبو الحسنات اللكنوي في " الفوائد البهية، في تراجم الحنفية " (ص 116، 216، 217) .

وهذا الحديث أورده الشيخ القاريء في " موضوعاته " وقال (ص 81) : " هذا الحديث وضعه محمد بن عكاشة الكرماني قبحه الله ". ثم نقل (ص 129) عن ابن القيم أنه قال: " إنه موضوع ".

قلت: وهذا يخالف ما تقدم أن الواضع له الهروي، فإن ثبت هذا فلعل أحدهما سرقه من الآخر! فتأمل ما يفعل عدم الاعتناء بالسنة، وترك التثبت في الرواية عنه صلى الله عليه وسلم وعن علماء الأمة. (فائدة) الرفع عند الركوع والرفع منه، ورد فيه أحاديث كثيرة جدا عنه صلى الله عليه وسلم، بل هي متواترة عند العلماء بل ثبت الرفع عنه صلى الله عليه وسلم مع كل تكبيرة في أحاديث كثيرة ولم يصح الترك عنه صلى الله عليه وسلم إلا من طريق ابن مسعود رضي الله عنه، فلا ينبغي العمل به لأنه ناف، وقد تقرر عند الحنفية وغيرهم: أن المثبت مقدم على النافي، هذا إذا كان المثبت واحدا فكيف إذا كانوا جماعة كما في هذه المسألة؟ فيلزمهم عملا بهذه القاعدة مع انتفاء المعارض أن يأخذوا بالرفع، وأن لا يتعصبوا للمذهب بعد قيام الحجة، ولكن المؤسف أنه لم يأخذ به منهم إلا أفراد من المتقدمين والمتأخرين حتى صار الترك شعارا لهم! . هذا ومن موضوعات الهروي المذكور آنفا:

569 - " من قرأ خلف الإمام ملئ فوه نارا ".

موضوع.

أورده ابن طاهر في " التذكرة " (ص 93) وقال: " فيه مأمون بن أحمد الهروي دجال يروي الموضوعات ".

 

(2/41)

 

 

قلت: وقد سبقت ترجمته في الحديث الذي قبله. والحديث رواه ابن حبان في ترجمته من " الضعفاء "، وعده الذهبي من طاماته! وقد اغتر بالحديث بعض الحنفية فاحتج به على تحريم القراءة وراء الإمام مطلقا! قال أبو الحسنات اللكنوي في " التعليق الممجد على موطأ محمد " (ص 99) : " ذكره صاحب " النهاية " وغيره مرفوعا بلفظ " ففي فيه جمرة " ولا أصل له ". وقال قبيل ذلك: " لم يرد في حديث مرفوع صحيح النهي عن قراءة

الفاتحة خلف الإمام وكل ما ذكروه مرفوعا فيه، إما لا أصل له وإما لا يصح ".

ثم ذكر الحديث بلفظيه مثالا على ذلك. هذا وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في القراءة وراء الإمام على أقوال ثلاثة:

1 - وجوب القراءة في الجهرية والسرية.

2 - وجوب السكوت فيهما.

3 - القراءة في السرية دون الجهرية.

وهذا الأخير أعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب وبه تجتمع جميع الأدلة بحيث لا يرد شيء منها وهو مذهب مالك وأحمد، وهو الذي رجحه بعض الحنفية، منهم أبو الحسنات اللكنوي في كتابه المذكور آنفا، فليرجع إليه من شاء التحقيق.

هذا ومن موضوعات هذا الدجال في الطعن على الإمام الشافعي في شخصه:

570 - " يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي ".

موضوع.

أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 457) من طريق مأمون بن أحمد السلمي: حدثنا أحمد بن عبد الله الجويباري: أنبأنا عبد الله بن معدان الأزدي عن أنس مرفوعا وقال: " موضوع، وضعه مأمون أو الجويباري، وذكر الحاكم في " المدخل " أن مأمونا قيل له: ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه؟ فقال: حدثنا أحمد إلى آخره، فبان بهذا أنه الواضع له "، قلت: وزاد في " اللسان ": " ثم قال الحاكم: ومثل هذه الأحاديث يشهد من رزقه الله أدنى معرفة بأنها موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

قلت: وللحديث طرق أخرى، لا يفرح بها إلا الهلكى في التعصب لأبي حنيفة ولو برواية الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الطرق المشار إليها مدارها على بعض الكذابين والمجهولين. فمن

 

(2/42)

 

 

الغريب جدا أن يميل العلامة العيني إلى تقوية الحديث بها، وأن ينتصر له الشيخ الكوثري، ولا عجب منه في ذلك،

فإنه مشهور بإغراقه في التعصب للإمام رحمه الله، ولوعلى حساب الطعن في الأئمة الآخرين، وإنما العجب من العيني، فإنه غير مشهور بذلك، وقد رد عليهما، وتكلم على الطرق المشار إليها بما لا تراه مجموعا في كتاب العلامة

المحقق المعلمي اليماني في كتابه القيم " التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل " (ج 1 / 20، 446 - 449 - بتحقيقي) .

571 - " كم من حوراء عيناء ما كان مهرها إلا قبضة من حنطة، أو مثلها من تمر ".

موضوع.

رواه العقيلي في " الضعفاء " (ص 13) وعنه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 253) وابن حبان في " الضعفاء " (1 / 84) عن أبان بن المحبر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. ذكراه في ترجمة أبان هذا وقال العقيلي:

" شامي منكر الحديث ".

وقال ابن حبان: " روى عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، حتى لا يشك المتبحر في هذه الصناعة أنه كان يعملها، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه ". وقال في حديثه هذا: " باطل ".

ونقل العسقلاني في " اللسان " عن العقيلي أنه قال: " لا يتابعه عليه إلا من هو مثله أو دونه ".

وهذه الجملة ليست في نسختنا من " الضعفاء " للعقيلي والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 22) : قال أبي: هذا حديث باطل، وأبان هذا مجهول ضعيف الحديث ". وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 253) فأصاب، قال المناوي: " وأقره عليه المؤلف - يعني السيوطي - في " مختصرها " فلم يتعقبه ". انظر " اللآلي " للسيوطي (2 / 452) .

 

(2/43)

 

 

572 - " ثلاث من كن فيه أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، الوضوء على المكاره، والمشي إلى المساجد في الظلم، وإطعام الجائع ".

موضوع.

أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أبي الشيخ في " الثواب " والأصبهاني في " الترغيب " عن جابر. وبجانبه الإشارة إلى ضعفه. ولم يتعقبه المناوي هنا بشيء مطلقا، فكأنه لم يستحضر إسناده، مع أن الحديث عند مخرجيه تمام حديث أوله عند الترمذي بلفظ:

 

(2/43)

 

 

(ثلاث من كن فيه نشر الله عليه كنفه....) كما تقدم بيانه عن المنذري تحت الحديث (رقم 92) .

وحديث الترجمة أورده السيوطي مفصولا مستقلا عن تمامه هذا، وتعقبه المناوي تحت حديث الترمذي: بأن فيه: " عبد الله بن إبراهيم الغفاري قال المزي: متهم. أي بالوضع ".

فإذا كان الأمر كذلك وكان الحديثان في الأصل حديثا واحدا، فذلك يقتضي أن يعطى لهما حكم واحد، وهو الوضع، ولوكان طريق حديث الترجمة غير طريق الحديث المتقدم لنبه عليه المنذري، كما هو شأن المحدثين في مثل هذا الأمر، فلم يتنبه المناوي لهذا التحقيق، ولذلك لم يتعقبه بشيء. والله الموفق.

573 - " من صلى خلف عالم تقي، فكأنما صلى خلف نبي ".

لا أصل له.

وقد أشار لذلك الحافظ الزيلعي بقوله في " نصب الراية " (2 / 26) : " غريب ". وهذه عادته في الأحاديث التي تقع في " الهداية " ولا أصل لها، فيما كان من هذا النوع: " غريب "! . فاحفظ هذا فإنه اصطلاح خاص به.

 

(2/44)

 

 

574 - " إنما يفعل هذا (يعني تقبيل اليد) الأعاجم بملوكها، وإني لست بملك، إنما أنا رجل منكم ".

موضوع.

وهو قطعة من حديث سبق الكلام على إسناده فراجع الحديث (89) .

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم تقبيل بعض الناس ليده صلى الله عليه وسلم. ولم ينكر ذلك عليهم، فدل على جواز تقبيل يد العالم. وقد فعل ذلك السلف مع أفاضلهم، وفيه عدة آثار تراها في كتاب " القبل والمعانقة " لأبي سعيد ابن الأعرابي تلميذ أبي داود وفي " الأدب المفرد " للبخاري (ص 142) .

لكن ليس معنى ذلك أن يتخذ العلماء تقبيل الناس لأيديهم عادة، فلا يلقاهم أحد إلا قبل يدهم - كما يفعل هذا بعضهم - فإن ذلك خلاف هديه صلى الله عليه وسلم قطعا، لأنه لم يفعل ذلك معه إلا القليل من الصحابة الذين لا يعرفون هديه صلى الله عليه وسلم وما هو أحب إليه كالمصافحة. ولذلك لم يرد أن المقربين منه العارفين به مثل أبي بكر وغيره من العشرة المبشرين بالجنة كانوا يقبلون يده الشريفة، وهذا خلاف ما عليه بعض المشايخ، ولو لم يكن في عادتهم هذه إلا تقبيح السنة القولية والعملية التي حض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهي المصافحة لكفى.

ومن العجيب أن بعضهم يغضب أشد الغضب إذا لم تقبل يده، وما هو إلا شيء جائز فقط، ولا يغضب مطلقا إذا تركت المصافحة مع أنها مستحبة وفيها أجر كبير، وما ذلك إلا من آثار حب النفس واتباع الهوى. نسأل الله الحماية والسلامة.

 

(2/44)

 

 

575 - " ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ".

منكر.

قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 63) بعد أن ذكره من حديث عمر: " رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمر بن هارون وهو ضعيف ".

قلت: بل هو كذاب كما تقدم غير مرة. لكن الحديث له طريق أخرى، ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 220 - 221) من طريق عراك بن خالد: حدثني أبي قال: سمعت إبراهيم بن أبي عبلة يحدث عن عبادة بن الصامت مرفوعا به. وقال: " قال أبي: حديث منكر، وإبراهيم لم يدرك عبادة، وعراك منكر الحديث ".

 

(2/45)

 

 

576 - " إنما أتي داود عليه السلام من النظرة ".

موضوع.

رواه أبو بكر بن أبي علي المعدل في " الأمالي " (ق 12 / 1) وأبو نعيم في " نسخة أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط " (ق 158 / 2) حدثني أبي إسحاق قال: حدثني إبراهيم بن نبيط عن نبيط مرفوعا. وهذه

النسخة قال الذهبي: " فيها بلايا، وأحمد بن إسحاق لا يحل الاحتجاج به، فإنه كذاب ". وأقره الحافظ في " اللسان ". وكتب بعض المحدثين على هذه " الأمالي " بجانب الحديث: " موضوع ". وقد سبق الحديث بلفظ: " كان خطيئة داود عليه السلام النظر " رقم (312) .

 

(2/45)

 

 

577 - " إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تودع منهم ".

ضعيف.

أخرجه أحمد (رقم 6520) والحاكم (4 / 96) من طريق أبي الزبير عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. قال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.

وأقول كلا ليس بصحيح، فإن أبا الزبير لم يسمع من ابن عمرو كما قال ابن معين وأبو حاتم، وكأن الحاكم تنبه لهذا فيما بعد فإنه روى (4 / 445) بهذا الإسناد حديثا آخر ثم قال:

 

(2/45)

 

 

" إن كان أبو الزبير سمع من عبد الله بن عمر [و] ، فإنه صحيح " ووافقه الذهبي. وأما ترجيح صديقنا الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله في " التعليق على المسند " أن أبا الزبير سمع منه، فليس بقوي عندي. ذلك لأنه

بناه على رواية ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: " رأيت العبادلة يرجعون على صدورهم أقدامهم في الصلاة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس ".

وابن لهيعة عندنا ضعيف لسوء حفظه، ولذلك ضعفه الجمهور، فلا حجة في روايته لهذه الرؤية، سيما وهي مخالفة لما سبق عن الإمامين ابن معين وأبي حاتم. ثم لوسلمنا بثبوت سماع أبي الزبير من ابن عمرو في الجملة، لما لزم منه اتصال إسناد هذا الحديث وثبوته، لأن أبا الزبير مدلس يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه وقصته في ذلك مع الليث ابن سعد مشهورة.

ولذلك فإني أقطع بضعف هذا الإسناد. والله أعلم.

وبعد كتابة ما تقدم رأيت أبا الشيخ روى الحديث في جزء " أحاديث أبي الزبير عن غير جابر " (11 / 1) من هذا الوجه، ثم رواه (15 / 2) من طريق أبي الزبير عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمر (كذا بدون واوبعد الراء) مرفوعا، فثبت أن أبا الزبير لم يسمعه من عبد الله بن عمرو وأن بينهما عمرو بن شعيب، ثم هو على هذا الوجه الآخر منقطع أيضا لأن عمرو بن شعيب لم يسمع من جد أبيه عبد الله بن عمرو. نعم للحديث شاهد لولا شدة ضعفه لحكمت على الحديث بالحسن، عزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني في " الأوسط " عن جابر، قال المناوي: " وفيه سيف بن هارون ضعفه النسائي والدارقطني ". قلت: قال الدارقطني في " سؤالات البرقاني عنه " (رقم 196 بترقيمي) : " ضعيف، كوفي متروك ".

قلت: فهو شديد الضعف. والله أعلم.

578 - " أحبوا العرب وبقاءهم، فإن بقاءهم نور في الإسلام، وإن فناءهم ظلمة في الإسلام ".

ضعيف.

رواه أبو نعيم في " نسخة أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن شريط " (ق 108 / 1) : حدثني أبي إسحاق قال: حدثني إبراهيم بن نبيط عن جده نبيط مرفوعا.

قلت: وهذه النسخة فيها بلايا كما تقدم في الحديث الذي قبله. لكن له طريق آخر رواه أبو الشيخ في " كتاب الثواب وفضائل الأعمال " قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الجعد: حدثنا منصور بن أبي مزاحم: حدثنا محمد بن الخطاب عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي هريرة مرفوعا به.

 

(2/46)

 

 

ذكره الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (5 / 2) ثم قال: " ليس في إسناده محل نظر إلا أن محمد بن الخطاب بن جبير بن حية الثقفي الجبيري البصري ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "، وأن أباه أبا حاتم قال: " لا أعرفه ". وقال الأزدي: " منكر الحديث ".

والأزدي ليس بعمدة، وقد زالت جهالة عينه برواية جماعة عنه، فقد روى عنه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وأبو سلمة المنقري، ومنصور بن أبي مزاحم، ذكره ابن حبان في " الثقات ". قلت: وهو الذي روى حديث " إذا ذلت العرب ذل الإسلام " وقد سبق بيان حاله برقم (163) ، وقد أورده العراقي في عقب هذا الحديث، ثم أحال في معرفة ترجمة محمد بن الخطاب عليه.

وقد ذكر تحته ما يتلخص منه أنه مجهول الحال، كما سبق بيانه هناك. ثم وجدت له متابعا، فقال أبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " (ق 160 / 1) : حدثنا أبو زفر قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا محمد بن عبد الصمد بن جابر الضبي قال: حدثني أبي عن عطاء بن أبي ميمونة به. قلت: وهذه متابعة واهية فإن عبد الصمد بن جابر الضبي سئل عنه ابن معين فقال: " ضعيف "، وقال ابن حبان (2 / 142) : " يخطيء كثيرا ويهم فيما يروي على قلة روايته ". وابنه محمد بن عبد الصمد، قال الذهبي: " صاحب مناكير، ولم يترك ".

وأبو زفر هو هذيل بن عبيد الله بن عبد الله بن قدامة الضبي، وفي ترجمته أورد له أبو الشيخ هذا الحديث، وقال: " مات سنة اثنين وعشرين وثلاثمائة " ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ثم بدا لي أن فيه علة أخرى، وهي الانقطاع بين عطاء هذا وأبي هريرة، فإنهم لم يذكروا له رواية عنه أصلا، ويبعد أن يكون سمع منه، بل لعله ولد بعد وفاة أبي هريرة، فإن بين وفاتيهما اثنتين وسبعين سنة على الأقل، فإن أبا هريرة توفي سنة سبع، وقيل ثمان: وقيل: تسع وخمسين، ومات عطاء سنة إحدى وثلاثين ومائة. ولما كانت الطريق الأولى للحديث عن نبيط بن شريط واهية جدا، فإن الحديث يظل على ضعفه. والله أعلم.

579 - " هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم. يعني يوم ذي قار ".

ضعيف.

رواه ابن قانع في " معجم الصحابة " (12 / 2) عن سليمان بن داود المنقري حدثنا يحيى بن يمان: حدثنا أبو عبد الله التيمي عن عبد الله بن الأخرم عن أبيه - وكانت له صحبة -

 

(2/47)

 

 

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره. قلت: وهذا سند موضوع، سليمان هذا هو الشاذكوني كذاب، كذبه في الحديث ابن معين وصالح جزرة. ويحيى بن يمان ضعيف. وشيخه أبو عبد الله التيمي لم أعرفه. وقد رواه الشاذكوني بإسناد آخر أقرب إلى الصواب من هذا فقال الطبراني في " المعجم الكبير " (62 / 2) :

حدثنا أبو مسلم الكشي: أخبرنا سليمان بن داود الشاذكوني أخبرنا محمد بن سواء: حدثني الأشهب الضبعي: حدثني بشير بن يزيد الضبعي - وكان قد أدرك الجاهلية - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذي قار فذكره. قال الهيثمي (6 / 211) بعد أن عزاه للطبراني:

" وفيه سليمان بن داود الشاذكوني وهو ضعيف ". قلت بل: كذاب كما عرفت، ولكني وجدت له متابعا قويا، فقال خليفة بن خياط في " كتاب الطبقات " (12 / 1) : حدثني محمد بن سواء به. وخليفة هذا ثقة احتج به البخاري وهو أخباري علامة.

والأشهب الضبعي مجهول أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 1342) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وبشير بن يزيد الضبعي، قال ابن أبي حاتم عن أبيه: " أدرك الجاهلية له صحبة " وقال البغوي: " لم أسمع به إلا في هذا الحديث ".

ثم ساقه من طريق الأشهب الضبعي به. وقال الحافظ في " الإصابة ": " وأخرجه بقي بن مخلد في " مسنده " من هذا الوجه، وكذلك البخاري في " تاريخه " وذكره ابن حبان في التابعين فقال: شيخ قديم أدرك الجاهلية يروي المراسيل. قلت: وليس في شيء من طرق حديثه له سماع ".

ثم رواه خليفة من الطريق الأول فقال: وحدثني أبو أمية عمر بن المنخل السدوسي قال: حدثنا يحيى بن اليمان العجلي عن رجل من بني تيم اللات عن عبد الله بن الأخرم به.

قلت: فالظاهر أنه لم تثبت صحبته، وعليه فالحديث له علتان: الإرسال والجهالة. والله أعلم.

فائدة: قال الحافظ: " ويوم ذي قار من أيام العرب المشهورة كان بين جيش كسرى وبين بكر بن وائل لأسباب يطول شرحها، قد ذكرها الأخباريون، وذكر ابن الكلبي أنها كانت بعد وقعة بدر بأشهر، قال: وأخبرني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: ذكرت وقعة ذي قار عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

ذاك أول يوم انتصف فيه العرب من العجم، وبي نصروا ".

 

(2/48)

 

 

قلت: هذه الكلمة " وبي نصروا " رواها الطبراني من طريق خالد بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده فذكر قصة إرسال النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى بكر بن وائل وعرضه الإسلام عليهم وفيه: قالوا: حتى يجيء شيخنا فلان - قال خلاد: " أحسبه قال: المثنى بن خارجة - فلما جاء شيخهم عرض عليهم أبو بكر رضي الله عنه، قال: إن بيننا وبين الفرس حربا فإذا فرغنا مما بيننا وبينها عدنا فنظرنا، فقال أبو بكر:

أرأيت إن غلبتموهم أتتبعنا على أمرنا؟ قال: لا نشترط لك هذا علينا، ولكن إذا فرغنا فيما بيننا وبينهم عدنا فنظرنا فيما نقول، فلما التقوا يوم ذي قار هم والفرس قال شيخهم: ما اسم الرجل الذي دعاكم إلى الله؟ قالوا: محمد، قالوا: هو شعاركم فنصروا على القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بي نصروا. قال الهيثمي (6 / 211) : " ورجاله ثقات رجال الصحيح غير خلاد بن عيسى وهو ثقة ".

(تنبيه) : بلغ جهل بعض الناس بالتاريخ والسيرة النبوية في هذا العصر أن أحدهم طبع منشورا يرد فيه على صديقنا الفاضل الأستاذ علي الطنطاوي طلبه من الإذاعة أن تمتنع من إذاعة ما يسمونه بالأناشيد النبوية، لما فيها من وصف جمال النبي صلى الله عليه وسلم بعبارات لا تليق بمقامه صلى الله عليه وسلم، بل فيها ما هو أفظع من ذلك من مثل الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم من دون الله تبارك وتعالى، فكتب المشار إليه في نشرته ما نصه بالحرف (ص 4) : " وها هي (!) الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا يستصحبون بعض نسائهم لخدمة أنفسهم في الغزوات والحروب، وكانوا يضمدون (!) الجرحى ويهيئون (!) لهم الطعام، وكانوا يوم ذي قار عند اشتداد وطيس الحرب بين الإسلام والفرس كانت النساء تهزج أهازيج وتبعث الحماس في النفوس بقولها: إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق. أو تدبروا نفارق فراق غير وامق. فانظر إلى هذا الجهل ما أبعد مداه! .

فقد جعل المعركة بين الإسلام والفرس، وإنما هي بين المشركين والفرس، ونسب النشيد المذكور لنساء المسلمين في تلك المعركة! وإنما هو لنساء المشركين في غزوة أحد! كن يحمسن المشركين على المسلمين كما هو مروي في كتب السيرة! فقد خلط بين حادثتين متباينتين، وركب منهما ما لا أصل له البتة بجهله أو تجاهله ليتخذ من ذلك دليلا على جواز الأناشيد المزعومة، ولا دليل في ذلك - لوثبت - مطلقا إذ أن الخلاف بين الطنطاوي ومخالفيه ليس هو مجرد مدح النبي بل إنما هو فيما يقترن بمدحه مما لا يليق شرعا كما سبقت الإشارة إليه وغير ذلك مما لا مجال الآن لبيانه، ولكن صدق من قال: " حبك الشيء يعمي ويصم " فهؤلاء أحبوا الأناشيد النبوية وقد يكون بعضهم مخلصا في ذلك غير

 

(2/49)

 

 

مغرض فأعماهم ذلك عما اقترن بها من المخالفات الشرعية. ثم إن هذا الرجل اشترك مع رجلين آخرين في تأليف رسالة ضدنا أسموها " الإصابة في نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة " حشوها بالافتراءات والجهالات التي تنبيء عن هوى وقلة دراية، فحملني ذلك على أن ألفت في الرد عليهم كتابا أسميته " تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة " موزعا على ست رسائل صدر منها الرسالة الأولى وهي في بيان بعض افتراءاتهم وأخطائهم، والثانية في " صلاة التراويح " والثالثة في أن " صلاة العيدين في المصلى هي السنة " ثم أصدرنا الخامسة بعنوان " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ".

580 - " ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة، ثم تلا هذه الآية: (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) ".

ضعيف.

أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ليث عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعا. ورواه أبو الشيخ في " كتاب الثواب " كما في " الترغيب " (3 / 302) ، وذكره ابن كثير في " تفسيره " (3 / 436) وسكت عليه، وذلك لظهور ضعفه، فإن شهر بن حوشب ضعيف، وكذا الراوي عنه ليث وهو ابن أبي سليم،

وقد خولف في إسناده ومتنه فرواه عبيد الله بن أبي زياد عن شهر عن أسماء بنت يزيد مرفوعا نحوه مختصرا دون قوله: " ثم تلا ... ". أخرجه أحمد (6 / 461) وأبو الشيخ في " الفوائد " (80 / 2) .

وعبد الله بن أبي زياد فيه ضعف أيضا، قال الحافظ في " التقريب ": " ليس بالقوي ".

ومما ذكرنا تعلم أن قول المنذري: " رواه أحمد بإسناد حسن وابن أبي الدنيا والطبراني " غير حسن. لكن الحديث له طريق أخرى عن أم الدرداء مختصرا بلفظ: " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة ". أخرجه الترمذي (3 / 124) وأحمد (6 / 450) من طريق أبي بكر النهشلي عن مرزوق أبي بكر التيمي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعا به. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن ". قلت: لعله حسنه بالذي قبله،

وإلا فمرزوق هذا مجهول. قال الذهبي: " ما روى عنه سوى أبي بكر النهشلي ". وأبو بكر النهشلي قال الحافظ: " صدوق " والله أعلم.

 

(2/50)

 

 

581 - " إذا استشاط السلطان تسلط الشيطان ".

ضعيف.

أخرجه أحمد (4 / 226) عن عروة بن محمد قال: حدثني أبي عن جدي مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف عروة بن محمد وأبوه هما عندي مجهولا الحال، ولم يوثقهما غير ابن حبان على قاعدته! وقد قال الحافظ في الأول: " مقبول ". يعني عند المتابعة وقال في أبيه: " صدوق ". ولوأنه عكس لكان أقرب إلى الصواب عندي فإن هذا قال الذهبي فيه: " تفرد عنه ولده الأمير عروة " فكيف يكون صدوقا سيما ولم يوثقه من يعتبر توثيقه؟ وأما عروة فقد روى عنه جماعة لكنه لم يوثقه غير ابن حبان كما ذكرنا فبقي على الجهالة. ولا يغتر بقول الهيثمي (7 / 71) : " رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات ". فإنه يعني أنهم ثقات عند ابن حبان! .

 

(2/51)

 

 

582 - " إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ".

ضعيف.

أخرجه أحمد بالسند الذي قبله. وكذلك أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 8) وأبو داود (2 / 287) وابن عساكر (15 / 337 / 2) .

قلت: وسنده ضعيف فيه مجهولان، كما بينته آنفا. وقد سكت عنه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 145 و151) وابن حجر في " الفتح " (10 / 384) .

والحديث روي عن معاوية بلفظ: " الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، والماء يطفي النار، فإذا غضب أحدكم فليغتسل ". رواه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 130) وابن عساكر (16 / 365 / 1) عن الزبير بن بكار: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ياسين بن عبد الله بن عروة عن أبي مسلم الخولاني عن معاوية بن أبي سفيان أنه خطب الناس وقد حبس العطاء شهرين أو ثلاثة، فقال له أبو مسلم: يا معاوية إن هذا المال ليس بمالك ولا مال أبيك، ولا مال أمك، فأشار معاوية إلى الناس أن امكثوا، ونزل فاغتسل ثم رجع فقال: أيها الناس إن أبا مسلم ذكر أن هذا المال ليس بمالي ولا مال أبي ولا مال أمي، وصدق أبو مسلم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكر الحديث) اغدوا على عطاياكم على بركة الله عز وجل.

قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضا، ياسين بن عبد الله بن عروة لم أجد له ترجمة. وعبد المجيد بن عبد العزيز فيه ضعف، قال الحافظ:

 

(2/51)

 

 

صدوق يخطيء، وكان مرجئا، أفرط ابن حبان فقال: متروك ". قلت: لفظ ابن حبان (2 / 152) : " منكر الحديث جدا، يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك ".

583 - " أترعون عن ذكر الفاجر؟! اذكروه بما فيه يحذره الناس ".

موضوع.

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (72) وكذا ابن حبان (1 / 215) وأبو الحسن الحربي في " الأمالي " (245 / 1) وابن عدي (260 / 2) والمحاملي في " الأمالي " (ج 5 رقم 15) والبيهقي في " سننه " (10 / 215) والخطيب في " تاريخه " (1 / 382، 3 / 188 و7 / 262) وفي " الكفاية " (ص 42) وابن عساكر (12 / 7 / 2) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (21 / 1) والهروي في " ذم الكلام " (4 / 81 / 1) والسهمي في " تاريخه " (75) من طريق الجارود بن يزيد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا.

وقال العقيلي: " ليس له من حديث بهز أصل، ولا من حديث غيره، ولا يتابع عليه من طريق يثبت ".

وقال البيهقي: " هذا يعرف بالجارود بن يزيد النيسابوري وأنكره عليه أهل العلم بالحديث، سمعت أبا عبد الله الحافظ (يعني الحاكم) يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ غير مرة يقول: كان أبو بكر الجارودي إذا مر بقبر جده يقول: يا أبة لولم تحدث بحديث بهز بن حكيم لزرتك "! قال ابن عدي والبيهقي: " وقد سرقه عنه جماعة من الضعفاء فرووه عن بهز بن حكيم، ولم يصح فيه شيء ". وقال ابن حبان: " والخبر في أصله باطل، وهذه الطرق كلها بواطيل لا أصل لها ". وخفي هذا على الهروي فقال: " حديث حسن من حديث بهز وقد توبع جارود بن يزيد عليه "! وتبعه يوسف بن عبد الهادي في " جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر "! (2 / 2) .

وروى الخطيب عن أحمد أنه قيل له. رواه غيره؟ فقال: ما علمت. ثم ذكر الخطيب أنه روي عن جماعة ثم قال: " ولا يثبت عن واحد منهم ذلك، والمحفوظ أن الجارود تفرد به ". ثم روى عن البخاري أنه قال فيه: " منكر الحديث، كان أبو أسامة يرميه بالكذب ". وعن أبي داود: " غير ثقة " وقال الذهبي في " الميزان ": " وقال أبو حاتم: كذاب ". وفي " اللسان ":

 

(2/52)

 

 

" قال العقيلي: متروك الحديث، لأنه يكذب ويضع الحديث ". وذكر المناوي: أن الدارقطني قال في " علله ": " هو من وضع الجارود، ثم سرقه منه جمع ". وفي " الميزان " أنه " موضوع "، ونقله عنه في " الكبير " وأقره، لكن نقل الزركشي عن الهروي في " كتاب ذم الكلام " أنه حسن باعتبار شواهده "!

قلت: وهذا الاستدراك لا طائل تحته، لأنه ذهو ل عن الشرط الذي يجب تحققه في الشواهد حتى يتقوى الحديث بها وهو السلامة من الضعف الشديد الناتج من تهمة في الرواة، وهذا مفقود ههنا لما سبق في كلام الأئمة النقاد أن الحديث من وضع الجارود سرقه منه آخرون! ولهذا لما حكى السخاوي في " المقاصد " كلام الهروي السابق تعقبه بالرد فقال: " وليس كذلك، فقد قال الحاكم فيما نقله البيهقي في " الشعب ": إنه غير صحيح ولا معتمد ". ولهذا أورد الحديث ابن طاهر في " الموضوعات " (ص 3) وأعله بالجارود. قلت: وممن سرقه عنه سليمان بن عيسى السجزي فرواه عن سفيان، أخرجه ابن عدي (161 / 1) وقال: " وهذا عن الثوري عن بهز باطل والسجزي يضع الحديث ". وقد روي الحديث بلفظ آخر وهو:

584 - " ليس لفاسق غيبة ".

باطل.

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " وأبو الشيخ في " التاريخ " (ص 236) وابن عدي (ق 61 / 2) وأبو بكر ابن سلمان الفقيه في " مجلس من الأمالي " (15 / 2) وأبو بكر الدقاق في " حديثه " (2 / 42 / 2) والهروي في " ذم الكلام " (4 / 81 / 1) والقضاعي في " مسند الشهاب " (97 / 2) والواحدي في " التفسير " (4 / 82 / 1) وكذا الخطيب في " الكفاية " (ص 42) كل هؤلاء من طريق جعدبة بن يحيى الليثي: حدثنا العلاء بن بشر عن سفيان عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف جدا، جعدبة قال الدارقطني: " متروك ". والعلاء بن بشر ضعفه الأزدي. وذكره الحاكم فقال: " هذا الحديث غير صحيح "، وقال ابن حبان في " الثقات " في ترجمة العلاء: " روى عنه جعدبة بن يحيى مناكير ". وقال ابن عدي: " والعلاء بن بشر هذا لا يعرف، وهذا اللفظ غير معروف ". ونقل المناوي عنه عن أحمد أنه قال: " حديث منكر ".

 

(2/53)

 

 

قلت: وقد وجدت له طريقا أخرى، رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 239 - 240) عن محمد بن يعقوب: حدثنا إبراهيم بن سلام المكي: حدثنا ابن أبي فديك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا به. قلت: وهذا سند ضعيف محمد بن يعقوب هذا هو ابن أبي يعقوب أبو بكر ترجمه أبو نعيم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وإبراهيم بن سلام المكي لم أعرفه. والحديث ذكره ابن القيم في الموضوعات في كتابة " المنار " وقال (ص 61) : " قال الدارقطني والخطيب: قد روي من طرق وهو باطل ".

585 - " من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له ".

ضعيف جدا.

أخرجه عيسى بن علي الوزير في " ستة مجالس " (193 / 2) وأبو القاسم المهرواني في " الفوائد المنتخبة " (41 / 1) والبيهقي في " سننه " (10 / 210) والخطيب (8 / 438) وأبو محمد بن شيبان العدل في " الفوائد " (1

/ 220 / 1) والقضاعي (36 / 1) من طريق رواد بن الجراح أبي عصام العسقلاني:

حدثنا أبو سعد الساعدي عن أنس مرفوعا. وقال البيهقي: " ليس بالقوي "، وقال المهرواني: " غريب، ولم نكتبه إلا من حديث رواد بن الجراح ". قلت: وله علتان: الأولى: رواد هذا، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق اختلط بآخره فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد ". الثانية: أبو سعد هذا قال الذهبي في " الميزان ": " ليس بعمدة " ثم ساق له هذا الحديث، ثم قال: " وقد ذكره علي بن أحمد السليماني في من يضع الحديث ". وقال الدارقطني في " سؤالات البرقاني عنه " (رقم 574 - نسختي) : " مجهول يترك حديثه ". وللحديث طريق

أخرى عند الخطيب (4 / 171) وأبي بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (120 /2) عن الربيع بن بدر: حدثنا أبان عن أنس به. وهذا أشد ضعفا من الذي قبله: الربيع متروك، وأبان وهو ابن أبي عياش متهم بالوضع.

 

(2/54)

 

 

586 - " ليس مني ذوحسد ولا نميمة ولا كهانة، ولا أنا منه، ثم تلا هذه الآية (والذين يؤذون المؤمنين المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) ".

 

(2/54)

 

 

موضوع.

ذكره الهيثمي (8 / 91) من حديث عبد الله بن بسر ثم قال: " رواه الطبراني وفيه سليمان بن سلمة الخبائري وهو متروك ". قلت: وذلك لأنه متهم قال ابن الجنيد: " كان يكذب ". وساق له الذهبي حديثا وقال: " هذا

موضوع ".

587 - " ثلاثة من كن فيه آواه الله في كنفه، وستر عليه برحمته، وأدخله في محبته، من إذا أعطى شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر ".

موضوع.

رواه ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 93) والحاكم (1 / 125) والخطيب في " التلخيص " (76 - 2) عن عمر بن راشد مولى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان التيمي: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب القرشي عن هشام بن عروة عن محمد بن علي عن ابن عباس مرفوعا. قال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ورد الذهبي بقوله: " بل واه، فإن عمر قال فيه أبو حاتم: وجدت حديثه كذبا ".

قلت: وكنيته أبو حفص الجاري وقال ابن حبان: " يضع الحديث على الثقات، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه فكيف الرواية عنه؟! ". وقد أخرجه البيهقي في " الشعب " وقال عقبه: " عمر بن راشد هذا شيخ مجهول من أهل مصر يروي ما لا يتابع عليه ". ولهذا قال المناوي متعقبا على السيوطي الذي أورد الحديث في " الجامع الصغير ": " لم يصب في إيراده ". قلت: وله طريق أخرى عن ابن أبي ذئب به. أخرجه ابن عدي (331 / 1 - 2) : حدثنا أحمد بن داود بن أبي صالح حدثنا أبو مصعب المديني - يلقب مطرف -: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب به. وأحمد هذا قال ابن حبان (1 / 134) وابن طاهر: " يضع الحديث ".

 

(2/55)

 

 

588 - " من دفع غضبه دفع الله عنه عذابه، ومن حفظ لسانه ستر الله عورته، ومن اعتذر إلى الله قبل عذره ".

 

(2/55)

 

 

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 111) معلقا عن عبد السلام بن هاشم: حدثنا خالد بن برد عن أبيه عن أنس بن مالك مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد مكذوب، المتهم به عبد السلام بن هاشم هذا، قال فيه عمرو بن علي الفلاس: " لا أقطع على أحد بالكذب إلا عليه ". وقد تساهل الهيثمي في تضعيفه فقط فقال في " المجمع " (8 / 68) بعد أن ساق الحديث دون الجملة الأخيرة منه: " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبد السلام بن هاشم وهو ضعيف ".

ومن رواية الطبراني أورده السيوطي في " الجامع " وتعقبه المناوي بكلام الهيثمي الذي نقلته آنفا، إلا أنه وقع في نقله " ابن هلال " بدل " ابن هشام " وهو موافق لما ذكره الهيثمي في مكان آخر (8 / 70) وكأنه وهم منه، أو تحريف من بعض النساخ، إذ ليس في الرواة من يدعى عبد السلام بن هلال. والله أعلم. والحديث أشار المنذري (3 / 279) لضعفه أو وضعه.

589 - " لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم ".

ضعيف.

رواه أحمد (رقم 6647) من طريق ابن لهيعة قال: حدثنا عبد الله بن هبيرة عن أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمرو مرفوعا في حديث. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل ابن لهيعة فإنه ضعيف لسوء حفظه. والذي صح في هذه الباب ما أخرجه أبو داود (1 / 407) وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ". وسنده حسن، وله شواهد انظرها إن شئت في " المجمع " (5 / 255) ، وكلها بلفظ الأمر ليس في شيء منها " لا يحل ". فهذا مما تفرد به ابن لهيعة فهو ضعيف منكر. أقول هذا تحقيقا للرواية وبيانا للفرق

بين ما صح من الحديث وما لم يصح. فإنه يترتب على ذلك نتائج هامة أحيانا وذلك لأن لفظ: " لا يحل " نص في حرمة ترك التأمير، وأما لفظ الأمر فليس نصا في ذلك بل هو ظاهر، ولذلك اختلف العلماء في حكم التأمير فمن قائل بالندب، ومن قائل بالوجوب، ولوصح لفظ ابن لهيعة لكان قاطعا للنزاع. أقول هذا مع أنني أرى الأرجح الوجوب، لأنه الأصل في الأمر كما هو مقرر في علم الأصول، وممن قال بوجوب التأمير الغزالي في " الإحياء " (2 / 223) فيراجع كلامه فإنه مفيد.

 

(2/56)

 

 

590 - " من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ".

ضعيف جدا.

رواه أبو العباس الأصم في " جزء من حديثه " (193 / 1) ورقم (129

 

(2/56)

 

 

نسختي) وعلي بن الحسن بن إسماعيل العبدي في " حديثه " (156 / 1 - 2) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (42 / 1) عن سلم بن ميمون الخواص حدثنا زفر بن سليمان عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف جدا لما يأتي، واقتصر السيوطي في عزوه على البيهقي في " الشعب ". وقال المناوي: " وفيه سلم بن ميمون الخواص أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: قال ابن حبان: بطل الاحتجاج به.

وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه، عن (زافر) قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه، ووثقه ابن معين. عن (المثنى بن الصباح) ضعفه ابن معين، وقال النسائي: متروك ".

قلت: ومع هذا كله سكت الحافظ العراقي على الحديث في " تخريج الإحياء " (2 / 292) !

591 - " من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل، إلا وراء الإمام ".

ضعيف.

رواه القاضي أبو الحسن الخلعي في " الفوائد " (47 / 1) عن يحيى بن سلام: حدثنا مالك بن أنس عن وهب بن كيسان عن جابر مرفوعا.

قلت: ويحيى بن سلام ضعفه الدارقطني كما في " الميزان "، ونقل الزيلعي (1 / 10) عنه أعني الدارقطني أنه قال في " غرائب مالك ": " هذا باطل لا يصح عن مالك ".

قلت: والصواب أنه موقوف كذلك أخرجه الخلعي أيضا عن القعنبي، والبيهقي (2 / 160) عن ابن بكير، كلاهما عن مالك عن وهب عن جابر من قوله غير مرفوع، وقال البيهقي: " رفعه يحيى بن سلام وغيره من الضعفاء عن مالك، وذلك مما لا يحل روايته على طريقة الاحتجاج به ". قلت: والحديث صحيح بدون قوله: " إلا وراء الإمام " يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت، وقوله صلى الله عليه وسلم لـ " المسيء صلاته " بعد أن أمره بقراءة الفاتحة في الركعة الأولى: " ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها " رواه البخاري وغيره. لكن في معنى هذه الزيادة: " إلا وراء الإمام " قوله صلى الله عليه وسلم: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ".

 

(2/57)

 

 

وهو حديث صحيح عندنا له طرق كثيرة جدا وقد ساقها الزيلعي (2 / 6 - 11) ثم خرجتها في " الإرواء " رقم (493) ، وهي وإن كانت لا تخلومن ضعف، ولكنه ضعف منجبر، وقد صح إسناده عن عبد الله بن شداد مرسلا، والمرسل إذا جاء متصلا فهو حجة عند الإمام الشافعي وغيره فاللائق بأتباعه أن يأخذوا بهذا الحديث إذا أرادوا أن لا يخالفوه في أصوله! وهو من المخصصات لحديث عبادة بن الصامت، ولكنه يخصصه بالجهرية فقط، لا في السرية، لأن قراءة الإمام فيها لا تكون قراءة لمن خلفه، إذ أنهم لا يسمعونها فلا ينتفعون بقراءته، فلابد لهم من

القراءة السرية، وبذلك نكون عاملين بالحديثين ولا نرد أحدهما بالآخر. وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما أن القراءة فيها مشروعة دون الجهرية. وهو أعدل الأقوال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " ومن أراد التفصيل فليرجع إليها، وسبق شيء من هذا في الحديث (569) .

592 - " أسست السموات السبع والأرضون السبع على (قل هو الله أحد) ".

موضوع.

رواه أبو الحسن الخلعي في " الفوائد " (53 / 2) والدينوري في " المجالسة " (36 / 3 / 1) عن موسى بن محمد بن عطاء قال: حدثنا شهاب بن خراش الحوشبي قال: سمعت قتادة يقول: حدثني أنس بن مالك به مرفوعا. قلت: وهذا إسناد موضوع، موسى بن محمد بهذا هو الدمياطي المقدسي قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 161) : " قال أبي كان يكذب ويأتي بالأباطيل، وقال موسى بن سهل الرملي: أشهد عليه أنه كان يكذب، وقال أبو زرعة: كان يكذب ". وقال ابن حبان (2 / 241 - 242) : " كان يضع الحديث على الثقات، ويروي ما لا أصل له عن الأثبات ". وقال العقيلي (ص 410) : " يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات ". وبالجملة فهو ممن اتفقت كلمات الأئمة على تكذيبه واطراح حديثه، ولذلك قال الذهبي: إنه أحد التلفاء. ثم نقل تكذيب أبي زرعة وأبي حاتم له وقول ابن حبان فيه. ثم ذكر له أحاديث موضوعة هذا منها، ومع ذلك كله ووضوح حال الرجل لم يستحي السيوطي فأورد له هذا الحديث في " الجامع الصغير " الذي صانه بزعمه عما تفرد به كذاب أو وضاع! وقد أورده من رواية تمام عن أنس. وتعقبه المناوي بأنه فيه الدمياطي هذا ونقل التكذيب المذكور عن أبي زرعة وأبي حاتم. ومما يدل على كذبه أن الحديث رواه ابن الضريس في " فضائل القرآن " (3 / 110 / 1) من

 

(2/58)

 

 

طريق آخر عن كعب الأحبار من قوله، فرفعه هذا الكذاب بإسناد من عنده ألصقه به! ومن موضوعات هذا الكذاب: " الجنة تحت أقدام الأمهات، من شئن أدخلن، ومن شئن أخرجن ".

593 - " الجنة تحت أقدام الأمهات، من شئن أدخلن، ومن شئن أخرجن ".

موضوع.

رواه ابن عدي (325 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " عن موسى بن محمد بن عطاء: حدثنا أبو المليح حدثنا ميمون عن ابن عباس مرفوعا. وقال العقيلي: " هذا منكر ". نقله الحافظ في ترجمة " موسى بن عطاء " وهو كذاب كما سبق بيانه في الذي قبله. والشطر الأول من الحديث له طريق آخر، رواه أبو بكر الشافعي في " الرباعيات " (2 / 25 / 1) وأبو الشيخ في " الفوائد " وفي " التاريخ " (ص 253) والثعلبي في " تفسيره " (3 / 53 / 1) والقضاعي (2 / 2 / 1) والدولابي (2 / 138) عن منصور بن المهاجر عن أبي النضر الأبار عن أنس مرفوعا به. ومن هذا الوجه رواه الخطيب في " الجامع " كما في " فيض القدير " للمناوي وقال: " قال ابن طاهر: ومنصور وأبو النضر لا يعرفان، والحديث منكر، انتهى. فقول العامري في شرحه: " حسن " غير حسن ". ويغني عن هذا حديث معاوية بن جاهمة أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن

أغزووقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها. رواه النسائي (2 / 54) ، وغيره كالطبراني (1 / 225 / 2) . وسنده حسن إن شاء الله، وصححه الحاكم (4 / 151) ، ووافقه الذهبي، وأقره المنذري (3 / 214) .

 

(2/59)

 

 

594 - " هدية الله إلى المؤمن السائل على بابه ".

موضوع.

رواه تمام في " الفوائد " (9 / 167 / 2) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (62 / 2) عن أبي أيوب سليمان بن سلمة الخبائري: حدثنا سعيد بن موسى (وقال الضياء: ابن زيد الأزدي) : حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وعزاه السيوطي في " الجامع " للخطيب فقط في " رواة مالك " عن ابن عمر، وتعقبه المناوي بأن الخطيب قال: " وسعيد مجهول، والخبائري مشهور بالضعف ". قال المناوي: " قال في " الميزان " قلت: هذا موضوع، وسعيد هالك. اهـ. وأعاده في محل آخر وقال: هذا كذب. اهـ. وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح، وسعيد بن موسى اتهمه ابن حبان بالوضع ".

 

(2/59)

 

 

قلت: ولم يتفرد به سعيد بن زيد بل تابعه عند تمام سعيد بن أبي مريم، لكن الراوي عنه عبد السلام بن محمد الأموي قال الدارقطني: " ضعيف جدا " وقال: " منكر الحديث ". وقال الخطيب: " صاحب مناكير ". قلت: ولعله أراد أن يقول: " سعيد بن زيد " فقال: " سعيد بن أبي مريم " خطأ، وابن أبي مريم ثقة بخلاف الأول. قلت: ويحتمل أن ذلك من وهم أو وضع الخبائري، فقد رأيت ابن حبان أورد الحديث في " الضعفاء " (1 / 324) من طريقه قال: حدثنا سعيد بن موسى عن مالك به، وساق له حديثا آخر وقال: " لست أدري وضعه سعيد بن موسى أوسليمان بن سلمة، لأن الخبر في نفسه موضوع ". وتابعه أيضا موسى بن محمد الدمياطي وهو كذاب كما سبق قبل حديثين، رواه ابن عدي كما في " الميزان " وقال: " هذا كذب " وأقره الحافظ في " اللسان ". ومن طريقه رواه القضاعي في " مسند الشهاب " (5 / 2 / 3) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 135) .

595 - " إذا مدح الفاسق غضب الرب واهتز لذلك العرش ".

منكر.

رواه أبو الشيخ في " العوالي " (32 / 1) والخطيب في " تاريخه " (7 / 298 و8 / 428) من طريق أبي خلف خادم أنس عن أنس بن مالك مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه ابن أبي الدنيا في " ذم الغيبة " كما ذكره المناوي وقال: " أبو خلف قال الذهبي: قال يحيى: كذاب، وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال ابن حجر في " الفتح ": سنده ضعيف. (قال المناوي) : ورواه ابن عدي عن بريدة، قال العراقي: وسنده ضعيف. وفي " الميزان ": خبر منكر ".

 

(2/60)

 

 

596 - " الناس كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية، والمرء كثير بأخيه يرفده ويحمله، ولا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له ".

ضعيف جدا.

رواه ابن عدي (153 / 2) عن المسيب بن واضح: حدثنا سليمان بن عمرو: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك مرفوعا وقال: " وهذا الحديث وضعه سليمان على إسحاق ".

 

(2/60)

 

 

ومن طريقه رواه القضاعي (2 / 9 / 1) وابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 80) من طريق ابن عدي، وتعقبه السيوطي في " اللآلي " (2 / 290) بأن له طريقا أخرى. قلت: أخرجه الدولابي (1 / 168) وابن حبان في " المجروحين " (1 / 188 - 189) والخطابي في " غريب الحديث " (119 / 2) وابن عساكر (2 / 119 / و3 / 205 / 2) وأبو نعيم ببعضه (10 / 25) من طرق عن بكار بن شعيب أبي خزيمة العبدي قال: حدثنا عبد العزيز ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد مرفوعا به.

وهذا سند ضعيف جدا بكار بن شعيب قال ابن حبان: " يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به ". ثم ساق له هذا الحديث منكرا له عليه كما قال الحافظ في " اللسان " وقال الجوزجاني: " وهو منكر جدا ".

لكن قال السيوطي: " وقد توبع بكار فقال ابن لال: حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب: حدثنا إبراهيم بن فهد: حدثنا محمد بن موسى حدثنا غياث بن عبد المجيد عن عمر بن سليم عن أبي حازم به.

قلت: وسكت عليه السيوطي، وهذه متابعة قوية لولا أن الطريق إليها مظلمة، فإن غياث بن عبد الحميد مجهول كما قال العقيلي: ومحمد بن موسى لم أعرفه، وفي طبقته بهذا الاسم جماعة. وإبراهيم بن فهد قال ابن عدي: " سائر أحاديثه مناكير، وهو مظلم الأمر ". وقال أبو الشيخ: " قال البردعي: ما رأيت أكذب منه ".

قال أبو الشيخ: " وكان مشايخنا مضعفونه ". قلت: فمثل هذا الطريق لا يستشهد به لشدة ضعفه. وقد وجدت له طريقا آخر عن سهل بن سعد، أخرجه أبو الشيخ في " أحاديث أبي الزبير عن غير جابر " (11 / 2) عن سهل بن عامر البجلي حدثنا ميمون بن عمرو البصري عن أبي الزبير عن سهل بن سعد مرفوعا. ولكنه واه جدا، سهل بن عامر هذا قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 202) : " قال أبي: وهو ضعيف، روى أحاديث بواطيل وكان يفتعل الأحاديث ". وفي معناه قول البخاري: " منكر الحديث ".

وأما ابن حبان فيبدو أنه لم يتبين له حقيقة أمره فلذلك أورده في " الثقات "! ووجدت له شاهدين آخرين متصل ومرسل.

أما المتصل فأخرجه ابن عساكر (3 / 205 / 2) عن بشر بن عون: حدثنا بكار بن تميم عن مكحول عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا موضوع بكار بن تميم مجهول، والآفة بشر بن عون قال ابن حبان (1 / 181) : " له نسخة عن بكار بن تميم عن مكحول نحو مائة حديث كلها موضوعة ".

 

(2/61)

 

 

وأما المرسل فأخرجه الخطيب (7 / 57) من طريق بشر بن غياث عن البراء بن عبد الله الغنوي عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا سند ضعيف جدا، بشر بن غياث، قال الذهبي: " مبتدع ضال لا ينبغي أن يروى عنه ولا كرامة ". " وفي الميزان ": " قال الأزدي: زائغ صاحب رأي، لا يقبل له قول، ولا يخرج حديثه ولا كرامة إذا كان عندنا على غير طريقة الإسلام ". ونقل عنه أنه كان ينكر عذاب القبر وسؤال الملكين والصراط والميزان. والبراء بن عبد الله الغنوي ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما.

والحسن هو البصري فهو مرسل، وعلى إرساله فالإسناد إليه غير صحيح. وبالجملة فالحديث ضعيف جدا، وليس في كل هذه الطرق ما يأخذ بعضده. والله أعلم.

ثم وجدت له طريقا ثانيا عن أنس، رواه ابن شاذان الأزجي في " حديثه " (2 / 105 / 2) عن رواد بن الجراح عن أبي سعد الساعدي عن أنس بن مالك مرفوعا. وهذا سند تالف! أبو سعد هذا قال الذهبي: " مجهول حدث عنه رواد بن الجراح وليس بعمدة، وقد ذكره علي بن أحمد السلماني في من يضع الحديث ".

597 - " نعم، خصال أربع: الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ وعدهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما. قاله لمن سأله: هل بقي من بر أبو ي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ ".

ضعيف.

رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في " الأدب " (1 / 151 / 1 - 2) : حدثنا الفضيل بن دكين: حدثنا ابن الغسيل: حدثني أسيد بن علي مولى أبي أسيد عن أبيه أنه سمع أبا أسيد قال: بينما أنا جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم

أتاه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي.... الحديث. ورواه الروياني في " مسنده " (251 / 1) والخطيب في " الموضح " (1 / 41 - 42) والواحدي (153 / 2) وأبو عبد الرحمن السلمي في " آداب الصحبة " (ص 41) من طرق أخرى عن عبد الرحمن بن الغسيل به.

وقد تابعه موسى بن يعقوب عن أسيد به إلا أنه قال: " أسيد " بالضم. أخرجه الخطيب وأشار إلى أنه خطأ وأن الصواب " أسيد " كما رواه ابن الغسيل. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات كلهم، غير علي مولى أبي أسيد لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يرو عنه غير ابنه أسيد، ولهذا قال الذهبي:

 

(2/62)

 

 

" لا يعرف "، وأشار إلى ذلك الحافظ بقوله: " مقبول ". وعنه رواه أبو داود (5142) وابن ماجة (3664) وأحمد (3 / 497 - 498) وابن حبان (2030) .

598 - " لما قدم المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن:

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ما دعا لله داع ".

ضعيف.

رواه أبو الحسن الخلعي في " الفوائد " (59 / 2) وكذا البيهقي في " دلائل النبوة " (2 / 233 - ط) عن الفضل بن الحباب قال: سمعت عبد الله بن محمد بن عائشة يقول فذكره. وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات، لكنه معضل سقط من إسناده ثلاثة رواة أو أكثر، فإن ابن عائشة هذا من شيوخ أحمد وقد أرسله.

وبذلك أعله الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 244) . ثم قال البيهقي كما في تاريخ ابن كثير (5 / 23) : " وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة لا أنه لما قدم المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك ". وهذا الذي حكاه البيهقي عن العلماء جزم به ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " (ص 251 تحقيق صاحبي الأستاذ خير الدين وانلي) ، لكن رده المحقق ابن القيم فقال في " الزاد " (3 / 13) : وهو وهم ظاهر لأن " ثنيات الوداع " إنما هي ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام ".

ومع هذا فلا يزال الناس يرو ن خلاف هذا التحقيق، على أن القصة برمتها غير ثابتة كما رأيت!

(تنبيه) : أورد الغزالي هذه القصة بزيادة: " بالدف والألحان " ولا أصل لها كما أشار لذلك الحافظ العراقي بقوله: " وليس فيه ذكر للدف والألحان ". وقد اغتر بهذه الزيادة بعضهم فأورد القصة بها، مستدلا على جواز الأناشيد النبوية المعروفة اليوم! فيقال له: " أثبت العرش ثم انقش "! على أنه لوصحت القصة لما كان فيها حجة على ما ذهبوا إليه كما سبقت الإشارة لهذا عند الحديث (579) فأغنى عن الإعادة.

 

(2/63)

 

 

599 - " إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه، فليقل: يا فلان ابن فلانة! فإنه سيسمع، فليقل: يا فلان ابن فلانة! فإنه سيستوي قاعدا، فليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه سيقول: أرشدني أرشدني رحمك الله، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول له: ما تصنع عند رجل قد لقن حجته؟ فيكون الله حجيجهما دونه ".

منكر.

أخرجه القاضي الخلعي في " الفوائد " (55 / 2) عن أبي الدرداء هاشم بن محمد الأنصاري: حدثنا عتبة بن السكن عن أبي زكريا عن جابر بن سعيد الأزدي قال: " دخلت على أبي أمامة الباهلي وهو في النزع، فقال لي: يا أبا سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا فإنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، لم أعرف أحد منهم غير عتبة بن السكن، قال الدارقطني: " متروك الحديث " وقال البيهقي: " واه منسوب إلى الوضع ". والحديث أورده الهيثمي (3 / 45) عن سعيد بن عبد الله الأزدي قال:

شهدت أبا أمامة ... الحديث.

وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " وفي إسناده جماعة لم أعرفهم ".

قلت: فاختلف في اسم الراوي عن أبي أمامة ففي رواية الخلعي أنه جابر بن سعيد الأزدي وفي رواية الطبراني أنه سعيد بن عبد الله الأزدي، وهذا أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 76) فقال: " سعيد الأزدي " لم ينسبه لأبيه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو في عداد المجهولين، فالعجب من قول الحافظ في " التلخيص " (5 / 243) بعد أن عزاه للطبراني: " وإسناده صالح، وقد قواه الضياء في " أحكامه " وأخرجه عبد العزيز في " الشافي ". والراوي عن أبي أمامة سعيد الأزدي بيض له ابن أبي حاتم "!

 

(2/64)

 

 

فأنى لهذا الإسناد الصلاح والقوة وفيه هذا الرجل المجهول؟! بل فيه جماعة آخرون مثله في الجهالة كما يشير لذلك كلام الهيثمي السابق، وهذا كله إذا لم يكن في إسناد الطبراني عتبة بن السكن المتهم، وإلا فقد سقط الإسناد بسببه من أصله! وقد قال النووي في " المجموع " (5 / 304) بعد أن عزاه للطبراني: وإسناده ضعيف.

وقال ابن الصلاح: ليس إسناده بالقائم ". وكذلك ضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 420) وقال ابن القيم في " الزاد " (1 / 206) : " لا يصح رفعه ".

واعلم أنه ليس للحديث ما يشهد له، وكل ما ذكره البعض إنما هو أثر موقوف على بعض التابعين الشاميين لا يصلح شاهدا للمرفوع بل هو يعله، وينزل به من الرفع إلى الوقف، وفي كلمة ابن القيم السابقة ما يشير إلى ما ذكرته عند التأمل.

على أنه شاهد قاصر إذ غاية ما فيه: " أنهم كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن لا إله إلا الله (ثلاث مرات) ، قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد ". فأين فيه الشهادة على بقية الجمل المذكورة في الحديث مثل " ابن فلانة " و" أرشدني ... " وقول الملكين: " ما نصنع عند رجل " ... ".

وجملة القول أن الحديث منكر عندي إن لم يكن موضوعا. وقد قال الصنعاني في " سبل السلام " (2 / 161) : " ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف، والعمل به بدعة ولا يغتر بكثرة من يفعله ". ولا يرد هنا ما اشتهر من القول بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، فإن هذا محله فيما ثبت مشروعيته بالكتاب أو السنة الصحيحة، أما ما ليس كذلك فلا يجوز العمل فيه بالحديث الضعيف، لأنه تشريع ولا يجوز ذلك بالحديث الضعيف، لأنه لا يفيد إلا الظن المرجوح اتفاقا فكيف يجوز العمل بمثله؟! فليتنبه لهذا من أراد السلامة في دينه، فإن الكثيرين عنه غافلون. نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق.

600 - " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها ".

 

(2/65)

 

 

موضوع.

رواه ابن الأعرابي في " المعجم " (2 / 21 - 22) وابن عدي (82 / 1) وأبو موسى المدني في جزء " من أدركه الخلال من أصحاب ابن منده " (150 - 151) وأبو نعيم (4 / 121) والخطيب (7 / 346) والقضاعي (49 / 2) عن إسماعيل بن أبان عن الأعمش عن خيثمة عن عبد الله بن مسعود مرفوعا.

وقال أبو نعيم: " غريب لم نكتبه إلا من هذا الوجه " وذكر نحوه ابن عدي وزاد: " وهو معروف عن الأعمش موقوفا ".

قلت: وإسماعيل هذا قال فيه أحمد: " روى أحاديث موضوعة عن فطر وغيره، فتركناه ". وقال ابن حبان (1 / 116) : " كان يضع الحديث على الثقات ". وقال أبو داود: " كان كذابا ". ونقل المناوي عن " لسان الميزان " قال الأزدي: " هو كوفي زائغ وهو الذي روى حديث جبلت القلوب، قال الأزدي: " هذا الحديث باطل ".

قال المناوي: ورأيت بخط ابن عبد الهادي في تذكرته: قال مهنأ: سألت أحمد ويحيى عنه؟ فقالا: ليس له أصل، وهو موضوع ".

قلت: نقله أيضا ابن قدامة موفق الدين في " المنتخب " (10 / 195 / 2) عن مهنأ به. ومع هذا كله أورده السيوطي في " الجامع "! وقال: " صحح البيهقي وقفه "! قلت: الموقوف موضوع أيضا فإنه من هذه الطريق، كذلك رواه ابن حبان في " روضة العقلاء " (ص 255) وغيره، ولذلك قال السخاوي: " هو باطل مرفوعا وموقوفا ".

601 - " اتخذوا السراويلات فإنه من أستر ثيابكم، وخصوا بها نساءكم إذا خرجن ".

موضوع.

رواه العقيلي (ص 18) وابن عدي (4 / 1) والديلمي (1 / 2 / 200) وابن عساكر (2 / 380 / 2) عن إبراهيم بن زكريا الضرير العجلي - من أهل البصرة -: حدثنا همام عن قتادة عن قدامة بن وبرة عن الأصبغ بن نباتة عن علي قال:

 

(2/66)

 

 

كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع في يوم دجن ومطر، قال: فمرت امرأة على حمار ومعها مكاري فهو ت يد الحمار في وهدة من الأرض، فسقطت المرأة، فأعرض النبي عليه السلام بوجهه، فقالوا: يا رسول الله إنها متسرولة. فقال: اللهم اغفر للمتسرولات من أمتي. يا أيها الناس اتخذوا.... الحديث.

ذكره العقيلي في ترجمة إبراهيم هذا، وقال: " صاحب مناكير وأغاليط، ولا يعرف هذا الحديث إلا به، فلا يتابع عليه ". وقال ابن عدي: " وهذا الحديث منكر لا يرويه عن همام غير إبراهيم بن زكريا، ولا أعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم حدث عن الثقات بالأباطيل ". ومن طريق ابن عدي أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 45) وقال: " موضوع، والمتهم به إبراهيم ".

ثم ذكر ما تقدم عن العقيلي وابن عدي. فتعقبه السيوطي في " اللآلي " (2 / 260) بقوله: " قلت: أخرجه البزار والبيهقي في " الأدب " من هذا الطريق، وإبراهيم بن زكريا المتهم به الذي قال فيه ابن عدي هذا القول هو الواسطي العبدي، وليس هو الذي في إسناد هذا الحديث، إنما هذا إبراهيم بن زكريا العجلي البصري كما أفصح به العقيلي، وقد التبس على طائفة، منهم الذهبي في " الميزان " فظنهما واحدا، وفرق بينما غير واحد، منهم ابن حبان، فذكر العجلي في " الثقات "، والواسطي في " الضعفاء ".

وكذا فرق أبو أحمد الحاكم في " الكنى " والعقيلي والنباتي في " الحافل " والذهبي في " المغني ". قال الحافظ ابن حجر في " اللسان ": وهو الصواب ". قلت: وهذا التعقب ليس فيه كبير طائل، ذلك لأن العجلي الذي هو صاحب الحديث لم يوثقه غير ابن حبان، وهو مع ما عرف به من التساهل في التوثيق، فقد عارضه من حكمه أقرب إلى الصواب منه، فقد قال العقيلي فيه: " صاحب مناكير وأغاليط ".

ثم ساق له حديثين، هذا أحدهما. وفيه قال ابن عدي ما نقلته آنفا عنه، خلافا لما زعمه السيوطي أنه قال ذلك في الواسطي العبدي. وإليك نص كلامه لتكون على بينة من الأمر، قال: " إبراهيم بن زكريا المعلم العبدستاني العجلي الضرير، يكنى أبا إسحاق، حدث عن الثقات بالأباطيل ".

ثم ساق له هذا الحديث، وأعله بما سبق، فاتفاق هذين الإمامين على تضعيف إبراهيم هذا واستنكار حديثه، مقدم على توثيق ابن حبان له المستلزم رد الحكم على حديثه بالوضع أو النكارة - كما ذهب إليه السيوطي، لاسيما وقد ذكر الحافظ النقاد الذهبي أن هذا الحديث من بلايا العجلي! ثم رأيت ابن أبي حاتم ذكر في " العلل " (1 / 492 - 493) عن أبيه أنه قال: " هذا حديث منكر، وإبراهيم مجهول ".

 

(2/67)

 

 

على أن في الحديث علة أخرى من الأعلى، هي بالاعتماد عليها في إعلال الحديث أولى، ومن الغريب أن الذين تكلموا عليه لم يتنبهو الها، مثل ابن الجوزي، وابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2 / 272) ، ألا وهي الأصبغ بن نباتة، فهو متفق على تضعيفه، بل قال أبو بكر ابن عياش: " كذاب ". وقال النسائي وابن حبان: " متروك ". وأورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال ابن معين وغيره: ليس بشيء ". وقال الحافظ في " التقريب ": " متروك ". وبالجملة فالحديث بهذا الإسناد والسياق موضوع. وقد ذكر له السيوطي شواهد من حديث أبي هريرة وغيره مرفوعا بلفظ: " اللهم ارحم المتسرولات ". وقال: " وبمجموع هذه الطرق يرتقي الحديث إلى درجة الحسن ". قلت: وفي ذلك نظر لأن الطرق التي أشار إليها لا تخلومن وضاع أو متهم أو مجهول، مع أن بعضها مرسل.

وبيان ذلك مما لا يتسع له الوقت الآن، فإلى مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى.

602 - " إن الله عز وجل يقول: أنا الله لا إله إلا أنا، ملك الملوك، ومالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، وإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد عصوني حولت قلوب ملوكهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر والتضرع أكفكم مولككم ".

ضعيف جدا.

رواه الطبراني وعنه أبو نعيم (2 / 389) وتمام (6 / 77 / 1من مجموع الظاهرية رقم 95) عن أبي عمرو المقدم بن داود قال: حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا وهب بن راشد عن مالك بن دينار عن {خلاس} بن عمرو عن أبي الدرداء مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، المقدم بن داود قال النسائي:

" ليس بثقة ". ووهب بن راشد هو الرقي قال ابن عدي: " ليس حديثه بالمستقيم،أحاديثه كلها فيها نظر ". وقال الدارقطني: " متروك ". وقال ابن حبان:

 

(2/68)

 

 

" لا يحل الاحتجاج به بحال ". وقال الهيثمي (5 / 249) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه وهب (الأصل: إبراهيم وهو تحريف) ابن راشد وهو متروك ".

قلت: وتعصيب الجناية به وحده ليس بجيد لما علمت أن في الطريق إليه المقداد بن داود، وهو مثله في الضعف.

603 - " إن لله تعالى مجاهدين في الأرض أفضل من الشهداء، أحياء مرزوقين، يمشون على الأرض، يباهي الله بهم ملائكة السماء، وتزين لهم الجنة كما تزينت أم سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، والمحبون في الله، والمبغضون في الله، والذي نفسي بيده إن العبد منهم ليكون

في الغرفة فوق غرف الشهداء، للغرفة منها ثلاثمائة ألف باب، منها الياقوت والزمرد الأخضر، على كل باب نور، وإن الرجل منهم ليتزوج بثلاثمائة ألف حوراء، قاصرات الطرف عين، كلما التفت إلى واحدة منهن فنظر إليها تقول له: أتذكر يوم كذا وكذا أمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر؟ كلما نظر إلى واحدة منهن ذكرت له مقاما أمر فيه بمعروف، ونهى فيه عن منكر ".

لا أصل له.

ذكره الغزالي (2 / 273) من حديث أبي ذر! وقال الحافظ العراقي في " تخريجه ": " لم أقف له على أصل، وهو منكر ".

قلت: ولوائح الوضع عليه ظاهرة. والله أعلم.

 

(2/69)

 

 

604 - " السلطان ظل من ظل الرحمن في الأرض، يأو ي إليه كل مظلوم من عباده، فإن عدل كان له الأجر، وعلى الرعية الشكر، وإن جار، أو حاف، أو ظلم كان عليه الإصر، وعلى الرعية الصبر، وإذا جارت الولاة قحطت السماء، وإذا منعت الزكاة

 

(2/69)

 

 

هلكت المواشي، وإذا ظهر الربا (وفي نسخة: الزنا) ظهر الفقر والمسكنة، وإذا أخفرت الذمة أديل للكفار ".

موضوع.

أخرجه تمام في " الفوائد " (5 / 80 - 81 وفي النسخة الأخرى 5 / 49 - 50) وابن عدي في " الكامل " (175 / 1) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو" (27 / 2) من طريق سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

وروى طرفه الأول القضاعي في " مسند الشهاب " (ق 22 / 2) والديلمي (2 / 220) . قلت: وهذا إسناد موضوع، سعيد بن سنان هو أبو مهدي الحمصي اتهمه البخاري بقوله: " منكر الحديث ". وقال الدارقطني: " يضع الحديث ". وضعفه سائر الأئمة، وقال ابن عدي: " عامة ما يرويه غير محفوظ ". ولذلك أورده الذهبي

في " الضعفاء والمتروكين " وقال: " هالك ". وقال الحافظ في " التقريب ": " متروك، ورماه الدارقطني وغيره بالوضع ".

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية البزار والحكيم والبيهقي عن ابن عمر. وتعقبه المناوي

بقوله: " وقضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه: والأمر بخلافه، بل تعقبه بما نصه: وأبو المهدي سعيد بن سنان ضعيف عند أهل العلم بالحديث. انتهى.

وسعيد بن سنان هذا ضعفه ابن معين وغيره، وقال البخاري: منكر الحديث.

وساق في " الميزان " من مناكيره هذا الحديث، وجزم الحافظ العراقي بضعف سنده ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 196) : " رواه البزار، وفيه سعيد بن سنان أبو مهدي، وهو متروك ". وأشار الحافظ المنذري في " الترغيب " (3 / 137) إلى تضعيف الحديث.

605 - " لوقيل لأهل النار: إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا سنة لفرحوا بها، ولوقيل لأهل الجنة: إنكم ماكثون في الجنة عدد كل حصاة في الدنيا سنة لحزنوا، ولكنهم خلقوا للأبد والأمد ".

 

(2/70)

 

 

موضوع.

رواه الطبراني (3 / 75 / 2) وأبو نعيم (4 / 168) من طريق الحكم بن ظهير عن السدي عن مرة عن ابن مسعود مرفوعا: وقال أبو نعيم: " تفرد به الحكم بن ظهير ". قلت: وهو كذاب عند ابن معين وغيره، وقال ابن

حبان (1 / 245) : " يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات ". ثم ساق له حديثا آخر، وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 396) : " وهو مجمع على ضعفه ". وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 224) : " قال أبي: هذا حديث منكر ".

وقد أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الطبراني فأساء. ولم يتعقبه المناوي إلا بقول الهيثمي المذكور! والحديث يدل على أبدية الخلود في النار، والآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة تغني عنه من هذه الناحية.

606 - " ليأتين على جهنم يوم تصفق أبوابها، ما فيها من أمة محمد أحد ".

موضوع.

رواه ابن عدي عن العلاء بن زيدل عن أنس مرفوعا. قلت: والعلاء هذا قال الذهبي: " تالف، قال ابن المدني: كان يضع الحديث ". وقال ابن حبان (2 / 169) : " يروي عن أنس بن مالك بنسخة كلها موضوعة، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل التعجب ". وإنما أوردت الحديث لأن عالمين فاضلين أورداه ساكتين عليه، أحدهما الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث الكشاف " (4 /87، رقم 194) والآخر المناوي ذكره عند شرحه للحديث الذي قبله محتجا به!

ومعنى الحديث صحيح إن كان المراد بـ " أمة محمد " فيه أمة الإجابة لا أمة الدعوة كما هو ظاهر. ويؤيده ما ذكره ابن القيم في " حادي الأرواح " (2 / 176 - 177) من رواية إسحاق بن راهويه: حدثنا عبيد الله (بن معاذ) : حدثنا أبي: حدثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: " ما أنا بالذي لا أقول: إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد، وقرأ قوله: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق) الآية.

قال عبيد الله: كان أصحابنا يقولون: يعني به الموحدين ". وقد روي الحديث عن أبي أمامة ولا يصح أيضا وهو:

 

(2/71)

 

 

607 - " ليأتين على جهنم يوم كأنها زرع هاج، وآخر تخفق أبوابها ".

باطل.

أخرجه الطبراني في " جزء من حديثه " رواية أبي نعيم (28 / 1) والخطيب (9 / 122) عن عبد الله بن مسعود بن كدام عن جعفر عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا به. وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 268) من هذا الوجه وقال: " هذا حديث موضوع محال، جعفر هو ابن الزبير متروك ". وأقره السيوطي (2 / 466) ثم ابن عراق (391 / 1) .

وأقول: جعفر هذا وضاع، وقد مضى له أحاديث. لكن الراوي عنه ابن مسعر هالك أيضا، وقد أشار لهذا الذهبي في ترجمة جعفر فقال: " ويروي بإسناد مظلم عنه حديث متنه: يأتي على جهنم.... ".

ثم أعاده في ترجمة ابن مسعر فقال فيه: " قال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه.. " ثم قال: " وفي معجم الطبراني من حديث هذا التالف عن جعفر بن الزبير (في الأصل " الزبير بن سعيد " وهو تحريف) عن القاسم عن أبي أمامة في انقطاع عذاب جهنم، فهذا باطل ". وأقره الحافظ في " اللسان " وأورده في " تخريج أحاديث الكشاف " (4 / 87 رقم 194) ولم يعزه لأحد! ولعل الحديث أصله موقوف على بعض الصحابة، رفعه هذا التالف أو شيخه عمدا أو خطأ، فقد أخرجه البزار عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو قال: " يأتي على النار زمان تخفق أبوابها ليس فيه أحد. يعني من الموحدين ".

قال الحافظ: " كذا فيه، ورجاله ثقات، والتفسير لا أدري ممن هو؟ وهو أولى من تفسير المصنف ". قلت: الظاهر أن التفسير المذكور، من مخرجه البزار، فقد أخرج الفسوي في " تاريخه " بسند البزار عينه عن أبي بلج به، وليس فيه التفسير المذكور، هكذا ذكره الذهبي في ترجمة أبي بلج، وكذا الحافظ في " التهذيب " عن الفسوي وزاد: " قال ثابت البناني: سألت الحسن عن هذا؟ فأنكره ".

وأبو بلج هذا في نفسه ثقة، ولكنه ضعيف من قبل حفظه، ولذلك عد الذهبي هذا الأثر من بلاياه! ثم قال: " وهو منكر ". وجملة القول أن هذا الحديث لا يصح مرفوعا ولا موقوفا.

 

(2/72)

 

 

هذا وتفسير الزمخشري الذي سبقت الإشارة إليه في كلام الحافظ هو قوله في " تفسيره " (2 / 236) : " وقد بلغني أن من الضلال من اغتر بهذا الحديث فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار، وهذا والعياذ بالله من الخذلان المبين، ولئن صح هذا عن ابن عمرو فمعناه أنهم يخرجون من النار إلى برد الزمهرير، فذلك خلوجهنم وصفق أبوابها ". وهذا تأويل بعيد.

والأقرب ما سبق عن الحافظ، إلا أنني أرى أن الصواب عدم الاشتغال بالتأويل ما دام أن الحديث لم يصح. والله أعلم. واعلم أن من أذناب هؤلاء الضلال في القول بانتهاء عذاب الكفار الطائفة القاديانية، بل هم قد زادوا في ذلك على إخوانهم الضلال، فذهبوا إلى أن مصير الكفار إلى الجنة! نص على ذلك ابن دجالهم الأكبر محمود بشير بن غلام أحمد في كتاب " الدعوة الأحمدية ". فمن شاء التأكد من ذلك فليراجعها فإني لم أطلها الآن. وإن مما يجب الوقوف عنده، وتحقيق القول فيه ما ذكره ابن القيم في " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " (2 / 171 - 172) من رواية عبد بن حميد (قال) : بإسنادين صحيحين له عن الحسن قال:

قال عمر بن الخطاب: " لولبث أهل النار عدد رمل عالج، لكان لهم يوم يخرجون فيه ". ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى (لابثين فيها أحقابا) .

وقال ابن القيم: " وحسبك بهذا الإسناد جلالة، والحسن وإن لم يسمع من عمر، فإنما رواه عن بعض التابعين، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال: قال عمر بن الخطاب ".

قلت: هذا كلام خطابي، أستغرب صدوره من ابن القيم رحمه الله. لأنه خلاف ما هو مقرر عند أهل الحديث في تعريف الحديث الصحيح: أنه المسند المتصل برواية العدل الضابط، فإذا اعترف بانقطاعه بين الحسن وعمر، فهو مناف للصحة بله الجلالة! وخلاف المعروف عندهم من ردهم لمراسيل الحسن البصري خاصة، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في أثر الحسن هذا نفسه: " فهو منقطع، ومراسيل الحسن عندهم واهية، لأنه كان يأخذ من كل أحد "! وقوله: " فإنما رواه عن بعض التابعين،.... " قلنا: نعم، فكان ماذا؟ أليس كذلك كل مرسل تابعي؟ إنما رواه عن تابعي إن لم يكن عن صحابي؟ فلماذا إذن اعتبر المحدثون الحديث المرسل أو المنقطع من قسم الحديث الضعيف؟ ذلك لاحتمال أن يكون الرجل الساقط من الإسناد مجهولا أو ضعيفا لا يحتج به لوعرف، وهذا بخلاف ما لوكان المرسل لا يروي إلا عن صحابي فإن حديثه حجة، لأن الصحابة كلهم عدول، فهذا المرسل فقط هو الذي يحتج به من بين المراسيل كلها، وهو الذي اختاره الغزالي وصححه الحافظ العلائي في " جامع التحصيل في أحكام المراسيل " (7 / 1) ، وأما دعوى البعض أن الإجماع كان على الاحتجاج بالحديث المرسل حتى جاء

 

(2/73)

 

 

الإمام الشافعي، فدعوى باطلة مردودة بأمور منها ما رواه مسلم في مقدمة " صحيحه " (1 / 12) عن عبد

الله بن المبارك أنه رد حديث " إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك، وتصوم لهما مع صيامك " بعلة الإرسال، في قصة له تراجع هناك.

وابن المبارك رحمه الله توفي قبل الشافعي بأكثر من عشرين سنة. وكلام ابن القيم المذكور - مع مخالفته للأصول - يلزمه أن يقبل مراسيل الحسن البصري كلها إذا صح السند إليه بها، وما أخاله يلتزم ذلك، كيف ومنها ما رواه عن سمرة مرفوعا. " لما حملت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحارث. فسمته عبد الحارث، فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره ".

فهذا إسناده خير من إسناد الحسن عن عمر، لأنه قد قيل أن الحسن سمع من سمرة، بل ثبت أنه سمع منه حديث العقيقة في " صحيح البخاري "، وهو مع جلالته، مدلس لا يحتج بما عنعنه من الحديث، ولوكان قد لقي الذي دلس عنه كسمرة، فهل يحتج ابن القيم بحديثه هذا عن سمرة ويقول فيه: " فإنما رواه عن بعض التابعين ... "؟ ! كلا إن ابن القيم رحمه الله تعالى أعلم وأفقه من أن يفعل ذلك، مع العلم أن بعضهم قد فسر بهذا الحديث قوله تعالى: (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما)

فأرجع ضمير (جعلا) إلى آدم وحواء عليهما السلام! مع أن الحسن نفسه لم يفسر الآية بحديثه هذا كما بيناه فيما تقدم (رقم 342) ، وكذلك صنع ابن القيم فإنه فسر الآية المذكورة بنحوما فسره الحسن، قال في " التبيان " (264) : " فاستطرد من ذكر الأبو ين إلى ذكر المشركين من أولادهم ".

وكم من حديث من رواية الحسن مرسلا أو منقطعا لم يأخذ به ابن القيم كغيره من أهل العلم بل إن بعضها ثبت عن الحسن الإفتاء بخلافه، وليس هذا مجال بيانه، غير أني أقول: إن هذا الأثر الذي رواه الحسن عن عمر، هو في المعنى كالأثر المتقدم الذي رواه أبو بلج عن عبد الله بن عمرو.

ومع ذلك لما سئل عنه الحسن رحمه الله تعالى أنكره، كما تقدم من رواية الفسوي عن ثابت عنه. وأقول الآن: إن حديث بطلان الصلاة بالقهقهة قد جاء مرسلا عن جماعة من التابعين أشهرهم أبو العالية، ومنهم الحسن البصري، وهو صحيح عنه، فقد قال البيهقي في " كتاب معرفة السنن والآثار " (ص 139 - طبع الهند) : " وقد رواه جماعة عن الحسن البصري مرسلا ".

فهل يأخذ به ابن القيم؟! ويؤسفني أن أقول: إن القاديانية في ضلالهم المشار إليه آنفا (ص 73) يجدون متكئا لهم في بعض ما ذهبوا إليه في بعض كتب أئمتنا من أهل السنة، فقد عقد العلامة ابن القيم في كتابه " الحادي " فصلا خاصا في أبدية النار، أطال الكلام فيه جدا، وحكى في ذلك سبعة أقوال، أبطلها كلها سوى قولين منها:

 

(2/74)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج2. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الامة

    ج2. ج2. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها  السيئ في الأمة المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجات...